موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٧٠٢] مسألة ١ : لو تكلّم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأوّل بطلت (١). بخلاف ما لو لم يصل الإشباع إلى حد حصول حرف آخر (٢).

[١٧٠٣] مسألة ٢ : إذا تكلّم بحرفين من غير تركيب ، كأن يقول : (ب ب) مثلاً ، ففي كونه مبطلاً أو لا وجهان ، والأحوط الأوّل (٣).

______________________________________________________

(١) إذ بعد البناء على عدم الفرق في المركّب من حرفين بين المهمل والمستعمل ، لم يكن حينئذ فرق في موجب الحصول بين كونه هو الإشباع أم غيره ، لاتِّحاد المناط.

(٢) بل الأظهر البطلان حتّى في هذه الصورة ، لما عرفت من كفاية التكلّم ولو بحرف واحد.

(٣) لا وجه لهذا الاحتياط بعد البناء على اعتبار الحرفين في المبطلية ضرورة عدم صدق التكلّم بما تركّب من حرفين في مفروض المسألة بعد عدم تحقّق التركيب بينهما ، غايته أنّه كرّر الحرف الواحد وهو بمجرّده لا يستوجب التركيب ولا صدق الكلام عليه. فلا ضير فيه وإن تحقّق عدّة مرّات ما لم يستوجب البطلان من ناحية أُخرى ككونه ماحياً للصورة.

نعم ، لو فرض الوصل بينهما على نحو تضمّن التركيب وعدّا عرفاً كلاماً واحداً بطل ، إذ لا يعتبر في هذا الصدق كون الحرفين من جنسين بل يكفي ولو كانا من جنس واحد.

هذا على مبناه (قدس سره) ، وأمّا على المختار من كفاية الحرف الواحد فالمتعيِّن هو البطلان مطلقاً.

٤٤١

[١٧٠٤] مسألة ٣ : إذا تكلّم بحرف واحد غير مفهم للمعنى لكن وصله بإحدى كلمات القراءة أو الأذكار ، أبطل من حيث إفساد تلك الكلمة (١) إذا خرجت تلك الكلمة عن حقيقتها.

[١٧٠٥] مسألة ٤ : لا تبطل بمدّ حرف المدّ واللين وإن زاد فيه بمقدار حرف آخر ، فإنّه محسوب حرفاً واحدا (٢).

[١٧٠٦] مسألة ٥ : الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني (٣) مثل (ل) حيث إنّه لمعنى التعليل أو التمليك أو نحوهما ، وكذا مثل (و) حيث يفيد معنى العطف ، أو القسم ، ومثل (ب) فإنّه حرف جر وله معان ، وإن كان الأحوط البطلان مع قصد هذه المعاني ، وفرق واضح بينها وبين حروف المباني.

______________________________________________________

(١) لكونها من الزيادة القادحة والكلام العمدي ، وأمّا على المختار من كفاية الحرف الواحد في الإبطال فالأمر أوضح.

(٢) لوضوح عدم كون المد بنفسه حرفاً ولا حركة.

(٣) فانّ هذه الحروف وإن افترقت عن حروف المباني في كونها موضوعة لمعنى ما ، إلّا أنّ ذلك المعنى لما كان من المعاني الحرفية التي هي غير مستقلّة ولا تفيد إلّا لدى الانضمام مع الغير فلا جرم كانت عند الانفراد من مصاديق المهمل وبذلك تفترق عن مثل الأمر من (وعى) أو (وقى) لكونها مفيدة للمعنى باستقلالها بل عرفت أنّها لدى التحليل مركّبة من حروف ثلاثة ، لكون موضوع المركب أعم من المذكور والمقدّر كما تقدّم. هذا كلّه بناءً على اختصاص المبطل بما تركّب من حرفين. وأمّا على المختار من كفاية الحرف الواحد فالأمر واضح.

٤٤٢

[١٧٠٧] مسألة ٦ : لا تبطل بصوت التنحنح ، ولا بصوت النفخ والأنين والتأوّه ، ونحوها (١) نعم ، تبطل بحكاية أسماء هذه الأصوات مثل أح ، ويف وأوه.

[١٧٠٨] مسألة ٧ : إذا قال : آه من ذنوبي ، أو آه من نار جهنّم ، لا تبطل الصلاة قطعاً ، إذا كان في ضمن دعاء أو مناجاة (٢)

______________________________________________________

(١) فانّ المبطل هو الصوت المختص صدوره بالإنسان المعبّر عنه بالتكلّم أو الكلام غير الصادق على شي‌ء من المذكورات في المتن ونحوها ممّا يتّفق صدوره من بعض الحيوانات أيضاً ، فإنّها ليست من التكلّم في شي‌ء إلّا إذا تشكّل منها حرف أو حرفان على المسلكين المتقدِّمين ، فيتّجه البطلان حينئذ لهذه الجهة.

نعم ، ظاهر معتبرة طلحة بن زيد المتقدِّمة : «مَن أنّ في صلاته فقد تكلّم» (١) هو البطلان بالأنين ، بناءً على أن يكون المراد أنّه في حكم التكلّم في اعتبار الشرع وإن لم يكن منه حقيقة ، فيكون تصرّفاً في عقد الحمل على سبيل التجوّز في الإسناد.

ولكنّه ليس بأولى من التصرّف في عقد الوضع ، بأن يقيّد الأنين بما اشتمل على التكلّم كما لعلّه الغالب ولو مهملاً ، فغايته أن تكون المعتبرة مجملة لو لم يكن المتعيِّن هو الثاني ، إذ مضافاً إلى أنّ التقييد أهون من التجوز المزبور كما لا يخفى ، لم يلتزم أحد من الفقهاء فيما نعلم بمبطلية الأنين المجرّد.

(٢) لكونه معدوداً حينئذ من أجزائهما ، وشي‌ء منهما لا يوجب البطلان كما سيجي‌ء.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٤.

٤٤٣

وأمّا إذا قال : آه ، من غير ذكر المتعلِّق ، فان قدّره فكذلك (١) وإلّا فالأحوط اجتنابه ، وإن كان الأقوى عدم البطلان إذا كان في مقام الخوف من الله (٢).

[١٧٠٩] مسألة ٨ : لا فرق في البطلان بالتكلّم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا ، وكذا لا فرق بين أن يكون مضطرّاً في التكلّم أو مختاراً (٣).

______________________________________________________

(١) إذ المقدر المنوي في حكم المذكور فكأنه قال : آه من نار جهنم ، الّذي عرفت عدم البأس به ، بل الأمر كذلك وإن لم ينو شيئاً تفصيلاً ، بل قصد الشكاية إليه تعالى إجمالاً ، لكونه معدوداً من المناجاة معه تعالى التي لا ضير فيها كما عرفت.

(٢) فكان متعلّقه أمراً أُخروياً ، بل لا يبعد الجواز حتّى إذا كان أمراً دنيوياً كالخوف من عدوّ أو مرض أو دين ونحوها ، إذ الملاك في الجواز عنوان المناجاة التي حقيقتها التكلّم مع الله سبحانه الصادق على الكل بمناط واحد.

(٣) لإطلاق الدليل فيه وفيما قبله. نعم ، ربّما يتمسّك للتصحيح في مورد الاضطرار أو الإكراه بحديث الرفع الجاري فيهما ، بدعوى أنّ مفاده عدم قاطعية التكلّم الناشئ عنهما وكأنّه لم يكن.

ويندفع أوّلاً : بما هو المقرّر في محلّه (١) من اختصاص الحديث بالأحكام المجعولة مستقلا من التكليفية أو الوضعية ، فالبيع الصادر عن إكراه كأنه لم يكن ، وكذا شرب الخمر الصادر عن اضطرار ، ولا يجري في باب المركبات الارتباطية من الجزئية أو الشرطية أو المانعية ، لعدم كونها مجعولة إلّا بتبع منشأ انتزاعها ، فلا يتعلّق الرفع بها مستقلا لينتج الأمر بالباقي وتصحيحه.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٥ ، الأمر الثالث.

٤٤٤

نعم ، التكلّم سهواً ليس مبطلاً (١) ولو بتخيّل الفراغ من الصلاة.

[١٧١٠] مسألة ٩ : لا بأس بالذكر والدُّعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرّم (٢)

______________________________________________________

وثانياً : أنّ مورد الاضطرار أو الإكراه في محلّ الكلام إنّما هو فرد من الأفراد لا نفس الطبيعة المأمور بها ، فالمكره عليه غير مأمور به ، كما أنّ المأمور به غير مكره عليه ، ومن البيِّن أنّ الرفع لا يتعلّق إلّا بما تعلّق به الوضع.

نعم ، لو كان الإكراه أو الاضطرار مستوعباً لتمام الوقت شمله الحديث ومقتضاه سقوط الأمر بالصلاة حينئذ رأساً لولا انكشاف تعلّق الأمر بالباقي ممّا دلّ على عدم سقوط الصلاة بحال. وتمام الكلام في محلّه.

(١) لا لحديث الرفع لما مرّ آنفاً ، بل لاختصاص المبطل بالكلام العمدي فالمقتضي قاصر. مضافاً إلى النصوص الخاصّة الناطقة بالصحّة لدى السهو كما مرّت الإشارة إليها (١) ويأتي تفصيلها في مباحث الخلل إن شاء الله تعالى.

(٢) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، ويدلّنا عليه مضافاً إلى انصراف نصوص المنع إلى ما كان من سنخ كلام الآدميين غير الصادق على مثل القرآن والذكر والدُّعاء ممّا كان التخاطب فيه مع الله تعالى ، بل قد قيّد التكلّم به في بعض النصوص المتقدِّمة ، كيف وأقوال الصلاة مؤلفة من هذه الأُمور فكيف يشملها دليل المنع ولا يكون منصرفاً عنها جملة من النصوص الدالّة على الجواز ، وأنّه كل ما ناجيت به ربّك فهو من الصلاة ، التي منها صحيحة علي بن مهزيار قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربّه ، قال : نعم» (٢). وصحيحة الحلبي قال «قال أبو عبد الله

__________________

(١) في ص ٤٣٨.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٣ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ١.

٤٤٥

وكذا بقراءة القرآن (١) غير ما يوجب السجود (٢) ، وأمّا الدُّعاء بالمحرّم كالدُّعاء على مؤمن ظلماً فلا يجوز بل هو مبطل للصلاة (*) (٣)

______________________________________________________

عليه‌السلام : كل ما ذكرت الله (عزّ وجلّ) به والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو من الصلاة» (١).

(١) لم نعثر على نص فيه ما عدا صحيحة معاوية بن وهب (٢) المتضمِّنة لقراءة أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلاة الصبح قوله تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (٣) في جواب ابن الكوّاء حينما قرأ (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤).

وكيف ما كان ، فيكفينا الانصراف المتقدِّم آنفاً. وأمّا ما في بعض النصوص (٥) من النهي عن القراءة في الركوع أو في السجود فهو محمول على الكراهة.

(٢) كما تقدّم (٦) في مبحث القراءة عند التكلّم عن قراءة العزائم في الفريضة.

(٣) يظهر حال المقام ممّا قدّمناه في القنوت (٧) ، وملخصه : أنّا تارة نبني على

س__________________

(١) في إبطاله إشكال بل منع.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٣ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٦٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ٢.

(٤) الرُّوم ٣٠ : ٦٠.

(٥) الزُّمر ٣٩ : ٦٥.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٠٨ / أبواب الركوع ب ٨.

(٧) شرح العروة ١٤ : ٣٠٥.

(٨) في ص ٣٩٣.

٤٤٦

وإن كان جاهلاً بحرمته (١) ، نعم لا يبطل مع الجهل بالموضوع كما إذا اعتقده كافراً فدعا عليه فبان أنّه مسلم.

[١٧١١] مسألة ١٠ : لا بأس بالذكر والدُّعاء بغير العربي أيضاً ، وإن كان الأحوط العربية (٢).

______________________________________________________

أنّ الكلام المأخوذ موضوعاً للبطلان يراد به مطلق الكلام وقد خرج منه الذكر والدُّعاء والقرآن تخصيصاً.

واخرى : نبني على أنّ الموضوع خصوص كلام الآدمي كما ورد التصريح به في بعض النصوص.

فعلى الأوّل : يتّجه البطلان في المقام ، ضرورة أنّ المتيقن خروجه ولو انصرافاً إنّما هو المباح من تلك الأُمور ، فيبقى المحرّم تحت عموم المبطلية.

وعلى الثاني : يتّجه عدمه ، لقصور المقتضي في حدّ نفسه عن الشمول لها فغايته ارتكاب الإثم لا البطلان ، وحيث عرفت أنّ الأصح هو الثاني ، فلا جرم كان عدم البطلان هو الأوجه ، بل الأمر كذلك حتّى مع التردّد في المبنى ، للشك في المانعية زائداً على المقدار المعلوم ومقتضى الأصل عدمها.

(١) فانّ الجهل بالحرمة لا يغيِّر الواقع ولا يخرجه عن كونه دعاءً بالمحرّم ، فيشمله دليل المبطلية على القول بها ، إلّا إذا كان معذوراً كما في الجاهل القاصر نحو المجتهد الخاطئ ، فإنّه ملحق بالجاهل بالموضوع المشار إليه في المتن في عدم البطلان لاتِّحاد المناط.

(٢) قد مرّ الكلام حول هذه المسألة مستوفى في مبحث القنوت (١) ، فراجع ولا نعيد.

__________________

(١) في ص ٣٨٥.

٤٤٧

[١٧١٢] مسألة ١١ : يعتبر في القرآن قصد القرآنية (١) ، فلو قرأ ما هو مشترك بين القرآن وغيره لا بقصد القرآنية ولم يكن دعاءً أيضاً أبطل ، بل الآية المختصّة بالقرآن أيضاً إذا قصد بها غير القرآن أبطلت ، وكذا لو لم يعلم أنّها قرآن (٢).

[١٧١٣] مسألة ١٢ : إذا أتى بالذكر بقصد تنبيه الغير والدلالة على أمر من الأُمور فإن قصد به الذكر وقصد التنبيه برفع الصوت مثلاً فلا إشكال في الصحّة ، وإن قصد به التنبيه من دون قصد الذكر أصلاً ، بأن استعمله في التنبيه والدلالة فلا إشكال في كونه مبطلاً ، وكذا إن قصد الأمرين معاً على أن يكون له مدلولان واستعمله فيهما ، وأمّا إذا قصد الذكر وكان داعيه على الإتيان بالذكر تنبيه الغير فالأقوى الصحّة (٣).

______________________________________________________

(١) لتقوّم مفهومه بإيجاد المماثل قاصداً به الحكاية عمّا انزل على النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله كغيره من قراءة أشعار العرب وخطبهم على ما تقدّم تفصيله في مبحث القراءة. إذن فالتلاوة من غير القصد المزبور فضلاً عن قصد الخلاف لا تكون مصداقاً لقراءة القرآن ، من غير فرق بين الآيات المشتركة والمختصّة لوحدة المناط. فتكون طبعاً من التكلّم المبطل ، ما لم ينطبق عليه عنوان آخر من ذكر أو دعاء.

(٢) للشك في اندراجه في التكلّم السائغ ، فيشمله عموم المنع.

(٣) لا شبهة في جواز تنبيه الغير أثناء الصلاة بغير اللفظ من إشارة أو تنحنح ونحوهما ، لعدم اقتضائه ارتكاب شي‌ء من المنافيات وهذا واضح ، وأمّا باللفظ من ذكر ونحوه فله صور أُشير إليها في المتن.

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إحداها : أن يأتي بالذكر ويقصد التنبيه بشي‌ء من خصوصياته كرفع صوته به ، وهذا ممّا لا إشكال في جوازه ، ضرورة أنّ قصد القربة غير معتبر إلّا في نفس الطبيعة ، وأمّا الخصوصيات فهي خارجة عن حريم المأمور به فلا ضير في إتيانها لغاية أُخرى مباحة ، فالحكم بالصحّة في هذه الصورة مطابق للقاعدة. مع أنّها القدر المتيقن من النصوص الدالّة عليها التي منها صحيحة الحلبي «أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة ، فقال : يومئ برأسه ويشير بيده ويسبِّح» إلخ (١).

ثانيتها : أن يقصد به التنبيه فقط من غير تعلّق القصد بالذكر نفسه بوجه وهذا لا إشكال في كونه مبطلاً ، لكونه من التكلّم العمدي من غير انطباق العنوان السائغ عليه بتاتاً.

ثالثتها : أن يقصد الأمرين معاً في عرض واحد على نحو استعمال اللفظ المشترك في معنييه ، بناءً على إمكانه كما هو الصحيح.

والظاهر هو البطلان أيضاً ، فإنّه وإن لم يكن فيه بأس بأحد الاعتبارين ، إلّا أنّ فيه بأساً بالاعتبار الآخر بعد أن كان كل منهما ملحوظاً بحياله واستقلاله وكان الاستعمال المزبور بمثابة تكرار اللفظ.

وبعبارة اخرى : الاستعمال بأحد القصدين وإن لم يكن مقتضياً للبطلان ، إلّا أنّه بالقصد الآخر يكون مقتضياً له ، ومن البيِّن أنّ ما فيه الاقتضاء لا يزاحمه ما لا اقتضاء فيه.

رابعتها : أن يقصدهما معاً ولكن طولاً وعلى سبيل الداعي على الداعي فيقصد به الذكر ويكون الداعي عليه هو التنبيه ، وهذا أيضاً لا ضير فيه بعد

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٥٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٢.

٤٤٩

[١٧١٤] مسألة ١٣ : لا بأس بالدُّعاء مع مخاطبة الغير (*) (١) بأن يقول : غفر الله لك ، فهو مثل قوله : اللهمّ اغفر لي أو لفلان.

[١٧١٥] مسألة ١٤ : لا بأس بتكرار الذكر أو القراءة عمداً (٢) أو من باب الاحتياط ، نعم إذا كان التكرار من باب الوسوسة فلا يجوز (**)

______________________________________________________

وضوح عدم كون الداعي المزبور قادحاً في صدق عنوان الذكر فيندرج تحت عنوان الاستثناء ويكون ملحقاً بالصورة الأُولى.

(١) فيه إشكال بل منع ، نظراً إلى أنّ الدُّعاء بعنوانه لم يؤخذ موضوعاً للاستثناء ليتمسّك بإطلاقه ، وإنّما ساغ لكونه مصداقاً للمناجاة مع الرب تعالى الوارد في النصوص ، ومن البيِّن عدم صدق المناجاة معه سبحانه على ما اشتمل على التخاطب مع الغير.

وبعبارة أُخرى : المستثنى في لسان الأخبار أحد أمرين : إمّا الذكر أو المناجاة مع الله تعالى ، وشي‌ء منهما غير منطبق على المقام ، فيشمله إذن عموم مبطلية الكلام. ومنه تعرف ضعف ما في المتن من القياس.

ومع التنازل وتسليم استثناء الدُّعاء بعنوانه ، فمفروض البحث مجمع للعنوانين ، أعني الدُّعاء والتكلّم مع الغير ، والعنوان الأوّل وإن لم يقتض البطلان ، لكن العنوان الثاني يقتضيه ، وقد تقدّم آنفاً أنّ ما لا اقتضاء فيه لا يزاحم ما فيه الاقتضاء.

(٢) لاستثنائهما من عموم مبطلية الكلام ، ومقتضى الإطلاق في دليل الاستثناء عدم الفرق بين المرّة والتكرار.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع وبه يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.

(**) في عدم جوازه فضلاً عن بطلان الصلاة به نظر بل منع.

٤٥٠

بل لا يبعد بطلان الصلاة به (١).

[١٧١٦] مسألة ١٥ : لا يجوز ابتداء السلام للمصلِّي ، وكذا سائر التحيّات مثل : صبّحك الله بالخير ، أو : مسّاك الله بالخير ، أو : في أمان الله ، أو : ادخلوها بسلام ، إذا قصد مجرّد التحيّة (٢) ،

______________________________________________________

(١) أمّا من حيث الجواز وعدمه فينبغي التفصيل بين ما إذا بلغ التكرار حدّا يعدّ عرفاً من المهملات ، كما لو كرّر (أش) في التشهّد مرّات عديدة ، وبين ما كان دون هذا الحد ، فيحكم بعدم الجواز بل البطلان في الأوّل كما ظهر ممّا مرّ دون الثاني لعدم نهوض دليل على حرمة الوسوسة.

أجل ، في صحيحة عبد الله بن سنان قال : «ذكرت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة ، وقلت هو رجل عاقل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان ، فقلت له : وكيف يطيع الشيطان؟ فقال : سله هذا الّذي يأتيه من أيّ شي‌ء هو ، فإنّه يقول لك من عمل الشيطان» (١).

ولكنّها تدل على ضعف العقل لا ضعف الدين ليستفاد التحريم.

وأمّا من حيث البطلان على تقدير الحرمة فيجري فيه ما تقدّم (٢) في الدُّعاء المحرّم ، وقد عرفت أنّ الأظهر هو العدم.

نعم ، الأحوط الأولى لمن ابتلي بذلك تكرار الصلاة مرّة مع تكرار الذكر أو القراءة ، وأُخرى بدونه.

(٢) هذا ممّا لا شبهة فيه ، ضرورة أنّ ما قصد به التحيّة يعدّ من كلام الآدميين فتبطل به الصلاة. وإنّما الإشكال في موردين :

__________________

(١) الوسائل ١ : ٦٣ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١٠ ح ١.

(٢) في ص ٤٤٦.

٤٥١

وأمّا إذا قصد الدُّعاء بالسلامة أو الإصباح أو الإمساء بالخير ونحو ذلك فلا بأس به ، وكذا إذا قصد القرآنية (*) من نحو قوله (سَلامٌ عَلَيْكُمْ*) أو (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) ، وإن كان الغرض منه السلام أو بيان المطلب بأن يكون من باب الداعي على الدُّعاء أو قراءة القرآن.

______________________________________________________

أحدهما : ما إذا قصد بالسلام أو بغيره من التحيّات الدُّعاء ، فقد يقال بجوازه وعدم إبطاله.

ويندفع أوّلاً : بما تقدّم من أنّ الدُّعاء بعنوانه لم يؤخذ في نصوص الاستثناء وإنّما الوارد فيها الذكر أو المناجاة مع الرب ، فلا تأثير لقصد الدُّعاء.

وثانياً : مع التسليم ، تصبح التحيّة المزبورة مجمعاً للعنوانين ، وقد سبق أنّ عدم البطلان بعنوان الدُّعاء لا يستلزم عدمه بعنوان التكلّم والتخاطب مع الغير ، فان عدم الاقتضاء لا يزاحم ما فيه الاقتضاء.

ثانيهما : ما إذا قصد به القرآن ولكن الداعي عليه تفهيم مطلب كالتسليم في مثل قوله «سَلامٌ عَلَيْكُمْ» أو الإذن في الدخول في نحو قوله تعالى (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) (١).

وهذا على نحوين : إذ تارة يقصد بتلك العبارة الحكاية عمّا انزل على النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنّه بالكناية والدلالة الالتزامية يريد التفهيم المزبور. وهذا وإن لم يستوجب البطلان لمكان استثناء قراءة القرآن ، إلّا أنّه

__________________

(*) قصد القرآنية لا يخرجه عن كونه خطاباً مع الغير وتكلّماً مع المخلوقين فتشمله أدلّة المنع ، وبه يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.

(١) الحجر ١٥ : ٤٦.

٤٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لا تتحقّق به التحيّة المتقوّم بها مفهوم التسليم ، لأنّه لم يقصد به التخاطب مع الغير ، بل قراءة القرآن محضاً كما هو المفروض.

وأُخرى : يجمع بين قراءة القرآن وإنشاء التحيّة مثلاً ، بأن ينشئ التحيّة بنفس اللفظ المستعمل في ألفاظ القرآن.

ودعوى : أنّ قراءة القرآن متقوّمة بقصد الحكاية المقتضية لاستعمال اللفظ في معنى خاص وهو الّذي نزل به الروح الأمين على النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يمكن استعماله في معنى آخر كإنشاء التحيّة ،

مدفوعة : بما تقدّم في مبحث القراءة من عدم التنافي بين الأمرين ، وجواز تطبيق اللفظ المستعمل في القرآن على معنى آخر كما في الشعر والخطابة ونحوهما ، هذا.

ولكن الظاهر مع ذلك بطلان الصلاة بذلك ، لعدم خروجه عن كونه تكلّماً وتخاطباً مع الغير ومصداقاً لكلام الآدميين ، نظراً إلى أنّ المستثنى لم يكن هو مطلق قراءة القرآن حتّى إذا قصد به غير المعنى الّذي قصده منه الله (عزّ وجلّ) حيث إنّه تعالى أراد في مثل قوله (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) دخول الجنّة ، فإذا أُريد به دخول الدار أو الغرفة مثلاً ، كان من كلام الآدميين الموجب للبطلان.

وإن شئت قلت هذا من مجمع العنوانين ، وعدم البأس من ناحية القراءة لا ينافي البأس من ناحية التخاطب مع الغير ، لما عرفت من أنّ ما لا يقتضي البطلان لا يزاحم ما يقتضيه. فحال هذه الصورة حال التحيّة بقصد الدُّعاء المحكومة بالبطلان على ما تقدّم.

٤٥٣

[١٧١٧] مسألة ١٦ : يجوز ردّ سلام التحيّة في أثناء الصلاة ، بل يجب وإن لم يكن السلام أو الجواب بالصيغة القرآنية (١).

______________________________________________________

(١) لا إشكال كما لا خلاف في وجوب ردّ السلام في غير حالة الصلاة ، وقد نطقت به جملة من النصوص التي منها صحيحة عبد الله بن سنان «قال : رد جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام» (١). وفي موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : السلام تطوّع والرد فريضة» (٢).

وناهيك قبل ذلك كلّه قوله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (٣) حيث فسّرت التحيّة بالسلام (٤) ، بل هي معناه لغة (٥).

إنّما الكلام في الرد أثناء الصلاة فقد منعه العامّة (٦) وإن اختلفوا بين من اكتفى بالإشارة ، ومن أخّره إلى ما بعد الصلاة.

وأمّا الخاصّة فقد اتّفقوا على الجواز ، وغير خفي أنّ مرادهم به الجواز بالمعنى الأعم في مقابل المنع ، لا خصوص الإباحة المصطلحة ، ضرورة أنّه متى جاز وجب كتاباً وسنّة وإجماعاً حسبما عرفت. فالوجوب بعد فرض الجواز معلوم من القواعد. ومن ثمّ قال في المسالك : إنّ كل من قال بالجواز قال بالوجوب (٧)

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١٢ : ٥٧ / أبواب أحكام العشرة ب ٣٣ ح ١ ، ٣.

(٣) النِّساء ٤ : ٨٦.

(٤) التبيان ٣ : ٢٧٨ ، مجمع البيان ٣ : ١٣٠.

(٥) المصباح المنير : ١٦٠ ، لسان العرب ١٢ : ٢٨٩ ، القاموس المحيط ٤ : ٣٢٢.

(٦) المغني ١ : ٧٤٧ ، فتح العزيز ٤ : ١١٧.

(٧) المسالك ١ : ٢٣١.

٤٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوه عن مجمع البرهان (١) ، فلا ينبغي التردّد في أنّ مرادهم الوجوب لا الجواز بمعناه الخاص.

وممّا يكشف عنه حكم جماعة منهم ببطلان الصلاة مع عدم الرد ، بناءً منهم على أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه ولا أقل من عدم تعلّق الأمر به.

وكيف ما كان ، فتدل على وجوب الرد أثناء الصلاة نصوص مستفيضة وهي على طوائف.

الأُولى : ما دلّ على وجوب الرد من غير تعرّض لكيفيّة التسليم ولا لصيغة ردّه ، كموثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن السلام على المصلِّي ، فقال : إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك» (٢).

الثانية : ما دلّ على وجوب الرد بصيغة السلام عليك ، من غير تعرّض لكيفيّة التسليم ، كما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسلم «أنّه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يسلّم على القوم في الصلاة ، فقال : إذا سلّم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلّم عليه تقول : السلام عليك وأشر بإصبعك» (٣).

فانّ هذا الاسناد وإن كان ضعيفاً ، لضعف طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم إلا أنّها بعينها رويت بطريق آخر معتبر وهو ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمّد البزنطي بسند صحيح عن ابن مسلم (٤) ، وقد أشرنا في محلّه إلى أنّ الكتاب المزبور الّذي

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١١٤.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٤.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٦٨ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٣.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٦٩ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ذيل ح ٥ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٦٠٤.

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

روى عنه ابن إدريس كان بخط الشيخ الطوسي (١) ، وطريق الشيخ إلى هذا الكتاب صحيح ، وبذلك تصبح الرواية معتبرة.

الثالثة : ما دلّ على وجوب الرد بصيغة سلام عليكم ، من غير تعرّض لكيفيّة التسليم أيضاً ، وهي موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يسلّم عليه وهو في الصلاة ، قال : يرد سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام ، فانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قائماً يصلِّي فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه عمّار فردّ عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا» (٢).

ولكن الصدوق روى قصّة تسليم عمّار على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وجوابه له بصيغة مطلقة سلاماً وجواباً حيث قال «وقال أبو جعفر عليه‌السلام : سلّم عمّار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الصلاة فردّ عليه ، ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام إنّ السلام اسم من أسماء الله عزّ وجلّ» (٣). غير أنّها مرسلة فلا يمكن التعويل عليها.

نعم ، رواها الشهيد في الأربعين (٤) بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام إذن فتكون ملحقة بالطائفة الأُولى ، هذا.

ويظهر ممّا رواه الشهيد في الذكرى عن البزنطي عن الباقر عليه‌السلام أنّ سلام عمّار كان بصيغة السلام عليك (٥).

__________________

(١) ذكره في السرائر ٣ (المستطرفات) : ٦٠١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٦٩ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٤١ / ١٠٦٦.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٦٩ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ذيل ح ٦ ، الأربعون حديثاً : ٥٠ / ٢٢.

(٥) الوسائل ٧ : ٢٧١ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ٣ ، الذكرى ٤ : ٢٤.

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو تمّ سند الرواية يظهر منها بعد ضمّها إلى موثقة سماعة المتقدِّمة أنّ تخصيص الجواب بتلك الصيغة منوط بكون السلام بهذه الصيغة. ولكن السند ضعيف ، لجهالة طريق الشهيد إلى كتاب البزنطي ، فالمتّبع إذن هي الموثقة بمجرّدها الدالّة على كون الجواب بتلك الصيغة مطلقاً.

الرابعة : ما دلّ على لزوم المماثلة بين السلام وردّه ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : «دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك ، فقال : السلام عليك ، فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلمّا انصرف قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ قال : نعم ، مثل ما قيل له» (١).

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا سلّم عليك الرجل وأنت تصلِّي ، قال : تردّ عليه خفياً كما قال» (٢).

وعلى الجملة : فالمستفاد من هذه الروايات بطوائفها واختلاف ألسنتها وجوب ردّ السلام أثناء الصلاة ، غير أنّ بإزائها ما يظهر منه عدم الجواز ، وهو ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن مصدق بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما‌السلام «قال : لا تسلّموا على اليهود ولا النصارى إلى أن قال ـ : ولا على المصلِّي ، وذلك لأنّ المصلِّي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأنّ التسليم من المسلّم تطوّع والرد فريضة» (٣).

حيث إنّ عدم الاستطاعة بعد تعذّر إرادة التكوينية منها كما هو واضح محمول على التشريعية المساوقة للحرمة.

ولكنّ السند ضعيف بمحمّد بن علي ماجيلويه شيخ الصدوق فإنّه لم يوثق ومجرّد الشيخوخة غير كافية في الوثاقة سيّما بعد ما نشاهده من روايته عن

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٧ : ٢٦٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ١ ، ٣.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٧٠ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ١ ، الخصال : ٤٨٤ / ٥٧.

٤٥٧

ولو عصى ولم يردّ الجواب واشتغل بالصلاة قبل فوات وقت الردّ لم تبطل على الأقوى (١).

______________________________________________________

الضعاف في غير مورد. كما أنّ اعتماده عليه حسبما يظهر من إكثاره الرواية عنه لا يجدي بعد تطرّق احتمال بنائه على أصالة العدالة التي لا نعترف بها.

ومع تسليم صحّة السند فحيث إنّها لا تنهض لمقاومة ما سبق من تلك النصوص الكثيرة فلا مناص من التصرّف فيها إمّا بحملها على التقيّة ، أو على إرادة المشقّة من عدم الاستطاعة ، حيث إنّ التصدِّي للردّ ثمّ العود إلى صلاته يشغله عن الإقبال والتوجّه فلا يسهل عليه الرد ، فيكون مفادها حينئذ كراهة التسليم على المصلِّي لا عدم جواز الرد لو سلّم عليه.

(١) خلافاً لجماعة من الحكم بالبطلان بناءً منهم على اقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عن ضدّه الخاص ، بل عن البهائي (قدس سره) (١) الحكم به حتّى لو لم نقل بالاقتضاء ، نظراً إلى اقتضائه عدم الأمر بالضد ، ضرورة امتناع تعلّق الأمر بالضدّين ، ويكفي في فساد العبادة مجرّد عدم الأمر بها.

نعم ، تصدّى في الكفاية (٢) للتصحيح من ناحية الملاك ، وناقشنا فيه لعدم السبيل لإحرازه من غير ناحية الأمر ، والمفروض عدم ثبوته.

ولكنّا ذكرنا في الأُصول إمكان التصحيح في نظائر المقام بالخطاب الترتّبي وأنّ مجرّد إمكانه مساوق لوقوعه ، كما أنّ تصوّره مساوق لتصديقه ، وتمام الكلام في محلّه (٣).

__________________

(١) زبدة الأُصول : ٨٢ ، وحكاه عنه في كفاية الأُصول : ١٣٣.

(٢) كفاية الأُصول : ١٣٤.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ١٠٢ ، ٩٤.

٤٥٨

[١٧١٨] مسألة ١٧ : يجب أن يكون الردّ في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم فلو قال : سلام عليكم ، يجب أن يقول في الجواب : سلام عليكم مثلاً ، بل الأحوط (١) المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع فلا يقول : سلام عليكم في جواب السلام عليكم ، أو في جواب سلام عليك مثلاً وبالعكس ، وإن كان لا يخلو من منع (١).

______________________________________________________

(١) لا إشكال كما لا خلاف في اعتبار المماثلة بين السلام وردّه من حيث الذات ، فلا بدّ وأن يكون الجواب حال الصلاة على سياق السلام الابتدائي في كون السلام مقدّماً على الخبر ، فلا يجوز بصيغة عليكم السلام مثلاً ، وقد دلّت عليه الروايات حسبما مرّت الإشارة إليها.

وإنّما الكلام في اعتبار المماثلة في الخصوصيات من التعريف والتنكير وإفراد الضمير وجمعه ، فانّ فيه خلافاً ولأجله احتاط الماتن (قدس سره) ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في المقام.

فانّ مقتضى إطلاق صحيحتي ابن مسلم وابن حازم المتقدِّمتين في الطائفة الرابعة من المسألة السابقة هو اعتبارها في تمام الجهات لقوله عليه‌السلام في إحداهما : «مثل ما قيل له» وفي الأُخرى : «كما قال».

كما أنّ مقتضى إطلاق موثقة سماعة المتقدِّمة في الطائفة الثالثة عدم اعتبارها إلّا من حيث الذات.

بل إنّ ذلك هو مقتضى صريحها بعد ضمّها برواية الشهيد في الذكرى لو تمّ سندها ، لدلالتهما على تخالف سلام عمّار مع جوابه من هذه الجهة بناءً على

__________________

(١) لا يترك هذا الاحتياط.

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اتِّحاد الواقعة كما لعلّه الظاهر فيقيّد بهما الإطلاق الأوّل ويحمل على إرادة المماثلة من حيث الذات فقط. ولكن السند غير تام كما تقدّم (١).

إذن فتقع المعارضة بين الإطلاقين ، ويدور الأمر حينئذ بين تقييد الأوّل بالثاني لينتج اعتبار المماثلة في الذات فقط ، وبين عكسه لينتج اعتبارها في تمام الخصوصيات ، وحيث لا ترجيح في البين فلا جرم يسقط الإطلاق من الطرفين وكان المرجع حينئذ أصالة البراءة عن اعتبارها في الزائد على المقدار المتيقن أعني من حيث الذات فقط.

هذا كلّه في ملاحظة الصحيحتين مع الموثقة وينسحب ذلك بعينه عند ملاحظتهما مع معتبرة محمّد بن مسلم المتقدِّمة في الطائفة الثانية ، لاتِّحاد مناط البحث كما لا يخفى.

أجل ، لا يبعد القول بأنّ الإطلاق في المعتبرة أقوى منه في الموثقة ، نظراً إلى استفادته في الثانية من ترك الاستفصال ، وأمّا في المعتبرة فهو مستفاد من نفس اللفظ لقوله عليه‌السلام : «إذا سلّم عليك مسلم» إلخ.

وكيف ما كان ، فقد عرفت أنّه بعد سقوط الإطلاقين بالمعارضة فالمرجع أصالة البراءة ، هذا.

وهناك معارضة اخرى بين الموثقة والمعتبرة نفسيهما ، حيث إنّ ظاهر الاولى تعيّن الرد بصيغة سلام عليكم ، وظاهر الثانية تعيّنه بصيغة السلام عليك ومقتضى الجمع العرفي رفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيين بنصّ الأُخرى في جواز الآخر ، ونتيجته جواز اختيار أيّ منهما شاء.

والمتحصِّل من جميع ما مرّ : عدم اعتبار المماثلة إلّا من حيث الذات ، وإن كان الأحوط رعايتها في جميع الخصوصيّات كما ظهر وجهه ممّا تقدّم.

__________________

(١) في ص ٤٥٧.

٤٦٠