الأذان بين الإصالة والتحريف

السيد علي الشهرستاني

الأذان بين الإصالة والتحريف

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8166-82-X
الصفحات: ٤٩٦

و ٣٥٦ هـ) وأن «جوهراً» أعلن حيّ على خير العمل وفضّل الإمام عليّاً وأولاده على غيره وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم ، ممّا سيأتي في ما ننقله عن حوادث مصر في تلك السنة.

هذا نموذج بسيط عن مسار الاتجاهين الفكري. وقد أكدنا اكثر من مرّة على أنّ لكلّ واحد من النهجين قادة وجماهير.

ولما حكم نهج الاجتهاد والرأي ـ في الحكومات الأموية والعباسية أو السلجوقية والأيوبية ـ حكّم آراء الخلفاء وفقههم في الشريعة.

أما النهج الشيعي فقد دعا إلى الأخذ بسنة رسول الله عن عليّ وأولاده ، وهؤلاء قد عارضوا النهج الحاكم في زمن الشيخين وعثمان وطيلة الحكم الاموي والعباسي. ولا ننسى أن شعارية «حيّ على خير العمل» وغيرها قد تجسدت في العصر العباسي الأوّل والثاني ، أي بنشوء الدول الشيعية كالدولة الإدريسية في المغرب والحمدانية في حلب ، والبويهية في بغداد ، والزيدية في طبرستان ، والفاطمية في مصر و ...

وقد اتّخذ كلّ اتجاه أُصولا في عمله ، فأحدهم يمنع من تدوين الحديث والآخر يصرّ عليه وإن وضعت الصمصامة على عنقه.

والأوّل يذهب إلى عدم تنصيص النبيّ على أحد بل ترك الأمّة لتختار لإمامتها من تشاء ، والآخر يعتقد بلزوم الوصاية والخلافة وقد عيّن النبيُّ بالفعل

علياً إماماً وخليفة من بعده.

والسنيّ يقول باجتهاد النبيّ ، والشيعي لا يرتضي ذلك .. وهلمّ جرّاً.

اذاً يمكن تلمس النهج السني في تصرف الدولتين الاموية والعباسية ، ثمّ بعدهم السلجوقيّة والنوريّة والصلاحيّة والعثمانيّة ، وهذه الدول كانت تسعى لتطبيق ما

٣٦١

شُرّع على عهد الخلفاء وما دوّن لهم في عهد عمر بن عبدالعزيز ـ لقول الزهري : (كنّا نكره تدوين الحديث حتّى أكرهنا السلطان على ذلك ، فكتبناه وخفنا أن لا نكتبها للناس) ـ وأخذوا بالمذاهب الأربعة فقط ، اعتقاداً منهم بأنّ أقوال أربابها هي الدين الحق ، غافلين عن دور الحكّام في تأصيل أصول تلك الأحكام الشرعية ، كتدوين الحديث ، وحصر المذاهب بالأربعة وسوى ذلك.

وفي المقابل نرى النهج العلوي بأمرائه وجماهيره وعلمائه وفقهائه يسعون ـ عند وصولهم إلى الحكم ـ لتطبيق ما عرفوه من سنة رسول الله ونهج الإمام عليّ ، فيصرّون على الإتيان بالحيعلة الثالثة مثلاً ويأبَون بِدعيتها ، وهكذا الأمر في غيرها من المسائل المختلف فيها.

وهذا التخالف بين الجناحين يومئ إلى أنّ الخلاف بين الحكومات العلويّة الشيعيّة والحكومات السنيّة على مرّ التاريخ كان يدور في محاور عقائديّة فكرية استراتيجيّة ، مضافاً لما بينهما من خلاف حول الخلافة ، لأنّ كلّ واحد من الطرفين يستدل على صحّة عمله بأقوال وأفعال من يعتقد به من الصحابة أو أهل البيت.

وعليه فلا يجوز أن نتغافل عن جذور الحيعلة الثالثة وأشباهها في كتب الفقه والحديث والتاريخ ، بل بذكرنا خلافيات الفريقين يمكن الوقوف على جواب سؤالنا السابق ، وأن هذه الأمور هي تشريعات ذات أبعاد سياسية عقائدية.

ولا يمكننا أن ننكر أنّ الشيعة قد كانوا يَمَسّون الصحابة في بعض الأحيان ؛ لما وقفوا عليه في التاريخ من غصب حقّ الإمام عليّ ، ومنع الزهراء من فدك والهجوم على بيتها ، ولعن الإمام عليَّ على المنابر في زمن معاوية ومَن بعده ، وضياع أحكام كثيرة من دين الله و ...

وهذا يوضح أنّ لكلّ واحد من النهجين شعائره ومقدساته. ويجب أن يتّضح لنا

٣٦٢

أنّ هذا الموقف من الاعتقاد الشيعي أو ذاك الموقف من الاعتقاد السنّي إنّما يبتني على ما يحمله كلّ طرف من المتبنّيات الفكرية الأيدلوجية والأصول التي اعتمد عليها ، والتي تدلّ على شرعيّته عنده وأنّه لم يكن وليد ساعته!

إنّ كلامنا هذا يرمي إلى بيان البُنَى التحتية للفريقين ، دون الخوض في أصل شرعية حكم الفاطميين أو عدم شرعية حكم العباسيين أو العكس وإلى البحث عن مدى صحّة ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، أو أن حكم البسملة هو الجهر أم الإخفات ، وهل يجوز المسح على الخفين أم لا؟ إذ أن شرعية هذه الأحكام وعدمها سبقت هذه المرحلة ، وإن ديمومية هذا الخلاف من قبل الفريقين ينبئ عن وجود أصل مختلف فيه بينهما ، لا كما يصورونه من عدم وجود أصل فيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو عن حكومات غير المتعبّدين.

الأندلس «ما بعد سنة ٣٠٠ هـ»

ذكر ابن حزم الاندلسي في (نَقْط العروس في تواريخ الخلفاء) تحت عنوان : مَن خَطَب لبني العبّاس أو لبني عليّ بالأندلس ، فقال :

عمر بن حفصون خطب في أعماله بريَّةَ (١) لإبراهيم بن قاسم بن إدريس بن عبدالله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب صاحب البصرة ، ثمّ خطب لعبيد الله صاحب افريقية ، وأذّن في جميع أعماله «بحيّ على خير العمل» (٢).

__________________

(١) بناحية اكشونيت.

(٢) رسائل ابن حزم الاندلسي ٢ : ٨٤ الرسالة الثانية (نَقط العروس في تواريخ الخلفاء) تحقيق احسان عباس بيروت ١٩٨٧.

٣٦٣

حلب / مصر (سنة ٣٤٧ هـ)

قال المقريزي في (المواعظ والاعتبار) : «... وأوّل مَن قال في الأذان بالليل : «محمّد وعليّ خير البشر» (١) الحسين المعروف «بأمير ابن شكنبة» ، ويقال اشكنبة ، وهو اسم اعجميّ معناه : الكرش ، وهو : عليّ بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، وكان أوّل تأذينه بذلك في أيّام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة ، قاله الشريف محمّد بن أسعد الجوباني النسّابة.

ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه «حيَّ على خير العمل ، ومحمّد وعليّ خير البشر» إلى أيّام نور الدين محمود ، فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليّ بن الحسن بن محمّد البلخي الحنفي إليها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقى بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم يؤذّنوا الأذان المشروع (٢) ، ومن امتنع كُبّوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمر الأمر على ذلك.

وأمّا مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم [يعني الشيعة الفاطميين] إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوّب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستيّن وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري ، فأبطل الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وصار يؤذّن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكّة ، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ، فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار

__________________

(١) هذا اشتباه من الكاتب ، ذلك ان الزيدية كانت تقول بهذا قبل هذا التاريخ حسبما وضحناه.

(٢) يعني به الذي ليس فيه «حيّ على خير العمل ، المفسر بمحمد وعلي خير البشر»!

٣٦٤

مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة في مصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفيّة بأذان أهل الكوفة ، وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم (١) ...

ومما يجب الإشارة إليه أنّ دولة سيف الدولة الحمدانيّ المتوفّى سنة ٣٥٦ هـ اتّسعت وشملت حلب وانطاكيه وقنّسرين ومنبج وبالس ومعرّة النعمان ومعرّة مصرين ، وسرمين ، وكفر طاب ، وافامية ، وعزاز ، وحماة ، وحمص ، وطرطوس ، ثمّ تولى بعده أخوه ناصر الدولة. وكانت دولة شيعية اثني عشريّة تعلن عن معتقداتها وآراءها بدون عسف وقسر.

روى ابن ظافر في أحداث سنة أربع وخمسين وثلاثمائة أن سيف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة ، فزّوج ابنيه أبا المكارم وأبا المعالي بابنتَي ناصر الدولة ، وزوج أبا تغلب بابنته «ستّ الناس» وضرب دنانير كبيرة ، في كلّ دينار منها ثلاثون ديناراً وعشرون وعشرة عليها مكتوب : «لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله. أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. فاطمة الزهراء. الحسن. الحسين. جبريل :». وعلى الجانب الآخر «أمير المؤمنين المطيع لله. الأميران الفاضلان : ناصر الدولة ، سيف الدولة. الأميران أبو تغلب وأبو المكارم» (٢).

وواضح ممّا تقدم أنّ الشيعة كانوا يعلنون عن معتقداتهم بكل رصانة وهدوء وبالدليل والمنطق حين تستقر بهم الأمور ، بخلاف مَن أمروا بإلقاء مَن يؤذّن بالحيعلة الثالثة وبفضل محمّد وآل محمّد من على رأس المنارة!!

وجاء في الكامل لابن الأثير وتاريخ الإسلام للذهبي في حوادث سنة ٣٥١ هـ : وفيها كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد : لَعَنَ الله معاوية ، ولَعَنَ من غَصَبَ

__________________

(١) خطط المقريزي ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٢) أعيان الشيعة ٨ : ٢٦٩.

٣٦٥

فاطمةَ حقَّها من فَدَك ، ومَن منع الحَسَن أن يُدفن مع جدّه ، ومن نفى أبا ذَرٍّ. ثمّ إنَّ ذلك مُحي في الليل ، فأراد مُعِزُّ الدولة إعادته ، فأشار عليه الوزير المهلّبي أن يُكتَب مكان ما مُحي : «لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وصرّحوا بلعنة معاوية فقط (١).

وفي ثامن عشر ذي الحجّة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة (٣٥٢ هـ) عُمل عيد غدير خُمّ وضُربت الدبادب ، وأصبح الناس إلى مقابر قر يش للصلاة هناك ، وإلى مشهد الشيعة (٢).

القاهرة (سنة ٣٥٦ هـ)

جاء في كتاب (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار) للمقريزي : «... وفي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة أُخذ رجل يعرف بابن أبي الليث يُنسَب إلى التشيع فضُرب مائتي سوط ودَرّة.

ثمّ ضرب في شوّال خمسمائة سوط ودَرّة ، وجُعل في عنقه غِلّ وحُبِس ، وكان يُتفقَّد في كلّ يوم لئلا يُخفّف عنه ، ويُبصَق في وجهه ، فمات في محبسه ، فحُمل ليلاً ودفن.

فمضت جماعة إلى قبره ينبشوه وبلغوا إلى القبر ، فمنعهم جماعة من الاخشيديّة والكافوريّة فأبَوا وقالوا : هذا قبرُ رافضي ، فثارت فئة ، وضرب جماعة ونهبوا كثيراً حتّى تفرّق الناس.

وفي سنة ستّ وخمسين كتب في صفر على المساجد ذكر الصحابة والتفضيل ،

__________________

(١) تاريخ الإسلام : ٨ حوادث ٣٥١ ـ ٣٨٠ هـ ، الكامل في التاريخ ٧ : ٤ ، المنتظم ١٤ : ١٤٠.

(٢) تاريخ الإسلام : ١٢ حوادث ٣٥١ ـ ٣٨٠ هـ.

٣٦٦

فأمر الأستاذ كافور الإخشيدي بإزالته ، فحدّثه جماعة في إعادة ذكر الصحابة على المساجد فقال : ما أُحدِث في أيّامي ما لم يكن ، وما كان في أيّام غيري فلا أزيله ، ثمّ أمر من طاف وأزاله من المساجد كلها.

ولما دخل جوهر القائد بعساكر المعزّ لدين الله إلى مصر وبنى القاهرة أظهر مذهب الشيعة ، وأذّن في جميع المساجد الجامعة وغيرها «حيّ على خير العمل» وأعلن بتفضيل عليّ بن أبي طالب على غيره ، وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم ...

وفي ربيع الأوّل سنة اثنين وستّين عَزّر سليمانُ بن عروة المحتسب جماعة من الصيارفة ، فشغبوا وصاحوا : معاوية خال عليّ بن أبي طالب ، فهمّ جوهر أن يحرق رحبة الصيارفة لكن خشي على الجامع ، وأمر الإمام بجامع مصر أن يجهر بالبسملة في الصلاة ، وكانوا لا يفعلون ذلك ، وزِيدَ في صلاة الجمعة القنوت في الركعة الثانية ، وأمر في المواريث بالردّ على ذوي الأرحام ، وأن لا يرث مع البنت أخ ولا أخت ولا عمّ ولا جدّ ، ولا ابن أخ ولا ابن عم ، ولا يرث مع الولد الذكر أو الأنثى إلاّ الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأمِّ إلاّ من يرث مع الولد أو الأنثى إلاّ الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأم إلاّ من يرث مع الولد.

وخاطب أبو الطاهر محمّد بن أحمد ـ قاضي مصر ـ القائدَ جوهراً في بنت وأخ ، وأنه حكم قديماً للبنت بالنصف وللأخ بالباقي ، فقال : لا أفعل ، فلمّا ألحّ عليه قال : يا قاضي ، هذا عداوة لفاطمة عليها السلام!! فأمسك أبو الطاهر فلم يراجعه بعد ذلك ... (١)

__________________

(١) المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والأثار للمقريزي ٢ : ٣٤٠.

٣٦٧

القاهرة (سنة ٣٥٨ هـ)

قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان : أقيمت الدعوة للمعزّ في الجامع العتيق ، وسار جوهر إلى جامع ابن طولون ، وأمر بأن يؤذّن فيه بـ «حيّ على خير العمل» وهو أوّل ما أذّن ، ثمّ أذّن بعده بالجامع العتيق ، وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم (١).

وقال بعده : وفي يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقيب الخطبة : اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطَي الرسول ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، اللّهمّ صلّ على الأئمّة الطاهرين آباء أمير المؤمنين (٢).

وجاء في (المنتظم) في حوادث سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة : .. ودخل جوهر إلى مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين ، وخطب لبني عبيد في الجامعين بفسطاط مصر وسائر أعمالها يوم الجمعة لعشر ليال بقين من شعبان هذه السنة ، وكان الخاطب في هذا اليوم عبدالسميع بن عمر العباسي.

وقد أشار محقق الكتاب في الهامش إلى نصّ كتاب جوهر لأهل مصر نقتطف منه مقطع «... وردّ المواريث إلى كتاب الله وسنّة رسوله ، وأن يقدم من أَمَّ مساجدكم وتزيينها ، وإعطاء مؤذنيها وقومتها ومن يؤمّ بالناس أرزاقهم ، وأن يجري فرض الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان وفطره وقنوت لياليه والزكاة والحج والجهاد على ما أمر الله في كتابه وسنّة نبيّه ، وإجراء أهل الذمّة على ما كانوا عليه» (٣).

__________________

(١) وفيات الاعيان لابن خلكان ١ : ٣٧٥ وانظر : أخبار بني عبيد ١ : ٨٤.

(٢) وفيات الأعيان ، لابن خلكان ١ : ٣٧٩.

(٣) المنتظم ١٤ : ١٩٧.

٣٦٨

وفي كتاب (العبر في خبر من غبر) : ... وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي ، فأخذوا ديار مصر ، وأقاموا الدعوة لبني عُبيد ، مع أنّ دولة معزّ الدولة [البويهي] هذه المدة رافضية ، والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير (١).

وفي (مآثر الإنافة) للقلقشندي قال : ... دخل جوهر قائد المعزّ الفاطمي إلى مصر سنة ٣٥٨ واستولى عليها وأذّن بـ «حيّ على خير العمل» وقطع الخطبة للعباسيين (٢).

وفي (تاريخ الخلفاء) للسيوطي قال : ... لمّا مات كافور الاخشيدي صاحب مصر اختلّ النظام وقلّت الأموال على الجند ، فكتب جماعة إلى المعزّ [الفاطمي] يطلبون منه عسكراً ليسلّموا إليه مصر ، فأرسل مولاه جوهراً القائد في مائة ألف فارس فملكها ... وقطع خطبة بني العبّاس ولبس السواد وألبس الخطباء البياض ، وأمر أن يقال في الخطبة : «اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول ، وصلّ على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعزّ بالله» (٣).

وفي (سير أعلام النبلاء) (٤) و (نهاية الأرب) (٥) والنصّ للأوّل : ... وضربت السكّة على الدينار بمصر وهي : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليٌّ خير الوصيين ، والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ ، واعلن بـ «حيّ على خير العمل» ، ونودي : «من مات عن بنت وأخ وأخت فالمال كلّه للبنت» ، فهذا رأي هؤلاء.

__________________

(١) العبر في خبر من غبر ٢ : ٣١٦.

(٢) مآثر الانافة للقلقشندي ١ : ٣٠٧.

(٣) تاريخ الخلفاء : ٤٠٢.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٥ : ١٦٠ وتاريخ الإسلام.

(٥) نهاية الارب في فنون الادب / الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ اخبار الملوك العبيديون.

٣٦٩

قال الذهبي : ظهر في هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والحجاز والشام والمغرب بالدولة العبيديّة ، وبالعراق والجزيرة والعجم ببني بويه ، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه ، وأعلن الأذان بالشام ومصر بـ «حيّ على خير العمل».

وفي (البداية والنهاية) لابن كثير ... دخل أبو الحسين جوهر القائد الرومي في جيش كثيف من جهة المعزّ الفاطمي إلى ديار مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر بقيت من شعبان ، فلمّا كان يوم الجمعة خطبوا للمعزّ الفاطمي على منابر الديار المصريّة وسائر أعمالها ، وأمر جوهر المؤذنين بالجوامع أن يؤذنوا بـ «حيّ على خير العمل» وان يجهر الأئمّة بالتسليمة الأولى (١).

جامع ابن طولون / مصر (سنة ٣٥٩ هـ)

قال النويري في (نهاية الاَرب في فنون الأدب) : ... وفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في يوم الجمعة لثمان خَلَون من شهر ربيع الآخر ، صلّى القائد جوهر في جامع ابن طولون وأذن بـ «حيّ على خير العمل» ، وهو أوّل ما أذّن به بمصر ، ثمّ أذن بذلك بالجامع العتيق بمصر في الجمعة (٢).

وقال ابن خلدون في تاريخه : ... دخل جوهر جامع ابن طولون فصلّى فيه وأمر بزيادة «حيّ على خير العمل» في الأذان ، فكان أوّل أذان أُذِّن به في مصر (٣).

وقال ابن الأثير في الكامل : ... وفي جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وثلاثمائة سار جوهر إلى جامع ابن طولون وأمر المؤذن فأذن بـ «حيّ على خير

__________________

(١) البداية والنهاية ١١ : ٢٨٤.

(٢) نهاية الارب في فنون الادب / الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ اخبار الملوك العبيديون.

(٣) تاريخ ابن خلدون ٤ : ٤٨.

٣٧٠

العمل» وهو أوّل ما أذن بمصر ، ثمّ أذن بعده في الجامع العتيق وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم (١).

وفي (شذرات الذهب) لابن العماد الحنبلي : ... في ثامن عشر من ربيع الآخر سنة ٣٥٩ صلّى القائد جوهر في جامع ابن طولون بعسكر كثير ، وخطب عبدالسميع بن عمر العباسي الخطيب وذكر أهل البيت وفضائلهم رضي الله عنهم ، ودعا للقائد جوهر ، وجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة ، وأذن بـ «حيّ على خير العمل» وهو أوّل ما أُذّن به بمصر ... وقنت الخطيب في صلاة الجمعة ، وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة أذنوا في جامع مصر العتيق بـ «حيّ على خير العمل» (٢).

وقال المقريزي في (المواعظ والاعتبار) : ... وكان الأذان أولاً بمصر كأذان أهل المدينة وهو الله أكبر ، الله أكبر وباقيه كما هو اليوم ، فلم يزل الأمر بمصر على ذلك في جامع عمرو بالفسطاط ، وفي جامع العسكر ، وفي جامع أحمد ابن طولون وبقيّة المساجد إلى أن قَدِم القائد جوهر بجيوش المعزّ لدين الله وبنى القاهرة ، فلمّا كان في يوم الجمعة الثامن من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة صلّى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون ، وخطب به عبدالسميع بن عمر العبّاسي بقلنسوة وسبنى ، وطيلسان دبسيّ ، وأذّن المؤذّنون «حيّ على خير العمل» وهو أوّل ما أذّن به بمصر.

وصلّى به عبدالسميع الجمعة ، فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون ، وقنت في الركعة الثانية ، وانحطّ إلى السجود ، ونسي الركوع ، فصاح به عليّ بن الوليد قاضي

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٧ : ٣١.

(٢) شذرات الذهب ٣ : ١٠٠.

٣٧١

عسكر جوهر : بطلت الصلاة ، أعد ظهراً أربع ركعات ، ثمّ أذّن بـ «حيّ على خير العمل» في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبدالله (١).

وأنكر جوهر على عبدالسميع أنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كلّ سورة ، ولا قرأها في الخطبة ، فأنكره جوهر ومنعه من ذلك.

ولأربع بقين من جمادى الأولى المذكور أذّن في الجامع العتيق بـ «حيّ على خير العمل» ، وجهروا في الجامع بالبسملة في الصلاة ، فلم يزل الأمر على ذلك طول مدة الخلفاء الفاطميين ؛ إلاّ أنّ الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذّني القصر ، وسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي ، وقرأ أبو عليّ العباسي سجلاًّ فيه الأمر بترك «حيّ على خير العمل» في الأذان ، وأن يقال في صلاة الصبح : الصلاة خير من النوم ، وأن يكون ذلك من مؤذّني القصر عند قولهم : «السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله» (٢).

فامتثل ذلك ، ثمّ عاد المؤذّنون إلى قول «حيّ على خير العمل» في ربيع الآخر سنة أحد وأربعمائة ، ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذّني جامع القاهرة ومؤذّني القصر من قولهم بعد الأذان : «السلام على أمير المؤمنين» وأمرهم أن يقولوا بعد الأذان : الصلاة رحمك الله ...» (٣).

وفي كتاب (النجوم الزاهرة في أعلام مصر والقاهرة) : ... ثمّ في شهر ربيع الآخر

__________________

(١) انظر : قريباً منه في أخبار بني عبيد ١ : ٨٥.

(٢) مرّ عليك أنّ معاوية بن أبي سفيان هو أوّل من ابتدع هذه المقولة ورسّخ أركانها (كما عن كتب الأوائل السيوطي : ٢٦). وقد كان لهذا الأمر جذر متجذر في زمان عمر ، ذلك أنّه لمّا قدم عمر مكّة أتاه أبو محذورة وقد أذّن ، فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح ، قال : ويحك أمجنون أنت؟! أما كان في دعائك الذي دعوتنا ما نأتيك حتّى تأتينا. (مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٣٠٧).

(٣) المواعظ والاعتبار للمقريزي ٢ : ٢٧٠ ـ ٢٧١.

٣٧٢

سنة تسع وخمسين وثلاثمائة أذّنوا بمصر بـ «حيّ على خير العمل» واستمرّ ذلك ، ثمّ شرع جوهر في بناء جامعه بالقاهرة المعروف بجامع الأزهر ، وهو أوّل جامع بنته الرافضة بمصر (١).

وفي تاريخ الخلفاء : في ربيع الآخر سنة ٣٥٩ أذّنوا بمصر بـ «حيّ على خير العمل» (٢).

دمشق (سنة ٣٦٠ هـ)

قال الذهبي في تاريخ الإسلام : ... وفي صفر أعلن المؤذّنون بدمشق «حيّ على خير العمل» بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ بالله ، ولم يجسر أحد على مخالفته ، وفي جمادى الآخرة أمرهم بذلك في الإقامة فتألم الناس لذلك فهلك لِعامِهِ والله أعلم (٣). وفي (سير أعلام النبلاء) : ... وفي سنة ستين تملّك بنو عبيد مصر والشام وأذنوا بدمشق بـ «حيّ على خير العمل» وغلت البلاد بالرفض شرقاً وغرباً وخفيت السنة قليلاً (٤).

ثمّ قال في (ج ١٦ : ٤٦٧) : ... وقطعت الخطبة العباسية وألبس الخطباء البياض وأذنوا بـ «حيّ على خير العمل».

وقال ابن كثير في (البداية والنهاية) : ... استقرّت يد الفاطميين على دمشق في سنة ٣٦٠ ، وأذّن فيها وفي نواحيها بـ «حيّ على خير العمل» أكثر من مائة سنة ،

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٤ : ٣٢.

(٢) تاريخ الخلفاء : ٤٠٢.

(٣) تاريخ الإسلام : ٤٨ حوادث ٣٥١ ـ ٣٨٠ هـ.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٥ : ١١٦ ، تاريخ الخلفاء : ٤٠٢.

٣٧٣

وكتب لعنة الشيخين على أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد.

وفي مصر خطب جوهر لمولاه وقطع خطبة بني العبّاس ، وذكر في خطبته الأئمّة الاثني عشر وأمر فأذّن بـ «حيّ على خير العمل» (١).

وقال بعد ذلك : وفيها أذن بدمشق وسائر الشام بـ «حيّ على خير العمل» ، قال ابن عساكر في ترجمة جعفر بن فلاح نائب دمشق : وهو أوّل من تأمّر بها عن الفاطميين :

أخبرنا أبو محمّد الأكفاني ، قال : قال أبو بكر أحمد بن محمّد بن شرام : وفي يوم الخميس لخمس خَلَونَ من صفر من سنة ٣٦٠ أعلن المؤذّنون في الجامع بدمشق وسائر مآذن البلد وسائر المساجد بحيّ على خير العمل بعد حيّ على الفلاح ، أمرهم بذلك جعفر بن فلاح ولم يقدروا على مخالفته ، ولا وجدوا من المسارعة إلى طاعته بُدّاً.

وفي يوم الجمعة الثامن من جمادى الآخرة أُمر المؤذّنون أن يُثنّوا الأذان والتكبير في الاقامة مَثْنى مَثْنى ، وأن يقولوا في الإقامة «حيّ على خير العمل» ، فاستعظم الناس ذلك وصبروا على حكم الله (٢).

وجاء في (النجوم الزاهرة) : ... وهي السنة الثانية لولاية جوهر ... على مصر وهي سنة ٣٦٠ ، وفيها عمل الرافضة المآتم ببغداد في يوم عاشوراء على العادة في كلّ سنة من النَّوح واللطم والبكاء ، وتعليق المُسوح ، وغلق الأسواق ، وعملوا العيد والفرح يوم الغدير وهو يوم ثامن عشر من ذي الحجّة.

__________________

(١) البداية والنهاية ١١ : ٢٨٤.

(٢) البداية والنهاية ١١ : ٢٨٧ ، وكلام ابن كثير يشير إلى عمل أهل السنة والجماعة بالتقية لو احسوا الضرورة لذلك ، كما يفعله اليوم الخط السلفي واتباع الطالبان ، فلا يرتضي أحد منهم أن يُنسَب إلى ابن لادن خوفاً من القتل والسجن!

٣٧٤

وفي صفر أعلن المؤذّنون بـ «حيّ على خير العمل» بأمر القائد جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ الفاطمي ، ولم يجسر أحد على مخالفته ، ثمّ في جمادى الآخرة أمرهم ابن فلاح المذكور بذلك في الإقامة فتألم الناس (١).

وقال أيضاً : ... وفيها (أي سنة ٣٦٠) قتل جعفر بن فلاح وهو أوّل أمير ولي دمشق لبني عبيد المغربي ، والعجب أن القرمطي أبا محمّد الحسن بن أحمد لمّا قتله بكى عليه ورثاه لأنهما يجمع بينهما التشيّع (٢).

وقد كتب المقريزي عن المعزّ لدين الله : أنه لمّا دخل مصر أمر في رمضان سنة اثنين وستّين وثلاثمائة فكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر : «خير الناس بعد رسول الله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام» (٣).

حلب (سنة ٣٦٧ هـ)

جاء في زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن أبي جرادة الشهير بابن العديم المتوفّى سنة ٦٦٠ : ... وانهزم (بكجور) إلى القلعة فاستعصى بها وذلك في رجب سنة خمس وستّين وثلاثمائة ، ثمّ أقام سعد الدولة يحاصر القلعة مدة حتّى نفذ ما فيها من القوت ، فسلمها (بكجور) في شهر ربيع الآخر من سنة سبع وستين وثلاثمائة.

وولى سعدُ الدولة بكجورَ حمص وجندها ، وكان تقرير أمر بكجور بين سعد الدولة وبينه على يد أبي الحسن عليّ بن الحسين بن المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم.

واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبيّون عمارة المسجد الجامع بحلب ،

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٤ : ٥٧.

(٢) النجوم الزاهرة ٤ : ٥٧.

(٣) المواعظ والاعتبار ٢ : ٣٤٠ ـ ٣٤١.

٣٧٥

وزادوا في عمارة الأسوار في سنة سبع وستين. وغيَّر سعدٌ الأذانَ بحلب وزاد فيه : «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، وقيل : أنه فعل ذلك في سنة تسع وستين وثلاثمائة ، وقيل : سنة ثمان وخمسين. وسير سعد الدولة في سنة سبع وستين وثلاثمائة الشريف أبا الحسن إسماعيل بن الناصر الحسني يهنّئ عضد الدولة بدخوله مدينة السلام (١).

وقال أبو الفداء في (اليواقيت والضرب في تاريخ حلب) : ... وأقام سعد الدولة يحاصر القلعة مدّة حتّى نفذ ما فيها من القوت ، فسلّمها بكجور إليه في شهر ربيع الآخر سنة ٣٦٧ ، وولى سعد الدولة بكجور حمص وجندها. وكان تقرير أمر بكجور بين سعد الدولة وبينه على يد أبي الحسن عليّ بن الحسين المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم.

واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبيّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا في عمارة الأسوار في سنة ٣٦٧ وغيّر سعد الدولة الأذان بحلب وزاد فيه «حيّ على خير العمل» ، محمّد وعليّ خير البشر ، وقيل أنّه فعل ذلك في سنة ٣٦٩ وقيل سنة ٥٨ (٢).

ملتان ـ الهند (قبل سنة ٣٨٠ هـ)

قال المقدسي المتوفّى (٣٨٠ هـ) في كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الاقاليم) ضمن حديثه عن إقليم السند :

الملتان تكون مثل المنصورة غير أنّها أعمرة ليست بكثيرة الثمار غير أنّها

__________________

(١) زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن العديم المتوفّى ٦٦٠ هـ ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، تحقيق سامي الدهان ، طـ المعهد الفرنسي.

(٢) اليواقيت والضرب لإسماعيل أبي الفداء : ١٣٤ ، تحقيق محمد جمال وفالح بكور.

٣٧٦

رخيصة الأسعار ، الخبز ثلاثون منّاً بدرهم ، والفانيد ثلاثة أمنان بدرهم ، حسنة تُشاكل دور سيراف من خشب الساج طبقات ، ليس عندهم زنا ولا شرب خمر ، ومن ظفروا به يفعل ذلك قتلوه ، أو حدّوه ، ولا يكذبون في بيع ، ولا يبخسون في كيل ، ولا يخسرون في وزن ، يحبّون الغرباء ، وأكثرهم عرب ، شربهم من نهر غزير ، والخير بها كثير ، والتجارات حسنه ، والنعم ظاهرة ، والسلاطين عادلة ، لا ترى في الأسواق متجملة ، ولا أحد يحدّثها علانية ... إلى ان يقول :

وأهل الملتان شيعة يحيعلون في الأذان ويُثنّون في الإقامة ، ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة وليس به مالكية ولا معتزلة ، ولا عمل للحنابلة ، إنّهم على طريقة مستقيمة ، ومذاهب محمودة ، وصلاح وعفّة ، قد أراحهم الله من الغلوّ والعصبيّة والهرج والفتنة (١).

مصر (سنة ٣٩٣ هـ)

شرح ابن خلدون حال الحاكم بأمر الله العبيدي الذي ولي الخلافة (٣٨٦ ـ ٤١١) فقال : ... وأمّا مذهبه في الرافضة فمعروف ، ولقد كان مضطرباً فيه مع ذلك ، فكان يأذن في صلاة التراويح ثمّ ينهى عنها ، وكان يرى بعلم النجوم ويُؤثِره. ويُنقل عنه أنه منع النساء من التصرف في الأسواق ، ومنع من أكل الملوخيا ، ورفع إليه أن جماعة من الروافض تعرّضوا لأهل السنّة في التراويح بالرجم ، وفي الجنائز ، فكتب في ذلك سجلاً قُرئ على المنبر بمصر كان فيه : أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين يتلو عليكم من كتاب الله المبين (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ...

__________________

(١) احسن التقاسم في معرفة الاقاليم : ٤٨٠ وفيه (يهوعلون) ويبدو أنّه تصحيف : يحوعلون أو يحيعلون ، ومعناه قولهم (حيّ على خير العمل) في الأذان.

٣٧٧

إلى أن يقول : يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون ، صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون ، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ، ولا هم عنها يُدَفعون ، يخمّس في التكبير على الجنائز المخمّسون ، ولا يمنع من التكبير عليها المربّعون ، يؤذن بـ «حيّ على خير العمل» المؤذّنون ، ولا يؤذى من بها لا يؤذنون ... ولا يؤذن من بها لا يؤذنون ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة (٢).

وقال ابن الأثير في الكامل عن سبب قتله «... وقيل كان سبب قتله أنّ أهل مصر كانوا يكرهونه لما يظهر منه من سوء أفعاله ، فكانوا يكتبون إليه الرِّقاع فيها سَبّه ، ـ إلى أن يقول ـ : منها أنه أمر في صدر خلافته بسبّ الصحابة رضي الله عنهم ، وأن تكتب على حيطان الجوامع والأسواق ، وكتب إلى سائر عماله بذلك ، وكان ذلك في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.

ثمّ أمر في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة بترك صلاة التراويح ، فاجتمع الناس بالجامع العتيق ، وصلّى بهم [إماماً] جميع رمضان ، فأخذه وقتله ، ولم يصلِّ أحد التراويح إلى سنة ثمان وأربعمائة ، فرجع عن ذلك وأمر بإقامتها على العادة.

وبنى الجامع براشدة ، وأخرج إلى الجوامع والمساجد من الآلات والمصاحف ، والستور والحصر ما لم ير الناس مثله ، وحمل أهل الذمة على الإسلام ، أو المسير إلى مأمنهم ، أو لبس الغيار ، فأسلم الكثير منهم ، ثمّ كان الرجل منهم بعد ذلك يلقاه فيقول له : إني أريد العود إلى ديني ، فيأذن له ، ومنع النساء من الخروج من

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٤ : ٦٠ ـ ٦١.

٣٧٨

بيوتهن ... (١)

وممّا يجب التنويه به هنا هو أن الحكام ـ بوصفهم حكّاماً ـ قد يتخذون بعض المواقف لمصلحة ، وقد تتدخل السياسة في بعض تصرفاتهم ، ولا أستثني الفاطميين من العباسيين أو العكس ، فهم بشر كغيرهم لهم ميولاتهم ونزعاتهم ، ولا يمكن النجاة من ذلك إلاّ بالإمام المعصوم.

بل الذي ذكرناه أو نذكره ما هو إلاّ بيان لامتداد النهجين ، وإن استُغلّ من قبل الحكام في بعض الحالات.

اليمامة (سنة ٣٩٤ هـ)

ذكر ناصر خسرو المروزي الملقّب بحجّة المتوفّى سنة ٤٥٠ هـ في رحلته وعند حديثه عن أحوال مدينة اليمامة : ... وأمراؤها علويّون منذ القديم ، ولم ينتزع أحد هذه الولاية منهم .... ومذهبهم الزيديّة ، ويقولون في الإقامة (محمّد وعليّ خير البشر وحيّ على خير العمل) (٢).

المدينة / مصر (سنة ٤٠٠ هـ)

جاء في (النجوم الزاهرة) : أنّ الحاكم بأمر الله العبيدي أرسل إلى مدينة الرسول إلى دار جعفر الصادق مَن فتحها وأخذ منها ما كان فيها من مصحف وسرير والآت. وكان الذي فتحها ختكين العضدي الداعي ، وحمل معه رسوم الأشراف ، وعاد إلى مصر بما وجد في الدار. وخرج معه من شيوخ العلوية جماعة ، فلمّا وصلوا

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٧ : ٣٠٥ حوادث سنة ٤١١.

(٢) سفر نامه ناصر خسرو : ١٢٢.

٣٧٩

إلى الحاكم أطلق لهم نفقات قليلة وردّ عليهم السرير وأخذ الباقي ، وقال : أنا أحقّ به ، فانصرفوا داعين عليه ، وشاع فعله في الأمور التي خرق العادات فيها ودعي عليه في أعقاب الصلوات ، وظوهر بذلك فأشفق فخاف ، وأمر بعمارة دار العلم وفرشها ، ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنّة شيخين يُعرف أحدهما بأبي بكر الأنطاكي ، وخلع عليهما وقرّبهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته ، وجمع الفقهاء والمحدثين إليها وأمر أن يقرأَ بها فضائل الصحابة ، ورفع عنهم الاعتراض في ذلك ، وأطلق صلاة التراويح والضحى ، وغيَّر الأذان وجعل مكان «حيّ على خير العمل» «الصلاة خير من النوم» ، وركب بنفسه إلى جامع عمرو بن العاص وصلّى فيه الضحى ، وأظهر الميل إلى مذهب مالك والقول به .. وأقام على ذلك ثلاث سنين ، وفعل ما لم يفعله أحد.

ثمّ بدا له بعد ذلك فقتل الفقيه أبا بكر الانطاكي والشيخ الآخر وخَلقاً كثيراً من أهل السنّة ، لا لأمر يقتضي ذلك ، وفَعَلَ ذلك كلّه في يوم واحد ، وأغلق دار العلم ، ومنع من جميع ما كان فعله (١).

وقال المقريزي في (المواعظ والاعتبار) : ... وفي صفر سنة أربعمائة شُهِر جماعة بعد أن ضربوا بسبب بيع الفقاع والملوخيا (٢) والدلينس والترمس ، وفي تاسع عشر

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٤ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٢) لانه كان قد قرئ في سنة ٣٩٥ سِجِلٌّ فيه منع الناس من تناول الملوخيا أكلة معاوية ابن أبي سفيان المفضَّلة ومنعهم من أكل البقلة المسماة بالجرجير المنسوبة إلى عائشة ومن المتوكّلية المنسوبة إلى المتوكّل ، والمنع من عجين الخبز بالرِّجل ، والمنع من أكل الدلينس ، وكان في هذا الكتاب أيضاً : المنع من عمل الفقاع وبيعه في الأسواق ، لما يؤثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من كراهية شرب الفقاع ، وضرب في الطرقات والأسواق بالجرس ونودي أن لا يدخل أحد الحمام إلاّ بمئزر ، ولا تكشف امراة وجهها في طريق ولا خلف جنازة ولا تتبرج ، ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ولا يصطاده أحد من الصيادين. (المواعظ والاعتبار ٢ : ٣٤١).

٣٨٠