موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

بل الأقوى عدم البأس به إذا كان لطلب أمر دنيوي من الله فيبكي تذلّلاً له تعالى ليقضي حاجته (١).

الثامن : كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلاً كان أو كثيراً كالوثبة والرقص والتصفيق ونحو ذلك ممّا هو منافٍ (*) للصلاة ، ولا فرق بين العمد والسهو ، وكذا السكوت الطويل الماحي وأمّا الفعل القليل غير الماحي بل الكثير غير الماحي فلا بأس به ، مثل الإشارة باليد لبيان مطلب ، وقتل الحيّة والعقرب وحمل الطفل وضمّه وإرضاعه عند بكائه ، وعدّ الركعات بالحصى وعدّ الاستغفار في الوتر بالسبحة ونحوها ممّا هو مذكور في النصوص ، وأمّا الفعل الكثير ، أو السكوت الطويل المفوّت للموالاة بمعنى المتابعة العرفية إذا لم يكن ماحياً للصورة فسهوه لا يضر ، والأحوط الاجتناب عنه عمداً (٢).

______________________________________________________

(١) لخروجه عن منصرف النص والفتوى ، نظراً إلى ظهورهما في كون الباعث على البكاء فوات أمر دنيوي وعدم حصوله ، لا البكاء لأجل تحصيل الفائت تذلّلاً واستعطافاً ممّن أزمة الأُمور طراً بيده ، كيف ومثل هذا البكاء تصدق عليه المناجاة مع الرب فلا يكون مبطلاً.

ومنه يظهر حكم البكاء لما أصاب الدين من ضعف الإسلام والمسلمين ، أو لمصاب المعصومين عليهم‌السلام أو لفقد أحد من العلماء العاملين ، فان مرجع الكل إلى البكاء لأمر أُخروي لا دنيوي ليستوجب البطلان كما هو ظاهر.

(٢) لا ريب في عدم قدح الفصل بين أجزاء الصلاة بالفعل الكثير الّذي يكون من سنخها من ذكر أو دعاء أو قرآن ، كقراءة السور الطوال أو دعاء كميل وما

__________________

(*) في تحقّق المنافاة في جميع مراتب المذكورات إشكال.

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

شاكلهما ، لكونه معدوداً من نفس الصلاة على ما نطق به النص.

وأمّا ما لا يكون مسانخاً لها فالمشهور أنّه مبطل للصلاة ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، وخصّه بعضهم بما إذا كان ماحياً للصورة بحيث خرج به عن كونه مصلّياً ، بل ذكر بعضهم أنّ العبرة بالماحي سواء أكان كثيراً أم قليلاً وقد اختاره في المتن ، هذا.

وقد اعترف غير واحد بعدم ورود نص يدل على مبطلية الفعل الكثير بعنوانه ، كما أنّ العلّامة (١) صرّح بعدم ورود تحديد شرعي لضابط الكثرة ، وأنّ العبرة في ذلك بالعرف والعادة كسائر الموارد التي لم يرد فيها حد شرعي المحكوم بالرجوع إلى النظر العرفي.

وأمّا الماحي فقد ذكر له في المتن أمثلة ثلاثة وعدّ منها التصفيق ، مع ورود النص الصحيح بعدم مانعيته وجوازه لدى الحاجة ، ففي صحيح الحلبي «أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة ، فقال : يومئ برأسه ويشير بيده ويسبِّح ، والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلِّي فتصفق بيديها» (٢).

وكيف ما كان ، فإن أُريد بالكثرة الكثرة العددية فلا ينبغي الشك في أنّها بمجرّدها لا تستوجب البطلان ، فان من أخذ سبحة بيده وأدارها بخرزاتها المائة أو حرّك جفنيه أو ضرب بإصبعه على فخذه مائة مرّة لا يحتمل أن يفتي فقيه ببطلان صلاته بذلك.

وإن أُريد بها الكثرة الزمنية التي حدّدها بعض الشافعية (٣) ، بأن تكون بمقدار الإتيان بركعة كاملة ، فهذا وإن استوجب البطلان لكنّه مستند إلى فقد الموالاة

__________________

(١) التذكرة ٣ : ٢٨٨ ، نهاية الاحكام ١ : ٥٢١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٥٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٢.

(٣) المجموع ٤ : ٩٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٩.

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المعتبرة بين الأجزاء ، ومن ثمّ لو سكت هذه المدّة ولم يأت بقليل ولا كثير بحيث انفصلت الأجزاء اللّاحقة عن السابقة على نحو لا تصلح للانضمام حكم بالبطلان بلا كلام. فلا موضوعية للكثرة الزمانية بعنوانها ، بل المبطل حينئذ هو الفصل الموجب للإخلال بالموالاة وزوال الهيئة الاتِّصالية ، سواء أكان الفاصل فعلاً كثيراً أم سكوتاً طويلاً.

وإن أُريد بها العمل الأجنبي المستوعب لمقدار من الوقت وإن كان مقروناً بالأجزاء لا متخلِّلاً بينها ، كما لو اشتغل أثناء القراءة بالكتابة أو الخياطة أو تقشير الفاكهة ونحوها فالبطلان بذلك أوّل الكلام ، فإنّه موقوف على نهوض ما يدل على اعتبار عدمها في الصلاة ، كما نهض في مثل الأكل والشرب حيث يمنع عنهما حتّى المأموم حال اشتغال الإمام بالقراءة غير المخل بالموالاة بوجه وإلّا فليس للعرف سبيل لتشخيص القادحية في الأُمور الشرعية التعبّدية التي زمام قيودها الوجودية والعدمية بيد مخترعها. فما عن العلّامة من إيكال ذلك إلى النظر العرفي ليس كما ينبغي.

ودعوى أنّ مثله لا يُقال إنّه يصلِّي بل يكتب مثلاً مدفوعة بصدق كلا العنوانين ، فيقال إنّه يصلِّي ويكتب ، والكلام في قادحية صدق الثاني التي هي أوّل الدعوى.

وما في الحدائق (١) من احتياج الجواز إلى الدليل مبني على القول بأصالة الاحتياط في العبادات ، وهو خلاف ما عليه المحقّقون من الرجوع إلى أصالة البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين دون الاشتغال.

هذا ، مع أنّ عدّة من الأخبار دلّت على جواز جملة من الأفعال أثناء الصلاة ممّا لا شبهة في عدّ بعضها عرفاً من الفعل الكثير كرمي الكلب بحجر ، أو رمي

__________________

(١) الحدائق ٩ : ٤٣.

٥٠٣

التاسع : الأكل والشرب الماحيان للصورة (١)

______________________________________________________

أحد بحصاة ليأتي نحوه كما فعله الصادق عليه‌السلام أو قتل الحيّة أو العقرب أو إرضاع الأُم ولدها وحمله معها ، أو الذهاب عند الرعاف أو رؤية النجاسة في الثوب أو البدن للتطهير ثمّ العود لإتمام الصلاة ، أو تصفيق المرأة للتنبيه على الحاجة ، ونحو ذلك ممّا أورده صاحب الوسائل في الباب التاسع والعاشر من أبواب القواطع (١).

والحاصل : أنّ الكبرى الكلِّيّة المذكورة في كلمات القوم من قادحية الفعل الكثير بما هو وبوصفه العنواني لا يمكن المساعدة عليها إلّا فيما قام عليه دليل بالخصوص من إجماع ونحوه كما في الأكل والشرب ، أو أوجب الإخلال بالموالاة المعتبرة بين الأجزاء ، المستلزم طبعاً لمحو صورة الصلاة فتبطل حينئذ لهذه العلّة.

ومنه تعرف أنّ ما في المتن من عدّ الوثبة والرقص والتصفيق منافياً للصلاة الظاهر في كونها كذلك بجميع مراتبها محل إشكال بل منع.

ثمّ إنّ من جميع ما ذكرناه يتّضح لك أنّ البطلان في الفعل الكثير إن كان مستنداً إلى الإخلال بالموالاة بحيث أوجب سلب اسم الصلاة فلا يفرق حينئذ بين العمد والسهو ، إذ لا صلاة حسب الفرض كي يمكن تصحيحها بحديث لا تعاد فإنّه سالبة بانتفاء الموضوع.

وإن كان مستنداً إلى دليل آخر من نص أو إجماع فتختص طبعاً بصورة العمد لكونها مع السهو مشمولة للحديث المزبور.

(١) ذهب الشيخ (٢) وجم غفير ممّن تأخّر عنه إلى مانعية الأكل والشرب في

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٥٤ ٢٥٨.

(٢) الخلاف ١ : ٤١٣ ، المبسوط ١ : ١١٨.

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ، بل نسبه في الحدائق (١) إلى المشهور ، ومقتضى عدّهم ذلك عنواناً مستقلا في مقابل الفعل الكثير أو الماحي ، أنّ المانعية ثابتة لنفس هذين العنوانين سواء أعدّا من الفعل الكثير أم لا ، فتبطل بالأكل ولو لقمة ، وبالشرب ولو جرعة.

نعم ، جعلهما العلّامة (٢) من الفعل الكثير حتّى في مثل اللقمة ، نظراً إلى أنّ تناول المأكول ومضغه وابتلاعه أفعال كثيرة ، وهكذا المشروب.

ولكنّه كما ترى ، فانّ مقتضاها عدّ نحو لبس الخاتم أو مسح الأنف بالمنديل من الفعل الكثير أيضاً ، لانحلالهما إلى أفعال كثيرة من إدخال اليد في الجيب وإخراج الخاتم أو المنديل ولبسه أو المسح به ، ولا يظن أن يلتزم فقيه بعدم جوازه. فالظاهر أنّهم يرون البطلان لنفس العنوان لا للاندراج تحت الضابط المزبور حسبما ذكرناه.

ومن ثمّ أشكل عليهم غير واحد من الفقهاء منهم المحقِّق في المعتبر (٣) بعدم الدليل عليه وطالبوهم بمستند هذه الفتوى ، هذا.

والّذي ينبغي أن يقال : أمّا بالنسبة إلى ابتلاع بقايا الطعام الموجودة في الفم فضلاً عن المتخلِّلة ما بين الأسنان ، أو السكّر الّذي يذوب شيئاً فشيئاً وينزل فلا ينبغي الإشكال في عدم بطلان الصلاة بها وإن بطل الصوم بل قد ادّعي الإجماع على ذلك ، فمحل الاشكال ما كان مصداقاً للأكل والشرب عرفاً لا صوماً. وحينئذ فان استوعب من الوقت مقداراً يخل بالموالاة العرفية بحيث لا تنسجم الأجزاء اللّاحقة بالسابقة فلا ريب في البطلان ، لكن لا لتحقّق الأكل والشرب ، بل لفوات الموالاة ومحو صورة الصلاة.

__________________

(١) الحدائق ٩ : ٥٤.

(٢) التذكرة ٣ : ٢٩٢ ، المنتهى ١ : ٣١٢ السطر ٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٥٩.

٥٠٥

فتبطل الصلاة بهما عمداً كانا أو سهواً (١)

______________________________________________________

ويحتمل أنّ الشيخ ومن تبعه من القائلين بالمانعية يريدون بها ذلك ، وإنّما خصّوهما بالذكر مقدّمة لاستثناء الوتر كما سيجي‌ء ، غير أنّه يبعّده اختصاص الاستثناء بالشرب فلما ذا ألحقوا به الأكل.

وكيف ما كان ، فلا شبهة في البطلان لدى بلوغ هذا الحد.

وأمّا إذا كان دونه فلم يتّضح حينئذ وجه للبطلان ، عدا ما ادّعاه في الجواهر (١) من قيام سيرة المتشرِّعة عليه بمثابة يعرفه حتّى الصبيان.

وفيه : أنّ السيرة وإن كانت متحقِّقة إلّا أنّ اتصالها بعصر المعصوم عليه‌السلام الّذي هو مناط حجّيتها غير معلوم ، فإنّ الأطفال إنّما تلقوها من آبائهم وهم من علمائهم إلى أن يتّصل بعصر الشيخ الطوسي (قدس سره) ولم تكن المسألة معنونة قبله كي يعرف الاتِّصال ، وعليه فان ثبت الإجماع التعبّدي على المبطلية فهو الحجّة ، وإلّا فإثباتها بحسب الصناعة في غاية الإشكال.

ومن هنا يمكن أن يقال : إنّ ما سيأتي من الرواية الدالّة على جواز الشرب أثناء الوتر مطابق للقاعدة ولم يكن استثناءً في المسألة ، نظراً إلى أنّ هذا المقدار من الفصل لم يكن مخلّاً بالموالاة العرفية ، إذ لم يكن هو أكثر ممّا فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما رواه الصدوق من أنّه رأى نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون من عراجين أرطاب فحكّها ثمّ رجع القهقرى فبنى على صلاته (٢) فاذا لم يكن الإجماع ثابتاً كان الحكم المزبور مطابقاً للقاعدة.

(١) هذا وجيه لو كان البطلان لأجل محو الصورة ، وأمّا لو كان لأجل الإجماع

__________________

(١) الجواهر ١١ : ٧٨.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٩٢ / أبواب قواطع الصلاة ب ٣٦ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٤٩.

٥٠٦

والأحوط الاجتناب عمّا كان منهما مفوّتاً للموالاة العرفية عمداً (١) ، نعم لا بأس بابتلاع بقايا الطعام الباقية في الفم أو بين الأسنان ، وكذا بابتلاع قليل من السكّر الّذي يذوب وينزل شيئاً فشيئاً (٢) ويستثنى أيضاً ما ورد في النص (٣) بالخصوص من جواز شرب الماء لمن كان مشغولاً بالدُّعاء في صلاة الوتر وكان عازماً على الصوم في ذلك اليوم ، ويخشى مفاجاة الفجر وهو عطشان والماء أمامه ومحتاج إلى خطوتين أو ثلاثة ، فإنّه يجوز له التخطِّي

______________________________________________________

مع حفظها فلا مانع من التصحيح لدى السهو بحديث لا تعاد كما تقدّم في المبطل السابق.

(١) كما تقدّم البحث عنه في فصل الموالاة (١).

(٢) كما تقدّم آنفاً.

(٣) وهو ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن محمّد بن هيثم ، عن سعيد الأعرج قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنِّي أبيت وأُريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدُّعاء وأشرب وأكره أن أُصبح وأنا عطشان وأمامي قلّة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة ، قال : تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدُّعاء» (٢).

وما رواه الفقيه بإسناده عن سعيد الأعرج أنّه قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إنِّي أكون في الوتر وأكون قد نويت الصوم فأكون في الدُّعاء وأخاف الفجر فأكره أن أقطع على نفسي الدُّعاء وأشرب الماء وتكون

__________________

(١) في ص ٣٥٥.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٧٩ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٣ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٥٤.

٥٠٧

والشرب حتّى يروي ، وإن طال زمانه (١) إذا لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة (٢) ، حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى لئلّا يستدبر القبلة

______________________________________________________

القلّة أمامي ، قال فقال لي : فاخط إليها الخطوة والخطوتين والثلاث واشرب وارجع إلى مكانك ولا تقطع على نفسك الدُّعاء» (١).

أمّا من حيث السند فكلتاهما معتبرة ، إذ ليس في سند الاولى من يغمز فيه ما عدا النهدي حيث لم يرد فيه توثيق ، ولكنّه ممدوح مضافاً إلى كونه من رجال كامل الزيارات.

وأمّا طريق الصدوق (٢) في الثانية فهو وإن تضمّن عبد الكريم بن عمرو الّذي قال الشيخ في حقّه إنّه واقفي خبيث (٣) ، لكنّ الظاهر أنّ مراده خبث العقيدة لمكان الوقف من غير طعن في حديثه ، فلا ينافي ما قاله النجاشي في حقّه من أنّه ثقة ثقة (٤).

وأمّا من حيث الدلالة فهما صريحتان في الجواز إلّا أنّ الكلام في مقدار الاستثناء وستعرفه.

(١) لإطلاق النص.

(٢) إذ لا نظر في النص إلّا إلى الجواز من حيث الشرب دون سائر المنافيات.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٧٩ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٣ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٣١٣ / ١٤٢٤.

(٢) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٧١.

(٣) رجال الطوسي : ٣٣٩ / ٥٠٥١.

(٤) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥.

٥٠٨

والأحوط الاقتصار على الوتر المندوب وكذا على خصوص شرب الماء (١) فلا يلحق به الأكل وغيره ، نعم الأقوى عدم الاقتصار على الوتر ولا على حال الدُّعاء فيلحق به مطلق النافلة وغير حال الدُّعاء (٢) وإن كان الأحوط الاقتصار.

______________________________________________________

(١) جموداً في الحكم المخالف للقاعدة على مورد النص وهو خصوص الوتر بل خصوص حال التشاغل بالدعاء المراد به على الظاهر القنوت المأتي به في مفردتها.

ولكنّ الشيخ (١) تعدّى إلى مطلق النافلة ، نظراً إلى اختصاص دليل المنع وهو الإجماع بالفريضة ، كما أنّ المحقِّق (٢) أيضاً تعدّى إلى غير الدُّعاء من أحوال الوتر ، للقطع بل الإجماع على إلغاء خصوصية المورد ، واعترض على ما ذهب إليه الشيخ من التعدِّي بأنّه لم يعلم أيّ إجماع أشار إليه بعد إطلاق معقده والنص لا يدل إلّا على الجواز في خصوص الوتر بقيود معيّنة لا ينبغي التعدِّي عنها ، وهو في محلّه.

إلّا أن يقال : إنّ البطلان إنّما هو من أجل الإخلال بالموالاة ، وهذا المقدار من الفصل لا يوجبه ، فالنص مطابق للقاعدة. إذن فكما أنّ خصوصية الدُّعاء ملغاة فكذلك خصوصية الوترية ، لوحدة المناط فيشمل الحكم جميع النوافل. وأمّا الإجماع فحيث إنّ المتيقن منه هو الفريضة فيختص المنع بها ويبقى غيرها تحت أصالة عدم المنع.

(٢) كما عرفت.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٨ ، الخلاف ١ : ٤١٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٥٩ ، الشرائع ١ : ١١٠.

٥٠٩

العاشر : تعمد قول آمين (*) (١)

______________________________________________________

(١) على المشهور بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

ونسب إلى أبي الصلاح (١) وابن الجنيد (٢) القول بالجواز وإن لم نتحقّق النسبة كما نسب المحقِّق (٣) القول بالكراهة إلى قائل مجهول.

وعن المحقِّق في المعتبر (٤) اختصاص المنع بالمنفرد. وكيف ما كان ، فالمتبع هو الدليل.

ويقع الكلام تارة : فيما تقتضيه القاعدة ، وأُخرى : بالنظر إلى الروايات الخاصّة فهنا جهتان :

أمّا الجهة الأُولى : فالتأمين المبحوث عنه في المقام يتصوّر على أنحاء :

فتارة : يقصد به الجزئية كما قد تفعله جهلة العامّة وعوامّهم فان علماءهم يقصدون به الاستحباب ولا ريب حينئذ في البطلان ، لكونه من الزيادة العمدية القادحة ، سواء أتى به جهراً أم سراً ، بعد الفاتحة أم في موضع آخر ، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً ، لاتِّحاد المناط في الكل.

وأُخرى : يقصد به الدُّعاء ، أي طلب الإجابة بهذه الكلمة التي هي من أسماء الأفعال بمعنى استجب إمّا لما دعا هو بنفسه كما لو قصد عند قوله(اهْدِنَا

__________________

(*) يختص البطلان بما إذا قصد به الجزئيّة أو لم يقصد به الدُّعاء.

(١) حكاه عنه في الجواهر ١٠ : ٢.

(٢) حكاه عنه في الدروس ١ : ١٧٤.

(٣) الشرائع ١ : ١٠٠.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨٦.

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) القرآنية والدُّعاء معاً ، بناءً على جوازه كما تقدّم في محلّه (١) ، أو لما دعا به غيره كما لو سمع وقتئذ من يدعو فأمّن ، ولا ريب أيضاً في عدم البطلان في تمام الصور ، لعدم الضير في الدُّعاء والمناجاة مع الله تعالى أثناء الصلاة ، لما جاء في النص من أنّه «كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو من الصلاة» (٢).

وثالثة : لا يقصد به شيئاً منهما ، كما لو أمّن تبعاً للقوم جهلاً منه بالمعنى لكونه من غير العرب مثلاً ، واللّازم حينئذ هو الحكم بالبطلان ، لكونه من كلام الآدميين بعد عدم صدق الدُّعاء عليه ، لفقد القصد حسب الفرض.

وأمّا الجهة الثانية : فيستدل للمانعية بطائفة من الأخبار :

منها : صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها ، فقل أنت : الحمد لله ربّ العالمين ، ولا تقل آمين» (٣).

بناءً على ظهور النهي في باب المركبات في الإرشاد إلى الفساد ، وحيث إنّ ظاهرها بقرينة النهي عن التأمين كون الإمام من العامّة ، فهي ناظرة إلى ما يفعلونه من الإتيان بقصد الجزئية أو الاستحباب ولا تدل على المانعية فيما إذا قصد به الدُّعاء. فهي إذن مطابقة لما قدّمناه من القاعدة التي مقتضاها كما عرفت عدم الفرق بين الإمام والمأموم والمنفرد ، ولا بين مواضع الصلاة وحالاتها وإن كان مورد الصحيحة خصوص المأموم.

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٤٩٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٦٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ١.

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لو سلّم دلالتها على المانعية المطلقة لزم الاقتصار على موردها وهو المأموم بعد القراءة ، وأمّا الإمام والمنفرد أو المأموم في موضع آخر فلا مانع لهم من الإتيان به بقصد الدُّعاء ، لقصور الصحيحة عن شمولها لهم.

ومنها : رواية محمّد الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أقول : إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين ، قال : لا» (١) بالتقريب المتقدِّم ، وموردها الإمام والمنفرد لقوله : «إذا فرغت ...» إلخ ، وكأنّ القائل بالتعميم استند إليها بضميمة الصحيحة المتقدِّمة. ولكنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان فلا يمكن التعويل عليها.

ومنها : ما في حديث زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : ولا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك آمين ، فإن شئت قلت : الحمد لله ربّ العالمين» (٢).

وموردها خصوص الإمام أو المنفرد ، وقد عبّر عنها بالمصححة في بعض الكلمات ، وليس كذلك ، فان هذه الفقرة لم تكن في رواية زرارة المعتبرة ، وإنّما ذكرت فيما رواه الصدوق (٣) بإسناده عنه ، وهو ضعيف لاشتماله على محمّد بن علي ماجيلويه ، فالطريق المعتبر خال عن هذه الزيادة ، وما اشتمل عليها ضعيف السند ، وقد أشار صاحب الوسائل إلى الطريقين في الباب الأوّل من أفعال الصلاة الحديث الخامس والسادس (٤).

ومنها : صحيحة معاوية بن وهب قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أقول : آمين إذا قال الإمام (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ) ، قال : هم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٦٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٦٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ٤.

(٣) علل الشرائع : ٣٥٨.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٦٣.

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

اليهود والنصارى ولم يجب في هذا» (١).

وهي كصحيحة جميل خاصّة بالمأموم وبعد الفاتحة. ويظهر من الجواهر (٢) أنّ الجملة الأخيرة من زيادة صاحب الوسائل.

وكيف ما كان ، فيستشعر من السكوت والاعراض عن الجواب والتعرّض للتفسير الظاهر في ابتنائه على التقيّة عدم الجواز ، إذ لو كان جائزاً لصرّح به ، ولم يكن وجه لما ذكر كما أشار إليه في الوسائل.

بل احتمل في الجواهر (٣) أن يكون قوله : «هم اليهود والنصارى» هو الجواب إيعازاً إلى أنّ هذا من عملهم عند تلاوة إمامهم في صلاتهم ، وتشنيعاً على العامّة المقتفين لأثرهم وإن لم يفهمه السائل وتخيّل أنّ هذا تفسير للآية لا جواب عن سؤاله ، فتكون الدلالة على المنع أظهر.

وربّما تعارض هذه النصوص بصحيحة أُخرى لجميل ظاهرة في الجواز ويجمع بينها بالحمل على الكراهة ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين ، قال : ما أحسنها واخفض الصوت بها» (٤).

بناءً على أنّ كلمة «ما» للتعجّب ، وأنّ قوله : «واخفض» إلخ ، أمر من الإمام عليه‌السلام بخفض الصوت لدى التأمين ، ولعلّها هي المستند لمن خصّ الجواز بالاسرار.

وأمّا بناءً على كون الكلمة نافية وأنّ قوله : «واخفض ...» إلخ ، من كلام

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٦٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ٢.

(٢) ، (٣) الجواهر ١٠ : ٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٦٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ٥.

٥١٣

بعد تمام الفاتحة (١) لغير ضرورة ،

______________________________________________________

السائل أراد به أنّ الإمام عليه‌السلام أخفض صوته عند الجواب تقيّة. فهي إذن مطابقة للنصوص المتقدِّمة ، وتخرج عن المعارضة إلى المعاضدة.

ولكن الاحتمال الأخير ضعيف ، لأنّ خفض الصوت ثلاثي مجرّد ولم يعهد استعماله من باب الافعال ، فلا يقال أخفض صوته ، بل الصحيح خفض ، وحيث إنّ الموجود في الصحيحة رباعي فيتعيّن كونه من كلام الإمام عليه‌السلام وأمراً منه بالخفض كما عرفت. فلا مناص من الإذعان بالمعارضة.

إلّا أنّ الجمع المزبور في غاية الضعف ، ضرورة أنّ أقل مراتب الاستحسان الّذي دلّت عليه هذه الصحيحة هو الاستحباب وهو مضاد مع الكراهة ، فكيف يمكن حمل تلك النصوص عليها. بل المتعيِّن في مقام الجمع هو الحمل على التقيّة لموافقتها للعامّة.

والمتحصِّل من جميع ما تقدّم : أنّ عمدة الدليل على المنع إنّما هي الصحيحة الأُولى لجميل ، فان قلنا بانصرافها إلى ما هو المتعارف بين العامّة من الإتيان بقصد الجزئية فالحكم إذن مطابق للقاعدة ، ومقتضاها عدم الفرق بين المأموم وغيره ، ولا ما بعد الفاتحة أو موضع آخر.

وإن قلنا بدلالتها على المنع المطلق حتّى بقصد الدُّعاء ، فحيث إنّه مخالف للقاعدة ، فلا بدّ من الاقتصار على موردها. وعلى التقديرين (١) فيختص البطلان فيما إذا قصد به الجزئية أو لم يقصد به الدُّعاء كما أشار إليه سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الأنيقة واتّضح وجهه ممّا مرّ فلاحظ.

(١) لاختصاص النصوص بذلك.

__________________

(١) [الصحيح أن يُقال : وعلى التقدير الأوّل وهو الظاهر ...].

٥١٤

من غير فرق بين الإجهار به والإسرار ، للإمام والمأموم والمنفرد (١) ، ولا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدُّعاء (٢) ، كما لا بأس به مع السهو (٣) وفي حال الضرورة (٤) بل قد يجب معها ، ولو تركها أثم لكن تصح صلاته على الأقوى (٥).

الحادي عشر : الشك في ركعات الثنائية والثلاثية والأُوليين من الرباعية على ما سيأتي (٦).

الثاني عشر : زيادة جزء أو نقصانه عمداً إن لم يكن ركناً ، ومطلقاً إن كان ركنا (*).

______________________________________________________

(١) لاستفادة التعميم من مجموع النصوص ، مضافاً إلى إطلاق معاقد الإجماعات.

(٢) لأنّ ذلك هو مقتضى القاعدة مع عدم ورود نص على خلافها.

(٣) لحديث لا تعاد الشامل بإطلاقه للموانع.

(٤) لعموم أدلّة التقيّة التي مقتضاها صحّة العمل الموافق لها في مثل المقام.

(٥) من غير فرق بين اعتقاد العامّة جزئية التأمين ، كما لعلّه الشائع عند جهّالهم ، أو عدمها كما يراه علماؤهم ، إذ لا يستفاد من أدلّة التقيّة أكثر من الوجوب النفسي لا جزئية ما يتقى فيه ليستوجب فقده البطلان. وإن شئت قلت : غاية ما يترتّب في المقام على أدلّة التقيّة إنّما هو رفع المانعية لا قلبها إلى الجزئية.

(٦) سيأتي الكلام فيه وفيما بعده مستوفى في مباحث الخلل إن شاء الله تعالى.

__________________

(*) على تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى.

٥١٥

[١٧٤١] مسألة ٤٠ : لو شكّ بعد السلام في أنّه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا ، بنى على العدم والصحّة (١).

[١٧٤٢] مسألة ٤١ : لو علم بأنّه نامَ اختياراً وشكّ في أنّه هل أتمّ الصلاة ثمّ نام أو نام في أثنائها بنى على أنّه أتمّ ثمّ نام (٢) (*) وأمّا إذا علم بأنّه غلبه النوم قهراً وشك في أنّه كان في أثناء الصلاة أو بعدها وجب

______________________________________________________

(١) إمّا لاستصحاب الطهارة فيحكم بالصحّة بضمّ الوجدان إلى الأصل ، أو لقاعدة الفراغ الحاكمة عليه حتّى في الموافقة له.

(٢) لقاعدة الفراغ ، ولكنّا ذكرنا في محلّه (١) أنّ مقتضى التعليل بالأذكرية والأقربية إلى الحق الوارد في بعض نصوص الباب اختصاص القاعدة بموارد احتمال الغفلة وعدم شمولها لاحتمال الابطال العمدي (٢) والإخلال الاختياري.

وعليه فينبغي التفصيل في المقام ونظائره من سائر المبطلات كالتكلّم والأكل ونحوهما ، بين ما إذا كان النوم الاختياري المفروض في المسألة مقروناً باحتمال الابطال العمدي لغرض من الأغراض ، وبين ما إذا لم يكن كما لو احتمل أنّه غفل عن كونه في الصلاة ومن ثمّ نام اختياراً من دون احتمال التعمّد في ذلك فتجري القاعدة في الصورة الثانية دون الاولى ، وحيث لا مؤمّن للصحّة فيها

__________________

(*) هذا فيما إذا لم يحتمل إبطاله الصلاة متعمِّداً ، وإلّا فالحكم بالصحّة محلّ إشكال بل منع.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٦ ، ٣٠٩.

(٢) هكذا كان (دام ظلّه) بانياً عليه سابقاً في مباحثه الفقهية والأُصولية ، ولكنّه عدل عنه أخيراً وبنى على الشمول لهما معاً كما صرّح به في الطبعة الأخيرة من تعليقته الأنيقة على المسألة السادسة والخمسين من فروع العلم الإجمالي ، وأوضحناه ثمة بنطاق واسع وبيان مشبع عند التعرّض لشرح هذه المسألة في شرح العروة ١٩ / المسألة ٢١٨٩.

٥١٦

عليه الإعادة ، وكذا إذا رأى نفسه نائماً في السجدة وشكّ في أنّها السجدة الأخيرة من الصلاة أو سجدة الشكر بعد إتمام الصلاة ولا يجري قاعدة الفراغ في المقام (١).

[١٧٤٣] مسألة ٤٢ : إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه ، فان كانت الإزالة موقوفة على قطع الصلاة أتمّها ثمّ أزال النجاسة (٢) (*)

______________________________________________________

فلا بدّ من الإعادة بقاعدة الاشتغال.

والتمسّك بأصالة عدم حدوث النوم في الصلاة كالتمسّك بقاعدة الصحّة التي يقتضيها ظاهر حال المسلم ، كما ترى.

(١) لما عرفت آنفاً من اختصاص الجريان بما إذا كان الخلل المحتمل مستنداً إلى الغفلة فقط. وأمّا مع العلم بعدمها واحتمال الاستناد إلى موجب آخر كالنوم القهري في المقام فلا مجال لجريانها. ومن ثمّ منعنا عن جريانها في موارد انحفاظ صورة العمل واستناد الصحّة إلى مجرّد المصادفة الواقعية ، كما لو شكّ بعد التوضِّي بمائع معيّن في إطلاقه وإضافته ، أو بعد الصلاة إلى جهة معيّنة في كونها القبلة وحيث لا تجري فالمتبع قاعدة الاشتغال حسبما عرفت.

(٢) بل الأقوى التخيير بينهما ، لما تقدّم في كتاب الطهارة (١) عند التعرّض لأحكام المساجد في المسألة الخامسة من فصل : وجوب إزالة النجاسة عن البدن ، من أنّ دليل كل من حرمة قطع الفريضة وفوريّة الإزالة هو الإجماع وحيث إنّه دليل لبّي لا إطلاق له يشمل صورة المزاحمة مع الآخر ، فالمرجع في

__________________

(*) بل يتخيّر بينه وبين القطع للإزالة كما تقدّم.

(١) شرح العروة ٣ : ٢٦٦.

٥١٧

وإن أمكنت بدونه بأن لم يستلزم الاستدبار ولم يكن فعلاً كثيراً موجباً لمحو الصورة وجبت الإزالة ثمّ البناء على صلاته (١).

[١٧٤٤] مسألة ٤٣ : ربّما يُقال بجواز البكاء على سيِّد الشُّهداء (أرواحنا فداه) في حال الصلاة وهو مشكل (*) (٢).

______________________________________________________

موردها أصالة البراءة عن كل منهما ونتيجتها التخيير بين الأمرين. هذا ، ولو بنينا على عدم حرمة القطع من أصله فالأمر واضح.

(١) كما ورد نظيره في غسل الثوب المتنجِّس حال الصلاة.

(٢) مورد الاشكال ما لو كان البكاء لمجرّد عظم المصيبة في نفسها مع الغض عمّا يترتّب عليها ، لاحتمال كونه حينئذ مشمولاً لقوله : «وإن ذكر ميتاً له ...» إلخ ، الوارد في نصوص مبطلية البكاء كما تقدّم (١).

وأمّا البكاء لما يترتّب على مصيبته واستشهاده عليه‌السلام من حصول ثلمة لا تنجبر في الدين وضعف ، بل تضعضع في أركان الإسلام والمسلمين فضلاً عن المثوبات الأُخرويّة المترتّبة في الأخبار على البكاء عليه عليه‌السلام بحيث يرجع الكل إلى العبادة وقصد القربة والبكاء لأمر أُخروي لا دنيوي ، فلا ينبغي الإشكال في جوازه ، وإن كان الاحتياط بالتأخير إلى خارج الصلاة ممّا لا ينبغي تركه.

__________________

(*) أظهره الجواز فيما إذا قصد به التقرّب إلى الله ، والأحوط تأخيره إلى خارج الصلاة.

(١) في ص ٤٩٧.

٥١٨

[١٧٤٥] مسألة ٤٤ : إذا أتى بفعل كثير أو بسكوت طويل وشكّ في بقاء صورة الصلاة ومحوها معه ، فلا يبعد البناء على البقاء (*) لكنّ الأحوط الإعادة بعد الإتمام (١).

______________________________________________________

(١) تقدّم (١) الكلام حول كبرى هذه المسألة وعرفت أنّ المستند في مانعية الفعل الكثير الماحي تارة يكون هو الإجماع ، وأُخرى فوات الموالاة.

فعلى الأوّل : لا مانع في فرض الشك من التمسّك بأصالة عدم وجود المانع فتحرز صحّة الصلاة بضمّ الوجدان إلى الأصل.

وعلى الثاني : أي البناء على أنّ للصلاة بمقتضى ارتكاز المتشرِّعة المعتضد بما يتحصّل من تضاعيف النصوص هيئة اتِّصالية مبنية على موالاة ملحوظة بين أجزائها يتقوّم العمل بها ويستوجب فقدها عدم التحاق لاحقها بسابقها حسبما صرّح به الشهيد (٢) في الأذان من أنّ انفصال بعض أجزائه عن بعض يوجب سلب العنوان نظير الإيجاب والقبول المركب منهما العقد وغير ذلك من سائر الموارد ، فاذا شكّ في أنّ الفعل الكثير أو السكوت الطويل أوجب الإخلال بالموالاة المزبورة إمّا بشبهة حكمية أو موضوعية فالحكم بالصحّة حينئذ استناداً إلى الاستصحاب حسبما يظهر من الماتن (قدس سره) في غاية الإشكال سواء أُريد به استصحاب بقاء الهيئة الاتِّصالية أو بقاء الصورة والموالاة العرفية أو عدم وجود الماحي ، إذ لا يترتّب على شي‌ء من ذلك التحاق الأجزاء اللّاحقة واتِّصالها بالسابقة وتحقّق ماهية الصلاة إلّا على سبيل الأصل المثبت.

__________________

(*) فيه اشكال فلا يترك الاحتياط بالإعادة إذا أتمّها ، والأظهر جواز القطع حينئذٍ.

(١) في ص ٥٠١.

(٢) الذكرى ٣ : ٢١٠.

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : أنّه على هذا المبنى لم يعتبر عدم الفعل الكثير أو عدم الماحي بنحو الاستقلال حتّى يحرز ذلك بالأصل كما في الشك في الطهارة ونحوها من القيود الوجودية أو العدمية. وإنّما اعتبر ذلك من أجل اعتبار الاتِّصال بين الأجزاء ، وقد عرفت أنّ الأصل المزبور لا يثبته.

نعم ، لو قلنا بجريان الاستصحاب التعليقي حتّى في الموضوعات الخارجية أمكن الحكم بالصحّة بأن يقال : إنّا لو أتينا بالأجزاء اللّاحقة قبل عروض هذه الحالة لالتحقت وانضمّت والآن كما كان ، ولكنّه فرض في فرض إذ لا نقول بحجّيّته ، وعلى القول بها تختص بالأحكام دون الموضوعات.

وأمّا التمسّك في المقام بأصالة البراءة فلا يخلو عن غرابة ، لعدم احتمال اعتبار التوالي في نفسه ، وإنّما هو من أجل دخله في انضمام الأجزاء وتأليف الصلاة منها فلدى الشك يكون المتبع أصالة الاشتغال بعد عدم وجود مؤمّن لتفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف : أنّه لا مانع من قطع الصلاة حينئذ ورفع اليد عنها ، لاختصاص دليل حرمة القطع على تقدير تماميّته بما إذا تمكن المصلِّي من إتمام الصلاة والاقتصار عليها في مقام الامتثال ، وهو غير متحقِّق في المقام.

٥٢٠