موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : منع ظاهر ، فإنّه وجه استحساني ومجرد اعتبار لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي ، والتفرقة في الإيماء قد دلّ عليها النص المختص بمورده فلا وجه للتعدِّي منه إلى المقام ، فلم ينهض دليل شرعي على وجوب إحداث الفارق في محل الكلام ، هذا.

وقد استدلّ له المحقِّق الهمداني (قدس سره) (١) بأنّ الركوع وإن كان متقوّماً بالانحناء عن القيام إلّا أنّ قيام كل شخص بحسبه ، ففي القادر قيامه الاعتدال وفي من كان على هيئة الراكع الاستقامة على ما هو عليه بحسب حاله ، فانّ هذا هو قيامه بحسب العرف ، فبطبيعة الحال يكون ركوعه هو الانحناء عن هذه الحالة بأن يزيد انحناؤه عمّا هو عليه ممّا يعد قياماً له ، فانّ ذلك هو ركوعه في نظر العرف كما يشهد به جريان عادتهم في الركوع أمام الجبابرة والملوك سيّما سيرة أهل الفرس بالنسبة إلى أُمرائهم ، فان ركوع القادر هو الانحناء عن الانتصاب ، ومن كان منحني الظهر ركوعه الازدياد في انحنائه ولو يسيراً كل منهم على حسب حاله.

وفيه أوّلاً : منع صدق الركوع عليه عرفاً ، وإنّما هو انتقال من مرتبة من الانحناء إلى أُخرى ، كيف وقد عرفت أنّه متقوّم لغة وعرفاً بالانحناء عن القيام ومن احدودب ظهره عاجز عن القيام وليس هو إلّا على هيئة الراكع ، فصدق الركوع في حقّه ممنوع جدّاً ، وأمّا تعظيم مثله أمام الجبابرة والملوك بزيادة الانحناء فإنّما هو تواضع وخضوع ، ولا يعد من الركوع في شي‌ء كما لا يخفى.

وثانياً : سلّمنا صدق الركوع عليه عرفاً إلّا أنّه لا دليل على وجوب الانحناء الزائد في المقام ، فانّ المستفاد من الأدلّة الواردة في تحديد الركوع الشرعي وجوب الانحناء عن القيام حدّا يتمكن معه من إيصال أطراف

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٢٨ السطر ٩.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

أصابعه الركبتين ويستحبّ الزيادة قليلاً بحيث تصل الراحة إليهما كما مرّ. وهذا التكليف ساقط عن هذا الشخص لعجزه عن إيجاد هذا الحد وإحداثه حسب الفرض ، فبأيّ دليل يجب عليه الانحناء الزائد على هذا المقدار ممّا هو عليه فإنّه يحتاج إلى دليل بالخصوص وهو مفقود.

ودعوى انصراف هذا التحديد إلى الأفراد الشائعة دون من كان على هيئة الراكع كما ترى ، فإنّه إرشاد إلى الحد المعتبر في الركوع المأمور به ، ومقتضى الإطلاق (١) عدم الفرق بين الموارد كما لا يخفى. فالأقوى حينئذ لزوم الانتقال إلى البدل المقرّر لدى العجز عن الركوع وهو الإيماء لعدم قصور في شمول إطلاق دليله للمقام.

القول الثاني : ما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) (٢) من أنّه ينوي الركوع ببقائه على هذه الحالة ، لعدم الدليل على وجوب الانحناء الزائد وليس ذلك من تحصيل الحاصل كي يكون الأمر به لغواً ، لإمكان هدم تلك الهيئة الركوعية بالجلوس ونحوه فيؤمر بالبقاء على تلك الهيئة قاصداً بها الركوع المأمور به في الصلاة.

أقول : أمّا عدم الدليل على الانحناء الزائد فهو حق كما عرفت آنفاً. وأمّا الاجتزاء بقصد الركوع بتلك الهيئة فيتوقف على أمرين :

أحدهما : أنّ الركوع عبارة عن نفس تلك الهيئة الخاصّة ، والهوي مقدّمة عقلية صرفة.

__________________

(١) لقائل أن يقول : إنّ الخطاب في نصوص التحديد متوجِّه إلى الأشخاص العاديين المستوين في الخلقة كزرارة وأبي بصير ونحوهما ، ولعل هذا يجعله من اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية المانع عن انعقاد الإطلاق.

(٢) الجواهر ١٠ : ٨١.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيهما : أنّ المأمور به هو الركوع الأعم من الحدوثي والبقائي ، وعليه فلا مانع من قصد الركوع بتلك الهيئة الخاصّة بقاءً ، هذا.

وللمناقشة في كلا الأمرين مجال واسع.

أمّا الأوّل : فلما عرفت من أنّ الركوع متقوّم بالانحناء عن القيام ، فهو معتبر في حقيقته شطراً أو شرطاً وإن كان الأظهر هو الثاني. وعلى أيّ حال فليست تلك الهيئة على إطلاقها وكيف ما اتّفقت ركوعاً كي يكون الهوي مقدّمة محضة. ومن هنا لو جلس عن القيام ثمّ قام متقوساً إلى حدّ الركوع لا يجتزى به ولا يتحقّق معه الركوع قطعا.

وأما الثاني : فلأنّ الظاهر من الأمر بشي‌ء هو إحداثه وإيجاده بعد ان لم يكن ، ولا يكفي فيه مجرّد البقاء ولو بقصد الأمر ، بل كيف يمكن توجيه الخطاب نحو الراكع بقوله اركع فإنّه يعد لغواً ومن تحصيل الحاصل في نظر العرف كما لا يخفى. فهذا القول يتلو سابقه في الضعف.

ومن جميع ما قدّمناه يظهر أنّ الأقوى هو القول الثالث ، أعني سقوط الركوع عنه ، لمكان العجز والانتقال إلى بدله وهو الإيماء ، لعدم قصور دليله عن الشمول للمقام فيومئ برأسه إن أمكن وإلّا فبالعينين تغميضاً له وفتحاً للرفع منه ، ومع العجز عنه أيضاً الّذي هو فرض نادر جدّاً فينوي بقلبه على الأحوط وإلّا فلا دليل عليه ، ومقتضى القاعدة حينئذ سقوط الصلاة لتقوّمها بالركوع وهو عاجز عنه وعن بدله ، لكن الفرض في غاية الشذوذ كما عرفت وقد مرّ تفصيل ذلك كلّه في بحث القيام.

نعم ، الأحوط في المقام أن يجمع بين الإيماء وبين زيادة الانحناء قاصداً بأحدهما ما هو الركوع المأمور به في حقّه وما هي وظيفته واقعاً ، فيقع الآخر لغواً غير مضر فإنّه جامع بين الأقوال ، وبذلك يخرج عن شبهة الخلاف ، فإنّ

٤٣

[١٥٨٧] مسألة ٧ : يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع ولو إجمالاً بالبقاء على نيّته في أوّل الصلاة بأن لا ينوي الخلاف ، فلو انحنى بقصد وضع شي‌ء على الأرض أو رفعه ، أو قتل عقرب أو حيّة ، أو نحو ذلك ، لا يكفي في جعله ركوعاً ، بل لا بدّ من القيام ثمّ الانحناء للركوع ، ولا يلزم منه زيادة الركن (١).

______________________________________________________

صاحب الجواهر أيضاً لا يأبى عن ذلك وإنّما يرى جواز قصد الركوع بالبقاء على تلك الحالة ، لا عدم جوازه بالانحناء الزائد كما لا يخفى.

وأمّا في الفرض الثاني فلا ينبغي الشك في تعيّن الإيماء في حقّه ، لفرض عدم تمكنه من الانحناء الزائد كي يحتمل وجوبه ، أو لو انحنى خرج عن أقصى مراتب الركوع. وقد عرفت ضعف مقالة صاحب الجواهر (قدس سره) لتوقّفها على مقدّمتين كلتاهما ممنوعة. فلا مناص من الانتقال إلى البدل وهو الإيماء عملاً بإطلاق دليله الّذي لا يقصر عن الشمول للمقام.

(١) لا يخفى أنّ المحتملات في حقيقة الركوع المأمور به أُمور :

أحدها : أنّه عبارة عن الحركة عن حالة الانتصاب إلى أن تبلغ أطراف أصابعه الركبتين ، أو أن يضع كفّيه عليهما على الخلاف في ذلك كما مرّ (١) ، فيكون في ابتداء الحركة شارعاً في الركوع ، لكونه مؤلفاً من عدّة أجزاء وهي الانحناءات المتتالية المحدودة بين الحدّين ، فكل مرتبة جزء من الركوع لتركبه من المجموع.

الثاني : أنّه مفهوم بسيط لا جزء له ، وهو نفس الهيئة الخاصّة المنتزعة عن الانحناء البالغ حدّا يتمكّن من إيصال الأصابع أو اليدين إلى الركبتين ، لكن لا

__________________

(١) في ص ٣ وما بعدها.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

على إطلاقها ، بل حصّة خاصّة من تلك الهيئة وهي المسبوقة بالقيام ، فالواجب هي الهيئة الحاصلة عن انحناء قيامي ، فيكون الهوي عن القيام معتبراً فيه شرطاً لا شطراً وتقيّداً لا قيداً ، بخلاف الوجه السابق الّذي كان عليه معتبراً قيداً وتقيّداً كما عرفت.

الثالث : أنّه عبارة عن نفس تلك الهيئة الخاصّة على إطلاقها كيف ما اتّفقت وحيثما تحقّقت ، فيكون الهوي إليها مقدّمة عقلية صرفة لا دخل لها في المأمور به أصلاً بخلاف الوجه الثاني ، إذ عليه كان مقدّمة شرعية كما هو الحال في سائر الشرائط من الستر والطهور ونحوهما.

ويترتّب على الاحتمالين الأوّلين ما أفاده في المتن من لزوم كون الانحناء بقصد الركوع ، وأنّه لو انحنى لغاية أُخرى من وضع شي‌ء على الأرض أو رفعه أو قتل عقرب أو حيّة ، وبعد بلوغ حدّ الركوع بدا له أن يجعله ركوعاً لا يكتفي به ، بل لا بدّ من القيام ثمّ الانحناء للركوع ، ولا يلزم منه زيادة الركن.

أمّا مع الاحتمال الأوّل فظاهر ، وكذا على الثاني ، فإنّ الشرط ليس مطلق الهوي والانحناء ، بل خصوص ما كان بقصد الركوع كما لا يخفى ، فالهوي العاري عن هذا القصد ليس مصداقاً للشرط فينتفي المشروط بانتفائه.

وأمّا على الاحتمال الأخير فقد يقال كما عن العلّامة الطباطبائي في منظومته (١) ، وتبعه صاحب الجواهر (٢) بالاكتفاء في المقام ، إذ الواجب هو نفس تلك الهيئة وقد حصلت ، والهوي مقدّمة عقلية محضة لا دخل له في الركوع المأمور به بوجه عدا حيثية المقدّمية الصرفة ، كما أنّه كذلك بالإضافة إلى السجود بلا خلاف ولا إشكال ، لكونه متقوّماً بوضع الجبهة على الأرض

__________________

(١) الدرّة النجفية : ١٢٣.

(٢) الجواهر ١٠ : ٧٦.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فقط ، ولا دخل للهوي فيه إلّا من باب المقدّمة ، فكما أنّه لو هوى إلى الأرض لغاية أُخرى ثمّ بدا له في السجود يجتزي به من دون حاجة إلى القيام والهوي إليه مرّة أُخرى ، فكذا في المقام.

واعترض عليه شيخنا الأنصاري (١) وقد أجاد فيما أفاد فأورد (قدس سره).

أوّلاً : بإنكار المبنى ، وأنّ الركوع ليس مطلق تلك الهيئة كي يكون الهوي مقدّمة عقلية صرفة ، بل خصوص المسبوق بالقيام كما هو المستفاد من ظواهر النصوص ، بل من كلمات اللّغويين أيضاً ، فلا يطلق الراكع إلّا على المنحني عن قيام ، فهو مشروط بسبق الهوي ومتقوّم بالانحناء القيامي. ومن هنا لو جلس عن قيامه ثمّ قام متقوّساً إلى حدّ الركوع لا يجتزى به بلا إشكال ، لعدم كونه مصداقاً للركوع ، وإنّما هو على هيئة الراكع. ولا يقاس ذلك بالسجود ، لما عرفت من أنّه متقوّم بوضع الجبهة على الأرض فقط ، ولا دخل للهوي والانحناء في حقيقته بوجه ، فهو فيه مقدّمة عقلية محضة لا محالة ، بخلاف الركوع فإنّه متقوّم بالانحناء المسبوق بالقيام المستلزم لكون الهوي شرطاً شرعياً فيه كما عرفت.

وثانياً : سلّمنا ذلك ، لكن دعوى الاكتفاء مبنية على أن يكون الأمر بالركوع متعلِّقاً بالطبيعي الجامع بين الحدوث والبقاء ، فإنّه بعد ما بلغ إلى هذا الحد ولو لغاية أُخرى جاز له أن يقصد به الركوع بقاء.

لكنّه خلاف ظواهر الأدلّة قطعاً ، بل المنصرف منها خصوص الإحداث وإيجاد الركوع بعد أن لم يكن ، كما هو الحال في السجود أيضاً وغيره من سائر التكاليف ، فلو عثر في صلاته فاتّصلت جبهته بالأرض قهراً ليس له أن يقصد به السجود بقاءً بلا إشكال ، بل لا بدّ من رفع الجبهة ثمّ وضعها ثانياً بقصد

__________________

(١) كتاب الصلاة : ١٥٧.

٤٦

[١٥٨٨] مسألة ٨ : إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود وتذكّر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمّ ركع ، ولا يكفي أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع من دون أن ينتصب ، وكذا لو تذكّر بعد الدخول في السجود أو بعد رفع الرأس من السجدة الأُولى قبل الدخول في الثانية على الأقوى وإن كان الأحوط في هذه الصورة إعادة الصلاة أيضاً بعد إتمامها وإتيان سجدتي السهو لزيادة السجدة (١).

______________________________________________________

السجود كي يتحقّق الإحداث ، كما أنّ الواجب في المقام هو القيام ثمّ الانحناء ثانياً بقصد الركوع. فظهر أنّ ما ذكره في المتن هو الصحيح على جميع التقادير.

(١) لا إشكال في أنّ من نسي الركوع وتذكّره بعد السجدتين أو بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته لعدم إمكان تصحيحها بوجه ، للزوم زيادة الركن من التدارك ، ونقيصته مع عدمه كما لا يخفى.

كما لا إشكال في الصحّة لو كان التذكّر قبل الدخول في السجود ووضع الجبهة على الأرض ، لإمكان التدارك من دون أيّ محذور ، فيرجع إلى القيام ثمّ يركع ، ولا يكفي القيام متقوّساً إلى حدّ الركوع من دون أن ينتصب ، لاعتبار كون الركوع عن قيام متّصل به كما عرفت في المسألة السابقة ولا اتِّصال في المقام.

إنّما الكلام فيما إذا كان التذكّر بعد السجدة الأُولى أو أثناءها ، فهل يلحق ذلك بالصورة الأُولى كما لعلّه المشهور فيحكم بالبطلان ، أم بالصورة الثانية كما اختاره جماعة منهم الماتن فيحكم بالصحّة؟

لا ينبغي الشك في أنّ مقتضى القاعدة هو الثاني ، إذ لا يلزم من تدارك الركوع أيّ محذور عدا زيادة سجدة واحدة سهواً ، ولا ضير فيها بعد أن لم

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تكن ركناً ، وقد ورد أنّ الصلاة لا تعاد من سجدة واحدة ، وإنّما تعاد من ركعة (١).

وإنّما المنشأ للخلاف ورود روايات في المقام ربما يتوهّم دلالتها على البطلان في خصوص المقام أعني نسيان الركوع وبذلك يخرج عن مقتضى القاعدة المزبورة ، لكن الظاهر عدم دلالتها عليه ، بل المستفاد منها أيضاً هي الصحّة فتكون الصحّة مطابقة للقاعدة وللنص فلا بدّ من التعرّض إليها.

فمنها : موثقة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يركع ، قال يستقبل حتّى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه» (٢) قالوا إنّ الموضوع نسيان الركوع مطلقاً فيشمل ما لو كان التذكّر بعد السجدة الواحدة.

وفيه : أنّ الذيل مانع عن انعقاد الإطلاق لقوله عليه‌السلام : «حتّى يضع كلّ شي‌ء موضعه» ، فيظهر أنّ موضوع الحكم نسيان لا يتمكّن معه من وضع كل شي‌ء موضعه ، وهذا كما ترى مختص بما إذا كان التذكر بعد السجدتين ، إذ لو كان بعد السجدة الواحدة يتمكّن من وضع كل شي‌ء موضعه ، لما عرفت من أنّ زيادة السجدة الواحدة سهواً غير قادحة فيتمكّن من تدارك الركوع ووضعه في موضعه من دون أيّ محذور. ومع تسليم الإطلاق فلا بدّ من تقييده بما ستعرف.

ومنها : صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد ويقوم ، قال : يستقبل» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٢ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ١.

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه أيضاً كما ترى لا إطلاق لها ، لقوله : «يسجد ويقوم» ، إذ من الواضح أنّ القيام إنّما هو بعد السجدتين فلا يشمل ما لو كان التذكّر بعد السجدة الواحدة لعدم القيام معها ، ومع تسليم الإطلاق فيقيّد أيضاً بما سيجي‌ء.

ومنها : خبر أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي أن يركع قال : عليه الإعادة» (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سنده بمحمّد بن سنان ، عدم ظهوره في الإطلاق وإلّا لزم الحكم بالبطلان ، ولو كان التذكّر قبل وضع الجبهة على الأرض لصدق نسيان الركوع حينئذ مع أنّها صحيحة بعد تدارك الركوع بلا خلاف ولا إشكال كما تقدّم ، فيظهر أنّ المراد به نسيان لا يتمكّن معه من التدارك ووضع كل شي‌ء موضعه المختص بما إذا كان التذكّر بعد السجدتين ، فيكون مفاده مساوقاً لموثقة إسحاق بن عمار المتقدِّمة.

وعلى تقدير تسليم الإطلاق فلا بدّ من تقييده كغيره من النصوص المتقدِّمة (٢) بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة» (٣) فإنّ الجملة الشرطية تضمّنت قيدين :

أحدهما : تيقن ترك الركعة أي الركوع كما يشهد به قوله : «وترك الركوع» ثانيهما : أن يكون التذكّر بعد السجدتين ، فمفهومها عدم وجوب الاستئناف عند

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٤.

(٢) هذا وجيه في غير صحيحة رفاعة ، أمّا فيها فالنسبة بينها على تقدير تسليم الإطلاق كما هو المفروض وبين مفهوم صحيحة أبي بصير عموم من وجه كما لا يخفى ، ومعه لا موجب لتقديم هذه الصحيحة.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣.

٤٩

[١٥٨٩] مسألة ٩ : لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء وهوى إلى السجود ، فان كان النسيان قبل الوصول إلى حدّ الركوع انتصب قائماً ثمّ ركع ، ولا يكفي الانتصاب إلى الحدّ الّذي عرض له النسيان ثمّ الركوع ، وإن كان بعد الوصول إلى حدّه فان لم يخرج عن حدّه وجب عليه البقاء مطمئنّاً والإتيان بالذكر ، وإن خرج عن حدّه فالأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها بأحد الوجهين من العود إلى القيام (*) ثمّ الهويّ للركوع أو القيام بقصد الرّفع منه ثمّ الهويّ للسجود ، وذلك لاحتمال كون الفرض من باب نسيان الركوع فيتعيّن الأوّل ، ويحتمل كونه من باب نسيان الذكر والطمأنينة في الركوع بعد تحقّقه وعليه فيتعيّن الثاني ، فالأحوط أن يتمّها بأحد الوجهين ثمّ يعيدها (١).

______________________________________________________

فقد أحد القيدين فلا تجب الإعادة لو شكّ في ترك الركوع ، لكونه مجرى لقاعدة التجاوز ، كما لا تجب لو كان التذكّر قبل السجدتين الشامل لما إذا تذكّر بعد السجدة الواحدة. فبمفهوم هذه الصحيحة يقيّد الإطلاق في بقية النصوص لو كان. فما أفاده في المتن من الحكم بالصحّة في هذه الصورة بعد تدارك الركوع هو الصحيح ، وإن كان الأحوط الإعادة.

(١) قد عرفت أنّ الركوع ليس عبارة عن مجرّد الهيئة الخاصّة كيف ما اتّفقت بل خصوص المسبوق بالانحناء عن القيام بحيث يكون لدى الهوي عن القيام قاصداً للركوع في جميع مراتب الانحناءات إلى أن يبلغ حدّ الركوع ، ومن هنا أشرنا سابقاً إلى أنّ القيام المتّصل بالركوع ليس واجباً بنفسه فضلاً عن أن يكون ركناً بحياله ، بل هو تابع في الوجوب والركنية لنفس الركوع ، حيث إنّ

__________________

(*) هذا هو الظاهر وإعادة الصلاة بعد ذلك أحوط.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الإخلال به إخلال بالركوع لتقوّمه به ودخله في حقيقته. وعلى هذا الأساس يبتني حكم هذه المسألة كالمسألة السابقة.

ثمّ إنّ هذه المسألة تنحل إلى صور :

إحداها : أن ينحني بقصد الركوع وفي الأثناء قبل أن يصل إلى حدّ الركوع ينسى فيهوي إلى السجود ثمّ يتذكّر ، سواء أكان تذكّره قبل الوصول إلى حدّ الركوع أيضاً أو في أثنائه ، أو بعد التجاوز عن حدّه ، لاشتراك الجميع في ملاك الحكم وهو عدم حصول الركوع المأمور به منه ، لما عرفت من تقوّمه بالانحناء الحاصل بقصده في جميع مراحله ومراتبه ، والمفروض أنّ قطعة خاصّة من الهوي وهي المتحققة بعد النسيان لم تكن بقصده ، فقد تخلل الفصل بالهوي غير الصلاتي المانع من اتِّصال الركوع بالقيام بالمعنى الّذي عرفت. فلا مناص من رجوعه وانتصابه قائماً ثمّ الركوع.

ومنه تعرف أنّه لا يجديه الانتصاب إلى الحدّ الّذي عرض له النسيان ثمّ الركوع ، لعدم حصول الاتِّصال بالقيام معه بعد تخلّل الفصل بينهما بالهوي الأجنبي غير المقصود به الركوع. وهذا ظاهر لا سترة عليه.

الصورة الثانية : أن يعرض النسيان بعد البلوغ حدّ الركوع ، فيهوي بقصد السجود قليلاً ثمّ يتذكّر قبل الخروج عن الحد ، وحكم هذا أيضاً ظاهر ، فإنّه يبقى مطمئنّاً ثمّ يأتي بالذكر ولا شي‌ء عليه ، غايته أنّه انتقل من مرتبة من الركوع إلى مرتبة اخرى بلا قصد إليها ، وهذا لا ضير فيه بعد تحقّق مسمّى الركوع عن قصد إليه ، ولا يعد ذلك زيادة في الركوع ، إذ ليس هو ركوعاً آخر ووجوداً ثانياً له ، بل هو إبقاء واستمرار للوجود الأوّل. نعم ، هو هوي زائد لعدم كونه بقصد الركوع حسب الفرض ، ولا دليل على قادحية مثله بعد أن صدر سهواً ، إنّما الإشكال في :

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الصورة الثالثة : وهي ما لو عرض النسيان بعد البلوغ حدّ الركوع ولم يتذكّر إلّا بعد الخروج عن حدّه ، وقد احتمل الماتن (قدس سره) فيها احتمالين :

أحدهما : أن يكون ذلك من باب نسيان الركوع ، فيلحق بما لو هوى عن القيام إلى السجود وقبل الدخول فيه تذكّر ترك الركوع الّذي تقدّم حكمه في المسألة السابقة من لزوم التدارك بالرجوع إلى القيام ثمّ الإتيان بالركوع ، وبعد الانتصاب منه يهوي إلى السجود ويتم صلاته.

ثانيهما : أن يكون ذلك من باب نسيان الذكر والطمأنينة في الركوع بعد تحقّقه ، وحيث قد مضى محلّهما فلا مجال لتداركهما ، نعم القيام الواجب بعد الركوع محلّه باق ، فليس عليه إلّا الانتصاب بقصد رفع الرأس من الركوع ثمّ الهوي إلى السجود ، وحيث إنّه (قدس سره) لم يجزم بشي‌ء من الاحتمالين فذكر أنّ الأحوط اختيار أحد الوجهين والعمل بإحدى الوظيفتين ثمّ إعادة الصلاة.

أقول : قد يفرض عروض النسيان بعد حصول الاستقرار على هيئة الركوع ولو آناً ما ، ولا شك في الصحّة حينئذ وعدم لزوم التدارك ، إذ قد تحقّق معه مسمّى الركوع الواجب ، غايته فوات الذكر والاطمئنان حاله غير الممكن تداركهما لفوات المحل ولا ضير فيه بعد أن لم يكن ركناً ، وقد تعرّض (قدس سره) لهذا الفرع في بحث الخلل (١) وحكم بالصحّة غير أنّه ذكر وجوب القيام بعدئذ تحصيلاً للقيام الواجب بعد الركوع ، ولنا معه كلام في ذلك ستعرفه.

إلّا أنّ هذا الفرض خارج عن منصرف كلامه في المقام كما لا يخفى.

وقد يفرض عدم حصول الاستقرار أصلاً واستمراره في الهوي من غير مكث كما هو محط نظره ومفروض كلامه. والظاهر حينئذ تعيّن الاحتمال الأوّل

__________________

(١) في مطاوي المسألة الثامنة عشرة [شرح العروة ١٨ / المسألة ٢٠١٩].

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّ المقام من نسيان الركوع ، لوضوح أنّ الهيئة الخاصّة التي هي حقيقة الركوع لا تكاد تتحقّق إلّا بالاستقرار عليها ولو هنيئة بحيث ينتهي به الانحناء وتأخذ الهيئة حدّها وإلّا فلا ركوع مع التوالي في الانحناء والاستمرار في الهوي ، لعدم حصول تلك الهيئة بحدّها مع التجاوز وعدم الاستقرار ، كيف ولو صدق عليه الركوع لكان الهاوي إلى السجود راكعاً أيضاً في ضمنه ، فيلزم اشتمال كل ركعة على ركوعين وهو كما ترى (١).

وبالجملة : لا ينبغي الرّيب في عدم تحقّق الركوع في المقام لفقد فصله المقوّم له ، فلا مناص من تداركه لنسيانه.

ثمّ إنّ ما ذكره الماتن بناءً على الاحتمال الثاني من وجوب القيام بقصد الرفع من الركوع تحصيلاً للقيام الواجب بعده مبني على أن يكون الواجب مطلق القيام الحاصل بعد الركوع كيف ما اتّفق ، وهو خلاف التحقيق ، بل الظاهر من النصوص أنّ الواجب هو القيام عن الركوع لا القيام بعد الركوع وكم فرق بينهما ، ومن هنا لو جلس عن ركوعه اختياراً ثمّ قام لا يكون مجدياً بلا كلام وليس ذلك إلّا لكون الواجب خصوص الحصّة الخاصّة وهي القيام الناشئ عن رفع رأسه من الركوع ، وحيث إنّ هذا القيام متعذِّر في المقام لعدم إمكانه إلّا بإعادة الركوع المستلزمة لزيادة الركن فيسقط ولا ضير فيه ، لعدم كونه ركناً وإنّما هو واجب مستقل بعد الركوع.

فالأقوى عدم الحاجة إلى القيام على هذا الاحتمال ، أو على تقدير حصول الاستقرار في الركوع ولو قليلاً كما في الفرض السابق ومرّت الإشارة إليه.

فتحصّل : أنّ الأقوى هو الاحتمال الأوّل وإن كان الاحتياط بالإعادة حسنا.

__________________

(١) هذا وجيه لولا تقوّم الركوع بالقصد المنفي في الفرض.

٥٣

[١٥٩٠] مسألة ١٠ : ذكر بعض العلماء أنّه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها فوق ركبتيها (١) ، بل قيل باستحباب ذلك ، والأحوط كونها كالرجل في المقدار الواجب من الانحناء نعم الأولى لها عدم الزيادة في الانحناء لئلّا ترتفع عجيزتها.

______________________________________________________

(١) حكي ذلك عن المقنعة (١) والنهاية (٢) ، بل عن كثير من كتب المتقدِّمين وأكثر كتب المتأخِّرين كما في الجواهر (٣) استناداً إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : المرأة إذا قامت في الصلاة جمعت بين قدميها وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها ، فاذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلّا تطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتها» (٤).

ولا يخفى أنّه بناءً على مسلك المشهور من تحديد الانحناء المعتبر في الركوع بإمكان وضع اليدين على الركبتين تتحقّق المنافاة بينه وبين هذه الصحيحة ، إذ مقتضى النصوص المستدل بها على هذا القول أنّ التحديد المزبور معتبر في ماهية الركوع حيثما تحقّق ، وقضيّة الإطلاق ولو بمعونة قاعدة الاشتراك عدم الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، فتنافيها هذه الصحيحة الدالّة على كفاية الأقل بالنسبة إليها. فلا مناص من ارتكاب التخصيص جمعاً ، وحمل تلك النصوص على الرِّجال ، ونتيجة ذلك الالتزام بافتراقها عن الرِّجال في مقدار الانحناء.

وأمّا بناءً على القول الآخر وهو المختار كما تقدّم (٥) من كفاية الانحناء

__________________

(١) المقنعة : ١١١.

(٢) النهاية : ٧٣.

(٣) الجواهر ١٠ : ٧٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٢٣ / أبواب الركوع ب ١٨ ح ٢.

(٥) في ص ٦.

٥٤

[١٥٩١] مسألة ١١ : يكفي في ذكر الركوع التسبيحة الكبرى مرّة واحدة كما مرّ وأمّا الصغرى إذا اختارها فالأقوى وجوب تكرارها ثلاثاً ، بل الأحوط (*) والأفضل في الكبرى أيضاً التكرار ثلاثاً ، كما أنّ الأحوط في مطلق الذكر غير التسبيحة أيضاً الثلاث وإن كان كل واحد منه بقدر الثلاث من الصغرى (١).

______________________________________________________

حدّا يتمكّن من إيصال رؤوس الأصابع إلى الركبتين ، فلا منافاة حينئذ بينه وبين هذه الصحيحة في مقدار الانحناء ، إذ التمكن من الإيصال المزبور يستلزم بطبيعة الحال وضع اليدين فوق الركبتين وعلى الفخذين الّذي تضمّنته هذه الصحيحة فينطبق أحدهما على الآخر ، فاذن لا فرق بينهما في حدّ الانحناء الواجب.

نعم ، يفترقان في الحكم الاستحبابي ، إذ لا ريب في استحباب الانحناء الأكثر للرجال بحيث يتمكّن من وضع اليدين على الركبتين كما تقدّم. وأمّا النِّساء فالأولى والأفضل لهنّ الوقوف على هذا الحد وعدم الانحناء الأكثر لئلّا يطأطئن كثيراً فترتفع عجيزتهن كما تضمنته هذه الصحيحة ، فيلتزم بالتخصيص في هذا الحكم الاستحبابي مع المساواة في الحدّ الوجوبي. فما ذكره في المتن من أنّها كالرجل في المقدار الواجب من الانحناء غير أنّ الأولى لها عدم الزيادة فيه هو الصحيح.

(١) تقدّم الكلام حول هذه المسألة عند التعرّض للواجب الثاني من واجبات الركوع مستقصى وعرفت كفاية التسبيحة الكبرى مرّة واحدة ، ولزوم تكرار الصغرى ثلاثاً ، بل كفاية مطلق الذكر إذا كان بقدر الثلاث الصغريات.

__________________

(*) لم يظهر لنا وجه الاحتياط.

٥٥

ويجوز الزيادة على الثلاث ولو بقصد الخصوصية والجزئية (١)

______________________________________________________

نعم ، أضاف في المقام احتياطين :

أحدهما : استحبابي قال (قدس سره) : بل الأحوط والأفضل في الكبرى أيضاً التكرار ثلاثاً. أمّا كونه أفضل فلا إشكال فيه ، للأمر به في جملة من النصوص المحمول على الاستحباب كما تقدّم (١). وأمّا الاحتياط فلم يظهر وجهه بعد التصريح في غير واحد من النصوص بكفاية المرّة ، وأنّ واحدة تامّة تجزي فلا مجال لاحتمال وجوب الثلاث كي يكون أحوط (٢).

ثانيهما : وجوبي وهو قوله : كما أنّ الأحوط في مطلق الذكر غير التسبيحة أيضاً الثلاث وإن كان كل واحدة منه بقدر الثلاث من الصغرى. وهذا أيضاً لم يظهر وجهه ، للتصريح في صحيحة مسمع المتقدِّمة بكفاية ما يعادل التسبيحات الثلاث ، قال عليه‌السلام : «يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسلاً» إلخ (٣) فلو اختار ذكراً يوازي مجموع الثلاث من الصغرى كقوله لا إله إلّا الله والله أكبر مثلاً ، كفى من دون حاجة إلى تكراره ثلاثاً ، فالاحتياط المذكور في غير محله.

(١) أمّا قصد الجزئية فمشكل بل ممنوع ، لما مرّ غير مرّة من منافاتها مع الاستحباب ، ولذا أنكرنا وجود الجزء المستحبِّي ، وإنّما هو مستحب ظرفه الواجب أو المستحب.

__________________

(١) في ص ١٢.

(٢) حكى في الحدائق ٨ : ٢٤٨ عن العلّامة في التذكرة [٣ : ١٦٩] عن بعض علمائنا وجود القول بوجوب الثلاث ، فلعل احتياط المتن مبني على رعاية هذا القول.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٠٢ / أبواب الركوع ب ٥ ح ١.

٥٦

والأولى أن يختم على وتر كالثلاث والخمس والسبع وهكذا (١) ، وقد سمع من الصادق (صلوات الله عليه) ستّون تسبيحة في ركوعه وسجوده.

______________________________________________________

وأمّا قصد الخصوصية أي الإتيان بالزائد بعنوان الوظيفة المقرّرة في هذه الحالة لا بعنوان مطلق الذكر الّذي هو حسن على كلّ حال فدلّ عليه النصوص الدالّة على استحباب إطالة الركوع والسجود وإكثار الذكر فيهما ، التي منها موثقة سماعة قال عليه‌السلام فيها : «ومن كان يقوى على أن يطوّل الركوع والسجود فليطوّل ما استطاع يكون ذلك في تسبيح الله وتحميده وتمجيده ، والدُّعاء والتضرّع ، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى ربّه وهو ساجد» (١).

(١) على المشهور ، وكأنّه لما في بعض نصوص الباب من أنّ «الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنة ثلاث والفضل في سبع» (٢) حيث لم يتعرّض للاشفاع ، المؤيّد بما ورد من أنّ الله سبحانه وتر يحب الوتر (٣).

لكن في صحيح أبان بن تغلب قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو يصلِّي فعددت له في الركوع والسجود ستِّين تسبيحة» (٤).

فربّما يتوهّم المنافاة بينها وبين استحباب الإيتار ، وقد تعرّض لذلك في الذكرى وقال : إنّ عدّ الستِّين لا ينافي الزيادة عليه (٥). ولم يبيِّن وجه عدم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٠٥ / أبواب الركوع ب ٦ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٩٩ / أبواب الركوع ب ٤ ح ١ لكن السند مشتمل على القاسم بن عروة ولم يوثق.

(٣) الوسائل ١ : ٤٣٦ / أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٠٤ / أبواب الركوع ب ٦ ح ١.

(٥) الذكرى ٣ : ٣٧٦.

٥٧

[١٥٩٢] مسألة ١٢ : إذا أتى بالذكر أزيد من مرّة لا يجب عليه تعيين الواجب منه ، بل الأحوط عدمه (*) خصوصاً إذا عيّنه في غير الأوّل لاحتمال كون الواجب هو الأوّل مطلقاً ، بل احتمال كون الواجب هو المجموع فيكون من باب التخيير بين المرّة والثلاث والخمس مثلاً (١).

______________________________________________________

المنافاة ، ولعلّه من أجل أنّ الراوي إنّما تعرّض لفعله وهو العدّ لا لفعل المعصوم عليه‌السلام ، إذ لم يقل إنّه سبّح ستِّين ، فلعلّ الصادر عنه عليه‌السلام كان بزيادة الواحدة ولو خفاءً ، إمّا قبل الستِّين المعدودة أو بعدها ولم يسمعها الراوي فلا تدل الصحيحة على عدم صدور الزائد كي تنافي استحباب الختم على الوتر.

وهكذا الحال في موثقة حمزة بن حمران والحسن بن زياد اللّذين عدّا تسبيحه عليه‌السلام فكان أربعاً أو ثلاثاً وثلاثين مرّة (١).

وكيف كان فلا تنافي في البين ، إلّا أنّ أصل الاستحباب بحيث إنّ السبع مثلاً أفضل من الثمان إلّا إذا زاد عليه واحدة مشكل ، لقصور ما عرفت عن إثباته كما لا يخفى. إلا أن يستند فيه إلى فتوى المشهور بناءً على كفايته في الحكم بالاستحباب.

(١) احتاط (قدس سره) حينئذ بعدم تعيين الواجب من بين الأفراد لا سيّما في غير الأوّل ، لاحتمال كون الواجب خصوص الأوّل أو المجموع من باب التخيير بين الأقل والأكثر ، وإنّما له التعيين لو كان الواجب واحداً لا بعينه مخيّراً في تطبيقه ولم يثبت.

هذا وقد ظهر لك بما قدّمناه في بحث التسبيحات الأربع في الركعتين

__________________

(*) لا بأس بقصد الوجوب في الذكر الأوّل وقد مرّ نظيره.

(١) الوسائل ٦ : ٣٠٤ / أبواب الركوع ب ٦ ح ٢.

٥٨

[١٥٩٣] مسألة ١٣ : يجوز في حال الضرورة وضيق الوقت الاقتصار على الصغرى مرّة واحدة (١) فيجزئ «سبحان الله» مرّة.

______________________________________________________

الأخيرتين جواز قصد التعيين بالفرد الأوّل ، إذ المأمور به إنّما هو الطبيعي اللّابدية بشرط المساوق لصرف الوجود المنطبق بطبيعة الحال على أوّل الوجودات فانّ الانطباق قهري والإجزاء عقلي ، فيقع الزائد على صفة الاستحباب لا محالة.

وأمّا احتمال التخيير بين الأقل والأكثر فساقط ، لامتناعه عقلاً في الوجودات المستقلّة كما في المقام إلّا أن يكون الأقل ملحوظاً بشرط لا كما في القصر والتمام ، وهو مع اندراجه حينئذ في المتباينين كما لا يخفى غير محتمل في المقام.

(١) على المشهور ، ويمكن أن يستدل له بأحد وجهين :

الأوّل : مرسلة الصدوق في الهداية قال : «قال الصادق عليه‌السلام سبِّح في ركوعك ثلاثاً تقول سبحان ربِّي العظيم وبحمده إلى أن قال فان قلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك ، وتسبيحة واحدة تجزي للمعتل والمريض والمستعجل» (١).

دلّت على كفاية الواحدة من الصغرى لدى المرض والاستعجال ، الظاهر في الاستعجال العرفي الّذي هو أعم من الاستعجال الشرعي ، نظير ما تقدّم في السورة من سقوطها لدى العجلة العرفية. وعليه فتدل على السقوط عند الضرورة وضيق الوقت بطريق أولى كما لا يخفى.

لكنّها كما ترى ضعيفة السند بالإرسال فلا تصلح للاستدلال حتّى بناءً على مسلك الانجبار لعدم العامل بها بالإضافة إلى الاستعجال.

__________________

(١) المستدرك ٤ : ٤٣٧ / أبواب الركوع ب ١٦ ح ٢ ، الهداية : ١٣٦.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : وهو العمدة ، صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع والسجود؟ قال : تسبيحة واحدة» (١) ، وهي من حيث السند صحيحة ، لما عرفت سابقاً من جواز العمل بما تفرد به محمّد بن عيسى العبيدي عن يونس بن عبد الرّحمن وإن لم يعمل به الصدوق ولا شيخه ، وقد مرّ الكلام عليه مستقصى (٢).

وأمّا من حيث الدلالة فهي كالصريح في إرادة الصغرى من الواحدة بعد ضمّها بما رواه معاوية بن عمار نفسه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال «قلت : أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال : ثلاث تسبيحات مترسّلاً تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله» (٣).

فانّا لو ضممنا إحدى الروايتين إلى الأُخرى وجعلناهما بمثابة رواية واحدة كانت الثانية قرينة قطعية على أنّ المراد من الواحدة في الأُولى خصوص الصغرى التي هي من سنخ الثلاث الصغريات المذكورات في الثانية. وينتج أنّ الأخف وما هو أقل الواجب ثلاث من الصغرى لغير المريض ، وواحدة منها للمريض كما هو واضح جدّاً بعد ملاحظة اتِّحاد الراوي والمروي عنه.

ومع الغض عن هذا الاستظهار وتسليم الإطلاق في الصحيحة الأُولى فقد يقال بمعارضته مع إطلاق ما دلّ على لزوم كون الواحدة لو اختار هي الكبرى الشامل للمريض وغيره ، كصحيحة زرارة «ما يجزي من القول في الركوع والسجود؟ فقال : ثلاث تسبيحات في ترسّل وواحدة تامّة تجزي» (٤)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٠١ / أبواب الركوع ب ٤ ح ٨.

(٢) [وسيأتي في ص ١٩٣].

(٣) الوسائل ٦ : ٣٠٣ / أبواب الركوع ب ٥ ح ٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٩٩ / أبواب الركوع ب ٤ ح ٢.

٦٠