الأذان بين الإصالة والتحريف

السيد علي الشهرستاني

الأذان بين الإصالة والتحريف

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8166-82-X
الصفحات: ٤٩٦

يقدّم رهط النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على قومه وعلى جميع الاقوام ، لكن العقلية الأموية والمروانية كانت تسعى في طمس آثار آل الرسول بكل ثقلها وجهدها.

وفي العصر العباسي ، دخل الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام يوماً على المتوكّل فقال له المتوكل : يا أبا الحسن مَن أشعر الناس؟ ـ وكان قد سأل قبله عليّ بن الجهم ، فذكر شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام ـ فلما سأل الإمامَ قال : عليّ الحماني حيث يقول :

لقد فاخَرَتْنا من قريش عصابةٌ

بمطّ خُدود وامتدادِ أصابعِ

فلمّا تَنازَعنا المقالَ قضى لنا

عليهم بما نهوى نداءُ الصَّوامعِ

قال المتوكّل : وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟ قال : «أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله» جدّي أم جدّك؟ فضحك المتوكل ثمّ قال : هو جدّك لا ندفعك عنه (١).

تَرانا سُكوتاً والشهيدُ بفضلِنا

تَراهُ جَهيرَ الصوتِ في كلِّ جامعِ

بأنّ رسولَ اللهِ أحمدَ جدُّنا

ونحن بَنوهُ كالنجومِ الطَّوالعِ (٢)

فكان الأذان وفيه اسم محمّد ، المرفوع ذكره ، المستتبع لرفع ذكر الأئمّة من أولاده (٣) ، كان ذلك أكبر مفخرة للمسلم الحقيقي ، كما كان يؤذي أعداء الإسلام الذين ارتدوا بسبب المعراج ، ويؤذي من أرادوا جعل الأذان وفصوله أحلاماً واقتراحات ، ويؤذي معاوية الذي أرّقه ذكر اسم «محمّد» واقترانه باسم ربّ العالمين ، ويؤذي أولاد طلحة وقتلة الحسين عليه‌السلام ، كما كان يؤرق المتوكّل العباسي ، وكلّ رموز التحريف وأرباب الطموحات السلطويين ، وكلّهم من السلك القرشي

__________________

(١) أمالي الطوسي ٢٩٣.

(٢) انظر : ديوان عليّ الحمّاني ٨١ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٤٠٦ وفيه : «عليهم» بدل : «تراه».

(٣) لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن لا يصلوا عليه الصلاة البتراء.

١٢١

المعادي لله وللرسول ولعترة الرسول صلوات الله عليهم أجمعين.

القدرة الإلهيّة وفشل المخطّطات

إن قريشاً سعت للوقوف أمام الدعوة ودأبت على طمس معالم الإسلام ، لكن الله أبى إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (١).

وقد مرّ عليك قول معاوية بن أبي سفيان : (إلاّ دفناً دفناً) في حين أن الله سبحانه وتعالى يقول : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).

وقال السدّي في تفسير قوله : (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) : كانت قريش يقولون لمن مات الذكور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات ابنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : القاسم ، وعبدالله بمكّة ، وإبراهيم بالمدينة ، قالوا : بُتِرَ ، فليس له من يقوم مقامه.

ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّ عدوّه هو الموصوف بهذه الصفة ، فإنّا نرى أنّ نسل أولئك الكفرة قد انقطع ، ونسله عليه الصلاة والسلام يزداد كلّ يوم وينمو وهكذا إلى يوم القيامة (٢).

فقد أشار الفخرالرازي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) إلى أن الكوثر : أولاده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه عليه‌السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان.

فانظر كم قُتل من أهل البيت ، ثمّ العالَم ممتلئ منهم ، ولم

__________________

(١) التوبة : ٣٢.

(٢) التفسير الكبير ٣٢ : ١٣٣.

١٢٢

يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُعبأ به.

ثمّ انظر كم فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام والنفس الزكيّة وأمثالهم (١).

وكان الأمويون يحسدون آل البيت على ما آتاهم الله من فضله ، وقد جاء في تفسير قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى ...) أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام وما خُصَّ به من العلم (٢).

وعن ابن عبّاس في قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) قال : نحن الناس دون الناس (٣).

وعن محمّد بن جعفر في قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) ، قال : نحن المحسودون ، وعن ابن عبّاس في قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) قال : نحن الناس المحسدون و «فضله» النبوة (٤).

فسبحانه جل شأنه رفع ذكرَ محمّد وآل محمّد بآيات التطهير والمودّة والمباهلة وسورة الدهر وبراءة وغيرها من السور والآيات الكثيرة ، ولو تدبّر المطالع في سورة الضحى لعرف نزولها في مدح النبيّ محمّد وأنّه جلّ شأنه ذكره بثلاثة أشياء تتعلق بنبوته ، منها : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) وفي سورة ألم نشرح شرّفه بثلاثة أشياء أوّلها : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ، وثانيها : (وَوَضَعْنَا عَنكَ وَزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ) ، وثالثها : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (٥).

__________________

(١) التفسير الكبير ٣٢ : ١٢٤.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧ : ٢٢٠.

(٣) المعجم الكبير ١١ : ١٤٦ ، مجمع الزوائد ٧ : ٦ والنص له.

(٤) شواهد التنزيل ١ : ١٨٣.

(٥) التفسير الكبير ٣٢ : ١١٨.

١٢٣

قال الإمام فخر الدين الرازي : جعل الله تعالى أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مساوين له في خمسة أشياء :

أحدها : المحبة ؛ قال الله تعالى : (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) ، وقال لأهل بيته (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).

والثانية : تحريم الصدقة ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحل الصدقة لمحمّد ولا لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ الناس.

والثالثة : الطهارة ؛ قال الله تعالى : (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) أي يا طاهر ، وقال لأهل بيته : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

والرابعة : في السلام ؛ قال : «السلام عليك أيّها النبيّ» ، وقال لأهل بيته (سلام على آل يس) (١).

والخامسة : في الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الآل في التشهّد (٢).

وبهذا فقد عرفنا ـ وعلى ضوء الصفحات السابقة ـ بأن المجتهدين كانوا وراء فكرة الرؤيا ، وأنّ رأسها الأمويون ، استغلوا ما طرح في عهد الصحابة لما يريدون

__________________

(١) قرأ نافع وابن عامر ويعقوب هذه الآية بفتح الهمزة ومدّها وقطع اللام من الياء كما في آل يعقوب ، «النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٦٠ وتحبير التيسير : ١٧٠» وللتأكيد أقرأ في مصحف المدينة النبوية برواية ورش عن نافع المدني والمطبوع في المملكة العربية السعودية صفحه ٤٠٧ الآية : ١٣٠ من سورة الصافّات.

(٢) انظر : نقل كلام الفخر الرازي في : نظم درر السمطين ٢٤٠ ، والصواعق المحرقة ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، وينابيع المودّة ١ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، وجواهر العقدين ٢ : ١٦٦.

١٢٤

القول به لاحقاً.

فإنّ النصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ الصحابة اقترحوا على رسول الله بأن يتخذ ناقوساً مثل ناقوس النصارى أو بوقاً مثل قرن اليهود ورسول الله لم يرضَ بذلك حتّى أُري عبدالله بن زيد أو غيره الأذان.

وجاء في كتاب (من لا يحضره الفقيه) عن الإمام عليه‌السلام أنّه قال : كان اسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يكرّر في الأذان ، فأوّل مَن حذفه ابن أروى (٢). وهو عثمان بن عفّان.

وهذا يتّفق مع ما قاله محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم في كتاب العلل وهو يذكر علل فصول الأذان حتّى يقول : .... وقوله : (حيّ على خير العمل) أي حث على الولاية ، وعلّة أنّها خير العمل أن الأعمال كلّها بها تقبل.

الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فألقى معاويةُ من آخر الأذان (محمّد رسول الله) فقال : أما يرضى محمّد أن يذكر في أوّل الأذان حتّى يذكر في آخره (٣).

وقد مر عليك ما رواه عبدالرزاق عن إبراهيم من أنّ أوّل من أفرد الإقامة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٩ ، كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة.

(٢) بحار الأنوار ٨١ : ١٧٠ ، عن العلل لابن هاشم ، وقد علّق المجلسي على كلامه بقوله : ... وكون الشهادة بالرسالة في آخر الأذان غريب ، ولم أره في غير هذا الكتاب.

أقول : قد يكون المراد من الشهادة بالرسالة في آخر الأذان هو ما جاء في بعض الروايات من استحباب ذكر الرسول وجعله الوسيلة إلى الله في آخر الأذان ، وكلما سمع المسلم الشهادة بالنبوة في الأذان وغيره. وهذا ما حذفه معاوية ، قال الشرواني في حواشيه ٣ : ٥٤ (.. وصريح كلامهم أنّه لا يندب الصلاة على النبيّ بعد التكبير ، لكن العادة جارية بين الناس بإتيانها بها بعد تمام التكبير ، ولو قيل باستحبابها عملاً بظاهر (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) وعملاً بقولهم : إنّ معناه «لا أذكر إلاّ وتذكر معي» لم يكن بعيداً ، فتأمل.

١٢٥

معاوية ، وقال مجاهد : كانت الاقامة مثنى كالأذان حتّى استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم (١).

وجاء في مجمع الزوائد عن عبدالرحمن بن ابن ليلى قال : كان علي بن أبي طالب اذا سمع المؤذن يؤذن قال كما يقول فإذا قال : اشهد ان لا إله إلاّ الله واشهد ان محمّداً رسول الله. قال علي : اشهد أن لا إله إلاّ الله واشهد ان محمّداً رسول الله وأن الذين جحدوا محمّداً هم الكافرون (٢).

بعد ذلك لا غرابة عليك في تصريح الصادق عليه‌السلام بأنّ الحكومات والنواصب منهم على وجه التحديد حرّفوا أو حاولوا تحريف الحقائق ، فقد عرفنا سياسة التحريف عند الأمويين ومسخهم للحقائق وأنّ عملهم هذا يصب في المخطط الهادف إلى إبدال كلّ ما جاء من حقائق الإسلام وكلّ ما كان من فضائل الإمام عليّ وأصحاب نهج التعبد.

فقد روى القاسم بن معاوية خبراً قال فيه :

قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوباً «لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، أبو بكر الصديق».

فقال : سبحان الله ، غيروا كل شيء حتّى هذا؟!!

قلت : نعم.

فقال الصادق عليه‌السلام ما ملخّصه : إنّ الله تعالى لمّا خلق العرش ، والماء ، والكرسي ، واللوح ، وإسرافيل ،

__________________

(١) أبو الوفاء الأفغاني في تعليقته على كتاب الآثار ١ : ١٠٧ ، وانظر : المصنّف لعبدالرزاق ١ : ٤٦٣/١٧٩٣.

(٢) مجمع الزوائد ١ : ٣٣٢.

١٢٦

وجبرائيل ، والسماوات والأرضين ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، كان يكتب على كلّ منها «لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين». ثمّ قال عليه‌السلام : فإذا قال أحدكم «لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله» فليقل «عليّ أمير المؤمنين» (١).

فالقارئ البصير لو تدبّر في النصوص الصادرة عن الأئمة لعرف أنّ رسالتهم هي تصحيح للأفكار الخاطئة المبثوثة في الشريعة والتاريخ ، ويتأكد لك مدعانا لو طبق على ما نحن فيه ، من وجود تيار يحمي فكرة الرؤيا وهم النواصب وأعداء النبيّ والإمام عليّ بن أبي طالب ، وهؤلاء النواصب كانوا لا يستسيغون ذكر الرسول محمّد في الأذان ، أو يتصورون أنّ الشهادة الثانية من وضعه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يقبل أمثال هؤلاء بشرعية شيء فيه تنويه ورفعة لمنزلة آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنواصب هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويجعلون مكانها مفاهيم اُخرى ، وقد أشرنا سابقاً إلى بعضها ، وإليك نَصَّين آخرين في هذا السياق ، إذ جاء في أصل زيد النرسي ، عن الإمام الكاظم بأن الصلاة خير من النوم من بدع بني أميّة (٢) ، وهي توكّد ما نريد الوصول إليه من حقيقة الأذان وكيفية وقوع التحريف فيه.

فقد روى الصدوق وعليّ بن إبراهيم ، عن عمر بن أُذينة ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : يا عمر بن أُذينه ، ما ترى هذه الناصبة؟

قال : قلتُ : في ماذا؟

__________________

(١) انظر : الاحتجاج ١٥٨.

(٢) أصل زيد النرسي ٥٤ ، وعنه في مستدرك الوسائل ٤ : ٤٤ ح ٤١٤٠/٢.

١٢٧

فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم.

قال : قلت : إنّهم يقولون : إنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم.

فقال : كذبوا ، فإنّ دين الله عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم.

فقال سدير الصيرفي للإمام : جُعلت فداك ، فأَحِدث لنا من ذلك ذِكراً (١) ، فبدأ الإمام الصادق عليه‌السلام ببيان عروج الرسول إلى السماوات السبع وذكر لهم خبر الأذان والصلاة هناك.

ولو أحببت الوقوف على ملابسات هذه الأمور أكثر فأكثر ، ومعرفة دور قريش وأتباعهم من النواصب في تحريف النصوص وما يتعلق بالإمام عليّ على وجه التحديد ، فتمعن فيما نقوله تحت العنوان الآتي :

من هم الثلاثة أو الأربعة؟

بعد أن وقفت على بعض تحريفات بني أميّة نوقفك الآن مع عبارة مبهمة تذكرها كتب الصحاح والسنن في خبر الإسراء ، مفادها أنّ جبريل لمّا نزل بأمر الإسراء رأى ثلاثة رجال نائمين ، فقال إسرافيل لجبرئيل : أيّهم هو؟ فقال : أوسطهم.

وكان النائم في الوسط هو النبيّ محمّد ، فالآن نتساءل : من هما الاثنان الآخران يا ترى؟ ولماذا الإبهام في اسميهما؟

أخرج مسلم في صحيحه ، وأبو عوانة في مسنده ، والترمذي في سننه ، وابن

__________________

(١) الكافي كتاب الصلاة باب النوادر ٣ : ٤٨٢ ـ ٤٨٦/١. وللمزيد من الاطّلاع يمكنك مراجعة خبر الإسراء في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ٢ : ٣ ـ ١٢. وانظر : علل الشرايع ٢ : ٣١٣ باب علل الوضوء والأذان والصلاة ، وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٣٥٤.

١٢٨

خزيمة في صحيحه ، والنصّ للأول بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، لعلّه قال عن مالك بن صعصعة (رجل من قومه) ، قال : قال نبيّ الله : بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً يقول : أحد الثلاثة بين الرجلين ... (١)

وفي مسند أحمد ، والمجتبى للنسائي ، والسنن الكبرى له أيضاً ، والنصّ للأوّل ... عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بينا أنا عند الكعبة بين النائم واليقظان فسمعت قائلاً يقول : أحد الثلاثة ... فأُتِيتُ بطست من ذهب .... ثمّ أُتيتُ بدابّة دون البغل وفوق الحمار ، ثمّ انطلقت مع جبرئيل عليه‌السلام ... الحديث (٢).

على أنّ البخاري وغيره أرجعوا هذا الخبر إلى قبل أن يبعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء في الصحيحين عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر : سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة أُسري بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من المسجد الكعبة : جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في مسجد الحرام ، فقال أوّلهم : أيّهم هو؟ فقال : أوسطهم هو خيرهم ، وقال آخرهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك ، فلم يَرَهم حتّى جاءوا ليلة أخرى فيما يرى قلبه والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نائمة عيناه ولا ينام قلبه .. فتولاّه جبرئيل ثمّ عرج به إلى السماء (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ١٤٩ كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماوات وفرض الصلوات ح ٢٦٤ ، مسند أبي عوانة ١ : ١٠٧ ، وصحيح ابن خزيمة ١ : ١٥٣ ، كتاب الصلاة ، باب بدء فرض الصلوات الخمس ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٠٤ ، أسد الغابة ٤ : ٢٨١ ، الديباج للسيوطي ١ : ٢٠٧ ، وانظر : جامع البيان ١٥ : ٤ ، وسنن الترمذي ٥ : ٤٤٢ ح ٣٣٤٦ ، كتاب تفسير القرآن باب «من سورة ألم نشرح».

(٢) مسند أحمد ٤ : ٢٠٧ ، ٢١٠ ، سنن النسائي ١ : ٢١٧ ، السنن الكبرى ١ : ١٣٨.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٣٣ ـ ٣٤ / كتاب المناقب ـ باب «كان النبيّ تنام عينه ولا ينام قلبه». وانظر : ٩ : ٨٢٤ ، كتاب التوحيد ـ باب «وكلّم الله موسى تكليما» ، وصحيح مسلم ١ : ١٤٨ ، كتاب الإيمان ، باب «الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وسنن البيهقي ٧ : ٦٢.

١٢٩

وفي هذه الضبابية وهذا الإبهام نرى كتب شروح الحديث عند أهل السنّة والجماعة لا توضّح إلاّ بعض الشيء عن هؤلاء ، فحكى السندي في حاشيته على النسائي وضمن تفسيره لهذا الحديث .. «قالوا : هما حمزة وجعفر ...» (١).

وفي شرح مسلم باب الإسراء : روي أنّه كان نائماً معه حينئذ عمّه حمزة بن عبدالمطّلب وابن عمّه جعفر بن أبي طالب (٢).

وفي فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ... فقال أوّلهم : أيهم هو ، فيه إشعار بأنّه كان نائماً بين جماعة أقلّهم اثنان وقد جاء أنّه كان نائماً معه حينئذ حمزة ابن عبدالمطّلب وجعفر بن أبي طالب ابن عمّه (٣).

وقال البناء في الفتح الربّاني (٤) والمباركفوري في تحفة الأحوذي (٥) ، والكلام للأوّل : قال الحافظ : والمراد بالرجلين ، حمزة وجعفر ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حين كان نائماً بينهما.

هكذا عرّفت كتب الشروح اسم الرجلين دون ذكر سند أو رواية في ذلك ، لكنّ كتب الشيعة الإماميّة والإسماعيليّة والزيديّة رَوَت بأسانيدها أسماء الذين كانوا نائمين مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم : عليّ ، وحمزة ، وجعفر ، كانوا يحيطون به عن يمينه وشماله

__________________

وقال ابن حجر في فتح الباري ١٣ : ٤٠٩ : «وقوله : قبل أن يُوحى إليه» أنكرها الخطّابي وابن حزم وعبدالحقّ والقاضي عياض والنووي ، وعبارة النووي : وقع في رواية شريك هذه أوهام أنكرها العلماء ، أحدها قوله : قبل أن يوحى إليه ، وهو غلط لم يَوافَق عليه.

(١) حاشية السندي على النسائي ١ : ٢١٧ ، كتاب الصلاة باب فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين.

(٢) هذا ما حكاه مهمّش تفسير القرطبي ٢٠ : ١٠٤. ولم نقف عليه في مظانّه.

(٣) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١٣ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ ، كتاب التوحيد.

(٤) الفتح الربّاني ٢٠ : ٢٤٨.

(٥) تحفة الأحوذي ٩ : ١٩٣.

١٣٠

وتحت رِجلَيه ..

روى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ، قال : روي عن رسول الله أنّه قال : بينا أنا راقد بالأبطح ، وعليٌّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة بين يَدَيّ ، وإذا أنا بخفق أجنحة الملائكة وقائل منهم يقول : إلى أيّهم بُعِثتَ يا جبرئيل؟ فقال : إلى هذا ، وأشار إليّ. ثمّ قال : هو سيّد ولد آدم وحوّاء ، وهذا وزيره ووصيّه وختنه وخليفته في أمّته ، وهذا عمّه سيد الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة ، دعه فلتنم عيناه ولتسمع أُذناه ولْيَعِ قلبه ... (١)

وروى القاضي النعمان في شرح الأخبار عن الطبري ؛ رفعه إلى حذيفة اليماني ، قال : خرج إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً وهو حاملٌ الحسنَ والحسينَ عليهما‌السلام على عاتقه ، فقال : هذان خير الناس أباً وأمّاً ؛ أبوهما عليّ ... إلى أن قال : إنّ الله عزّوجلّ اختارنا أنا وعليّا وحمزة وجعفر يوم بعثني برسالته وكنت نائماً بالأبطح ، وعليّ نائم عن يميني ، وحمزة عن يساري ، وجعفر عند رجلي ، فما انتبهت إلاّ بحفيف أجنحة الملائكة ، فنظرت فإذا أربعة من الملائكة وأحدهم يقول لصاحبه : يا جبرئيل ، إلى أيّ الأربعة أُرسِلتَ؟ فرفسني برِجلي وقال : إلى هذا.

قال : ومَن هذا؟!

قال : محمّد سيّد المرسلين.

قال : ومَن هذا عن يمينه؟!

قال : عليّ سيّد الوصيّين.

__________________

(١) تفسير عليّ بن إبراهيم ٢ : ١٣ تأويل الآيات ١ : ٢٦٩ ، تفسير نور الثقلين ٣ : ١٠٠ عنه.

١٣١

قال : ومن هذا عن يساره؟!

قال : حمزة سيّد الشهداء.

قال : ومن عند رجليه؟

قال : جعفر الطيّار في الجنَّة. (١)

وروى الشيخ الطوسي بإسناده عن إبراهيم بن صالح بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رقدتُ بالأبطح على ساعدي وعليٌّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رِجلي ، قال : فنزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، ففزعت لخفق أجنحتهم. قال : فرفعت رأسي فإذا إسرافيل يقول لجبرئيل : إلى أيّ الأربعة بُعثتَ وبُعثنا معك؟ قال : فرفس برِجله فقال : إلى هذا ... إلى آخر الرواية (٢).

وروى المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري ـ من الزيديّة ـ في الأمالي الخميسيّة بإسناده عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قول الله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فإنّا أهل بيت مُطهَّرون من الذنوب ، ألا وإن الله اختارني من ثلاثة من أهل بيتي على جميع أمّتي وأنّا سيّد الثلاثة ، وسيّد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر.

قال أهل السدة : يا رسول الله ، سَمِّ لنا الثلاثة نعرفهم؟ فبسط رسول الله كفَّه الطيّبة المباركة ثمّ حلق بيده ، قال : اختارني وعليّاً وحمزة وجعفراً ، كنا رقوداً بالأبطح ليس منّا إلاّ مسجّى بثوبه ، عليّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رجلي ، فما نبّهني من رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة وبرد ذراع عليّ تحت خدي ،

__________________

(١) شرح الأخبار ١ : ١٢٠ ـ ١٢١ ح ٤٦.

(٢) الأمالي للطوسي : ٧٣١ مجلس يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذي الحجّة سنة ٤٥٧ هـ.

١٣٢

فانتبهت من رقدتي ، وجبرئيل في ثلاثة أملاك ، فقال له بعض الأملاك الثلاثة : يا جبرئيل ، إلى أيّ هؤلاء الثلاثة أُرسِلتَ؟

فحرّكني برجله وقال : إلى هذا وهو سيّد ولد آدم.

فقال له أحد الثلاثة : ومَن هو ، سمِّه؟

فقال : هذا محمّد سيّد المرسلين ، وهذا عليّ خير الوصيّين ، وهذا حمزة سيّد الشهداء ، وهذا جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء (١).

ولو حقّقنا في رجال الخبر المروي في تفسير عليّ بن إبراهيم ـ والذي رواه المرحوم شرف الدين الحسيني (من أعلام القرن العاشر) مسنداً في تاويل الآيات ـ لرأيناهم ثقات لم يرد فيهم جرح ، ويؤيّده ما حكاه القاضي النعمان المصري في شرح الأخبار والطوسي والمرشد بالله في أماليهما ، فنحن لو جمعنا هذين النصين مع ما جاء في الإمام عليّ وأنّه أحد سادات أهل الجنّة السبعة بنص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ مثاله كان في الجنَّة وقد رأى ذلك رسول الله حينما أسري به إلى السماء ، لعرفنا حقيقة أخرى كانت بنو أميّة تخفيها وتخاف نشرها وشيوعها بين الناس ، بل سعت لطمسها وإبدالها بأخبار أخرى في الصحابة.

وإذا أردتَ أن تقف على جلية الأمر ، فلاحِظْ أنّ هناك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة ، ومجموعة من الآيات الكريمة فسّرها الرسول الأكرم ، وفيها تجد عليّاً وحمزة وجعفراً في إطار واحد لا ينفصلون ، وعلى نسق فريد من الكرامة فيه لا يتفرقون.

فقد أخرج الحاكم وابن ماجة بسندهما عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : نحن بنو عبدالمطلب سادة أهل الجنّة ؛ أنا وعليّ وجعفر وحمزة والحسن

__________________

(١) الأمالي الخميسية ١٥١.

١٣٣

والحسين والمهدي ، ثمّ قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (١).

وقد روى ابن عساكر بسنده عن حبشي بن جنادة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إنّ الله اصطفى العرب من جميع الناس ، واصطفى قريشاً من العرب ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني واختارني في نفر من أهل بيتي : عليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين (٢).

وقد روى عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خير الناس حمزة وجعفر وعليّ (٣).

وروى الحاكم الحسكاني بسنده عن عبدالله بن عباس ، في قول الله تعالى (أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ) (٤) ، قال : نزلت في حمزة وجعفر وعليّ ، وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى وعدهم في الدنيا الجنّة على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهؤلاء يلقون ما وعدهم الله في الآخرة (٥) ...

وروى الحاكم الحسكاني أيضاً بسنده عن عبدالله بن عبّاس في قول الله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ) (٦) ، يعني عليّاً وحمزة وجعفرا (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ) يعني حمزة وجعفرا (وَمِنْهُم مَن يَنظُرُ)

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٢١١ والنصّ عنه ، وهو في سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٦٨ باب خروج المهديّ ح ٤٠٨٧ ، وفيه : «نحن ولد عبدالمطّلب» ... ونحو الأوّل في طبقات المحدّثين بإصفهان ٢ : ٢٩١ ، وأيضاً في سبل الهدى والرشاد ١١ : ٧.

(٢) كنز العمّال ١١ : ٧٥٦ ، ح ٣٣٦٨ ، عن ابن عساكر.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٥ : ٧٢.

(٤) القصص : ٦١.

(٥) شواهد التنزيل ١ : ٥٦٤ ، ح ٦٠١. وانظر : نهج الإيمان ٥١٤.

(٦) الأحزاب : ٢٣.

١٣٤

يعني عليّاً كان ينتظر أجله والوفاء لله بالعهد والشهادة في سبيل الله ، فوالله لقد رزق الشهادة (١).

وبإسناده أيضاً عن زيد ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ ، قلت له : أخبرني عن قوله تعالى (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ) (٢) ، قال : نزلت في عليّ وحمزة وجعفر (٣) ...

فهؤلاء الثلاثة كانوا يحوطون النبيّ كما تحوط عينَ الناظر الهُدُبُ ، وكانوا هم عماد المدافعين عنه في أوائل الدعوة الإسلاميّة ، وقد أعلنوا إسلامهم بكل جرأة وتحدّ للحشود القرشية المتظافرة على الفتك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وها قد رأيت الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة كيف تعدهم لئالئ في سلك ونظام واحد ، فلماذا يحذف اسم «عليّ» من هذه الكوكبة؟! ما يكون ذلك إلاّ من صنيع المبغضين له والأمويين ومن لفّ لفَّهم ، ويكفيك هذا دليلاً دامغاً على أنّ (نهج الأذان المنامي) حاول التعتيم على الحقيقة المحمدية العلوية ، وحاول القضاء على (نهج الأذان السماوي) ، فلم يتمكنوا من ذلك.

وهؤلاء الثلاثة ـ عليّ وحمزة وجعفر ـ كانت فضائلهم متماسكة متناسقة حتّى سارت على السنة الشعراء ، فقد قال الكميت في بائيته الرائعة :

أولاك نبيّ الله منهم وجعفر

وحمزة ليث الفَيلقَين الُمجرَّبُ

هُمُ ما هُمُ وتراً وشَفعاً لقومِهم

لفقدانهم ما يُعذَرُ المُتَحَوِّبُ

قتيل التَّجوبي الذي استوأرت به

يساق به سَوقاً عنيفاً ويجنبُ

قال شارح القصيدة : قتيل التجوبي هو عليّ بن أبي طالب ، وتجوب قبيلة وهم

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢ : ٦ ، ح ٦٢٨. وانظر : التبيان ٥ : ٣١٨ ، وتفسير القمّي ٢ : ١٨٨.

(٢) الحجّ : ٤٠.

(٣) شواهد التنزيل ١ : ٥٢١ ، ح ٥٥٢.

١٣٥

في مراد (١).

ولمّا هجا أحدُ الشعراء ـ من ولد كريز بن حبيب بن عبدشمس ـ محمّد بن عيسى المخزومي ، أجابه شاعرٌ آخر فذكر معايب بني عبدشمس وأنهم لم يكن لهم ما يذكر في الجاهلية من أمر اللواء والندوة والسقاية والرفادة ، وذكر حقدهم على النبيّ وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :

لا لواءٌ يُعدّ يا بن كريز

لا ولا رِفْدُ بيتِه ذي السَّناءِ

لا حجابٌ وليس فيكم سِوى الكبـ

ر وبُغضِ النبيِّ والشهداءِ

بين حاك ومُخْلج وطريد

وقتيل يَلْعَنْهُ أهلُ السماءِ

ولهم زمزمٌ كذاك وجِبريـ

ـلُ ومجدُ السقايةِ الغَرّاءِ

قال ابن أبي الحديد : قال شيخنا أبو عثمان : فالشهداء عليّ وحمزة وجعفر ، والحاكي والمخلج هو الحكم بن أبي العاص ... والطريد اثنان : الحكم بن أبي العاص ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، وهما جدّا عبدالملك بن مروان من قبل أمّه وأبيه (٢) ...

وعلى كلّ حال ، فإن المنصف لا يرتاب في أنّ الأذان كان تشريعه سماوياً لا رؤيؤيا ، وكان عليّ وحمزة وجعفر ، محيطين بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن الحكومات والسياسات حذفت اسم عليّ عليه‌السلام محاوِلةً إبعاد هذه المكرمة عنه وهي أقرب إليه من حبل الوريد ، وهذه ليست أوّل فعلة من فعلات المحرّفين ، بل لها نظائر ونظائر إلى ما شاء الله.

وما ذكرهم مثال بلال وغيره من الصحابة في خبر الإسراء والمعراج وتركهم

__________________

(١) الروضة المختارة ٤٠.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ١٥ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

١٣٦

ذكر مثال عليّ إلاّ شاهد آخر على ما حرفوا في الأذان السماوي ، الذي تبناه عليّ وأولاده وأصحابه.

فقد روى مضمون ذلك جابر بن عبدالله الانصاري ، وأبو أمامة الباهلي ، وبريده ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، وسهل بن سعد الساعدي عن رسول الله بنصوص متقاربة.

فأمّا ما رواه جابر ـ فقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (١) ، وأبو داود الطيالسي (٢) ، وأحمد (٣) في مسنديهما ، وابن حبان في صحيحه (٤) ـ والنص للبخاري ـ وهو :

قال رسول الله : أُريتني دخلت الجنَّة ، فإذا أنا بالرميضاء امرأة أبي طلحة ، وسمعت خشفة فقلت : من هذا؟

قال [جبرئيل] : هذا بلال. قال : ورأيت قصراً بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا؟ فقال : لعمر ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك.

فقال عمر : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، أعليك أغار؟!

وفي رواية أبي أمامة التي رواها أحمد في مسنده (٥) والطبراني في الكبير (٦)

__________________

(١) صحيح البخاري والنصّ عنه ٥ : ٧٠ ح ١٩٩ ، باب مناقب عمر بن الخطاب ، وانظر : صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٨ ح ٢٤٥٧ باب من فضائل أمّ سليم أمّ أنس بن مالك وبلال ، وانظر : صحيح مسلم ٤ : ١٨٦٢ باب فضائل عمر بن الخطّاب ح ٢٣٩٤.

(٢) مسند أبي داود الطيالسي ٢٣٨ ح ١٧١٥ و ١٧١٩ ، ما رواه محمد بن المنكدر عن جابر.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

(٤) صحيح بن حبّان ١٥ : ٣٠٩ في ذكر قصر عمر في الجنّة ، وص ٥٥٩ في ذكر ايجاب الجنّة لبلال و ١٦ : ١٦١ في ذكر أمّ حرام في الجنّة.

(٥) مسند أحمد ٥ : ٢٥٩.

(٦) المعجم الكبير ٨ : ٢٨١ ح ٧٩٢٣ باختصار ، مسند الروياني ٢ : ٢٧٧.

١٣٧

والهيثمي في مجمع الزوائد (١) ـ والنصّ عن أحمد ـ قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فسمعت فيها خشفة بين يدي ، فقلت : ما هذا؟ قال : بلال.

قال : فمضيت فإذا أكثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرين (٢) وذراري المسلمين ولم أرَ أحداً أقلّ من الأغنياء والنساء ... ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنَّة الثمانية ، فلمّا كنت عند الباب أتيت بكُفّة فوُضعت فيها ووُضِعت أمّتي في كفّة ، فرجحتُ بها ، ثمّ أتي بأبي بكر فوضع في كفّة وجيء بجميع أمّتي في كفّه فوضعوا فرجح أبو بكر ، وجيء بعمر فوضع في كفّة وجيء بجميع أمّتي فوضعوا فرجح عمر ، وعرضت أمّتي رجلاً رجلاً (٣) فجعلوا يمرّون فاستبطأت عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ جاء بعد الأياس ...

وأمّا رواية عبدالله بن بريدة عن أبيه والتي أخرجها الطبراني في الكبير (٤)وابن أبي شيبة في المصنّف (٥) وابن حبّان في الصحيح (٦) وأحمد في المسند (٧)والترمذي في السنن (٨) وابن خزيمة في الصحيح (٩) والحاكم في المستدرك (١٠) ـ والنصّ للترمذي ـ فهي ، قال : أصبح رسول الله فدعا بلالاً ، فقال : يا بلال ، بم سبقتني إلى الجنَّة؟ ما دخلت الجنَّة قطّ إلاّ سمعت خشخشتك أمامي.

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ٥٩ ، ١٠ : ٢٦٢.

(٢) لا يفوتك عدم ذكر الأنصار في هذا الحديث.

(٣) لاحظ عدم ذكر عثمان وعليّ في هذا الحديث فقد يكون للخوارج يد في وضعه.

(٤) المعجم الكبير ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ح ١٠١٢.

(٥) المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٣٩٩ ح ٣٢٣٢٥.

(٦) صحيح ابن حبّان ١٥ ـ ٥٦١ ، ٥٦٢.

(٧) مسند أحمد ٥ : ٣٥٤ و ٣٦٠.

(٨) سنن الترمذي ٥ : ٦٢٠ ح ٣٦٨٩.

(٩) صحيح ابن خزيمة ٢ : ٢١٤ ح ١٢٠٩.

(١٠) المستدرك على الصحيحين ١ : ٣١٣ و ٣ : ٢٨٥.

١٣٨

وأمّا ما رواه أنس بن مالك ـ والذي جاء في مسند عبد بن حميد (١) ـ فهو : قال أنس : قال رسول الله : دخلتُ الجنّة فسمعت خشفة فقلت : ما هذه؟ فقالوا : هذا بلال ، ثمّ دخلت الجنّة فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذه؟ قالوا : هذه الغميضاء بنت ملحان وهي أمّ سليم أمّ أنس بن مالك.

وأمّا ما رواه أبو هريرة ـ والذي أخرجه البخاري (٢) ومسلم (٣) وابن حبّان (٤) في صحاحهم ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٥) ـ فهو : أن النبيّ قال لبلال عند صلاة الفجر : يا بلال ، حدّثني بأرجى عمل عملتَه في الإسلام فإني سمعت دفّ نعلَيك بين يدَيّ في الجنَّة ، قال : ما عملت عملاً أرجى عندي أنيّ لم أتطهّر طهوراً في ساعة ليل أو نهار إلاّ صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلّي.

وأمّا رواية سهل بن سعد ففيها : قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فإذا منظر آت فنظرت فإذا هو بلال (٦) ..

كلّ هذه النصوص ظاهرة في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ذلك في معراجه إلى السماء ، وهناك نصّان آخران يوضحان ذلك ؛ فقد روى الطبراني في الكبير بإسناده عن وحشي بن حرب ، عن أبيه ، عن جدّه : أنّ رسول الله لمّا أسري به في الجنَّة سمع خشخشة ، فقال : يا جبرئيل ، ما هذه الخشخة؟ قال : هذا بلال.

__________________

(١) منتخب مسند عبد بن حميد ٣٩٩ ح ١٣٤٦.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٩٩ كتاب التهجّد بالليل ، باب فضل الطهور بالليل والنهار ، ح ١٠٧٤ والنصّ عنه ، وج ٥ : ٩٣ كتاب فضائل أصحاب النبيّ باب مناقب بلال بن أبي رباح.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٩١٠ باب من فضائل بلال ح ٢٤٥٨.

(٤) صحيح ابن حبّان ١٥ : ٥٦٥.

(٥) تاريخ دمشق ١٠ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

(٦) مسند أحمد ٢ : ٣٣٣.

١٣٩

قال أبو بكر : ليت أمّ بلال ولدتني وأبو بلال وأنا مثل بلال (١) رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وفي مسند أحمد (٢) ومجمع الزوائد (٣) والأحاديث المختارة (٤) وتفسير ابن كثير (٥) عن ابن عبّاس ، والنصّ لأحمد : بسنده عن ابن عبّاس ، قال : ليلة أسري بنبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل الجنَّة فسمع من جانبها وَجساً ، قال : يا جبرئيل ، ما هذا؟ قال : هذا بلال المؤذّن.

فهذه النصوص تشير إلى وجود مثال بلال في الجنّة وإن جدّ بعض الأعلام إلى تضعيفها (٦) وحملها على كونها كانت في المنام لا اليقظة ، لكنّهم بهذا التعليل أو ذاك لا يمكنهم التقليل من حجيّتها عند القائلين بها ، وذلك لحجيّة رؤيا الأنبياء عند جميع المسلمين ، وقد يكون ما رآه الرسول معنى آخر لتجسّم الأعمال والذي يذهب إلى القول به جماعة من المسلمين.

وبعد هذا فلا مانع من أن نذكر بعض الروايات الدالّة على وجود اسم عليّ في العرش والكرسي ، والتي لا نستبعد أن تكون حكومة الأمويين وضعت الأحاديث الآنفة في مقابلها ، محاولةً منهم لطمس فضائل عليّ والتقليل من أهمّيتها ، وذلك طبق المنهج الذي رسموه وخططوه في ذلك كما تقدم بيانه ، إذ أن حديث رجحان كفّة أبي بكر وعمر على كفّة الناس أجمعين هو تحريف للحديث الثابت عن رسول الله : ضربة

__________________

(١) المعجم الكبير ٢٢ : ١٣٧ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٩٩.

(٢) مسند أحمد ١ : ٢٥٧.

(٣) مجمع الزوائد ٩ : ٣٠٠.

(٤) الأحاديث المختارة ٩ : ٥٥٢.

(٥) تفسير ابن كثير ٣ : ١٤.

(٦) فيض القدير ٣ : ٥١٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٦ ـ ٢٧ ، نيل الاوطار ٣ : ٨١ ، تحفة الاحوذي ١٠ : ١٢٠.

١٤٠