موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد أجاب عنه المحقِّق الهمداني (قدس سره) (١) تبعاً لصاحب الحدائق بما هو في غاية الجودة : وهو أنّه إن أُريد من الدُّعاء معناه المصطلح المقابل للذكر من التكبير والتسبيح ونحوهما ، أعني طلب حاجة دنيوية أو أُخروية ، فلا ريب في عدم وجوبه في القنوت ، لجواز الاقتصار على مجرد التسبيح كما نطقت به جملة من النصوص.

وإن أُريد به معناه العام الشامل لمطلق الذكر ، فهو صادق على ذكرى الركوع والسجود وعلى القراءة والتشهّد ، فلا دليل على أن يكون المراد خصوص ما يقع في حال القنوت. مع أنّ الدعاء بالمعنى الأوّل منطبق على الصلاة على محمّد وآله ، الواقعة بعد التشهّد ، فإنّها أيضاً نوع من طلب الحاجة ولا إشكال في وجوبها.

ثالثها : النصوص الآمرة بالقنوت في جميع الصلوات :

كصحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن القنوت ، فقال : في كل صلاة فريضة ونافلة» (٢).

وصحيحة (٣) محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه «قال : القنوت في كل ركعتين في التطوّع والفريضة» (٤).

وما رواه الصدوق في العيون عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون «قال : والقنوت سنّة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة» (٥).

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٨٨ السطر ٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٦٣ / أبواب القنوت ب ١ ح ٨.

(٣) [ولكن طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم ضعيف].

(٤) الوسائل ٦ : ٢٦١ / أبواب القنوت ب ١ ح ٢.

(٥) الوسائل ٦ : ٢٦٢ / أبواب القنوت ب ١ ح ٤ ، عيون أخبار الرِّضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وما رواه في الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمّد في حديث شرائع الدين «قال : والقنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة» (١).

ويندفع : بأنّ الصحيحتين ناظرتان إلى المشروعية التي كثر السؤال عنها في لسان الأخبار لا إلى الوجوب كما يفصح عنه عطف النافلة على الفريضة في إحداهما ، وعطف التطوّع عليها في الأُخرى ، فإن من الضروري أنّ القنوت على القول بوجوبه فهو خاص بالفرائض ولا يعم النوافل.

وأمّا روايتا العيون والخصال فدلالتهما وإن كانت تامّة لكن السند ضعيف كما لا يخفى ، فلا يمكن التعويل عليهما.

رابعها : النصوص الآمرة بالقنوت في خصوص الصلوات الجهرية ، وهي روايتان هما المستند لابن أبي عقيل القائل بالتفصيل بين الجهرية وغيرها.

إحداهما : موثقة سماعة قال : «سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال : كل شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت» (٢).

ثانيتهما : معتبرة وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة ، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (٣).

والظاهر أنّ المراد من وهب هذا هو وهب بن عبد ربّه كما صرّح به في الكافي ج ٣ ص ٣٣٩ عند نقله لذيل هذه الرواية وهو موثق.

كما أنّ المراد من العشاء هو المغرب ، ومن العتمة العشاء ، فإنّه قد يعبّر عن صلاة المغرب بالعشاء ، ومن ثمّ يعبّر عن العشاء بالعشاء الآخرة.

ويندفع أوّلاً : بعدم كونهما ناظرتين إلى الوجوب ، بل إلى أصل المشروعية

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦٢ / أبواب القنوت ب ١ ح ٦ ، الخصال : ٦٠٤.

(٢) ، (٣) الوسائل ٦ : ٢٦٤ / أبواب القنوت ب ٢ ح ١ ، ٢.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التي كثر السؤال عنها في الأخبار لاختلاف الأنظار ، بل ذهاب عامّة المخالفين إلى الإنكار ، فإن أبا حنيفة قال : لا يقنت في شي‌ء من الصلوات إلّا الوتر. وقال مالك والشافعي : لا يقنت في شي‌ء من الصلوات المفروضة إلّا الصبح خاصّة (١).

ويرشدك إلى ذلك قوله عليه‌السلام في ذيل المعتبرة : «فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» إذ ليت شعري لو كان النظر معطوفاً إلى الوجوب فما هو الوجه في تخصيص الترك بالرغبة ، ضرورة أنّ مطلق ترك الجزء موجب للبطلان سواء أكان رغبة عنه أم لا. فالتقييد المزبور خير دليل على أنّ القنوت في نفسه مستحب وسنّة ، والّذي يقدح إنّما هو الإعراض عن هذه السنّة والرغبة عنها لا مجرد الترك.

وثانياً : بمعارضتها لروايتين : إحداهما : صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرِّضا عليه‌السلام قال : «سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلّها أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟ قال : ليس القنوت إلّا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب» (٢).

ثانيتهما : موثقة يونس بن يعقوب قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت في أيّ الصلوات أقنت؟ فقال : لا تقنت إلّا في الفجر» (٣). حيث لم تذكر العشاء في الاولى مع أنّها أيضاً جهرية ولم يذكر من الجهرية في الثانية إلّا خصوص الفجر.

وثالثاً : بلزوم حملها على التقيّة بشهادة جملة من النصوص.

منها : موثقة أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت فقال : فيما يجهر فيه بالقراءة ، قال : فقلت له : إنِّي سألت أباك عن ذلك ، فقال : في

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٦٥ ، المغني ١ : ٨٢٣ ، المجموع ٣ : ٤٩٤ ، ٥٠٤.

(٢) ، (٣) الوسائل ٦ : ٢٦٥ / أبواب القنوت ب ٢ ح ٦ ، ٧.

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الخمس كلّها ، فقال : رحم الله أبي إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثمّ أتوني شكّاكاً فأفتيتهم بالتقيّة» (١).

فإنّها صريحة في أنّ الحكم الواقعي هو ثبوت القنوت في جميع الفرائض وأنّ التخصيص بالجهرية مبني على التقيّة.

ومنها : موثقة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن القنوت في الصلوات الخمس ، فقال : اقنت فيهنّ جميعاً. قال : وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام بعد ذلك عن القنوت ، فقال لي : أمّا ما جهرت به فلا تشك (شك)» (٢).

ومنها : موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : القنوت في كل الصلوات (٣) قال محمّد بن مسلم فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أمّا ما لا يشك فيه فما جهر فيه بالقراءة» (٤) فانّ التعبير بنفي الشك لا يناسب إلّا التقيّة كما لا يخفى.

خامسها : وهو العمدة موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إن نسي الرجل القنوت في شي‌ء من الصلاة حتّى يركع فقد جازت صلاته وليس عليه شي‌ء ، وليس له أن يدعه متعمداً» (٥).

فإنّ النهي عن الترك عامداً ظاهر في الوجوب ، فهي واضحة الدلالة على وجوب القنوت في جميع الصلوات كما أنّها تامّة السند.

إلّا أنّه لم يكن بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور ، وكذا ظهور سائر الأخبار المتقدِّمة لو سلّم ظهورها في الوجوب لقرائن عديدة تشهد بذلك وتستوجب

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦٣ / أبواب القنوت ب ١ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٦٢ / أبواب القنوت ب ١ ح ٧.

(٣) ، (٤) الوسائل ٦ : ٢٦٥ / أبواب القنوت ب ٢ ح ٤ ، ٥.

(٥) الوسائل ٦ : ٢٨٦ / أبواب القنوت ب ١٥ ح ٣.

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الحمل على الاستحباب.

الأُولى : صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرِّضا عليه‌السلام «قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام في القنوت : إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت ، قال أبو الحسن عليه‌السلام : وإذا كانت التقيّة فلا تقنت وأنا أتقلد هذا» (١).

ورواها الشيخ بسند آخر عن البزنطي عنه عليه‌السلام إلّا أنّه قال : «القنوت في الفجر» (٢).

والظاهر تعدّد الرواية وتكرّر الواقعة لاختلاف المتن والسند وإن اتّحد الجواب فسأله تارة عن القنوت في مطلق الصلوات ، وأُخرى في خصوص صلاة الفجر ولعلّه لذهاب جماعة من العامّة (٣) إلى مشروعيّته فيها فأجاب عليه‌السلام في الموردين بعدم الوجوب والتعليق على المشيئة ما لم يكن مورداً للتقيّة ولو لحضور من لا يقول بالمشروعية في الفجر من العامّة.

وكيف ما كان ، فسواء اتّحدت الرواية أم تعدّدت فهي صريحة في عدم الوجوب إمّا مطلقاً أو في خصوص صلاة الفجر المستلزم لعدم الوجوب في غيرها بطريق أولى ، بداهة أنّ القنوت فيها أهم ، ومن ثمّ ورد الأمر فيها بالخصوص في غير واحد من النصوص ، فاذا لم يكن فيها للوجوب ففي غيرها بالأولوية.

ومن الواضح الجلي عدم السبيل إلى حملها على التقية ، لصراحتها في التخيير ونفي الوجوب في غير مورد التقية ، فبهذه القرينة القاطعة يرفع اليد عمّا كان ظاهراً في الوجوب ويحمل على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦٩ / أبواب القنوت ب ٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦١ / ٦٣٤.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٣٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦٥ ، الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٢٦٩.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : رواية عبد الملك بن عمرو قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال : لا قبله ولا بعده» (١).

ونحوها روايته الأُخرى قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قنوت الجمعة في الركعة الأُولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعد الركوع؟ فقال لي : لا قبل ولا بعد» (٢). فقد استدلّ بهما غير واحد على عدم الوجوب بتقريب أنّ السؤال لم يكن عن المشروعية ، كيف وهي واضحة جليّة في الجمعة وفي غيرها ، بل عن الوجوب وقد تضمنتا صريحاً نفيه على سبيل الإطلاق.

ويندفع : مضافاً إلى ضعف السند فان عبد الملك لم يوثق بقصور الدلالة إذ السؤال لم يكن لا عن الوجوب ولا عن المشروعية ، بل عن محل القنوت وأنّه قبل الركوع أو بعده ، فالاجابة عنه بالنفي المطلق بعد وضوح ثبوت المشروعية ولو في الجملة نصّاً وفتوى ، محمولة على التقيّة لا محالة ، فلا يمكن الاستدلال بهما.

الثالثة : معتبرة وهب بن عبد ربّه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (٣).

ولا يقدح اشتمال السند على محمّد بن عيسى بن عبيد فإنّه ثقة على الأقوى ونحوها معتبرته الأُخرى المتقدِّمة (٤) فان في تقييد الترك الممنوع عنه بالرغبة دلالة واضحة على أنّ ترك القنوت في نفسه لا ضير فيه ، وإنّما الضير في إسناد هذا الترك إلى الإعراض والرغبة عنه كما عليه المخالفون البانون على عدم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦٩ / أبواب القنوت ب ٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٧٢ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٩.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٦٣ / أبواب القنوت ب ١ ح ١١.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٦٥ / أبواب القنوت ب ٢ ح ٢.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المشروعية ، وهذا كما ترى من شؤون الاستحباب ، ضرورة أنّ الجزء الوجوبي لا سبيل لتركه سواء أكان مقروناً بالرغبة أم لا كما تقدّم.

الرابعة : كثرة الأسئلة عن القنوت الصادرة من أكابر الرواة وأعاظم أصحاب الأئمّة كزرارة ومحمّد بن مسلم وصفوان وأضرابهم من الأعيان والأجلّاء ، فان نفس هذه الأسئلة المتكاثرة خير دليل بل أقوى شاهد على عدم الوجوب ، بداهة أنّه لو كان واجباً لكان أمراً جليّا وواضحاً بعد شدّة الابتلاء به وأقله في كل يوم خمس مرّات ، فكيف يحتمل خفاء مثله عن مثلهم. وهل هذا إلّا كالسؤال عن وجوب الركوع أو السجود.

ويرشدك إلى ذلك : ما في صحيحة صفوان الجمال قال : «صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاماً فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها ولا يجهر» (١) فانّ القنوت لو كان واجباً لم يكن أيّ وجه للتعرّض إليه وتخصيصه بالذكر من بين سائر الأجزاء ، فإنّه نظير أن يقول صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاماً فكان يركع في كل صلاة الّذي فيه من البشاعة ما لا يخفى.

إذن فيكشف التعبير المزبور كشفاً باتاً عن استحباب القنوت في نفسه ، وأنّه عليه‌السلام كان مهتماً بهذا الأمر المندوب ومواظباً عليه.

الخامسة : اختلاف أجوبتهم عليهم‌السلام عن تلك الأسئلة ، فتارة : نفوا القنوت قبل الركوع وبعده ، وأُخرى : أمروا به في خصوص الفجر ، وثالثة : بضميمة الجمعة والعشاء والعتمة والوتر ، ورابعة : في خصوص الصلوات الجهرية ، وخامسة : في كل فريضة أو نافلة ، فإن خير محمل لهذا الاختلاف هو كشفه عن ابتناء الحكم على الاستحباب مع نوع من التقيّة واختلاف في مراتب الفضيلة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦١ / أبواب القنوت ب ١ ح ٣.

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

توضيح المقام : أنّه لا ريب في استقرار بناء المخالفين على ترك هذه السنّة عملاً والتجنّب عنها خارجاً ، وإن أذعن بعضهم بها إجمالاً واعترف بشرعيتها في صلاة الفجر كما يظهر ذلك من صحيحة البزنطي المتقدِّمة (١). إذن فالنصوص المانعة على اختلاف ألسنتها محمولة على التقيّة ، لا بمعنى الاتقاء من الرواة والسائلين ، كيف وجلّهم لولا كلّهم من أصحابهم وخواصّهم ، بل حملة أسرارهم نظراء زرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما ، بل حفاظاً عليهم وحماية للحمى وصيانة لهم ، مخافة الوقوع في مخالفة التقيّة ولو أحياناً ومن حيث لا يشعرون. ومن ثمّ كانوا عليهم‌السلام يقتصرون على بيان ما هو الأهم والأفضل ، فنهى في صحيحة يونس بن يعقوب المتقدِّمة (٢) عن القنوت إلّا في الفجر ، لكونه في صلاة الفجر أهم ، وخصّت هي وصلاة المغرب بالذكر في صحيحة الأشعري المتقدِّمة (٣) لكونه فيهما أفضل من سائر الصلوات الخمس ، وورد الأمر به في الصلوات الجهرية خاصّة لكونه فيها أفضل من غيرها.

وهذا كما ترى أقوى شاهد على أنّ القنوت في حدّ نفسه لم يكن واجباً وإلّا لأمروا به بقول مطلق إلّا في مواضع التقيّة كغيره من الواجبات المنافية لها كالمسح على الخفين والوضوء منكوساً ونحوهما. وهذا بخلاف ما لو كان مستحبّاً فإنّه قد يحسن ترك هذا المستحب حذراً عن الوقوع ولو أحياناً في ورطة التقيّة.

وعليه فالجمع بين شتات الأخبار يستدعي الحمل على اختلاف مراتب الاستحباب الموجب للاهتمام بمراعاة التقيّة تارة وعدمه اخرى حسبما عرفت.

فاتّضح من جميع ما تقدّم : أنّ الأقوى ما عليه المشهور من استحباب القنوت في عامّة الصلوات ، وإن كان الاستحباب في بعضها آكد منه في البعض الآخر.

__________________

(١) في ص ٣٦٥.

(٢) ، (٣) في ص ٣٦٣.

٣٦٨

بل جميع النوافل (١) حتّى صلاة الشفع على الأقوى (٢) ، ويتأكّد في الجهرية من الفرائض (٣) ، خصوصاً في الصبح والوتر ، والجمعة (٤) بل الأحوط عدم تركه في الجهرية بل في مطلق الفرائض ،

______________________________________________________

(١) إجماعاً كما عن غير واحد ، وتشهد له صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن القنوت ، فقال : في كل صلاة فريضة ونافلة» (١) ، وموثقة محمّد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : القنوت في كل ركعتين في التطوّع أو الفريضة» (٣) وغيرهما.

(٢) مرّ التعرّض لذلك مستوفى في المسألة الاولى من فصل أعداد الفرائض ونوافلها (٤).

(٣) للأمر بها بالخصوص في بعض النصوص المحمولة على تأكّد الاستحباب كما تقدّم (٥).

(٤) لتخصيصها بالذكر في صحيحة سعد الأشعري المتقدِّمة (٦) ، لكن ينبغي إضافة المغرب لورودها فيها أيضاً ، ولم يعرف وجه لإهمال الماتن لها.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦٣ / أبواب القنوت ب ١ ح ٨.

(٢) وأما روايته الأُخرى «القنوت في كل صلاة في الفريضة والتطوّع» في باب ١ من أبواب القنوت حديث ١٢ ، فهي ضعيفة السند بطريقيها كما لا يخفى. فتوصيفها بالصحيحة كما عن بعضهم في غير محله. على أنّ الموجود في الفقيه [١ : ٢٠٧ / ٩٣٤] مغاير لهذا المتن وإن كان ظاهر عبارة الوسائل هو الاتِّحاد.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٦٥ / أبواب القنوت ب ٢ ح ٣.

(٤) شرح العروة ١١ : ٦٨.

(٥) في ص ٣٦٢.

(٦) في ص ٣٦٣.

٣٦٩

والقول بوجوبه في الفرائض أو في خصوص الجهرية منها ضعيف (١). وهو في كل صلاة مرّة قبل الركوع من الركعة الثانية (٢)

______________________________________________________

(١) كما تقدّم (١).

(٢) بعد القراءة على المشهور بل إجماعاً كما عن غير واحد ، للنصوص المستفيضة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» (٢).

وموثقة سماعة قال : «سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال : كل شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت ، والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة» (٣).

وصحيحة يعقوب بن يقطين قال : «سألت عبداً صالحاً عليه‌السلام عن القنوت في الوتر والفجر وما يجهر فيه قبل الركوع أو بعده؟ قال : قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك» (٤).

وهذا ممّا لا شبهة فيه ، كما لا شبهة في جواز إتيانه بعد الركوع لو نسيه قبله كما سيجي‌ء.

وإنّما الكلام في جواز تأخيره اختياراً بحيث يكون مخيّراً بين الإتيان به قبل الركوع أو بعده.

ظاهر المحقِّق في المعتبر (٥) ذلك ، وإن كان التقديم أفضل ، واستحسنه الشهيد

__________________

(١) في ص ٣٦٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٦٦ / أبواب القنوت ب ٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٦٧ / أبواب القنوت ب ٣ ح ٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٦٨ / أبواب القنوت ب ٣ ح ٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٤٥.

٣٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني في الروضة (١) ، ومال إليه المحقِّق الهمداني (٢) استناداً إلى ما رواه الشيخ بإسناده عن إسماعيل الجعفي ومعمّر بن يحيى عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : القنوت قبل الركوع وإن شئت فبعده» (٣) فإنّها معتبرة السند على الأظهر وإن اشتمل على القاسم بن محمّد الجوهري فإنّه من رجال كامل الزيارات ، ومقتضى الجمع بينها وبين ما تقدّم هو ما عرفت من التخيير مع أفضلية التقديم.

وما احتمله غير واحد من المتأخِّرين من وقوع التحريف من النسّاخ وأنّ «شئت» مصحف «نسيت» يبعّده أنّ النسخة التي عوّل عليها الشيخ كانت كذلك ، ومن ثمّ تصدّى لتوجيه الرواية تارة بحملها على حال القضاء وأُخرى على التقية. واحتمال كون تلك النسخة أيضاً مغلوطة ممّا لا ينبغي الالتفات إليه بعد كونه على خلاف الأصل ، ونقله عن المصادر بالإجازة أو بالقراءة.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في سند الرواية ولا في دلالتها ، غير أنّها معارضة بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : ما أعرف قنوتاً إلّا قبل الركوع» (٤).

فإنّها كالصريح في اختصاص المشروعية بما قبل الركوع ، ولا ينافيها المشروعية بعد الركوع في صلاة الجمعة ، إذ الظاهر أنّ النظر فيها مقصور على الصلوات المتعارفة غير الموقتة بوقت خاص ، فلا تشمل مثل صلاة الجمعة كما لا يخفى.

وما عن المحقِّق الهمداني (قدس سره) (٥) في حل المعارضة من حمل قوله «ما

__________________

(١) الروضة البهية ١ : ٢٨٤.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٨٩ السطر ١٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٦٧ / أبواب القنوت ب ٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٩٢ / ٣٤٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٦٨ / أبواب القنوت ب ٣ ح ٦.

(٥) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٨٩ السطر ٢٤.

٣٧١

وقبل الركوع في صلاة الوتر (١)

______________________________________________________

أعرف» على «ما أعمل» وأنّه جار مجرى التعبير في مقام الإخبار عمّا استقرّت عليه سيرته في مقام العمل ، فإنّه كثيراً ما يقال في العرف لا أعرف إلّا هذا مريداً به لا أعمل إلّا هذا ، فلا يكون كناية عن عدم المشروعية ، بل عن سيرته الشخصية.

ففيه : ما لا يخفى ، فانّ التفسير المزبور وإن لم يكن بعيداً بالنسبة إلى الاستعمالات الدارجة في العرف الحاضر ، وأمّا في كلمات الفصحاء ولا سيّما الأحاديث الصادرة من أهل بيت الوحي عليهم‌السلام فلم يعهد عنهم مثل هذا التعبير بوجه. فالحمل المزبور بالإضافة إلى الجمل الفصيحة في غاية البعد كما لا يخفى.

وعليه فلا مناص من الإذعان باستقرار المعارضة والتصدِّي للعلاج ، وحيث إنّ الصحيحة موافقة للسنّة القطعية ، لما عرفت من أنّ النصوص الناطقة باختصاص المحل بما قبل الركوع بالغة حدّ الاستفاضة بحيث أصبحت معلومة الصدور ، فلا جرم كان الترجيح معها ولم تنهض المعتبرة لمقاومتها.

فتحصّل : أنّ الأظهر اختصاص المحل الاختياري بما قبل الركوع ، وأمّا بعده فليس هو من القنوت الموظّف وإن لم يكن به بأس من باب رجحان مطلق الدُّعاء المندوب في جميع الأحوال.

(١) ففي صحيحة معاوية بن عمار «أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت في الوتر ، قال : قبل الركوع ...» إلخ (١).

فحال مفردة الوتر أو الركعة الثالثة باعتبار ملاحظتها مع ركعتي الشفع

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٨٨ / أبواب القنوت ب ١٨ ح ٥.

٣٧٢

إلّا في صلاة العيدين (١) ففيها في الركعة الأُولى خمس مرّات وفي الثانية أربع مرّات وإلّا في صلاة الآيات ففيها مرّتان : مرّة قبل الركوع الخامس ، ومرّة قبل الركوع العاشر ، بل لا يبعد استحباب خمس قنوتات فيها في كل زوج من الركوعات ، وإلّا في الجمعة (٢) ففيها قنوتان : في الركعة الأُولى قبل الركوع وفي الثانية بعده ،

______________________________________________________

صلاة واحدة حال بقية الصلوات في أنّ محل القنوت قبل الركوع. وهذا ممّا لا شبهة فيه غير أنّ جمعاً من الأصحاب كالمحقِّق في المعتبر (١) والعلّامة في التذكرة (٢) والشهيدين في الدروس والروضة (٣) صرّحوا بأنّ لها قنوتاً آخر بعد الركوع استناداً إلى ما روي عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنّه «كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال : هذا مقام من حسناته نعمة منك ...» إلخ (٤).

لكن الرواية مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال وبسهل بن زياد ، قاصرة الدلالة على استحباب القنوت المصطلح ، بل غايته إرادة مطلق الدُّعاء الّذي هو مسنون في كثير من مواضع الصلاة كالسجدة الأخيرة وما بين السجدتين وغيرهما مع وضوح عدم إطلاق اسم القنوت عليها.

(١) سيأتي الكلام فيها وفي صلاة الآيات في محلهما إن شاء الله تعالى.

(٢) حيث إنّ الماتن لم يتعرّض لصلاة الجمعة مستقلا فيجدر بنا التعرّض لحكمها في المقام من حيث القنوت تبعاً للمتن فنقول :

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٤١.

(٢) التذكرة ٣ : ٢٥٩.

(٣) الدروس ١ : ١٧٠ ، الروضة البهية ١ : ٢٨٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٥ / ١٦ ، التهذيب ٢ : ١٣٢ / ٥٠٨.

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا ينبغي التأمّل في مشروعية القنوت في صلاة الجمعة في الجملة كما في سائر الصلوات للإطلاقات ، مضافاً إلى النصوص الخاصّة كما ستعرف. وما ورد من نفيه في رواية عبد الملك بن عمرو وصحيحة داود بن الحصين (١) محمول على التقية أو نفي الوجوب كما تقدّم (٢).

وإنّما الكلام في محله وعدده ، واستيعاب البحث يستدعي التكلّم تارة في صلاة الجمعة منفرداً ، أي صلاة الظهر الرباعية من يوم الجمعة ، وأُخرى جماعة التي هي ذات ركعتين مع الخطبتين ، وهنا أيضاً يبحث تارة عن حكم الإمام ، وأُخرى عن وظيفة المأمومين ، فالكلام يقع في جهات ثلاث :

أمّا الجهة الأُولى : فالمشهور أنّ حالها حال سائر الصلوات في أنّ فيها قنوتاً واحداً قبل الركوع من الركعة الثانية ، إلّا أنّ حريزاً روى عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث «قال : وعلى الإمام فيها أي في الجمعة قنوتان إلى أن قال ـ : ومن صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأُولى قبل الركوع» (٣).

قال الصدوق في الفقيه بعد نقل الحديث ما لفظه : وتفرّد بهذه الرواية حريز عن زرارة ، انتهى (٤).

فالرواية باعتبار ذيلها شاذّة لم يروها غير حريز ، بل لم يعلم عمله بها وإن رواها في كتابه.

وكيف ما كان ، فمضافاً إلى شذوذها وعدم وضوح العامل بها ، معارضة في

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٧٢ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٩ ، ١٠.

(٢) في ص ٣٦٦.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٧١ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٦.

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

موردها بنصوص دلّت على أنّ محل القنوت إنّما هو الركعة الثانية لا الأُولى كصحيحة معاوية بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قنوت الجمعة : إذا كان إماماً قنت في الركعة الأُولى ، وإن كان يصلِّي أربعاً ففي الركعة الثانية قبل الركوع» (١).

وصحيحة عمران الحلبي قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلِّي الجمعة أربع ركعات أيجهر فيها بالقراءة؟ قال : نعم ، والقنوت في الثانية» (٢).

أضف إلى ذلك : العمومات الناطقة بذلك كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» (٣).

إذن فصحيحة حريز مطروحة بعد عدم نهوضها لمقاومة ما عرفت. والصحيح ما عليه النص والفتوى من أنّ محل القنوت في صلاة الظهر من يوم الجمعة للمنفرد إنّما هو الركعة الثانية قبل الركوع كما في سائر الصلوات.

وأمّا الجهة الثانية : أعني حكم الإمام في صلاة الجمعة ، ففيه أقوال أربعة :

الأوّل : ما هو المشهور بين الأصحاب من أنّ فيها قنوتين : أحدهما : في الركعة الأُولى قبل الركوع. وثانيهما : في الثانية بعده.

الثاني : ما نسب إلى أبي الصلاح (٤) وابن أبي عقيل (٥) من أنّهما قبل الركوع في كل من الركعتين.

الثالث : ما اختاره المفيد (٦) من أنّ القنوت واحد ومحله قبل الركوع من

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٦ : ٢٧٠ / أبواب القنوت ب ٥ ح ١ ، ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٦٦ / أبواب القنوت ب ٣ ح ١.

(٤) لاحظ الكافي في الفقه : ١٢٣ ، ١٥١.

(٥) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٢٣٨.

(٦) المقنعة : ١٦٤.

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الركعة الأُولى.

الرابع : ما نسب إلى الصدوق (١) وابن إدريس (٢) من أنّه واحد ومحله الركعة الثانية قبل الركوع كما في سائر الصلوات.

أمّا القول الأوّل : الّذي هو المشهور المنصور ، فتشهد له جملة من النصوص كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث «قال : على الإمام فيها أي في الجمعة قنوتان : قنوت في الركعة الأُولى قبل الركوع ، وفي الركعة الثانية بعد الركوع ...» إلخ (٣).

وموثقة سماعة قال : «سألته عن القنوت في الجمعة ، فقال : أمّا الإمام فعليه القنوت في الركعة الأُولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع ، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود ...» إلخ (٤).

وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : سأله بعض أصحابنا وأنا عنده عن القنوت في الجمعة ، فقال له : في الركعة الثانية ، فقال له : قد حدثنا به بعض أصحابنا أنّك قلت له : في الركعة الأُولى ، فقال : في الأخيرة وكان عنده ناس كثير ، فلمّا رأى غفلة منهم قال : يا أبا محمّد في الأُولى والأخيرة فقال له أبو بصير بعد ذلك قبل الركوع أو بعده؟ فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : كل قنوت قبل الركوع إلّا في الجمعة فإنّ الركعة الأُولى القنوت فيها قبل الركوع ، والأخيرة بعد الركوع» (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٧.

(٢) السرائر ١ : ٢٩٩.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٧١ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٧٢ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٨.

(٥) الوسائل ٦ : ٢٧٣ / أبواب القنوت ب ٥ ح ١٢.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا القول الثاني : فلعل مستنده بعد مفروغية التعدّد في الجمعة وكونه من المسلّمات إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية : «ما أعرف قنوتاً إلّا قبل الركوع» (١).

وفيه : بعد تسليم الإطلاق وقد تقدّم (٢) منعه أنّه قابل للتقييد بالنصوص المزبورة بمقتضى صناعة الإطلاق والتقييد.

وأمّا القول الثالث : فيستدل له بجملة من النصوص :

منها : صحيحة معاوية بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قنوت الجمعة : إذا كان إماماً قنت في الركعة الأُولى ، وإن كان يصلِّي أربعاً ففي الركعة الثانية قبل الركوع» (٣).

وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ القنوت يوم الجمعة في الركعة الأُولى» (٤).

وصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث «قال : وليقعد قعدة بين الخطبتين ويجهر فيها بالقراءة ويقنت في الركعة الأُولى منهما قبل الركوع» (٥).

وصحيحة أبي بصير «قال : القنوت في الركعة الأُولى قبل الركوع» (٦) المؤيّدة بمرسلته عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : القنوت قنوت يوم الجمعة في

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٦٨ / أبواب القنوت ب ٣ ح ٦.

(٢) في ص ٣٧١.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٧٠ / أبواب القنوت ب ٥ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٧١ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٦.

(٥) الوسائل ٦ : ٢٧٢ / أبواب القنوت ب ٥ ح ١١.

(٦) الوسائل ٦ : ٢٧١ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٧ [بل هي موثقة بزرعة].

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الركعة الأُولى بعد القراءة» (١) فإنّها ظاهرة في كفاية قنوت واحد في الركعة الأُولى كما أنّها منصرفة إلى الإمام ، بل بعضها صريحة فيه.

ويندفع : بعدم دلالة شي‌ء من هذه الأخبار على نفي القنوت الثاني ، لعدم كونها في مقام الحصر ، بل غايته الظهور الإطلاقي في كفاية الواحدة. ومقتضى قانون الإطلاق والتقييد لزوم رفع اليد عنه وتقييده بالنصوص المتقدِّمة المصرّحة بوجود قنوت آخر في الركعة الثانية بعد الركوع بعد كونها سليمة عن المعارض. فهذا القول كسابقه ضعيف.

ومنه تعرف ضعف القول الرابع أيضاً ، الّذي ذهب إليه الصدوق وابن إدريس ، إذ ليت شعري ما هو الموجب للتخصيص بالركعة الثانية مع صراحة النصوص المتقدِّمة في التعدّد ، بل إنّ ذلك موجب لطرح النصوص المشار إليها آنفاً المصرّحة بالثبوت في الركعة الاولى من غير مسوّغ.

وعلى الجملة : ففتوى الصدوق كفتوى المفيد في التخصيص بإحدى الركعتين غير ظاهرة الوجه بعد ورود النصوص الصحيحة المتظافرة الصريحة في الجميع.

وأمّا ابن إدريس فقد اعتذر عنه بعدم العمل بأخبار الآحاد ، وهو كما ترى ضرورة أنّ نصوص الباب مضافاً إلى اعتبارها في أنفسها قد جاوزت من الكثرة حدّ الاستفاضة ، فلو لم يعمل بمثل هذه النصوص في الأحكام الشرعية فعلى الفقه السلام ، فان كثيراً من الأحكام ومنها مشروعية القنوت في الركعة الثانية من الجمعة التي اعترف بها إنّما ثبتت بمثل هذه الأخبار ، فرفضها يستوجب خللاً في الاستنباط بل سداً لباب الاجتهاد بمصراعيه كما لا يخفى.

فتحصّل : أنّ الأظهر هو القول الأوّل الّذي عليه المشهور.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٧٠ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٢.

٣٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الجهة الثالثة : فربّما يقال بأنّ مورد تشريع القنوت في الركعة الأُولى في جملة من النصوص المتقدِّمة كموثقة سماعة (١) وصحيحتي معاوية وزرارة (٢) إنّما هو الإمام ، والإطلاق في غيرها منزّل عليه لانصرافه إليه ولو بمعونة ما عرفت فلا دليل على شمول الحكم للمأمومين ، بل عليهم القنوت في الركعة الثانية فقط كما في سائر الصلوات.

ويندفع أوّلاً : بأنّ لزوم متابعة المأموم للإمام في كافة الأفعال ومنها القنوت حتّى فيما إذا لم يكن وظيفة له كما لو ائتم في الركعة الثانية من سائر الصلوات فضلاً عن المقام أمر مغروس في الأفهام ومرتكز في أذهان عامّة المتشرِّعة كما يشير إليه قوله عليه‌السلام : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتم به» (٣) ، فدليل التشريع في الإمام يغني عن التنبيه عليه في المأموم ، اعتماداً على تلك الملازمة المغروسة والمتابعة المرتكزة.

وثانياً : أنّ المراد بالإمام في تلك النصوص ما يقابل المنفرد المذكور في ذيلها ، لا ما يقابل المأموم ، فلا يراد به وصفه العنواني وبما هو إمام ، بل بما هو مقيم لصلاة الجمعة إيعازاً إلى أنّ هذه الماهية من الصلاة المتقوّمة بالجماعة تفارق صلاة المنفرد في اختصاصها بقنوت آخر في الركعة الاولى من غير فرق في ذلك بين الإمام والمأموم.

وثالثاً : مع التنازل عن كل ذلك فيكفينا في شمول الحكم للمأموم إطلاق

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٧٢ / أبواب القنوت ب ٥ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٧٠ / أبواب القنوت ب ٥ ح ١ ، ٤.

(٣) أورده الشهيد مرسلاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الذكرى ٤ : ٤٤٤ وراجع صحيح البخاري ١ : ١٨٤ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ / ٤١١ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٤ / ٦٠١.

٣٧٩

ولا يشترط فيه رفع اليدين (١)

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة أبي بصير المتقدِّمة : «كل قنوت قبل الركوع إلّا في الجمعة فإنّ الركعة الأُولى القنوت فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع» (١) فإنّها شاملة لمطلق صلاة الجمعة من غير تقييد بالإمام.

إذن فلا شبهة في شمول الحكم للمأموم أيضاً.

بقي شي‌ء : وهو أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ المراد بالإمام الثابت له القنوت في الركعة الأُولى بمقتضى النصوص المتقدِّمة إنّما هو الإمام في صلاة الجمعة لا في صلاة الظهر يوم الجمعة ، فلا فرق بينه وبين سائر الأيّام في عدم ثبوت أكثر من قنوت واحد في الركعة الثانية ، وذلك لظهور تلك النصوص في ذلك ، بل إنّ صحيحة معاوية المتقدِّمة (٢) كالصريح في الاختصاص لقوله عليه‌السلام في الذيل : «وإن كان يصلِّي أربعاً ففي الركعة الثانية» الكاشف بمقتضى المقابلة عن أنّ المراد بالصدر صلاة الجمعة ذات الخطبتين وهذا واضح لا غبار عليه.

والمتحصِّل من جميع ما تقدّم : ثبوت قنوتين في صلاة الجمعة من غير فرق بين الإمام والمأموم ، وعدم ثبوت أكثر من قنوت واحد في صلاة الظهر من يوم الجمعة ، من غير فرق أيضاً بين الإمام والمأموم والمنفرد.

(١) فهو بالقياس إليه من قبيل المستحب في المستحب على ما يقتضيه ظاهر كلمات الأصحاب ، خلافاً لما يظهر من جماعة آخرين كالفاضل المقداد (٣) وكاشف

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٧٣ / أبواب القنوت ب ٥ ح ١٢.

(٢) في ص ٣٧٧.

(٣) كنز العرفان ١ : ٥٩.

٣٨٠