موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا أصل المطلب وأنّ من نسي السلام حتّى أتى بالمنافي هل تصح صلاته أم تبطل؟ فالظاهر الصحّة كما ذكره الماتن (قدس سره) ودعوى أنّ المنافي حدث في الأثناء لانحصار المحلل في السلام مدفوعة :

أوّلاً : أنّه لم تثبت ولا رواية واحدة من أخبار التحليل ، لضعفها بأجمعها كما سبق (١) ، وإنّما الثابت أنّ اختتام الصلاة بالتسليم وأنّه الجزء الأخير ، لا أنّ تحليلها به ، وحيث إنّ الجزئية منفية لدى النسيان بحديث لا تعاد ، فالتسليمة لا جزئية لها بالنسبة إلى الناسي ، ولا يكون اختتام الصلاة بها بالإضافة إليه. وعليه فالحدث واقع خارج الصلاة لا محالة دون أثنائها.

وثانياً : سلّمنا تمامية تلك الأخبار ، لكن ليس معنى محللية التسليم حصر الخروج عن الصلاة بالسلام بحيث لو أتى بالمنافي لا يخرج به إلّا إذا سبقه السلام ، فلو أراد التكلّم وجب عليه أن يسلِّم ويتكلّم ، فانّ هذا ليس بمراد قطعاً ، كيف ومن ارتكب المنافي بطلت صلاته المستلزم للخروج عنها ، أفهل يحتاج بعدئذ إلى المحلل ، بل معناه أنّ المصلِّي ما دام كونه مصلِّياً لا يحلِّله إلّا التسليم. وأمّا إذا فرضنا أنّه خرج عن الصلاة إمّا بالإبطال أو بغيره بحيث لا يطلق عليه عنوان المصلِّي وقتئذ فهو غير محتاج إلى المحلِّل بالضرورة.

وعليه فالحدث ونحوه من سائر المنافيات الصادرة سهواً واقعة خارج الصلاة بعد ملاحظة أنّ السلام المنسي لا جزئية له حال النسيان بمقتضى حديث لا تعاد كما عرفت ، فببركة الحديث يحكم بخروج الحدث ونحوه عن كونه حدثاً في الصلاة ، إذ لا مانع من شمول الحديث بالإضافة إلى السلام المنسي إلّا الحكم بالبطلان من ناحية وقوع الحدث في الصلاة ، لكن هذه المانعية غير معقولة لاستلزام الدور ، لوضوح أنّ البطلان المزبور موقوف على

__________________

(١) في ص ٢٩٥.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم شمول الحديث للسلام المنسي ، إذ مع الشمول لا جزئية للسلام فلا يكون الحدث في الأثناء فلا بطلان ، فلو كان عدم الشمول مستنداً إلى البطلان ومتوقفاً عليه كان هذا من الدور الظاهر ، فهذه المانعية ساقطة.

ولم يكن ثمة مانع آخر عن شمول الحديث بالإضافة إلى السلام المنسي عدا ما يتوهّم من توقف الشمول على إحراز صحّة الصلاة من بقية الجهات مع قطع النظر عن نفس الحديث ، وهذا غير ممكن في المقام من غير ناحية الشمول كما لا يخفى.

ويندفع بعدم الدليل على هذه الدعوى عدا لزوم اللغوية من شمول الحديث لو لم تكن الصحّة محرزة من سائر الجهات ، فلا بدّ من فرض صحّة الصلاة ظاهراً أو واقعاً من النواحي الأُخر حذراً من اللغوية المترتبة على جريان القاعدة مع فرض البطلان من ناحية أُخرى ، لكن اللغوية ترتفع في خصوص المقام بالحكم بصحّة الصلاة فعلاً ، ولو كان ذلك من ناحية نفس الحديث ، إذ يثبت به أنّ التسليم ليس جزءاً من الصلاة حال النسيان ، ونتيجته عدم وقوع الحدث أثناء الصلاة فتحرز بذلك الصحّة الفعلية ولو كان ذلك ناشئاً من نفس الحديث كما عرفت ، فلا تلزم اللغوية من شموله للمقام بوجه كما هو واضح جدّاً. فهذه الدعوى أيضاً ساقطة.

وأوضح منها فساداً : ما قد يدعى من أنّ الحدث مهما وقع فهو في الأثناء لأنّ الخروج عن الصلاة معلول للحدث ، فهو في مرتبة متأخِّرة عنه لتأخّر المعلول عن العلّة بحسب المرتبة ، ففي المرتبة السابقة على الخروج كان الحدث واقعاً أثناء الصلاة لا محالة ، لتقدّم العلّة فمن أجله يحكم بالبطلان.

إذ فيه : ما لا يخفى ، ضرورة أنّ المعلول وإن كان متأخِّراً عن العلّة رتبة لكنهما متقارنان زماناً ، فزمان الحدث هو بعينه زمان الخروج من غير سبق

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولحوق ، ولا شكّ أنّ أدلّة البطلان ناظرة إلى وقوع المنافي في الأثناء بحسب الزمان ، إذ لا أثر للتأخّر الرتبي المبني على التدقيق العقلي في الحكم الفقهي المحوّل إلى الفهم العرفي كما لا يخفى.

وثالثاً : لو سلّم كل ما ذكر فإنّما يتم لو قلنا بأنّ الحدث مانع قد اعتبر عدمه في نفس الصلاة بما لها من الأجزاء والأكوان المتخلِّلة بينها ، ولكن لا يبعد دعوى اختصاص الاعتبار بذوات الأجزاء كما يقتضيه قوله عليه‌السلام «لا صلاة إلّا بطهور» (١) ، أي نفس هذه الأجزاء التي تتألّف منها الصلاة مشروطة بالطهارة ، أو أنّ الحدث مانع عنها فلو وقع الحدث أثناء الصلاة كما بين الركوع والسجود لم يكن ثمة مانع من التوضي والإتمام إلّا ما دلّ على قاطعية الحدث وإلّا فمجرّد اعتبار المانعية الراجع إلى الاشتراط المزبور لا ينافي ذلك كما هو الحال في اشتراط الطمأنينة في الأجزاء القابل للتدارك لدى الإخلال ، فعدم إمكان التدارك والإتمام في المقام ليس إلّا من أجل دليل اعتبار القاطعية للحدث.

وعليه ففي مفروض الكلام ، أعني ما لو أحدث بعد التشهّد وقبل السلام ، لم يكن هناك مانع من تدارك الطهارة من ناحية الشرطية أو مانعية الحدث ، وإنّما المانع ما دلّ على أنّ الحدث قاطع وأنّه بعد حصوله لا تنضم الأجزاء اللّاحقة بالسابقة ، فليكن الأمر كذلك ، إذ هذا لا ضير فيه في المقام بعد أن كانت التسليمة اللّاحقة جزءاً غير ركني منفياً بحديث لا تعاد ، فعلى تقدير تسليم جميع ما مرّ لا يتم ذلك في مثل الحدث قبل السلام فإنّه لو أضرّ فإنّما هو من حيث القطع ولا محذور فيه كما عرفت.

ورابعاً : لو سلّم هذا أيضاً فلا نسلِّمه في الفصل الطويل بمقدار لا يمكن معه

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

٣٢٣

نعم ، عليه سجدتا السهو للنقصان (*) بتركه (١) وإن تذكر قبل ذلك أتى به (٢) ولا شي‌ء عليه إلّا إذا تكلّم فيجب عليه سجدتا السهو (٣) ، ويجب فيه الجلوس (٤) وكونه مطمئنا (٥).

______________________________________________________

الضم ، إذ لا دليل على إبطال الفصل المزبور إلّا من ناحية الوحدة العرفية واعتبار الهيئة الاتِّصالية بين أجزاء الصلاة ، فإذا شمل الحديث للسلام وأسقطه عن الجزئية في ظرف النسيان فلتكن الهيئة غير باقية بعد أن لم يكن السلام ركناً يقدح فقده.

فتحصّل : أنّ ما ذكره الماتن (قدس سره) هو الصحيح وإن كانت الإعادة أحوط ، والله سبحانه أعلم.

(١) بناءً على وجوبهما لكل زيادة ونقيصة.

(٢) لعدم الموجب لسقوطه بعد بقاء المحل وإمكان التدارك.

(٣) لما سيجي‌ء في محله إن شاء الله تعالى من وجوبهما للكلام سهواً.

(٤) يدل عليه بعد التسالم وعدم الخلاف فيه قوله عليه‌السلام في موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا جلست في الركعة الثانية إلى أن قال عليه‌السلام في آخرها ثمّ تسلِّم» (١) الظاهر في اشتراك التسليم مع التشهّد في وجوب الجلوس ، ونحوها غيرها ممّا تقدّم في التشهّد.

(٥) للإجماع المدّعى في كلمات غير واحد ، مضافاً إلى إمكان استفادته من قوله عليه‌السلام في رواية سليمان بن صالح «... وليتمكن في الإقامة كما

__________________

(*) على الأحوط كما سيجي‌ء في محلّه.

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

٣٢٤

وله صيغتان هما : «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» و «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» والواجب إحداهما ، فإن قدّم الصيغة الأُولى كانت الثانية مستحبّة (١).

______________________________________________________

يتمكن في الصلاة ...» إلخ (١).

ولو نوقش في الإجماع بعدم وضوح انعقاده على اعتبار الطمأنينة في مجموع الصلاة بما لها من الأجزاء التي منها السلام ، وكذا في الرواية بعدم دلالتها إلّا على اعتبارها في الصلاة في الجملة لا مطلقاً لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، كان اعتبار الطمأنينة في السلام محل إشكال كما تقدّم (٢) نظيره في التشهّد.

(١) اختلف الفقهاء (قدس الله أسرارهم) فيما هو المخرج من الصلاة من الصيغتين المزبورتين على أقوال :

فالمشهور من زمن المحقِّق ومن بعده هو التخيير وحصول الخروج والتحليل بكل واحدة منهما ، وقيل بتعين الصيغة الثانية في الوجوب واستحباب الاولى ولعلّه ظاهر أكثر القائلين بوجوب السلام ، وقيل بالعكس وأنّ الاولى واجبة والثانية مستحبّة ، وقيل بوجوبهما معاً ذهب إليه جمال الدين بن طاوس (٣) واختار صاحب الحدائق (٤) أنّ الاولى مخرجة والثانية محلِّلة وبه جمع بين نصوص الباب.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

(٢) في ص ٢٧٦.

(٣) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٤٣١.

(٤) الحدائق ٨ : ٤٨٧.

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والأصح هو القول الأوّل ، ويتّضح ذلك بإبطال بقية الأقوال.

أمّا القول الثاني : فتدفعه النصوص الناطقة بحصول الخروج من الصلاة بالصيغة الأُولى التي منها صحيحة الحلبي قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام كل ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو من الصلاة ، وإن قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت» ، ونحوها غيرها كخبر أبي كهمس وأبي بصير (١).

وأمّا القول الثالث : فيدفعه أوّلاً : قيام الإجماع على خلافه ، لتسالمهم على حصول الخروج بالأخيرة إمّا متعيِّناً أو مخيّراً بينها وبين الاولى حتّى أنّ الشهيد (٢) ادّعى أنّ من قال بتعين الاولى فقد خرج عن الإجماع من دون شعور.

وثانياً : المطلقات الدالّة على أنّ افتتاحها التكبير واختتامها التسليم ، فإنّها شاملة للصيغة الأخيرة لو لم تكن منصرفة إليها كما قد يشهد لهذا الانصراف استعمال التسليم في خصوص الثانية في جملة من النصوص كموثقة يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : صلّيت بقوم صلاة فقعدت للتشهّد ثمّ قمت ونسيت أن أُسلِّم عليهم ، فقالوا : ما سلمت علينا ، فقال : ألم تسلِّم وأنت جالس ، قلت : بلى ، قال : فلا بأس عليك ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت السلام عليكم» (٣) حيث إنّ السائل مع كونه آتياً بالسلام الأوّل عبّر بنسيان السلام الكاشف عن ظهوره في الأخيرة. إذن فهي القدر المتيقن من السلام المأمور به في الروايات.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١ ، ٢ ، ٥.

(٢) الذكرى ٣ : ٤٣٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٢٥ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٥.

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بل قد يظهر من بعض النصوص الدالّة على كفاية الصيغة الاولى أنّ ذلك من أجل أنّها مصداق للسلام لا لخصوصية فيها فتشمل السلام الثاني أيضاً كموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا نسي الرجل أن يسلِّم فإذا ولى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته» (١).

ونحوها ما ورد (٢) من أنّ ابن مسعود أفسد على القوم صلاتهم حيث قدّم «السلام علينا» على التشهّد (٣) حيث يظهر منها أنّ المخرج هو مطلق السلام وأنّه وقع في غير محله من غير خصوصية للصيغة الاولى.

وثالثاً : الروايات الخاصّة الدالّة على كفاية الصيغة الثانية التي منها موثقة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له إنِّي أُصلِّي بقوم ، فقال تسلِّم واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته السلام عليكم ...» الحديث (٤). وحيث إنّ السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مخرج قطعاً فيتعيّن الخروج بالسلام الأخير.

والراوي الأخير ، أعني الحضرمي وإن لم يوثق صريحاً إلّا أنّه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي ، هذا.

وهناك صحاح ثلاث لعبد الحميد بن عواض وللفضلاء ولعبيد الله الحلبي (٥) وهي ظاهرة الدلالة في إرادة السلام الأخير ، ولا أقل من شمول إطلاقها له حيث إنّه القدر المتيقن منه كما مرّ. إذن فلا ينبغي التأمّل في ضعف هذا القول

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢٣ / أبواب التسليم ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهّد ب ١٢ ح ٢.

(٣) [مفاد الرواية أنّه شرع السلام في التشهد الأوّل ، أي في الركعة الثانية].

(٤) الوسائل ٦ : ٤٢٧ / أبواب التسليم ب ٤ ح ٣.

(٥) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٣ ، ٥ ، ٦.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً كسابقه.

وأمّا القول الرابع : وهو وجوبهما معاً فامّا أن يراد من وجوب الثانية وجوبها ضمناً وبعنوان الجزئية للصلاة ، أو يراد وجوبها مستقلا وكلاهما باطل.

أمّا الأوّل : فللمناقضة الظاهرة ، إذ بعد فرض وجوب الاولى المستلزم لاتِّصافه بالمخرجية والفراغ من الصلاة فما معنى بقاء جزء آخر المستلزم لعدم الخروج ، وهل يعقل الجزئية لما هو خارج عن المركب.

وأمّا الثاني : فمقطوع البطلان ، لتطابق النص والفتوى على أنّ التسليم إنّما يجب لكونه الجزء الأخير من الصلاة لا لوجوبه الاستقلالي ، وأنّه لا يجب شي‌ء بعد الخروج من الصلاة بضرورة الفقه.

وأمّا مقالة صاحب الحدائق من اتِّصاف الاولى بالمخرجية ، والثانية بالمحللية فغير قابلة للتصديق ، إذ ليت شعري بعد تحقّق الخروج من الصلاة بالصيغة الأُولى حسبما اعترف به ، المساوق لسلب الوصف العنواني عن المصلِّي وعدم اتِّصافه عندئذ بكونه مصلّياً ، فأيّ حاجة بعد هذا إلى المحلل ، فانّ الموضوع لجميع ما حرّم على المصلِّي بالتكبير من أدلّة المنافيات والقواطع إنّما هو ارتكاب شي‌ء منها أثناء الصلاة ، أمّا بعد الخروج كما هو المفروض فلا محرم ليحتاج إلى المحلل ، كما يدل عليه بوضوح قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : «يسلِّم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحبّ» (١) حيث إنّه كالصريح في أنّه بعد حصول طبيعي التسليم الصادق على الصيغة الأُولى تحل المنافيات وله المضي حيثما شاء.

ومثلها موثقة عمار قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسليم ما

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٦.

٣٢٨

بمعنى كونها جزءاً مستحبّاً لا خارجاً (١)

______________________________________________________

هو؟ قال : هو إذن» (١) فإنّها واضحة الدلالة على حصول الاذن المساوق للتحليل بمطلق ما صدق عليه التسليم ، من غير فرق بين الاولى والثانية. إذن فتخصيص المحللية بالثانية والمخرجية بالأُولى ممّا لا محصل له.

والمتحصِّل من جميع ما تقدّم : أنّ ما عليه المشهور بين المتأخِّرين من القول بالتخيير هو الصحيح ، لأنّه مقتضى الجمع بين الأمر بإحدى الصيغتين في صحيحة الحلبي وبالأُخرى في موثقة الحضرمي بعد القطع بعدم إرادة الوجوب التعييني كما عرفت ومقتضاه جواز الاقتصار على إحدى الصيغتين ، كما أنّه لدى الجمع تتّصف الاولى طبعاً بالوجوب والثانية بالاستحباب بالمعنى الّذي ستعرفه ، وقد حمل بعضهم كلام القدماء القائلين باستحباب التسليم على هذا المعنى ، أي استحباب الثانية بعد الاولى.

(١) لا إشكال في استحباب الصيغة الثانية بعد أداء الوظيفة بالصيغة الأُولى لتعلّق الأمر بها في النص وجريان السيرة على الجمع.

وإنّما الكلام في أنّها جزء مستحب أو مستحب نفسي واقع خارج الصلاة كالتعقيب؟

اختار جمع منهم السيِّد الماتن الأوّل ، ويستدل له بموثقة أبي بصير الطويلة الواردة في كيفية التشهّد (٢) حيث تضمّنت الأمر بالتسليم الأخير في عداد الأمر ببقية الأجزاء ، الظاهر في كونه مثلها في الجزئية.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٧.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

٣٢٩

وإن قدّم الثانية اقتصر عليها (١).

وأمّا السلام عليك أيُّها النبيّ ، فليس من صيغ السلام بل هو من توابع التشهّد (٢).

______________________________________________________

وربّما تعارض بروايته الأُخرى الظاهرة في الاستقلال حيث ورد فيها : «وتقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثمّ تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة السلام عليكم ...» إلخ (١). ولكنّها من أجل ضعف سندها بمحمّد بن سنان ساقطة وغير صالحة للمعارضة.

وأما الموثقة فلا سبيل للأخذ بظاهرها ، لما تقدّم غير مرّة من منافاة الجزئية مع الاستحباب ، وأنّ الجزء الاستحبابي في نفسه أمر غير معقول سيّما في مثل المقام ممّا وقع خارج العمل وبعد انقطاع الصلاة والفراغ عنها ، فان عدم معقولية الجزئية حينئذ أوضح كما لا يخفى. فلا مناص إذن من حملها على إرادة الاستحباب النفسي كالقنوت ، غاية الأمر أنّ ظرف القنوت أثناء العمل والتسليم بعد الانتهاء منه.

(١) لعدم الدليل على استحباب إيقاع الاولى بعدها كما اعترف به غير واحد ، وإن كان ظاهر عبارة المحقِّق (٢) والشهيد في اللّمعة (٣) ذلك ، نعم لا بأس به بناءً على قاعدة التسامح وشمولها لفتوى الفقيه.

(٢) فلا يتحقّق الخروج به ، خلافاً لما نسب إلى الراوندي (٤) من كونه مخرجاً

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢١ / أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٢) الشرائع ١ : ١٠٨ ، المعتبر ٢ : ٢٣٤.

(٣) الروضة البهية ١ : ٢٧٧.

(٤) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٤٢١.

٣٣٠

وليس واجباً بل هو مستحب ، وإن كان الأحوط عدم تركه لوجود القائل بوجوبه (١).

______________________________________________________

وإن كان مستحباً ، ولعلّه لإطلاق بعض الروايات المتضمِّنة لمخرجية السلام بدعوى شمولها للمقام وعدم انحصاره في الصيغتين الأخيرتين.

ولكن الإطلاق لو تمّ كما لا يبعد لم يكن بدّ من الخروج عنه بما دلّ صريحاً على عدم كونه مخرجاً ، ففي صحيح الحلبي قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام كل ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت» (١) فإنّها كالصريح في أنّ السلام عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله من مصاديق ذكره المعدود من أجزاء الصلاة ، ولا يتحقّق الانصراف إلّا بالصيغة الأُخرى.

وأصرح منها رواية أبي كهمس عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال : لا ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف» (٢).

فإنّها واضحة الدلالة في كون السلام عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله من توابع التشهّد وعدم كونه مخرجاً. نعم ، هي ضعيفة السند بأبي كهمس حيث لم تثبت وثاقته فلا تصلح إلّا للتأييد. على أنّ المسألة مجمع عليها حيث لم يذهب أحد إلى حصول الانصراف بالسلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله غير الراوندي كما عرفت.

(١) بعد ما عرفت من عدم كون هذا السلام مخرجاً فهل هو واجب أو

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ٢.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

مستحب؟ المشهور والمعروف هو الثاني ، ونسب الوجوب إلى بعضهم كالجعفي في الفاخر (١) ، ومال إليه في كنز العرفان (٢) ، ويستدل للوجوب بروايات.

منها : موثقة أبي بصير الطويلة الواردة في كيفية التشهّد (٣) حيث ورد في ذيلها الأمر بالسلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وظاهر الأمر هو الوجوب.

ويندفع : بأن اشتمالها على كثير من المستحبّات يستوجب ضعف الظهور المزبور ، فانّا وإن ذكرنا في الأُصول (٤) أنّ الاستحباب كالوجوب بحكم العقل ومنتزع من الاقتران بالترخيص في الترك فغير المقرون محكوم بالوجوب ومن ثمّ أنكرنا قرينية السياق فيما لو اشتملت الرواية على أوامر تثبت استحباب بعضها من الخارج ، حيث حكمنا بالوجوب في غير الثابت لمكان عدم الاقتران إلّا أنّ خصوص هذه الموثقة لما كانت مشتملة على كثير من التحيّات والمسنونات بحيث يستظهر عدم ورودها لبيان أجزاء الصلاة الأصلية بل لبيان الفرد الأكمل والمصداق الأفضل ، فهي في قوّة الاقتران بالترخيص في الترك ، فعليه لا ينعقد للأمر المزبور ظهور في الوجوب.

وعلى تقدير التنازل وتسليم الظهور ، فلا مناص من رفع اليد عنه بما هو كالصريح في عدم الوجوب كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فان كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأه» (٥) وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد ، فقال :

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٤٢٠.

(٢) كنز العرفان : ١٤٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣١ و ١٣٢.

(٥) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٥.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يسلِّم من خلفه ويمضي في حاجته» (١) حيث يظهر منها بوضوح عدم وجوب شي‌ء بعد التشهّد ما عدا سلام الانصراف المنحصر في الصيغتين الأخيرتين كما تقدّم (٢).

ومنها : موثقة أبي بكر الحضرمي قال «قلت له : إنِّي أُصلِّي بقوم فقال سلّم واحدة ولا تلتفت ، قل السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم» (٣).

وفيه : مضافاً إلى قصور المقتضي بعدم كونه عليه‌السلام بصدد بيان السلام الواجب ، بل في مقام بيان كفاية المرّة وعدم الحاجة إلى التكرار بالسلام تارة إلى اليمين وأُخرى إلى الشمال ، ولعلّ التعرّض لصيغة السلام عليك أيُّها النبيّ مبني على المتعارف الخارجي توطئة للسلام المخرج من غير نظر إلى وجوبه أو استحبابه ، فالمقتضي للظهور في الوجوب قاصر في حدّ نفسه أنّه مع تسليم الظهور لم يكن بدّ من رفع اليد عنه والحمل على الاستحباب ، للنصوص الظاهرة في عدم الوجوب كما عرفت آنفا.

ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أنّ تسلِّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ...» إلخ (٤).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بمحمّد بن سنان ، أنّها محمولة على الاستحباب ، لأنّ السلام الواجب هو السلام المخرج بمقتضى صحيحتي الفضلاء

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٦.

(٢) في ص ٣٢٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٢١ / أبواب التسليم ب ٢ ح ٩.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٢١ / أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

٣٣٣

ويكفي في الصيغة الثانية «السلام عليكم» بحذف قوله «ورحمة الله وبركاته» وإن كان الأحوط ذكره (١). بل الأحوط الجمع بين الصيغتين بالترتيب المذكور

______________________________________________________

وعبيد الله الحلبي المتقدِّمتين (١) حيث يظهر منهما بوضوح أنّه لا يجب بعد التشهّد إلّا السلام المخرج ، وحيث إنّ السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن مخرجاً بمقتضى صحيحة الحلبي المتقدِّمة (٢) فلا جرم يكون المراد ممّا اتّصف بالمخرجية في هذه الرواية خصوص السلام علينا ، ومقتضاه كون السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مستحبّاً.

والمتحصِّل : من جميع ما مرّ : قصور النصوص المتقدِّمة عن الدلالة على الوجوب. وأضعف من الكل الاستدلال بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٣) بدعوى ظهور الأمر في الوجوب ، وحيث لا يجب التسليم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في سائر موارد الصلاة إجماعاً ، فتقيّد الآية بهذا المورد ، أعني ما بعد التشهّد الثاني.

إذ فيه : مضافاً إلى أنّ المراد بالتسليم في المقام هو الانقياد والإطاعة لا صيغة السلام المتعارفة كما لا يخفى ، فالآية أجنبية عن محل الكلام بالكلِّيّة أنّه مع التسليم ، فالآية الشريفة مطلقة وحمل المطلق على فرد خاص وهو حال الصلاة في مورد مخصوص منها مع بعده في نفسه يحتاج إلى الدليل ولا دليل. فتحصّل أنّ الأظهر استحباب السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما عليه المشهور.

(١) بعد الفراغ عن الوجوب التخييري للصيغتين يقع الكلام في تعيين

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٥ ، ٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٥٦.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

صورتهما.

أمّا الصيغة الثانية ، فالمعروف والمشهور كفاية السلام عليكم ، وبإزائه قولان : أحدهما : ما عن جماعة منهم أبو الصلاح الحلبي (١) من إضافة «ورحمة الله» استناداً إلى صحيح علي بن جعفر قال : «رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمّداً بني جعفر عليه‌السلام يسلِّمون في الصلاة عن اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله» (٢).

وفيه : أنّه حكاية فعل مجمل العنوان ، فانّ عمل المعصوم عليه‌السلام لا يدل على أكثر من الرجحان.

ثانيهما : ما عن ابن زهرة (٣) وجماعة من ضم «وبركاته» أيضاً ، استناداً إلى ما في صحيح المعراج من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فقال لي يا محمّد سلِّم فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...» إلخ (٤).

وفيه : أيضاً ما عرفت ، من أنّ فعل المعصوم عليه‌السلام أعمّ من الوجوب ، نعم أمره سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ظاهر في الوجوب ، لكن المأمور به مطلق التسليم لا تلك الكيفية الخاصّة ، فلعلّه اختار صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام العمل الفرد الأفضل.

وبالجملة : فالقولان ضعيفان ، لضعف مستندهما ، مضافاً إلى ما عن العلّامة (٥) من دعوى الإجماع على عدم وجوب ضمّ الجملتين المزبورتين ، فالأقوى إذن

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١٩ / أبواب التسليم ب ٢ ح ٢.

(٣) لاحظ الغنية : ٨١ ، ٨٥ وحكاه عنه في الحدائق ٨ : ٥٠١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٦٥ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٥) المنتهى ١ : ٢٩٦ السطر ٣٤.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ما عليه المشهور.

ويمكن الاستدلال له أوّلاً : بالنصوص الخاصّة التي منها موثقة أبي بكر الحضرمي المتقدِّمة (١).

ودعوى أنّ ما تضمنته من قوله : السلام عليكم ، من باب استعمال اللفظ في اللفظ فيراد به التسليم المتداول بين الناس المشتمل على تلك الزيادة ، مدفوعة بأنّ هذا الاستعمال وإن كان واقعاً في لغة العرب إلّا أنّه لا ريب في كونه خلاف الظاهر جدّاً لا يصار إليه من غير قرينة ، وحيث لا قرينة فلا يمكن المصير إليه. فلا مناص من الأخذ بظاهرها من كفاية تلك العبارة من غير الزيادة.

ومنها : موثقة يونس بن يعقوب : «... ولو نسيت حتّى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت : السلام عليكم» (٢) فإنّها صريحة في حصول تدارك المنسي بهذه الصيغة فحسب ، ومقتضى ذلك عدم وجوب الزائد عليها.

ومنها : غير ذلك كروايتي أبي بصير ، وابن أبي يعفور (٣) وإن لم تكونا نقيتي السند ولا تصلحان إلّا للتأييد.

وثانياً : بإطلاق بعض الأخبار كقوله عليه‌السلام في صحيحة الفضلاء : «فان كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأه» (٤). وفي صحيحة عبيد الله الحلبي : «يسلِّم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحبّ» (٥) فانّ مقتضاه جواز الاقتصار على هذا المقدار من دون ضم تلك الزيادة.

وثالثاً : بالأصل العملي وهو أصالة البراءة عن تلك الزيادة بعد كون المقام

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢١ / أبواب التسليم ب ٢ ح ٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٥ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٢١ / أبواب التسليم ب ٢ ح ٨ ، ١١.

(٤) ، (٥) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٥ ، ٦.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من موارد الدوران بين الأقل والأكثر.

ودعوى : أنّ الّذي يترتّب على هذا الأصل إنّما هو نفي الجزئية أو الشرطية ولا تثبت به المحللية فالمرجع حينئذ استصحاب بقاء التحريم حتّى يثبت المحلل ، مدفوعة : بأنّ الموضوع للمحلل إنّما هو السلام الواجب كما تقدّم ، إذن فالشك في حصول التحليل في المقام مستند إلى الشك في وجوب تلك الزيادة وبعد نفيه بالأصل المزبور لم يبق شك في حصول المحللية كما لا يخفى.

فتحصّل : أنّ القول المشهور هو الأظهر ، وإن كان الأحوط الضم حذراً عن الخلاف.

وهناك خلاف آخر في هذه الصيغة من تعريف السلام وتنكيره وستعرفه.

وأمّا الصيغة الأُولى ، فظاهر النصوص والفتوى اعتبار الصيغة بكاملها ولكن صاحب الجواهر ذكر في نجاة العباد (١) أنّ الأصح الاجتزاء بـ «السلام علينا» ويستدل له بصدق التسليم عليه فتشمله الإطلاقات.

ويندفع : بانصرافها إلى ما هو المعهود المتعارف من هذه الصيغة ، ولا ريب أنّ المتعارف هي تمام الصيغة بكاملها. ومع الغض عن ذلك فيقيّد الإطلاق بما دلّ على أنّ المخرج هي الصيغة الكاملة كصحيحة الحلبي (٢) وغيرها.

ودعوى عدم الريب في بطلان الصلاة بقول «السلام علينا» في غير محله فيكشف المبطلية عن المخرجية بيِّنة الفساد ، ضرورة عدم الملازمة بين الأمرين فإنّ المبطل هو مطلق ما صدق عليه السلام ، لكونه من كلام الآدميين ، وأمّا السلام المخرج الّذي هو جزء من المأمور به فهو حصّة خاصّة منه وهي الصيغة

__________________

(١) نجاة العباد : ١٣٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

٣٣٧

ويجب فيه المحافظة على أداء الحروف والكلمات على النهج الصحيح مع العربية ، والموالاة (١) ، والأقوى عدم كفاية قوله «سلام عليكم» بحذف الألف واللّام (٢).

______________________________________________________

المخصوصة بكاملها فلو لم يستكملها لم يتحقّق الخروج بحيث لو أتى حينئذ بالمنافي بطلت الصلاة لوقوعه في أثنائها ، فلا سبيل إذن للكشف المزبور بوجه.

(١) للزوم أداء الصيغة بالكيفية الواردة في لسان الأدلّة بعد ظهورها في لزوم رعايتها ، فالإخلال بها على نحو يقدح في المصداقية لتلك الكيفية إخلال بالمأمور به ، بل إفساد للصلاة ، نظراً للتكلّم العمدي قبل حصول المحلل والخروج منها.

(٢) خلافاً للمحقِّق في المعتبر (١) والعلّامة في التذكرة (٢) حيث ذهبا إلى الكفاية.

واستدلّ له المحقِّق تارة بالإطلاقات ، بعد وضوح صدق اسم التسليم على العاري من أداة التعريف.

وفيه : مضافاً إلى انصرافها إلى السلام المتعارف وهو خصوص المعرّف كيف ولو بني على الأخذ بالإطلاق لساغ مطلق السلام كيف ما كان ولو بالتسليم على أحد الأئمّة عليهم‌السلام وهو كما ترى لم يلتزم به حتّى المحقِّق نفسه أنّه لو سلّم الإطلاق لم يكن بدّ من تقييده بما في النصوص كموثقة الحضرمي (٣) حيث قد ورد فيها معرّفاً.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٢) التذكرة ٣ : ٢٤٧.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٢١ / أبواب التسليم ب ٢ ح ٩.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأُخرى بوروده في الكتاب العزيز منكّراً كقوله تعالى (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (١).

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ الصيغ الواردة للسلام في الكتاب العزيز كثيرة كقوله تعالى (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) (٢) ، (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (٣) ، (سَلامٌ عَلى إِلْ‌ياسِينَ) (٤) ، ولا شكّ في عدم الاجتزاء بشي‌ء منها ، إذ المأمور به في الصلاة حصّة خاصّة ذات صيغة مخصوصة كما دلّت عليه النصوص المتقدِّمة لا بدّ من المحافظة عليها وعدم التعدِّي عنها ، فمجرّد الورود في القرآن الكريم لا يصلح حجّة في المقام.

واستدلّ له العلّامة أيضاً تارة : بما ورد من أنّ علياً عليه‌السلام كان يقول ذلك عن يمينه وشماله ، وأُخرى : بأنّ التنوين يقوم مقام اللّام فإنّه بدل منه.

وكلاهما كما ترى ، فإنّ الأوّل لم يثبت من طرقنا. على أنّ من الجائز أنّه عليه‌السلام كان يقول ذلك بعد أداء السلام الواجب والخروج من الصلاة فكان عليه‌السلام يسلِّم على من في يمينه وشماله من الجماعة بهذه الكيفية ولا ضير فيه.

وأمّا الثاني ، ففيه : أنّ البدلية وإن صحّت لكنّها بمجرّدها لا تستوجب قيام البدل مقام المبدل منه وإجزائه عنه ما لم ينهض دليل عليه ، ولا دليل على الإجزاء في المقام.

__________________

(١) الزّمر ٣٩ : ٧٣.

(٢) مريم ١٩ : ١٥.

(٣) الصّافّات ٣٧ : ١٨١.

(٤) الصّافّات ٣٧ : ١٣٠.

٣٣٩

[١٦٦١] مسألة ١ : لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأُخر قبل السلام بطلت الصلاة ، نعم لو كان ذلك بعد نسيانه بأن اعتقد خروجه من الصلاة لم تبطل (١) والفرق أنّ مع الأوّل يصدق الحدث في الأثناء ومع الثاني لا يصدق ، لأنّ المفروض (*) أنّه ترك نسياناً جزءاً غير ركني فيكون الحدث خارج الصلاة.

______________________________________________________

وتوهّم أنّ التسليم المنكّر يكون مبطلاً ومخرجاً عن الصلاة لو وقع في غير محلّه فيكون مجزئاً لو وقع في محله ، قد عرفت الجواب عنه وأنّه ليس مطلق الخروج مجزئاً عن السلام الواجب وإلّا لأجزأ التسليم على النفس أو الغير أو أحد المعصومين عليهم‌السلام وهو كما ترى ، فالبطلان والخروج في هذه الموارد مستند إلى كونها من كلام الآدميين لا من أجل إجزائها عن السلام المأمور به كما هو واضح ، فما عليه المشهور من عدم الكفاية هو المتعيِّن.

(١) قد تقدّم (١) البحث حول هذه المسألة في مطاوي ما سبق من هذا الفصل بنطاق واسع وبيان مشبع ، فلاحظ ولا نعيد.

__________________

(*) يريد بذلك أنّ شمول حديث لا تعاد بالإضافة إلى السلام المنسي يخرج الحدث عن كونه حدثاً في الصلاة ، ولا مانع من شموله إلّا الحكم بالبطلان من ناحية وقوع الحدث في الصلاة إلّا أنّه غير ممكن ، لتوقفه على عدم شمول الحديث للسلام المنسي ، فلو كان عدم الشمول مستنداً إليه لزم الدور ، وأمّا دعوى توقف شمول الحديث على إحراز صحّة الصلاة من بقيّة الجهات ولا يمكن ذلك من غير جهة الشمول في المقام فمدفوعة بعدم الدليل عليه إلّا من ناحية اللغوية ، ومن الضروري أنّها ترتفع بالحكم بصحّة الصلاة فعلاً ولو كان ذلك من ناحية نفس الحديث ، وما يقال من أنّ الخروج من الصلاة معلول للحدث وفي مرتبة متأخِّرة عنه فالحدث واقع في الصلاة واضح البطلان ، مع أنّه لا يتم في القواطع كما يظهر وجهه بالتأمّل.

(١) في ص ٣١٩.

٣٤٠