موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ولا يسقط برد مَن لم يكن داخلاً في تلك الجماعة (١) ، أو لم يكن مقصوداً ، والظاهر عدم كفاية ردّ الصبي (*) المميّز أيضاً (٢) والمشهور على أنّ الابتداء بالسلام أيضاً من المستحبّات الكفائية ، فلو كان الداخلون جماعة يكفي سلام أحدهم (٣) ولا يبعد بقاء الاستحباب بالنسبة إلى الباقين أيضاً (٤) وإن لم يكن مؤكّداً.

______________________________________________________

(١) لعدم اندراجه تحت الموثقة فيبقى وجوب الرد على حاله بعد عرائه عن المسقط. ومنه يظهر الحال فيما بعده.

(٢) تقدّم (١) منه (قدس سره) في المسألة الحادية والعشرين الاستشكال في الكفاية ، وقد عرفت أنّه في محلّه ، نظراً إلى أنّ سقوط الواجب بغير الواجب يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

وعليه فلا بدّ من الاحتياط بالتصدِّي للرد ، رعاية لقاعدة الاشتغال بعد الشك في حصول المسقط ثمّ إعادة الصلاة ، لعدم إحراز كونه من أفراد الخاص المستثنى من عموم قدح التكلّم.

(٣) لموثقة غياث المتقدِّمة.

(٤) ربّما يورد على ما أفاده (قدس سره) في المقام ، وعلى نظيره ممّا تقدّم في ردّ السلام عند قوله : ولكن الظاهر إلخ ، بأنّ ما دلّ على وجوب الرد أو استحباب السلام قد خصّص بما في الموثقة من إجزاء الواحد عن الآخرين الكاشف عن سقوط الأمر عن الباقين ، فما الدليل حينئذ على الاستحباب.

__________________

(*) مرّ منه (قدس سره) الإشكال في الكفاية ، وعليه فلا بدّ من رعاية الاحتياط بالردّ ثمّ إعادة الصلاة.

(١) في ص ٤٦٦.

٤٨١

[١٧٣٢] مسألة ٣١ : يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية وبالعكس على الأقوى (١) إذا لم يكن هناك ريبة أو خوف فتنة ، حيث إنّ صوت المرأة من حيث هو ليس عورة.

______________________________________________________

ويمكن دفعه : بأنّه يكفي في إثبات الاستحباب النصوص المتكاثرة الناطقة باستحباب إفشاء السلام ونشره (١) ، لصدق السلام على الرد أيضاً ولا يختص بالسلام الابتدائي. إذن فالاستحباب لكل واحد من الباقين وإن كان ساقطاً بالنظر إلى الدليل الأوّلي ، ولكنّه يثبت بمقتضى الدليل الثانوي.

(١) لإطلاق الأدلّة بعد عدم كون صوت المرأة من حيث هو عورة كما تقدّم في مبحث القراءة (٢) ليستوجب التقييد بالمماثل. وهكذا الحال في إطلاقات الرد ، مضافاً إلى بعض النصوص الخاصّة كصحيحة ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسلِّم على النِّساء ويرددن عليه السلام وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يسلِّم على النِّساء ، وكان يكره أن يسلِّم على الشابة منهنّ ويقول : أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا أطلب من الأجر» (٣).

فإنّها صريحة في الجواز لولا خوف الفتنة ، بل في الاستحباب بمقتضى قوله عليه‌السلام : «ممّا أطلب من الأجر».

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٨ / أبواب أحكام العشرة ب ٣٤.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٣٩٨.

(٣) الوسائل ١٢ : ٧٦ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٨ ح ١.

٤٨٢

[١٧٣٣] مسألة ٣٢ : مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلّا لضرورة (١)

______________________________________________________

(١) كما ذهب إليه جماعة مستدلين له بجملة من النصوص.

منها : موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم» (١).

ومنها : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من رواية أبي القاسم بن قولويه عن الأصبغ قال : «سمعت علياً عليه‌السلام يقول : ستّة لا ينبغي أن تسلِّم عليهم اليهود والنصارى ...» إلخ (٢).

ومنها : ما في قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليه‌السلام «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تبدؤوا أهل الكتاب (اليهود والنصارى) بالسلام ، وإن سلّموا عليكم فقولوا عليكم ...» إلخ (٣).

لكن الأخيرة ضعيفة السند بأبي البختري الّذي قيل إنّه أكذب البريّة ، وكذا ما قبلها لجهالة طريق ابن إدريس إلى ابن قولويه كجهالة الواسطة بينه وبين أصبغ بن نباتة الّذي هو من أصحاب الأمير عليه‌السلام وبينهما فصل طويل والعمدة إنّما هي الموثقة.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٧٧ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٧٩ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٨ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٦٣٨.

(٣) الوسائل ١٢ : ٨٠ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٩ ، قرب الاسناد : ١٣٣ / ٤٦٥.

٤٨٣

لكن يمكن الحمل على إرادة الكراهة (١) وإن سلّم الذمي على مسلم فالأحوط الرد بقوله : عليك ، أو بقوله : سلام دون عليك (٢).

______________________________________________________

(١) جمعاً بين ما تقدّم وبين ما هو صريح في الجواز كصحيحة عبد الرّحمن ابن الحجاج قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام أرأيت إن احتجت إلى طبيب وهو نصراني أُسلِّم عليه وأدعو له ، قال : نعم ، إنّه لا ينفعه دعاؤك» (١).

ودعوى أنّ موردها الحاجة فيكون جواز السلام مختصّاً بهذه الصورة مدفوعة بأنّ مورد الحاجة طبّه وهو لا يلازم الضرورة إلى التسليم عليه ، لجواز التحيّة بسائر التحيّات العرفية من الترحيب ونحوه ، فيكون مقتضى الجمع هو حمل ما تقدّم على الكراهة.

(٢) ينبغي التكلّم في جهات :

الاولى : لو سلّم الذمِّي فهل يجب ردّه؟ قد يقال بالعدم ، واختاره في الجواهر (٢) لعدم الدليل عليه ، فانّ النصوص المتعرّضة لردّه ناظرة إلى كيفيّة الرد ، وأنّ من تصدّى للجواب فليقل هكذا ، لا إلى أصل الوجوب ، وإن شئت قلت : إنّها واردة مورد توهّم الحظر ، فلا تدل على أزيد من الرخصة.

ولكنّ الظاهر هو الوجوب ، فانّ النصوص الخاصّة وإن كان الأمر فيها كما ذكر إلّا أنّ الإطلاقات كقوله عليه‌السلام في موثقة السكوني : «السلام تطوّع والرد فريضة» (٣) ، وفي صحيحة عبد الله بن سنان «رد جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام» (٤) غير قاصرة الشمول للكافر ، بل يمكن الاستدلال بإطلاق

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٨٣ / أبواب أحكام العشرة ب ٥٣ ح ١.

(٢) الجواهر ١١ : ١١٦.

(٣) ٤) الوسائل ١٢ : ٥٨ / أبواب أحكام العشرة ب ٣٣ ح ٣ ، ١.

٤٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الآية الشريفة بناءً على أن يكون المراد من التحيّة خصوص السلام لا مطلق التحيّة ، فإنّها حينئذ محمولة على الاستحباب كما تقدّم (١).

الجهة الثانية : هل يجب ردّه في حال الصلاة أيضاً؟ الظاهر عدم الوجوب لاختصاص بعض نصوص الباب بالمسلم كقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم : «إذا سلّم عليك مسلم ...» إلخ (٢). وفي موثقة عمّار : «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين» (٣).

نعم ، الموضوع في سائر النصوص كصحيحة محمّد بن مسلم الأُخرى (٤) وموثقة سماعة (٥) ، وصحيحة منصور (٦) مطلق يشمل المسلم وغيره ، إلّا أنّه لم يكن بدّ من تقييده بالأوّل بقرينة الأمر بالرد بالمثل غير الثابت في حقّ الكافر قطعاً كما ستعرف.

نعم ، الاحتياط بالرد ثمّ الإعادة حسن وفي محلّه.

الجهة الثالثة : في كيفية الرد وقد اختلفت فيه النصوص ، ففي معتبرة زرارة الاقتصار على كلمة «سلام» عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام» (٧) فانّ السند وإن اشتمل على عبد الله بن محمّد الّذي هو ابن عيسى أخو أحمد بن محمّد بن عيسى ولم يوثق في كتب الرِّجال لكنّه موجود في أسناد كامل الزيارات.

وفي صحيحة زرارة الاقتصار على كلمة «عليك» عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : دخل يهودي إلى أن قال ـ : فاذا سلّم عليكم كافر فقولوا

__________________

(١) في ص ٤٧٦.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٥.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٥.

(٤) ، (٥) ، (٦) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٣.

(٧) الوسائل ١٢ : ٧٧ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٢.

٤٨٥

[١٧٣٤] مسألة ٣٣ : المستفاد من بعض الأخبار أنّه يستحب أن يسلِّم الراكب على الماشي ، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال وهم على أصحاب الحمير ، والقائم على الجالس ، والجماعة القليلة على الكثيرة والصغير على الكبير (١). ومن المعلوم أنّ هذا مستحب في مستحب (٢) وإلّا فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضاً.

______________________________________________________

عليك» (١) ، ونحوها موثقة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا سلّم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل عليك» (٢).

ومقتضى الجمع التخيير بين الكلمتين وعدم جواز الجمع بينهما.

(١) الأخبار المشار إليها وإن كانت جملة منها ضعيفة السند ، إلّا أنّ فيها ما يمكن الاعتماد عليه وهو ما رواه الكليني بإسناده عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : القليل يبدؤون الكثير بالسلام ، والراكب يبدأ الماشي وأصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير ، وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال» (٣).

فإنّ عنبسة وصالح بن السندي الواقعين في السند وإن لم يوثقا صريحاً ، لكنّهما موجودان في أسناد كامل الزيارات فتصبح الرواية معتبرة.

(٢) إذ لا مقتضي لتقييد المطلقات في باب المستحبّات ، بل يحمل الأمر بالخصوصية على أفضلية ذي المزيّة والاختلاف في مراتب الفضيلة.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١٢ : ٧٨ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٩ ح ٤ ، ٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٧٤ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٥ ح ٣ ، الكافي ٢ : ٦٤٦ / ٢.

٤٨٦

[١٧٣٥] مسألة ٣٤ : إذا سلّم سخرية أو مزاحاً فالظاهر عدم وجوب ردّه (١).

[١٧٣٦] مسألة ٣٥ : إذا سلّم على أحد شخصين ولم يعلم أنّه أيّهما أراد ، لا يجب الرد على واحد منهما (٢) ، وإن كان الأحوط في غير حال الصلاة الرد من كل منهما (٣).

[١٧٣٧] مسألة ٣٦ : إذا تقارن سلام شخصين كل على الآخر وجب على كل منهما الجواب (٤)

______________________________________________________

(١) لانصراف التحيّة الواجب ردّها عن مفروض المسألة.

(٢) لأصالة البراءة بعد عدم تنجيز العلم الإجمالي في مثل المقام ممّا تعدّد فيه المكلف ، ولم يتوجّه الخطاب نحو شخص واحد كما في واجدي المني في الثوب المشترك ، بل لكل منهما التمسّك بأصالة عدم قصد المسلّم إيّاه ، أو عدم توجّه التكليف بالرد إليه بعد وضوح عدم معارضته باستصحاب عدم قصد الغير ، أو عدم توجّه التكليف إليه ، إذ لا يثبت به قصد نفسه أو توجّه التكليف إليه إلّا على القول بالأصل المثبت.

(٣) وكذا في صلاة لا يحرم قطعها كالنافلة دون الفريضة ، بناءً على حرمة القطع ، لكون المتبع عموم حرمة المنع من الكلام بعد عدم إحراز كون المقام من أفراد المخصص. نعم ، بناءً على جواز القطع فحيث إنّ الأحوط أيضاً تركه كالرد فلا جرم يتزاحم الاحتياطان الاستحبابيان ، أعني الرد وترك القطع ويتقدّم ما هو الأهم. ومن البيِّن أنّه إذا اختار الرد أعاد الصلاة ، لكونه بعد أصالة عدم السلام عليه من الكلام القادح كما عرفت.

(٤) لعموم وجوب الرد بعد عدم كفاية ما صدر في إسقاطه ، لعدم قصد الرد

٤٨٧

ولا يكفي سلامه الأوّل (*) لأنّه لم يقصد الرد بل الابتداء بالسلام.

______________________________________________________

به كما أُفيد في المتن.

ولكنّه منظور فيه ، لتطرّق الخدش في عموم يصلح للاستناد إليه فيما نحن فيه. أمّا الآية الشريفة ، فعمومها وإن كان انحلالياً شاملاً للمقام إلّا أنّه مبني على أن يكون المراد من التحيّة خصوص السلام ، ليكون الأمر بالرد على سبيل الوجوب ، وهو قابل للمنع لجواز أن يراد بها مطلق التحيّة المستلزم لحمل الأمر حينئذ على الاستحباب كما تقدّم نفي البُعد عنه (١).

وأمّا الروايات فطائفة منها (٢) وردت لبيان كيفية الرد من غير تعرّض لأصل الوجوب ليتمسّك بإطلاقه.

وطائفة اخرى : وردت في باب الصلاة ، الأجنبي عمّا نحن فيه ، لعدم إمكان فرض التقارن بين سلام المصليين بعد منع البدأة بالسلام في الصلاة كما هو واضح.

وطائفة ثالثة : وهي العمدة دلّت على وجوب الرد كصحيحة عبد الله بن سنان (٣) وموثقة السكوني (٤).

ولكن دعوى انصرافها عن صورة التقارن غير بعيدة ، نظراً إلى أنّ المنساق منها أنّ السلام تحيّة وإحسان ، ولأجله لا بدّ من تداركه ومثل هذا اللِّسان منصرف إلى صورة التعاقب كما لا يخفى.

__________________

(*) على الأحوط.

(١) راجع ص ٤٧٦ ، ٤٨٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٧٠ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٣.

(٣) ، (٤) الوسائل ١٢ : ٥٧ / أبواب أحكام العشرة ب ٣٣ ح ١ ، ٣.

٤٨٨

[١٧٣٨] مسألة ٣٧ : يجب جواب سلام قارئ التعزية والواعظ ونحوهما من أهل المنبر (١) ، ويكفي رد أحد المستمعين (٢).

[١٧٣٩] مسألة ٣٨ : يستحب الرد بالأحسن (٣) في غير حال الصلاة بأن يقول في جواب «سلام عليكم» : «سلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ، بل يحتمل ذلك فيها أيضاً (٤) وإن كان الأحوط الرد بالمثل (*).

______________________________________________________

إذن فالحكم المذكور في المتن مبني على الاحتياط كما أُشير إليه في تعليقة الأُستاذ (دام ظلّه).

(١) لعموم وجوب الرد بعد وضوح كونه قاصداً للتحيّة كغيره من المسلِّمين.

(٢) لكون وجوب الرد كفائياً كما تقدّم (١).

(٣) لقوله سبحانه (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) (٢).

(٤) لما تقدّم (٣) من أنّ المراد من المماثلة المأمور بها في النصوص التماثل من حيث تأخير الظرف في مقابل تقديمه لا في تمام الجهات ، إذن فلا مانع من تلك الزيادة عملاً بإطلاق الرد بالأحسن.

ويندفع : بأنّ هذا وجيه لولا ما ورد في الأخبار كما مرّ من تعيين الرد في أجوبة خاصّة من قول : السلام عليك أو : سلام عليكم ممّا لا يجوز التخطِّي عنه

__________________

(*) بل الأحوط الاكتفاء في الرد بمجرّد صيغة السلام ولو أضاف المسلّم إلى سلامه كلمة «ورحمة الله» ونحوها.

(١) في ص ٤٨٠.

(٢) النِّساء ٤ : ٨٦.

(٣) في ص ٤٥٩.

٤٨٩

[١٧٤٠] مسألة ٣٩ : يستحب للعاطس ولمن سمع عطسة الغير (١)

______________________________________________________

لاندراجه في كلام الآدمي ، وبذلك يرتكب التقييد في إطلاق دليل الرد بالأحسن ويقيّد بغير حال الصلاة.

وبعبارة اخرى : مقتضى عموم قدح التكلّم في الصلاة عدم جواز الرد إلّا بالمقدار المرخّص فيه وهو ما عرفت ، فتبقى تلك الزيادة مشمولة للعموم.

ومنه تعرف عدم جواز الإتيان بتلك الزيادة حتّى لو اشتمل التسليم عليها فلو أضاف المسلّم كلمة «ورحمة الله» لا يضيفها المجيب ، إذ لا تقتضيها المماثلة بعد ما عرفت المراد منها فتندرج في عموم المنع.

(١) لجملة من الأخبار التي منها معتبرة الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : من عطس ثمّ وضع يده على قصبة أنفه ثمّ قال : الحمد لله ربّ العالمين حمداً كثيراً كما هو أهله وصلّى الله على محمّد النبيّ وآله وسلم خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتّى يصير تحت العرش يستغفر الله إلى يوم القيامة» (١). وفي مرسلة ابن أبي عمير «... إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وأهل بيته ...» إلخ (٢).

وفي رواية أبي أُسامة : «من سمع عطسة فحمد الله (عزّ وجلّ) وصلّى على محمّد وأهل بيته لم يشتك عينه ولا ضرسه ، ثمّ قال : إن سمعتها فقلها وإن كان بينك وبينه البحر» (٣).

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ١٢ : ٩٥ / أبواب أحكام العشرة ب ٦٣ ح ٤ ، ١ ، ٢.

٤٩٠

وإن كان في الصلاة (١) أن يقول : الحمد لله ، أو يقول : الحمد لله وصلّى الله على محمّد وآله ، بعد أن يضع إصبعه على أنفه (٢) وكذا يستحب تسميت العاطس (٣) بأن يقول له : يرحمك الله ، أو يرحمكم الله ، وإن كان في الصلاة (٤)

______________________________________________________

(١) يدل عليه مضافاً إلى الإطلاقات المتقدِّمة بعد وضوح جواز ذكر الله والصلاة على النبيّ في الصلاة بل استحبابه وكونه من الصلاة كما في صحيح الحلبي (١) جملة من النصوص الخاصّة ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا عطس الرجل في صلاته فليحمد الله (عزّ وجلّ) (٢). ورواية أبي بصير قال : «قلت له أسمع العطسة فأحمد الله وأُصلِّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا في الصلاة ، قال : نعم ، وإن كان بينك وبين صاحبك اليم» (٣).

(٢) ظاهره استحباب الوضع المزبور لكل من العاطس والسامع ، مع أنّ معتبرة ابن راشد المتقدِّمة التي هي المستند لهذا الحكم مختصّة بالأوّل ، ولم نعثر على نص يدل عليه في السامع.

(٣) كما نطقت به جملة من النصوص ، بل في بعضها أنّ ذلك من حقّ المسلم على أخيه كما في معتبرة جراح المدائني (٤).

(٤) على المشهور بل لم ينقل الخلاف فيه ، ويستدل له كما في الجواهر (٥) ـ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٧١ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٧٢ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٨ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٨٦ / أبواب أحكام العشرة ب ٥٧ ح ١.

(٥) الجواهر ١١ : ٩٦.

٤٩١

وإن كان الأحوط الترك حينئذ (*) ، ويستحب للعاطس كذلك أن يرد التسميت بقوله : يغفر الله لكم.

______________________________________________________

بأنّ التسميت دعاء للعاطس ، وحيث أنّه سائغ في الصلاة فلا قصور في شمول الإطلاقات له.

ولكنّه غير واضح ، لما تقدّم (١) من أنّ المستثنى هو عنوان المناجاة مع الرب لا الدُّعاء بما هو دعاء ، ولا ريب في عدم صدقه على التسميت فإنّه تخاطب مع المخلوق لا تناجٍ مع الخالق ، فيشمله حينئذ عموم قدح التكلّم المستوجب لبطلان الصلاة.

وعليه فان بنينا على عدم حرمة القطع مطلقاً ، أو كانت الصلاة نافلة فلا محذور في شمول الإطلاقات فيسمت ويعيد الصلاة ولا شي‌ء عليه.

وأمّا إذا بنينا على الحرمة كما هو المشهور ، فان قلنا بأنّ مركز التحريم ومصبّه هو نفس القطع لا سببه من التكلّم والقهقهة ونحوهما من موجبات القطع ، وأنّ هذه الأسباب لا حرمة لها في حد ذاتها ، اندرج المقام حينئذ في باب التزاحم إذ لا تعارض ولا تضاد في مقام الجعل بين استحباب التسميت وبين حرمة القطع بعد أن كان موضوع كل منهما مغايراً مع الآخر ، غاية الأمر أنّ المصلِّي لا يستطيع الجمع بين ترك المحرّم وامتثال المستحب ، ومن البيِّن جدّاً أنّه كلّما دار الأمر بينهما قدّم الأوّل ، ضرورة أنّ ما فيه الإلزام لا يزاحمه ما لا إلزام فيه.

وأمّا إذا قلنا بأنّ متعلّق التحريم إنّما هو ذات الأسباب دون القطع المسبّب

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(١) في ص ٤٥٠.

٤٩٢

السادس : تعمد القهقهة (١)

______________________________________________________

عنها كما قد يقتضيه ما ورد من أنّ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ، حيث يستظهر منه أنّ التكبيرة توجب حرمة المنافيات بأنفسها من التكلّم والقهقهة ونحوهما ، فيندرج المقام حينئذ في باب التعارض ، حيث إنّ التسميت مستحب بمقتضى الإطلاقات ، وحرام أيضاً ، لكونه مصداقاً للتكلّم.

وبعبارة أُخرى : إطلاق دليل استحباب التسميت يشمل حال الصلاة ، كما أنّ إطلاق ما دلّ على حرمة التكلّم في الأثناء يشمل التسميت ، فلا جرم تقع المعارضة بين الإطلاقين بالعموم من وجه.

إلّا أنّه لا ينبغي التردّد في لزوم تقديم الثاني وتحكيمه ، فان مورد الاستحباب إنّما هو ذات التسميت بعنوانه الأوّلي ، ولا ينافي ذلك تحريمه بالعنواني الثانوي وهو كونه موجباً لقطع الفريضة ، نظير ما ورد من استحباب أكل الرمان يوم الجمعة ، فإنّه لا ينافي تحريمه بالعنوان الثانوي من الغصب أو منع الوالد ونحوهما. ومنه تعرف عدم جواز ردّ التسميت للمصلِّي.

وعلى الجملة : فالتسليم والترحيب والتسميت وردّه كل ذلك أُمور مستحبّة في حد أنفسها ، ولكنّها تحرم لدى عروض عنوان ثانوي ، ولا يرى العرف تنافياً بينهما بوجه.

(١) هذا الحكم في الجملة ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد نطقت به جملة من الأخبار التي منها صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة» (١).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٥٠ / أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ١.

٤٩٣

ولو اضطراراً (١) ، وهي : الضحك المشتمل على الصوت والمد والترجيع ، بل مطلق الصوت على الأحوط (*) ، ولا بأس بالتبسّم ، ولا بالقهقهة سهواً.

______________________________________________________

وموثقة سماعة قال : «سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال : أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة ، وأمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة» (١).

كما لا إشكال أيضاً في اختصاص البطلان بصورة العمد فلا بطلان مع السهو لا لقصور في إطلاق النصوص كما يظهر من المحقِّق الهمداني (٢) (قدس سره) ، بل لحديث لا تعاد ، وإنّما الإشكال في موردين :

(١) أحدهما : ما لو اضطرّ إلى القهقهة ، فالمشهور هو البطلان أيضاً ، خلافاً لما نسب إلى الأردبيلي (قدس سره) (٣) من إلحاقه بالسهو ، لحديث رفع الاضطرار الموجب لارتفاع المبطلية في هذه الصورة.

والصواب ما عليه المشهور ، بل لا ينبغي التأمّل فيه ، لعدم صلاحيّة الحديث لإثبات الصحّة وإلّا لحكم بها في من اضطرّ أو أُكره على التكلّم في أثناء الصلاة وهو كما ترى.

والسر ما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من اختصاص مورد الحديث بما إذا تعلّق الاضطرار أو الإكراه بنفس المأمور به لا بفرد من أفراده ومن البيِّن أنّ المأمور به في أمثال المقام إنّما هو الطبيعي الجامع المحدود ما بين الحدّين ، والّذي تعلّق به الاضطرار أو الإكراه إنّما هو فرد من أفراده ، فما هو

__________________

(*) ولكن عدم البطلان بما يشتمل على مجرّد الصوت أظهر.

(١) الوسائل ٧ : ٢٥٠ / أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ٢.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤١٠ السطر ٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٦٨.

٤٩٤

نعم ، الضحك المشتمل على الصوت تقديراً كما لو امتلأ جوفه ضحكاً (١) واحمرّ وجهه لكن منع نفسه من إظهار الصوت ، حكمه حكم القهقهة (*).

______________________________________________________

المأمور به لم يتعلّقا به ، وما تعلّقا به لم يكن مأموراً به بعد تمكنه من الإتيان بفرد آخر غير مقرون بهذا المانع ، فلأجله لا يشمل الحديث أمثال هذه الموارد.

على أنّ القهقهة الحاصلة حالة الصلاة تنشأ عن الاضطرار غالباً ، حيث يرى المصلِّي ما يوجب تعجّبه فيضحك من غير اختيار ، فالتخصيص بالاختياري حمل للمطلق على الفرد النادر الّذي فيه من البشاعة ما لا يخفى. نعم ، مقدّماته لعلّها اختيارية غالباً ، فله أن لا يصلِّي في المجلس الّذي تُذكر فيه القصص المضحكة أو أن لا ينصت إليها ، وأمّا بعد حصول المقدّمات فالقهقهة قهرية وخارجة عن الاختيار.

(١) ثانيهما : في المتوسط ما بين القهقهة والتبسّم كمن امتلأ جوفه ضحكاً مع احمرار وجهه وامتناعه من إظهار الصوت ، فإنّ الأوّل مبطل قطعاً ، كما أنّ الثاني غير مبطل جزماً ، إمّا لأنّه ليس من الضحك أو أنّه ضحك غير مبطل بصريح النصوص المتقدِّمة.

وأمّا الحدّ المتوسط فقد حكم بمبطليّته جماعة منهم صاحب الجواهر (١) واختاره في المتن ، وهو مبني على أمرين :

الأوّل : دخوله في مفهوم الضحك عرفاً.

الثاني : أنّ الضحك مطلقاً ما عدا التبسّم مبطل للصلاة كما قد يستظهر ذلك من موثقة سماعة المتقدِّمة المفصّلة بين التبسّم والقهقهة جواباً عن سؤال مبطلية

__________________

(*) على إشكال ، وعدم البطلان أظهر.

(١) الجواهر ١١ : ٥٥.

٤٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الضحك ، حيث يعرف من ذلك مبطلية ما عدا التبسّم من مصاديق الضحك وحيث إنّ الحد المتوسط المزبور لا يصدق عليه التبسّم بالضرورة فلا جرم يكون محكوماً بالبطلان.

وغير خفي أنّ كلا من الأمرين قابل للمناقشة.

أمّا الأوّل : فلمنع صدق الضحك عليه أيضاً ، غايته وجود مقتضيه فيه لا أنّه ضاحك بالفعل ، وهذا كدافع الأخبثين فانّ المدافعة تكشف عن تمامية الاقتضاء لخروج الخبث مع عدم صدق المحدث عليه ما لم يخرج بالضرورة. فكما لا يصدق المحدث قبل خروج الناقض فكذلك لا يصدق الضاحك قبل خروج الصوت. فامتلاء الجوف من الضحك كامتلائه من الأخبثين لا أثر له.

وأمّا الثاني : فلا نسلِّم المبطلية لكل ضحك لو سلّم صدق الضحك في المقام لعدم الدليل عليه ، فانّ الّذي تعرّضت له الموثقة هو مبطلية القهقهة وعدم مبطلية التبسّم من غير تعرّض للحد المتوسط بينهما الّذي هو خارج عن كل منهما موضوعاً ولعلّه لندرته ، وحينئذ فكما يحتمل إلحاقه حكماً بالأوّل يحتمل إلحاقه بالثاني من غير ترجيح لأحدهما على الآخر.

ونظير المقام ما ورد في غسل ما أُصيب بالبول في صحيحة محمّد بن مسلم من قوله عليه‌السلام : «اغسله في المركن مرّتين فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (١) حيث لم تتعرّض لحكم الغسل في الكر بعد وضوح خروجه عن موضوع القليل والجاري ، فإنّه كما يحتمل إلحاقه حكماً بالأوّل يحتمل إلحاقه بالثاني.

بل إنّ مقتضى الجمود على ظاهر النص الّذي علّق فيه البطلان على عنوان القهقهة اختصاصه بها وعدم ثبوته في غيرها ، بعد وضوح عدم اندراج هذا القسم من الضحك فيها.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٩٧ / أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

٤٩٦

السابع : تعمّد البكاء (*) (١) المشتمل على الصوت ،

______________________________________________________

ومنه تعرف حكم الضحك المشتمل على مجرّد الصوت من غير مد وترجيع فإنّه كما يمكن دخوله في حكم القهقهة وإن خرج عنها موضوعاً لعدم التقهقه فيه ، كذلك يمكن دخوله في حكم التبسّم وإن خرج عن موضوعه ، لاختصاصه بما لا صوت فيه ، ولكنّ المبطل لمّا كان عنوان القهقهة فمقتضى الجمود على النص الاقتصار عليه.

وممّا يدل على الاختصاص المزبور : صحيحة ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول : «إنّ التبسّم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء إنّما يقطع الضحك الّذي فيه القهقهة» (١).

إذن فالضحك المشتمل على الصوت من دون القهقهة أو على الصوت التقديري لا دليل على مبطليّته وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

ثمّ إنّ هذه الرواية لا ينبغي التأمّل في صحّتها ، إذ الرهط الّذين يروي عنهم ابن أبي عمير لا يروون إلّا عن الإمام ، ولأجله كان مرجع الضمير في قوله «سمعوه» هو المعصوم عليه‌السلام ، ولا شبهة في اشتمال الرهط على من يعتمد عليه.

(١) على المشهور بل عن المدارك (٢) دعوى الإجماع عليه.

ويستدل له تارة : برواية أبي حنيفة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال : إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الوسائل ٧ : ٢٥٠ / أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ٣.

(٢) المدارك ٣ : ٤٦٦.

٤٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة» (١).

وأُخرى : بمرسلة الصدوق قال : «وروى أنّ البكاء على الميت يقطع الصلاة والبكاء لذكر الجنّة والنّار من أفضل الأعمال في الصلاة» (٢). ولا يبعد أن تشير المرسلة إلى الرواية الأُولى لاتِّحاد مضمونهما.

وعلى أيّ حال فلا عبرة بها حتّى لو كانت رواية مستقلّة لمكان الإرسال والمستند إنّما هي الرواية الأُولى ، غير أنّها ضعيفة السند ، لمكان أبي حنيفة المعلوم حاله. على أنّ الراوي عنه وهو النعمان بن عبد السلام لم تثبت وثاقته.

ودعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور ممنوعة صغرى وكبرى. أمّا الثانية فواضحة ، وأمّا الاولى فلأن هذه الشهرة على ما يظهر من الحدائق (٣) إنّما حصلت بعد زمن الشيخ للتبعية له في فتاواه ومن ثمّ سموا بالمقلدة ، والشهرة الجابرة هي الحاصلة بين القدماء لا المتأخِّرين. وعلى الجملة : فلا نص يعوّل عليه لإثبات البطلان.

وأمّا الاستدلال له بكونه من الفعل الكثير فهو كما ترى ، لعدم الملازمة بينهما ، ومع حصوله فالبطلان لأجله لا لأجل البكاء بعنوانه كما هو المدّعى. فلم ينهض دليل على البطلان ، ومن ثمّ استشكل فيه المحقِّق الأردبيلي (٤) ، وتبعه صاحب المدارك (٥). إذن فالحكم مبني على الاحتياط.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٤٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٤٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٤١.

(٣) الحدائق ٩ : ٥٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٧٣.

(٥) المدارك ٣ : ٤٦٦.

٤٩٨

بل وغير المشتمل عليه على الأحوط (١)

______________________________________________________

(١) قد عرفت انحصار المستند في رواية أبي حنيفة الضعيفة ، وعليه فان لم نقل بالانجبار كما هو المختار فلا دليل على البطلان حتّى في المشتمل على الصوت فضلاً عن غير المشتمل.

وإن قلنا به كما عليه المشهور فالوارد في الخبر كلمة «البكاء» ممدودة والمعروف عند أهل اللّغة (١) أنّها اسم للصوت مع الدمع ، في قبال المقصورة التي هي اسم للدمع بلا صوت. وعليه فيختص البطلان بما اشتمل على الصوت.

ودعوى عدم ثبوت كون المذكور في الخبر هو الممدود ، كدعوى عدم ثبوت ما هو المنقول عن اللّغة وجواز كون الكلمة اسماً لمطلق الدمع وإن خلت عن الصوت مدفوعة : أمّا الأُولى ، فباطباق النسخ الصحيحة على ضبط الكلمة ممدودة. على أنّ مجرّد الاحتمال كاف في لزوم الاقتصار على المقدار المتيقن والرجوع فيما عداه وهو الخالي عن الصوت إلى أصالة البراءة.

ومنه تعرف ما في الدعوى الثانية ، إذ غايتها أن يكون من إجمال المفهوم ودورانه بين الأقل والأكثر الّذي مقتضاه أيضاً لزوم الاقتصار على المقدار المتيقن.

وأمّا ما يظهر من الحدائق (٢) من أنّ البحث عن اللّغة أو عن كيفية ضبط الكلمة قليل الجدوى ، إذ المذكور في الخبر كلمة «بكى» بصيغة الماضي وهي مشتقّة من الجامع بين الممدود والمقصور على ما هو الصواب من أنّ الأفعال مشتقّة ممّا تشتق منه المصادر لا من نفس المصادر ، فهي صادقة عليهما وشاملة لواجد الصوت وفاقده.

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢٢٨٤ ، مجمع البحرين ١ : ٥٩.

(٢) الحدائق ٩ : ٥١.

٤٩٩

لأُمور الدُّنيا (١) وأمّا البكاء للخوف من الله ولأُمور الآخرة فلا بأس به ، بل هو من أفضل الأعمال (٢) والظاهر أنّ البكاء اضطراراً أيضاً مبطل (٣) ، نعم لا بأس به إذا كان سهواً (٤)

______________________________________________________

فيندفع : بأنّ المذكور في كلام الإمام عليه‌السلام وإن كان كذلك ، إلّا أنّ السؤال لمّا كان عن حكم المصدر فلا جرم كان الإطلاق منزّلاً على ما في كلام السائل ، رعاية لتطابق الجواب مع السؤال. ومعه لا مجال للتمسّك بالإطلاق بعد الاقتران بما يصلح للقرينية.

فالمتحصِّل : أنّه لا سبيل إلى إثبات المبطلية لغير المشتمل على الصوت بهذا الخبر ، ومقتضى الأصل البراءة عنها.

(١) فان مورد النص وإن كان هو البكاء لذكر الميّت ، لكن الظاهر بقرينة المقابلة مع ذكر الجنّة والنّار أنّ المراد به كل ما يتعلّق بأُمور الدُّنيا من زوال نعمة أو الوقوع في نقمة ، وتخصيصه بالذكر إنّما هو من باب المثال.

(٢) لجملة من الأخبار التي منها ما رواه الصدوق بإسناده عن منصور بن يونس بُزُرج «أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتّى يبكي ، فقال : قرّة عين والله ، وقال : إذا كان ذلك فاذكرني عنده» (١).

(٣) لإطلاق النص بعد عدم صلوح حديث رفع الاضطرار لإثبات الصحّة كما تقدّم (٢) في نظائر المقام من القهقهة ونحوها. نعم ، لا شبهة في ارتفاع الحرمة التكليفية على القول بحرمة قطع الفريضة.

(٤) لا لحديث الرفع لما عرفت آنفاً ، بل لحديث لا تعاد.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٤٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٤٠.

(٢) في ص ٤٩٤.

٥٠٠