موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

بالمنافيات بعد التشهّد مشروطاً بتعقبه بالتسليم. اللهمّ إلّا أن يستفاد اعتبار الجزئية من السياق وكونه على حد سائر الأجزاء المعتبرة فيها من التكبيرة وغيرها.

وأمّا احتمال أن لا يكون جزءاً ولا شرطاً بل هو أمر أجنبي اعتبر في هذا المحل ومع ذلك لا يجوز الإتيان بالمنافيات قبله ، كما ربّما يتراءى ذلك من بعض الكلمات فلا نعقل له وجهاً صحيحاً.

والمتحصِّل من جميع ما مرّ : أنّ المناقشة في هذه الطائفة من الروايات إنّما هي من جهة السند فقط ، دون الدلالة.

الطائفة الثانية : الروايات الكثيرة الآمرة بالتسليم ابتداءً أو عند الشك أو غيره ممّا وردت في أبواب متفرِّقة مناسبة ، قيل بلغت من الكثرة حدّا يصعب معه إحصاؤها.

منها : ما ورد في ذيل صحيحة حماد المعروفة من قوله : «فلمّا فرغ من التشهّد سلّم فقال : يا حماد ، هكذا صلّ» (١) ، وقد عرفت مراراً أنّ الأوامر في باب المركبات تنقلب من ظهورها في المولوية إلى كونها ظاهرة في الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية على اختلاف المقامات ، وسياق الرواية فيما نحن فيه يشهد بأنّ دخل التسليم على نحو الجزئية لا الشرطية وكون الدخيل هو التقيد به كما لا يخفى.

ومنها : ما رواه الصدوق في العلل بأسانيد معتبرة تنتهي إلى عمر بن أُذينة وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل في قضيّة المعراج جاء فيه : «... ثمّ التفتّ فإذا أنا بصفوف من الملائكة والنبيين والمرسلين فقال لي : يا

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٢.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

محمّد سلّم ، فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» إلخ (١) فإنّها ظاهرة الدلالة في جزئية التسليم كما أنّها صحيحة السند.

ومنها : موثقة أبي بصير الطويلة حيث جاء في آخرها : «... ثمّ قل : السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين ، السلام على محمّد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثمّ تسلّم» (٢) فإنّها ظاهرة في وجوب التسليم ، ولا موجب لرفع اليد عنه وحمله على الاستحباب كما في غيره ممّا وقع متعلّقاً للأمر إلّا بقرينة ولا قرينة على ما ستعرف ، فهي تدل على الوجوب ، ومقتضى السياق الجزئية كما عرفت. ومنها غيرها من النصوص الكثيرة المتفرِّقة.

الطائفة الثالثة : الروايات المصرّحة بأنّ ختامها التسليم.

منها : موثقة علي بن أسباط عنهم عليهم‌السلام : «... له أي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل يوم خمس صلوات متواليات ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم» (٣) وعلي بن أسباط وإن كان فطحياً إلّا أنّه موثق ، مع أنّه رجع إلى المذهب الحق ، فالسند معتبر كما أنّ الدلالة على أنّ التسليم من الصلاة واضحة.

ومنها : موثقة أبي بصير قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في رجل صلّى الصبح فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف ، قال : فليخرج

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٦٥ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠ ، علل الشرائع : ٣١٢ / ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ح ٢.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فليغسل أنفه ثمّ ليرجع فليتم صلاته ، فان آخر الصلاة التسليم» (١) فإنّها ظاهرة الدلالة على جزئية التسليم ، إذ لو كان أمراً خارجاً غير واجب لكان المناسب تعليل الرجوع لإتمام الصلاة بأنّ التشهّد آخر الصلاة ولم يأت به ، إذ المفروض كون الرعاف قبله ، فالتعليل بكون التسليم آخره يكشف عن دخله فيها. نعم مقتضى الرواية الرجوع وإتمام الصلاة حتّى مع الفصل الطويل الماحي للصورة ولا يمكن الالتزام به ، إلّا أنّ دلالتها على ذلك إنّما هو بالإطلاق فيقيّد بما دلّ على كون ذلك قاطعاً للصلاة وتحمل على ما إذا لم يستلزم الفعل الكثير.

ومنها : موثقة أُخرى لأبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا نسي الرجل أن يسلِّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة وقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته» (٢) فإنّها أيضاً ظاهرة الدلالة على الجزئية وأنّه ما لم يسلِّم لم يفرغ عن صلاته ، حيث علّق الفراغ منها على قوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فاذا لم يكن السلام جزءاً فلِم لم يحصل له الفراغ منها بدون التسليم.

ثمّ لا يخفى أنّ المستفاد من الموثقة أنّ التسليم بقول مطلق منصرف إلى خصوص السلام الأخير ، لأنّه مع فرضه عليه‌السلام نسيان التسليم ذكر أنّه إذا كان قال : السلام علينا ... إلى آخره ، فلا بدّ وأن يكون المراد من السلام المنسي هو قولنا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بل يظهر من بعض الروايات أنّ العامّة يعدّون قول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين من توابع التشهّد ، فقد روى الصدوق عن الصادق عليه‌السلام أنّه «قال : أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين بقوله :

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٣ / أبواب التسليم ب ٣ ح ١.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تبارك اسم ربّك وتعالى جدّك ، وهذا شي‌ء قالته الجن بجهالة فحكى الله عنها وبقوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، يعني في التشهّد الأوّل» (١) ، بل ظاهر كثير من نصوصنا أيضاً هو ذلك ، وأيضاً ظاهر موثقته السابقة المفصّلة حيث قال عليه‌السلام فيها «ثمّ تسلّم» (٢) أنّ المراد منه هو السلام الأخير فلاحظ.

ومنها : صحيحة زرارة الواردة في صلاة الخوف عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه «قال : إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين فيصلِّي بفرقة ركعتين ثمّ جلس بهم ثمّ أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فيصلِّي ركعة ثمّ سلّموا فقاموا مقام أصحابهم ، وجاءت الطائفة الأُخرى فكبّروا ودخلوا في الصلاة وقام الإمام فصلّى بهم ركعة ثمّ سلّم ، ثمّ قام كل رجل منهم فصلّى ركعة فشفعها بالتي صلّى مع الإمام ثمّ قام فصلّى ركعة ليس فيها قراءة فتمت للإمام ثلاث ركعات وللأوّلين ركعتان جماعة ، وللآخرين وحداناً فصار للأوّلين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم» (٣) فإنّه لو لم يكن التسليم جزءاً لما كان لهذا التقابل بين التكبير والتسليم معنى كما لا يخفى.

الطائفة الرابعة : الروايات التي مضمونها اعتبار التسليم في الصلاة وهي عدّة روايات :

منها : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فإن كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلّم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهّد ب ١٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩٠.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٣٦ / أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٢ ح ٢.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وانصرف أجزأه» (١). فإنّا إن قلنا بأنّ قولنا : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، من توابع التشهّد فصدر الرواية أيضاً يدل على اعتبار السلام في الصلاة ، حيث علّق فيه مضي الصلاة على الفراغ من الشهادتين بما له من التوابع التي منها السلام المزبور حسب الفرض. وإن أنكرنا ذلك ، فيكفي في استفادة الجزئية منها ذيلها ، حيث يدل على أنّ الاهتمام بأمر التسليم المنصرف عند الإطلاق إلى السلام الأخير على ما عرفت من استفادة ذلك من موثقتي أبي بصير بمثابة لا بدّ من الإتيان به حتّى في فرض الاستعجال ، فيكون ذلك كاشفاً عن اعتباره في الصلاة.

ومنها : صحيح عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد ، قال : يسلِّم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحبّ» (٢). فإنّه لو لم يكن التسليم جزءاً لاقتصر على التشهّد ومضى في حاجته من دون حاجة إلى التسليم.

ومنها : موثقة غالب بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يصلِّي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلِّم قال : تمّت صلاته وإن كان رعافاً غسله ثمّ رجع فسلّم» (٣). فان لزوم الرجوع بعد غسل الدم لتدارك التسليم يكشف عن كونه جزءاً من الصلاة ، وإلّا فلما ذا وجب عليه ذلك ولو في فرض عدم استلزام الغسل الفصل الطويل الّذي لا بدّ من تقييد إطلاقه وحمله على ذلك كما لا يخفى.

وأما حكمه عليه‌السلام في فرض النوم بأنّه تمّت صلاته مع أنّه لم يسلِّم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٦.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٢٥ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٦.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا بدّ من حمله على أنّه كان قد أتى بالتشهّد بتوابعه التي منها قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وإنّما لم يأت بالسلام الأخير الّذي هو المنصرف إليه إطلاق التسليم على ما عرفت استفادة ذلك من موثقتي أبي بصير المتقدِّمتين (١).

ومنها : موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يصلِّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلِّم ، قال : تمّت صلاته ، وإن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه وقام فقد تمّت صلاته» (٢).

أمّا الذيل ، فدلالته على الاعتبار واضحة حيث علّق فيه تمامية الصلاة على التسليم ، فلو لم يكن معتبراً فيها لم يكن وجه للإتيان به حتّى مع وجود الأذى.

وأمّا الصدر الظاهر في عدم وجوب السلام ، فلا بدّ من حمله على إرادة السلام الأخير كما يقتضيه إطلاق التسليم على ما عرفت. وأمّا قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد كان قد أتى به والحدث وقع بعد الفراغ منه ، فلا يدل على عدم وجوب السلام أصلاً.

الطائفة الخامسة : الروايات الواردة في حكم الشك في الركعات وهي كثيرة :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا لم تدر أثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهّد وسلم ثمّ صلّ ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ثمّ تشهّد وتسلّم فان كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة» (٣) فانّ

__________________

(١) في ص ٣٠٢ ، ٣٠٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٤ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التسليم إن لم يكن واجباً لم تكن حاجة إلى الإتيان به قبل أن يصلِّي الركعتين لأنّ العلاج المذكور وهو الإتيان بالركعتين واحتسابهما متمِّماً إن لم يكن أتى بالأربع ونافلة على التقدير الآخر يحصل مع عدم التسليم أيضاً ، فمن الأمر به يستدل على كونه جزءاً من الصلاة.

ودعوى : أنّ الأمر به من جهة أن يتحقّق الخروج ، إذ لولاه لاستلزم ذلك اشتمالها على الزيادة المبطلة ، فلا يكون الأمر بالتسليم كاشفاً عن جزئيته لها ووجوبه فيها.

مدفوعة : بأنّ الزيادة إنّما تصدق فيما إذا أتى بالركعتين بعنوان الجزئية ، وأمّا إذا أتى بها بعنوان الاحتياط وبقصد الرجاء كما هو كذلك فلا يكون ذلك موجباً لاتِّصافها بوقوع الزيادة فيها ، نظير ما لو شكّ في أشواط الطواف فأتى بالمشكوك فيه بعنوان الرجاء دون الجزئية ، فإنّه لا إشكال في عدم كون ذلك موجباً للبطلان بمقتضى القاعدة وإن كان في الواقع زائداً لولا قيام النص الخاص على خلافه ، وعليه فيكون الأمر به كاشفاً عن الجزئية كما ذكرناه. ولا يقدح وقوعه في أثناء الصلاة على تقدير كون المأتي به متمّماً لأنّه زيادة سهوية ولا بأس بها.

ومنها : صحيحة ابن أبي يعفور التي يقرب مضمونها من الصحيحة السابقة (١).

ومنها : رواية عمار الساباطي (٢) لكنّها ضعيفة السند ، وإلّا فهي ظاهرة الدلالة بعين البيان المتقدِّم في الصحيحة السابقة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وربّما يستدل بطائفة سادسة وهي الروايات الواردة في من أتمّ في موضع القصر (١) حيث دلّت على أنّ من أتمّ كذلك فان كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه وتمّت صلاته ، وإن كان عالماً عامداً فعليه الإعادة ، وإن كان ناسياً فكذلك عليه الإعادة لكن في الوقت دون خارجه ، مع أنّ مقتضى عدم كونه جزءاً منها هو عدم الإعادة حتّى فيما إذا أتمّ عالماً عامداً ، إذ بناءً عليه يكون الزائد واقعاً خارج الصلاة ، مثل ما إذا أتى بركعة زائدة بعد السلام غير الضائر قطعاً ، فليكن ذلك أيضاً كذلك ، فكيف حكم الشارع بوجوب الإعادة ، فلا بدّ وأن يكون حكمه بذلك دليلاً وكاشفاً عن كون السلام جزءاً من الصلاة ، إذ عليه تكون الركعتان من الزائد الواقع في أثناء الصلاة عمداً ، والزيادة العمدية موجبة للبطلان قطعاً.

والجواب عنها : أنّه قد يفرض أنّ مثل هذا الشخص يكون من أوّل الأمر قاصداً للإتيان بأربع ركعات تشريعاً أو نسياناً أو لجهة أُخرى ، فهذا لا يشك في بطلان صلاته ، لأنّ ما له أمر فهو غير مقصود ، وما هو المقصود لا أمر له وهذا واضح.

وقد يفرض أنّه كان قاصداً للأمر الفعلي ولكنّه من باب الخطأ والاشتباه أو النسيان تخيل وزعم أنّه أربع ركعات ، فهل تكون هذه الصلاة محكومة بالصحّة بمقتضى القاعدة ، نظراً إلى تحقّق قصد ما هو المأمور به ، غايته أن اشتبه في التطبيق ولا ضير فيه بعد ما تقدّم سابقاً من أنّ القصر والتمام ليستا بماهيتين مختلفتين ، بل هما ماهية واحدة وطبيعة فأرده ، فإن صلاة الظهر مثلاً قصراً وتماماً لا فرق بينهما بحسب الحقيقة ، بل شرعت بالنسبة إلى طائفة مقيّدة بعدم كونها زائدة على الركعتين ، وبالنظر إلى جماعة أُخرى مشروطة بأن يلتحق

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٥ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالركعتين الأولتين ركعتان أُخريان ، وبالقياس إلى عدّة ثالثة لوحظت مخيّراً فيها بين الأمرين. وهذا المقدار لا يستوجب الاختلاف في الماهية ، فليس الآتي بالتمام آتياً بماهية أُخرى مباينة لما هو المطلوب منه أو تكون محكومة بالبطلان؟

الظاهر هو الثاني ، وذلك من جهة اشتمالها على الزيادة المبطلة ، فإن صدق الزيادة لا يتوقف على وقوعها في أثناء العمل ، بل يعم ما إذا كانت متّصلة بآخره ، وفي المقام حيث إنّ المطلوب هو الإتيان بركعتين مقيّداً بأن لا يلحقهما شي‌ء ، فلا محالة تكون إضافة الركعتين الأُخريين ولو في آخرهما موجباً لاتِّصاف الصلاة بوقوع الزيادة فيها. ألا ترى أنّه لو أمر المولى بأن يكبِّر خمساً ليس إلّا فكبّر ستّاً يكون التكبير الزائد موجباً لاتِّصاف التكبيرات بعدم كونها مصداقاً للمأمور به ، لا أنّ خمساً منها يكون مصداقاً للواجب ويكون الباقي زائداً خارجاً عنه.

ومن هنا لو أتى في الطواف بثمانية أشواط كان ذلك موجباً للبطلان رأساً ، لا أنّ السبع منها يعدّ فرداً من الواجب ويلغى الباقي.

نعم ، لو كانت الزيادة فيما نحن فيه بعد الإتيان بالسلام فلا يوجب ذلك اتِّصاف الصلاة بكونها مشتملة على الزيادة ، وذلك لأنّ السلام أوجب الخروج من الصلاة كالحدث ، فلا محالة تكون الركعة الزائدة واقعة خارج الصلاة ، فلا تقاس الزيادة قبل السلام بالزيادة بعده فإنّ الاولى من الزيادة في الصلاة دون الثانية.

وعليه فلا يمكن أن تكون تلكم الروايات شاهدة على جزئية التسليم ووجوبه ، لأنّه حتّى بناءً على عدم الوجوب يكون إلحاق الركعة موجباً لعنوان الزيادة المبطلة وتحقّقها في الصلاة ما لم يكن ذلك واقعاً بعد التسليم. فالعمدة في

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إثبات وجوب التسليم بل جزئيته هو ما تقدمها من الطوائف من الروايات هذا كلّه في المقتضي.

وأمّا المقام الثاني : أعني المانع عنه على تقدير تسليم المقتضي الملازم للقول بالاستحباب ، فقد استدلّ له بوجوه :

أحدها : الأصل ، فإن مقتضاه البراءة عن اعتبار الجزئية وتشريع الوجوب.

وفيه : أنّ مقتضى الأصل في نفسه وإن كان هو ذلك لكنّه محجوج ومخرج عنه بما عرفت من الروايات الكثيرة المختلفة الدالّة على الوجوب والجزئية.

ثانيها : صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول الإمام التشهّد فيأخذ الرجل البول أو يتخوّف على شي‌ء يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال : يتشهّد هو وينصرف ويدع الإمام» (١). فإنّه لو كان التسليم جزءاً من الصلاة بل أو واجباً لأمره عليه‌السلام بذلك ولم يقتصر على التشهّد مع الانصراف ، فمن عدم أمره عليه‌السلام بذلك يستكشف عدم جزئيته ووجوبه.

والجواب : أنّ هذه الصحيحة على ما ذكره المحقِّق الهمداني (قدس سره) (٢) وإن كانت في موضع من التهذيب كما رقمت من دون الأمر بالتسليم إلّا أنّه في موضع آخر (٣) وكذا في الفقيه (٤) ذكر فيها أنّه يسلِّم وينصرف.

قال المحقِّق الهمداني (قدس سره) : والفقيه أضبط من التهذيب. وحينئذ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٦.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٧٧ السطر ٢٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٨٣ / ٨٤٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩١.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

تكون الصحيحة من جملة أدلّة القائلين بالوجوب وتكون على عكس المطلوب أدل ، هذا أوّلاً.

وثانياً : سلّمنا أنّ الصحيح هو ما ذكر في هذا الموضع من التهذيب كما في الوسائل ، فغايته أن تكون حال هذه الصحيحة حال الصحيحة الآتية ويكون الجواب هو الجواب عنها.

ثالثها : صحيح محمّد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام التشهّد في الصلوات ، قال : مرّتين ، قلت : كيف مرّتين؟ قال : إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ثمّ تنصرف ...» (١) إلخ بعين التقريب المتقدِّم.

والجواب : أنّ تعلّق الأمر بالانصراف يقتضي أن لا يكون المراد منه ما هو الأمر العادي الّذي يقتضيه الطبع الأوّلي من التوجّه والرواح إلى مهمّاته وحوائجه ، وإلّا فهذا لا يحتاج إلى الأمر به ، بل يكون المراد منه ما هو وظيفته الشرعية وقد عيّن مصداق ذلك في جملة من الروايات وفيها الصحاح وغيرها.

منها : صحيح الحلبي قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام كلّ ما ذكرت الله (عزّ وجلّ) به والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت» (٢) ، المؤيّد برواية أبي كهمس عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، انصراف هو؟ قال : لا ، ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الانصراف» (١) فقد عيّن فيهما ما يتحقّق به الانصراف وهو السلام الخاص فتكون تانك الصحيحتان دالّتين على وجوب التسليم لا أنّه يستفاد منهما عدم الوجوب كما هو المدّعى.

ومنها : صحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد قال : يسلّم من خلفه ويمضي لحاجته إن أحبّ» (٢) فان مضمون هذه الصحيحة هو بعينه مضمون صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة ، وقد صرّح عليه‌السلام هنا بأنّ للمأموم أن يسلِّم عند إطالة الإمام للتشهّد ، فيكون المراد من الانصراف هناك هو التسليم أيضاً وتكون هذه مفسّرة لتلك.

ومنها : ذيل صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فان كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأه» (٣) فان عطف جملة «انصرف» على «سلّم» لا بدّ وأن يكون تفسيرياً ، إذ لا معنى لكون الانصراف موجباً للإجزاء ، والمراد أنّه لدى الاستعجال يكفي التسليم ولا يلزمه الأوراد والأذكار المتعارفة المستحبّة ، فهذه الرواية أيضاً شاهدة على أنّ المراد من الانصراف ليس إلّا التسليم.

رابعها : صدر هذه الصحيحة حيث علّق عليه‌السلام فيه المضي من الصلاة على خصوص الفراغ من الشهادتين ، ولو كان السلام جزءاً وواجباً لكان اللّازم أن يكون هو المعلّق عليه لا التشهّد.

والجواب : أنّ عد هذه الصحيحة من أدلّة القول بالوجوب أولى من

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٤١٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٦ / أبواب التسليم ب ١ ح ٥.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستدلال بها على خلافه ، وذلك أمّا بناءً على أن يكون المراد من الشهادتين هو الشهادتان مع توابعهما التي منها قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين كما عرفت استظهار ذلك من موثقتي أبي بصير المتقدِّمتين (١) فواضح ، إذ عليه يكون مضي الصلاة متوقّفاً على أداء الشهادتين والسلام المزبور معاً.

وأمّا بناءً على إنكار ذلك فيكفي في الاستدلال بها ذيلها ، حيث يدل على أنّ الاهتمام بشأن السلام بمكان لا يجوز تركه حتّى مع فرض الاستعجال فكيف يمكن أن تكون الصحيحة دليلاً على عدم وجوب السلام. نعم ، لا بدّ حينئذ من التصرّف في كلمة المضي في الصدر وحملها بقرينة الذيل على مضي أجزائها غير المخرج ، وهو السلام الّذي به تتم الصلاة دون المضي المطلق.

خامسها : موثقة يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام صلّيت بقوم صلاة فقعدت للتشهّد ثمّ قمت ونسيت أن أُسلِّم عليهم ، فقالوا : ما سلمت علينا ، فقال : ألم تسلِّم وأنت جالس ، قلت : بلى ، قال : فلا بأس عليك ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت : السلام عليكم» (٢) بناءً على أن يكون «بلى» تصديقاً للنفي ، أي نعم ما سلّمت ، وقد حكم عليه‌السلام بنفي البأس عن ذلك فيكون دليلاً على عدم الوجوب.

وفيه : أنّ كلمة «بلى» تصديق للمنفي لا النفي بشهادة تصريح أهل اللغة وملاحظة موارد استعمالاتها كما في قوله تعالى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٣) أي أنت ربّنا.

ولو سلّمنا استعمال بلى حتّى في تصديق النفي فلا نسلِّمه في المقام ، وإلّا فما

__________________

(١) في ص ٣٠٢ ، ٣٠٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٥ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٥.

(٣) الأعراف ٧ : ١٧٢.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

معنى نفي البأس مع عدم التسليم ، وأيّ فائدة في هذا السؤال إذا لم يكن فرق في الحكم بين ما لو سلّم وما إذا لم يسلِّم وكان كل منهما محكوماً بعدم البأس ، فلا بدّ وأن يكون المراد تصديق الإتيان بالسلام وهو قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وأمّا السلام الأخير فالمفروض أنّه قد نسيه فلا يمكن أن يكون التصديق راجعاً إليه. وإذا كانت الموثقة دالّة على نفي البأس في فرض الإتيان بالسلام ولو بغير الصيغة الأخيرة فكيف يمكن أن يستدل بها على عدم اعتبار السلام مع أنّه على عكس المطلوب أدل ، هذا.

ولا يبعد أن يكون قوله : «ولو نسيت» من تصرّف نسّاخ التهذيب ، وأن يكون في الأصل «ولو شئت» كما استظهره المحقِّق الهمداني (قدس سره) (١) تبعاً لغيره ، مستشهداً بأنّ المذكور في قرب الاسناد (٢) على ما قيل بلفظ «ولو شئت» بدل «ولو نسيت».

سادسها : الروايات المستفيضة الدالّة على عدم بطلان الصلاة بإتيان المنافي من الحدث والالتفات الفاحش وغيرهما قبل التسليم ، وذلك آية عدم الجزئية إذ لو كان التسليم جزءاً ولم يخرج المصلِّي قبله عن الصلاة لكان ذلك موجباً للبطلان كالاتيان بها قبل التشهّد.

منها : صحيح الحسن بن الجهم قال : «سألته يعني أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة ، قال : إن كان قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يعد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» (٣).

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٧٧ السطر ٣٥.

(٢) قرب الاسناد : ٣٠٩ / ١٢٠٦.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب القواطع ب ١ ح ٦.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الدلالة فظاهرة ، حيث دلّت صريحاً على أنّ الحدث إذا كان واقعاً بعد التشهّد فلا يكون موجباً للإعادة وبطلان الصلاة ، سواء أتى بالتسليم أم لا.

وأمّا السند ، فقد تقدّم سابقاً وقلنا إنّ تعبير غير واحد عنها بالرواية وإن كان مشعراً بالضعف إلّا أنّ الظاهر كونها صحيحة ، فإنّ الحسن بن الجهم منصرف إلى الحسن بن الجهم بن بكير الزراري المعروف الموثق ، وأمّا ابن الجهم الآخر غير الموثق فهو غير معروف بحيث ينصرف اللفظ عنه عند الإطلاق. وأمّا عباد بن سليمان الواقع في السند فهو وإن لم يوثق صريحاً إلّا أنّه من رجال كامل الزيارات ، ويكفينا ذلك في اعتباره.

ومنها : صحيحة زرارة التي مضمونها عين مضمون الصحيحة السابقة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد ، قال : ينصرف فيتوضّأ ، فإن شاء رجع إلى المسجد وإن شاء ففي بيته وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلِّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (١) فان ذيلها دال على أنّ الحدث بعد الشهادة ليس بضائر ، ومقتضى ذلك أنّ التسليم ليس بجزء.

ومنها : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً ، وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد» (٢) فانّ هذه الرواية دلّتنا على أنّ الالتفات الفاحش الّذي هو من جملة المنافيات لا يوجب الإعادة إذا كان بعد التشهّد ، فلا بدّ وأن لا يكون السلام واجباً وجزءاً.

والجواب عن هذه الصحاح الثلاث :

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهّد ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٤ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٤.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا أوّلاً : فلأن هذه الروايات كما تدل على عدم بطلان الصلاة بالحدث إذا كان قبل التسليم الكاشف عن عدم جزئيّته ، فكذلك تدل على عدم البطلان إذا كان ذلك قبل الصلاة على النبيّ المستلزم لعدم جزئيّتها أيضاً ، لأنّ التفصيل فيها واقع بين كون الحدث قبل التشهّد فيعيد ، وبعده فلا يعيد من دون ذكر للصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله. وما يتراءى في صحيح ابن الجهم من قول صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو ليس جزءاً من الرواية بل زيادة ناشئة من رعاية أدب الكتابة بشهادة عدم ذكره في التهذيب (١) وإنّما هو موجود في الوسائل فلاحظ.

وعلى الجملة : فمقتضى الإطلاق عدم الإعادة حتّى فيما إذا كان الحدث قبل التصلية ، وهذا ممّا لا يلتزم به القائل بعدم جزئية التسليم ، فلا بدّ من طرح هذه الروايات.

إلّا أن يقال : إنّ التصلية بما أنّها من توابع التشهّد وملحقاته فالمراد من التشهّد التشهّد المنضم بها فلا يدل على عدم الإعادة إذا كان الحدث قبلها ، بل لا بدّ من فرض وقوعه بعدها ، ولكن هذا الجواب لو تمّ فهو جارٍ بالنسبة إلى السلام أيضاً ، لأنّ قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين على ما يستفاد من ظاهر بعض النصوص كما تقدّم (٢) يكون من توابع التشهّد ، وأنّ التسليم المطلق ينصرف إلى السلام الأخير ، فلا تدل على عدم الإعادة إذا كان الحدث قبل تلك الصيغة ، بل لا بدّ من فرض وقوعه بعدها ، فاذا كانت الصحاح محمولة على أنّ المراد بالتشهّد هو المعنى الجامع ، فلا يفرق في ذلك بين التصلية وبين السلام بتلك الصيغة ، ومعه لا تكون هذه الروايات دالّة على عدم الجزئية.

وأمّا ثانياً : فمع الإغماض عمّا ذكرناه نقول : إن أمكن الالتزام بمضمون هذه

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٤ / ١٤٦٧.

(٢) في ص ٣٠٢ ، ٣٠٣.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأخبار ودعوى أنّها مخصّصة لما دلّ على مبطلية الالتفات والحدث فهو ، وإلّا فهذه الأخبار الدالّة على عدم قدح الحدث ونحوه تكون معارضة لما دلّ على جزئية التسليم وأنّه آخر الصلاة ، وواضح أنّ الترجيح مع روايات الجزئية لمخالفتها للعامّة ، وموافقة هذه الأخبار لهم ومنهم أبو حنيفة (١) القائل بجواز الخروج عن الصلاة بالحدث وغيره فتطرح وتحمل على التقيّة.

بقي في المقام روايتان : إحداهما : موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يصلِّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلِّم قال : تمّت صلاته ...» إلخ (٢) حيث دلّت على صحّة الصلاة مع وقوع الحدث في الأثناء وقبل التسليم الكاشف عن عدم جزئيّته.

والجواب عنها : هو ما ذكرناه في سائر الأخبار ، ويزيد هذه أنّه لم يذكر فيها وقوع الحدث بعد التشهّد كما في تلك الأخبار ، بل المذكور وقوعه قبل التسليم. وقد ذكرنا فيما مرّ أنّ التسليم لدى الإطلاق منصرف إلى السلام الأخير.

وعليه فتحمل الموثقة على ما إذا كان الحدث واقعاً بعد قول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فالجواب عن هذه الرواية أوضح ممّا مرّ.

وعين هذا الجواب يجري في الرواية الثانية ، وهي موثقة غالب بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يصلِّي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلِّم ، قال : تمّت صلاته» (٣).

هذا ولم يبق من الروايات التي يمكن الاستدلال بها لنفي الوجوب والجزئية عدا روايتين والاستدلال بهما ضعيف غايته.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٨١ ، المغني ١ : ٦٢٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٤ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٢٥ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٦.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأُولى : صحيحة زرارة في حديث عن أحدهما عليهما‌السلام قال «قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين ، قال : يركع بركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شي‌ء عليه» (١) وهذه الصحيحة وإن كان ظاهرها الإتيان بالركعتين متّصلتين ، إلّا أنّ في قوله «بفاتحة الكتاب» إشعاراً بالانفصال ، ولا أقل من أنّها مقيّدة بذلك ببقية الأخبار. وعلى أيّ حال فقد دلّت على عدم وجوب التسليم لعدم ذكر له فيها بعد التشهّد.

وفيه : أنّ هذه الرواية بعين هذا السند رواها الكليني بلفظ «ثمّ يسلِّم ولا شي‌ء عليه» بدل «يتشهّد» (٢) ولا يبعد أنّهما رواية واحدة ، وعلى تقدير التعدّد تتقيّد إحداهما بالأُخرى كما لا يخفى.

الثانية : صحيحة معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه‌السلام فصلّ ركعتين واجعله أماماً ، واقرأ في الأُولى منهما سورة التوحيد (قُل هو الله أحد) ، وفي الثانية (قُل يا أيُّها الكافرون) ثمّ تشهد واحمد الله واثن عليه وصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واسأله أن يتقبّل منك» (٣) فانّ الاقتصار على التشهّد وعدم ذكر التسليم بعده يكشف عن عدم وجوبه.

وفيه : أنّه عليه‌السلام لم يكن في مقام بيان أجزاء الصلاة ، ولذا لم يذكر الركوع والسجود مع أنّهما أولى بالذكر ، وإنّما النظر فيها معطوف على بيان خصوصية هذه الصلاة وهي إيقاعها في مقام إبراهيم واشتمالها على سورة الجحد والتوحيد ، فعدم التعرّض للتسليم غير المختص بهذه الصلاة لا يدل على عدم الوجوب.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٤ ، الكافي ٣ : ٣٥٠ / ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٢٣ / أبواب الطواف ب ٧١ ح ٣.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ الظاهر أنّ قوله عليه‌السلام : «ثمّ تشهد ...» إلخ ناظر إلى ما بعد السلام ، وأنّه بعد الفراغ من الصلاة يأتي بهذه الأعمال من التشهّد والحمد والثناء وغيرها من المذكورات ، وذلك من جهة كلمة «ثمّ» الظاهرة في التفريع على صلاة ركعتين ، فليس التشهّد المزبور من التشهّد الصلاتي في شي‌ء.

فتلخص من جميع ما ذكرناه : أنّ القول بالاستحباب استناداً إلى هذه الروايات ضعيف جدّاً ، لعدم تمامية الاستدلال بشي‌ء منها ، فلا مناص من القول بالوجوب. وأمّا ما نسب إلى المشهور من الاستحباب فالمراد به التسليم الأخير.

بقي شي‌ء : وهو أنّ السيِّد الماتن (قدس سره) ذكر أنّ التسليم وإن كان جزءاً لكنّه ليس بركن ، فلو تركه عمداً بطلت صلاته تحقيقاً لما تقتضيه الجزئية. وأمّا لو تركه سهواً فان كان التذكّر بعد الإتيان بشي‌ء من المنافيات عمداً وسهواً كالحدث ، أو بعد فوات الموالاة لا يجب تداركه ، لحديث لا تعاد المستفاد منه عدم جزئية غير الخمس حال النسيان ، وإنّما تختص جزئيّتها بحال الالتفات والذكر فيكون الحدث واقعاً قهراً خارج الصلاة لا أثناءها ، فالصلاة في هذا الفرض محكومة بالصحّة غايته الإتيان بسجدتي السهو ولو احتياطاً للنقصان بترك التسليم.

وإن كان التذكّر قبل ذلك أتى به لبقاء محل تداركه ، ومعه لا يجري حديث لا تعاد كما لا يخفى ، ولا شي‌ء عليه إلّا أنّه إذا كان قد تكلّم فتجب عليه حينئذ سجدتا السهو لعدم كونه منافياً ومبطلاً إلّا حال العمد دون السهو.

وأورد عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (١) وتبعه غير واحد من تلامذته فحكموا بالبطلان فيما إذا كان التذكّر بعد الحدث أو

__________________

(١) العروة الوثقى مع تعليقات عدّة من الفقهاء ٢ : ٥٩٣.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستدبار ، أو فوات الموالاة ممّا يكون منافياً ولو سهواً ، نظراً إلى أنّ المستفاد من روايات التحليل أنّ المخرج والمحلل منحصر في خصوص السلام لا غير وليس لاعتقاد المصلِّي خروجه عن الصلاة من جهة نسيان السلام أيّ أثر في التحليل والخروج عنها ، فما دام لم يسلِّم فهو بعد باقٍ في الصلاة ، ولا مجال للاستناد بحديث لا تعاد للحكم بالخروج وحصول التحليل ، وعليه فلو أحدث قبل السلام المنسي أو استدبر أو استمرّ النسيان إلى أن فاتت الموالاة كان كل ذلك واقعاً أثناء الصلاة لا محالة دون خارجها ، ولأجله يحكم ببطلان الصلاة.

وذكر (قدس سره) في آخر كلامه وتبعه بعض تلامذته : أنّه بماذا يجمع بين هذه الدعوى أي مخرجية الاعتقاد وما التزم به من وجوب سجود السهو عليه لو تكلّم عند نسيانه ، فهل التكلّم بعد الخروج عن الصلاة موجب لسجود السهو؟

أقول : الصحيح هو ما ذكره الماتن ، ولا يرد عليه شي‌ء ممّا ذكر. أمّا الأخير فواضح الدفع ، بل لم نكن نترقب صدوره من شيخنا الأُستاذ (قدس سره) ، فانّ السيِّد الماتن (قدس سره) إنّما التزم بسجدة السهو للتكلّم فيما إذا كان التذكر قبل الإتيان بالمنافي وقبل فوات الموالاة الّذي حكم (قدس سره) حينئذ بوجوب الإتيان بالسلام لبقاء المحل ، فيكون التكلّم عندئذ واقعاً أثناء الصلاة لا محالة فتجب سجدة السهو لأجله.

وأمّا حكمه (قدس سره) بالصحّة وعدم التدارك الراجع إلى مخرجية الاعتقاد على حد تعبير شيخنا الأُستاذ (قدس سره) فهو فيما إذا كان التذكر بعد الإتيان بالمنافي أو بعد فوات الموالاة بحيث لم يبق محل للتدارك ، وهذا فرض آخر غير الفرض الأوّل الّذي حكم فيه بسجود السهو للتكلّم ، ولم يلتزم بالسجود للتكلّم في هذه الصورة ، فأحد الحكمين في فرض ، والآخر في فرض آخر ولا تنافي بينهما بوجه كي يحتاج إلى الجمع بين الدعويين كما هو أوضح من أن يخفى.

٣٢٠