موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الفقهاء ، نظراً إلى الإخلال بالجلوس المعتبر فيما بين السجدتين وكذا عند التشهّد قطعاً.

وفيه : أنّ مجرّد الموافقة مع العامّة لا يقتضي الحمل على التقيّة ما لم يكن ثمة معارض. ومع ما ذكرناه من الجمع الدلالي لا معارضة في البين. على أنّه كيف يمكن القول بأنّ المقعي ليس بجالس حقيقة مع أنّه من كيفيّات الجلوس ، وليس مفهوماً آخر مقابلاً له كالقيام والانحناء والاستلقاء والاضطجاع ونحوها ، فلا بدّ من حمل ما ورد في الرواية على معنى آخر سنبيِّنه إن شاء الله تعالى.

وبالجملة : ما استنتجه صاحب الحدائق من القول بعدم جواز الإقعاء في الصلاة بالمعنى المصطلح عند الفقهاء والظاهر أنّه متفرِّد بهذا القول لا يمكن المساعدة عليه ، ولا على ما ذكره من كيفية الجمع ، بل مقتضى الصناعة هو ما ذكرناه من كراهة الإقعاء بكلا قسميه ، فإن إطلاق موثقة أبي بصير كما يشمل الإقعاء اللغوي كذلك يشمل الإقعاء الفقهائي ولا موجب لتخصيصه بالقسم الأوّل ، فإنّ القسم الثاني أيضاً كان متعارفاً عند العامّة ، كما أنّ صحيح الحلبي المؤيّد برواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين» (١) وغيرها يعمّ كلا القسمين ولا وجه لتخصيصه بالإقعاء الفقهائي ونتيجة الجمع العرفي بينهما هو كراهة كلا القسمين من الإقعاء.

ويدلّنا أيضاً على كراهة الإقعاء الفقهائي بل واللغوي : ذيل صحيحة زرارة : «... وإيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك ، ولا تكون قاعداً على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد والدُّعاء» (٢) فإنّها متضمِّنة لواقع الإقعاء وإن لم يعبّر عنه فيها بلفظه ، واستفادة الكراهة من جهة التعليل

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٩ / أبواب السجود ب ٦ ح ٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقع فيها فإنّه مناسب للكراهة دون الحرمة كما لا يخفى. وكذا ما في صحيحته الأُخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ولا تقع على قدميك» (١) سواء أكانت مادته هو الوقوع أو الإقعاء فإنّه على كلا التقديرين يستفاد منها مرجوحية ذلك.

وأمّا الإقعاء حال التشهّد ، فقد عرفت أنّ المحكي عن الصدوق هو المنع مطلقاً ، وكذا صاحب الحدائق ، ولكن في خصوص الإقعاء الفقهائي ، واستدلّوا على ذلك بما رواه ابن إدريس في الموثقة (٢) عن زرارة قال قال أبو جعفر عليه‌السلام «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين ولا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّد إنّما التشهّد في الجلوس وليس المقعي بجالس» (٣). وبرواية عمرو بن جُمَيع قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين وبين الركعة الأُولى والثانية وبين الركعة الثالثة والرابعة ، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهّدين إلّا من علّة ، لأنّ المقعي ليس بجالس إنّما جلس بعضه على بعض ، والإقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهّديه فأمّا الأكل مقعياً فلا بأس به ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أكل مقعياً» (٤).

ولا يخفى أنّ الإقعاء بالمعنى اللغوي غير مشمول لشي‌ء من الروايتين ، وذلك من جهة التعليل فيهما بأنّ المقعي ليس بجالس ، مع أنّ الإقعاء بمعنى وضع الأليين على الأرض منتصب الساق والفخذ يكون من أظهر أفراد الجلوس فلا يكون هذا الفرد مشمولاً للروايتين. ويؤيِّده : تفسير الإقعاء في ذيل رواية

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٦٣ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٥.

(٢) [لكن رماها بالضعف في ص ٢٧٥].

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩١ / أبواب التشهّد ب ١ ح ١ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٥٨٦.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٤٩ / أبواب السجود ب ٦ ح ٦.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عمرو بن جميع بالمعنى المصطلح عند الفقهاء. فلا دليل على عدم جواز ذلك حال التشهّد ، اللهمّ إلّا أن يكون الوجه هو الشهرة الفتوائية وهو أمر آخر وإلّا فلا دليل بحسب النصوص.

وأمّا الإقعاء بهذا المعنى فظاهر هاتين الروايتين هو الحرمة ، وليس بإزائهما ما يدل بالخصوص على الجواز ليكون مقتضى الجمع بينهما هو الكراهة كما كان هو الحال بالنسبة إلى ما بين السجدتين ، سوى إطلاقات الجلوس حال التشهّد ، فان تمّ هاتان الروايتان سنداً ودلالة فلا بدّ من تقييد تلك الإطلاقات المقتضية لجواز الإقعاء ولو بهذا المعنى بغير هذا الفرض فإنّه يكون غير جائز وإلّا كان مقتضى تلك الإطلاقات هو الجواز ، إلّا أن يكون المنع مبنياً على الاحتياط كما في المتن ، وإن كان ظاهره هو الاحتياط حتّى عن الإقعاء بالمعنى اللغوي. مع أنّه لا موجب لذلك ، لقصور شمول الروايتين له قطعاً كما عرفت.

ولكن يمكن المناقشة في كلتا الروايتين : أمّا رواية زرارة ، فلأنه رواها ابن إدريس عن كتاب حريز بن عبد الله ، وقد عرفت مراراً أنّ طريق ابن إدريس لهذه الكتب مجهول لدينا ، فهي بالنسبة إلينا في حكم المرسل وإن عبّر عنها في كلام غير واحد من الأعاظم بالصحيحة.

على أنّه يمكن المناقشة في دلالتها ، وذلك لأنّ لفظة «لا ينبغي» وإن كانت في لسان الأخبار ظاهرة في الحرمة كما يقتضيه معناه اللغوي (١) وهو لا يتيسّر ولا يمكن ، قال الله تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) (٢) إلخ ، أي لا يتيسّر لها ذلك ، إلّا أنّه في خصوص المقام قامت القرينة على خلاف ذلك وهو التعليل بقوله : «وليس المقعي بجالس» فان ظاهر هذه الجملة غير مراد

__________________

(١) لسان العرب ١٤ : ٧٧ ، المنجد : ٤٤.

(٢) يس ٣٦ : ٤٠.

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قطعاً ، فإنّه كيف لا يكون المقعي بجالس مع أنّ الإقعاء نحو من أنحاء الجلوس وليس مفهوماً مبايناً له كالقيام ونحوه ، فلا بدّ وأن يكون المقصود أنّ المقعي ليس مستريحاً في جلوسه بمثابة يتمكن من أداء التشهّد ولا سيّما مع سننه وآدابه المفصّلة كما يفصح عن ذلك ذيل صحيحة زرارة المتقدِّمة : «... فلا تصبر للتشهّد والدُّعاء» (١) ، وهذا التعليل إنّما يلائم ويناسب الحكم التنزيهي دون التحريمي كما لا يخفى.

وأمّا رواية عمرو بن جُمَيع ، فلأن هذا الرجل مضافاً إلى كونه بترياً ضعّفه كل من الشيخ (٢) والنجاشي (٣) صريحاً فلا تكون روايته حجّة.

وما قيل من أنّ الراوي عنه هو محمّد بن أبي عمير وهو ممّن قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فهو عجيب جدّاً ، فان هذا الأصل الّذي يكون الأصل فيه كلام الشيخ في العدّة (٤) من أن مثل ابن أبي عمير لا يرسل إلّا عن الثقة على فرض تماميته إنّما هو فيما إذا كان حال الراوي مجهولاً ومردّداً وأمّا مع التنصيص على الضعف كما فيما نحن فيه فلا سبيل للرجوع إلى ذلك الأصل ، بل يكون العثور على هذه التضعيفات كاشفاً وشاهداً على عدم تمامية ذلك الأصل.

على أنّه لم يعلم كون هذه الجملة من تتمّة الرواية ، بل سوق الكلام يشهد بأنّها من فتوى الصدوق أخذها من رواية زرارة فذكرها في ذيل هذه الرواية ثمّ فسّر الإقعاء بنظره ثمّ ذكر بعد ذلك جواز الإقعاء حال الأكل مستشهداً

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٢) رجال الطوسي : ٢٥١ / ٣٥١٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٨٨ / ٧٦٩.

(٤) العدّة ١ : ٥٨ السطر ٧.

٢٨٤

[١٦٥٨] مسألة ٣ : من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلّم وقبله يتبع غيره فيلقّنه ، ولو عجز ولم يكن من يلقّنه أو كان الوقت ضيقاً أتى بما يقدر (١) ويترجم الباقي ، وإن لم يعلم شيئاً يأتي بترجمة الكل ، وإن لم يعلم يأتي بسائر الأذكار بقدره ، والأولى التحميد إن كان يحسنه ، وإلّا فالأحوط الجلوس قدره مع الإخطار بالبال إن أمكن (١).

______________________________________________________

بفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكيف ما كان ، لا ريب في أنّ الروايتين كلتاهما ضعيفة ، ومعه لا يمكن الاستدلال بهما على عدم جواز الإقعاء حال التشهّد ، بل ولا على كراهته.

ولكن يمكن إثبات الكراهة بصحيحتي زرارة المتقدِّمتين في باب أفعال الصلاة حيث صرّح في إحداهما بأنّه «لا تكون قاعداً على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد والدُّعاء» (٢) وفي الأُخرى بأنّه «لا تقع على قدميك» (٣) فإنّ النهي فيهما ليس محمولاً على ظاهره ، وذلك بقرينة التعليل وكونه في مقام بيان تعداد السنن والآداب فلاحظ.

فالنتيجة : أنّ الإقعاء حال التشهّد بالمعنى المصطلح عند الفقهاء مكروه ، وبالمعنى اللغوي جائز من غير كراهة ، وأمّا الإقعاء بين السجدتين فهو مكروه بقسميه.

(١) لا ريب في وجوب التعلّم على من لم يعلم شيئاً من الصلاة ، سواء كان هو الذكر أو غيره ، لئلّا يقال له فيما إذا أدّى ذلك إلى ترك الصلاة الصحيحة ـ

__________________

(١) مع صدق عنوان الشهادة عليه ، وإلّا فوجوبه كوجوب المراتب اللّاحقة مبنيّ على الاحتياط.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣ ، ٥.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣ ، ٥.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فهلّا تعلّمت إذا قال ما علمت على ما ورد ذلك في النص (١) فوجوب التعلّم إنّما هو لأجل عدم إفضاء جهله إلى ذلك. نعم ، لو كان ثمة من يلقّنه حال الصلاة ولو كلمة كلمة لم يكن بأس في عدم تعلّمه حتّى متعمِّداً ، إذ وجوب التعلّم إنّما هو طريقي لا نفسي ، فلا مانع من تركه إذا كان متمكِّناً معه من أداء الواجب ولو بمثل التلقين. وأمّا إذا لم يجد من يلقّنه ولم يمكنه التعلّم ولو من جهة ضيق الوقت ففيه فروض :

الأوّل : أن يكون متمكِّناً من القراءة الملحونة ، وإنّما لا يتمكّن من القراءة الصحيحة. الظاهر أنّه لا إشكال ولا خلاف في وجوب ذلك عليه ، ويدلّنا عليه : مضافاً إلى التسالم ، إطلاقات التشهّد ، فإنّه خطاب عام متوجِّه إلى الجميع والمستفاد منه عرفاً وجوب ذلك عليهم كلٌّ بحسب تمكنه ومقدرته ، فيكون المطلوب ممّن لا يتمكن من أدائه على وجهه ما يحسنه ويتمكن منه ولو مع تبديل بعض الحروف ببعض ، وقد ورد من طرق العامّة أنّ سين بلال شين عند الله (٢) ، فهذا يكون فرداً ومصداقاً للتشهّد حقيقة.

وأيضاً تدل عليه : موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجميّته فترفعه الملائكة على عربيته» (٣) ، إذ من المعلوم أنّه لا خصوصية للقراءة وإنّما هو من باب المثال وإلّا فالتشهّد أيضاً كذلك ، ويؤيِّد التعدِّي بل يدل على أصل الحكم : معتبرة مسعدة بن صدقة قال : «سمعت جعفر بن محمّد عليه‌السلام

__________________

(١) البحار ٢ : ٢٩ ، ١٨٠.

(٢) البداية والنهاية ٤ : ١٠٢ ، وأورده في المستدرك ٤ : ٢٧٨ / أبواب قراءة القرآن ب ٢٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٢١ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٠ ح ٤.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يقول : إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهّد وما أشبه ذلك ، فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلِّم الفصيح» (١) فانّ هذه الرواية صريحة في أنّ جميع المكلّفين ليسوا على حد سواء ، بل المطلوب من كل واحد منهم هو ما يكون مقدوراً له ومتمكناً منه.

الثاني : أن لا يكون متمكناً من تمام التشهّد حتّى الملحون منه لكنّه متمكِّن من ترجمته ، وقد ذكر الماتن كغيره أنّه يأتي بما يقدر ويترجم الباقي ، وإن لم يعلم شيئاً أصلاً يأتي بترجمة الكل.

أمّا وجوب الترجمة كلّاً أو بعضاً فقد استدلّ له بوجهين :

الأوّل : إطلاقات التشهّد المقتضية لجواز إتيانه ولو بترجمته ، غايته دلالة الدليل على أنّه مع التمكن لا بدّ وأن يكون ذلك بالألفاظ الخاصّة ، وأمّا فرض العجز فهو باق تحت تلك الإطلاقات.

ويرده : بعد تسليم الإطلاقات والغض عن انصرافها إلى ما هو المتعارف الخارجي من جهة كون الألف واللّام فيها للعهد ، أنّها مقيّدة بمثل صحيحة محمّد ابن مسلم (٢) الدالّة على كون الواجب الصيغة الخاصّة مطلقاً حتّى حال عدم التمكّن منه و [التمكّن من] الإتيان بالترجمة ، ومن المعلوم أنّ إطلاق دليل الخاص مقدّم على إطلاق دليل العام وحاكم عليه كما قرّر في محله ، فالاطلاقات قاصرة عن إثبات وجوب الترجمة.

الثاني : قاعدة الميسور ، بتقريب أنّ المأمور به في التشهّد ليس هو الألفاظ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بل معانيها ، كما هو الحال في إظهار الإسلام ، غايته أنّه في المقام قد دلّ الدليل على أن يكون إبراز ذاك المعنى بهذه الألفاظ الخاصّة ، فإذا فرض أنّه عجز عن أداء تلك الألفاظ فمقتضى ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه هو إبراز تلك المعاني بما يكون ترجمة لهذه الألفاظ الخاصّة.

وفيه : مضافاً إلى المنع من هذه القاعدة كبروياً على ما عرفته مكرراً ، المنع عن الصغرى أيضاً ، للمنع عن عدم كون المأمور به هو الألفاظ ، كيف وإنّ كثيراً من المكلّفين ولا سيّما الأعاجم منهم وعلى الأخص حديثوا العهد بالإسلام لا يدركون معاني تلك الألفاظ ولم يكلفوا تفهّم معانيها ، فالمطلوب ليس إلّا هذه الألفاظ ولو بداعي حكايتها عن تلك المعاني ، ومن الظاهر أنّ ترجمة تلك الألفاظ بلغة اخرى لا تعد ميسورة لها ليجب الإتيان بها بمقتضى تلك القاعدة بناءً على تماميتها ، فالترجمة لا دليل على الإتيان بها.

وأمّا الإتيان بما يقدر من التشهّد ، فان كان ذلك ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد كما لو كان غير المتمكن من أدائه هو جملة «وحده لا شريك له» أو كلمة «عبده» فلا إشكال في وجوب الإتيان بالمتمكن منه ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد ، فانّ العجز عن بعض أجزاء الصلاة لا يوجب سقوط البعض الآخر المتمكن منه ، لما استفدناه من قوله عليه‌السلام : «لا تدع الصلاة على حال» (١) من أنّ كل جزء من الصلاة مشروط بالقدرة على نفس ذاك الجزء فلا بدّ من الإتيان به إذا كان ممّا يصدق عليه عنوان التشهّد. وأمّا إذا لم يصدق عليه التشهّد كما إذا كان متمكناً من لفظة «أشهد» فقط مثلاً ، فلا دليل على الإتيان به لا بنفسه ولا بترجمته لا منفرداً ولا منضماً إلى ترجمة بقيّة ما يكون عاجزاً عنه ، بل مقتضى القاعدة هو سقوط التشهّد عندئذ رأساً.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : أن لا يكون متمكناً حتّى من الترجمة ، فقد ذكر غير واحد أنّه لا بدّ من أن يأتي بسائر الأذكار بقدره كما في المتن. وعن الشهيد (١) أنّه لا بدّ من الإتيان بخصوص التحميد ولذا جعله الماتن أولى من غيره.

أمّا التحميد ، فمدركه هو رواية حبيب الخثعمي المتقدِّمة : «إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد الله أجزأه» (٢) ورواية بكر بن حبيب قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التشهّد ، فقال : لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا إنّما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأ عنك» (٣) بناءً على ما ذكره الشهيد من أنّهما تدلّان على اعتبار التحميد بالفحوى.

والوجه في ذلك : أنّه حملهما على التقيّة كصاحب الحدائق (٤) ، فإذا كانت الوظيفة عند المانع الخارجي أعني التقيّة هو التحميد بدلاً عن التشهّد ، فمع المانع التكويني وهو عدم التمكن من التشهّد والعجز عنه لا بدّ وأن تكون الوظيفة هو ذلك بالأولويّة القطعية.

وفيه : مضافاً إلى ضعف الروايتين ، الاولى بسعد بن بكر ، والثانية بنفس بكر بن حبيب ، ما عرفته سابقاً (٥) من أنّ الروايتين ناظرتان إلى الأوراد المفصّلة المعمولة عندهم ، وأنّه يجزئ التحميد عن تلك الأوراد والأدعية ، لا أنّ التشهّد غير واجب ، وأنّ التحميد بدل عنه ، كيف ورواية حبيب ظاهرة في وجوبه حيث قال : «إذا جلس للتشهّد» ، والعامّة أيضاً لا يرون عدم وجوبه ليحمل ذلك على التقيّة ، فالروايتان قاصرتان سنداً ودلالةً عن إثبات التحميد.

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٤١٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٩ / أبواب التشهّد ب ٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩٩ / أبواب التشهّد ب ٥ ح ٣.

(٤) الحدائق ٨ : ٤٤٥.

(٥) في ص ٢٥١.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا مطلق الذكر ، فلا وجه له إلّا أن يستفاد ذلك من صحيح عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أنّ رجلاً دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبِّر ويسبِّح ويصلِّي» (١) بناءً على أنّ ذكر القراءة من باب المثال والمراد أنّ مع عدم التمكّن من غير الركوع والسجود يجزئ عنه التكبير والتسبيح.

وفيه : أنّ الرواية في مقام بيان ركنية الركوع والسجود في الصلاة على ما ورد ذلك في غير هذه الرواية ، فلا يستفاد منها أكثر من بدلية التكبيرة عن القراءة ، وأمّا بدليتها عن كل ما ليس بركن فلا ، لعدم كون الرواية في مقام البيان من هذه الجهة.

فالنتيجة : أنّه مع عدم التمكن من الترجمة لا دليل على وجوب مطلق الذكر أو خصوص التحميد ، ففي هذا الفرض لا يجب عليه شي‌ء أصلاً.

لكن المحقِّق الهمداني (قدس سره) (٢) استبعد ذلك باعتبار استلزامه أن يكون هذا أسوأ حالاً من الأخرس ، حيث إنّ الأخرس يجب عليه أن يجلس ويحرِّك لسانه بداعي الحكاية عن ذلك.

إلّا أنّ استبعاده (قدس سره) في غير محله ، لأنّ الأخرس إنّما يكون تشهّده هو هذا حقيقة كسائر أفعاله وأقواله الصادرة منه ، وأمّا غيره ممّن هو قادر على التكلّم لكنّه لم يتعلّم التشهّد فلا بدّ في وجوب غير التشهّد عليه بدلاً عنه من قيام دليل عليه وهو مفقود ولا يقتضي ذلك كونه أسوأ حالاً ، فان ذلك متمكِّن من التشهّد ولو بحسب حاله دون هذا.

الرابع : أن لا يكون متمكناً حتّى من مطلق الذكر أو التحميد ، ذكر الماتن

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣ ح ١.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٧٣ السطر ١٨.

٢٩٠

[١٦٥٩] مسألة ٤ : يستحب في التشهّد أُمور :

الأوّل : أن يجلس الرجل متورّكاً على نحو ما مرّ من الجلوس بين السجدتين.

الثاني : أن يقول قبل الشروع في الذكر : «الحمد لله» أو يقول : «بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله ، أو الأسماء الحسنى كلّها لله».

الثالث : أن يجعل يديه على فخذيه منضمّة الأصابع.

الرابع : أن يكون نظره إلى حجره.

الخامس : أن يقول بعد قوله وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله : «أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، وأشهد أنّ ربِّي نعم الرب وأنّ محمّداً نعم الرسول» ثمّ يقول : «اللهمّ صلّ ...» إلخ.

السادس : أن يقول بعد الصلاة : «وتقبّل شفاعته وارفع درجته» في التشهّد الأوّل بل في الثاني أيضاً ، وإن كان الأولى عدم قصد الخصوصية في الثاني.

______________________________________________________

(قدس سره) كغيره أنّ الأحوط الجلوس قدره مع الاخطار بالبال إذا أمكن وهذا مبني على أنّ الجلوس واجب في نفسه كالتشهّد والعجز عن خصوص الثاني لا يقتضي سقوط الأوّل المفروض تمكنه منه.

وفيه : أنّ المستفاد من الروايات كون الجلوس واجباً حال التشهّد لا أنّه واجب في نفسه ، فمع سقوط التشهّد من جهة العجز يكون الجلوس ساقطاً أيضاً.

فظهر ممّا سبق أنّ جميع ما ذكروه من الترجمة كلّاً أو بعضاً منضماً إلى ما لا يصدق عليه التشهّد أو الذكر أو التحميد ، أو الجلوس مع الاخطار بالبال ، كل ذلك مبني على الاحتياط ، وإلّا فلا دليل عليه ، والله سبحانه أعلم.

٢٩١

السابع : أن يقول في التشهّد الأوّل والثاني ما في موثقة أبي بصير وهي قوله عليه‌السلام «إذا جلست في الركعة الثانية فقل : بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله ، أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أنّك نعم الرب ، وأنّ محمّداً نعم الرسول ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّل شفاعته في أُمّته وارفع درجته ، ثمّ تحمد الله مرّتين أو ثلاثاً ، ثمّ تقوم فاذا جلست في الرابعة قلت : بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أنّك نعم الرب وأنّ محمّداً نعم الرسول ، التحيّات لله والصلوات الطاهرات الطيِّبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات ، ما طاب وزكى وطهر وخلص وصفا فلله أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، أشهد أنّ ربِّي نعم الربّ وأنّ محمّداً نعم الرسول ، وأشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، الحمد لله ربّ العالمين ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وسلم على محمّد وآل محمّد ، وترحّم على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للّذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وامنن عليّ بالجنّة ، وعافني من النار ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

٢٩٢

واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلّا تباراً ، ثمّ قل : السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على جبريل وميكائيل والملائكة المقرّبين ، السلام على محمّد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبيّ بعده ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ثم تسلِّم.

الثامن : أن يسبِّح سبعاً بعد التشهّد الأوّل بأن يقول : سبحان الله سبحان الله سبعاً ثمّ يقوم.

التاسع : أن يقول : بحول الله وقوّته ... إلخ حين القيام عن التشهّد الأوّل.

العاشر : أن تضم المرأة فخذيها حال الجلوس للتشهّد.

[١٦٦٠] مسألة ٥ : يكره الإقعاء حال التشهّد على نحو ما مرّ في الجلوس بين السجدتين ، بل الأحوط تركه كما عرفت.

٢٩٣

[فصل في التسليم]

وهو واجب على الأقوى وجزء من الصلاة فيجب فيه جميع ما يشترط فيها (١) من الاستقبال وستر العورة ، والطهارة وغيرها ، ومخرج منها ، ومحلل للمنافيات المحرّمة بتكبيرة الإحرام ، وليس ركناً فتركه عمداً مبطل لا سهواً فلو سها عنه وتذكّر بعد إتيان شي‌ء من المنافيات عمداً وسهواً أو بعد فوات الموالاة لا يجب تداركه.

______________________________________________________

(١) كما اختاره جمع كثير من القدماء والمتأخِّرين فذهبوا إلى أنّه الجزء الوجوبي الأخير من أجزاء الصلاة ، وبه تحل المنافيات ويتحقّق الخروج عن الصلاة. بل عن بعض دعوى الإجماع عليه كما في الجواهر (١) ، بل عن الأمالي (٢) نسبته إلى دين الإمامية ، هذا.

وقد نسب إلى جماعة أُخرى من القدماء والمتأخِّرين القول بالاستحباب ، بل قيل إنّه الأشهر بل المشهور ، وقد تصدّى بعض لرفع الخلاف وأقام شواهد من كلماتهم تقضي باتفاق الكل على الوجوب ، وأنّ من كان ظاهره الاستحباب يريد به السلام الأخير لدى الجمع بينه وبين الصيغة الاولى أعني قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، لا مطلق السلام ، تعرّض لذلك شيخنا في

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ٢٨٢.

(٢) أمالي الصدوق : ٧٤١ / ١٠٠٦.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الجواهر تبعاً للسيِّد في منظومته (١) ، وتبعه المحقِّق الهمداني (قدس سره) (٢) منكرين للخلاف في المسألة.

وما ذكروه وإن كان وجيهاً بالنظر إلى كلمات بعض القائلين بالاستحباب لكنّه لا يتم في كلمات جميعهم بحيث يتحقّق الاتِّفاق من الكل على الوجوب كما لا يخفى على من لاحظها.

وكيف ما كان ، فالظاهر أنّ المسألة خلافية والمتبع هو الدليل فلا بدّ من النظر في مستند كل من القولين.

ويقع الكلام أوّلاً في ثبوت المقتضي للوجوب ، ثمّ في المانع عنه الموجب للذهاب إلى الاستحباب فهنا مقامان :

أمّا المقام الأوّل : فقد استدلّ للوجوب بوجوه وطوائف من الأخبار :

إحداها : نصوص التحليل المتضمِّنة أنّ افتتاح الصلاة أو تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ، وهي عدّة روايات ستقف عليها إن شاء الله تعالى.

وقد ناقش فيها الأردبيلي (٣) وتبعه تلميذه صاحب المدارك (٤) بأنّ أسانيدها بأجمعها ضعاف فلا تصلح للاستدلال بها والاستناد إليها.

وذكر صاحب الحدائق والجواهر (٥) ومن تأخّر عنهما وتقدّم عليهما بأنّ هذه روايات مشهورة ومقبولة عند الكل بلغت حدّ الاستفاضة ، بل كادت أن تكون متواترة ولو إجمالاً بحيث يعلم بصدور بعضها عن المعصوم عليه‌السلام

__________________

(١) الدرّة النجفية : ١٤٤.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٧٤ السطر ٢٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢٨٢.

(٤) المدارك ٣ : ٤٣٣.

(٥) الحدائق ٨ : ٤٧٩ ، الجواهر ١٠ : ٢٨٦.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومعه لا يقدح عدم صحّة أسانيدها.

ولكن الأقرب ما ذكره الأردبيلي وصاحب المدارك من عدم صلاحية هذه الروايات للاستدلال بها ، وذلك لأنّ هذه الروايات لم يذكر منها في الكتب الأربعة التي عليها المدار إلّا روايتان : إحداهما في الكافي والأُخرى فيه وفي الفقيه والتهذيب ، وأمّا الباقية منها وهي ست روايات فقد ذكر إحداها ابن شهرآشوب في مناقبه مرسلاً ، وذكر الخمس الأُخر الصدوق في علله أو عيونه أو خصاله أو معانيه (١) ، دون فقيهة الّذي هو العمدة ، حيث ذكر أنّه لم ينقل فيه رواية إلّا وتكون حجّة بينه وبين ربّه (٢) ، فمن عدم ذكره لتلك الروايات فيه يستكشف عدم اعتنائه بشأنها ، فكيف تكون تلك الروايات مشهورة مقبولة مستفيضة. مع أنّ الموجود في الكتب الأربعة اثنتان منها كما عرفت ولا تتحقّق بهما الاستفاضة ، والست الباقية لم يذكرها إلّا ابن شهرآشوب في مناقبه ، والصدوق في غير فقيهة ، وهو لا يقتضي الشهرة والمقبولية.

أمّا رواية الكافي فهي ما رواه القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : افتتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم» (٣) وهي ضعيفة بسهل بن زياد ، وأمّا جعفر بن محمّد الأشعري الّذي يروي عن القداح فهو وإن لم يوثق صريحاً إلّا أنّه من رجال كامل الزيارات فلا إشكال من ناحيته.

وأمّا رواية الفقيه فقد رواها هكذا قال «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : افتتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم» (٤) ، وضعفها من

__________________

(١) ستأتي مصادرها في الصفحات الآتية.

(٢) الفقيه ١ : ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ح ١ ، الكافي ٣ : ٦٩ / ٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٤١٧ / أبواب التسليم ب ١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٣ / ٦٨.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

جهة الإرسال ظاهر. نعم ، رواها في هدايته عن الصادق عليه‌السلام (١) وقد عرفت أنّ الكافي روى هذه الرواية بعينها عن القداح عن الصادق عليه‌السلام مسنداً ، فلا تكون هذه رواية أُخرى مغايرة لها ، بل هي بعينها ولكن الصدوق أرسلها ولم يسندها. نعم ، لو كان الصحيح هو ما ذكره في الفقيه من كون الرواية علوية كانت هي رواية أُخرى مرسلة ضعيفة ، وإن كان ظاهر تعبير الصدوق بأنّه قال أمير المؤمنين عليه‌السلام هو علمه بصدوره منه عليه‌السلام لكنّه غير مجد بالنسبة إلينا كما لا يخفى.

وأمّا رواية ابن شهرآشوب فهي ما رواه في مناقبه عن أبي حازم قال : «سئل علي بن الحسين عليه‌السلام ما افتتاح الصلاة؟ قال : التكبير قال : ما تحليلها؟ قال : التسليم» (٢) وهي أيضاً ضعيفة من جهة الإرسال.

وأمّا الروايات الخمس الباقية ، فإحداها : ما رواه في العلل وعيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا عليه‌السلام «قال : إنّما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر ، لأنّه لما كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق ، كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين في الكلام أوّلاً بالتسليم» (٣) وجه الضعف ما عرفت مراراً من أنّ طريق الصدوق في العلل والعيون ضعيف كما ذكر ذلك صاحب الوسائل في آخر كتابه في ضمن فوائد فلاحظ (٤) ، ولكن

__________________

(١) الهداية : ١٣٣.

(٢) المستدرك ٥ : ٢١ / أبواب التسليم ب ١ ح ١ ، المناقب ٤ : ١٤٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٧ / أبواب التسليم ب ١ ح ١٠ ، علل الشرائع : ٢٦٢ / ٩ ، عيون أخبار الرِّضا ٢ : ١٠٨.

(٤) الوسائل ٣٠ : ١٢١.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عبّر المحقِّق الهمداني عن هذه الرواية بقوله : بإسناده الحسن كالصحيح (١). وفي الجواهر : بإسناده الّذي قيل إنّه لا يقصر عن الصحيح (٢) ، وهو في غير محله.

ثانيتها : ما رواه في العلل عن المفضل بن عمر قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال : لأنّه تحليل الصلاة إلى أن قال ـ : قلت : فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال : لأنّه تحيّة الملكين ، وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة للعبد من النار ...» إلخ (٣).

قال في الجواهر (٤) عند نقل هذه الرواية : بسند يمكن أن يكون معتبراً ، مع أنّ في سندها علي بن العباس وقد ضعفوه وقالوا لم يعتن برواياته ، والقاسم بن الربيع الصحّاف وهو لم يوثق وإن كان من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي ومحمّد بن سنان وضعفه ظاهر ، والمفضل بن عمر الّذي ضعّفه النجاشي (٥) وغيره صريحاً وإن كان الأظهر وثاقته (٦) ، وعلي بن أحمد الدقاق وهو شيخ الصدوق ولم يوثق ، ومع هؤلاء المجاهيل والضعفاء كيف يمكن أن يكون السند معتبراً كما ادّعاه (قدس سره).

ثالثتها : ما رواه في معاني الأخبار عن أحمد بن الحسن القطّان عن أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٧٤ السطر ٣٥.

(٢) الجواهر ١٠ : ٢٨٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٧ / أبواب التسليم ب ١ ح ١١ ، علل الشرائع : ٣٥٩ / الباب ٧٧.

(٤) الجواهر ١٠ : ٢٨٥.

(٥) رجال النجاشي : ٤١٦ / ١١١٢.

(٦) لاحظ المعجم ١٩ : ٣٣٠ / ١٢٦١٥.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أبيه ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال : التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة ...» (١). قال في الحدائق (٢) عند ذكره لهذه الرواية : وما رواه الصدوق بسند معتبر. وهذا منه (قدس سره) عجيب جدّاً ، بل لم يعهد منه مثل هذا الاشتباه إن لم يكن من النسّاخ بسقوط كلمة «غير» منهم ، وإلّا فكيف يكون مثل هذا السند معتبراً مع أنّ رواته بأجمعهم ضعاف أو مجاهيل ما عدا الراوي الأخير ، أعني الهاشمي.

رابعتها : ما رواه في عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون قال فيه : «تحليل الصلاة التسليم» (٣) والطريق إليه ضعيف كما مرّ.

خامستها : ما رواه في الخصال مرسلاً عن الأعمش عن الصادق عليه‌السلام وفيها : «... لأن تحليل الصلاة هو التسليم» (٤) وضعفها من جهة الإرسال ظاهر.

هذه هي الروايات التي يكون مضمونها أنّ الصلاة تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ، وهي بأجمعها ضعاف غير معتبرة كما عرفت ، ولم تكن روايات مشهورة مقبولة ، وإلّا فلِم لم يذكرها الصدوق في الفقيه سوى رواية واحدة ، كما أنّها لم تبلغ حدّ الاستفاضة فضلاً عن التواتر ليقطع بصدور بعضها عن المعصوم عليه‌السلام فلا تصلح للاستدلال بها وفاقاً للأردبيلي وتلميذه.

ثمّ إنّه على تقدير تسليم اعتبار أسانيدها وفرضها روايات صحاح ، فهل

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٨ / أبواب التسليم ب ١ ح ١٣ ، معاني الأخبار : ١٧٥ / ١.

(٢) الحدائق ٨ : ٤٨٠.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٨ / أبواب التسليم ب ١ ح ١٢ ، عيون أخبار الرِّضا ٢ : ١٢٣.

(٤) الوسائل ٧ : ٢٨٦ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٩ ح ٢ ، الخصال : ٦٠٤ / ٩.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

تدل على وجوب التسليم؟ فيه كلام ، فقد ناقشوا في استفادة الحصر منها ، وأنّ التحليل منحصر في خصوص التسليم من وجوه ، وجوّزوا أن يكون ثمة محلل آخر غير التسليم فيكون الواجب هو الجامع دون خصوص التسليم ، وقد أطالوا النقض والإبرام في ذلك.

ولكن الإنصاف أنّه لا ينبغي الشك في استفادة الحصر ، فانّ الظاهر أنّ الإمام عليه‌السلام في مقام بيان ماهية الصلاة وأنّه يحرم بالتكبير عدّة أُمور من المنافيات ، وتحليلها إنّما هو بالتسليم لا غير بمقتضى الظهور العرفي في كونه عليه‌السلام بصدد التحديد لا مجرّد بيان الطبيعة المهملة.

ثمّ على تقدير تسليم عدم دلالتها على الحصر ليس معنى ذلك هو جواز الإتيان بالمنافي قبل التسليم [أو عدله] ، بل لازم كون التسليم تحليلاً ولو في الجملة أنّه لا يجوز الإتيان بشي‌ء من المنافيات قبل التسليم [أو عدله] وإلّا لم يكن محللاً ، سواء أكان المراد من عدم جواز الإتيان بالمنافيات في الصلاة عدم الجواز التكليفي أو الوضعي كما هو الظاهر ، ولذا يعم ذلك الفريضة والنافلة ، وقلنا بجواز قطع الصلاة ولو اختياراً ، فليس له الاكتفاء بالتشهّد كما يزعمه القائل بالاستحباب وبأنّه يحصل الفراغ من الصلاة بمجرّد التشهّد ، بل لا بدّ له من التسليم [أو عدله] ، ومعه كيف يصح القول باستحبابه وأنّه ليس بواجب.

وما يقال من أنّ ذلك من أجل أنّ الرواية غير ظاهرة المراد ، لأنّ التحليل ليس نفس التسليم فلا بدّ من إضمار ، ولا دليل على ما يقتضي الوجوب ضعيف غايته ، فان حمل المصدر على الذات من باب المبالغة أو إرادة معنى اسم الفاعل منه أمر متعارف شائع ، فيكون المراد أنّ التسليم محلل للمنافيات ، كما أنّ التكبير محرّم لها. والحاصل : أنّه لا قصور في دلالة هذه الروايات على أنّ التسليم واجب وكونه ممّا لا بدّ منه ، نعم لا يستفاد منها أنّه جزء من الصلاة لإمكان أن يكون مأخوذاً على نحو الشرط المتأخِّر بأن يكون جواز الإتيان

٣٠٠