موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

نعم ، لو قصد القرآنية في الجواب فلا بأس بعدم المماثلة (١).

[١٧١٩] مسألة ١٨ : لو قال المسلّم : عليكم السلام ، فالأحوط (*) في الجواب أن يقول : سلام عليكم بقصد القرآنية ، أو بقصد الدُّعاء (٢).

______________________________________________________

(١) لوضوح انصراف أدلّة الاعتبار إلى الجواب الصادر بعنوان ردّ التحيّة.

(٢) قال في الحدائق : إنّ صيغة عليكم السلام بتقديم الظرف ليست من صيغ الابتداء بالسلام ، وإنّما هي من صيغ الرد انتهى (١). ومقتضاه عدم وجوب ردّه بل لو ردّ المصلِّي بطلت صلاته لكونه من كلام الآدميين.

وفيه : ما لا يخفى ، إذ لا وجه له بعد إطلاق الكتاب والسنّة ، فانّ التحيّة في قوله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) ... (٢) إلخ ، والسلام في موثقتي السكوني وعمّار ابن موسى المتقدِّمتين (٣) في المسألة السادسة عشرة مطلق يشمل مثل هذه الصيغة أيضاً ، ومجرّد قيام التعارف الخارجي على عدمها لا يستوجب انصراف الإطلاق عنها كما لا يخفى.

على أنّ خروجها عن المتعارف ممنوع ، فقد ورد الأمر بها في موثقة عمّار الساباطي «أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن النِّساء كيف يسلّمن إذا دخلن على القوم؟ قال : المرأة تقول : عليكم السلام والرجل يقول : السلام عليكم» (٤) فانّ من الواضح عدم اختلاف مفهوم السلام في المرأة عنه في الرجل وإن

__________________

(*) في كونه أحوط نظر ظاهر ، والظاهر جواز ردّه بأيّ صيغة كانت.

(١) الحدائق ٩ : ٧٤.

(٢) النِّساء ٤ : ٨٦.

(٣) في ص ٤٥٤ ، ٤٥٥.

(٤) الوسائل ١٢ : ٦٦ / أبواب أحكام العشرة ب ٣٩ ح ٣.

٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

اختلفت الكيفية بموجب هذه الرواية.

نعم ، إنّ تلك الصيغة قليلة بالإضافة إلى بقيّة الصيغ الأربع ، وهي سلام عليكم والسلام عليكم ، وسلام عليك ، والسلام عليك ، لكن القلّة لا تستوجب الخروج عن المتعارف.

وأمّا النبوي : «لا تقل عليك السلام فانّ عليك السلام تحيّة الموتى ، إذا سلّمت فقل : سلام عليك ، فيقول الراد عليك السلام» (١) فهو لضعف سنده لا يعوّل عليه.

إذن فلا ينبغي التأمّل في تحقّق التحيّة بتلك الصيغة أيضاً ووجوب ردّها وحينئذ فان كان الرد في غير حال الصلاة فيردّها كيف ما شاء.

وأمّا إذا كان في الصلاة ففيه إشكال وقد احتاط الماتن باختيار سلام عليكم بقصد القرآنية أو الدُّعاء ، ولكنّه كما ترى ، فانّ الجواب بهذه الصيغة إن كان جائزاً فقد صحّ من غير حاجة إلى القصد المزبور ، وإلّا لم ينفعه هذا القصد لكونه حينئذ مجمعاً للعنوانين ، وقد تقدّم أنّه متى صدق عنوان التكلّم مع الغير حكم بالبطلان ، سواء قارنه عنوان القرآن أم لا ، فكون الأحوط ما ذكره محل نظر بل منع.

والّذي ينبغي أن يقال : إنّ مقتضى إطلاق صحيحتي ابن مسلم (٢) ومنصور ابن حازم (٣) الناطقتين باعتبار المماثلة لزوم كون الجواب بصيغة عليكم السلام ولكنّه معارض بموثقة سماعة المانعة عن ذلك حيث قال عليه‌السلام «ولا يقول وعليكم السلام» (٤) كما أنّ معتبرة ابن مسلم دلّت على لزوم كون الجواب

__________________

(١) كنز العمال ٩ : ١٢٦ / ٢٥٣١٨ ، سنن أبي داود ٤ : ٣٥٣ / ٥٢٠٩.

(٢) ، (٣) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ١ ، ٣.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب القواطع ب ١٦ ح ٢.

٤٦٢

[١٧٢٠] مسألة ١٩ : لو سلّم بالملحون وجب الجواب صحيحاً (*) (١)

______________________________________________________

بصيغة السلام عليك (١).

وبعد سقوط الجميع بالمعارضة فالمرجع إطلاقات الجواب من السنّة والكتاب التي مقتضاها جواز تقديم الظرف وتأخيره.

ومع الغض عن الإطلاق فيرجع إلى أصالة البراءة عن المانعية ، وعليه فله الردّ بأيّ صيغة شاء.

(١) تارة يفرض بلوغ اللحن حدّا لا يصدق معه عنوان التحيّة وإن تخيلها المسلّم ، وأُخرى يفرض الصدق.

فعلى الأوّل : لا يجب الجواب في الصلاة وغيرها لعدم المقتضي ، بل لا يجوز في الصلاة لكونه من كلام الآدمي من غير مسوّغ.

وعلى الثاني : وجب مطلقاً أخذاً بإطلاقات ردّ التحيّة بعد وضوح منع انصرافها عن الملحون بنحو يمنع عن التمسّك بالإطلاق ، وهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

وإنّما الإشكال في أنّه هل يلزم الرد بالصحيح أو أنّه يجزئ الملحون مماثلاً للسلام؟ مقتضى إطلاق الآية هو الثاني ، لصدق ردّ التحيّة المأمور به ، ولكن الماتن تبعاً للجواهر (٢) اعتبر الأوّل ، وهو غير واضح بعد الإطلاق المزبور من غير مقيّد.

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب القواطع ب ١٦ ح ٥.

(٢) الجواهر ١١ : ١٠٧.

٤٦٣

والأحوط قصد الدُّعاء أو القرآن (١).

[١٧٢١] مسألة ٢٠ : لو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً أو نحوه أو امرأة أجنبية أو رجلاً أجنبياً على امرأة تصلِّي ، فلا يبعد بل الأقوى جواز الردّ بعنوان ردّ التحيّة ، لكن الأحوط قصد القرآن أو الدُّعاء (٢).

______________________________________________________

ودعوى أنّ الجواب الملحون كلام آدمي تبطل الصلاة به مدفوعة بعدم المجال لهذه الدعوى بعد فرض كونه مشمولاً للإطلاق ، ولا دليل على أنّ كل كلام ملحون مبطل ، ومن ثمّ ساغ الدُّعاء الملحون والقنوت بالملحون كما تقدّم (١) فليكن السلام الملحون من هذا القبيل. نعم ، تعتبر الصحّة في الأذكار المعدودة من أجزاء الصلاة ، دون ما هو خارج عنها كالموارد المزبورة. إذن فاعتبار الصحّة في الجواب مبني على الاحتياط.

(١) لاحتمال عدم الوجوب ، وقد ظهر ضعفه ممّا مرّ.

(٢) لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الرد فيما إذا كان المسلّم والمسلّم عليه رجلين أو امرأتين أو مختلفين مع كونهما محرمين ، لعدم الدليل على اختصاص الحكم بالمماثل كما هو ظاهر.

وأما لو كان المسلّم صبياً مميِّزاً ، فالظاهر وجوب ردّه أيضاً حتّى في حال الصلاة ، لإطلاقات الأدلّة بعد صدق التحيّة عليه كصدقه على سلام البالغين ، وعدم نهوض أيّ دليل على التقييد بالبلوغ ، عدا ما قد يتخيّل من عدم شرعية عبادات الصبي وأنّها تمرينية فلا موجب للرد.

وهو كما ترى ، إذ مضافاً إلى أنّ الأصح أنّها شرعية كما سبق في محلّه (٢) ، أنّ

__________________

(١) في ص ٣٩١.

(٢) مصباح الفقاهة ٣ : ٢٤١.

٤٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذاك البحث غير مرتبط بالمقام ، ضرورة عدم كون السلام من الأُمور العبادية وإنّما هو تحيّة عرفية ولا مساس لها بالشرعية أو التمرينية ، وحيث إنّ الموضوع لوجوب الرد هو عنوان التحيّة التي لا ينبغي الشك في صدقها على سلام المميِّز كغيره حسبما عرفت ، فلا مناص من الالتزام بالوجوب.

نعم ، لا يجب الردّ في سلام غير المميز ، لعدم صدق عنوان التحيّة عليه بعد أن كان آتياً بمجرّد اللفظ من دون كونه قاصداً للمعنى بمقتضى افتراض عدم التمييز.

وأمّا السلام على الأجنبية ، فبناءً على جواز سماع صوتها لا ينبغي الشك في وجوب الرد عليها للإطلاقات. وأمّا بناءً على عدم الجواز فالظاهر وجوب الرد أيضاً وإن حرم عليها الإسماع ، فتردّ التحيّة إخفاتاً ، والوجه فيه : أنّ الرد شي‌ء وإسماع الصوت شي‌ء آخر ، وحرمة الثاني لا تستلزم سقوط الأوّل. فالمقام نظير من كان عاجزاً عن الإسماع تكويناً لمرض ونحوه ، فكما أنّ العجز التكويني لا يستوجب السقوط فكذلك العجز التشريعي بمناط واحد.

وأمّا عكس ذلك ، أعني سلامها على الرجل الأجنبي ، فقد يقال بعدم وجوب الرد نظراً إلى حرمة التسليم الصادر منها باعتبار حرمة إسماع صوتها للأجنبي ، وحيث إنّ التسليم المحرّم لا يستأهل الجواب فأدلّة الرد منصرفة عنه.

وفيه : بعد تسليم حرمة الإسماع المزبور ، أنّ الحرام لم يكن هو السلام بالذات بل شي‌ء من الخصوصيات المحفوفة به وهو الإسماع ، فنفس التحيّة لا حرمة فيها ، ومن البيِّن أنّ الرد إنّما يكون لها لا للخصوصية المقترنة بها المفروض حرمتها.

على أنّه لا مانع من أن يكون الحرام بالإضافة إلى شخص موضوعاً للوجوب بالإضافة إلى شخص آخر ، فانّ الممنوع إنّما هو اجتماع الحكمين المتضادّين في مورد واحد. إذن فلا محذور في أن يكون التسليم محرّماً على

٤٦٥

[١٧٢٢] مسألة ٢١ : لو سلّم على جماعة منهم المصلِّي فردّ الجواب غيره لم يجز له الردّ ، نعم لو ردّه صبي مميِّز ففي كفايته إشكال ، والأحوط ردّ المصلِّي بقصد القرآن أو الدُّعاء (١).

______________________________________________________

المرأة ، ومع ذلك إذا عصت وسلمت وجب على الرجل ردّه.

ومنه تعرف حكم ما لو كان السلام محرّماً لجهة أُخرى كالرِّياء ، فانّ مقتضى الإطلاقات وجوب ردّه أيضاً فلاحظ.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في أنّ الرد الصادر من واحد من الجماعة يجزئ عن الآخرين وإن كان فيهم المصلِّي ، كما أنّ السلام الصادر من أحدهم يجزئ ويسقط به الاستحباب عن الباقين وقد دلّت على الحكم من الطرفين جملة من الأخبار التي منها :

صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا سلّم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم» (١) ، ولا يبعد شمول إطلاقها للسلام الابتدائي ولردّه معاً ، فيراد الإجزاء عن كل من الاستحباب والوجوب.

ومنها : موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم» (٢) ، وهي صريحة في الإجزاء في كلتا الصورتين.

وتؤيِّدهما : مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا مرّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلِّم واحد منهم ، وإذا سلّم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يردّ واحد منهم» (٣).

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ١٢ : ٧٥ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٦ ح ١ ، ٢ ، ٣.

٤٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما الإشكال في موردين :

أحدهما : ما إذا كان المجيب صبيّاً مميّزاً فهل يكون ذلك مجزئاً عن الباقين؟ استشكل فيه الماتن وذكر أنّ الأحوط أن يردّه المصلِّي بقصد القرآن أو الدُّعاء.

أقول : أمّا الاحتياط المزبور فقد مرّ ضعفه غير مرّة ، حيث عرفت أنّ ضميمة قصد القرآن أو الدُّعاء لا تنفع ، إذ غايته أن يصبح الرد مجمعاً للعنوانين التكلّم مع الغير والقرآن ، والثاني وإن لم يستوجب البطلان لكنّ الأوّل يوجبه ولا يزاحم ما لا اقتضاء فيه ما فيه الاقتضاء.

وأمّا الاستشكال فالظاهر أنّه في محلّه ، إذ الرد الصادر من الصبي غير واجب عليه ، وسقوط الواجب بغير الواجب خلاف الأصل لا يصار إليه من غير دليل ، ولا دليل عليه في البين عدا ما يتوهّم من إطلاق الرد في النصوص المزبورة بدعوى شموله للصادر من البالغ وغيره.

ولكنّه كما ترى ، فانّ توصيف الواحد بكونه منهم أو من القوم ، أو من الجماعة ظاهر في كونه مشاركاً معهم في توجيه الخطاب ، ومن ثمّ كان مجزئاً عنه وعنهم ، وحيث إنّ الصبي لم يخاطب بالرد إذ لم يتعلّق به التكليف فلا جرم كان النص منصرفاً عنه.

ويعضده التعبير بالإجزاء الّذي لا يكون إلّا عن التكليف ، فكأن إجزاءه عن نفس الراد أمر مفروغ عنه ، فأُريد بيان كونه مجزئاً عن القوم أيضاً ، وهذا يستدعي مشاركة الكل في التكليف فلا يشمل الصبي.

والمتحصِّل : أنّ سلام المميّز وإن وجب ردّه ، إلّا أنّ ردّه للسلام لا يسقط التكليف عن الباقين.

ثانيهما : ما لو سلّم على جماعة منهم المصلِّي فهل يجوز له الرد بعد ما تصدّى

٤٦٧

[١٧٢٣] مسألة ٢٢ : إذا قال : سلام بدون عليكم ، وجب الجواب (١) في الصلاة (٢) إمّا بمثله ويقدر : عليكم وإمّا بقوله : سلام عليكم ، والأحوط الجواب كذلك بقصد القرآن أو الدُّعاء.

______________________________________________________

له غيره؟ الظاهر عدم الجواز ، لانصراف الأدلّة إلى الرد الواجب ، وأنّ حيثيّة الاشتغال بالصلاة لا تمنع عن التصدِّي للامتثال ولا تعم مثل المقام ممّا سقط الوجوب بفعل الغير ، فلو فعل أبطل ، لعموم دليل القدح من غير مخصص.

(١) لصدق التحيّة عليه عرفاً ، فتشمله إطلاقات وجوب الرد ، والتشكيك في الصدق فضلاً عن إنكاره كما ترى.

(٢) أما في غير حال الصلاة فله الرد كيف ما شاء كما هو واضح ، وأما في حال الصلاة فهل يعتبر حذف الظرف ويكتفى بتقديره رعاية للمماثلة المأمور بها فيها ، أو أنّه يجوز ذكره فيقول : سلام عليكم؟

يبتني ذلك على أنّ المماثلة المعتبرة هل هي ملحوظة من جميع الجهات وتلزم رعايتها في تمام الخصوصيات حتّى من ناحية الذكر والتقدير ، فلا يجوز الذكر حينئذ بل تبطل الصلاة به ، لكونه من كلام الآدمي من غير مسوّغ حتّى لو قصد به القرآن أو الدُّعاء ، لعدم نفع هذا القصد مع فرض التخاطب مع الغير كما مرّ غير مرّة ، أو أنّها ملحوظة من ناحية تقديم الظرف وتأخيره فحسب فيجوز ، لحصول المماثلة بعد أن كان المقدّر في السلام في قوّة المذكور في الجواب وتأخير الظرف في كليهما.

وهذا هو الصحيح كما يكشف عنه قوله عليه‌السلام في موثقة سماعة «عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة ، قال : يردّ سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم

٤٦٨

[١٧٢٤] مسألة ٢٣ : إذا سلّم مرّات عديدة يكفي في الجواب مرّة (١)

______________________________________________________

السلام» (١) حيث إنّ النظر فيها معطوف على رعاية التقديم والتأخير فقط. على أنّ إطلاقها يشمل ما إذا كان السلام بصيغة سلام فقط كإطلاق التسليم في صحيحة محمّد بن مسلم (٢).

(١) أمّا إذا كان التعدّد بقصد التأكّد فلا ريب في كفاية المرّة ، لعدم المقتضي للزيادة بعد أن لم يكن المقصود من المجموع إلّا تحيّة واحدة.

وأمّا إذا كان بقصد التجدّد والإتيان بتحيّة اخرى مستقلّة ، فالظاهر هو الكفاية أيضاً ، نظراً إلى أنّ المستفاد من الأدلّة وجوب الرد لطبيعي التحيّة الصادق على الواحد والأكثر ، إذ ليس فيها مطلق شمولي يدل على الوجوب لكل فرد من التسليم الصادر قبل الجواب على سبيل الانحلال. فالمقتضي للوجوب لكل فرد قاصر في حدّ نفسه ، هذا أوّلاً.

وثانياً : مع تسليم المقتضي فالمانع موجود وهو روايتان دلّتا على كفاية الواحدة.

إحداهما : ما رواه الصدوق مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام «أنّه قال لرجل من بني سعد إلا أُحدِّثك عنِّي وعن فاطمة إلى أن قال فغدا علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن في لحافنا فقال : السلام عليكم فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثمّ قال : السلام عليكم فسكتنا ، ثمّ قال : السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف وقد كان يفعل ذلك فيسلِّم ثلاثاً فان اذن له وإلّا انصرف ، فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله ادخل فدخل ثمّ ذكر حديث

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب القواطع ب ١٦ ح ٥.

٤٦٩

نعم ، لو أجاب ثمّ سلّم يجب جواب الثاني أيضاً (١).

______________________________________________________

تسبيح فاطمة عند النوم» (١).

ولكنّها مضافاً إلى ضعف السند موهونة باستبعاد ترك الرد منهما عليهما‌السلام جدّا.

والعمدة إنّما هي الرواية الثانية وهي : صحيحة أبان بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام في حديث الدراهم الاثني عشر «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال للجارية : مري بين يدي ودليني على أهلك ، وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى وقف على باب دارهم وقال : السلام عليكم يا أهل الدار فلم يجيبوه ، فأعاد عليهم السلام فلم يجيبوه ، فأعاد السلام فقالوا : وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال : ما لكم تركتم إجابتي في أوّل السلام والثاني؟ قال : يا رسول الله ، سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه ...» إلخ (٢).

وهي ظاهرة الدلالة على كفاية المرة للتحيّات العديدة فليتأمّل.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر أنّه لا مجال للرجوع في المقام إلى أصالة عدم التداخل.

(١) للإطلاقات بعد حدوث موجب جديد للرد وسقوط الموجب الأوّل بالامتثال ، فانّ مقتضاها عدم الفرق بين كون التحيّة الحادثة مسبوقة بتحيّة اخرى مردودة أم لا.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٦٧ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٠ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢١١ / ٩٤٧.

(٢) الوسائل ١٢ : ٦٨ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٠ ح ٢.

٤٧٠

وهكذا ، إلّا إذا خرج عن المتعارف فلا يجب الجواب حينئذ (١).

[١٧٢٥] مسألة ٢٤ : إذا كان المصلِّي بين جماعة فسلّم واحد عليهم وشكّ المصلِّي في أنّ المسلّم قصده أيضاً أم لا ، لا يجوز له الجواب (٢) ، نعم لا بأس به بقصد القرآن أو الدُّعاء (٣).

[١٧٢٦] مسألة ٢٥ : يجب جواب السلام فوراً (٤) فلو أخّر عصياناً أو نسياناً بحيث خرج (*) عن صدق الجواب لم يجب ، وإن كان في الصلاة لم يجز (٥)

______________________________________________________

(١) لعدم صدق التحيّة ، بل هي أشبه بالسخرية ، ومقتضى الأصل البراءة.

(٢) لأصالة عدم قصده وعدم تعلّق السلام به ، فيكون الرد حينئذ من كلام الآدمي غير المقرون بمسوّغ شرعي.

(٣) قد مرّ غير مرّة ما في هذا القصد وأنّه لا ينفع فلاحظ.

(٤) على المشهور ، والوجه فيه أنّ ذلك هو من مقتضيات مفهوم الرد عرفاً لتقوّم ردّ التحيّة بالارتباط بها بحيث يعد جواباً لها ، فلا يصدق مع الفصل المعتد به ، نظير الارتباط المعتبر بين الإيجاب والقبول ، فكما أنّه مع الفصل المخل لا يكون قبولاً للإيجاب ، فكذا في المقام لا يعد ردّاً للسلام ، وإنّما هو تحيّة أُخرى بحيالها ، فالمحافظة على الارتباط تستدعي المبادرة إلى الجواب ومراعاة الفورية بطبيعة الحال وهذا واضح.

(٥) لعدم كونه مصداقاً للرد السائغ حسبما عرفت.

__________________

(*) لعلّه أراد به الخروج عن صدق الردّ الّذي هو متعلّق الوجوب.

٤٧١

وإن شكّ في الخروج عن الصدق وجب (١). وإن كان (*) في الصلاة (٢) لكن الأحوط حينئذ قصد القرآن أو الدُّعاء.

______________________________________________________

(١) استناداً إلى استصحاب بقاء الوقت وعدم الخروج عن صدق الرد.

ولكنّه لا يتمّ سواء أكانت الشبهة مفهومية بأن تردّد الوقت الّذي ينتفي الصدق معه بين الأقل والأكثر ، أم كانت موضوعية بأن علمت الكمِّيّة وأنّها دقيقة واحدة مثلاً وشكّ في انقضائها وعدمه.

أمّا الأوّل : فلما هو المقرّر في محلّه (١) من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية ، لعدم الشك في بقاء شي‌ء أو ارتفاعه ، بل في سعة المفهوم وضيقه وهو خارج عن نطاق الأصل ومفاده ولا يكاد يرتبط به.

وأمّا الثاني : فلأجل أنّ أصالة بقاء الوقت لا يترتّب عليها صدق عنوان الرد الّذي هو الموضوع للحكم إلّا بنحو الأصل المثبت لكونه من لوازمه العقلية فلا يقاس ذلك باستصحاب بقاء النهار لإثبات وجوب الصلاة أو الصِّيام ، لأنّهما مترتِّبان عليه شرعاً ، وأما أصالة بقاء صدق الرد فهو من الاستصحاب التعليقي كما لا يخفى.

إذن فوجوب الرد في المقام مبني على الاحتياط ، ومقتضى الصناعة عدمه.

(٢) قد عرفت الإشكال في الوجوب ، وعليه فمقتضى الاحتياط الرد والإتمام ثمّ إعادة الصلاة ، أمّا الأوّل فلاحتمال وجوبه ، وأمّا الثاني فلاحتمال حرمة القطع. وأمّا الثالث فلاحتمال بطلان الصلاة بكلام الآدمي ، وقد تقدّم غير مرّة أنّ قصد القرآن أو الدُّعاء لا ينفع في حصول الاحتياط.

__________________

(*) فيه إشكال والأحوط الردّ ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٣٢.

٤٧٢

[١٧٢٧] مسألة ٢٦ : يجب إسماع الرد سواء كان في الصلاة أو لا (١).

______________________________________________________

(١) أمّا في غير حال الصلاة فالمعروف هو الوجوب ، بل عن الذخيرة عدم وجدان الخلاف فيه ، ويستدل له تارة برواية عبد الله بن الفضل الهاشمي : «... التسليم علامة الأمن إلى أن قال كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرهم ...» إلخ (١) فإنّ الأمن من الشر منوط بالإسماع.

وأُخرى : برواية ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه ، ولا يقول سلّمت فلم يردّوا عليّ ، ولعلّه يكون قد سلّم ولم يسمعهم ، فاذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه ، ولا يقول المسلّم سلّمت فلم يردّوا عليّ» (٢).

والدلالة واضحة أيضاً كالأُولى ، لكن سنديهما ضعيف. أمّا الأُولى فبعدّة من المجاهيل ، وأمّا الثانية فبسهل بن زياد فلا يمكن التعويل على شي‌ء منهما ، على أنّ لسان التعليل مشعر بابتناء الحكم على الاستحباب وكونه من الآداب.

ولكنّا في غنى عنهما لصحّة مضمونهما ، فانّ السلام الّذي هو تحيّة عرفية متقوّم بإظهار الأمن والتسليم المنوط طبعاً بالإسماع. كما أنّ رد هذه التحيّة متقوّم في مفهومه بالإيصال والإبلاغ ولا يكون إلّا بالإسماع ولو تقديراً ، فلا يصدق عنوان الرد عليه الوارد في موثقة عمّار من دون الإسماع المزبور.

وأمّا في حال الصلاة فقد نسب إلى المحقِّق (٣) عدم وجوب الإسماع ، استناداً

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٨ / أبواب التسليم ب ١ ح ١٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٦٥ / أبواب أحكام العشرة ب ٣٨ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٦٤.

٤٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى بعض النصوص الظاهرة في وجوب الإخفات بعد حملها عليه.

منها : صحيحة منصور بن حازم المتقدِّمة : «إذا سلّم عليك الرجل وأنت تصلِّي ، قال : ترد عليه خفياً» (١). فان ظاهرها وإن كان هو وجوب إخفاء الرد ، لكنّه ترفع عنه اليد بالإجماع القائم على جواز الإسماع ، أو يقال إنّها لمكان ورودها موقع توهّم الحظر وحرمة الرد في الصلاة لا تدل على أكثر من الترخيص في الإخفات.

ومنها : موثقة عمّار بن موسى المتقدِّمة : «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك» (٢).

وظاهرها وإن كان وجوب الإخفاء أيضاً ، لكنّه ترفع اليد عنه للوجهين المزبورين ، كيف وصحيح محمّد بن مسلم المتقدِّم (٣) كالصريح في جواز الإسماع كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم : «إذا سلّم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلّم عليه تقول : السلام عليك وأشر بإصبعك» (٤) بدعوى ظهور قوله : «وأشر ...» إلخ ، في أنّ المفهم للرد إنّما هو الإشارة لا الإسماع.

والجواب : أمّا عن الأخيرة فبمنع الظهور ، لعدم كون المقصود بالإشارة الافهام المزبور لتكون بدلاً عن الإسماع ، وإنّما هي بدل عن الإقبال والالتفات المقرون بهما ردّ التحيّة غالباً ، فلا ينافي ذلك ما تقتضيه الإطلاقات من جواز الإسماع أو وجوبه.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب القواطع ب ١٦ ح ٣.

(٢) ، (٣) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب القواطع ب ١٦ ح ٤ ، ١.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب القواطع ب ١٦ ح ٥.

٤٧٤

إلّا إذا سلّم ومشى سريعاً (*) أو كان المسلّم أصم فيكفي الجواب على المتعارف بحيث لو لم يبعد أو لم يكن أصم كان يسمع (١).

______________________________________________________

وأمّا عن الأوّلتين ، فبما ذكره في الجواهر (١) من الحمل على ما يقابل الجهر العالي والمبالغة في رفع الصوت المتداول في ردود التحيّة لأجل بعد المسلّم ونحوه ، للمنع عن ذلك في الصلاة ، فلا ينافي جواز الإسماع مقتصراً على أدناه بل قد عرفت وجوبه لتقوّم مفهوم الرد به. وربّما يرشد إلى هذا الحمل قوله في الموثقة «ولا ترفع صوتك».

والمتحصّل : أنّه لا فرق في وجوب الإسماع بين حال الصلاة وغيرها لوحدة المناط.

(١) أمّا في المورد الأوّل من الاستثناء : فالظاهر عدم وجوب الجواب من أصله ، لقصور المقتضي ، حيث عرفت أنّ مفهوم ردّ التحيّة متقوّم بالإيصال والإبلاغ المنوطين بالإسماع ، فمع تعذّره لم يجب الرد الفعلي ، والرد التقديري الفرضي بحيث لو لم يسرع لكان يسمع لا دليل عليه. نعم ، لو كان الإسماع بالإضافة إلى الرد من قبيل الواجب في واجب لأمكن القول بعدم سقوط الثاني بتعذّر الأوّل ، ولكنّه كما ترى.

وأمّا في المورد الثاني : فلا يبعد وجوب الرد في الصمم العارض ، إذ لا قصور في شمول الإطلاقات له ، ومجرّد تعذّر الإسماع لا يستوجب سقوط الرد بعد التمكّن من إيصاله إليه بإشارة ونحوها ، فإنّه لا شأن للاسماع ما عدا الإبلاغ والإيصال ، وحيث تعذّر فليكن من سبيل آخر ، وقد عرفت أنّ الإسماع التقديري لا دليل عليه.

__________________

(*) لا يبعد عدم وجوب الجواب في هذه الصورة.

(١) الجواهر ١١ : ١٠٩.

٤٧٥

[١٧٢٨] مسألة ٢٧ : لو كانت التحيّة بغير لفظ السلام كقوله : صبّحك الله بالخير ، أو مسّاك الله بالخير ، لم يجب الردّ وإن كان هو الأحوط (١).

______________________________________________________

نعم ، يشكل الوجوب في الصمم الذاتي ، لاقترانه بالخرس الموجب لعدم صدور التسليم منه إلّا على نحو الإشارة وتحريك اللِّسان ، ولا دليل على وجوب الرد لمثل هذا التسليم فضلاً عن إسماعه. ولم ينهض دليل على قيام إشارته مقام قوله بنطاق عام وإنّما ثبت ذلك في موارد خاصّة كالتشهّد والقراءة ونحوهما من غير قرينة تستوجب التعدِّي عنها.

وعلى تقدير وجوب الرد بدعوى صدق التحيّة على إشارته فلا يجب إلّا بإشارة مثلها دون الجواب اللفظي والإسماع التقديري كما لا يخفى.

(١) يقع الكلام تارة في الرد في غير حال الصلاة ، وأُخرى في حالها.

أمّا في الموضع الأوّل : فقد نسب إلى العلّامة (١) وجوب الرد تمسّكاً بإطلاق ردّ التحيّة ، ولكن المشهور عدمه لعدم الدليل عليه.

وأمّا التحيّة في الآية الشريفة فهي إمّا ظاهرة في خصوص السلام ، كما نصّ عليه جملة من اللغويين (٢) ، أو أنّ المراد بها ذلك كما عن أكثر المفسِّرين (٣).

ومع الغض وتسليم ظهورها في مطلق أنواعها ، فلا ينبغي الشك في عدم وجوب رد غير السلام منها ، كيف ولو كان واجباً مع كثرة الابتلاء بأنواع التحيّات في كل يوم عدّة مرّات لأغلب الناس لاشتهر وبان وشاع وذاع وأصبح

__________________

(١) التذكرة ٣ : ٢٨٣ ، المختلف ٢ : ٢٢٠.

(٢) المصباح المنير : ١٦٠ ، لسان العرب ١٢ : ٢٨٩ ، القاموس المحيط ٤ : ٣٢٢.

(٣) التبيان ٣ : ٢٧٨ ، مجمع البيان ٣ : ١٣٠.

٤٧٦

ولو كان في الصلاة فالأحوط الرد (*) بقصد الدُّعاء (١).

______________________________________________________

من الواضحات ، فكيف لم يقل بوجوبه أحد ما عدا العلّامة ، بل السيرة القطعية قائمة على خلافه ، فلا مناص من حمل الأمر في الآية الشريفة على هذا التقدير على الاستحباب في غير السلام الثابت وجوب ردّه بضرورة الفقه.

وأمّا في الموضع الثاني : فبناءً على عدم وجوب الرد في غير حال الصلاة فالأمر واضح. وأمّا بناءً على الوجوب فكذلك على ما دلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدِّمة (١) حيث تضمّنت سكوته عليه‌السلام حينما قال له ابن مسلم : «كيف أصبحت» إذ لا ريب في كونه نوعاً من التحيّة العرفية فسكوته عليه‌السلام خير دليل على عدم الوجوب.

على أنّا لو بنينا على وجوب الرد فصحّة الصلاة معه لا تخلو عن الاشكال لعدم الدليل على اغتفار ما عدا ردّ السلام من كلام الآدميين ، ومن البيِّن أنّ وجوب التكلّم لا ينافي البطلان كما لو اضطرّ إليه لإنقاذ الغريق مثلاً.

إذن فمقتضى عموم قدح التكلّم في الصلاة هو البطلان وإن بنينا على وجوب الرد.

(١) إن أُريد به قصد الدُّعاء والرد معاً بحيث يكون الجواب مجمعاً للعنوانين فقد تقدّم غير مرّة أنّ هذا الاحتياط غير نافع بل مخالف للاحتياط ، وإن أُريد به قصد الدُّعاء المحض من غير أن يتضمّن المخاطبة مع الغير فلا بأس به ، وقد عرفت عدم وجوب الرد مطلقاً.

__________________

(*) بل الأحوط تركه والأولى أن يدعو له بغير المخاطبة.

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ١.

٤٧٧

[١٧٢٩] مسألة ٢٨ : لو شكّ المصلِّي في أنّ المسلّم سلّم بأيّ صيغة فالأحوط أن يردّ (*) بقوله : سلام عليكم بقصد القرآن أو الدُّعاء (١).

[١٧٣٠] مسألة ٢٩ : يكره السلام على المصلِّي (٢).

______________________________________________________

(١) لا شبهة في كفاية هذا الجواب بناءً على ما هو الصواب من عدم اعتبار المماثلة إلّا من حيث تقديم المبتدأ ، لوقوعه حينئذ جواباً عن كل من الصيغ الأربع المحتمل وقوعها ، بل قد عرفت كفايته حتّى لو تضمّنت الصيغة الواقعة تقديم الظرف وتأخير المبتدأ ، فهذا الرد مجز على جميع التقادير.

وأمّا بناءً على اعتبارها من تمام الجهات حتّى التعريف والتنكير والإفراد والجمع فلا يخلو حينئذ عن الاشكال بعد ما تكرّر غير مرّة من عدم وقع للاحتياط المذكور في المتن ، هذا.

وسبيل الاحتياط هو التنزّل إلى الامتثال الاحتمالي بعد تعذّر التفصيلي فيجيب بإحدى الصيغ برجاء المماثلة ، ثمّ يعيد الصلاة لاحتمال عدمها المترتِّب عليه البطلان حسب الفرض.

بل له قطع الصلاة بعد الجواب المزبور واستئنافها ، نظراً إلى قصور دليل حرمة القطع لو تمّ عن الشمول لمثل المقام فإنّه الإجماع والقدر المتيقن منه غير ما نحن فيه.

(٢) على المشهور ويستدل له بروايتين :

إحداهما : رواية الخصال المتقدِّمة المتضمّنة للنهي عن السلام على المصلِّي معلّلاً بأنّه لا يستطيع الرد (١). ولكنّها ضعيفة السند بمحمّد بن علي ماجيلويه

__________________

(*) والظاهر جواز الرد بكل من الصيغ الأربع المتعارفة.

(١) الوسائل ٧ : ٢٧٠ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ١ ، الخصال : ٤٨٤ / ٥٧.

٤٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

شيخ الصدوق كما تقدّم (١).

ثانيتهما : موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام «قال : كنت أسمع أبي يقول : إذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلّون فلا تُسلِّم عليهم ...» إلخ (٢).

فانّ الرجل موثق على الأظهر ، لظهور التوثيق المذكور في عبارة النجاشي (٣) عند ترجمته في رجوعه إليه لا إلى أخيه الحسن كما لا يخفى. إذن فالرواية معتبرة والتعبير عنها بالخبر المشعر بالضعف في غير محلّه.

غير أنّ بإزائها ما رواه الشهيد في الذكرى قال : روى البزنطي عن الباقر عليه‌السلام «قال : إذا دخلت المسجد والناس يصلّون فسلِّم عليهم ...» إلخ (٤).

ولكنّها ضعيفة السند ، لجهالة طريق الشهيد إلى كتاب البزنطي. مضافاً إلى أنّه من أصحاب الرِّضا عليه‌السلام ولا يمكن روايته عن الباقر عليه‌السلام بلا واسطة ، فالسند مخدوش من وجهين فتوصيفه بالقوّة كما في بعض العبائر غير واضح.

وعليه فتبقى الموثقة بلا معارض ، ومقتضى الجمود على ظاهر النهي الوارد فيها هو الحرمة ، لكنّه محمول على الكراهة ، لكون الجواز من المسلّمات كما تفصح عنه جملة من النصوص.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم قال : «دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك ، فقال : السلام عليك ...» إلخ (٥) ، وفي موثقة

__________________

(١) في ص ٤٥٧.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٧٠ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ٢.

(٣) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٦.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٧١ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ٣ ، الذكرى ٤ : ٢٤.

(٥) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ١.

٤٧٩

[١٧٣١] مسألة ٣٠ : ردّ السلام واجب كفائي (١) فلو كان المسلّم عليهم جماعة يكفي رد أحدهم ، ولكن الظاهر عدم سقوط الاستحباب بالنسبة إلى الباقين (٢) بل الأحوط رد كل من قصد به (٣)

______________________________________________________

سماعة : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قائماً يصلِّي فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه عمّار فردّ عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا» (١).

فان تقرير الباقر عليه‌السلام لفعل ابن مسلم كتقرير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لفعل عمّار خير دليل على الجواز ، فلذلك يحمل النهي المزبور على الكراهة.

(١) بلا خلاف فيه كما عن غير واحد ، بل عن التذكرة (٢) دعوى الإجماع عليه ، وتدل عليه صريحاً موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم» (٣) المؤيّدة بمرسلة ابن بكير (٤).

(٢) لما دلّ على استحباب إفشاء السلام كما سنشير إليه.

(٣) هذا الاحتياط غير ظاهر الوجه بعد صراحة الموثقة في السقوط عن الباقين. نعم ، هو وجيه عند من يستضعف النص لاعتباره عدالة الراوي ، فإنّ غياثاً بتري وليس باثني عشري ، ولكن الماتن يرى ما هو الصواب من حجّية خبر الثقة وإن لم يكن عدلاً. فالاحتياط المزبور كأنه في غير محلّه.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٢) لاحظ التذكرة ٣ : ٢٨١ ، وحكاه عنه في الحدائق ٩ : ٧٥.

(٣) ، (٤) الوسائل ١٢ : ٧٥ / أبواب أحكام العشرة ب ٤٦ ح ٢ ، ٣.

٤٨٠