موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

فصل في المكروهات في الصلاة

وهي أُمور :

الأوّل : الالتفات بالوجه قليلاً ، بل وبالعين وبالقلب. الثاني : العبث باللّحية أو بغيرها كاليد ونحوها. الثالث : القرآن بين السورتين على الأقوى ، وإن كان الأحوط الترك. الرابع : عقص الرجل شعره وهو جمعه وجعله في وسط الرأس وشدّه أوليّة وإدخال أطرافه في أُصوله أو ضفره وليّه على الرأس أو ضفره وجعله كالكبة في مقدّم الرأس على الجبهة ، والأحوط ترك الكل بل يجب ترك الأخير في ضفر الشعر حال السجدة. الخامس : نفخ موضع السجود. السادس : البصاق. السابع : فرقعة الأصابع أي نقضها. الثامن : التمطي. التاسع : التثاؤب. العاشر : الأنين. الحادي عشر : التأوّه. الثاني عشر : مدافعة البول والغائط ، بل والرِّيح. الثالث عشر : مدافعة النوم ففي الصحيح «لا تقم إلى الصلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً». الرابع عشر : الامتخاط. الخامس عشر : الصفد في القيام أي الأقران بين القدمين معاً كأنّهما في قيد. السادس عشر : وضع اليد على الخاصرة. السابع عشر : تشبيك الأصابع. الثامن عشر : تغميض البصر. التاسع عشر : لبس الخف أو الجورب الضيّق الّذي يضغطه. العشرون : حديث النفس. الحادي والعشرون : قصّ الظفر والأخذ من الشعر والعض عليه. الثاني والعشرون : النظر إلى نقش الخاتم والمصحف والكتاب ، وقراءته. الثالث والعشرون : التورّك بمعنى وضع اليد

٥٢١

عن الورك معتمداً عليه حال القيام. الرابع والعشرون : الإنصات في أثناء القراءة أو الذكر ليسمع ما يقوله القائل. الخامس والعشرون : كل ما ينافي الخشوع المطلوب في الصلاة.

[١٧٤٦] مسألة ١ : لا بدّ للمصلِّي من اجتناب موانع قبول الصلاة كالعجب والدلال ومنع الزكاة والنشوز والإباق والحسد والكبر والغيبة وأكل الحرام وشرب المسكر ، بل جميع المعاصي لقوله تعالى (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

[١٧٤٧] مسألة ٢ : قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الأفعال في الصلاة ، وأنّها لا تبطل بها ، لكن من المعلوم أنّ الأولى الاقتصار على صورة الحاجة والضرورة ولو العرفية. وهي : عدّ الصلاة بالخاتم والحصى بأخذها بيده ، وتسوية الحصى في موضع السجود ، ومسح التراب عن الجبهة ، ونفخ موضع السجود إذا لم يظهر منه حرفان ، وضرب الحائط أو الفخذ باليد لإعلام الغير أو إيقاظ النائم ، وصفق اليدين لإعلام الغير ، والإيماء لذلك ورمي الكلب وغيره بالحجر ، ومناولة العصي للغير ، وحمل الصبي وإرضاعه وحكّ الجسد ، والتقدّم بخطوة أو خطوتين ، وقتل الحيّة والعقرب والبرغوث والبقّة والقملة ودفنها في الحصى ، وحك خرء الطير من الثوب ، وقطع الثواليل ، ومسح الدماميل ، ومسّ الفرج ، ونزع السن المتحرِّك ، ورفع القلنسوة ووضعها ، ورفع اليدين من الركوع أو السجود لحكّ الجسد ، وإدارة السبحة ، ورفع الطرف إلى السماء ، وحكّ النخامة من المسجد ، وغسل الثوب أو البدن من القي‌ء والرعاف.

٥٢٢

فصل

[في حكم قطع الصلاة]

لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختياراً (*) (١) والأحوط عدم قطع النافلة أيضاً وإن كان الأقوى جوازه ، ويجوز قطع الفريضة لحفظ مال ، ولدفع ضرر مالي أو بدني كالقطع لأخذ العبد من الإباق ، أو الغريم من الفرار ، أو الدابة من الشراد ونحو ذلك ، وقد يجب كما إذا توقف حفظ نفسه أو حفظ نفس محترمة ، أو حفظ مال يجب حفظه شرعاً عليه. وقد يستحب كما إذا توقف حفظ مال مستحب الحفظ عليه ، وكقطعها عند نسيان الأذان والإقامة إذا تذكر قبل الركوع ، وقد يجوز كدفع الضرر المالي الّذي لا يضرّه تلفه ولا يبعد كراهته لدفع ضرر مالي يسير (**) ،

______________________________________________________

(١) على المشهور ولا سيّما بين المتأخِّرين ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، بل عدّه في شرح المفاتيح (١) من بديهيّات الدين.

ولكن دعوى الإجماع التعبّدي في مثل هذه المسألة المعلوم مداركها ويطمأن استناد المجمعين إليها ، ولا أقل من احتماله ، كما ترى. على أنّ صغرى الإجماع

__________________

(*) على الأحوط.

(**) في الحكم بالكراهة إشكال.

(١) حكاه عنه في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٥ السطر ١٦.

٥٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والاتِّفاق ممنوعة ، لذهاب بعضهم إلى جواز القطع كما حكاه في الحدائق (١) عن بعض معاصريه ، وعليه فلا بدّ من النظر في الوجوه التي استدلّ بها القائل بالتحريم.

فمنها : ما نسب إلى العلّامة (٢) من أنّ إتمام الفريضة واجب فقطعها حرام لتوقفه على عدمه.

وفيه : أنّه إن أُريد من الإتمام لزوم الإتيان ببقية الأجزاء فهو حق لكنّه غير متوقف على إتمام هذا الفرد ، لجواز الإتيان بالطبيعي المأمور به في ضمن فرد آخر ، فهو مخيّر بين الإتمام والاستئناف كما هو الشأن في كل أمر متعلِّق بالطبيعي من غير فرق بين التعبّدي والتوصلي من التخيير في التطبيق على أيّ فرد شاء ما لم ينهض على خلافه دليل بالخصوص.

وإن أُريد به إتمام هذا الفرد بخصوصه بحيث تكون الصلاة كالحج في لزوم الإتمام بمجرّد الشروع فهو عين الدعوى وأوّل الكلام.

ومنها : قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٣) خرج ما خرج بالدليل ويبقى الباقي ومنه الصلاة تحت الإطلاق.

وفيه : أنّ الإبطال الّذي هو من باب الإفعال ظاهر في إيجاد المبطل وإحداثه بعد اتِّصاف العمل بالصحّة المنوط بإتمامه والفراغ عنه نظير قوله تعالى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٤) فالمراد النهي عن ارتكاب ما يستوجب

__________________

(١) الحدائق ٩ : ١٠١.

(٢) حكاه عنه في الحدائق ٩ : ١٠١.

(٣) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ٣٣.

(٤) البقرة ٢ : ٢٦٤.

٥٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الإبطال بعد الإتمام الّذي من أظهر مصاديقه الكفر والارتداد ، ولا نظر فيها إلى الإبطال في الأثناء ، كيف ولازمه ارتكاب تخصيص الأكثر المستهجن ، لجواز ذلك في عامّة الواجبات والمستحبّات التعبّدية والتوصّلية إلّا ما شذّ كالحجّ والصّوم والصّلاة على المشهور.

ومنها : ما في جملة من النصوص من أنّ «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (١).

وفيه : بعد الغض عمّا في أسناد هذه الطائفة من الخدش على ما تقدّم سابقاً (٢) ، وإنّما المعتبر ما تضمن التعبير بـ «الافتتاح والاختتام» ومن ثمّ يعبّر عن هذه التكبيرة في لسان الروايات بتكبيرة الافتتاح ، وأمّا التعبير بتكبيرة الإحرام فهو اصطلاح خاص بالفقهاء.

أنّ مبنى الاستدلال على إرادة التحريم والتحليل التكليفيين وهو ممنوع ، بل المراد الوضعي منهما بشهادة شمولها للنافلة ، ولا حرمة فيها بالضرورة.

ومنها : ما في بعض نصوص كثير الشك من قوله عليه‌السلام : «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه» (٣) حيث يظهر منها النهي عن النقض الظاهر في الحرمة.

وفيه : أنّ المنهي عنه لم يكن مجرّد النقض ، بل تعويد الخبيث منه بإكثاره الكاشف عن إطاعته والركون إلى ميوله وتسويلاته ، ومن ثمّ يسري الحكم إلى النافلة والوضوء وغيرهما ممّا لا ريب في جواز قطعه. بل يمكن أن يقال : إنّها على خلاف المطلوب أدل ، لكشفها عن جواز النقض في حد نفسه وإلّا لكان النهي عنه أولى من النهي عن التعويد المزبور.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ، ح ١ ، ٨.

(٢) في ص ٢٩٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

٥٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : إن لم تكن الصحيحة دالّة على الجواز فلا ريب في عدم دلالتها على عدم الجواز.

ومنها : النصوص الآمرة بالمضي في الصلاة وعدم قطعها لدى عروض بعض الأُمور من رعاف ونحوه ، كصحيحة معاوية بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرعاف أينقض الوضوء؟ قال عليه‌السلام : لو أنّ رجلاً رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله فقال (فمال) برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها» (١).

وفيه : أنّها ظاهرة في الحكم الوضعي لا التكليفي ، حيث إنّها ناظرة إلى الإرشاد إلى صحّة الصلاة وعدم لزوم استئنافها لا في وجوب البناء تعبّداً.

وبعبارة أُخرى : أنّها واردة موقع توهّم الحظر ، لما قد يتوهّم البطلان من غسل دم الرعاف ، فأمر بالإتمام دفعاً لهذا الإيهام ، فلا يدل إلّا على الجواز.

ومنها : النصوص الناهية عن ارتكاب المنافيات أثناء الصلاة.

وفيه : ما لا يخفى ، بل لعل هذا أردأ الوجوه ، لما هو الموضح في محلّه من كون النواهي في باب المركبات كالأوامر إرشاداً إلى المانعية أو الجزئية أو الشرطية ، من غير أن يتضمّن تكليفاً نفسياً بوجه.

ومنها : النصوص التي علّق فيها جواز القطع بموارد الضرورة التي عمدتها صحيحة حريز المرويّة في الفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاماً لك قد أبق أو غريماً لك عليه مال ، أو حيّة تتخوّفها على نفسك فاقطع الصلاة ، واتبع غلامك أو غريمك ، واقتل الحيّة» (٢)

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٤١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٧٦ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ / ١٠٧٣.

٥٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواها الكليني والشيخ أيضاً مرسلاً (١) ، فإنّه من البديهي عدم كون الأمر بالقطع للوجوب ، بل لمجرّد الترخيص ، ومقتضى تعليقه على الضرورة بمقتضى القضيّة الشرطية عدم الجواز بدونها.

وفيه : أنّ القضيّة مسوقة لبيان تحقّق الموضوع فلا مفهوم لها ، إذ الشرط هو الكون في الفريضة ، وعدم القطع لدى انتفائه من باب السالبة بانتفاء الموضوع كما أنّ الجزاء هو القطع لاتباع الغلام أو الغريم أو قتل الحيّة لا مطلق القطع فاذا كان في الصلاة ولم يكن شي‌ء من ذلك فانتفاء الجزاء حينئذ أيضاً كذلك أي سالبة بانتفاء الموضوع فلم ينعقد مفهوم لهذه القضيّة بوجه (٢).

ومنه تعرف الجواب عن موثقة سماعة قال : «سألته عن الرجل يكون قائماً في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعاً يتخوّف ضيعته أو هلاكه ، قال : يقطع صلاته ويحرز متاعه ثمّ يستقبل الصلاة ، قلت فيكون في الفريضة فتغلب عليه دابة أو تغلب دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب فيها عنت ، فقال : لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرّز ويعود إلى صلاته» (٣).

على أنّه يمكن أن يراد بالقطع هنا مجرّد رفع اليد موقتاً بقرينة قوله عليه‌السلام في الذيل «ويعود إلى صلاته» فتكون حينئذ أجنبية عمّا نحن فيه ، ولكن يأباه التعبير بالاستقبال في صدر الموثقة.

والمتحصِّل من جميع ما مرّ : ضعف هذه الوجوه بالأسر ، ما عدا الإجماع

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٧ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦١.

(٢) أضف إلى ذلك : أنّ الرواية حيث لا يحتمل تعدّدها بأن يرويها حريز تارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام بلا واسطة كما في الفقيه ، وأُخرى معها كما في الكافي والتهذيب ، فلا جرم يتطرّق فيها احتمال الإرسال فتسقط عن صلاحية الاستدلال.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٧٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ٢. وفي المصدر : فتفلت بدل فتغلب.

٥٢٧

وعلى هذا فينقسم إلى الأقسام الخمسة (١).

[١٧٤٨] مسألة ١ : الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة (٢) (*) إذا لم تكن

______________________________________________________

ـ لو تمّ ـ فيقتصر حينئذ على المقدار المتيقن وهو غير مورد الضرورة بالضرورة فإنّه لا شبهة في جواز القطع حينئذ من غير حاجة إلى التماس دليل خاص لكفاية الأدلّة العامّة مثل حديث الرفع ، فالحرمة على تقدير ثبوتها مرفوعة بالحديث.

على أنّ جل المجمعين قد صرّحوا بالجواز إمّا بعنوان الضرورة كما عن بعض أو العذر كما عن آخر ، أو لحاجة دنيويّة أو أُخروية كما عن ثالث ، والكل يشير إلى قصور الإجماع على اختلاف تعابيرهم فلا يحرم القطع حينئذ قطعاً ، بل قد يجب ، ومن ثمّ يقسم إلى الأحكام الخمسة حسب اختلاف الموارد كما أُشير إليها في المتن.

(١) هذا وجيه لو كان المستند لحرمة القطع هو الإجماع ، إذ المتيقن منه هو القطع لمجرّد هوى النفس فيبقى غيره مشمولاً للأقسام المزبورة ، ما عدا الكراهة لدفع ضرر مالي كما مثّل به في المتن فانّ في الحكم بالكراهة المصطلحة إشكالاً كما لا يخفى.

وأمّا لو كان المستند مفهوم صحيحة حريز (١) فمقتضاها عدم الجواز إلّا في موارد الضرورة من الأمثلة المذكورة فيها ، فلا يجوز القطع في غيرها فضلاً عن أن يكون مستحبّاً.

(٢) أمّا النافلة في نفسها ، فلا إشكال في جواز قطعها ، لقصور المقتضي

__________________

(*) وإن كان الأظهر جواز قطعها.

(١) الوسائل ٧ : ٢٧٦ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ١.

٥٢٨

منذورة بالخصوص بأن نذر إتيان نافلة فشرع في صلاة بعنوان الوفاء لذلك النذر ، وأما إذا نذر نافلة مخصوصة فلا يجوز قطعها قطعاً.

[١٧٤٩] مسألة ٢ : إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد أو حدثت نجاسة فالظاهر عدم جواز قطع الصلاة لإزالتها ، لأنّ دليل فورية الإزالة قاصر الشمول عن مثل المقام (١) (*) ،

______________________________________________________

فانّ الدليل على الحرمة إن كان صحيحة حريز فهي خاصّة بالفريضة وإن كان الإجماع فكذلك ، لتصريح كثير من الفقهاء بجواز قطع النافلة.

وأمّا النافلة المنذورة ، فتارة يكون المنذور حصّة خاصّة منها كصلاة ركعتين بعد الفراغ من صلاة الظهر مباشرة ، وأُخرى طبيعي النافلة.

أمّا في الأوّل : فلا شبهة في حرمة القطع ، لا من أجل حرمة قطع الصلاة بل من أجل وجوب الوفاء بالنذر ، لامتناع التدارك لو قطع ، فيحرم في خصوص المقام لمكان الحنث حتّى لو بنينا على جواز قطع الفريضة. وهذا لعلّه واضح غايته وهو خارج عن محلّ الكلام ، إذ الكلام في حرمة قطع النافلة بما أنّها صلاة لا بما أنّه مخالفة للنذر.

وأمّا في الثاني : فقد احتاط الماتن بعدم القطع أيضاً. ولكنّه غير واضح لانصراف الفريضة في صحيحة حريز إلى ما كانت كذلك ذاتاً فلا تشمل الواجب بالعرض ، كما أنّ المتيقن من الإجماع ذلك. فالأظهر جواز القطع وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

(١) إذ الدليل المزبور هو الإجماع والقدر المتيقن منه غير صورة المزاحمة مع

__________________

(*) نعم ، إلّا أنّ دليل حرمة القطع كذلك ، فالأقوى هو التخيير كما تقدّم.

٥٢٩

هذا في سعة الوقت ، وأما في الضيق فلا إشكال (١).

نعم ، لو كان الوقت موسعاً وكان بحيث لولا المبادرة إلى الإزالة فاتت القدرة عليها فالظاهر وجوب القطع (٢).

______________________________________________________

حرمة قطع الصلاة فلا يشمل المقام.

لكنّك خبير بأن دليل حرمة القطع أيضاً هو الإجماع والقدر المتيقن منه غير صورة المزاحمة مع فورية الإزالة ، ونتيجة ذلك هو التخيير بين الأمرين كما مرّت الإشارة إليه في المسألة الثانية والأربعين من الفصل السابق (١) إلّا إذا لزم من عدم المبادرة إلى الإزالة فوت القدرة عليها ، فإنّه يجب القطع حينئذ لحكم العقل بلزوم حفظ القدرة كي لا يفوته المأمور به على ما هو الشأن في كافة الواجبات الموسعة حيث يستقل العقل بلزوم البدار إليها أوّل وقتها لدى العلم بفواتها مع التأخير.

(١) فإنّه إن تمكّن من الإزالة بعد الصلاة فلا إشكال في وجوب الإتمام لأهمّية الوقت بلا كلام ، وإن لم يتمكن ، فان تمكن من الإزالة حال الاشتغال بالصلاة من غير إخلال بشي‌ء من الأجزاء أو الشرائط تعيّن ذلك لفقد المزاحمة حينئذ ، بل وكذا لو أخلّ ، لأهمّية الإزالة من بعضها كما لا يخفى.

وإن لم يتمكن بحيث وقعت المزاحمة بين الإزالة وبين أصل الصلاة قدّم الثاني بلا إشكال فإنّها لا تسقط بحال ، إلّا إذا أدرك ركعة من الوقت فإنّ الإزالة تتقدّم حينئذ لعدم المزاحمة بعد التوسعة المستفادة من حديث من أدرك.

(٢) كما عرفت.

__________________

(١) في ص ٥١٧.

٥٣٠

[١٧٥٠] مسألة ٣ : إذا توقّف أداء الدّين المطالَب به على قطعها فالظاهر وجوبه في سعة الوقت (١) لا في الضيق (٢) ويحتمل في الضيق وجوب الاقدام على الأداء متشاغلاً بالصلاة (٣).

[١٧٥١] مسألة ٤ : في موارد وجوب القطع إذا تركه واشتغل بها فالظاهر الصحّة (٤) وإن كان آثماً في ترك الواجب ، لكن الأحوط الإعادة خصوصاً في صورة توقف دفع الضرر الواجب عليه (٥).

______________________________________________________

(١) لإطلاق دليل وجوب الأداء الشامل لحال الصلاة ، بخلاف دليل حرمة القطع فإنّه الإجماع ولا إطلاق له فيقتصر على المتيقن منه وهو غير المقام.

(٢) لوضوح أنّ الصلاة لا تسقط بحال.

(٣) وإن استلزم فوات بعض الأجزاء أو الشرائط ، لأنّ أداء الدين أهم من ذلك الجزء أو الشرط المزاحم معه.

هذا فيما إذا ضاق الوقت حتّى عن إدراك الركعة ، وإلّا تعيّن القطع ، إذ لا مزاحمة بعد تمكنه من امتثال كلا التكليفين ببركة حديث من أدرك.

(٤) إذ بعد أن لم يكن الأمر بالقطع مقتضياً للنهي عن ضدّه الخاص وهو الإتمام لم يكن مانع من تعلّق الأمر به ولو بنحو الخطاب الترتبي ، كما في نظائر المقام ، غايته ارتكاب الإثم في ترك الواجب الأهم.

(٥) ربّما يورد عليه بانحصار القطع الواجب في هذه الصورة فما هو معنى الخصوصية؟

وهو عجيب ، لبداهة منع الانحصار ، فان من موارده القطع لأداء الدين الّذي تقدّم البحث عنه في المسألة السابقة. نعم ، يتوجّه على ما في المتن السؤال

٥٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الخصوصية المنظورة لهذه الصورة ، فانّا إذا صحّحنا الخطاب الترتبي كما هو الأظهر صحّت الصلاة في جميع الصور وإلّا لم تصح في شي‌ء منها ، فما هو الوجه في تخصيص هذه الصورة بالذكر.

وربّما يوجه بتوقف دفع الضرر على عنوان القطع ، فاذا وجب امتنع الأمر بالتمام ولو بنحو الترتّب ، لأنّهما من الضدّين اللّذين لا ثالث لهما ، ولا موقع للترتّب في مثل ذلك كما لا يخفى.

ويندفع أوّلاً : بمنع وجوب القطع بعنوانه ، بل الّذي يكون موجباً لدفع الضرر إنّما هو سببه من التكلّم أو المشي أو الاستدبار ونحوها من المنافيات فهو الواجب مقدّمة لدفع الضرر من إنقاذ غريق أو إطفاء حريق وما شاكلهما لا القطع بما هو قطع ، ومن ثمّ لو قطع ولم يأت بها لم ينفع ، كما أنّه لو أتى بها كفى وإن لم يكن متشاغلاً بالصلاة ليحتاج إلى القطع.

فاذا كان الواجب تلك المنافيات كان المقام من الضدّين اللّذين لهما ثالث فيؤمر بالإتمام على تقدير عصيان الأمر بما يحصل به القطع لدفع الضرر ، ضرورة أنّ هذا العاصي قد يتم وقد لا يتم كما هو واضح.

وثانياً : أنّ هذا لو تمّ لعمّ وشمل جميع موارد القطع الواجب من غير اختصاص بدفع الضرر ، لوحدة المناط كما لا يخفى.

وملخّص الكلام : أنّ الواجب إن كان هو القطع بعنوانه لم يمكن تصحيح الصلاة حتّى بعنوان الترتّب ، وإن كان ما به يحصل القطع أمكن التصحيح بالخطاب الترتبي ، لكون الضدّين ممّا لهما ثالث في الثاني دون الأوّل ، من غير فرق في كلتا الصورتين بين مورد ومورد ، لاتِّحاد المناط في الكل ، فما في المتن من تخصيص تلك الصورة بالذكر غير واضح.

٥٣٢

[١٧٥٢] مسألة ٥ : يُستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة أو الوجوب : «السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (١).

______________________________________________________

(١) هذا غير واضح ، لعدم ورود رواية تدل على الاستحباب ولو ضعيفة ولو أُريد التمسّك بعموم «تحليلها التسليم» بدعوى شمولها حتّى لأثناء الصلاة ففيه أوّلاً : أنّ تلك النصوص ضعيفة السند بأجمعها كما مرّ (١).

وثانياً : أنّها ناظرة إلى التحليل الوضعي ، وأنّ الصلاة لا تبطل بارتكاب المنافي بعد التسليم وتبطل قبله ، لا التكليفي ليتوهّم عدم حلِّيّة المنافيات إلّا بالتسليم.

وثالثاً : لو سلّم فهي خاصّة بالتحليل في الصلاة التامّة دون الناقصة.

ورابعاً : أنّ المراد فيها هو أحد التسليمين الأخيرين على ما تقدّم في محلّه (٢) لا التسليم على النبيّ الّذي هو من توابع التشهّد. فما أُفيد في المتن لا يمكن المساعدة عليه بوجه.

هذا ما أردنا إيراده في هذا الجزء ويليه الجزء الخامس مبتدءاً بـ (فصل في صلاة الآيات) والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلّى الله على سيِّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

وكان الفراغ في اليوم التاسع من شهر رجب سنة ١٣٨٩ هجرية في جوار القبّة العلوية على مشرفها آلاف التحيّة.

__________________

(١) في ص ٢٩٦.

(٢) في ص ٣٢٥.

٥٣٣
٥٣٤

فهرس الموضوعات

٥٣٥
٥٣٦

فهرس الموضوعات

فصل في الركوع........................................................... ١ ـ ٨٤

معنى الركوع لغة وشرعا....................................................... ٢

واجبات الركوع............................................................. ٢

١ ـ الانحناء على الوجه المتعارف.............................................. ٢

دعوى صاحب الحدائق ثبوت الحقيقة الشرعية في الركوع.......................... ٢

الكلام في تحديد مقدار الانحناء اللازم في الركوع................................. ٢

رجوع غير مستوي الخلقة إلى مستوي الخلقة................................... ١٠

٢ ـ الذكر.................................................................. ١٢

كفاية التسبيحة الكبرى مرة واحدة في الركوع.................................. ١٢

دعوى المدارك الاجتزاء بالتسبيحة الكبرى بدون كلمة «وبحمده»................. ١٣

كفاية التسبيحة الصغرى ثلاث مرات........................................ ١٦

هل تجزي التسبيحة الصغرى مرة؟........................................... ١٧

الكلام في كفاية مطلق الذكر غير التسبيح.................................... ١٨

هل يلزم أن يكون بقدر الثلاث الصغريات؟................................... ٢٠

٥٣٧

٣ ـ الطمأنينة حال الذكر الواجب............................................ ٢١

دليل وجوب الطمأنينة في الركوع............................................. ٢١

هل يجب الطمأنينة في الذكر المستحب؟..................................... ٢٤

ترك الاطمئنان عمدا أو سهوا............................................... ٢٤

٤ ـ رفع الرأس من الركوع.................................................... ٢٥

٥ ـ الطمأنينة حال القيام بعد رفع الرأس...................................... ٢٦

عدم وجوب وضع اليدين على الركبتين....................................... ٢٧

صور العجز عن الانحناء على الوجه المذكور................................... ٢٨

دوران الأمر بين الركوع جالسا مع الانحناء وبين الايماء قائما..................... ٣٣

صور تجدد القدرة على الركوع التام........................................... ٣٣

زيادة الركوع الجلوسي أو الإيمائي............................................. ٣٨

من كان على هيئة الراكع خلقة أو لعارض.................................... ٣٩

اعتبار كون الانحناء بقصد الركوع............................................ ٤٤

حقيقة الركوع............................................................. ٤٤

إذا هوى إلى السجود قبل الركوع نسيانا...................................... ٤٧

لو انحنى بقصد الركوع فنسي وهوى إلى السجود............................... ٥٠

مقدار الانحناء اللازم على المرأة في ركوعها..................................... ٥٤

مقدار الذكر الواجب والمستحب في الركوع.................................... ٥٥

عدم وجوب تعيين الواجب من الذكر إذا أتى به أزيد من مرة.................... ٥٨

جواز الاقتصار على التسبيحة الصغرى عند الاضطرار.......................... ٥٩

الشروع في الذكر قبل الركوع أو قبل الاطمئنان والاستقرار....................... ٦٢

العاجز عن الطمأنينة حال الركوع............................................ ٦٥

ترك الطمأنينة في الركوع سهوا............................................... ٦٦

٥٣٨

الجمع بين التسبيحة الصغرى والكبرى........................................ ٦٨

العدول من التسبيحة الصغرى إلى الكبرى وبالعكس........................... ٦٨

اشتراط العربية والموالاة و ... في ذكر الركوع................................... ٦٩

جواز اشباع كسر الباء من «ربي» وعدم اشباعه............................... ٦٩

التحرك قهرا حال الذكر في الركوع........................................... ٧٠

جواز الحركة اليسيرة وحركة أصابع اليد والرجل................................. ٧١

الانتقال من مرتبة من مراتب الانحناء إلى أخرى................................ ٧١

الشك في لفظ «العظيم» أنه بالضاد أو بالظاء................................ ٧٣

كيفية الركوع الجلوسي..................................................... ٧٤

مستحبات الركوع......................................................... ٧٥

مكروهات الركوع.......................................................... ٧٦

الكلام في حكم التكبير للركوع وهو قائم منتصب............................. ٧٧

اتحاد النافلة مع الفريضة في أحكام الركوع..................................... ٨٢

زيادة الركوع سهوا في النافلة................................................. ٨٣

فصل في السجود..................................................... ٨٤ ـ ١٧٠

معنى السجود لغة واصطلاحا............................................... ٨٤

البحث حول ركنية السجود................................................. ٨٥

واجبات السجود.......................................................... ٨٨

١ ـ وضع المساجد على الأرض............................................. ٨٨

نسبة الخلاف إلى المرتضى وابن إدريس في وضع اليدين......................... ٨٩

قول بعض باعتبار وضع أطراف أصابع الرجلين لا خصوص الابهامين............ ٩٠

٢ ـ الذكر.................................................................. ٩١

٥٣٩

٣ ـ الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب....................................... ٩١

٤ ـ رفع الرأس منه.......................................................... ٩٤

٥ ـ الجلوس بعده مطمئنا.................................................... ٩٥

٦ ـ إبقاء المساجد السبعة في مواضعها إلى تمام الذكر........................ ٩٥

جواز رفع المساجد ـ غير الجبهة ـ ووضعها في غير حال الذكر..................... ٩٥

٧ ـ مساواة موضع الجبهة للموقف........................................... ٩٧

مخالفة صاحب المدارك للمشهور في جواز علو موضع الجبهة بمقدار لبنة........... ٩٧

هل يلحق الخفض بالرفع في مقدار لبنة؟.................................... ١٠٠

عدم الفرق في ذلك بين الانحدار والتسنيم................................... ١٠٣

عدم اعتبار المساواة في موضع سائر المساجد................................. ١٠٣

٨ ـ وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه................................ ١٠٦

٩ ـ طهارة محل وضع الجبهة.............................................. ١٠٧

١٠ ـ المحافظة على العربية والترتيب والموالاة في الذكر..................... ١٠٧

تحديد الجبهة............................................................ ١٠٧

كفاية المسمى بمقدار الدرهم.............................................. ١٠٩

اعتبار مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه.................................. ١١٣

الكلام في وجوب إزالة الطين أو رفع التربة اللاصقة بالجبهة في السجدة الأولى.... ١١٣

عدم اشتراط مباشرة سائر المساجد للأرض.................................. ١١٧

اشتراط وضع باطن الكفين إلا مع الاضطرار................................ ١١٧

حكم مقطوع الكف..................................................... ١٢٠

هل يجب الاستيعاب في وضع الكفين؟..................................... ١٢٠

كفاية وضع مسمى الركبتين............................................... ١٢٥

٥٤٠