الأذان بين الإصالة والتحريف

السيد علي الشهرستاني

الأذان بين الإصالة والتحريف

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8166-82-X
الصفحات: ٤٩٦

بن بلال ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : إنّ بلالاً رأى في منامه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول له : ما هذه الجفوة يا بلال؟! أما آن لك أن تزورني يا بلال؟

فانتبه حزينا وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة [من الشام] ، فأتى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه.

فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمّهما ويقبِّلهما ، فقالا له : يا بلال ، نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذّنه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في السَّحَر ، ففعل ، فَعَلا سطح المسجد ، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه ، فلمّا أن قال : «الله أكبر الله أكبر» ارتجّت المدينة.

فلما أن قال : «أشهد أن لا إله إلاّ الله» زاد تعاجيجها ، فلما أن قال : «أشهد أن محمّداً رسول الله» خرج العواتق من خدورهنّ ، فقالوا : أبُعِث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! فما رؤي يوماً أكثر باكياً وباكية بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك اليوم (١).

لقد ثبت أنّ بلالاً أذّن لفاطمة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل خروجه إلى الشام ، وأذّن للحسن والحسين بعد وفاة فاطمة عند رجوعه من الشام لزيارة قبر رسول

__________________

(١) تاريخ دمشق ٧ : ١٣٦ ترجمة رقم ٤٩٣ قال : انبأنا أبو محمد بن الاكفاني ، نا عبدالعزيز بن أحمد ، نا تمام بن محمد ، نا محمد بن سليمان ، نا محمد بن الفيض ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء ، ثم ذكر باقي الاسناد ، والنص عنه ، ومختصر تاريخ دمشق ٤ : ١١٨ ، ٥ : ٢٦٥ ، أسد الغابة ١ : ٢٠٨. وانظر : تهذيب الكمال ٤ : ٢٨٩ ، حيث أبدل «الحسن والحسين» بـ «بعض الصحابة».

٢٨١

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل روي أنّه كان يرجع كلّ سنة مرّة إلى المدينة فينادي بالأذان للمسلمين إلى أن مات (١) ، فلماذا لم يؤذّن للخليفة الأوّل ، ومن بعده للثاني؟!

إنّ حقيقة امتناع بلال من التأذين تتجاوز مسألة ترحيله إلى الشام للمشاركة في الجهاد ، بل إنّ المسألة لَتصل إلى معارضته لأصل خلافة أبي بكر وعمر ولأنّه أبى ـ كما يبدو ـ أن يؤذّن لهما بالأذان الذي بُدِّل فيه وغُيِّر ، والذي سخّروا له من بعد سعد القرظ مولى قريش ، الذي ظل مؤذّناً حتّى للحجّاج الثقفي ، ولم يكن له أيّ دور في المدينة في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال النووي في تهذيب الاسماء : جعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سعد القرظ مؤذناً بقباء ، فلما ولي أبو بكر الخلافة وترك بلالٌ الأذان نقله أبو بكر إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليؤذن فيه فلم يزل يؤذن فيه حتّى مات في أيّام الحجاج بن يوسف الثقفي ، وتوارث بنوه الأذان. وقيل : الذي نقله عمر بن الخطاب (٢).

ولكنّ بلالاً مع ذلك لم يمتنع عن التأذين لأهل البيت والمسلمين المخلصين ـ ولذلك قال جعفر بن محمّد : رحم الله بلالاً فإنّه كان يحبنا أهل البيت (٣) ـ ، بل إنّه

__________________

(١) انظر : الدرجات الرفيعة : ٣٦٧ ، نقلاً عن كتاب المنتقى.

(٢) تهذيب الأسماء ١ : ٢٠٧.

(٣) الاختصاص : ٧٣. ويدل على اختصاص بلال بعليّ وأهل البيت وعدم إيمانه بشرعية خلافة أبي بكر ، ما روي في تفسير الحسن العسكري : في ان بلالاً كان يعظّم أمير المؤمنين عليه‌السلام ويوقره أضعاف توقيره لأبي بكر ، فقيل له في ذلك مع أنّ أبا بكر كان مولاه الذي اشتراه واعتقه من العذاب ، فأجاب من ذلك بأحسن جواب ، فكان فيما قال : ان حقَّ عليٍّ أعظم من حقه ، لأنّه أنقذني من رق العذاب الذي لو دام عليّ وصبرت عليه لصرت الى جنات عدن ، وعليّ انقذني من رق العذاب الأبد ، واوجب لي بموالاتي له وتفضيلي إيّاه نعيم الأبد «تفسير العسكري ٦٢١/ ح ٣٦٥».

٢٨٢

امتنع عن التأذين لرجال النهج الحاكم ورؤوس الخلافة وحدهم.

روى الشيخ المفيد بسنده عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : وكان بلال مؤذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لزم بيته ولم يؤذّن لأحد من الخلفاء (١).

وقال المزّي : ويقال : إنّه لم يؤذّن بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلاّ مرّة واحدة ، في قَدمة قَدِمها لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطلب إليه الصحابة ذلك فأذّن ، ولم يُتمّ الأذان ... (٢)

وفي كتاب أصفياء أمير المؤمنين ، روى عن ابن أبي البختري ، قال : حدّثنا عبدالله بن الحسن : انّ بلالاً أبى أن يبايع أبا بكر ، وإنّ عمر جاء وأخذ بتلابيبه ، فقال : يا بلال ، إنّ هذا جزاء أبي بكر منك؟! إنّه أعتقك فلا تجيء تبايعه؟!

فقال بلال : إن كان أبو بكر أعتقني لله فليدعني له ، وإن كان أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا (٣).

__________________

هذا وقد بقى بلال إلى آخر لحظات عمره الشريف موالياً لمحمّد وآل محمّد ، وقد ردد قبل موته نفس الشعار الذي ردده عمار في صفين من بعد :

غداً سنلقى الأحبّة

محمداً وحزبه

 «مختصر تاريخ دمشق ٥ : ٢٦٧».

(١) الاختصاص : ٧٣.

(٢) انظر كلام المزي في تهذيب الكمال ٤ : ٢٨٩ ، ومثله ما حكاه الحصني الشامي «ت ٨٢٩ هـ» في كتابه دفع الشبه عن الرسول : ١٨٢ عن الحافظ عبدالغني المقدسي في كتابه الكمال في ترجمة بلال ـ وأنّه قد قال بهذا القول قبل المزّي ـ. وقد يكون مقصود المزّي والمقدسي من جملة «طلب إليه الصحابة» هو طلب الحسن والحسين ، إذ لم يقل أحد بأنه أذن للصحابة على نحو العموم ، وكذا لا يصحّ ما قاله بأن بلالاً لم يؤذّن بعد النبيّ إلاّ مرّة واحدة ؛ لثبوت تأذينه لفاطمة الزهراء قبل رحلته إلى الشام.

(٣) لا يخفى عليك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي اشترى بلالاً وأعتقه ، لكن بواسطة أبي بكر إذ كانت عنده علاقات حسنة مع كفار قريش ولم يكن وَتَرهم.

٢٨٣

وأ مّا بيعته فما كنت أبايع أحداً لم يستخلفه رسول الله ، وإنّ بيعة ابن عمّه يوم الغدير في أعناقنا إلى يوم القيامة ، فأيّنا يستطيع أن يبايِع عَلَى مولاه؟

فقال له عمر : لا أمّ لك ، لا تُقِمْ معنا!

فارتَحَلَ إلى الشام (١) ...

وفي كتاب كامل البهائي ـ لعماد الدين الطبري (٢) ـ : إنّ بلالاً امتنع عن بيعة أبي بكر والأذان له (٣).

فعلى هذا يكون بلال قد عارض خلافة أبي بكر ، وامتنع من التأذين له مع بقائه بالمدينة ، لعدم إيمانه بشرعية خلافته ، ولأنّه وعمر أرادا منه ما يأباه ، خرج إلى الشام مكرهاً لا ترجيحاً للجهاد على منصبه النبوي في التأذين ، ولاردّة فعل منه تجاه وفاة الرسول االمصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فإنّ بلالاً لم يبايع لهما ، وبقي معارضاً للغاصبين في صفّ عليّ وغيره من عيون الصحابة ، وقد أذّن في هذه المدّة لفاطمة ، وكان على اتصال بأهل البيت ، ثمّ إنّهم بعد وفاة فاطمة وإجبار عليّ على البيعة ، ونفي سعد بن عبادة إلى الشام ، وكسرهم سيف الزبير ، ووو .... أجبروا بلالاً على مغادرة المدينة تحت غطاء القتال في جبهات الشام ، وكان قد عاد إلى المدينة لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأذّن للحسن والحسين.

وبهذا ، فإنّ مختلقة تأذينه لعمر (٤) في الجابية بالشام ، قد وضعت للتغطية على

__________________

(١) الدرجات الرفيعة : ٣٦٧ ، عن كتاب أصفياء أمير المؤمنين. وقد روى الوحيد البهبهاني قريباً من هذا في التعليقة (انظر : معجم رجال الحديث ٤ : ٢٧٢) ..

(٢) الذي فرغ من تأليفه سنة ٦٧٥ هـ. ق.

(٣) الأربعين للماحوزي : ٢٥٧ ، نقلاً عن كامل البهائي.

(٤) وضعت روايات مفادها أنّ بلالاً أذّن لعمر في الجابية ، وقد وردت بأربعة طرق :

٢٨٤

نزاع بلال مع عمر في شأن كيفية توزيع الأراضي المفتوحة وأمثالها ، حيث قام بلال إلى عمر فقال : لتقسمنّها أو لنتضاربَنّ عليها بالسيف (١).

ولما أبى عمر ذلك ، ودعا على بلال ومن معه بالهلاك (٢) ، سألَ بلال عمرَ البقاء في الشام واعتزال باقي الفتوحات ، ففعل ذلك عمر (٣) ، فبقي بلال في دمشق إلى أن مات بها.

__________________

أوّلها : ما رواه الطبري في تاريخه ٤ : ٦٥ / أحداث سنة ١٧ هـ ، قال : «كتب إلي السري ، عن شعيب ، عن سيف [بن عمر التميمي] ، عن مجالد عن الشعبي». وهذا الإسناد فيه سيف بن عمر الوضاع المتّهم بالزندقة.

ثانيها : ما رواه البيهقي في سننه ١ : ٤١٩ ، وابن عساكر في تاريخه ١٠ : ٤٧١ ، والذهبي في سيره ١ : ٣٥٧ ، وكلها تنتهي إلى «أبي الوليد أحمد بن عبدالرحمن القرشي ، حدّثنا الوليد بن مسلم ، قال : سألت مالك بن أنس ...». وهذا الإسناد فيه أحمد بن عبدالرحمن القرشي الذي لم يسمع من الوليد بن مسلم قط ، وكان شبه قاصٍّ ، وقالوا عنه : لا تقبل شهادته على تمرتين. ناهيك عن الوليد بن مسلم الذي كان رفّاعاً للحديث كثير الخطأ وروى عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل ، وكان رديء التدليس.

ثالثها : ما ذكره البخاري في التاريخ الصغير والذهبي في سيرة ١ : ٣٥٧ والنص عن البخاري : «حدّثنا يحيى بن نشر ، حدّثنا قراد ، أخبرنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه». وهذا الإسناد فيه هشام بن سعد الذي ضعفه أحمد بن حنبل وابن سعد ويحيى بن معين والنسائي ، وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به ، وقال ابن حبان : كان ممن يقلب الاسانيد وهو لا يفهم ، ويسند الموقوفات من حيث لا يعلم ، وبطل الاحتجاج به.

رابعها : ما أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة عن أولاد سعد القرظ.

وفي هذا الإسناد أولاد سعد القرظ المجهولون كما مرّ عليك.

ولا يفوتنّك أنّ أولاد سعد القرظ أرادوا التغطية على نزاع بلال مع الخلفاء الذي أدّى إلى تركه الأذان ، حتّى جاءوا بسعد القرظ فجعلوه بديلاً عن بلال رحمه الله ، واستمرّ التأذين الرسمي في ذريّته كما عرفت.

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٣١٨.

(٢) الروض الأنف ٦ : ٥٨١ ، المبسوط للسرخسي ١٠ : ١٦.

(٣) اسد الغابة ٢ : ٧٩ ، تار يخ دمشق ١٦ : ٢١ ، الاصابة ٤ : ٧٢.

٢٨٥

وقد كان أبو بكر قد أغضب بلالاً في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر النبيّ أبا بكر أن يترضّاه ، قالوا :

مرّ أبو سفيان ببلال وسلمان وصهيب ، فقالوا : ما أخَذَت سيوفُ الله من عُنُق هذا بعدُ مأخذها ، فقال أبو بكر الصديق : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدها؟!

فذهب أبو بكر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره بذلك ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك ، قال : فرجع أبو بكر ، فقال : يا إخوة ، لعلّكم غضبتم. قالوا : يغفر الله لك يا أبا بكر (١)!

وقد كان بين بلال وعمر اختلاف في وقت الأذان ، أدّى بهم من بعد أن يختلقوا صحة أذان ابن أم مكتوم الأعمى في الفجر ، مخطّئين أذان بلال لعدم تشخيصه الفجر الصادق ، لضعف في بصره!! (٢)

روى الأوزاعي أنّ بلالاً أتى عمر بن الخطّاب فقال : الصلاة الصلاة ، فردّدها عليه ، فقال له عمر : نحنُ أعلمُ بالوقت منك ، فقال له بلال : لاَنا أعلم بالوقت منك ، إذ أنت أضلّ من حمار أهلك (٣)!

وفي زحمة هذا التضادّ السياسي الفقهي بين بلال من جهة ، وأبي بكر وعمر وأتباعهما من جهة ، يبدو أنّهم طلبوا منه حذف «حيّ على خير العمل» وإبدالها بـ «الصلاة خير من النوم» ، فرفض بلال ذلك ، ولذلك رفضوا بلالاً ورفضهم ، ونسبوا

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٥ : ٢٦١.

(٢) هذا ما تقف عليه في الباب الثاني من هذه الدراسة : «الصلاة خير من النوم» فراجع.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

٢٨٦

إلى بلال ضعف البصر واللثَّغة في اللسان وغيرها من الأمور الجارحة ، وجاءوا بدله بسعد القرظ وأبي محذورة ، ووضعوا أحاديث نسبوها إلى بلال ، وكأنّه أذّن بـ «الصلاة خير من النوم» في زمان النبيّ ، مع أنّ الصحيح نسبته إلى بلال عكس ذلك ، فإنّه اذّن بـ «حيّ على خير العمل» لا الصلاة خير من النوم.

على أنّ بلالاً كان هو أقرب المشاهدين لما واجهوا به النبيَّ قبيل وفاته ، وكيف تخلفوا عن جيش أسامة ، وقدّموا أبا بكر للصّلاة.

كان بلال على علم بما يجري من حوله ، ولذلك اعتزل القوم ونجا بدينه وأذانه الذي رواه لنا أهل البيت عن جبرئيل عن الباري والذي ليس فيه «الصلاة خير من النوم».

لكنّ عمر بن الخطّاب لمّا استتّب له الأمر ، سعى لتطبيق ما يرجوه ، فحذف الحيعلة الثالثة وأبدلها بالصلاة خير من النوم ، وهو الواقع الذي رواه الأعلام من المسلمين :

قال سعد التفتازاني في حاشيته على شرح العضد ، والقوشجي في شرح مبحث الإمامة وغيرهم : إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أيها الناس ، ثلاث كُنَّ على عهد رسول الله أنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهن ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل (١).

__________________

(١) شرح التجريد : ٣٧٤ ، كنز العرفان ٢ : ١٥٨ ، الغدير ٦ : ٢١٣ ، والبياضي في الصراط المستقيم

٢٨٧

وقال الحافظ العلوي : أخبرنا محمّد بن طلحة النعالي البغدادي ، حدثنا محمّد بن عمر الجعابي الحافظ ، حدّثنا إسحاق بن محمّد [بن مروان] ، حدّثنا أبي ، حدّثنا المغيرة بن عبد الله ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عطاء ، حدّثنا أبي [السائب بن مالك] عن عمر أنّه كان يؤذن بحيّ على خير العمل ، ثمّ ترك ذلك وقال : أخاف أن يتكل الناس (٢).

وجاء في كتاب الاحكام ـ من كتب الزيدية ـ : قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : وقد صحّ لنا أنّ «حيّ على خير العمل» كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بها ولم تطرح إلاّ في زمن عمر بن الخطاب ، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخاف أن يتّكل الناس عليها ، وأمر بإثبات «الصلاة خير من النوم» مكانها.

قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه : والأذان فأصله أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عُلِّمهُ ليلة المسرى ، أرسل الله إليه ملكاً فعلّمه إيّاه ، فأما ما يقول به الجهال من أنّه رؤيا ... (٣).

وعن نافع ، عن ابن عمر : أنّه كان يؤذن فيقول : حيّ على خير العمل ، ويقول كانت في الأذان فخاف عمر أن ينكل الناس عن الجهاد.

وعن الباقر قال ، كان أبي عليّ بن الحسين يقول إذا أذّن : حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل. قال : وكانت في الأذان ، وكان عمر لمّا خاف ان يتثبط الناس عن

__________________

٣ : ٢٧٧ عن الطبري في المسترشد : ٥١٦.

(٢) الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي ، بتحقيق عزّان : ٩٩ ، وانظر : صفحه ٦٣ منه.

(٣) الإحكام ١ : ٨٤.

٢٨٨

الجهاد ويتكلوا ، أمرهم فكفوا عنها (١).

وعن الإمام زيد بن عليّ : أنّه قال : ممّا نقم المسلمون على عمر أنّه نحى من النداء في الأذان حيّ على خير العمل ، وقد بلغت العلماء أنّه كان يؤذّن بها رسول الله حتّى قبضه الله عزّوجلّ ، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتّى مات ، وطرفاً من ولاية عمر حتّى نهى عنها (٢).

وعن جعفر بن محمّد قال : كان في الأذان حيّ على خير العمل ، فنقصها عمر (٣).

وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : كان الأذان بحيّ على خير العمل على عهد رسول الله ، وبه أمروا أيّام أبي بكر وصدراً من أيّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه. وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمّد ، والعامة تروي مثل هذا ... (٤)

__________________

(١) انظر : الأذان بحيّ على خير العمل : ٧٩.

(٢) الاذان بحي على خير العمل : ٢٩ ـ ٣٠ وهامش السنه للإمام زيد : ٨٣.

(٣) النصوص عن ابن عمر والباقر ، وزيد ، وجعفر بن محمد موجودة في الأذان بحيّ على خير العمل ، للحافظ العلوي بتحقيق عزّان : ٦٣.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٤٢ ، بحار الأنوار ٨١ : ١٥٦. وجاء في كتاب الايضاح للقاضي نعمان المتوفى ٣٦٣ هـ والمطبوع في (ميراث حديث شيعه) ١٠ : ١٠٨ : .. فقد ثبت انه اذن بها على عهد رسول الله حتى توفاه الله تعالى وان عمر اقطعه وقد يزيد الله في فرائض دينه بكتابه وعلى لسان نبيه ما شاء لا شريك له وانا ذاكر ما جاءت به الرواية من الأذان بحي على خير العمل ـ وبدأها بهذا الخبر ـ : في كتب ابن الحسين علي بن فرسند [ورسند] روايته عن احمد عن الحسين عن لولو عن بشر عن ابي جعفر محمد بن علي قال : اسقط عمر من الأذان حي على خير العمل فنهاه علي فلم ينته.

٢٨٩

وروى القاضي زيد الكلاري في شرح التحرير ، عن الإمام القاسم بن إبراهيم أنّه قال : فأمّا «حيّ على خير العمل» فكانت في الأذان ، فسمعها عمر يوماً فأمر بالإمساك فيه عنها وقال : إذا سمعها الناس ضيّعوا الجهاد لموضعها واتّكلوا عليها (١).

وقال في المنتخب : وأمّا «حيّ على خير العمل» فلم تَزَل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى قبضه الله عزّوجلّ ، وفي عهد أبي بكر حتّى مات ، وإنّما تركها عمر وأمر بذلك ، فقيل له : لم تركتها؟

فقال : لئلاّ يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد (٢).

وعن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ ، قال : لم يَزَل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بحيّ على خير العمل حتّى قبضه الله ، وكان يؤذّن بها في زمن أبي بكر ، فلمّا ولي عمر قال : دعوا «حيّ على خير العمل» لا يشتغل الناس عن الجهاد ، فكان أوّل من تركها (٣).

وقال الفضل بن شاذان (المتوفّى ٢٦٠ هـ) مخاطباً أهل السنّة : ... ورويتم عن أبي يوسف القاضي ـ رواه محمّد بن الحسن عن أصحابه ـ وعن أبي حنيفة ، قالوا : كان الأذان على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر يُنادى فيه «حيّ على خير العمل».

فقال عمر بن الخطاب : إنّي أخاف أن يتّكل الناس على الصلاة إذا قيل : «حيّ على خير العمل» ويَدَعُوا الجهاد ، فأمر أن يطرح من الأذان «حيّ على خير

__________________

(١) الأذان بحيّ على خير العمل بتحقيق عزّان : ١٥٣.

(٢) الأذان بحيّ على خير العمل بتحقيق عزّان : ١٥٣. وانظر الايضاح للقاضي نعمان : ١٠٨.

(٣) الأذان بحيّ خير العمل ، للحافظ العلوي بتحقيق عزّان : ٦٣ ـ ٦٤.

٢٩٠

العمل» (١).

إنّ كل هذه النصوص دالّة على أنّ إسقاط «حيّ على خير العمل» من الأذان كان في عهد عمر بن الخطّاب ، وأنّ الصحابة كانوا قد أذّنوا بها على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى عهد أبي بكر ، وصدراً من خلافة عمر ، وأنّ عمر سمعها يوماً فأمر بالإمساك فيه عنها وقال : إذا سمعها الناس ضيّعوا الجهاد.

إنّ عمر نفَّذَ في أثناء تسلّمه أزمّة الأمور ما كان يطمح إليه من حذف «حيّ على خير العمل» التي كانت في أذان المسلمين ، وقد سمعت أنّ مما نقمه المسلمون على عمر حذفه «حيّ على خير العمل».

ويبدو أنّه لم يتسنَّ لعمر أن يحذفها بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة وإن حاول ذلك ، وكان الجهاد قائماً على سوقه أيضاً ، لكنّه نجح في ذلك عند استلامه الخلافة مسكتاً المعارضين بالقوة والشدة المعهودتين منه.

ومن هنا تعرف أنّ المقصود من كلمة بلال «لا أوذّن لأحد بعد رسول الله» أنّها تعني : أنني لا أوذّن لأحد اغتصب الخلافة ظلماً بعد رسول الله ، ومن جدّ في حذف ما يدل على الإمامة والولاية وإسقاطها من الأذان (٢).

وبهذا فليس هناك تخالف بين مارواه أبو بصير وما قالته الشيعة ـ بفرقها الثلاث ـ وذلك للدور الذي لعبه عمر بن الخطاب إبّان عهد الخليفة الأوّل في رسم الخطوط العامة للحكم الذي يرتضيانه ، إذ أقرّ تلك التطلعات بعد بسط نفوذه في خلافته ، ممّا دعا بلالا الى أن يترك الأذان ويقول : «لا أوذّن لأحد بعد رسول

__________________

(١) الايضاح : ٢٠٦ وراجع كتاب العلوم ١ : ٩٢ والاعتصام بحبل الله المتين ١ : ٢٩٦ ، ٢٩٩ ، ٣٠٤.

(٢) هذا ما سنبحثه في الفصل القادم «حي على خير العمل دعوة إلى الولاية».

٢٩١

الله».

وخلاصة القول : أنّ الحيعلة الثالثة «حيّ على خير العمل» كانت على زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزمن أبي بكر ، وصدراً من خلافة عمر ، ثمّ حذفها عمر في أيّام حكومته ، وأنّه كان يقصد إلى ذلك منذ حروب الردة ، ثمّ أراد تطبيقها بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّه اصطدام بمعارضة بلال مؤذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذائع الصِّيت ، الذي رفض أنْ يؤذن لرموز الخلافة المغتصبة ، فأبعدوه وأبدلوه بسعد القرظ ، فتسنى لهم ما أرادوا من بعد ، فتمهّدت لهم الأرضية لذلك بعد إقصاء بلال عن منصبه الذي وضعه فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقد دلّت كلّ النصوص والأحداث التاريخية على أنّ حذفها كان في حكومة عمر ، ودلَّ خبرُ أبي بصير عن أحد الصادقَين ـ الذي صدّرنا هذا الفصل به ـ على أنّ عمر كان قاصداً هذا القصد من قبل ، ثمّ نفّذهُ في أيّام استخلافه.

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ـ كما ستعرف في الباب الثاني «الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة» ـ أنّ إضافة «الصلاة خير من النوم» أيضاً كانت من مبتكرات عمر بن الخطاب ، الذي رفع الحيعلة الثالثة وجعل مكانها «الصلاة خير من النوم» فسار الأمويّون والمجتهدون من بعده على مساره ، وأحكموا ما ذهب إليه عمر ، حتّى صار في العصور اللاحقة تلازم بين إثبات الحيعلة الثالثة ورفض التثويب عند نهج التعبد ، وفي المقابل ثمّة تلازم بين حذف الحيعلة الثالثة واثبات التثويب عند نهج الاجتهاد والحكومات. وقد تطور الأمر ـ كما سيأتيك ـ إلى أن صار ذلك شعاراً سياسيّاً لكل من طرفَي النزاع.

وفي هذا المقام نلحظ ما رواه زيد النرسي في أصله عن أبي الحسن

٢٩٢

الكاظم عليه‌السلام ، حيث قال : «الصلاة خير من النوم» بدعة بني أمية ، وليس ذلك من أصل الأذان» (١) ، فإن الإمام الكاظم كان ناظراً إلى استفحال هذا التثويب وشيوعه واتخاذه طابع العموم والانتشار في زمن بني أميّة الذين ساروا في هذا المجال على خطى عمر بن الخطاب ، وأيّدوا نهج الاجتهاد والرأي في مقابل نهج التعبد المحض ، وبذلك لا يكون ثمة تخالف بين القول بأنّها بدعة وضعت في عهد عمر بن الخطاب والقول بأنّها بدعة أموية ؛ لأن الثانية حكّمت ما شرّع في عهد الشيخين.

وبعد هذا نتساءل : هل تصحّ هذه العلّة «أي علّة الخوف من ترك الناس للجهاد» لحذف هذا الفصل من فصول الأذان ، أم أنّ هناك دافعاً آخر وراء هذا الأمر؟ هذا ما سنوضحه في الفصل اللاحق.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٤ : ٤٤.

٢٩٣
٢٩٤

الفصل الثالث

حيّ على خير العمل

دعوة إلى الولاية ، وبيان لأسباب حذفها

٢٩٥
٢٩٦

ذكرت كتب الحديث والتاريخ أنّ لـ «حيّ على خير العمل» مَعنَيَين : ظاهريّ وباطنيّ :

أمّا المعنى الظاهري لجملة «حيّ على خير العمل» فهو : أنّ خير الأعمال الصلاة والدعوة إلى إتيانها ، وهذا هو الفهم الاوّلي المتبادر للذهن.

وتدلّ عليه رواية الصدوق في علل الشرائع وعيون أخبار الرضا فيما رواه من العلل عن الإمام الرضا عليه‌السلام ... فقال : أخبِرني عن الأذان ، لِم أُمروا به؟

قال : لعلل كثيرة ، منها : أن يكون تذكيراً للساهي ، وتنبيهاً للغافل ، وتعريفاً لمن جهل الوقت ... إلى أن يقول : فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان ، فقدّم قبلها أربعاً : التكبيرتين والشهادتين ، وأخّر بعدها أربعاً : يدعو إلى الفلاح حثاً على البر والصلاة ، ثمّ دعا إلى خير العمل مرغّباً فيها وفي عملها وفي أدائها ، ثمّ نادى بالتكبير والتهليل ليتمّ بعدها أربعاً ... (١).

أما المعنى الباطني المكنون ـ الذي يعرفه أهل البيت ومن نزل في بيوتهم الكتاب والوحي ـ فهو ما رواه الصدوق في معاني الأخبار وعلل الشرائع ، بإسناده عن محمّد بن مروان ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : أتدري ما تفسير «حيّ على خير العمل»؟

قال ، قلت : لا.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٥٩ الباب ١٨٢ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٠٣.

٢٩٧

قال : دعاك إلى البرّ ، أتدري بِرُّ مَن؟

قلت : لا.

قال : دعاك إلى برِّ فاطمة وولدها (١).

وقال الحافظ العلوي : أخبرنا محمّد بن أحمد قراءة ، أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الوراق في كتابه ، أخبرنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثني حرب بن حسن ، حدّثنا الحارث بن زياد ـ يعني الطحان ـ حدّثنا محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا جعفر وسأله رجل عن تفسير الأذان قال ، فقال له : الله أكبر ، قال : فهو كما قال الله أكبر من كلّ شيء ... حتّى بلغ : حيّ على خير العمل ، قال : أمّا قوله : حيّ على خير العمل ، قال : فأمرك بالبر ، تدري برّ مَن؟

قال الرجل : لا.

قال : بر فاطمة وولدها (٢).

وفي خبر آخر عن الصادق عليه‌السلام : سئل عن معنى «حيّ على خير العمل». فقال : خير العمل الولاية (٣).

هذا وقد علّل الإمام الكاظم سببَ حذف عمر بن الخطاب لهذه العبارة من الأذان بسبيين : ظاهري وباطني.

إذ روى الصدوق في كتاب علل الشرائع بسنده الحسن بل الصحيح عن ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن (الكاظم) عن «حيّ على خير العمل» لِمَ تركت من الأذان؟

قال : تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟

__________________

(١) معاني الاخبار : ٤٢ ، علل الشرائع : ٣٦٨ الباب ٨٩ ، وعنهما في بحار الأنوار ٨١ : ١٤١.

(٢) الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي بتحقيق عزّان : ١٣٥ الحديث ١٦٩.

(٣) التوحيد للصدوق : ٢٤١ ، وعنه في بحار الانوار ٨١ : ١٣٤.

٢٩٨

قلت : أريدهما جميعاً.

فقال : أمّا العلة الظاهرة فلئلاّ يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة ، وأمّا الباطنة فإنّ «خير العمل» الولاية ، فأراد مِن أمره بترك «حيّ على خير العمل» من الأذان أن لا يقع حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها (١).

فما وجه الترابط بين الصلاة والدعوة إلى برّ فاطمة وولدها؟

بل ما يُعنى بمجيء الولاية وبرّ فاطمة وولدها في الأذان للصلاة؟

وهل حقاً أنّ جملة «خير العمل» هي الولاية أم أنّها : الصلاة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ .. وهل هناك تناف بين الرؤيتين.

وهل يصح مضمون الرواية القائلة بأنّ عمر أراد من أمره بتركها أن لا يقع حثٌّ على الولاية ودعاءٌ إليها؟ أم هناك شيء آخر؟

وما هي المقدّمات التي تساعدنا على تفهّم مقصود الإمام أبي الحسن الكاظم في علّة حذف عمر بن الخطاب لعبارة «حيّ على خير العمل».

بل بماذا تفسّر الشيعة هذه المقولة وما جاء عن أبي جعفر الباقر بأن الإسلام بُني على خَمس : الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والولاية ، ولم يُنادَ بشيء كما نُودي بالولاية (٢).

بل كيف تكون الولاية أهمّ من كلّ شيء؟ وهل هي أهمّ من الشهادتين كذلك؟ ولماذا تُرجع الشيعة كلَّ شيء إلى الولاية؟

إنّ أئمّة أهل البيت قد أجابوا عن هذه التساؤلات ، وأنّ المعنيّ عندهم بـ «ما نُودي بشيء كالولاية» وأمثالها لا يعني أنّها أهم من الشهادتين ، بل إنّ أمر

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٦٨ العلة ٨٩. وعنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٤٠.

(٢) المحاسن ١ : ٤٤٥ ـ ٤٤٦ باب الشرايع ، والكافي ٢ : ١٨ باب دعائم الإسلام ح ١ و ٣ و ٨.

٢٩٩

الشهادتين مفروغ منه ؛ لأن الإمام قال : (بني الإسلام على خمس) ومعناه : أنّ الإسلام المؤلّف من الشهادتين قد بني على خمس : الصلاة ، الصوم ، الزكاة ، الحج ، الولاية ، وأن الولاية أفضلها ، وما نودي بشيء كالولاية ، لكون الإمامة امتداداً للنبوّة ، لا أنّها قبال النبوة والتوحيد ـ كما يصوّره البعض ـ فلا يمكن معرفة الله إلاّ بالنبي ، ولا يمكن معرفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والله جل جلاله معرفةً مقبولة صالحة إلاّ بالإمام المفترض طاعته ، وهذا ما وضّحته كتب الإمامية ، وأشار إليه العلماء في كتبهم الكلامية.

إذ الاعتقاد بالإمامة لا يُترك بحال ، فهي ليست كالصلاة والصوم والزكاة والحجّ التي قد يرخّص في تركها في ظروف خاصة ؛ فالحائض مثلاً تترك الصلاة ، والمريض معفوّ عن الصوم ، والزكاةُ والحجّ ساقطان عن الفقير ، أما الولاية فهي واجبة على المكلّف سواء كان صاحياً أم مريضاً ، وذا مال أو معسراً (١) و ... لأنّها من الأصول التي يبتني عليها قوام الشر يعة ، وبها تقام الأحكام ، وقد مرّ عليك كلام الإمام الزيدي يحيى بن الحسين ـ في كتابه الأحكام ـ عن الأذان ، وأنّه من أصول الدين ، إشعاراً منه بمكانة هذه الشعيرة وما تحمله من مفاهيم وأفكار.

فالأذان وإن كان من شعائر الدين ، لكنّ فصوله تنطوي على أهم أصول الدين ، والاعتقاد بالإمامة عندنا من أصول المذهب ، وقد وضّح الإمام الباقر عليه‌السلام

__________________

(١) جاء في الخصال : ٢٧٨ ح ٢١ باب الخمسة بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : بني الإسلام على خمس : اقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان ، والولاية لنا أهل البيت ، فجعل في أربع منها رخصة ، ولم يجعل في الولاية رخصة. من لم يكن له مال لم تكن عليه الزكاة ، ومن لم يكن له مال فليس عليه حج ، ومن كان مريضاً صلى قاعداً وافطر شهر رمضان ، والولاية صحيحاً كان أو مريضاً أو ذا مال أو لا مال له فهي لازمه».

٣٠٠