موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا رواية الفضل ، فهي من حيث الدلالة وإن لم يكن بها بأس (١) ، إلّا أنّها من حيث السند ضعيفة ، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل.

فظهر أنّه ليس هناك ما يوجب أن يرفع اليد به عن ظواهر تلك الصحاح بل هي باقية على حجّيتها ، ولذا مال صاحب الحدائق (٢) إلى الوجوب لولا قيام الإجماع على عدمه وتوقف صاحب المدارك في الحكم (٣).

ولكن مع ذلك كلّه فالأظهر عدم الوجوب ، بل هو مستحب حال الانتصاب كما عليه المشهور ، وذلك لأنّ الصحيحة الثالثة إن قلنا بأنّها مطلقة وشاملة لحال الهوي فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها وحملها على الصحاح الثلاث الأُخر المقيّدة بحال الانتصاب ، فان قانون حمل المطلق على المقيّد وإن لم يجر في المستحبّات ، بل يؤخذ ويعمل بكلا الدليلين ، إلّا أنّ كون الحكم في المقام مستحبّاً بعدُ أوّل الكلام ، فلا يمكن إجراء حكمه عليه.

وعليه ينتج وجوب التكبيرة حال الانتصاب ، وهذا ما تكذّبه السيرة العملية المتّصلة بزمن المعصومين عليهم‌السلام حيث إنّها جارية على إتيانها عند الهوي ولو لا بقصد الخصوصية. على أنّه لو كان واجباً لكان شائعاً وذائعاً كيف لا وهو ممّا يكون مورداً لابتلاء عامّة المكلّفين في اليوم عدّة مرّات ، مع أنّه لم يذهب إليه إلّا أفراد معدودون لم يتجاوزوا الأصابع ، فلا بدّ من رفع اليد عن ظواهرها أو حملها على الاستحباب.

وإن قلنا بأنّها ليست مطلقة كما لا يبعد ، فإنّه وإن لم يكن العاطف فيها «ثمّ»

__________________

(١) بل لا تخلو عن البأس ، لتوقّفها على إرادة الاستحباب من السنّة الواقعة في مقابل الفريضة وهو أوّل الكلام.

(٢) الحدائق ٨ : ٢٥٧.

(٣) المدارك ٣ : ٣٩٤.

٨١

[١٦٠٨] مسألة ٢٨ : لا فرق بين الفريضة والنافلة في واجبات الركوع ومستحبّاته ومكروهاته وكون نقصانه موجباً للبطلان ، نعم الأقوى عدم بطلان النافلة بزيادته سهواً (١).

______________________________________________________

الظاهر في الترتيب ، إلّا أنّ الظاهر أنّ التكبير يقع قبل الهوي ، إمّا باعتبار أن يكون الهوي من أجزاء الركوع كما هو أحد الأقوال ، أو من جهة كونه مقدّمة عقلية له. والحاصل أنّ الواو لو كانت حالية كان مفادها وقوع التكبير حال الهوي ، ولكنّها ليست حالية ، فتكون ظاهرة في وقوعها قبل الهوي.

وكيف ما كان ، فعلى هذا القول لا حاجة إلى التعبّد ، بل تكون الصحاح الأربع بوزان واحد ، ولا بدّ من رفع اليد عن ظواهر جميعها من جهة القرينة العامّة المشار إليها والسيرة ، فتكون النتيجة هو استحبابها قبل الركوع حال الانتصاب ، فلو أتى بها حال الهوي لا يكون ذلك بقصد الخصوصية ، بل بعنوان مطلق الذكر.

(١) لا ريب في أنّه لا فرق بين الفريضة والنافلة بحسب الحقيقة والماهية وإنّما الفرق بينهما من جهة الحكم ، ولذا لو أمر المولى بالصلاة فريضة بعد بيان كيفيتها ثمّ أمر بها نافلة ، يعلم أنّ المطلوب منه استحباباً إنّما هو نفس تلك الأجزاء والشرائط ، فعليه لا فرق بينهما في جميع واجبات الركوع ومستحبّاته ومكروهاته إلّا إذا لم يكن لأدلّتها إطلاق ، ولأجله كان نقصان الركوع عمداً أو سهواً في النافلة موجباً للبطلان ، لإطلاق لا تعاد الحاكم بالإعادة فيما إذا كان الإخلال النقصي من ناحية الركوع. مضافاً إلى حديث التثليث (١) الدال على أنّ الركوع من مقوّمات الصلاة ، وبدونها تكون الصلاة منتفية.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا زيادته العمدية فهي أيضاً توجب البطلان ، لأنّ الركوع أُخذ في الصلاة بشرط لا ، والمفروض اتِّحاد الماهيتين ، فلا محالة تكون الزيادة فيها موجبة للبطلان.

وأمّا الزيادة السهوية فمقتضى القاعدة من اتِّحاد الماهيتين هو البطلان أيضاً إلّا أنّ الأقوى الصحّة ، نظراً إلى قصور المقتضي عن الشمول للنافلة ، فإنّ المقتضي للبطلان حينئذ هو قوله عليه‌السلام من استيقن أنّه زاد في المكتوبة ركعة فعليه الإعادة (١) حيث دلّ على البطلان فيما لو زاد ركعة سواء أُريد بها الركوع أو نفس الركعة زيادة سهوية كما يقتضيه التعبير بالاستيقان وهو كما ترى خاص بالمكتوبة فلا يعم النافلة.

وعلى الجملة : لا دليل على التعدِّي إلى النافلة بعد تقييد الحكم بالمكتوبة والوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح ، لكن له مفهوم بالمعنى الآخر وهو الدلالة على عدم ثبوت الحكم للطبيعة المطلقة على سريانها كما أسلفناك مراراً ، فيكون مفهومه في المقام : إنّ مطلق الصلوات الأعم من الفريضة والنافلة ليس محكوماً بوجوب الإعادة لدى زيادة الركوع سهواً ، وهو المطلوب. وتمام الكلام في بحث الخلل إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

٨٣

فصل في السجود

فصل في السجود وحقيقته وضع الجبهة على الأرض بقصد التعظيم وهو أقسام : السجود للصلاة ومنه قضاء السجدة المنسيّة ، وللسهو وللتلاوة وللشكر وللتذلّل والتعظيم أمّا سجود الصلاة فيجب في كل ركعة من الفريضة والنافلة سجدتان (١)

______________________________________________________

(١) السجود لغة (١) يطلق على معانٍ لعل أكثرها استعمالاً : نهاية التذلّل والخضوع التي أظهرها مصداقاً وضع الجبهة على الأرض ، وربما يطلق على وضع ما عدا الجبهة من سائر أعضاء الوجه ، لكنّه مختص بفرض العجز عن الجبهة فهو في طول الاستعمال الأوّل.

والمراد بالأرض أن يكون الاعتماد عليها ، سواء أكان مع الواسطة أو بدونها فلا يصدق السجود على الفاقد للاعتماد ، كأن يضع جبهته على يده المرتفعة عن الأرض ، بحيث يكون السجود على الفضاء.

وكيف ما كان ، فهو بمفهومه اللّغوي والعرفي متقوّم بوضع الجبهة على الأرض ولا مدخل لوضع سائر المساجد في الصدق المزبور.

والظاهر أنّه في لسان الشرع أيضاً يطلق على ما هو عليه من المعنى اللّغوي غايته مع مراعاة خصوصيات أُخر كما ستعرف ، فالسجود الوارد في الكتاب والسنّة كالواقع في حديث لا تعاد وغيره كلّها تنصرف إلى هذا المعنى ، وليس للشارع اصطلاح جديد في ذلك.

__________________

(١) لسان العرب ٣ : ٢٠٤ ، مجمع البحرين ٣ : ٦٢.

٨٤

وهما معاً من الأركان (١) فتبطل بالإخلال بهما معاً ، وكذا بزيادتهما معاً في

______________________________________________________

وأمّا ما ورد في جملة من الأخبار (١) من أنّ السجود على سبعة أعظم : الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان ، فليس ذلك بياناً لمفهوم السجود شرعاً كي يقتضي الحقيقة الشرعية ، ولا شارحاً للمراد من لفظ السجود الوارد في لسان الشارع ولو مجازاً ، فانّ كلا من الأمرين مخالف لظواهر هذه النصوص بل هي مسوقة لبيان واجبات السجود والأُمور المعتبرة فيه ، فمفادها إيجاب هذه الأُمور في تحقّق السجود الواجب ، وإن كان ذلك لا يخلو عن ضرب من المسامحة كما لا يخفى ، لا دخلها في المفهوم أو في المراد.

ومنه تعرف أنّ ما ورد من المنع عن السجود على القير مثلاً ، إنّما يراد به المنع عن وضع الجبهة عليه ، الّذي هو حقيقة السجود كما عرفت ، لا عن وضع سائر المساجد ، كما أنّ ما دلّ على وجوب السجود على الأرض أو نباتها يراد به اعتباره في خصوص مسجد الجبهة لا سائر المساجد كما عليه السيرة ، بل الإجماع من دون نكير.

ويترتّب عليه أيضاً : أنّ المدار في زيادة السجود ونقيصته الموجبتين للبطلان على وضع الجبهة وعدمه ولا عبرة بسائر المساجد ، فلو ترك وضع الجبهة في السجدتين بطلت صلاته وإن كان واضعاً لسائر المساجد ، كما أنّه من طرف الزيادة لو وضع جبهته مرّتين بطلت وإن لم يضع مساجده الأُخر ، فالركنية تدور مدار وضع الجبهة وعدمه كما نبّه عليه الماتن (قدس سره) في ذيل كلامه.

(١) لا ريب في وجوب السجود في الصلاة فريضة كانت أم نافلة ، لكل ركعة مرّتين بضرورة من الدين ، وقد اشتهر التعبير عنهما معاً بالركن ، وأنّ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٣ / أبواب السجود ب ٤ ح ٢ ، ٨.

٨٥

الفريضة عمداً كان أو سهواً أو جهلاً ، كما أنّها تبطل بالإخلال بإحداهما عمداً وكذا بزيادتها ، ولا تبطل على الأقوى بنقصان واحدة ولا بزيادتها سهواً.

______________________________________________________

زيادتهما أو نقيصتهما عمداً أو سهواً موجبة للبطلان ، بخلاف السجدة الواحدة حيث إنّ الإخلال بها سهواً نقصاً أو زيادة غير قادح فليست هي بركن.

فيقع الكلام أوّلاً في تحديد الركن وتطبيقه على المقام ثمّ في بيان مدرك الحكم المزبور.

فنقول : قد أشرنا في أوائل بحث أفعال الصلاة (١) إلى أنّ الركن بلفظه لم يرد في شي‌ء من النصوص ، وإنّما هو اصطلاح محدث دارج في ألسنة الفقهاء (قدس سرهم) من دون أن يكون له في الأخبار عين ولا أثر ، كما نصّ عليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (٢) ولا بأس بهذا الإطلاق حيث إنّ ركن الشي‌ء هو عموده وما يبتني عليه بحيث ينتفي بانتفائه عمداً كان أو سهواً ، وما يعد من الأركان في الصلاة كذلك ، غير أنّهم (قدس سرهم) فسّروه بما يوجب الإخلال به عمداً وسهواً زيادة ونقصاً البطلان.

ومن هنا أشكل الأمر في تطبيقه على المقام مع الالتزام بعدم قدح السجدة الواحدة سهواً زيادة ونقصاً ، حيث إنّ الركن إن كان هو مجموع السجدتين على صفة الانضمام ، فزيادته وإن أوجب البطلان إلّا أنّ نقيصته المتحققة بترك إحدى السجدتين نسياناً لانتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه لا توجبه ، لالتزامهم بالصحّة حينئذ كما عرفت. وإن كان مسمّى السجود وماهيّته ، فنقصه وإن أوجب البطلان ، إلّا أنّ زيادته لا توجبه ، لبنائهم على عدم قدح زيادة السجدة

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٣.

(٢) كتاب الصلاة ١ : ٤٨٧.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الواحدة سهواً كما مرّ مع صدق زيادة المسمّى حينئذ.

وقد وقعوا في الجواب عن هذا الاشكال المشهور في حيص وبيص ، وذكروا أجوبة مختلفة مذكورة في الكتب المطوّلة (١) لا يخلو شي‌ء منها بحيث يتّجه انطباق ضابط الركن من طرفي الزيادة والنقيصة على محل واحد عن تكلّف.

وهذا الاشكال كما ترى إنّما نشأ من التفسير المزبور الّذي لا شاهد عليه لا من العرف ولا اللّغة ولا غيرهما ، لعدم تقوّم مفهوم الركن إلّا بما يقدح الإخلال به من ناحية النقص فقط دون الزيادة. أترى أنّ أركان البنيان لو تعدّدت أو أعمدة الفسطاط لو تكثرت يوجب ذلك خللاً في البناء لو لم يستوجب مزيد الاستحكام.

وعلى الجملة : لو تمّ الاشكال فإنّما هو متوجِّه على القوم في تفسيرهم الركن بما ذكر ، وأمّا على المبنى الآخر في تفسيره المطابق لمفهوم اللفظ عرفاً ولغة من تحديده بما يوجب البطلان من ناحية النقص فقط كما قدّمناه ، فلا إشكال أصلاً ، إذ عليه يمكن الالتزام بأنّ الركن في المقام هو مسمّى السجود ، فلو أخلّ به رأساً عمداً أو سهواً بطلت الصلاة ، وأمّا من طرف الزيادة ، فحكمه صحّة وفساداً خارج عن شأن الركنية وأجنبي عنه بالكلِّيّة. نعم ، دلّ الدليل على البطلان بزيادة السجدتين ، والصحّة بزيادة السجدة الواحدة ، وكل ذلك لا مساس له بحديث الركنية بوجه.

وأمّا مستند الحكم في المسألة : أمّا من حيث النقيصة والزيادة العمديتين فظاهر ، كما هو الشأن في بقية الأجزاء. وأمّا الإخلال السهوي فمستند البطلان في ترك السجدتين عقد الاستثناء في حديث لا تعاد. مضافاً إلى حديث التثليث (٢)

__________________

(١) ذكر في الجواهر ١٠ : ١٣٤ وجهاً وجيهاً لتصوير الركنية بناءً على المسلك المشهور في تفسيرها لعلّه أحسن ما قيل في المقام وإن كان بعد لا يخلو عن النظر فراجع وتدبر.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٨٩ / أبواب السجود ب ٢٨ ح ٢.

٨٧

وواجباته أُمور : أحدها : وضع المساجد السبعة (١) على الأرض ، وهي الجبهة والكفّان والركبتان والإبهامان من الرجلين ، والركنية تدور مدار وضع الجبهة ، فتحصل الزيادة والنقيصة به دون سائر المساجد ، فلو وضع الجبهة دون سائرها تحصل الزيادة ، كما أنّه لو وضع سائرها ولم يضعها يصدق تركه.

______________________________________________________

الذي عدّ فيه السجود من مقوّمات الصلاة بحيث تنتفي الماهيّة بانتفائه. ومستنده في زيادتهما إطلاق مثل قوله عليه‌السلام : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (١) فانّ هذا الإطلاق وإن قيّد بما ستعرف ، لكنّه لا مقيّد له في محل الكلام ، ومقتضاه عدم الفرق بين العمد والسهو.

وأمّا الصحّة بزيادة السجدة الواحدة ، فللروايات الدالّة عليها المقيّدة للإطلاق المزبور ، التي منها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة ، قال : لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة» (٢).

وأمّا الصحّة بنقيصتها ، فلروايات اخرى دلّت عليها أيضاً وقد تضمّنت وجوب التدارك إن كان التذكّر قبل الدخول في الركوع وإلّا فيقضيها بعد الصلاة (٣).

وبالجملة : فالبطلان بترك السجدتين أو زيادتهما سهواً مطابق للقاعدة وموافق للإطلاقات. وأمّا الصحّة في الإخلال بالواحدة نقصاً أو زيادة فللروايات الخاصّة وسيأتي التعرّض لكل ذلك مستقصى في أحكام الخلل إن شاء الله تعالى.

(١) على المعروف المشهور بين الأصحاب ، بل ادّعي الإجماع عليه في كثير

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل ب ١٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

من الكلمات ، وتدل عليه جملة وافرة من النصوص فيها الصحيح وغيره. نعم ورد في بعضها بدل الكف اليد والمراد واحد ، فان لليد إطلاقات منها الكف فلو لم تكن هي المنصرف منها عند الإطلاق فلا بدّ من صرفها وحملها عليها جمعاً ، فلا تنافي بينهما ، ففي صحيح زرارة قال «قال أبو جعفر عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : السجود على سبعة أعظم : الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين من الرجلين». ونحوه صحيحة القداح وغيرهما (١). وفي صحيحة حماد (٢) الكفّين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة والأنف وهل المراد بالكف تمامها أو البعض؟ سيأتي الكلام عليه.

هذا ، ولم ينسب الخلاف إلّا إلى السيِّد المرتضى (٣) ، وابن إدريس (٤) حيث ذكرا بدل اليدين المفصل عند الزندين ، ولم يعرف مستنده كما اعترف به غير واحد ، إذ لم يرد ذلك في شي‌ء من النصوص حتّى الضعيف منها ، ومن هنا قد يستبعد إرادة الظاهر من كلامهما ، ويحمل على ما لا يخالف المشهور ، وأنّهما يوجبان استيعاب الكف لدى السجود ، الملازم لوقوع الثقل على المفصل من الزندين ، فيكون عمدة الاعتماد عليه كما يشهد به الاختبار ، ويشير إليه قوله عليه‌السلام في الصحيح المتقدِّم : «السجود على سبعة أعظم» فإن ما يقع السجود عليه ويتوجّه الثقل إليه إنّما هو عظم المفصل ، بل ربّما استظهر هذا المعنى من صدر كلام الحلِّي في السرائر.

وكيف كان ، فإن أرادا ما هو الظاهر من كلامهما من اعتبار خصوص المفصل

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٣ / أبواب السجود ب ٤ ح ٢ ، ٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٣٢.

(٤) السرائر ١ : ٢٢٥.

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا شاهد عليه ، بل الأخبار المتقدِّمة حجّة عليهما ، وإن أرادا ما عرفت ممّا لا يخالف المشهور وأنّ العدول إلى التعبير المزبور لنكتة سمعتها تبعاً للنصوص فنعم الوفاق.

كما قد وقع الخلاف بالنسبة إلى الإبهامين أيضاً ، فإنّ المشهور اعتبارهما بالخصوص كما صرّح به في بعض النصوص كصحيحة زرارة المتقدِّمة. نعم ، في بعضها كصحيحة عبد الله بن ميمون القداح ذكر الرجلين بدل الإبهامين ، والظاهر أنّها ليست في مقام البيان إلّا من ناحية تعداد مواضع السجود على سبيل الإجمال ، فلا إطلاق لها من سائر الخصوصيات كي يتمسّك به ، وعلى تقديره فهو مقيّد بصحيحة زرارة وغيرها ممّا اشتملت على الإبهامين.

وعن جملة من الأصحاب كالشيخين (١) ، والسيِّد أبي المكارم (٢) ، وأبي الصلاح (٣) أنّ العبرة بوضع أطراف أصابع الرجلين لا خصوص الإبهامين ، بل نسب ذلك إلى كثير من القدماء ، وهذا لم يظهر له مستند من طرقنا.

نعم ، روى الجمهور بسندهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «أُمرت بالسجود على سبعة أعظم : اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة» (٤) ونحوه ما عن ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي (٥) المتضمِّن لذكر أطراف أصابع الرجلين ، ولا عبرة بشي‌ء من ذلك بعد عدم تمامية السند ، فالأقوى تبعاً للمشهور وعملاً بالنصوص اعتبار السجود على الإبهامين بخصوصهما.

__________________

(١) المفيد في أحكام النِّساء (مصنفات الشيخ المفيد ٩) : ٢٧ ، الطوسي في المبسوط ١ : ١١٢.

(٢) الغنية : ٨٠.

(٣) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٤) سنن البيهقي ٢ : ١٠٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٦ / ٨٨٣.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ١٩٦ / ٥ ، المستدرك ٤ : ٤٥٥ / أبواب السجود ب ٤ ح ٣.

٩٠

الثاني : الذِّكر والأقوى كفاية مُطلقه ، وإن كان الأحوط اختيار التسبيح على نحو ما مرّ في الركوع ، إلّا أنّ في التسبيحة الكبرى يبدل (*) العظيم بالأعلى (١).

الثالث : الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب (٢) بل المستحب أيضاً إذا أتى

______________________________________________________

وأمّا سائر الأحكام والخصوصيات المتعلِّقة بالمساجد السبعة فسنتكلّم فيها إن شاء الله تعالى عند تعرّض الماتن إليها في مطاوي المسائل الآتية.

هذا ، وقد أشرنا فيما سبق (١) إلى وجه ما نبّه إليه الماتن في المقام من أنّ الركنية تدور مدار وضع الجبهة بخصوصها ، ولا دخل لوضع سائر المساجد وعدمه من هذه الجهة فراجع.

(١) قدّمنا الكلام حول ذلك مستقصًى في مبحث الركوع (٢) ، فانّ ملاك البحث مشترك بينهما بكامله فيجري فيه ما مرّ حرفاً بحرف ، وقد عرفت أنّ الأقوى الاجتزاء بمطلق الذكر بشرط أن يعادل ثلاث تسبيحات من الصغرى ، وعليه فهو مخيّر في المقام بين ذلك وبين التسبيحة الكبرى بتبديل العظيم بالأعلى كما في النصوص (٣).

(٢) بل المستحب أيضاً إذا أتى به بقصد الخصوصية كما جزم به في المقام وإن توقف فيه في بحث الركوع ، مع عدم وضوح الفرق بين المقامين ، وكيف ما كان فالمشهور اعتبار الطمأنينة في السجود بمقدار الذكر بل لم يعرف فيه خلاف بل قد ادّعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات ، إنّما الكلام في مستند ذلك.

__________________

(*) على الأحوط.

(١) في ص ٨٥.

(٢) في ص ١٢ وما بعدها.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٩٩ / أبواب الركوع ب ٤ ح ١ ، ٥ ، ٧.

٩١

به بقصد الخصوصية ، فلو شرع في الذكر قبل الوضع أو الاستقرار عمداً بطل وأبطل ، وإن كان سهواً وجب التدارك إن تذكر قبل رفع الرأس ، وكذا لو أتى به حال الرفع أو بعده ولو كان بحرف واحد منه فإنّه مبطل إن كان عمداً ، ولا يمكن التدارك إن كان سهواً ، إلّا إذا ترك الاستقرار وتذكر قبل رفع الرأس.

______________________________________________________

قال في المدارك بعد دعوى الإجماع عليه ما لفظه : وتدل عليه مضافاً إلى التأسّي روايتا حريز وزرارة المتقدِّمتان ، انتهى (١).

أقول : أمّا الإجماع فالمنقول منه ليس بحجّة ، والمحصل منه على وجه يكون تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام غير حاصل بعد احتمال استناد المجمعين إلى بعض الوجوه الآتية ، وإن كان الظاهر قيام التسالم والاتفاق عليه وأمّا التأسي فالإشكال عليه ظاهر كما مرّ مراراً ، لعدم إحراز صدور الفعل منه صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجه الوجوب كي يشمله دليل التأسّي ، فإنّ الفعل مجمل لا لسان له. وأمّا الروايتان فلا وجود لهما في الأخبار ، ولعلّه سهو من قلمه الشريف كما نبّه عليه في الحدائق (٢) ، هذا.

وقد استدلّ له في الحدائق (٣) بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلِّي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (٤) ونحوه

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤٠٩.

(٢) ، (٣) الحدائق ٨ : ٢٩٠.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٩٨ / أبواب الركوع ب ٣ ح ١.

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

صحيحة القداح المشتملة على نظير القصّة مع وقوعها بمحضر من عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١) وقد ادّعى (قدس سره) وضوح دلالتهما على وجوب الطمأنينة مع عدم الدلالة عليه بوجه ، فان غايتهما وجوب المكث في الركوع والسجود ، وهذا ممّا لا بدّ منه أداءً لوظيفة الذكر الواجب حالهما ، إذ لو رفع رأسه بمجرّد الوضع من غير مكث الّذي به يكون ركوعه وسجوده نقرياً فقد أخلّ بوظيفة الذكر ، وهو خارج عن محل الكلام ، وأمّا أنّه حين المكث هل يكون مستقراً مطمئناً أو متزلزلاً مضطرباً يميناً وشمالاً الّذي هو محل البحث فالروايتان أجنبيتان عن التعرّض لذلك نفياً وإثباتاً كما لا يخفى.

وربما يستدل للحكم بصحيحة عليّ بن يقطين «سألته عن الركوع والسجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال : ثلاثة ، وتجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (٢) ، وصحيحة عليّ بن جعفر قال : «سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض فقال : يحرِّك جبهته حتّى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه» (٣).

وفيه : أنّ غايتهما الدلالة على اعتبار الاطمئنان والتمكين في الجبهة لدى السجود لا في بدن المصلِّي الّذي هو محل الكلام ، فهذه الوجوه كلّها ضعيفة.

والأولى الاستدلال له بصحيحة بكر بن محمّد الأزدي بمثل ما تقدّم في الركوع (٤) ، ولم أر من تعرّض لها في المقام وإن تعرّضوا لها هناك قال عليه‌السلام فيها : «وإذا سجد فلينفرج وليتمكن» (٥).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٦ / أبواب أعداد الفرائض ب ٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٠٠ / أبواب الركوع ب ٤ ح ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٣ / أبواب السجود ب ٨ ح ٣.

(٤) في ص ٢٣.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٨ ح ١٤.

٩٣

الرابع : رفع الرأس منه (١).

______________________________________________________

وتقريب الاستدلال : ما عرفت في بحث الركوع من كونها إرشاداً إلى شرطية التمكن والاستقرار في تحقّق الركوع والسجود الشرعيين ، وتدل بالدلالة الالتزامية على اشتراطه في الذكر الواجب أيضاً ، للزوم إيقاع الذكر المأمور به فيهما ، فلا بدّ من استمرار الاستقرار فيهما واستدامته بمقدار يقع الذكر في محلِّه بل مقتضى هذا البيان اعتباره في الذكر المستحب أيضاً إذا قصد به الخصوصية بعين هذا التقريب ، كما نبّهنا عليه هناك ، وقد أشرنا إلى أنّ تفكيك الماتن بين المقام وما سبق بالجزم هنا والتوقف هناك في غير محله ، بل الأقوى اعتباره في المقامين لما ذكر.

(١) أي من السجدة الأُولى بلا خلاف ولا إشكال ، وإنّما خصّوا التعرّض به مع وضوح وجوب رفعه من السجدة الثانية أيضاً ، لعدم وقوع الخلاف في الثاني ، إذ يجب التشهّد ونحوه فلا بدّ من الرفع مقدّمة ، وأمّا الأوّل فقد خالف فيه العامّة ، فأنكره أبو حنيفة وذكر أنّه لو حفر حفيرة حال السجود فنقل جبهته إليها ، أو كان دون مسجد الجبهة مكان أخفض فجر الجبهة إليه بقصد السجدة الثانية كفى (١) ، فنبّهوا على وجوب رفع الرأس هنا طعناً عليه ورداً لمقالته.

ومنه تعرف أنّه ليس الوجه في وجوب هذا الرفع توقف صدق تعدّد السجدة عليه ، وأنّه بدونه يكون سجود واحد مستمر لإمكان صدق التعدّد بدونه أيضاً ، كما ذكر من النقل والتغيّر المساوق للتعدّد ، بل لروايات دلّت عليه كصحيحة حماد (٢) وغيرها فلاحظ.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٤٠ ، المغني ١ : ٥٩٨ ، الخلاف ١ : ٣٦٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٩٤

الخامس : الجلوس بعده مطمئناً ثمّ الانحناء للسجدة الثانية (١).

السادس : كون المساجد السبعة في محالها إلى تمام الذكر (٢) فلو رفع بعضها بطل وأبطل إن كان عمداً ، ويجب تداركه إن كان سهواً ، نعم لا مانع من رفع ما عدا الجبهة في غير حال الذكر (٣) ثمّ وضعه عمداً كان أو سهواً ، من غير فرق بين كونه لغرض كحك الجسد ونحوه أو بدونه.

______________________________________________________

(١) أمّا الجلوس فقد دلّت عليه صحيحة حماد (١) وغيرها. وأمّا الاطمئنان فقد استدلّ له بالإجماع وهو كما ترى.

والأولى أن يستدل له بذيل صحيحة الأزدي المتقدِّمة قال عليه‌السلام فيها : «وإذا سجد فلينفرج وليتمكن وإذا رفع رأسه فليلبث حتّى يسكن» (٢) ودلالتها ظاهرة.

(٢) بلا خلاف ولا إشكال ، للزوم إيقاع الذكر في السجود المأمور به كما تشهد به النصوص المتقوّم بالمحال السبعة فلا بدّ من إبقائها في مواضعها إلى نهاية الذكر تحقيقاً للظرفية.

وعليه فلو رفع بعضها حال الذكر ، فان كان عمداً بطل الذكر لعدم وقوعه في محله ، وأبطل الصلاة للزوم الزيادة العمدية ، إذ قد أتى بالذكر بقصد الجزئية كما هو الفرض ، ولم يكن جزءاً وهو معنى الزيادة ، وإن كان سهواً وجب التدارك ، لبقاء المحل ما لم يرفع جبهته كما هو ظاهر.

(٣) لعدم الدليل على مانعية هذا الرفع ، والمرجع أصالة البراءة ، والظاهر أنّه

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٨ ح ١٤.

٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لا إشكال في الحكم كما لا خلاف. نعم ، حكى في الجواهر (١) عن بعض المشايخ التوقف فيه أو الجزم بالبطلان ، وليس له وجه ظاهر عدا تخيّل إلحاق سائر المساجد بالجبهة ، فكما لا يجوز رفعها ووضعها لاستلزام زيادة السجود فكذا سائر الأعضاء.

لكنّه كما ترى واضح البطلان ، لما عرفت من أنّ المدار في صدق السجود وتعدّده بوضع الجبهة ورفعها دون سائر المحال فإنّها واجبات حال السجود لا مقوّمات له ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسجود ، بل يطلق على ما هو عليه من المعنى اللغوي المتقوّم بذاك فحسب. ومن هنا كانت الركنية تدور مداره وجوداً وعدماً كما مرّ ، وقد عرفت (٢) أنّ الأحكام المتعلِّقة بالسجود في لسان الأخبار من لزوم وقوعه على الأرض أو نباتها ، وعدم جواز السجود على القير ونحو ذلك كلّها ناظرة إلى موضع الجبهة دون سائر الأعضاء.

ومن هنا لم يعتبر أحد ذلك فيها بلا خلاف ولا إشكال كما مرّ التعرّض إليه ولأجله أشرنا فيما سبق (٣) إلى أن قوله عليه‌السلام «السجود على سبعة أعظم» مبني على ضرب من التجوز والمسامحة ، والمراد إيجاب هذه الأُمور حال السجود ، لا أنّ حقيقته الشرعية ، أو المراد منه في لسان الشرع ذلك. وعليه فلا وجه لقياس سائر الأعضاء عليه في المقام ، وقد تعرّض العلّامة الطباطبائي (قدس سره) (٤) لدفع هذا التوهّم مستقصى وأعطى المقال حقّه فلاحظ إن شئت.

ثمّ إنّه استدلّ غير واحد للحكم المزبور بخبر علي بن جعفر عن أخيه

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ١٦٤.

(٢) ، (٣) في ص ٨٥.

(٤) الدرّة النجفية : ١٢٦.

٩٦

السابع : مساواة موضع الجبهة للموقف (١)

______________________________________________________

عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون راكعاً أو ساجداً فيحكه بعض جسده هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكه ممّا حكه؟ قال : لا بأس إذا شقّ عليه أن يحكه ، والصبر إلى أن يفرغ أفضل» (١) ، والدلالة وإن كانت تامّة لكنها ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن فإنّه لم يوثق ، فالمتعيِّن الاستناد في الجواز وعدم المانعية إلى الأصل كما عرفت.

(١) على المشهور بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، فلا يجوز علوّه عن الموقف ولا انخفاضه أزيد من لبنة ويجوز بمقدارها ، وقد قدّرها الأصحاب بأربعة أصابع وهو كذلك ، حيث إنّ المراد بها في لسان الأخبار هي اللبنة التي كانت متعارفة معتادة في زمن الأئمّة عليهم‌السلام ، وقد لاحظنا ما بقي منها من آثار العباسيين في سامراء فكان كذلك تقريبا.

وكيف ما كان ، فقد خالف في ذلك صاحب المدارك (قدس سره) (٢) فاعتبر المساواة ، ومنع عن العلو مطلقاً حتّى بمقدار اللبنة ، واستند في ذلك إلى صحيحة عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن موضع جبهة الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ فقال : لا ، وليكن مستوياً» (٣) ، وفي بعض النسخ «ولكن» بدل وليكن.

وتقريب الاستدلال : أنّ من الواضح أنّ المساواة المأمور بها لم يرد بها المساواة الحقيقية الملحوظة بالآلات الهندسية ، فإنّه تكليف شاق لا يمكن

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٣٠ / أبواب الركوع ب ٢٣ ح ١.

(٢) المدارك ٣ : ٤٠٧.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٧ / أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

توجيهه إلى عامّة المكلّفين ، فالمراد لا محالة هي المساواة العرفية المتحققة ولو مع الاختلاف اليسير فيما إذا كان تدريجياً انحدارياً ، دون ما كان دفعياً تسنيمياً ولو كان بقدر إصبع ، لصدق عدم المساواة حينئذ بعد أن كان الاختلاف في مثله محسوساً بيّناً ، وظاهر الأمر بالمساواة لزوم مراعاتها على جهة الوجوب.

هذا ، ولا يخفى أنّ لازم كلامه (قدس سره) الاستشكال بل المنع عمّا هو الدارج بين الشيعة من السجود على التربة الحسينية على مشرّفها آلاف الثناء والتحيّة ، لعدم تحقّق المساواة حينئذ بالمعنى الّذي ذكره وهو كما ترى.

وكيف كان ، فينبغي القطع بفساد هذه الدعوى ، لقيام السيرة العملية القطعية من المتشرِّعة خلفاً عن سلف على عدم رعاية هذا المقدار من التساوي ، ولا سيّما في الجماعات المنعقدة في الأماكن المختلفة من البيداء ونحوها التي قلّما يتّفق تساوى سطوحها حتّى من غير ناحية الانحدار ، فتراهم يصلّون ولو فيما كان مسجد الجبهة بخصوصها أرفع من الموقف بمقدار يسير من أجل وجود الحصى أو التل ونحوهما ، وأمّا الصحيحة فلا بدّ من حملها على الاستحباب كما ستعرف هذا.

ويستدل للمشهور بصحيحة أُخرى لعبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن السجود على الأرض المرتفع فقال : إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (١).

دلّت على جواز السجود فيما إذا كان الارتفاع بمقدار اللّبنة ، وبالمفهوم على عدمه فيما زاد عليها ، وبذلك يحمل الأمر بالمساواة المطلقة في صحيحته الاولى على الاستحباب.

ونوقش فيها من حيث السند تارة ، والدلالة اخرى ، والمتن ثالثة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٥٨ / أبواب السجود ب ١١ ح ١.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا من حيث السند ، فبما ذكره في المدارك من أنّ في الطريق النهدي المردّد بين الموثق وغيره (١). وفيه : ما لا يخفى ، فانّ المنصرف من هذا اللّفظ عند الإطلاق رجلان : أحدهما : هيثم بن أبي مسروق وهو ممدوح في كتب الرِّجال ، بل بملاحظة وقوعه في أسانيد كامل الزيارات موثق ، والآخر : هو محمّد بن أحمد ابن خاقان أبو جعفر القلانسي المعروف بحمدان وهو موثق ، فالرجل مردّد بين الممدوح والموثق ، وباعتبار آخر بين موثقين ، فغايته كون الرواية مرددة بين الحسنة والموثقة فهي حجّة على التقديرين. وأمّا غير الرجلين ممّن لم يوثق فهو خارج عن منصرف اللّفظ عند الإطلاق كما عرفت.

نعم ، الظاهر أنّ المراد به في المقام هو الأوّل ، لعدم كون الثاني في طبقة ابن محبوب الراوي عنه. مضافاً إلى أنّ الأوّل له كتاب ، والطريق إليه هو محمّد بن علي بن محبوب.

وأمّا من حيث الدلالة ، فبأنّ البأس المستفاد من المفهوم أعم من المنع ، وهو كما ترى ، فإنّ البأس بقول مطلق مساوق للمنع كما لا يخفى ، فالمنصرف من هذه اللفظة عند الإطلاق نفياً وإثباتاً ليس إلّا الجواز وعدمه ، سيّما بعد ملاحظة وقوعه جواباً عن السؤال المذكور في هذه الصحيحة ، الظاهر في كونه سؤالاً عن الجواز وعدمه ، إذ لا يحتمل وجوب السجود على الأرض المرتفعة أو استحبابه كي يسأل عنه.

وأمّا من حيث المتن ، فقد قيل إنّ في بعض النسخ «يديك» باليائين المثناتين من تحت بدل «بدنك» بالباء الموحّدة والنون ، فلا دلالة فيها حينئذ على الموقف.

وفيه : أنّ النسخة المعروفة الموجودة في جميع كتب الأخبار والاستدلال إنّما

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤٠٧.

٩٩

بمعنى عدم علوّه أو انخفاضه أزيد من مقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها أو أربع أصابع مضمومات ولا بأس بالمقدار المذكور (١).

______________________________________________________

هي الثاني ، بل في الجواهر أنّه لم يعثر على الأوّل مضافاً إلى ما ذكره (قدس سره) ونعم ما ذكر من أنّ استدلال الأصحاب به والفتوى بمضمونه قديماً وحديثاً على اختلاف طبقاتهم ونسخهم ، مع أنّ فيهم من هو في غاية التثبت والإتقان والتدقيق ككاشف اللثام يشرف الفقيه على القطع بضبطهم له بالباء والنون وعدم وجود النسخة الأُخرى. وعلى تقديره فهي سهو من قلم النسّاخ بلا ارتياب (١).

هذا ، مع أنّ سوق السؤال المتضمِّن للسجود على الأرض لعلّه يشهد بإرادة موضع البدن دون اليدين خاصّة كما لا يخفى.

وممّا يؤكِّده أيضاً : التعبير بالرجلين في مرسل الكافي قال : وفي حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة قال : «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» (٢) ، إذ الظاهر أنّه يشير بذلك إلى هذه الصحيحة.

فتحصّل : أنّ هذه المناقشات كلّها ساقطة. فالصحيح إذن ما عليه المشهور من اعتبار المساواة وعدم جواز العلو أكثر من مقدار اللبنة.

(١) لم يقع التحديد باللبنة من ناحية الانخفاض في كلام من تقدّم على الشهيدين ، وأوّل من تعرّض له هو الشهيد (٣) وتبعه من تأخّر عنه ، ومن هنا نسب جواز الخفض مطلقاً إلى أكثر القدماء حيث اقتصروا على التحديد المزبور

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ١٥١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٥٩ / أبواب السجود ب ١١ ح ٣ ، الكافي ٣ : ٣٣٣ / ٤.

(٣) الدروس ١ : ١٥٧.

١٠٠