موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

الثالث : الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب (١) ، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضاً إذا جاء به بقصد الخصوصية

______________________________________________________

مسمع ، فقال ابن من؟ فقال : ابن مالك ، فقال : بل أنت مسمع بن عبد الملك ولعلّه عليه‌السلام أشار بذلك إلى أنّ مالك من أسماء الله تعالى فلا يجوز التسمِّي به ، فأضاف عليه‌السلام إليه كلمة عبد. وعليه لا يبعد أنّه عبد المالك فكتب عبد الملك ، فان لفظة مالك تكتب بالنحوين.

وكيف ما كان فمسمع هذا ثقة والروايتان صحيحتان قال في إحداهما عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسّلاً ، وليس له ولا كرامة أن يقول : سبِّح سبِّح سبِّح» (١) وهي ظاهرة الدلالة في عدم الاكتفاء بالأقل من هذا العدد.

وأصرح منها صحيحته الأُخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : لا يجزي الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ» (٢) حيث تضمّنت بالصراحة نفي الاجتزاء بالأقل ، فلا يجزي من مطلق الذكر إلّا التسبيحات الثلاث الصغرى أو ما يعادل هذا المقدار من سائر الأذكار ، فلو اختار الحمد لله أو الله أكبر ونحوهما لا بدّ وأن يكرِّرها ثلاثاً حتّى يساوي هذا المقدار ، والتسبيحة الكبرى أيضاً تعادله بحسب المعنى وإن لم تساو الحروف ، فكأنّ سبحان ربِّي تسبيحة والعظيم تسبيحة اخرى ، وبحمده تسبيحة ثالثة. وكيف كان فبهاتين الصحيحتين يقيّد الإطلاق في الصحيحتين السابقتين للهشامين لو سلم الإطلاق كما عرفت.

(١) إجماعاً كما ادّعاه غير واحد من الأصحاب كالمحقِّق في المعتبر (٣) والعلّامة

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٦ : ٣٠٢ / أبواب الركوع ب ٥ ح ١ ، ٤.

(٣) المعتبر ٢ : ١٩٤.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

في المنتهي (١) وغيرهما. فكأنه من المتسالم عليه ، وهو العمدة في المقام.

وهل يمكن الاستدلال بوجه آخر؟ قال في الحدائق (٢) : والأصحاب لم يذكروا هنا دليلاً على الحكم المذكور من الأخبار ، وظاهرهم انحصار الدليل في الإجماع ثمّ استدلّ هو (قدس سره) بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلِّي فلم يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (٣) ، ورواها البرقي في المحاسن عن ابن فضّال ، عن عبد الله بن بكير عن زرارة (٤). وعليه تكون موثقة ، كما أنّها بالطريق الأوّل صحيحة أو حسنة لمكان إبراهيم بن هاشم.

وقد روي هذا المضمون عن عبد الله بن ميمون عن علي عليه‌السلام (٥) لكنّها كما ترى قاصرة الدلالة على المطلوب ، إذ غايتها لزوم المكث في الركوع برهة ولو متمايلاً من جانب إلى آخر وعدم الاستعجال في رفع الرأس الّذي به يكون ركوعه كنقر الغراب ، وهذا أعم من الاستقرار المدّعى كما لا يخفى.

وأمّا مرسلة الذكرى «... ثمّ اركع حتّى تطمئن راكعاً ...» إلخ (٦) والنبوي المحكي عنه (٧) فضعفهما ظاهر ، ولا مجال للاعتماد عليهما.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٨٢ السطر ٥.

(٢) الحدائق ٨ : ٢٤٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٩٨ / أبواب الركوع ب ٣ ح ١.

(٤) المحاسن ١ : ١٥٨ / ٢٢٢.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٦ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٩ ح ٢.

(٦) الذكرى ٣ : ٣٦٣.

(٧) الذكرى ٣ : ٣٦٧.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لا بأس بالاستدلال بصحيحة بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سأله أبو بصير وأنا جالس عنده إلى أن قال عليه‌السلام فاذا ركع فليتمكّن ، وإذا رفع رأسه فليعتدل ...» إلخ (١) ، وقد عبّر عنها بالخبر مشعراً بضعفها ، لكن الظاهر صحّتها ، فانّ بكر بن محمّد ثقة وثّقه النجاشي (٢) والراوي عنه أحمد بن إسحاق مردّد بين الرازي والأشعري وكلاهما ثقة ، وإن كان الأظهر أنّ المراد به الأشعري ، لأنّ الصدوق ذكره في المشيخة في طريقه إلى بكر مصرّحاً بالأشعري (٣) ، فبهذه القرينة يظهر أنّ الراوي عنه هو الأشعري ، وهو وإن كان من أصحاب الجواد عليه‌السلام إلّا أنّه لا مانع بحسب الطبقة من روايته عن بكر الّذي هو من أصحاب الصادق والكاظم بل والرِّضا عليهم‌السلام.

وكيف كان ، فهي صحيحة السند كما أنّها ظاهرة الدلالة ، إذ التعبير بقوله : «إذا ركع فليتمكّن» ظاهر في الإرشاد إلى شرطية التمكّن في تحقّق الركوع المأمور به نظير قوله : «إذا صلّيت فاستقبل» لا أنّه واجب نفسي مستقل أو جزء ضمني للصلاة ، فدلالتها على اعتبار الاطمئنان في تحقّق الركوع الواجب ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

وأمّا الدلالة على اعتباره في الذكر الواجب فقد تمنع بأنّ غايتها الاعتبار في مسمّى الركوع دون الأكثر ، لكنّه في غير محله ، بل الظاهر أنّها تدل عليه أيضاً بالدلالة الالتزامية ، إذ دليل وجوب الذكر قد دلّ على الإتيان به في الركوع المأمور به لا مطلقاً ، فاذا كان الركوع المأمور به متقوّماً بالاطمئنان كما دلّت عليه هذه الصحيحة بالمطابقة ، فلازمه كون الاطمئنان بمقدار يتحقّق الذكر

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٨ ح ١٤.

(٢) رجال النجاشي : ١٠٨ / ٢٧٣.

(٣) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٣٣.

٢٣

فلو تركها عمداً بطلت صلاته (*) بخلاف السهو على الأصح وإن كان الأحوط الاستئناف إذا تركها فيه أصلاً ولو سهواً ، بل وكذلك إذا تركها في الذكر الواجب (١).

______________________________________________________

الواجب في ضمنه فلا يكفي مسمّاه.

وعلى الجملة ضم أحد الدليلين إلى الآخر يستوجب اعتبار الاستقرار في الركوع نفسه ، وفي الذكر الواجب فيه ، بل إنّ مقتضى هذا البيان اعتباره حتّى في الذكر المستحب إذا قصد به الخصوصية والورود ، فإنّه كالذكر الواجب في أنّ محله الركوع المأمور به فيعتبر الاستقرار في كليهما بملاك واحد. نعم ، لا يعتبر في المستحب المأتي به بقصد مطلق الذكر لا التوظيف ، إذ ليس له حينئذ محل معيّن كما هو ظاهر. فما ذكره في المتن من الاحتياط في الذكر المندوب إذا جاء به بقصد الخصوصية في محلّه.

(١) لا إشكال في البطلان لو أخلّ بالاطمئنان عمداً في الذكر الواجب فضلاً عن أصل الركوع كما هو ظاهر. وهل هو ركن تبطل الصلاة بتركه حتّى سهوا؟

نسب ذلك إلى بعض كالشيخ (١) ، والإسكافي (٢) ، وكأنّه أخذاً بإطلاق معاقد الإجماعات ، لكنّه واضح المنع كما لا يخفى ، هذا.

والصحيح في المقام هو التفصيل بين الإخلال به في أصل الركوع وبين تركه في الذكر الواجب.

ففي الأوّل ، لا يبعد القول بالبطلان لما عرفت من أنّ ظاهر صحيحة الأزدي

__________________

(*) في البطلان بترك الطمأنينة في الذكر المندوب إشكال بل منع.

(١) الخلاف ١ : ٣٤٨ المسألة ٩٨.

(٢) حكاه عنه في مفتاح الكرامة ٢ : ٤١٧ السطر ٣.

٢٤

الرابع : رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائماً (١) ، فلو سجد قبل ذلك عامداً بطلت الصلاة.

______________________________________________________

اعتباره في الركوع والإرشاد إلى شرطيته فيه ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين العمد والسهو ، إذ ليس هو حكماً نفسياً حتّى ينصرف إلى حال الاختيار بل إرشاد إلى الاعتبار الشامل بإطلاقه لكلتا الصورتين ، ومعه لا مجال للتمسّك بأصالة البراءة ، إذ لا سبيل إلى الأصل بعد إطلاق الدليل.

كما لا مجال للتمسّك بحديث لا تعاد ، إذ بعد تقوّم الركوع المأمور به بالاطمئنان كما نطق به الصحيح فالإخلال به إخلال بالركوع لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، وهو داخل في عقد الاستثناء في حديث لا تعاد.

وأمّا في الثاني ، فالظاهر الصحّة لأنّه إخلال بشرط الذكر ، فغايته الإخلال بالذكر نفسه فلا يزيد على تركه رأساً ، ومعلوم أنّ الإخلال بالذكر الواجب سهواً لا يقتضي البطلان لدخوله في عقد المستثنى منه في حديث لا تعاد. فظهر أنّ الأوجه كون الاطمئنان ركناً في أصل الركوع فلو تركه رأساً ولو سهواً بطلت صلاته ، وأمّا في الذكر الواجب فليس بركن فلا يضر تركه السهوي.

وممّا ذكرنا تعرف أنّ ما أفاده في المتن من الاحتياط في الاستئناف لو تركه أصلاً صحيح ، بل هو الأظهر كما عرفت. وأمّا احتياطه (قدس سره) فيما لو تركه سهواً في الذكر الواجب فلا وجه له.

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، بل عليه دعوى الإجماع في كثير من الكلمات وتقتضيه نصوص كثيرة ، بل في الجواهر (١) أنّها مستفيضة ، إلّا أنّ غالبها ضعيفة السند.

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ٨٧.

٢٥

الخامس : الطمأنينة حال القيام بعد الرفع (١) فتركها عمداً مبطل للصلاة.

______________________________________________________

نعم ، يمكن الاستدلال عليه بصحيحة حماد قال فيها : «ثمّ استوى قائماً» (١) فانّ الاستواء في القيام هو الانتصاب.

وبصحيحة أبي بصير «... وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتّى ترجع مفاصلك» (٢) ، ويؤيِّده خبره الآخر : «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» (٣).

وعليه فلو سجد قبل رفع الرأس والانتصاب عامداً بطلت صلاته. نعم لا بأس بذلك سهواً لحديث لا تعاد كما هو ظاهر.

(١) إجماعاً كما حكاه جماعة ، واستدلّ له في المدارك (٤) بالأمر بإقامة الصلب والاعتدال في خبري أبي بصير المتقدِّمين وغيرهما ، وهذا وإن كان ممكناً في حدّ نفسه إلّا أنّ الجزم به مشكل ، إذ الاعتدال والإقامة غير ملازم للاستقرار فانّ معناهما رفع الرأس إلى حدّ الانتصاب غير المنافي للتزلزل وعدم القرار كما لا يخفى.

فالأولى الاستدلال له بصحيحة حماد قال فيها : «فلمّا استمكن من القيام قال سمع الله لمن حمده» (٥) ، بضميمة ما في ذيلها من قوله عليه‌السلام : «يا حماد هكذا صل» ، فانّ الاستمكان ظاهره أخذ المكان المساوق للثبات

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٦٥ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٩.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٢١ / أبواب الركوع ب ١٦ ح ٢.

(٤) المدارك ٣ : ٣٨٩.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٢٦

[١٥٨١] مسألة ١ : لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع بل يكفي الانحناء بمقدار إمكان الوضع كما مرّ (١).

______________________________________________________

والاطمئنان كما لا يخفى.

وكيف كان ، فلا إشكال في الحكم فلو أخلّ به عمداً بطلت صلاته ، لا سهواً لحديث لا تعاد ، فليس بركن كما هو ظاهر.

(١) تقدّم الكلام حول هذه المسألة سابقاً (١) وعرفت أنّ الوضع مستحب لا واجب إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، كما عرفت أنّه الظاهر من النص أيضاً على ما مرّ.

نعم ، ذكر في الحدائق بعد أن اعترف بالإجماع وعدم الخلاف بين الأصحاب ما لفظه : ثمّ لا يخفى أنّ ظاهر أخبار المسألة هو الوضع لا مجرّد الانحناء بحيث لو أراد لوضع ، وأنّ الوضع مستحب كما هو المشهور في كلامهم والدائر على رؤوس أقلامهم ، فإنّ هذه الأخبار ونحوها ظاهرة في خلافه ، ولا مخصّص لهذه الأخبار إلّا ما يدعونه من الإجماع على عدم وجوب الوضع (٢).

وجوابه يظهر ممّا أسلفناك ، فإنّ الأمر بالوضع في الأخبار محمول على الاستحباب لا محالة بقرينة قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدِّمة : «فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك وأحبّ إليَّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك ...» (٣) فإنّه ظاهر بل صريح في عدم وجوب الانحناء حدّا يتمكّن معه من وضع اليدين على الركبتين فضلاً عن وجوب الوضع ، بل

__________________

(١) في ص ٥.

(٢) الحدائق ٨ : ٢٤٠.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

٢٧

[١٥٨٢] مسألة ٢ : إذا لم يتمكّن من الانحناء على الوجه المذكور ولو باعتماد على شي‌ء أتى بالقدر الممكن (*) ولا ينتقل إلى الجلوس وإن تمكّن من الركوع منه ، وإن لم يتمكن من الانحناء أصلاً وتمكّن منه جالساً أتى به جالساً والأحوط صلاة أُخرى بالإيماء (**) قائماً ، وإن لم يتمكّن منه جالساً أيضاً أومأ له وهو قائم برأسه إن أمكن ، وإلّا فبالعينين تغميضاً له وفتحاً للرّفع منه ، وإن لم يتمكّن من ذلك أيضاً نواه بقلبه وأتى بالذكر الواجب (***) (١).

______________________________________________________

قد صرّح عليه‌السلام باستحبابه بقوله «وأحبّ إلىَّ ...» إلخ فليس عليه إلّا إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين لا وضع الكف عليهما.

بل إنّ الإيصال الخارجي أيضاً غير واجب ، لما مرّ من أنّه ملحوظ على سبيل الطريقية لا الموضوعية لكونه واقعاً موقع التحديد ، فاللّازم إنّما هو الانحناء حدّا يتمكّن معه من إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين سواء أوصلها إليهما خارجاً أم لا ، إذ العبرة بالمنكشف لا الكاشف ، لعدم خصوصية للوصول الخارجي بعد لحاظه طريقاً كما عرفت.

(١) للمسألة صور :

إحداها : ما إذا لم يتمكّن من الانحناء على الوجه المأمور به مع تمكّنه منه في الجملة ، والمشهور حينئذ وجوب الانحناء بالمقدار الممكن ، بل ادّعى غير واحد الإجماع عليه ، ويستدل له بوجهين :

__________________

(*) ويومئ معه أيضاً على الأحوط.

(**) الظاهر كفايتها بلا حاجة إلى الصلاة جالسا.

(***) على الأحوط.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : التمسّك بإطلاقات الأمر بالركوع ، لما مرّ (١) من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، وأنّ الركوع في لسان الشرع على ما هو عليه من المعنى اللّغوي أعني مطلق الانحناء ، غايته ثبوت التقييد بالبلوغ إلى مرتبة خاصّة يتمكّن معها من إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين ، وحيث إنّه كغيره من سائر التكاليف مشروط بالقدرة فلا تقييد بالإضافة إلى العاجز فتشمله الإطلاقات.

وفيه أوّلاً : أنّ دليل التقييد لم يتضمّن حكماً تكليفياً نفسياً كي يختصّ بالقادرين ، وإنّما هو إرشاد إلى اعتبار المرتبة الخاصّة من الانحناء في الركوع المأمور به وكونها شرطاً فيه كأدلّة سائر الأجزاء والشرائط كما تقدّم ، ومقتضى الإطلاق في مثله عدم الفرق بين حالتي العجز والاختيار.

وثانياً : مع التسليم فلازمه التخيير بعد العجز عن تلك المرتبة الخاصّة بين جميع مراتب الانحناء ، لصدق الركوع لغة على مطلقها كما عرفت ، لا وجوب الإتيان بالمقدار الممكن كما هو المدّعى لعدم الدليل عليه.

ثانيهما : التمسّك بقاعدة الميسور المنجبر ضعفها بقيام الإجماع على العمل بها في المقام.

أقول : إن تمّ الإجماع في المسألة فهو المستند ، وإلّا فالقاعدة في نفسها غير صالحة للاستدلال ، لمنعها كبرى من أجل ضعف مدركها كما نقحناه في الأُصول (٢). وكذا صغرى ، لتوقفها على كون الهوي من أجزاء الواجب ، وتركب المأمور به منه ومن غيره كي يجب البعض لدى تعذّر الكل لكونه ميسوراً منه. وأمّا بناءً على ما هو التحقيق من خروجه عنه وكونه معتبراً فيه شرطاً لا شطراً ، وأنّ الواجب أمر وحداني بسيط ، وهي الهيئة الخاصّة الحاصلة من الانحناء البالغ

__________________

(١) في ص ٣.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٤٧٧.

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حدّا مخصوصاً ، والركوع الواجب اسم لتلك المرتبة الخاصّة البسيطة ، والهوي إليها مقدّمة خارجية غير داخلة في حقيقة المأمور به ، فلا مجال حينئذ لتطبيق قاعدة الميسور ، لوضوح أنّ المقدّمة مباينة مع ذيها وأجنبية عنه ، لا أنّها من مراتبه كي تكون ميسوراً منه.

ودعوى أنّ الركوع عبارة عن الحركة من الانتصاب إلى حدّ الركوع ، فكل حركة بين الحدّين جزء المجموع ، أو أنّه من التأكّد في الكيف ، لم نتحقّقها ، بل الظاهر خلافها كما عرفت.

فما أفاده المحقِّق الهمداني (قدس سره) (١) من أنّ المقام من أظهر مصاديق القاعدة ومجاريها لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّه إنّما يتّجه بناءً على كون الهوي من أجزاء الواجب ، وقد عرفت أنّه من المقدّمات ، بل ومع الشك في ذلك أيضاً لا مجال لها ، لعدم إحراز صغراها ، فيكفينا مجرّد الشك فضلاً عن استظهار العدم كما عرفت.

وعليه ، فلا دليل على الاجتزاء بالمقدار الممكن من الانحناء ، بل الأقوى أنّ الوظيفة حينئذ هو الإيماء ، لإطلاق ما دلّ على بدليّته عن الركوع التام لدى العجز عنه كما تقدّم البحث عنه في أحكام القيام (٢) ، ولا تنتقل الوظيفة إلى الركوع الجلوسي التام وإن تمكّن منه ، كما نبّه عليه في المتن ، لاختصاصه بالعاجز عن الصلاة قائماً بحيث كانت وظيفته الصلاة عن جلوس ، وهو خارج عن محل البحث.

نعم ، لا بأس بضمّ الانحناء إلى الإيماء احتياطاً حذراً عن مخالفة المشهور قاصداً بأحدهما لا بعينه ما هي الوظيفة الواقعية في حقِّه فيقع الآخر لغواً

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٢٧ السطر ٣٠.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٢٢٢.

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

غير مضر.

الصورة الثانية : ما إذا لم يتمكّن من الانحناء حال القيام أصلاً ، وهي على صور ، لأنّه قد يتمكّن من الركوع الجلوسي التام ، وأُخرى لا يتمكّن إلّا من الناقص منه ، وثالثة لا يتمكّن منه أصلا.

أمّا في الأخير فلا ريب أنّ الوظيفة هي الإيماء ، لأدلّة بدليّته عن الركوع كما مرّ التعرّض لها في بحث القيام (١).

وأمّا الفرض الأوّل ، أعني صورة التمكّن من الركوع الجلوسي التام ، فقد ذكر العلّامة الطباطبائي (قدس سره) في منظومته تعيّنه (٢) واختاره في المتن وكأنّه لأقربيّته إلى الصلاة التامّة من الإيماء قائماً ، لكنّه كما ترى مجرّد استحسان ووجه اعتباري لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي ، بل الظاهر عدم جوازه فضلاً عن وجوبه ، فانّ الركوع الجلوسي وظيفة العاجز عن القيام ، وهذا قادر عليه على الفرض ، فلا يشرع في حقّه إلّا الإيماء أخذاً بدليل بدليّته لدى العجز عن الركوع الاختياري.

وعلى الجملة : المتحصل من الأدلّة كما فصّلنا الكلام حولها في بحث القيام (٣) أنّ المتمكِّن من القيام وظيفته الصلاة قائماً ، والعاجز عنه يصلِّي عن جلوس والعاجز عنه أيضاً يصلِّي مضطجعاً إلى أحد الجانبين أو مستلقياً على تفصيل تقدّم. وفي كل من هذه المراحل إن تمكّن من الركوع والسجود على حسب وظيفته أتى بهما ، وإلّا أومأ إليهما.

ونتيجة ذلك : أنّه لو تمكّن من الصلاة عن قيام كما هو محل الكلام ، ولم

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٢٢٢.

(٢) الدرّة النجفية : ١٢٥.

(٣) شرح العروة ١٤ : ٢١١ وما بعدها.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

يتمكّن من الركوع القيامي فليست وظيفته إلّا الإيماء إليه ، ولا ينتقل إلى الركوع الجلوسي ، فإنّه وظيفة العاجز عن القيام الّذي يصلِّي عن جلوس والمفروض في المقام أنّه يصلِّي عن قيام لقدرته عليه.

فظهر أنّ الأقوى في هذه الصورة أيضاً هو الإيماء. فما ذكره في المتن من أنّه أحوط فيأتي بصلاة اخرى بالإيماء قائماً في غير محلّه ، بل إنّ هذا هو المتعيِّن بلا حاجة إلى الصلاة جالساً كما نبّه عليه سيِّدنا الأُستاذ في التعليقة.

وأمّا ما في الجواهر (١) من الاشكال على ترجيح الركوع الجلوسي في المقام باستلزامه الإخلال بالركن وهو القيام المتّصل بالركوع ، بخلاف ما لو صلّى قائماً مومئاً ، فإنّه محافظ عليه.

فساقط ، لما عرفت سابقاً (٢) من عدم وجوب هذا القيام في نفسه فضلاً عن ركنيته ، وإنّما اعتباره من أجل تقوّم الركوع به ، فإنّه ليس عبارة عن مجرّد الهيئة الحاصلة من الانحناء الخاص كيف ما اتّفق ، بل بشرط كونه مسبوقاً بالقيام فالمسمّى بالركوع لغة وشرعاً خصوص الحصّة الخاصّة وهي الانحناء الحاصل عن القيام لا مطلقاً ، فهو دخيل في حقيقة الركوع لا أنّه واجب مستقل ، ومع سقوطه لمكان العجز كما هو المفروض يسقط القيام بتبعه لا محالة ، فلا يلزم الإخلال بالركن زائداً على الركوع الساقط على كلّ حال. وكيف ما كان فلا ينبغي الرّيب في تعين الإيماء قائماً وعدم الانتقال إلى الركوع جالساً للوجه الّذي عرفت.

وأمّا الفرض الثاني : أعني ما إذا لم يتمكّن إلّا من الركوع الجلوسي الناقص أي مع الانحناء إليه في الجملة ، فدار الأمر بينه وبين الإيماء قائماً ، وهو الّذي

__________________

(١) لاحظ الجواهر ١٠ : ٨٠.

(٢) شرح العروة ١٤ : ١٦٨.

٣٢

[١٥٨٣] مسألة ٣ : إذا دار الأمر بين الركوع جالساً مع الانحناء في الجملة وقائماً مومئاً لا يبعد تقديم الثاني (*) ، والأحوط تكرار الصلاة (١).

[١٥٨٤] مسألة ٤ : لو أتى بالركوع جالساً ورفع رأسه منه (٢) ثمّ حصل له التمكّن (**) من القيام لا يجب بل لا يجوز له إعادته قائماً ، بل لا يجب عليه القيام للسجود خصوصاً إذا كان بعد السمعلة ، وإن كان أحوط وكذا لا يجب إعادته بعد إتمامه بالانحناء غير التام ،

______________________________________________________

تعرّض (قدس سره) إليه في المسألة الآتية ، فقد ذكر في المتن أنّه لا يبعد تقديم الثاني ، والأحوط تكرار الصلاة.

وقد ظهر ممّا مرّ أنّه لا ينبغي الريب في تعيّن الإيماء حينئذ وإن قلنا بتقديم الركوع الجلوسي التام عليه في الصورة السابقة بدعوى أقربيّته منه إلى الركوع القيامي المتعذِّر ، إذ لا مجال لتوهّم الأقربية هنا أصلاً بعد أن لم يكن الانحناء في الجملة من الركوع الشرعي في شي‌ء كما لا يخفى.

فتحصّل : أنّ المتعيِّن في جميع صور المسألة هو الإيماء ، سواء تمكّن من الانحناء في الجملة قائماً أم لا ، وسواء تمكّن من الركوع الجلوسي التام أو الناقص أم لا عملاً بإطلاق أدلّة بدليّته عن الركوع القيامي لدى تعذّره كما ظهر وجهه ممّا مرّ وإن كان الاحتياط المذكور في المتن في فروض المسألة ممّا لا بأس به فإنّه حسن على كلّ حال.

(١) قد ظهر الحال ممّا قدّمناه آنفاً فلاحظ.

(٢) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لفروض تجدّد القدرة أثناء الصلاة

__________________

(*) بل هو الأظهر ورعاية الاحتياط أولى.

(**) مرّ ضابط هذا الفرع في بحث القيام [في المسألة ١٤٨٦].

٣٣

وأمّا لو حصل له التمكّن في أثناء الركوع جالساً ، فان كان بعد تمام الذكر الواجب يجتزئ به ، لكن يجب عليه الانتصاب للقيام بعد الرفع ، وإن حصل قبل الشروع فيه أو قبل تمام الذكر يجب عليه أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع القيامي ثمّ إتمام الذكر والقيام بعده والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة ، وإن حصل في أثناء الركوع بالانحناء غير التام أو في أثناء الركوع الايمائي فالأحوط الانحناء (*) إلى حدّ الركوع وإعادة الصلاة.

______________________________________________________

فذكر أنّ التجدّد إن كان بعد رفع الرأس عن الركوع جالساً لا يجب ، بل لا يجوز له إعادته قائماً لاستلزام زيادة الركن ، كما لا يجب عليه القيام للسجود لعدم وجوبه إلّا من باب المقدّمة وقد حصلت. ويلحق بذلك ما لو تجدّدت بعد الانتهاء عن الانحناء غير التام حال القيام بناءً على الاجتزاء به عن التام.

وإن كان قبل رفع الرأس ، فإن كان بعد تمام الذكر الواجب لزمه الانتصاب تحصيلاً للقيام الواجب بعد الرفع ، لقدرته عليه ولم يحصل بدله كما حصل في الفرض السابق.

وإن كان قبله سواء أكان أثناء الذكر أم قبل الشروع فيه فمن حيث نفس الركوع يجتزي به كسابقه لحصوله حال العجز غير أنّ الذكر الواجب لم يتحقّق أو لم يكمل بعد ، وحيث لا اعتبار بهذا الركوع بقاءً لارتفاع العذر فلا مناص له من أن يقوم متقوّساً إلى حدّ الركوع القيامي ، فيأتي بالذكر حينئذ أو يتمّه كما يأتي بالقيام بعده ، واحتاط حينئذ بإعادة الصلاة.

وأمّا إذا كان التجدّد أثناء الانحناء أو الإيماء فالأحوط الانحناء إلى حدّ

__________________

(*) بل الأظهر ذلك بلا حاجة إلى الإعادة.

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الركوع ثمّ إعادة الصلاة.

أقول : قدّمنا في بحث القيام (١) ما هو الضابط العام لأمثال المقام ممّا تجدّدت فيه القدرة أثناء الصلاة.

وحاصله : أنّ التجدّد تارة يفرض في ضيق الوقت بحيث لا يتمكّن من إعادة الصلاة ، وأُخرى في سعته ، وعلى التقديرين فان لم يلزم من تدارك الفائت محذور زيادة الركن وجب ذلك كما لو قرأ جالساً وقبل الدخول في الركوع تمكن من القيام فإنّه يجب عليه حينئذ إعادة القراءة قائماً ولا محذور فيها ، فان مثل هذه الزيادة غير قادحة.

وإن لزم المحذور المزبور فان لم يكن الفائت ركناً مضى في صلاته وصحّت لحديث لا تعاد ، كما لو قرأ جالساً لعجزه عنها قائماً وبعد الركوع الاختياري تمكن من القراءة قائما.

وإن كان ركناً كما لو ركع جالساً وتمكن بعد ذلك من الركوع القيامي ، فإن كان في ضيق الوقت صحّت صلاته أيضاً ومضى فيها ، فانّ ذلك غاية ما في وسعه من الامتثال والصلاة لا تسقط بحال.

وإن كان في سعته ففي الصحّة إشكال ، بل منع لعدم الدليل على الاجتزاء بهذا الفرد الناقص بعد تعلّق الأمر بالطبيعة الجامعة المحدودة بين الحدّين وتمكنه منها بالإتيان بفرد آخر.

فتحصّل : أنّ مقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة في جميع فروض المسألة من غير فرق بين الضيق والسعة ما عدا صورة واحدة ، وهي ما إذا كان الفائت ركناً والوقت واسعاً ، فإنّ الأقوى حينئذ البطلان كما عرفت.

هذا هو الضابط الكلِّي لكبرى هذه المسألة ونظائرها.

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٢٥١ المسألة [١٤٨٦].

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا التطبيق على المقام فنقول : قد تكون الوظيفة هي الركوع الجلوسي وأُخرى الانحناء غير التام حال القيام بناءً على الاجتزاء به ـ ، وثالثة الإيماء وعلى التقادير فقد يكون التجدّد بعد الانتهاء عنها ، وأُخرى في الأثناء ، ففروض المسألة ستّة تعرّض لجميعها في المتن ما عدا صورة واحدة ، وهي التجدّد بعد الانتهاء من الإيماء.

فإن تجدّدت القدرة على الركوع التام القيامي بعد رفع الرأس عن الركوع جالساً فقد ذكر في المتن أنّه لا يجب بل لا يجوز له إعادته قائماً. وهذا هو الصحيح فيجتزى به ، لكن في ضيق الوقت خاصّة ، وأمّا في السعة فحيث إنّ الفائت ركن ولا يمكن تداركه فالصلاة باطلة والإعادة واجبة كما ظهر وجهه ممّا مرّ آنفاً. فما أفاده (قدس سره) لا يتم على إطلاقه.

وإن تجدّدت بعد الانتهاء عن الانحناء غير التام فقد ألحقه الماتن بسابقه.

والأولى أن يقال : إذا بنينا على أنّ الدليل المانع من زيادة الركوع من حديث لا تعاد أو غيره يشمل ما إذا كان الزائد مثل هذا الركوع ، فالإلحاق في محلّه مع مراعاة التفصيل بين السعة والضيق كما عرفت.

وأمّا إذا بنينا على انصرافه عن الركوع الانحنائي كما لا يبعد وسيجي‌ء الكلام عليه إن شاء الله تعالى ، فاللّازم تدارك الركوع مطلقاً لعدم محذور فيه ، غايته أنّه تخيّل أنّ وظيفته الانحناء والانتقال إلى البدل واعتقد أمراً خيالياً ، ومثله لا يجزي عن الواقع بعد انكشاف الخلاف ، فيلغى بعد عدم ضير في زيادته ويجب الإتيان بالركوع قائما.

وأولى بذلك ما لو كان التجدّد بعد الانتهاء عن الإيماء وهو الّذي لم يتعرّض له في المتن بل لا ينبغي الإشكال في انصراف دليل الزيادة عن مثل ذلك. نعم ، لو كان الزائد من سنخ المزيد عليه فكرّر الانحناء أمكن دعوى

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

زيادة الركوع ، وأمّا مع الاختلاف في السنخ فكانت الوظيفة الركوع القيامي لقدرته عليه فأضاف عليه الإيماء أو الانحناء ، ففي مثله يشكل صدق تعدّد الركوع سيّما في الأوّل ، لعدم كون الإيماء من الركوع في شي‌ء لا شرعاً ولا لغة وإنّما هو بدل ووظيفة مقرّرة لدى العجز عنه ، بل لا ينبغي الريب في عدم الصدق كما عرفت ، فاللّازم إعادة الركوع قائماً ولا محذور فيها.

وإن تجدّدت أثناء الركوع جالساً ، فان كان بعد تمام الذكر الواجب فقد ذكر في المتن أنّه يجتزئ به ، لكن يجب عليه الانتصاب للقيام بعد الرفع.

أقول : أمّا الاجتزاء فوجيه في فرض الضيق فقط ، وإلّا ففي السعة يحكم بالبطلان كما مرّ. وأمّا الانتصاب فلا دليل عليه ، فانّ الانتصاب القيامي إنّما يجب بعد الركوع القيامي كي لا يهوي إلى السجود من الركوع ، ولا دليل على وجوبه بعد مطلق الركوع حتّى الجلوسي منه.

وإن شئت فقل : إنّ اللّازم بعد كل ركوع الانتصاب المناسب له وعدم الهوي منه إلى السجود ، فان ركع قائماً وجب الانتصاب القيامي ، وإن ركع جالساً فالانتصاب الجلوسي ، وبعد فرض الاجتزاء في المقام بالركوع الجلوسي إمّا مطلقاً على مسلكه ، أو في خصوص الضيق على المختار كما عرفت فلا يجب إلّا الانتصاب جالساً الحاصل في المقام ، فالانتصاب للقيام لا دليل على جوازه فضلاً عن وجوبه.

وإن كان قبل تمام الذكر ، أو قبل الشروع فيه فقد حكم في المتن بوجوب القيام متقوّساً إلى حدّ الركوع القيامي ثمّ إتمام الذكر والقيام بعده.

وهذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، لما مرّ غير مرّة من تقوّم الركوع بالانحناء عن قيام ، وليس هو عبارة عن مطلق إحداث تلك الهيئة الانحنائية كيف ما اتّفق ، فالقيام متقوّساً ليس من الركوع في شي‌ء بعد عدم سبقه بالقيام

٣٧

[١٥٨٥] مسألة ٥ : زيادة الركوع الجلوسي والايمائي مبطلة ولو سهواً كنقيصته (١).

______________________________________________________

فلا فائدة في ذلك. ولو فرض صدق الركوع عليه فاللّازم الحكم بالبطلان لزيادة الركن كما لا يخفى.

وبالجملة : فليس له إلّا إتمام الذكر في نفس هذا الركوع ، ولا يشرع له القيام منحنياً والإتيان بالذكر فضلاً عن وجوبه ، ولا حاجة إلى إعادة الصلاة.

وإن تجدّدت أثناء الركوع بالانحناء غير التام ، أو أثناء الركوع الايمائي ، فقد احتاط في المتن بالانحناء إلى حدّ الركوع وإعادة الصلاة.

وقد ظهر ممّا مرّ : أنّ ذلك هو الأظهر ، بلا حاجة إلى إعادة الصلاة ، لعدم صدق الزيادة في الركوع سيّما في الانحناء غير التام ، فإنّه من مقدّمات الركوع الشرعي ومبادئه ، إذ هو زيادة في الانحناء وتشديد في الكيف ، فلا يعد وجوداً مستقلا آخر في قباله كي يعد من زيادة الركوع كما هو ظاهر جدّا.

(١) أمّا البطلان في فرض النقص فظاهر ، فانّ الركوع من مقوّمات الصلاة كما يشهد به ما دلّ على أنّ الصلاة ثلث طهور وثلث ركوع ، وثلث سجود (١) فمع خلوّها عنه وعن بدله وهو الإيماء لا يصدق عنوان الصلاة ، مضافاً إلى عقد الاستثناء في حديث لا تعاد ، وهذا ظاهر جدّاً بلا فرق فيه بين العمد والسهو.

وأمّا في فرض الزيادة فكذلك بالإضافة إلى الركوع الجلوسي ، فإنّه ركوع حقيقة لغة وشرعاً ، فيشمله ما دلّ على البطلان بزيادة الركوع فإنّه بإطلاقه يعمّ الركوع القيامي والجلوسي.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

٣٨

[١٥٨٦] مسألة ٦ : إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض (١) فان تمكن من الانتصاب ولو بالاعتماد على شي‌ء وجب عليه ذلك ، لتحصيل القيام الواجب حال القراءة وللركوع ، وإلّا فللركوع فقط فيقوم وينحني ، وإن لم يتمكّن من ذلك لكن تمكن من الانتصاب في الجملة فكذلك ، وإن لم يتمكّن أصلاً ، فإن تمكن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل بحيث لا يخرج عن حدّ الركوع وجب (*) ، وإن لم يتمكّن من الزيادة أو كان على أقصى مراتب الركوع بحيث

______________________________________________________

وأمّا بالنسبة إلى الايمائي فالمشهور أنّه كذلك ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، استناداً إلى سراية أحكام المبدل إلى البدل.

لكنّه كما ترى ، فإنّ البدلية لا تستدعي إلّا تنزيل البدل منزلة المبدل في وجوب الإتيان به ، ولا نظر في دليلها إلى بقية الأحكام كي يقتضي سرايتها إليه. وعليه فان تمّ الإجماع على الإلحاق ولم يتم فهو ، وإلّا ففي الحكم بالبطلان إشكال بل منع ، لعدم كون الإيماء ركوعاً لا لغةً ولا شرعاً ، وإنّما هو بدل عن الركوع ووظيفة مقرّرة لدى العجز عنه ، فلا يشمله ما دلّ على البطلان بزيادة الركوع (١) فانّ ذاك الدليل خاص بالركوع ولا يعم بدله الّذي ليس هو من الركوع في شي‌ء.

(١) تفصيل المقام : أنّ من كان على هيئة الراكع خلقة أو لعارض ، إن تمكن من الانتصاب قليلاً ولو بالاعتماد على شي‌ء وجب ذلك على حسب طاقته رعاية للقيام الواجب حال تكبيرة الإحرام والقراءة والقيام المتّصل بالركوع ، فإن أمكنه الكل فهو ، وإلّا فبالمقدار الميسور ، لا أقل من القيام آناً ما الّذي يتقوّم به الركوع

__________________

(*) لا تبعد كفاية الإيماء حينئذٍ ، وإن كان الجمع بينه وبين ما في المتن أحوط.

(١) نعم ، ولكنّه زيادة في الصلاة بعد الإتيان به بقصد الجزئية كما هو المفروض ، فتقدح مع العمد وإن لم يصدق عنوان الركوع.

٣٩

لو انحنى أزيد خرج عن حدّه فالأحوط له الإيماء بالرأس (*) ، وإن لم يتمكّن فبالعينين له تغميضاً وللرفع منه فتحاً ، وإلّا فينوي به قلباً ويأتي بالذكر (**).

______________________________________________________

فيأتي حينئذ بالركوع الاختياري.

وإن عجز عن ذلك أيضاً فلم يتمكّن من الانتصاب أصلاً ، فإن تمكن من القيام في الجملة ولو منحنياً الّذي هو حد متوسط بين الركوع وبين الانتصاب التام وجب ذلك وكان ركوعه اختيارياً أيضاً فإنّه متقوّم بمطلق القيام لا بخصوص القيام الانتصابي ، فانّ الانتصاب واجب آخر حال القيام قد سقط لدى العجز غير معتبر في حقيقة الركوع ، وإنّما يتقوّم بطبيعي القيام الحاصل في المقام ولو في ضمن فرد آخر وهو القيام الانحنائي فيجب مع التمكّن منه.

وإن لم يتمكّن من القيام أصلاً ، فتارة يفرض تمكنه من ازدياد الانحناء والانتقال إلى مرتبة اخرى اخفض ممّا هو عليه مع المحافظة على عدم الخروج عن أقصى مراتب الركوع ، وأُخرى لا يتمكّن من الزيادة أصلاً ، أو لو زاد خرج بذلك عن حدّ الركوع الشرعي ، فهنا فرضان.

أمّا الفرض الأوّل ففيه وجوه بل أقوال :

أحدها : ما اختاره في المتن ولعلّه المشهور من وجوب الانحناء أزيد ممّا هو عليه ، استناداً إلى لزوم الفرق بين قيامه وركوعه ، كما هو الحال في الإيماء للركوع وللسجود ، فكما يومئ للثاني أخفض منه للأوّل ، لمكان الفرق بينهما فكذا في المقام.

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(**) على الأحوط كما مرّ.

٤٠