موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة وقبل التسليم ، فتنافيها النصوص الدالّة على القدح وأنّ المخرج هو السلام منحصراً ، فلا مناص من حملها على التقيّة.

ومثلها في لزوم الحمل على التقيّة ما تضمّن الحكم بتمامية الصلاة ومضيها وإن كان الحدث قبل التشهّد ، كموثقة عبيد بن زرارة وغيرها (١) بل إنّ في بعضها الحكم بالصحّة وعدم قادحية الحدث الواقع أثناء الصلاة حيثما اتّفق وإن كان خلال الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة وأنّه ينصرف ويتوضّأ ثمّ يبني على صلاته كما في رواية أبي سعيد القمّاط قال : «سمعت رجلاً يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وجد غمزاً في بطنه أو أذى أو عصراً من البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة فقال : إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه الّذي كان يصلِّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الّذي خرج منه لحاجته ...» إلخ (٢).

ونحوها صحيحة الفضيل بن يسار (٣) وهي صحيحة السند لصحّة طريق الصدوق إلى الفضيل ، إذ ليس فيه من يغمز فيه إلّا علي بن الحسين السعدآبادي ولكنّه من مشايخ ابن قولويه فيشمله التوثيق العام الّذي ذكره في كامل الزيارات ، بل إنّ مشايخه هم القدر المتيقّن من التوثيق الّذي تضمّنته عبارته. على أنّ طريق الشيخ خال عنه.

وكيف ما كان ، فهذه النصوص بأجمعها محمولة على التقيّة ، لموافقتها أشهر مذاهب العامّة (٤) ومعارضتها لجملة وافرة من النصوص دلّت على قاطعية الحدث أثناء الصلاة مطلقاً وانحصار المخرج في التسليم ، فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١١ / أبواب التشهّد ب ١٣ ح ٢.

(٢) ، (٣) الوسائل ٧ : ٢٣٧ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ١١ ، ٩.

(٤) المجموع ٤ : ٧٥ ، ٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٥١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٠.

٢٦١

ويجزئ على الأقوى (١) أن يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد (١).

______________________________________________________

ومنها : صحيحة الحسن بن الجهم قال : «سألته يعني أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال : إن كان قال أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله فلا يعد وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» (٢) وهي وإن كانت صحيحة من حيث السند ، إذ ليس فيه من يتأمّل لأجله إلّا عباد بن سليمان الموجود في أسانيد كامل الزيارات ، لكن الدلالة قاصرة كسوابقها ، إذ أقصى دلالتها على عدم الوجوب إنّما هي بالإطلاق القابل للتقييد بموجب النصوص المتقدِّمة الدالّة على الوجوب. مضافاً إلى لزوم حملها على التقيّة أيضاً كالروايات المتقدِّمة لعين ما عرفت. على أنّ في هذه الصحيحة كلاماً من جهة أُخرى ستعرفها (٣).

فتحصّل : أنّ شيئاً من هذه النصوص غير قابل للاعتماد عليه في نفي الوجوب فالمتعيِّن هو الوجوب.

(١) بل قد اقتصر المحقِّق في الشرائع (٤) على هذه الكيفية بحيث قد يلوح منه تعيّنها ، وإن كان اللّازم حمل كلامه (قدس سره) على إرادة الاجتزاء بها ، إذ لا يحتمل إرادة التعيين بعد عدم القائل به ، وورود الكيفية المعروفة في النصوص

__________________

(١) بل الأحوط الاقتصار على الكيفيّة الاولى.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

(٣) في الصفحة ٢٦٤.

(٤) الشرائع ١ : ١٠٧.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المعتبرة المصرّحة في كلام غير واحد.

وكيف ما كان ، فصريح جماعة الاجتزاء بهذه الكيفية ، بل نسب ذلك إلى الأشهر أو المشهور من أجل اقتصارهم على الشهادتين من دون تعرّض لصورتهما ، فانّ مقتضى الإطلاق الاجتزاء بها أيضاً ، وإن كانت النسبة لا تخلو عن النظر ، لاحتمال أن يكون الإطلاق منزّلاً على ما هو المتعارف. وعلى أيّ حال فقد قال بهذا جماعة منهم المحقِّق في الشرائع صريحاً ، ومنهم الماتن وغيره والمتبع هو الدليل.

وقد استدلّ لذلك أوّلاً : بالمطلقات كصحيحة زرارة وصحيحة الفضلاء ومعتبرة سورة بن كليب (١) ، حيث يظهر منها الاجتزاء في مقام الأداء بمطلق الشهادتين.

ولكنّها كما ترى لا تصلح للاستدلال ، لعدم كونها في مقام البيان من حيث الكيفية ، ولا سيّما الثانية لورودها في مقام بيان حكم آخر وهو الاستعجال فاللّام فيها للعهد إشارة إلى الشهادة المعهودة المتعارفة في الخارج ، فلا ينعقد إطلاق من هذه الجهة كي يتمسّك به بعد انصرافه إلى المتعارف.

مع أنّه لو كان فهو قابل للتقييد بمثل صحيحة محمّد بن مسلم الآتية (٢). هذا مضافاً إلى أنّ المراد بالشهادتين في هذه النصوص إن كان هو واقع الشهادة وما هو كذلك بالحمل الشائع ، وهو الّذي عليه مدار الإسلام ، ومن هنا استفيد الإطلاق ، فلازمه الاجتزاء بمجرّد قول : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، من دون ذكر كلمة أشهد ، لكفاية ذلك في مقام إظهار الإسلام ، مع أنّه غير مجز في المقام قطعاً وغير مراد من هذه النصوص جزماً ، للزوم التلفظ بهذه الكلمة اتفاقاً.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٦ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ١ ، ٢ ، ٦.

(٢) في ص ٢٦٦.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن أُريد بهما الشهادتان على كيفية خاصّة كما هو المتعيِّن ، فحيث لم تبيّن تلك الكيفية فلا محالة تنصرف النصوص إلى ما هو المعهود المتعارف الّذي هو غير هذه الصورة. فاللّام في قوله عليه‌السلام «الشهادتان» للعهد الخارجي لا للجنس كي يراد به الكلِّي ، فلا ينعقد لها الإطلاق بوجه.

وثانياً : بالروايات الخاصّة وهي روايتان : إحداهما : صحيحة الحسن بن الجهم المتقدِّمة المشتملة على الكيفية المزبورة (١).

وفيه : مضافاً إلى لزوم حملها على التقيّة من أجل تضمنها ما لا نقول به كما مرّ ، وإلى إمكان أن يكون المراد التلفظ بذاك المضمون أي الشهادة بالوحدانية وبالرِّسالة بعبارتهما المتعارفة لا نفس هذه العبارة ، أنّه يشكل الاعتماد عليها من أجل أنّ مقتضاها جواز الاقتصار على كلمة «أشهد» في الشهادة الاولى من غير تكرّر هذه اللفظة في الشهادة بالرِّسالة والاكتفاء بالعطف ، فانّ الموجود في التهذيب الطبع القديم والحديث في باب الصلاة وفي باب التيمم (٢) ، وكذا الاستبصار (٣) كذلك ، أي بلا تكرار كلمة أشهد.

بل قال المحقِّق الهمداني (قدس سره) : إنّ عدّة من الكتب المعتبرة التي شاهدناها منها الحدائق والوافي والاستبصار الّذي هو الأصل في نقلها بلا تكرار الشهادة ، وفي الجواهر أيضاً رواها في باب القواطع كذلك ، بل في نسخة الوسائل الموجودة عندي أيضاً كذلك ، ولكن اثبت لفظ الشهادة في الثانية فيما بين الأسطر ، بحيث يستشعر منه كونه من الملحقات انتهى (٤).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٤ / ١٤٦٧ ، ١ : ٢٠٥ / ٥٩٦.

(٣) الاستبصار ١ : ٤٠١ / ١٥٣١.

(٤) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٧١ / السطر ٣٦.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والموجود في الوسائل الطبعة الحديثة وإن كان مشتملاً على التكرار ، إلّا أنّه يشكل الاعتماد عليه بعد ما سمعت ، فيظن أنّه زيادة من قلم النسّاخ ، ولا أقل من عدم العلم بالنسخة الصحيحة ، وهذا يستوجب قدحاً آخر في الصحيحة إذ لو كانت النسخة الأصلية خالية عن التكرار فلازمها جواز الاقتصار على العطف ولم يقل به أحد من فقهائنا ، إذ لم ينقل القول بجواز حذف لفظ الشهادة من الثانية عن أحد من الأصحاب عدا ما ينسب إلى العلّامة في القواعد (١) ، ولا ينبغي القول به ، فإنّ العاري عن التكرار شهادة واحدة متعلِّقة بأمرين لا شهادتان ، ولا شك في وجوب الشهادتين في التشهّد نصّاً وفتوى ، وقد نطقت جملة من النصوص بأنّ الواجب الشهادتان غير المنطبق على الشهادة الواحدة المتعلِّقة بأمرين قطعاً ، ولا يكاد يتحقّق إلّا بتكرار لفظ الشهادة والتلفظ بها مرّتين. إذن فالرواية ساقطة إذ لم يعمل بها أحد في موردها فلا بدّ من الحمل على التقيّة.

ثانيتهما : رواية إسحاق بن عمار الواردة في كيفية صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المعراج وفيها : «... ثمّ قال له ارفع رأسك ثبتك الله ، واشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله إلى أن قال ففعل ...» إلخ (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند كما لا يخفى ، أنّها قاصرة الدلالة ، إذ لم يذكر فيها أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأيّ صورة فعل وبأي كيفية أدّى الشهادتين ، بل غايتها أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ما أُمر به.

فتحصّل : أنّ شيئاً من هذه الروايات لا المطلقات ولا غيرها لا يمكن الاعتماد عليها في الاجتزاء بهذه الصورة ، فلم يبق في البين إلّا أصالة البراءة عن

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٧٩.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٦٨ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١١.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الكيفية المشهورة ولا بأس بها في حدّ نفسها.

والمناقشة فيها بأنّ المقام من موارد الدوران بين التعيين والتخيير ، والمرجع فيها قاعدة الاشتغال ساقطة ، لما مرّ غير مرّة من أنّ الدوران المزبور هو بعينه الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ولا فرق بينهما إلّا في مجرّد العبارة والمختار في تلك المسألة هي البراءة.

وعلى الجملة : فلا ينبغي الشك في أنّ مقتضى الأصل العملي في المقام لو انتهى الأمر إليه هي البراءة ، لكنّه لا ينتهي إليه ، لوجود النص الصحيح المعيّن للكيفية المشهورة ، وهي صحيحة محمّد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام التشهّد في الصلوات؟ قال : مرّتين ، قال : قلت كيف مرّتين؟ قال : إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ...» إلخ (١) وظاهر الأمر الوجوب التعييني وبذلك يخرج عن مقتضى الأصل المزبور.

ومنه تعرف أنّه لو سلّم الإطلاق في تلك المطلقات لا بدّ من تقييدها بهذه الصحيحة المؤيّدة برواية الأحول (٢) وقد عرفت (٣) أنّ اشتمال هذه الرواية على ما ثبت استحبابه من الخارج لا يقدح في دلالتها على الوجوب فيما عداه ، غير أنّها ضعيفة السند بالأحول نفسه فلا تصلح إلّا للتأييد.

وتؤيِّدها أيضاً : موثقة سماعة قال : «سألته عن رجل كان يصلِّي فخرج الإمام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة ، قال : إن كان إماماً عدلاً فليصلّ اخرى وينصرف ويجعلهما تطوّعاً ، وليدخل مع الإمام في صلاته كما

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ١.

(٣) في ص ٢٥٨.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

هو ، وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلِّي ركعة أُخرى ويجلس قدر ما يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، ثمّ ليتم صلاته معه قدر ما استطاع فإنّ التقية واسعة» (١).

ولا يضرّها الإضمار بعد أن كان المضمر مثل سماعة الّذي لا يروي إلّا عن الإمام عليه‌السلام وإنّما ذكرناها بعنوان التأييد ، لإمكان الخدش في الدلالة من جهة كونها مسوقة لبيان حكم آخر وهو التفرقة بين الإمام العادل وغيره ، فمن الجائز أن لا تكون ناظرة إلى تعيّن هذه الكيفية ، ويكفي نكتة لذكرها كونها المتعارف المعهود ، فلا تدل على الوجوب ، لعدم كونها في مقام التعيين من حيث الكيفية. فالعمدة في الاستدلال إنّما هي الصحيحة المؤيّدة بالرواية والموثقة.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف : أنّ تعيّن الكيفية المشهورة في التشهّد لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط ، هذا كلّه في التشهّد.

وأمّا كيفية الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهل يتعيّن فيها أن تكون بصيغة اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صرّح به جمع ، بل نسب إلى الأكثر أو الأشهر كما عن الذكرى (٢) ، أو المشهور كما عن المفاتيح (٣) ، أم يجتزأ بكل صيغة تأدّت مثل : صلّى الله على محمّد وآله ، أو : صلّى الله على رسوله وآله ونحوهما ، كما هو ظاهر جمع آخرين منهم المفيد في المقنعة (٤) ، فإنّه (قدس سره) ذكر في تشهّد نافلة الزوال بصورة : صلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، ثمّ عطف عليها التشهّد الأوّل من صلاة الظهر ، ثمّ تعرّض للتشهّد الثاني من الظهر

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٠٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٢) الذكرى ٣ : ٤١٣.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ١٥١.

(٤) المقنعة : ١٠٨.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والعصر والعشاء والمغرب وكذا الغداة ، وذكر فيها تشهّداً طويلاً يقرب ما تضمنته موثقة أبي بصير الطويلة (١) وأتى فيها بصيغة : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، فإنّه لا يحتمل ذهابه (قدس سره) إلى التفصيل في الكيفية بين التشهّد الأوّل والثاني ، أو بين النافلة وغيرها ، فإنّها في الجميع على نسق واحد قطعاً. فيظهر من ذلك أنّه (قدس سره) بان على التخيير ويرى الاجتزاء بكلتا الصورتين.

وممّن صرّح بالتخيير أيضاً : العلّامة في النهاية (٢) ، فإنّه بعد أن حكم بوجوب اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، قال : ولو قال صلّى الله على محمّد وآله ، أو قال : صلّى الله عليه وآله ، أو صلّى الله على رسوله وآله ، فالأقرب الإجزاء. وكيف ما كان فالمسألة خلافية والمتبع هو الدليل ، ولا ينبغي الشك في الاجتزاء بالصورة المعروفة المتداولة : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، غير أنّه قد يستدل على وجوبها وتعيّنها بالخصوص بوجوه :

أحدها : رواية ابن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المرويّة من طرق العامّة أنّه «قال : إذا تشهّد أحدكم في صلاة فليقل : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» (٣) قالوا : إن ضعفها منجبر بعمل المشهور.

وفيه : مضافاً إلى منع الكبرى كما هو المعلوم من مسلكنا ، أنّ صغرى الانجبار ممنوعة من وجهين :

أحدهما : أنّه لم يعلم ذهاب المشهور إليه كي يتحقّق الانجبار بعملهم ، غايته أنّ هذا القول هو الأشهر لا أنّه المشهور ، نعم نسبه إليهم في المفاتيح كما سمعت لكنّه لم يثبت سيّما بعد تصريح الشهيد في الدروس (٤) بأنّه الأشهر كما مرّ الّذي

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٥٠٠.

(٣) مستدرك الحاكم ١ : ٢٦٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧٩.

(٤) [بل الذكرى كما تقدّم آنفا].

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يظهر منه أنّ القائل بكلا القولين كثير وإن كان أحدهما أكثر.

ثانيهما : أنّه مع التسليم لم يثبت اعتماد المشهور على هذه الرواية الضعيفة. نعم ، ذكروها في كتب الاستدلال لكنّه لم يعلم استنادهم إليها في الفتوى ، ولعلّهم استندوا إلى بعض الوجوه الآتية.

الثاني : رواية عبد الملك بن عمرو الأحول المتضمِّنة لهذه الصيغة (١).

وفيه : أنّها وإن كانت تامّة من حيث الدلالة ، وقد عرفت أنّ اشتمالها على ما ثبت استحبابه من الخارج لا يضر بدلالتها على الوجوب فيما عداه ، لكنّها ضعيفة السند وإن عبّر عنها المحقِّق الهمداني (٢) بالموثقة لعدم ثبوت وثاقة الأحول كما مرّ ، فلا يمكن الاعتماد عليها.

الثالث : رواية إسحاق بن عمار الحاكية لصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المعراج المشتملة على الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الصورة (٣).

وفيه : أنّها ضعيفة السند جدّاً من جهة محمّد بن علي ماجيلويه شيخ الصدوق أوّلاً. وثانياً : من جهة محمّد بن علي الكوفي أبي سمينة (٤) المشهور بالكذب على ما ذكره الفضل بن شاذان في جملة جماعة ، بل قال هذا أشهرهم (٥) وكذا النجاشي (٦).

الرابع : السيرة القائمة بين المسلمين خلفاً عن سلف.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ١.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٦٧ السطر ٢٧.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٦٨ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١١.

(٤) لكن في المعجم ١٨ : ٥٨ / ١١٤٢٧ أنّه غير أبي سمينة.

(٥) رجال الكشي : ٥٤٦ / ١٠٣٣.

(٦) رجال النجاشي : ٣٣٢ / ٨٩٤.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : أنّ السيرة وإن كانت ثابتة كما يظهر بمراجعة الأخبار أيضاً ، إلّا أنّ القائم منها على الفعل لا يكشف إلّا عن عدم الحرمة دون الوجوب ، فغايتها الجواز وأنّه أحد الأفراد أو أفضلها ، كما أنّ القائم منها على الترك لا يكشف إلّا عن عدم الوجوب دون التحريم.

وبعبارة اخرى : لا تزيد السيرة على عمل المعصوم عليه‌السلام ، وكلاهما لا يدلّان على الوجوب.

الخامس : وهو العمدة ، موثقة أبي بصير الطويلة المتضمِّنة للصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الصيغة (١).

لكن الاستدلال بها إنّما يستقيم بناءً على مسلكنا من أنّ الوجوب والاستحباب غير مدلولين لصيغة الأمر وإنّما يستفادان من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الترك وعدمه ، حيث إنّ الترخيص فيه قد ثبت من الخارج بالإضافة إلى جملة من الأدعية والأذكار الواردة في هذه الموثقة ، ولم يثبت بالنسبة إلى هذه الكيفية ، فيستقل العقل حينئذ بكون الأمر في الأوّل للاستحباب ، وفي الثاني للوجوب ، ولا منافاة بين الأمرين ولا ضير في التفكيك بين الموردين.

وأمّا بناءً على المسلك المشهور من استفادتهما من اللفظ بحسب الوضع أو الاستعمال ، فلا مناص من الالتزام بأنّ الأمر هنا مستعمل في جامع الطلب فلا يدل على الوجوب.

فظهر من جميع ما سردناه : أنّ الوجوه المستدل بها لتعيّن هذه الكيفية كلّها مخدوشة إلّا الوجه الأخير وهي موثقة أبي بصير بناءً على مسلكنا ، وأمّا على مسلك القوم فليس لهم الاستدلال بها أيضا.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا القول الآخر ، أعني الاكتفاء بمطلق الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد استدلّ له أيضاً بوجوه :

أحدها : أصالة البراءة عن تعيّن الكيفية الخاصّة. ونوقش فيها : بأنّ المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير والمرجع في مثله قاعدة الاشتغال. وفيه : ما أسلفناك مراراً من أنّ هذا الدوران هو بعينه الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ولا فرق بينهما إلّا في مجرد العبارة ، والمختار فيه هو أصالة البراءة.

إلّا أنّ الرجوع إلى الأصل فرع عدم الدليل ، وقد عرفت قيام الدليل على وجوب تلك الكيفية وهي موثقة أبي بصير بالتقريب المتقدِّم ، فلا تنتهي النوبة إلى الأصل.

الثاني : إطلاق الأمر بالصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله الوارد في الروايات.

وفيه أوّلاً : منع الإطلاق ، لعدم ورود تلك النصوص إلّا لبيان أصل الاعتبار لا كيفيته ، فان عمدتها كانت صحيحة زرارة (١) المتضمِّنة لتشبيه الصيام بالصلاة في اعتبار الزكاة فيه كاعتبار الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ، فكما لا تعرّض فيها لبيان كيفية الزكاة فكذا لا تعرّض لكيفية الصلاة ، فهي غير مسوقة إلّا لبيان الاعتبار في الموردين في الجملة ولا نظر فيها لبيان الكيفية في شي‌ء من الموردين.

وثانياً : لو سلّم الإطلاق فهو مقيّد بموثقة أبي بصير المشتملة على تلك الكيفية الخاصّة.

الثالث والرابع : صحيحة الحسن بن الجهم (٢) ، وموثقة سماعة (٣) فقد ذكر

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٧ / أبواب التشهّد ب ١٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٠٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

فيهما في بيان الكيفية هكذا : «صلّى الله عليه وآله».

وفيه : أنّ هذه الجملة غير موجودة في التهذيب ولا الاستبصار (١) ، بل غير موجودة في الموثقة حتّى في الوسائل وإنّما ذكرت في بعض كتب الاستدلال فيطمأن بل يجزم عادة بأنّ هذه الزيادة من الكاتب على حسب العادة من الصلاة عليه عند كتابة اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله كالتلفظ به ، وليست جزءاً من الروايتين.

الخامس : ما رواه الصدوق في العلل وكذا الكليني بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام في علّة تشريع الصلاة ، وفيها «... فقال يا محمّد صلّ عليك وعلى أهل بيتك ، فقلت : صلّى الله عليّ وعلى أهل بيتي وقد فعل ...» إلخ (٢) فيظهر منها عدم اعتبار الكيفية المشهورة في أداء الوظيفة ، ولا تعارضها رواية إسحاق بن عمار الواردة في هذا المورد المشتملة على تلك الكيفية لضعف سندها كما مرّ (٣).

وفيه : أنّها وإن كانت صحيحة السند لكنّها قاصرة الدلالة ، فإن من أمعن النظر فيها ولاحظها صدراً وذيلاً يكاد يقطع بأن ما فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المعراج لم يكن بنفسه صلاة ، وإنّما أُمر بأجزائها شيئاً فشيئاً كالتمهيد للتشريع وبعد ذلك شرعت الصلاة على طبقها ، ألا ترى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وطالبتني نفسي أن أرفع رأسي ...» إلخ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فخررت لوجهي ...» إلخ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثمّ قمت ...» إلخ وهكذا غيرها من

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٤ / ١٤٦٧ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ / ١٥٣١ ، التهذيب ٣ : ٥١ / ١٧٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٦٥ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠ ، علل الشرائع : ٣١٢ / ١ ، الكافي ٣ : ٤٨٢ / ١.

(٣) في ص ٢٦٩.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الأُمور التي صدرت منه صلى‌الله‌عليه‌وآله من تلقاء نفسه ثمّ صارت علّة للتشريع من غير أن يتعلّق بها الأمر ابتداء.

والحاصل : أنّه يعتبر في الصلاة القصد إلى تمام الأجزاء من أوّل الأمر ، ولم يكن الصادر منه كذلك قطعاً ، وإنّما أتى بعدّة من الأفعال شيئاً فشيئاً وعلى سبيل التدريج ، وصار المجموع علّة لتشريع الصلاة بعد ذلك. فما صدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقتئذ لم يكن بعد من الصلاة المأمور بها حتّى يستدل به على الوجوب كما يكشف عنه خلوّها عن التشهّد.

هذا مع أنّ المذكور فيها هكذا : «صلّى الله عليّ وعلى أهل بيتي» والتعبير به مختص بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يمكن التعدِّي بعد القطع بعدم صحّة هذا التعبير من غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكيف ما كان ، فلا يمكن رفع اليد عن موثقة أبي بصير المتقدِّمة (١) بهذه الصحيحة فإنّها صريحة في اعتبار الكيفية المشهورة ، وإن كان اقترانها بغير واحد من المستحبّات قد يستوجب الظن بعدم وجوب هذه أيضاً وقد مرّ الجواب عنه.

ومن جميع ما ذكرنا تعرف : أنّ الأقوى اعتبار هذه الكيفية ولا أقل من أنّه أحوط ، ولأجل هذا ترى أنّ الماتن (قدس سره) مع اختياره في التشهّد الاقتصار على الأقل ممّا يجزئ ، لم يختر إلّا خصوص هذه الكيفية التي قامت عليها السيرة خلفاً بعد سلف وجيلاً بعد جيل.

تنبيه : قد عرفت أنّ اللّازم تكرار لفظ الشهادة في التشهّد حتّى يتحقّق عنوان الشهادتين المأمور به في النصوص ، كصحيحة محمّد بن مسلم (٢) وغيرها

__________________

(١) في ص ٢٧٠.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

٢٧٣

الثالث : الجلوس بمقدار الذكر المذكور (١).

______________________________________________________

إحداهما : بالوحدانية ، والأُخرى : بالرسالة ، وأنّه لا يجتزأ بالعطف ، إذ معه ليس هناك إلّا شهادة واحدة متعلِّقة بأمرين لا شهادتان ، إلّا أنّ مقتضى موثقة أبي بصير (١) الطويلة الاجتزاء به ، إذ لم يذكر فيها لفظ الشهادة في الشهادة بالرِّسالة في التشهّد الأوّل على ما في نسخة الوسائل والحدائق (٢) ومصباح الفقيه (٣) وعليه فلا مناص من الالتزام بالاجتزاء ، ولكن في خصوص ما لو أتى بهذا التشهّد الطويل الّذي تضمنته الموثقة ، فإنّه المتيقن في الخروج عمّا دلّ على اعتبار التكرار والتلفظ بالشهادتين ، فلو اقتصر على التشهّد المعروف وجب التكرار عملاً بإطلاق الأدلّة.

لكن الّذي يهوّن الخطب عدم ثبوت صحّة النسخة ، فإنّ المذكور في التهذيب (٤) الموجود عندنا تكرار لفظ التشهّد ، ولا يبعد أن يكون هناك سقط في نسخة الوسائل وقد أخذ عنه الحدائق والمحقِّق الهمداني. وكيف ما كان ، فعلى تقدير صحّة النسخة تحمل الموثقة على ما عرفت جمعاً ، لكن التقدير غير ثابت فلا موجب للخروج عن المطلقات.

(١) بلا إشكال ولا خلاف ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد وتشهد له جملة من النصوص.

منها : الواردة في ناسي التشهّد وهي عدّة أخبار كصحيحة سليمان بن خالد :

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٢) الحدائق ٨ : ٤٥٠.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٧٤ السطر ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

«... إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ...» إلخ (١) وصحيحتي الفضيل بن يسار والحلبي (٢).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم : «إذا استويت جالساً فقل ...» إلخ (٣).

ومنها : موثقة أبي بصير الطويلة (٤) ، ومنها غيرها ممّا لا يخفى على المراجع وقد ذكرنا الصحاح منها.

وربّما يستدل له بما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب حريز عن زرارة قال «قال أبو جعفر عليه‌السلام : لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين ، ولا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّد ، إنّما التشهّد في الجلوس وليس المقعي بجالس» (٥) وهي وإن كانت أظهر رواية في الباب ، لاشتمالها على كلمة الحصر ، لكنّها ضعيفة السند ، لضعف طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز وغيره من سائر الكتب والمجامع عدا كتاب ابن محبوب كما تقدّم (٦) ، لجهالة طريقه إليها ، فتلحق بالمرسل ، فهي مؤيّدة للمطلوب لا دليل عليه.

وأمّا الإقعاء الّذي تضمنته هذه الرواية ، فسيأتي الكلام عليه موضوعاً وحكماً عند تعرّض الماتن في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّ هناك رواية قد يستفاد منها عدم اعتبار الجلوس ، وهي رواية عبد الله ابن حبيب بن جندب قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنِّي أُصلِّي المغرب

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٥ / أبواب التشهّد ب ٩ ح ١ ، ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٥) الوسائل ٦ : ٣٩١ / أبواب التشهّد ب ١ ح ١ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٥٨٦.

(٦) في ص ٢٣١.

٢٧٥

الرابع : الطمأنينة فيه (١).

______________________________________________________

مع هؤلاء فأُعيدها فأخاف أن يتفقدوني ، فقال : إذا صلّيت الثالثة فمكِّن في الأرض أليتيك ثمّ انهض وتشهّد وأنت قائم ثمّ اركع واسجد فإنّهم يحسبون أنّها نافلة» (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند جدّاً ، إذ رجاله كلّهم مجاهيل ، أنّ الدلالة قاصرة ، فإنّه حكم خاص بالتقية ، فهو نظير ما مرّ من جواز الصلاة في الطين أو الوحل عند الاضطرار. ثمّ إنّ ما اشتملت عليه الرواية من الحكم بالإعادة لم يظهر وجهه بناءً على ما هو الصحيح من صحّة الصلاة مع العامّة ، فهي ساقطة لا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

(١) لم أجد تعرّضاً لهذه المسألة بالخصوص في كلمات القوم ، لا المحقِّق في الشرائع ولا صاحب الجواهر ولا الحدائق ولا المحقِّق الهمداني (رضوان الله عليهم) ولعلّ الإهمال من أجل الاتكال على الوضوح لاعتبار الاطمئنان في تمام أجزاء الصلاة.

وكيف ما كان ، فلم نجد رواية تدل على اعتبار الاطمئنان في التشهّد لا خصوصاً ولا عموماً إلّا رواية واحدة وهي رواية سليمان بن صالح : «وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ...» إلخ (٢).

ولكنّك عرفت فيما سبق عدم إطلاق لها يشمل جميع الحالات ، لعدم كونها مسوقة إلّا لبيان أصل اعتبار التمكن في الصلاة تمهيداً لاعتباره في الإقامة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٢ / أبواب التشهّد ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

٢٧٦

الخامس : الترتيب بتقديم الشهادة الأُولى على الثانية ، وهما على الصلاة على محمّد وآل محمّد كما ذكر (١).

______________________________________________________

قياساً لها عليها ، ولا نظر فيها إلى محله ومورده كي يتمسّك بإطلاقه ، فهي نظير ما مرّ (١) في صحيح زرارة من تشبيه الصيام بالصلاة في اعتبار الزكاة فيه كاعتبار الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ، فانّ التشبيه غير وارد إلّا لبيان أصل الاعتبار ، ولا نظر فيه إلى سائر الجهات حتّى ينعقد الإطلاق.

وبالجملة : فالدليل اللّفظي على اعتبار الاطمئنان في المقام مفقود ، فان تمّ الإجماع المدّعى في كلمات غير واحد ، وإلّا فالحكم محل إشكال وسبيل الاحتياط معلوم.

(١) أمّا اعتبار الترتيب بين الشهادتين ، فيدل عليه مثل صحيح محمّد بن مسلم الناص على أنّ كيفية التشهّد هو أنّه إذا استوى جالساً قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، إلخ (٢). ومنه يعلم أنّه لو فرض هناك إطلاق في بعض الروايات كصحيح زرارة ، نظراً إلى ما جاء فيه من قوله عليه‌السلام «الشهادتان» (٣) فلا بدّ من تقييده بهذه الصحيحة.

وأمّا اعتباره بين الشهادتين وبين الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيستفاد من مثل موثقة أبي بصير الطويلة حيث وقعت الصلاة عقيب ذكر التشهّد (٤)

__________________

(١) في ص ٢٧١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩٦ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

٢٧٧

السادس : الموالاة بين الفقرات والكلمات والحروف بحيث لا يخرج عن الصدق (١).

السابع : المحافظة على تأديتها على الوجه الصحيح العربي في الحركات والسكنات وأداء الحروف والكلمات (٢).

______________________________________________________

وتؤيِّده : رواية عبد الملك بن عمرو الأحول وغيرها (١) بل ويمكن أن يستدل لذلك بإطلاق ما دلّ على أنّ من صلّى ولم يصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا صلاة له (٢) فإنّه منزّل على ما هو مغروس في الأذهان ومعروف عند المتشرِّعة من كون موضعها عقيب الشهادتين ، نظير ما ورد من أنّه «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٣) فإنّ إطلاقه أيضاً محمول على ما هو معهود في الخارج من موضعها الخاص المعيّن.

(١) والوجه فيه ظاهر ، فإنّه مع الإخلال بها بإيجاد الفصل بين فقرأتها أو كلماتها أو حروفها بالسكوت المخل لم يصدق حينئذ أنّه تشهد ، بل يقال أتى بكلمات أو حروف متقطعة.

(٢) فانّ الواقع في الروايات المتعرِّضة لاعتبار التشهّد كصحيح محمّد بن مسلم (٤) ، وموثقة أبي بصير (٥) وغيرهما ، إنّما هو على النهج المزبور دون غيره من الترجمة أو الملحون من جهة المادّة أو الهيئة ، فلا بدّ من الاقتصار عليه.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٧ / أبواب التشهّد ب ١٠ ح ٢.

(٣) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

(٥) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

٢٧٨

[١٦٥٦] مسألة ١ : لا بدّ من ذكر الشهادتين والصلاة بألفاظها المتعارفة (١) فلا يجزئ غيرها وإن أفاد معناها ، مثل ما إذا قال بدل أشهد : أعلم ، أو أُقرّ أو اعترف ، وهكذا في غيره.

[١٦٥٧] مسألة ٢ : يجزئ الجلوس فيه بأيّ كيفية كان ولو إقعاءً ، وإن كان الأحوط تركه (٢).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ، ويقتضيه الجمود على ظواهر النصوص.

(٢) المعروف والمشهور هو كراهة الإقعاء بقسميه مطلقاً بين السجدتين ، أو بعد الثانية ، سواء أكان جلسة الاستراحة أو حال التشهّد ، وإن كان صريح كثير منهم أنّ الكراهة في الأخير أشد وآكد ، والمحكي عن ظاهر الشيخ في المبسوط (١) والسيِّد المرتضى (٢) هو جواز ذلك كذلك.

وعن الصدوق (٣) المنع عنه حال التشهّد دون غيره ممّا يعتبر فيه الجلوس في الصلاة فإنّه نفى البأس عنه فيه.

وذهب صاحب الحدائق (٤) إلى المنع عن خصوص الإقعاء المصطلح عند الفقهاء ، وهو أن يعتمد الشخص بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه بلا فرق بين حال التشهّد وغيره. وكراهة الإقعاء بالمعنى اللّغوي وهو أن يضع الرجل ألييه على الأرض وينصب ساقيه وفخذيه واضعاً يديه على الأرض أو

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٣.

(٢) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢١٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٦.

(٤) الحدائق ٨ : ٣١٢.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بدون الوضع كما في القاموس (١) ، شبيه إقعاء الكلب جاعلاً موردها خصوص ما بين السجدتين ، وأمّا حال التشهّد فلا كراهة. وعن بعض العامّة (٢) استحباب الإقعاء الفقهائي الّذي منع صاحب الحدائق عنه.

والأقرب هو ما عليه المشهور من الكراهة مطلقاً (٣).

أمّا الإقعاء بين السجدتين فالحكم بالكراهة من جهة الجمع الدلالي بين ما دلّ على حرمة ذلك من موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تقع بين السجدتين إقعاءً» (٤) وبين ما هو نص في جواز ذلك وهو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين» (٥) فانّ الجمع العرفي يقتضي رفع اليد عن ظهور الموثقة في الحرمة وحملها على الكراهة ، وحيث إنّ كلّاً من الدليلين مطلق من حيث كيفية الإقعاء ، فلا محالة تكون نتيجة الجمع هو كراهة الإقعاء بقسميه بحكم الإطلاق كما هو ظاهر المشهور.

ولكن صاحب الحدائق بعد أن حمل الروايات الناهية على المنع عن الإقعاء بالمعنى اللّغوي والروايات المجوّزة على ترخيص الإقعاء بالمعنى المصطلح عند الفقهاء مستشهداً على ذلك بقرائن ذكرها ، استقرب كون الروايات المجوّزة واردة مورد التقيّة من جهة موافقتها لمذهب جماعة من العامّة ، وحيث ورد في رواية زرارة وعمرو بن جميع الآتيتين أنّ المقعي ليس بجالس ، وفهم من ذلك النفي بمعناه الحقيقي ، لزمه القول ببطلان الصلاة فيما إذا أقعى بالمعنى المصطلح عند

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٣٨٢.

(٢) المغني ١ : ٥٩٩ ، المجموع ٣ : ٤٣٨.

(٣) [سيأتي في ص ٢٨٥ عدم كراهة الإقعاء اللّغوي].

(٤) ، (٥) الوسائل ٦ : ٣٤٨ / أبواب السجود ب ٦ ح ١ ، ٣.

٢٨٠