موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وغيرها الدالّة على أنّ الواحدة المجزية هي التامّة ، أي الكبرى.

وليس تقييد الإطلاق الثاني بالأوّل أولى من العكس ، والنسبة عموم من وجه ، وبعد تساقط الإطلاقين فالمرجع إطلاق ما دلّ على عدم كفاية الواحدة من الصغرى.

لكن الظاهر تعيّن الأوّل ، إذ لا محذور فيه ، ولا مجال للعكس فان فيه محذوراً ، وهو لزوم إلغاء خصوصية المورد غير الخالي عن الاستهجان ، إذ لو قيّدنا صحيحة معاوية بهذه النصوص وحملنا الواحدة فيها على الكبرى لم يبق إذن فرق بين المريض وغيره ، وكان الأحرى حينئذ أن يقول في الجواب بأنّ المريض وغيره سواء ، لا أن يجيب بقوله عليه‌السلام «تسبيحة واحدة» الظاهر في تقريره على ما اعتقده من ثبوت الفرق بين المريض وغيره. فيلزم من التقييد المزبور إلغاء عنوان المرض وهو قبيح كما عرفت.

وهذا بخلاف تقييد هذه النصوص بالصحيحة ، فإن غايته حملها على غير المريض ولا ضير فيه ، فلا مناص من المحافظة على إطلاق الصحيحة ، ونتيجة ذلك أنّ المريض يمتاز عن غيره باجتزائه بالتسبيحة الواحدة مطلقاً وإن كانت هي الصغرى.

فظهر صحّة الاستدلال بالصحيحة سواء تمّ الاستظهار الّذي قدّمناه أم لا.

نعم ، قد يقال بأنّ موردها المريض ، ولا قائل باستثنائه بعنوانه فلا دليل على التعدِّي إلى مطلق الضرورة.

وفيه : ما لا يخفى ، لوضوح أنّ المريض المأخوذ في النص لا خصوصية فيه كي يكون ملحوظاً على وجه الصفتية والموضوعية ، فيسأل عن حكمه بما هو كذلك ، وإن كان قادراً على الثلاث الصغريات ، فان ذلك أظهر من أن يحتاج إلى السؤال سيّما من مثل معاوية بن عمار ، بل مناسبة الحكم والموضوع تقضي

٦١

[١٥٩٤] مسألة ١٤ : لا يجوز الشروع في الذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع (١) ، وكذا بعد الوصول وقبل الاطمئنان والاستقرار ، ولا النهوض قبل تمامه والإتمام حال الحركة للنهوض ،

______________________________________________________

بأنّ ذكره من باب المثال ، وأنّ موضوع السؤال مطلق من يشق عليه الثلاث إمّا لمرض أو لغيره من سائر الضرورات كما هو الحال في قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (١) إذ لا يحتمل سقوط الصوم عن مطلق المريض ولو كان علاجه الإمساك طول النهار ، أو فرض امتناعه عن استعمال المفطرات خلال اليوم بطبعه صام أم لم يصم فكما أنّ المراد من المريض هناك بمناسبة الحكم والموضوع من يشق عليه الصوم لا بما هو كذلك فكذا في المقام.

وعليه فالمستفاد من الصحيحة بعد إمعان النظر أنّ من لم يتمكّن من الثلاث إمّا لعجزه تكويناً وعدم قدرته عليه كما في ضيق الوقت حيث إنّ الإتيان بالثلاث مع فرض إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت متعذِّر حسب الفرض ، أو لكونه مشقّة وعسراً عليه ، كما في موارد الضرورة أمّا لمرض أو غيره ، جاز له الاقتصار على الصغرى مرّة واحدة ، فما أفاده في المتن هو الصحيح.

(١) فانّ الذكر الواجب ظرفه ومحله بعد الوصول إلى حدّ الركوع وحصول الاطمئنان ، فالإتيان به كلّاً أو بعضاً قبل الوصول أو حال النهوض ، أو من غير استقرار يعد من الزيادة المبطلة إذا كان بقصد الجزئية فلا يجديه التدارك. نعم ، لا بأس به بقصد الذكر المطلق إذا تداركه بشرط بقاء محلّه ، لعدم صدق الزيادة حينئذ كما هو ظاهر ، هذا كلّه في صورة العمد.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٤.

٦٢

فلو أتى به كذلك بطل وإن كان بحرف واحد منه ، ويجب إعادته إن كان سهواً ولم يخرج عن حدّ الركوع ، وبطلت الصلاة مع العمد وإن أتى به ثانياً مع الاستقرار ، إلّا إذا لم يكن ما أتى به حال عدم الاستقرار بقصد الجزئية بل بقصد الذكر المطلق.

______________________________________________________

وأمّا إذا كان ذلك عن سهو فلا إشكال في الصحّة ولزوم التدارك فيما إذا أتى به كلا أو بعضاً قبل الوصول إلى حدّ الركوع ثمّ تذكّر قبل الخروج عنه ، فان غايته وقوع الأوّل زائداً ، ولا بأس بالزيادة السهوية.

كما لا إشكال فيها من دون تدارك فيما إذا كان التذكّر بعد الخروج عن حدّ الركوع ، لعدم إمكان التدارك حينئذ ، فإن أقصى ما هناك وقوع الخلل سهواً في جزء غير ركني وهو الذكر وهو محكوم بالصحّة بمقتضى حديث لا تعاد.

إنّما الكلام فيما إذا أتى به حال الركوع غير مستقر ثمّ تذكّر قبل الخروج عن حدّه ، فهل يجب التدارك حينئذ بإعادة الذكر مستقراً أم لا ، بعد الفراغ عن صحّة الصلاة؟

قد يقال بالثاني ، نظراً إلى أنّ الاستقرار واجب مستقل حال الاشتغال بالذكر الواجب ، وقد فات محله لحصول الذكر وسقوط الأمر ، والشي‌ء لا ينقلب عمّا هو عليه لامتناع إعادة المعدوم ، فلو أعاد فهو ذكر مستحب لا واجب فيمتنع التدارك.

نعم ، بناءً على اعتبار الاطمئنان في الذكر وكونه شرطاً فيه لا أنّه واجب مستقل لزمت الإعادة ، لعدم حصول الواجب وقتئذ ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، إلّا أنّ المبنى غير ثابت ، ومقتضى الأصل البراءة عن الإعادة. وقد أشار الماتن إلى ذلك في مبحث الخلل.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : الظاهر وجوب الإعادة على التقديرين ، ولا أثر للمبنيين في المقام ، لما قدّمناه في بحث القراءة الفاقدة للقيام من أنّ فرض الارتباطية بين الأجزاء مساوق لفرض التقييد والاشتراط ، فكل جزء مشروط بمسبوقيته بالجزء أو الشرط المتقدِّم عليه ، وبملحوقيته بالمتأخِّر عنه ، وبمقارنته بما يعتبر في تلك الحال قضاءً للارتباطية الملحوظة بين الأجزاء. فمثلاً القراءة المأمور بها في الصلاة هي حصّة خاصّة منها ، وهي المسبوقة بالتكبير والملحوقة بالركوع والمقارنة للستر والاستقبال ونحوهما ، وهكذا الحال في سائر الأجزاء.

وعليه فالذكر الواجب في الركوع هو خصوص ما يقع مقارناً للاطمئنان ، فهو مقيّد به لا محالة ، والاستقرار معتبر فيه بطبيعة الحال ، سواء بنينا على ظهور دليله في الاعتبار فيه وكونه شرطاً أم بنينا على ظهوره في كونه جزءاً مستقلا للصلاة غير معتبر في الذكر ، فانّ الاعتبار والتقييد مستفاد ممّا دلّ على مراعاة الارتباطية بين أجزاء المركّب كما عرفت.

ونتيجة ذلك : أنّ ما صدر منه من الذكر العاري عن الاستقرار لم يكن مصداقاً للذكر الواجب ، فلا مناص من تداركه وإعادته مع بقاء المحل كما هو المفروض ، هذا.

بل يجب التدارك حتّى مع الغض عن هذا البيان ، وذلك لقيام الدليل على اعتبار الاستقرار في الذكر مطلقاً وهو قوله عليه‌السلام في صحيحة الأزدي : «إذا ركع فليتمكّن» التي مرّ التعرّض لها عند التكلّم في الواجب الثالث من واجبات الركوع (١) حيث أشرنا هناك إلى أنّ هذه الصحيحة كما تدل بالمطابقة على اعتبار الاستقرار في الجملة في الركوع المأمور به تدل بالالتزام على اعتباره في الذكر ، لوضوح أنّ محل الذكر وظرفه إنّما هو الركوع المأمور به ، فاذا كان

__________________

(١) في ص ٢٣.

٦٤

[١٥٩٥] مسألة ١٥ : لو لم يتمكّن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع ، وإذا لم يتمكّن من البقاء في حدّ الركوع إلى تمام الذكر يجوز له الشروع (*) قبل الوصول أو الإتمام حال النهوض (١).

______________________________________________________

هذا الركوع متقيِّداً بالاستقرار بمقتضى هذه الصحيحة فلا بدّ من استمرار الاستقرار وإبقائه بمقدار يقع الذكر الواجب فيه قضاءً للظرفية ، فتدل لا محالة بالدلالة الالتزامية على اعتباره في الذكر أيضاً ، وحيث إنّه إرشاد إلى الشرطية فمقتضى الإطلاق عدم الفرق بين صورتي العمد والسهو ، وعليه فمع الإخلال به ولو سهواً لم يتحقّق الذكر الواجب فلا بدّ من إعادته وتداركه.

وعلى الجملة : فليس الدليل على اعتبار الاستقرار منحصراً في الإجماع كي يقال إنّ المتيقّن منه حال الاختيار فلا يعم النسيان ، بل الدليل اللفظي المتضمِّن للإطلاق الشامل لكلتا الحالتين موجود كما عرفت ، فلا مجال للرجوع إلى الأصل العملي الّذي مقتضاه البراءة عن الاعتبار في حال النسيان.

(١) قد عرفت أنّ الواجب في الركوع الذكر والاطمئنان حاله ، فان تمكن منهما فلا كلام ، وإن تعذّر الثاني سقط وجوبه للعجز ، ولا موجب لسقوط الأوّل بعد القدرة عليه ، فانّ الصلاة بمالها من الأجزاء لا تسقط بحال.

فلا بدّ من الإتيان به على حسب وظيفته وطاقته. وحينئذ فان تمكن من الإتيان به بتمامه في حال الركوع وقبل الخروج عن مسمّاه وإن كان مضطرباً وجب لما عرفت ، وإن لم يتمكّن لعجزه عن البقاء في حدّ الركوع إلى تمام الذكر

__________________

(*) كما يجوز له الاكتفاء بتسبيحة صغرى مرّة واحدة ، وإن لم يتمكّن من ذلك أيضاً لا يبعد سقوطه.

٦٥

[١٥٩٦] مسألة ١٦ : لو ترك الطمأنينة في الركوع أصلاً بأن لم يبق في حدّه بل رفع رأسه بمجرّد الوصول سهواً (١) فالأحوط (*) إعادة الصلاة لاحتمال توقّف صدق الركوع على الطمأنينة في الجملة ، لكن الأقوى الصحّة.

______________________________________________________

فقد ذكر في المتن أنّه يتخيّر بين الشروع قبل الوصول إلى حدّ الركوع وإتمامه فيه ، وبين الشروع فيه وإتمامه حال النهوض لعدم الترجيح بين الأمرين.

وهذا منه (قدس سره) مبني على تمامية قاعدة الميسور ، فانّ الواجب عليه أوّلاً الإتيان بتمام الذكر حال الركوع ، فمع العجز يأتي بما تيسّر منه حاله والباقي خارجه إمّا قبله أو بعده ، أو بالتلفيق بأن يأتي مقداراً قبله ومقداراً فيه ومقداراً بعده لما عرفت من عدم الترجيح.

إلّا أنّ المبنى غير صحيح ، فإنّ القاعدة غير تامّة عندنا كما مرّ غير مرّة.

وعليه فالأقوى سقوط وجوب الذكر التام حينئذ ، لمكان العجز وجواز الاقتصار على الناقص وهي الواحدة من الصغرى ، لما تقدّم في المسألة الثالثة عشرة من الاكتفاء بها لدى الضرورة ، لاندراج المقام في كبرى تلك المسألة كما لا يخفى. فلا يجب عليه الشروع قبله ولا الإتمام بعده ، بل يأتي بالواحدة حال الركوع ، ولو لم يتمكّن منها أيضاً سقط لمكان العجز.

(١) احتمل (قدس سره) حينئذ وجهين :

أحدهما : أن يكون ذلك من نسيان الذكر والطمأنينة بعد تحقّق أصل الركوع وبما أنّ المنسي جزء غير ركني ولا يمكن تداركه لاستلزام زيادة الركن يحكم بصحّة الصلاة لحديث لا تعاد.

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيهما : أن يكون ذلك من نسيان الركوع ، لاحتمال توقف صدقه على الاطمئنان في الجملة المقتضي لإعادة الصلاة ، وقد اختار (قدس سره) الأوّل وإن احتاط في الثاني.

أقول : لا ينبغي الشك في صدق الركوع العرفي بمجرد ذلك ، لعدم احتمال دخل الاستقرار في مفهومه ، ولا ينافي هذا ما قدّمناه في بعض المباحث السابقة (١) من اعتباره آناً ما في الصدق ، ورتبنا عليه عدم تحقّقه لو هوى إليه ثمّ ذهل فترك الاستقرار فيه حتّى هنيئة واستمرّ في هويّه إلى السجود ، للفرق الواضح بينه وبين المقام ، إذ لم تتحقّق الهيئة الركوعية هناك المتقوّمة حينئذ بالمكث آناً ما قبال استرساله في الهوي. وأمّا في المقام فقد تحقّقت تلك الهيئة وأخذت حدّها بمجرّد رفع الرأس ولو من غير مكث.

والحاصل : أنّ الهيئة الخاصّة المقوّمة لمفهوم الركوع يحقِّقها أحد أمرين : إمّا المكث آناً ما ، أو رفع الرأس وإن لم يمكث أصلاً ، فالركوع بما له من المفهوم العرفي متحقِّق في المقام بلا كلام ، وحينئذ فان بنينا على المسلك المشهور من انحصار الدليل على اعتبار الاستقرار بالإجماع ، فبما أنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه وهو حال العمد والاختيار ، فلا دليل على اعتباره لدى السهو فيتمسّك بإطلاق دليل الركوع أو أصالة البراءة عن التقييد ، فيكون الركوع الصادر منه صحيحاً مجزياً ، غايته أنّه ترك الذكر سهواً ولا ضير فيه بعد أن لم يكن ركناً كما تقدّم.

وأمّا بناءً على المختار من الاستناد إلى الدليل اللّفظي وهو قوله عليه‌السلام في صحيحة الأزدي المتقدِّمة (٢) «إذا ركع فليتمكّن» فمقتضاه البطلان في المقام

__________________

(١) في ص ٥٣.

(٢) في ص ٢٣.

٦٧

[١٥٩٧] مسألة ١٧ : يجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى والصغرى وكذا بينهما وبين غيرهما من الأذكار (١).

[١٥٩٨] مسألة ١٨ : إذا شرع في التسبيح بقصد الصغرى يجوز له أن يعدل في الأثناء إلى الكبرى (٢) مثلاً إذا قال : «سبحان» بقصد أن يقول :

______________________________________________________

إذ قد عرفت سابقاً أنّ المستفاد من الصحيحة دخل التمكّن في الجملة في ماهية الركوع الشرعي كدخل الانحناء إلى أن تبلغ أصابعه الركبتين وإن لم يعتبر شي‌ء منهما في صدق الركوع العرفي ، وحيث إنّه إرشاد إلى الاشتراط فمقتضى الإطلاق عدم الفرق بين السهو والعمد ، والاختيار والاضطرار.

وعليه فالإخلال به وكون ركوعه نقراً كنقر الغراب كما في المقام مانع عن تحقّق الركوع الشرعي ، فيكون الإخلال به ولو سهواً إخلالاً بالركوع لا محالة فيحكم بالبطلان بمقتضى عقد الاستثناء في حديث لا تعاد ، هذا ولا مجال للتدارك بإعادة الركوع للزوم زيادة الركن ، إذ ليس المراد بها زيادة الركوع المأمور به بما هو مأمور به ، لعدم تصوير الزيادة بهذا العنوان كما لا يخفى ، بل زيادة مسمّى الركوع ولو العرفي منه الحاصلة بالإعادة والتدارك ، فالأقوى هو الحكم بالبطلان لفقد الركوع وعدم سبيل للتدارك.

(١) لإطلاق الدليل ، إذ لم يقيّد الذكر الواجب بعدم اقترانه بالزائد كي يكون بالإضافة إليه ملحوظاً بشرط لا ، بل المأمور به هو الطبيعي لا بشرط ، فيقع الباقي على صفة الاستحباب ، لا لمجرد اندراجه في عموم الذكر المطلق ، بل لاستحبابه في الركوع بخصوصه لما تقدّم (١) من الأمر بذلك بالخصوص ، واستحباب إطالة الركوع.

(٢) كما هو مقتضى القاعدة في كل ما كان المأمور به هو الطبيعي الجامع

__________________

(١) في ص ٥٧.

٦٨

«سبحان الله» فعدل وذكر بعده «ربِّي العظيم» جاز ، وكذا العكس ، وكذا إذا قال : «سبحان الله» بقصد الصغرى ثمّ ضمّ إليه «والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ، وبالعكس.

[١٥٩٩] مسألة ١٩ : يشترط في ذكر الركوع العربية والموالاة (١) وأداء الحروف من مخارجها الطبيعية ، وعدم المخالفة في الحركات الإعرابية والبنائية.

[١٦٠٠] مسألة ٢٠ : يجوز في لفظة «ربِّي العظيم» أن يقرأ بإشباع كسر

______________________________________________________

بين الأمرين أو الأُمور ، فإنّه لا دليل على تعيّن الجامع بمجرد الشروع فيما اختار ما لم يفرغ عنه.

ومن هنا ذكرنا (١) أنّ في مواطن التخيير لو شرع في الصلاة بنيّة القصر وبعد الركعتين بدا له العدول إلى التمام جاز له ذلك ، إذ المأمور به هو الطبيعي الجامع فقبل التجاوز عن الحدّ المشترك صالح للانطباق على كل من الفردين ، ولا دليل على التعيّن بمجرّد القصد إلى أحدهما. وعليه ففي المقام لو قال : سبحان بقصد أن يقول سبحان الله ثمّ عدل بعد النون من سبحان إلى ربِّي العظيم وكذا العكس جاز.

(١) لانصراف الدليل إلى أداء تلك الألفاظ على النهج العربي الصحيح ، فلا تكفي الترجمة إلى لغة أُخرى ولا الفصل الطويل بين الكلمات المخل بالموالاة أو أدائها عن غير مخارجها ، أو مخالفة الحركات الإعرابية والبنائية لعدّ ذلك من الغلط في الكلام العربي ، وقد مرّ كل ذلك في بحث القراءة.

__________________

(١) شرح العروة ٢٠ / المسألة [٢٣٥٨].

٦٩

الباء من «ربِّي» وعدم إشباعه (*) (١).

[١٦٠١] مسألة ٢١ : إذا تحرّك في حال الذكر الواجب بسبب قهري بحيث خرج عن الاستقرار وجب إعادته (**) (٢) بخلاف الذكر المندوب.

______________________________________________________

(١) يريد (قدس سره) بالإشباع وعدمه إظهار ياء المتكلِّم وإسقاطه ، فإنّه جائز الوجهين كما ورد بهما في الذكر الحكيم قال تعالى (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (١) وقال تعالى (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) (٢).

وليس المراد الإشباع الاصطلاحي كما لعلّه الظاهر من العبارة بأن يشبع كسر الباء على نحو يتولّد منه الياء المستلزم بعد ضمّه بياء المتكلِّم نوع مد في مقام التلفظ والأداء ، إذ ليس المقام من موارد الإشباع بهذا المعنى كما لا يخفى ، فلا دليل على جواز زيادة الحرف لو لم يكن ملحقاً بالغلط.

(٢) لما قدّمناه (٣) من دلالة صحيحة الأزدي بالالتزام على اعتبار الاستقرار في الذكر وتقيده به ، حيث عرفت أنّه إرشاد إلى الشرطية ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين صورتي العجز والاختيار ، فحيث إنّ الإخلال بالشرط إخلال بالمشروط لا بدّ من الإعادة والتدارك بعد فرض بقاء المحل ، بل مقتضى ذلك عدم الفرق بين الذكر الواجب والمندوب إذا كان بقصد الخصوصية لا الذكر المطلق كما نبّهنا عليه هناك.

__________________

(*) جواز الإشباع بالمعنى المعروف مشكل.

(**) على الأحوط.

(١) الفرقان ٢٥ : ٣٠.

(٢) البقرة ٢ : ٢٥٨.

(٣) في ص ٢٣.

٧٠

[١٦٠٢] مسألة ٢٢ : لا بأس بالحركة اليسيرة التي لا تنافي صدق الاستقرار (١) وكذا بحركة أصابع اليد أو الرجل بعد كون البدن مستقرّا.

[١٦٠٣] مسألة ٢٣ : إذا وصل في الانحناء إلى أوّل حدّ الركوع فاستقرّ وأتى بالذكر أو لم يأت به ثمّ انحنى أزيد بحيث وصل إلى آخر الحد لا بأس به ، وكذا العكس ولا يعدّ من زيادة الركوع ، بخلاف ما إذا وصل إلى أقصى الحد ثمّ نزل أزيد ثمّ رجع فإنّه يوجب زيادته (*) فما دام في حدِّه يُعدّ ركوعاً واحداً وإن تبدّلت الدرجات منه (٢).

______________________________________________________

نعم ، بناءً على المسلك المشهور من الاستناد في الاعتبار إلى الإجماع ، فحيث إنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه وهو حال الاختيار فلا دليل على الاعتبار لدى العجز والاضطرار ، فيرجع إلى أصالة البراءة على ما هو الشأن في الأقل والأكثر الارتباطيين. فالحركة الناشئة عن السبب القهري إنّما تقدح على المبنى المختار لا على مسلك المشهور.

(١) فانّ المدار في صدق التمكّن والاستقرار المأخوذين في النص ومعاقد الإجماعات هو العرف ، ولا شك أنّ الحركة اليسيرة غير قادحة في الصدق العرفي ، كما أنّ العبرة في نظرهم باستقرار معظم البدن ، فلا يقدح تحريك أصابع اليد أو الرجل ، بل نفس اليد ما لم يستلزم تحريك البدن.

(٢) قد عرفت أنّ الركوع هو الانحناء إلى حد خاص ، وحيث إنّ ذاك الحد له مراتب ودرجات ، فلو استقرّ في أوّل الحد سواء أتى بالذكر أم لا ثمّ انحنى

__________________

(*) ليس هذا من زيادة الركوع ، نعم لو فعله عمداً بطلت الصلاة من ناحية عدم اتِّصال القيام بعد الركوع به ومن ناحية الإخلال بالذكر إذا كان قبل إتمامه.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى آخره فهو انتقال من مرتبة إلى أُخرى وتبدل في الدرجة ، وليس من زيادة الركوع في شي‌ء كما هو ظاهر ، بل المجموع ركوع واحد. هذا إذا لم يتجاوز الحدّ وأمّا إذا وصل إلى أقصاه ثمّ نزل أزيد بحيث جاوز الحد ثمّ رجع ، فقد حكم في المتن باستلزامه زيادة الركوع.

وهو كما ترى ، لتقوّم الركوع بالانحناء عن القيام لا مجرّد تلك الهيئة ، وهذا لم يتكرّر في المقام كي يوجب تعدّد الركوع ، بل غايته العود إلى الهيئة الركوعية وهذا بمجرّده لا ضير فيه كما لا يخفى.

نعم ، الأقوى هو البطلان في المقام ، لا لزيادة الركوع ، بل للإخلال بالقيام الواجب بعد الركوع عامداً ، لما تقدّم (١) من أنّ الواجب في هذا القيام أن يكون عن ركوع لا مطلق كونه بعد الركوع ، ولذا ذكرنا أنّه لو جلس عن ركوعه ثمّ استقام لم يكن مجزياً بلا كلام.

وعليه ، فما دام كونه في الحد وإن تبدّلت درجته يصدق على القيام الواقع بعده أنّه قيام عن الركوع ، وأمّا إذا جاوز الحد وتخلّل الفصل وإن رجع ومكث فلا يصدق عليه هذا العنوان ، بل يصح أن يقال إنّه قام عن انحناء غير ركوعي إذ بالخروج عن الحدّ انعدمت تلك الهيئة المسبوقة بالقيام التي كانت هي الركوع وبالعود حصلت هيئة أُخرى مشابهة لها لا نفسها ، ولذا قلنا آنفاً إنّه ليس من زيادة الركوع ، فالقيام الحاصل بعده لا يكون من القيام عن ركوع ، وبما أنّ الإخلال عمدي كما هو المفروض ولا يمكن تداركه ، لاستلزام زيادة الركن فلا مناص من الحكم بالبطلان لهذه العلّة ، وللإخلال بالذكر الواجب إن كان ذلك قبل استكماله.

__________________

(١) في ص ٥٣.

٧٢

[١٦٠٤] مسألة ٢٤ : إذا شكّ في لفظ «العظيم» مثلاً أنّه بالضاد أو بالظاء (١) يجب عليه ترك الكبرى والإتيان بالصغرى ثلاثاً أو غيرها من الأذكار ، ولا يجوز له أن يقرأ بالوجهين ، وإذا شكّ في أنّ «العظيم» بالكسر أو بالفتح يتعيّن عليه أن يقف عليه ، ولا يبعد عليه جواز قراءته وصلاً بالوجهين (٢) لإمكان أن يجعل العظيم مفعولاً لأعني مقدّراً.

______________________________________________________

(١) بناءً على اختلاف مخرجي الضاد والظاء وأنّهما حرفان كما هو المشهور فإذا شكّ في لفظ العظيم أنّه بأيّ الوجهين وجب ترك الكبرى والإتيان بالصغرى ثلاثاً ، إذ لو اقتصر على أحدهما لم يحرز الامتثال ، ولو جمع بينهما لزمت الزيادة العمدية في غير ما هو الصحيح منهما ، اللهمّ إلّا أن يأتي بها رجاءً وبقصد الجزئية بما هو الصحيح واقعاً ، فيقع الآخر ذكراً مطلقاً بناءً على جوازه وإن لم يقع بالعربي الصحيح.

وأمّا إذا شكّ في إعراب العظيم وأنّه بالكسر أو بالفتح تعيّن الوقف حينئذ لعدم إحراز الامتثال بدونه.

(٢) أي بكل واحد منهما ، فله الاقتصار على أحدهما كما لعلّه الظاهر من العبارة ولا يلزم الجمع بينهما ، وعلّله (قدس سره) بإمكان أن يجعل العظيم مفعولاً لأعني مقدّراً.

أقول : تقدير العامل وإن أوجب صحّة الكلام في لغة العرب ، لما ذكره علماء الأدب من جريان الوجوه الثلاثة في الصفة بتبعيّتها للموصوف ، والنصب بتقدير أعني ، والرفع خبراً لمبتدإ محذوف ، إلّا أنّك عرفت في بحث القراءة أنّ المأمور به في الصلاة ليس مطلق الإتيان باللّفظ العربي على النهج الصحيح ، بل بخصوص الكيفية النازلة على ما هي عليه ، وعليه ففي المقام يجب الإتيان بهذا الذكر على

٧٣

[١٦٠٥] مسألة ٢٥ : يشترط في الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه والأفضل الزيادة على ذلك بحيث يساوي مسجده ولا يجب فيه على الأصح الانتصاب على الركبتين شبه القائم ثمّ الانحناء وإن كان هو الأحوط (١).

______________________________________________________

النحو الوارد المقرّر في الشرع المشتمل على كيفية خاصّة لا مطلقاً وإن كان صحيحاً ، وحيث إنّها مشكوكة حسب الفرض فلا مناص من الوقف أو الترك واختيار الثلاث من الصغرى فليتأمّل.

(١) المعروف والمشهور بينهم أنّه يعتبر في تحقّق الركوع الجلوسي أن ينحني بحيث يساوي وجهه ركبتيه ، بأن تكون نسبة هذا الانحناء إلى القاعد المنتصب كنسبة الراكع عن قيام إلى القائم المنتصب.

وعن بعضهم عدم كفاية هذا المقدار ، بل لا بدّ وأن يكون انحناؤه على نحو يساوي وجهه مسجده ، بحيث لو نهض على تلك الكيفية إلى حدِّ الركوع القيامي لا يحتاج في تحقّق الركوع الشرعي منه إلى مزيد الانحناء ، وتكون يداه واصلتين إلى الركبة أو ما فوقها ، والوجه في اعتبار ذلك إطلاق ما دلّ على تحديد الركوع الشرعي ، فإنّ الجالس وإن كانت تبلغ يداه إلى ذاك الحدّ حتّى قبل الانحناء إلّا أنّه حيث كان طريقاً إلى مقدار الانحناء فلا بدّ من رعايته قائماً وجالسا.

ولكن الأظهر كفاية الحد الأوّل ، لصدق الركوع عليه حقيقة فتشمله الإطلاقات وما دلّ على التحديد بذاك الحد فإنّما هو بالنسبة إلى الركوع القيامي ، فلا دليل على التحديد بالنسبة إلى الركوع الجلوسي ، فتكون الإطلاقات محكّمة.

كما لا دليل يعتد به على ما حكي عن جماعة من أنّه يجب فيه قبل الانحناء الانتصاب على الركبتين شبه القائم ، فإنّهم استدلّوا لذلك أوّلاً بأنّ انتصاب

٧٤

[١٦٠٦] مسألة ٢٦ : مستحبّات الركوع أُمور (١) :

أحدها : التكبير له وهو قائم منتصب ، والأحوط عدم تركه ، كما أنّ الأحوط عدم قصد الخصوصية ، إذا كبّر في حال الهوي أو مع عدم الاستقرار.

الثاني : رفع اليدين حال التكبير على نحو ما مرّ في تكبيرة الإحرام.

الثالث : وضع الكفّين على الركبتين مفرجات الأصابع ممكّناً لهما من عينيهما واضعاً اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى.

الرابع : ردّ الركبتين إلى الخلف.

الخامس : تسوية الظهر بحيث لو صبّ عليه قطرة من الماء استقرّ في مكانه لم يزل.

السادس : مدّ العنق موازياً للظهر.

______________________________________________________

الفخذين كان معتبراً في الركوع القيامي فلا بدّ من مراعاته في الركوع الجلوسي أيضاً ، لعدم الدليل على اختصاصه بذلك ، بل إطلاق الدليل شامل لكلتا الحالتين.

وثانياً : أنّه أقرب إلى الركوع القيامي من إتيانه بدون انتصاب فيكون ميسوراً له.

وكلا الوجهين كما ترى ، فانّ الدليل الدال على اعتباره إنّما هو بالنسبة إلى حال الركوع القيامي ، وقاعدة الميسور ممنوعة كبرى وصغرى ، ولا قصور في شمول إطلاقات الركوع للفاقد للانتصاب ، بل إنّ الركوع مع الانتصاب لعلّه يعد من الغرائب وغير مأنوس عند المتشرِّعة ، وعليه فلا ينبغي الشك في كفاية الانحناء من دون انتصاب.

(١) ذكر (قدس سره) في هذه المسألة والمسألة التي بعدها جملة من مستحبّات الركوع ومكروهاته ولا موجب للتعرّض لها ، لوضوحها سوى ما ذكره (قدس سره)

٧٥

السابع : أن يكون نظره بين قدميه.

الثامن : التجنيح بالمرفقين.

التاسع : وضع اليد اليمنى على الركبة قبل اليسرى.

العاشر : أن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين.

الحادي عشر : تكرار التسبيح ثلاثاً ، أو خمساً ، أو سبعاً ، بل أزيد.

الثاني عشر : أن يختم الذكر على وتر.

الثالث عشر : أن يقول قبل قوله «سبحان ربِّي العظيم وبحمده» : «اللهمّ لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت وأنت ربِّي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلّت قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر».

الرابع عشر : أن يقول بعد الانتصاب «سمع الله لمن حمده» بل يستحب أن يضم إليه قوله : «الحمد لله ربّ العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة الحمد لله ربّ العالمين» إماماً كان أو مأموماً أو منفردا.

الخامس عشر : رفع اليدين للانتصاب منه ، وهذا غير رفع اليدين حال التكبير للسجود.

السادس عشر : أن يصلِّي على النبيّ وآله بعد الذكر أو قبله.

[١٦٠٧] مسألة ٢٧ : يكره في الركوع أُمور :

أحدها : أن يطأطئ رأسه بحيث لا يساوي ظهره ، أو يرفعه إلى فوق كذلك.

الثاني : أن يضم يديه إلى جنبيه.

٧٦

الثالث : أن يضع إحدى الكفّين على الأُخرى ويدخلهما بين ركبتيه ، بل الأحوط اجتنابه.

الرابع : قراءة القرآن فيه.

الخامس : أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقاً لجسده.

______________________________________________________

في أوّل المستحبّات وهو التكبير للركوع وهو قائم منتصب. ويظهر منه (قدس سره) أنّ المستحب هو التكبير في حال الانتصاب ، لا أنّ المستحب هو مطلق التكبيرة ولو حال الهوي ، ويكون إيقاعها حال الانتصاب مستحبّاً آخر ، وذلك حيث احتاط بعدم تركه وأنّ الأحوط عدم قصد الخصوصية إذا كبّر حال الهوي أو مع عدم الاستقرار.

وكيف ما كان فالأقوال في المسألة ثلاثة :

أحدها : وهو المشهور ، استحباب إتيان التكبيرة قائماً قبل الركوع ، حتّى ذكر بعضهم أنّه لو أتى بها في حال الهوي أثم بل بطلت صلاته وإن كان ذلك في حيِّز المنع كما لا يخفى.

ثانيها : استحباب إتيانها قبله ولو في حال الهوي ، وإن كان الأفضل إتيانها منتصبا.

ثالثها : وجوب إتيانها منتصباً قبل الركوع كما عن السيِّد المرتضى (١) والديلمي (٢) والعماني (٣).

__________________

(١) الانتصار : ١٤٧ ، وحكاه عنه في المختلف ٢ : ١٨٨ المسألة ١٠٦.

(٢) المراسم : ٦٩.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٨٧ المسألة ١٠٥.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الوجوب ، فمستنده صحاح أربع : إحداها : صحيحة حماد ، وثلاث صحاح لزرارة.

ففي صحيحة حماد «رفع يديه حيال وجهه وقال : الله أكبر وهو قائم ثمّ ركع» وقد ورد في ذيلها «هكذا صلّ يا حماد» ، المتضمِّن للأمر الظاهر في الوجوب (١). وفي إحدى صحاح زرارة «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب الله أكبر ثمّ اركع» (٢). وفي الأُخرى «فارفع يديك وكبِّر ثمّ اركع» (٣) وفي الثالثة «إذا كنت إماماً أو وحدك ، فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله ثلاث مرّات تكمله تسع تسبيحات ثمّ تكبِّر وتركع» (٤).

فإنّها كما ترى ظاهرة في وجوب التكبير قائماً ولو بعد تقييد إطلاق الصحيح الأخير لو كان له إطلاق بما تقدّمه من الصحاح.

وبإزاء هذه الروايات روايات أُخر صريحة في استحباب هذا التكبير وبها ترفع اليد عن ظاهر تلك الصحاح وتحمل على أصل الرجحان.

منها : رواية أبي بصير المعبّر عنها في مصباح الفقيه بالموثقة (٥) ، قال : «سألته عن أدنى ما يجزي في الصلاة من التكبير؟ قال : تكبيرة واحدة» (٦) فإنّها صريحة في أنّ التكبير الواجب في الصلاة إنّما هي تكبيرة واحدة لا غير ، وليس هي إلّا تكبيرة الإحرام للمفروغية عن وجوبها.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٩٥ / أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٩٦ / أبواب الركوع ب ٢ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ١٢٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ١.

(٥) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٣٤ السطر ١٥.

(٦) الوسائل ٦ : ١٠ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٥.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة زرارة قال «قال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا كنت كبّرت في أوّل صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثمّ نسيت التكبير كلّه أو لم تكبِّر أجزأك التكبير الأوّل عن تكبير الصلاة كلّها» (١) فانّ الاجتزاء بما يأتي به في مفتتح صلاته من التكبيرات المقرّرة في محلّها آية عدم كون تلك التكبيرات المقرّرة ومنها تكبيرة الركوع بواجبة ، وإلّا لما جاز تركها إلّا إذا كانت واجبة بالوجوب التخييري بينها وبين الإتيان في مفتتح الصلاة وهو خلاف المفروض ، ولم يدّعه أحد أيضا.

ومنها : رواية الفضل بن شاذان في حديث «... فلمّا أن كان في الاستفتاح الّذي هو الفرض رفع اليدين أحب الله أن يؤدّوا السنة على جهة ما يؤدّى الفرض» (٢). فإنّها صريحة في أنّ الفرض إنّما هو تكبيرة الإحرام وما عداها سنّة مستحبّة ، فتكون هذه الروايات قرينة على عدم إرادة ظاهر تلك الصحاح من الوجوب ، بل الثابت أصل الرجحان. وبما أنّ الصحيحة الثالثة من صحاح زرارة مطلقة شاملة لحال الهوي ، وما عداها مقيّدة بحال الانتصاب ، ومن المعلوم عدم جريان قانون حمل المطلق على المقيّد في باب المستحبّات ، فلا محالة يكون أصل التكبيرة ولو في حال الهوي مستحبّاً ، وإتيانها حال الانتصاب أفضل الأفراد ، كما هو القول الثاني.

هذا ، ولكن للمناقشة في هذه الروايات سنداً أو دلالة ، أو هما معاً مجال واسع فلا تصلح لأن تكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر من تلك الصحاح لترفع اليد عنها.

أمّا رواية أبي بصير ، ففيها أوّلاً : أنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان ، إذن

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٩ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١١.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فتعبير المحقِّق الهمداني (قدس سره) عنها بالموثقة في غير محله.

وثانياً : ما ذكره المحقِّق المزبور (قدس سره) من استبعاد أن يكون السؤال ناظراً إلى الاستفهام عن حال التكبيرات المستقلّة المشروعة في الصلاة في مواضع مختلفة من أنّها هل هي بأسرها واجبة ، أو أنّه يجوز ترك بعضها لعدم وقوع التعبير عن ذلك بمثل هذه العبارة. مضافاً إلى أنّه لا يجديه حينئذ الجواب بأنّها واحدة أو اثنتان أو ثلاث في تمييز واجبها عن غيره حتّى تترتّب عليه ثمرة عملية. فالظاهر أنّ المسئول عنه هو أدنى ما يجزي من التكبير في افتتاح الصلاة ، لا في مجموعها كي يعم مثل تكبير الركوع والسجود (١).

ويؤيِّد ذلك : صحيح زرارة حيث قيّد فيه بالتكبيرات الافتتاحية قال : «أدنى ما يجزي من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل» (٢).

وأمّا صحيحة زرارة ، فهي قويّة السند ظاهرة الدلالة ، إلّا أنّ هذا على رواية الصدوق (٣) ، ولكن الشيخ في التهذيب (٤) ذكرها بعنوان «ولم تكبِّر» بالعطف بالواو لا بأو. وعليه فيكون الحكم بالإجزاء مختصّاً بفرض النسيان ولا يشمل فرض العمد كي يستفاد منه الاستحباب ، وبما أنّه لم يعلم الصواب منهما وأنّ الصادر منه عليه‌السلام أيّهما ، فلا محالة تكون الرواية مجملة غير صالحة للاستدلال بها.

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٣٤ السطر ١٥.

(٢) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٤٤ / ٥٦٤.

٨٠