موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

فصل في الصلاة

على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

يستحبّ الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث ما ذكر ، أو ذكر عنده (١) ، ولو كان في الصلاة وفي أثناء القراءة ،

______________________________________________________

(١) على المشهور بل عن غير واحد كالمحقِّق في المعتبر والعلّامة في المنتهي (١) دعوى الإجماع عليه ، خلافاً للمحكي عن جماعة من القول بالوجوب.

فقد نسبه شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح (٢) بعد اختياره إلى ابن بابويه والفاضل المقداد في كنز العرفان كما اختاره صريحاً في الحدائق (٣) مصرّاً عليه ونسبه إلى المحدِّث الكاشاني في الوافي والمحقِّق المدقِّق المازندراني في شرحه على أُصول الكافي ، والمحدِّث الشيخ عبد الله بن صالح البحراني وهو الظاهر من عنوان صاحب الوسائل (٤).

وكيف ما كان ، فالمتبع هو الدليل بعد أن كان منشأ الخلاف اختلاف الأنظار في مفاد الأخبار ، فلا بدّ من استعراض النصوص لانكشاف الحال وهي على طوائف.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٢٦ ، المنتهى ١ : ٢٩٣ السطر ٢٢.

(٢) مفتاح الفلاح : ١١٣.

(٣) الحدائق ٨ : ٤٦٣.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٠١ / أبواب الذكر ب ٤٢.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الطائفة الأُولى : ما دلّ على وجوب الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقاً كرواية الفضل بن شاذان عن الرِّضا عليه‌السلام «قال : والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واجبة في كل موطن» (١).

ورواية الأعمش في كتاب الخصال عن جعفر بن محمّد «قال : والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واجبة في كل المواطن» (٢) ، وقبل ذلك كلّه الكتاب العزيز قال تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٣).

والجواب : أمّا عن الآية الشريفة ، فلأنّ أقصى مفادها وجوب الصلاة عليه ولو في العمر مرّة واحدة ، ولا دلالة لها على الوجوب كلّما ذكر كما هو المدّعى.

وأمّا الروايات ، فمضافاً إلى ضعف أسنادها كما لا يخفى ، ظاهرة في وجوب الصلاة عليه في كل موطن وإن لم يذكره ذاكر ، وهذا ممّا لم يقل أحد بوجوبه.

الطائفة الثانية : الروايات الآمرة بإكثار الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله كرواية عبد الله بن الحسن بن علي عن أبيه عن جدّه «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قال صلّى الله على محمّد وآله قال الله (جلّ جلاله) صلّى الله عليك فليكثر من ذلك» (٤).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثروا الصلاة عليه ، فإنّه من صلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة واحدة صلّى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ، ولم يبق

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٠٣ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ٨.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٠٥ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ١٢ ، الخصال : ٦٠٧.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٥٦.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٠٣ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ٦.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

شي‌ء ممّا خلقه الله إلّا صلّى على العبد لصلاة الله وملائكته ، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ الله منه ورسوله وأهل بيته» (١).

ويردّها : مضافاً إلى ضعف السند ، أنّ مفادها وجوب الإكثار ولا قائل به. على أنّ متن الثانية مشعر بالاستحباب كما لا يخفى.

ومن العجيب أنّ صاحب الحدائق (٢) مع تفطنه لذلك استدلّ بها على الوجوب وحمل الإكثار على الاستحباب.

ويندفع بعدم تضمنها حكمين : الأمر بالصلاة وبإكثارها ، ليحمل أحدهما على الوجوب والآخر على الاستحباب ، بل تضمنت حكماً واحداً وهو الإكثار فامّا أن يراد به الوجوب أو الاستحباب ، وحيث لا سبيل إلى الأوّل فلا جرم يراد به الثاني.

الطائفة الثالثة : ما دلّ على رفع الصوت بالصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنّها تذهب بالنفاق» (٣).

وفيه : مضافاً إلى أنّه لا قائل بوجوب رفع الصوت ، أنّ التعليل خير شاهد على الاستحباب.

الطائفة الرابعة : وهي العمدة ، النصوص الآمرة بالصلاة عليه عند ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٩٣ / أبواب الذكر ب ٣٤ ح ٤.

(٢) الحدائق ٨ : ٤٦٣.

(٣) الوسائل ٧ : ١٩٢ / أبواب الذكر ب ٣٤ ح ٢.

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فمنها : مرسلة عبيد الله بن عبد الله عن رجل عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث ومن ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فلم يغفر الله له وأبعده الله» (١).

وهي وإن كانت تامّة الدلالة بل قد يظهر منها أنّ ترك الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله من المحرّمات العظيمة ، إلّا أنّها كالروايتين الآتيتين ضعيفة السند بالإرسال.

ومنها : مرسلة المفيد في المقنعة عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في حديث «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال لي جبرئيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك فأبعده الله ، قلت آمين ...» إلخ (٢).

ومنها : مرسلة ابن فهد في عدّة الداعي «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصل عليّ» (٣).

وهذه مضافاً إلى ضعف السند قاصرة الدلالة أيضاً ، إذ التعبير بالجفاء يلائم الاستحباب كما لا يخفى.

ومنها : ما رواه الكليني بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذكرت عنده فنسي أن يصلِّي عليّ خطأ الله به طريق الجنّة» (٤).

وهذه الرواية وإن كانت معتبرة لكن الأخذ بظاهرها متعذِّر ، لاستقلال

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٠٢ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٠٦ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ١٣ ، المقنعة : ٣٠٨.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٠٧ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ١٨ ، عدّة الداعي : ٣٤.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٠١ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ١ ، الكافي ٢ : ٤٩٥ / ٢٠.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

العقل بقبح مجازاة الناسي بابعاده عن الجنّة. مضافاً إلى حديث رفع النسيان الدال على سقوط التكاليف الإلزامية عنه بأسرها ، وحملها على خلاف ظاهرها بإرادة الترك المطلق من النسيان تصرف في الدلالة من غير قرينة تقتضيه فلا بدّ إذن من ردّ علمها إلى أهله.

ونحوها رواية أنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن آبائه في وصية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام «قال : يا علي من نسي الصلاة عليّ فقد أخطأ طريق الجنّة» (١).

ومنها : ما رواه الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن عبد الله بن علي بن الحسن عن أبيه عن جدّه «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البخيل حقّا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند ، أنّ التعليل بالبخل مشعر بالاستحباب فهذه النصوص كلّها ساقطة.

والعمدة من هذه الطائفة إنّما هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث «قال : وصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» (٣).

فإنّها ظاهرة الدلالة على الوجوب ، وما ذكره صاحب الذخيرة (٤) من عدم دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب ما لم تنضم إليها قرينة تدل عليه فضعفه غني عن البيان ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٠٢ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٠٤ / أبواب الذكر ب ٤٢ ح ٩ ، معاني الأخبار ٢٤٦ / ٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٥١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٢ ح ١.

(٤) ذخيرة المعاد : ٢٨٩ السطر ١٢.

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر انحصار الرواية الصحيحة في المقام بهذه الصحيحة التي رواها كل من الكليني والصدوق (١) بطريق معتبر ، فما يظهر من صاحب الحدائق (٢) من عدم الانحصار تارة ، ومن رواية المشايخ الثلاثة لها اخرى ، غير واضح لعدم رواية الشيخ لهذه الصحيحة كما نبّه عليه المعلِّق.

وكيف ما كان ، فهي بالرغم من قوّة السند وظهور الدلالة لم يكن بدّ من رفع اليد عنها وحملها على الاستحباب لقرائن تستوجب ذلك وعمدتها ما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من أنّ المسألة كثيرة الدوران ومحل لابتلاء عامّة الناس ، ولعلّه في كل يوم عدّة مرّات ، فلو كان الوجوب ثابتاً مع هذه الحالة لأصبح واضحاً جليّا بل يعرفه حتّى النِّساء والصبيان فكيف خفي على جل الفقهاء بحيث لم يذهب إلى الوجوب إلّا نفر يسير ممّن عرفت ، بل لم ينسب إلى القدماء ما عدا الصدوق كما سمعت.

على أنّ السيرة العملية بين المسلمين قد استقرت على عدم الالتزام بالصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذكره في القرآن والأدعية والزيارات والروايات والأذان والإقامة وما شاكلها. ولم ترد ولا رواية واحدة تدل على أنّ بلالاً كان يصلِّي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذكره أو أنّ المسلمين كانوا يصلّون عليه لدى سماع أذانه أو عند ذكره في حياته.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف أنّ ما ذكره في الحدائق من أنّ الوجوب في المقام من الواضحات التي لا تعتريها غشاوة الأوهام وأنّ المنكر مكابر صرف ، ممّا لا أساس له.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٧ ، الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧٥.

(٢) الحدائق ٨ : ٤٦٢ ، ٤٦٣.

٤٠٦

بل الأحوط عدم تركها لفتوى جماعة من العلماء بوجوبها (١) ولا فرق بين أن يكون ذكره باسمه العَلَمي كمحمّد وأحمد أو بالكنية واللّقب (٢) كأبي القاسم والمصطفى والرسول والنبيّ ، أو بالضمير ، وفي الخبر الصحيح : «وصلّ على النبيّ كلّما ذكرته ، أو ذكره ذاكر عندك في الأذان أو غيره» ، وفي رواية

______________________________________________________

(١) كما عرفت.

(٢) كما صرّح به شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح (١) ، والمحدِّث الكاشاني في خلاصة الأذكار (٢) ، نظراً إلى إطلاق النص بعد صدق الذكر على الجميع حتّى الضمير ، هذا.

وقد فصّل صاحب الحدائق (٣) في الألقاب والكنى بعد الجزم بالوجوب في الاسم العلمي بين ما كان من الألفاظ المعروفة المشهورة التي جرت في الإطلاقات والمحاورات مثل : الرسول ، النبيّ ، أبو القاسم ، وبين غيرها مثل : خير الخلق ، خير البريّة ، المختار ، فألحق الأوّل بالاسم العلمي كما ألحق الضمائر بالثاني.

ولكنّه غير واضح ، فإنّ العبرة بمقتضى إطلاق النص بصدق الذكر من غير فرق بين أنحائه ومصاديقه ، ولا ينبغي الريب في صدق الذكر على الجميع عرفاً بمناط واحد حسبما عرفت.

فالظاهر أنّ الحكم وجوباً أو استحباباً يشمل الكل ولا وجه للتفصيل المزبور.

__________________

(١) مفتاح الفلاح : ١١٧.

(٢) خلاصة الأذكار : ٨٤.

(٣) الحدائق ٨ : ٤٦٤.

٤٠٧

«من ذكرت عنده ونسي أن يصلِّي عليّ خطأ الله به طريق الجنّة» (١).

[١٦٩٥] مسألة ١ : إذا ذكر اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله مكرّراً يستحب تكرارها ، وعلى القول بالوجوب يجب (٢). نعم ، ذكر بعض القائلين بالوجوب يكفي مرّة إلّا إذا ذكر بعدها فيجب إعادتها ، وبعضهم على أنّه يجب في كل مجلس مرّة.

[١٦٩٦] مسألة ٢ : إذا كان في أثناء التشهّد فسمع اسمه لا يكتفي بالصلاة التي تجب للتشهّد (٣).

______________________________________________________

(١) كما مرّت الإشارة إليهما.

(٢) ينبغي أن يكون موضوع هذه المسألة ما إذا ذكر اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله ثانياً قبل الصلاة عليه ، أمّا بعدها فلا شبهة في التكرار لحصول موجب جديد ، ولا وجه للاكتفاء بما سبق ، فمحل الكلام ما إذا لم تتخلّل الصلاة بين الذكرين فهل يجب التكرار حينئذ أو يستحب على الخلاف المتقدِّم ، استناداً إلى أصالة عدم التداخل؟

الظاهر العدم ، لانسباق العموم الأزماني من قوله عليه‌السلام : «كلّما ذكرته» في الصحيحة المتقدِّمة التي هي عمدة المستند في المسألة ، لا الأفرادي ، أي في كل زمان عرفي ذكر اسمه يصلى عليه ، لا أنّه يصلى لكل فرد من أفراد الذكر. إذن فموضوع الصلاة إنّما هو طبيعي الذكر لا أفراده ، ومقتضاه الاجتزاء بصلاة واحدة ، فلاحظ.

(٣) بل يكتفي ، فانّ التداخل في المسبّبات وإن كان على خلاف الأصل ، فلا يجوز الاكتفاء بغسل واحد عن الجنابة وعن مسّ الميت ما لم يقم عليه دليل بالخصوص ، إلّا أنّا ذكرنا في محلّه أنّ النسبة بينها إذا كانت عموماً من وجه

٤٠٨

نعم ، ذكره في ضمن قوله (١) : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» لا يوجب تكرارها ، وإلّا لزم التسلسل (٢).

[١٦٩٧] مسألة ٣ : الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره والصلاة عليه (٣) بناءً على الوجوب ، وكذا بناءً على الاستحباب في إدراك فضلها وامتثال الأمر الندبي ، فلو ذكره أو سمعه في أثناء القراءة في الصلاة لا يؤخر إلى آخرها إلّا إذا كان في أواخرها.

[١٦٩٨] مسألة ٤ : لا يعتبر كيفية خاصّة في الصلاة (٤)

______________________________________________________

إمّا في الموضوع كالأمر بإكرام العالم تارة وبإكرام الهاشمي أُخرى ، أو في المتعلِّق كالأمر بصلاة الغفيلة وبنافلة المغرب ومنه المقام جاز الاكتفاء بمجمع العنوانين ، أخذاً بإطلاق كل من الدليلين وتمام الكلام في محلّه (١).

(١) أي قول المصلِّي نفسه ، فلا تشمل العبارة الصلاة الصادرة من غيره.

(٢) ومن ثمّ كان إطلاق الدليل منصرفاً عنه ، وأمّا ما يصدر من غيره فلا ينبغي التأمّل في كونه مشمولاً للإطلاق.

(٣) بل الأظهر ذلك ، لانسباق الفورية العرفية من كلمة «ما» الزمانية الواردة في قوله عليه‌السلام في الصحيح المتقدِّم (٢) «كلّما ذكرته ...» إلخ ضرورة عدم صدق الصلاة في زمان ذكره أو عند ذكره مع الفصل الطويل ، فلو ذكر اسمه نهاراً وصلّى عليه ليلاً لا يقال إنّه صلّى عليه عند ذكره ، وهذا واضح.

(٤) للإطلاق.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٢٤.

(٢) في ص ٤٠٥.

٤٠٩

بل يكفي في الصلاة عليه كل ما يدل عليها مثل (صلّى الله عليه) و «اللهمّ صلّ عليه» والأولى (١) ضمّ الآل إليه.

[١٦٩٩] مسألة ٥ : إذا كتب اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله يستحب أن يكتب الصلاة عليه (٢).

[١٧٠٠] مسألة ٦ : إذا تذكّره بقلبه فالأولى أن يصلِّي عليه لاحتمال شمول قوله عليه‌السلام : «كلّما ذكرته ...» إلخ ، لكن الظاهر إرادة الذكر اللِّساني دون القلبي.

[١٧٠١] مسألة ٧ : يستحب عند ذكر سائر الأنبياء والأئمّة أيضاً ذلك. نعم ، إذا أراد أن يصلِّي على الأنبياء أوّلاً يصلِّي على النبيّ وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ عليهم ، إلّا في ذكر إبراهيم عليه‌السلام ففي الخبر عن معاوية بن عمار قال : «ذكرت عند أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام بعض الأنبياء فصلّيت عليه فقال عليه‌السلام : إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمّد وآله ثمّ عليه».

______________________________________________________

(١) بل هو المتعيِّن كما تقدّم (١) مستوفى في مبحث التشهّد.

(٢) لا تعرّض لخصوص ذلك في النصوص ، ولكن يمكن استفادته منها وإلحاق الذكر الكتبي باللّفظي. إمّا بالتوسعة في الذكر الوارد في الصحيح بشموله للذكر القلبي الحاصل طبعاً حين الكتابة ، أو بتنقيح المناط القطعي وتعميمه حيث إنّه الاحترام والتوقير والتبجيل والتجليل المشترك بين الموردين.

__________________

(١) في ص ٢٥٥.

٤١٠

فصل في مبطلات الصلاة

فصل في مبطلات الصلاة وهي أُمور ، أحدها : فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة كالستر وإباحة المكان واللِّباس ونحو ذلك ممّا مرّ في المسائل المتقدِّمة (١).

الثاني : الحدث الأكبر أو الأصغر ، فإنّه مبطل أينما وقع فيها ولو قبل الآخر بحرف ، من غير فرق بين أن يكون عمداً (٢)

______________________________________________________

(١) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه وقد مرّ البحث عنها مشبعاً في محالها.

(٢) إجماعاً كما صرّح به غير واحد ، بل في المدارك (١) إجماع العلماء عليه كافّة ، بل عن شرح المفاتيح (٢) احتمال عدّه من ضروريات الدين أو المذهب ولم ينسب الخلاف إلّا إلى الصدوق (٣) في خصوص ما لو صدر الحدث بعد السجدة الثانية من الركعة الأخيرة وستعرف الحال فيه.

وكيف ما كان ، فيستدل للبطلان بعد الإجماع المزبور بأُمور :

أحدها : أنّ اشتراط الصلاة بالطهارة ممّا لا غبار عليه كما تقدّم في محلّه والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه.

وفيه : أنّ الشرطية وإن كانت مسلّمة لكن المتيقن منها الاشتراط في طابع خاص وهو ذوات الأجزاء دون الأكوان المتخلِّلة ، سيّما بعد ما عرفت فيما سبق من عدم كونها من الصلاة فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤٥٥.

(٢) حكاه عنه في مفتاح الكرامة ٣ : ٢ السطر ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٣ ذيل الحديث ١٠٣٠.

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى : أنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ، أنّ مجموع الصلاة عمل وحداني ذو هيئة اتِّصالية فالحدث الواقع أثناءها قاطع للهيئة ومبطل لهذا العمل الواحد المتّصل ، فلا مناص من الإعادة ، يدفعها : مضافاً إلى ضعف أسناد تلك الأخبار كما تقدّم في محلّه (١) ، أنّه لا يستفاد منها أكثر من كون الصلاة عملاً واحداً مركّباً من سلسلة أجزاء معيّنة ، وأمّا تأليفها حتّى من الأكوان المتخلِّلة بحيث يكون وقوع الحدث فيها مخلّاً بها فهو أوّل الكلام ، والنصوص المزبورة لا تدل عليه بوجه.

ثانيها : أنّ المحدث أثناء الصلاة إن تصدّى لتحصيل الطهارة بطلت صلاته من أجل الفعل الكثير الماحي للصورة ، وإلّا خلت بقية الأجزاء عن الطهارة المعتبرة فيها ، فلا مناص من البطلان.

ويندفع : بعدم الاطراد ، لجواز حضور الماء لديه والاقتصار على أقل الواجب في أقرب وقت ممكن من دون صدور أيّ فعل ماح للصورة ، ولو كانت وظيفته التيمم فالأمر أوضح ، فالدليل إذن أخص من المدّعى.

ثالثها : وهو العمدة ، الروايات الكثيرة الدالّة على بطلان الصلاة بالحدث الواردة في الأبواب المختلفة والموارد المتفرِّقة كالمبطون والمسلوس وغيرهما ممّا لا يخفى على من لاحظها ، غير أنّ بإزائها روايتين دلّتا على عدم البطلان.

إحداهما : صحيحة الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضرباناً ، فقال : انصرف ثمّ توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمِّداً ، وإن تكلّمت ناسياً فلا شي‌ء عليك ، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسياً ، قلت :

__________________

(١) في ص ٢٩٦.

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال : نعم ، وإن قلب وجهه عن القبلة» (١).

ثانيتهما : رواية أبي سعيد القماط قال : «سمعت رجلاً يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وجد غمزاً في بطنه أو أذى أو عصراً من البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، فقال : إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه الّذي كان يصلِّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الّذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بالكلام. قال قلت : وإن التفت يميناً أو شمالاً أو ولّى عن القبلة؟ قال : نعم ، كل ذلك واسع إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة ، فإنّما عليه أن يبني على صلاته ثمّ ذكر سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

لكن الثانية ضعيفة السند ، فانّ موسى بن عمر بن يزيد لم يوثق عند القوم ، على أنّ الظاهر أنّ المراد بابن سنان هو محمّد بقرينة الراوي والمروي عنه فلا يعبأ بها.

وأمّا الاولى : فمضافاً إلى لزوم حملها على التقيّة لمخالفتها للإجماع بل الضرورة حسبما سمعت معارضة في موردها بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال : «وسألته عن رجل وجد ريحاً في بطنه فوضع يده على أنفه وخرج من المسجد حتّى أخرج الرِّيح من بطنه ثمّ عاد إلى المسجد فصلّى فلم يتوضّأ هل يجزئه ذلك؟ قال : لا يجزئه حتّى يتوضّأ ولا يعتد بشي‌ء ممّا صلّى» (٣) والمرجع بعد التساقط إطلاقات مبطلية الحدث في الأثناء كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٣٥ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٣٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ١١.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٣٥ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٨.

٤١٣

أو سهواً (١) أو اضطراراً (٢)

______________________________________________________

أضف إلى ذلك : أنّ الروايتين في أنفسهما غير صالحتين للاستدلال ، لتضمنهما عدم البطلان حتّى مع استدبار القبلة. وهذا لا قائل به ، بل مخالف لضرورة الفقه. على أنّ الثانية دلّت على جواز سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أيضاً كما ترى.

فتحصّل : أنّ البطلان في صورة العمد ممّا لا ينبغي التردّد فيه.

(١) لإطلاق الأخبار ومعاقد الإجماع ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه صريحاً. نعم ، نسب إلى بعضهم كما حكاه في الشرائع (١) عدم البطلان لو أحدث سهواً ، ولكن الظاهر على ما أشار إليه المحقِّق الهمداني (قدس سره) (٢) أنّ مرادهم بالحدث السهوي في المقام ما يقابل العمد ، أي الخارج اضطراراً وبلا اختيار ، فيختص بمن سبقه الحدث ، لا السهو عن كونه في الصلاة مع اختيارية الحدث الّذي هو محل الكلام ، وذلك مضافاً إلى ظهور عبائرهم في ذلك ، أنّه لم ترد الصحّة مع السهو حتّى في رواية ضعيفة ليتوهّم منها ذلك فلاحظ.

(٢) على المشهور والمعروف بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع ، غير أنّ جماعة ذهبوا إلى عدم البطلان استناداً إلى صحيحة الفضيل ، ورواية القماط المتقدِّمتين (٣) بدعوى أنّ قول السائل «فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضرباناً» كناية عن خروج الرِّيح من غير الاختيار من باب ذكر السبب وإرادة المسبب.

وفيه : أنّ هذه الدعوى غير بيّنة ولا مبيّنة ، وعهدتها على مدّعيها ، ولا

__________________

(١) الشرائع ١ : ١١٠.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٩٩ السطر ٥.

(٣) في ص ٤١٢ ، ٤١٣.

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قرينة على رفع اليد عن ظاهرهما من كون السؤال عمّن يجد في بطنه غمزاً أو أذى ، وأنّه هل يجوز له في هذه الحالة تحصيل الراحة بإخراج الرِّيح اختياراً ، أو أنّه يجب عليه الصبر والمقاومة إلى أن يفرغ من الصلاة؟ فالسؤال عن حكم ما قبل الخروج لا ما بعده.

والّذي يكشف عمّا ذكرناه : ورود مثل هذا التعبير في صحيحة عليّ بن جعفر المتقدِّمة وصحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلِّي على تلك الحال أو لا يصلِّي؟ فقال : إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالاً عن الصلاة فليصلّ وليصبر» (١).

فان لسان الكل يفرغ عن شي‌ء واحد وهو السؤال عن حكم الإخراج الاختياري لدى عروض شي‌ء من هذه العوارض.

وكيف ما كان ، فيدل على المشهور مضافاً إلى إطلاقات الأدلّة موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع كيف يصنع؟ قال : إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة» (٢) فانّ من الواضح أنّ الخروج المفروض فيها غير اختياري ومع ذلك حكم عليه‌السلام بالإعادة لدى التلطخ بالعذرة.

فتحصّل : أنّ الأظهر ما عليه المشهور من بطلان الصلاة بالحدث من غير فرق بين العمد والسهو والاضطرار.

بقي الكلام في أمرين :

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٥١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١ : ٢٥٩ / أبواب نواقض الوضوء ب ٥ ح ٥.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : أنّه نسب إلى المفيد في المقنعة (١) التفصيل في قاطعية الحدث بين المتيمم الّذي يسبقه الحدث أثناء الصلاة ويجد الماء وبين غيره سواء أكان متيمماً ولم يجد الماء أم متوضئاً فأوجب البناء في الأوّل والاستئناف في الثاني. وقد اختاره الشيخ في النهاية والمبسوط (٢) كابن أبي عقيل (٣) وقوّاه في المعتبر (٤).

والمستند في البناء المزبور صحيحة زرارة المرويّة بطرق عديدة كلّها معتبرة «أنّه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلّى ركعة ثمّ أحدث فأصاب ماءً ، قال : يخرج ويتوضّأ ثمّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم» (٥).

وقد حملها الشيخ (٦) على حصول الحدث نسياناً بعد أن خصّ الحكم بموردها وهو التيمم ، وأنّه بذلك يرتكب التقييد في إطلاقات قاطعية الحدث ويفرّق بين المتيمم والمتوضي.

وذكر المحقِّق في المعتبر (٧) في توجيه هذا الفرق بأنّ التيمم مبيح لا رافع ، إذن فالحدث أثناء الصلاة لا أثر له ، إذ لا حدث بعد الحدث ، بل غايته ارتفاع الاستباحة بقاءً بوجدان الماء في مفروض المسألة ، فإذا جدّد الوضوء وبنى فقد تمّت صلاته ، مقدار منها بالتيمم السابق ومقدار بالوضوء اللّاحق.

وهذا بخلاف المتوضي فإنّه بعد ارتفاع الحدث بالوضوء وحصول الطهارة

__________________

(١) المقنعة : ٦١.

(٢) النهاية : ٤٨ ، المبسوط ١ : ١١٧.

(٣) حكاه عنه في المختلف ١ : ٢٨١.

(٤) المعتبر ١ : ٤٠٧.

(٥) الوسائل ٧ : ٢٣٦ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٦) التهذيب ١ : ٢٠٥ / ذيل ح ٥٩٥.

(٧) المعتبر ١ : ٤٠٧.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فالحدث العارض في الأثناء رافع لها وقاطع للصلاة ، فلا مناص من الاستئناف.

ويندفع : بابتناء الفرق على القول بالاستباحة وهو خلاف التحقيق ، بل الصواب أنّ التيمم أيضاً رافع كالوضوء فانّ التراب طهور كالماء على ما يقتضيه قوله عليه‌السلام : التراب أحد الطهورين (١) ، وغيره من النصوص التي منها نفس هذه الصحيحة حيث ذكر في صدرها : «... لمكان أنّه دخلها وهو على طهر بتيمم ...» إلخ (٢).

على أنّ مقتضى هذه المقالة أنّ المتيمم المزبور لو أحدث أثناء الصلاة بما يوجب الغسل ، أو بما يوجب الوضوء ولكنّه لم يجد الماء ، أنّه يغتسل في الأوّل ويتيمم في الثاني ويبني على صلاته ، وهو كما ترى لا يظن أن يلتزم به فقيه حتّى نفس هذا القائل.

فالصواب حينئذ أن يقال : إنّ مورد الصحيحة وإن كان هو التيمم إلّا أنّه يمنعنا عن تخصيص الحكم به أمران :

أحدهما : أنّ الطهارة الحاصلة في مورده وهو بدل عن الوضوء لو لم تكن أضعف من الحاصلة في مورد الوضوء فلا ريب أنّها لم تكن أقوى منها ، ضرورة أنّ البدل لا يكون أعظم شأناً وأقوى تأثيراً من المبدل منه. وعليه فكيف يمكن الحكم بانتقاض الصلاة بالحدث الصادر من المتوضي دون المتيمم ، فان هذا بعيد في نفسه بل غريب.

ثانيهما : أنّ التعبير بالطهر في صدر الحديث كما عرفت كاشف عن أنّ العبرة بمطلق الطهارة من دون خصوصية للتيمم. إذن فالمستفاد من الصحيحة تعميم الحكم لمطلق الطهور حتّى الوضوء ، وهذا شي‌ء لا يمكن تصديقه ، لكونه على

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٥ / أبواب التيمم ب ٢٣ (نقل بالمضمون).

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٢ / أبواب التيمم ب ٢١ ح ٤.

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

خلاف النصوص السابقة الناطقة بناقضية الحدث للطهارة وقاطعيته للصلاة.

فلا بدّ إذن من حمل الصحيحة على التقيّة أو ردّ علمها إلى أهله ، إذ لا سبيل للعمل بها بوجه.

الأمر الثاني : تقدّم (١) أنّ الصدوق نسب إليه القول بعدم ناقضية الحدث إذا كان بعد السجدة الثانية من الركعة الأخيرة ، ولعلّ الظاهر منه شمول الحكم لصورة العمد أيضاً واختاره المجلسي (٢). ويستدل له بجملة من النصوص :

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد ، قال : ينصرف فيتوضّأ فإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلِّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (٣).

وموثقة عبيد بن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال : تمّت صلاته ، وإنّما التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد» (٤).

وموثقته الأُخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل صلّى الفريضة فلمّا فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال : أما صلاته فقد مضت وبقي التشهّد وإنّما التشهّد سنّة في الصلاة ، فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهّد» (٥).

__________________

(١) في ص ٤١١.

(٢) البحار ٨١ : ٢٨٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهّد ب ١٣ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ٤١١ / أبواب التشهّد ب ١٣ ح ٢.

(٥) الوسائل ٦ : ٤١٢ / أبواب التشهّد ب ١٣ ح ٤.

٤١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع : بعدم كون النظر في هذه النصوص إلى عدم قاطعية الحدث الواقع أثناء الصلاة في خصوص هذا المورد أي بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة كي تكون تخصيصاً في دليل القاطعية ، بل الظاهر منها وقوع الحدث حينئذ خارج الصلاة ، لكون التشهّد سنّة كما زعمه جماعة من العامّة كأبي حنيفة وغيره من النافين لجزئية التشهّد ، بل أنكر بعضهم حتّى جزئية التشهّد الأوّل (١).

وعليه فتكون هذه النصوص معارضة بالنصوص الكثيرة الناطقة بالجزئية حسبما تقدّم في محلّه (٢) ، فلا جرم تكون محمولة على التقيّة.

ويرشدك إلى ذلك كثرة سؤال الرواة عن حكم هذه المسألة مع عدم الابتلاء بها إلّا نادراً ، لشذوذ صدور الحدث بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة فيعلم من ذلك أنّ ثمة خصوصية دعتهم إلى الإكثار من هذا السؤال ، وليست إلّا ما عرفت من ذهاب العامّة إلى الجواز ، وإلّا فلما ذا لم يسأل عن حكم الحدث في الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة ، أو بعد الركوع ، أو ما بين السجدتين مع وحدة المناط في الكل.

ومع الإغماض وتسليم كون النصوص ناظرة إلى التخصيص في دليل القاطعية فهي بأسرها معارضة بمعتبرة الحسن بن الجهم قال : «سألته يعني أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال : إن كان قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يعد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» (٣).

__________________

(١) بداية المجتهد ١ : ١٢٩ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٨ ، المغني ١ : ٦١٣ ، ٦١٤.

(٢) في ص ٢٤٣.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

٤١٩

عدا ما مرّ في حكم المسلوس والمبطون والمستحاضة. نعم ، لو نسي السلام ثمّ أحدث فالأقوى عدم البطلان (١) وإن كان الأحوط الإعادة أيضاً.

______________________________________________________

فإنّ السند لا غمز فيه إلّا من ناحية عباد بن سليمان وهو من رجال كامل الزيارات.

وما عن المحقِّق الهمداني (قدس سره) (١) من الجمع بينهما بحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب كما ترى ، لما تقدّم غير مرّة من أنّ الأمر المزبور إرشاد إلى الفساد واستحبابه ممّا لا محصل له ، فلا مناص من الإذعان باستقرار المعارضة والمرجع بعد التساقط إطلاق دليل القاطعية.

هذا كلّه في الحدث الواقع بعد السجدتين قبل الشهادتين.

وأمّا الواقع بعد الشهادة قبل التسليم فمقتضى النصوص المتقدِّمة حتّى المعتبرة وكذا صحيحة أُخرى لزرارة (٢) وإن كان هو الصحّة أيضاً ، إلّا أنّ ذلك من أجل وقوع الحدث خارج الصلاة كما يكشف عنه ما اشتملت عليه من التعبير بالتمامية وأنّه مضت صلاته ، ولكنّها معارضة بالنصوص الكثيرة الدالّة على جزئية التسليم وقد تقدّمت في محلّها (٣) فلا بدّ إذن من حمل هذه النصوص على التقيّة أو التصرّف فيها بإرادة وقوع الحدث بعد التشهّد وما يلحق به من التسليم.

(١) كما تقدّم (٤) البحث عنه مستوفى وبنطاق واسع في مباحث التسليم ، فراجع ولا نعيد.

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٤٠١ السطر ٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٤ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٢.

(٣) في ص ٣٠٤.

(٤) في ص ٣٢١.

٤٢٠