موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

سأله عن السجود لغير الله تعالى قياساً على سجود الملائكة لآدم عليه‌السلام بأنّه كان ذلك عن إذنه تعالى ، وأوضحه صلى‌الله‌عليه‌وآله بإيراد مثال وهو أنّه إذا أذن أحد لغيره بالدخول في داره الخاصّة فهل يجوز للمأذون له الدخول في داره الأُخرى قياساً على الاولى ، وهذا المضمون قوي وإن كان سند الخبر ضعيفاً. وكيف ما كان فالحكم ظاهر لا غبار عليه.

٢٤١

فصل في التشهّد

فصل في التشهّد وهو واجب في الثنائية مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية ، وفي الثلاثية والرباعية مرّتين ، الاولى كما ذكر والثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة (١).

______________________________________________________

(١) لا إشكال كما لا خلاف عندنا في وجوب التشهّد مرّة في الثنائية ومرّتين في الثلاثية والرباعية على النحو الّذي ذكره في المتن ، وقد ادّعى عليه الإجماع غير واحد من الأصحاب قديماً وحديثاً قال في الجواهر : بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما متواتر أو في أعلى درجات الاستفاضة (١). وفي المستند : هو واجب عندنا ، بل الضرورة من مذهبنا (٢). وعن الأمالي : أنّه من دين الإمامية (٣) ولم ينسب الخلاف إلّا إلى العامّة ، فقد أنكر كثير منهم وجوب التشهّد الأوّل وبعضهم كأبي حنيفة وغيره وجوب الثاني ، وبعض آخر وجوبهما (٤) ، فالخلاف منهم ، وإلّا فالشيعة متّفقون على الوجوب في الموضعين وهو قول علمائنا أجمع ، هذا.

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ٢٤٦.

(٢) المستند ٥ : ٣٢٣.

(٣) أمالي الصدوق : ٧٤١ / ١٠٠٦.

(٤) بداية المجتهد ١ : ١٢٩ ، المغني ١ : ٦١٣ ، ٦١٤ ، المجموع ٣ : ٤٥٠ ، ٤٦٢ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٨.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ذكر بعضهم انحصار الدليل في الإجماع وإلّا فالنصوص غير وافية بإثبات الوجوب ، لورودها في مقام آخر من نسيان التشهّد أو الشك ونحوهما ، فليست هي في مقام تشريع الوجوب كي تدل عليه ، بل مسوقة لبيان حكم آخر.

لكن الإنصاف عدم الانحصار وإن كان الإجماع بنفسه صالحاً للاستدلال فان معظم الأخبار وإن كانت كما ذكر إلّا أنّه يمكن استفادة الحكم من بعضها.

فمنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس وتشهّد وقم فأتم صلاتك ...» إلخ (١) فإنّ الأمر بالجلوس والتشهّد ظاهر في الوجوب.

ومنها : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فان كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأه» (٢) دلّت بمفهوم الشرط على عدم مضي الصلاة وعدم تماميتها ما لم يفرغ عن الشهادتين ، وهذا كما ترى مساوق لجزئية التشهّد ووجوبه وإلّا لما أُنيطت صحّة الصلاة بالفراغ عنه.

وحكمه عليه‌السلام في الذيل باجزاء التسليم لدى الاستعجال ناظر إلى عدم لزوم الإتيان بالأذكار والأدعية المستحبّة الواردة بعد التشهّد.

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد» (٣) دلّت بالمفهوم على وجوب الإعادة إذا كان الالتفات

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهّد ب ٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٢٤ / أبواب التسليم ب ٣ ح ٤.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الفاحش ـ أي إلى اليمين أو إلى اليسار ـ قبل التشهّد ، لوقوعه حينئذ أثناء الصلاة. وهذا يكشف عن جزئية التشهّد ووجوبه لا محالة ، إذ لو لم يكن من أجزاء الصلاة وواجباتها لم يكن أيّ وجه للإعادة كما هو ظاهر. وأمّا ما تضمنته الصحيحة من عدم الإعادة لو كان الالتفات بعد التشهّد وعند التسليم فلعلّه من أجل أنّ السلام مخرج فلا يضر الالتفات عندئذ وإن كان فاحشاً. وكيف ما كان فهي صريحة الدلالة فيما نحن بصدده.

فهذه النصوص غير قاصرة الدلالة عن إفادة الوجوب ، وليست واردة في مقام حكم آخر بمثابة تمنع عن استفادة الوجوب.

نعم ، هناك روايات أُخر قد يظهر منها عدم الوجوب ، وهذا وإن لم يظهر له قائل كما عرفت ، إلّا أنّ الكلام يقع في مفاد تلك النصوص وأنّها هل تحمل على التقيّة أو لا؟

فمنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد ، قال : ينصرف فيتوضّأ فإن شاء رجع إلى المسجد وإن شاء ففي بيته وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلِّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (١).

فربّما يستظهر منها عدم الوجوب وخروج التشهّد عن الصلاة وإلّا بطلت لمكان الحدث ، فكيف حكم عليه‌السلام بالانصراف والإتيان بالتشهّد حيثما شاء بعد التوضي ، وقد أفتى الصدوق بمضمونها (٢) ، ومن أجله قد ينسب إليه الخلاف في المسألة ، لكنّه ساقط قطعاً ، فانّ الصدوق لم يفت بعدم الوجوب وإنّما أفتى بمضمون الصحيحة ، ومضمونها كما ترى لا يقتضي عدم الوجوب ، بل غايته

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهّد ب ١٣ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٣ ذيل الحديث ١٠٣٠.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم مبطلية الحدث في خصوص هذا المورد. وهذا حكم آخر إمّا أن يلتزم به كما صنعه الصدوق أو يحمل على التقيّة ، وسيجي‌ء الكلام حوله في بحث الخلل إن شاء الله تعالى.

وأمّا نفس التشهّد ، فلا دلالة فيها على عدم وجوبه كي تعارض النصوص السابقة ، بل هي بالدلالة على الوجوب أولى من الدلالة على العدم ، ولذا لم يسوّغ عليه‌السلام في تركه ، بل أمره بالإتيان بعد تحصيل الطهارة وإن كان في بيته أو حيثما شاء ، وظاهر الأمر الوجوب ، فتخرج الصحيحة عن المعارضة إلى المعاضدة. فاستظهار الخلاف منها كنسبته إلى الصدوق كلاهما في غير محلّه.

وعلى الجملة : فالصحيحة لا تعارض إلّا النصوص الدالّة بإطلاقها على ناقضية الحدث وللعلاج بينهما مقام آخر لا نصوص المقام.

ومنها : موثقة عبيد بن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال : تمّت صلاته ، وإنّما التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد» (١).

وهي كسابقتها توهّماً وجواباً غير أنّها تزيد عليها بقوله عليه‌السلام : «التشهّد سنّة» ، فقد يتوهّم من التعبير بالسنّة الاستحباب ، وهو كما ترى ، فانّ هذا الإطلاق اصطلاح محدث من الفقهاء دارج في ألسنتهم. وأمّا في لسان الأخبار فهو بمعنى ما سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قبال ما فرضه الله تعالى فلا ينافي الوجوب ، وقد أُطلق لفظ السنّة على القراءة والتشهّد في ذيل حديث لا تعاد (٢) وغيره ، مع أنّ القراءة واجبة بلا إشكال لقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٣) وغيره من الأخبار.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١١ / أبواب التشهّد ب ١٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٩١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٥.

(٣) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥.

٢٤٥

وهو واجب غير ركن ، فلو تركه عمداً بطلت الصلاة (١) وسهواً أتى به ما لم يركع ، وقضاه بعد الصلاة إن تذكّر بعد الدخول (١) في الركوع مع سجدتي السهو.

وواجباته سبعة : الأوّل : الشهادتان (٢)

______________________________________________________

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف ، فقال : إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد وإلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه ، وقال إنّما التشهّد سنّة في الصلاة» (٢).

وقد ظهر حالها ممّا مرّ إشكالاً وجواباً فلا حاجة إلى الإعادة. وقد تحصّل من جميع ما مرّ : وجوب التشهّد فتوى ونصّاً من غير معارض.

(١) فانّ البطلان لدى العمد هو مقتضى حديث الجزئية والوجوب الّذي عرفته ، وأمّا عدم كونه ركناً فلاندراجه في عقد المستثنى منه في حديث لا تعاد وأمّا التفصيل لدى السهو بين ما إذا كان التذكّر قبل الركوع فالرجوع أو بعده فالمضي ، فلأنه مضمون صحيحة الحلبي الأُولى التي مرّت الإشارة إليها (٣).

(٢) أي الشهادة بالتوحيد وبالرسالة بلا خلاف كما ادّعاه غير واحد ، بل إجماعاً كما حكاه الأصحاب قديماً وحديثاً ، ولم ينسب الخلاف إلّا إلى الجعفي في الفاخر (٤) حيث خصّ الوجوب بالشهادة الاولى في التشهّد الأوّل وإن أوجبهما

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهّد ب ٩ ح ٣.

(٤) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٤٢٠.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في الثاني ، وإلّا إلى الصدوق في المقنع (١) حيث حكي عنه الاجتزاء بقول : بسم الله وبالله بدل الشهادتين.

ويدل على المشهور جملة من النصوص فيها الصحيح وهو المعتمد المؤيِّد بغيره.

فمنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : التشهّد في الصلوات؟ قال : مرّتين ، قال قلت : كيف مرّتين؟ قال : إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ...» إلخ (٢).

ومنها : رواية عبد الملك بن عمرو الأحول عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : التشهّد في الركعتين الأولتين : الحمد لله أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّل شفاعته وارفع درجته» (٣) ، ولا يقدح اشتمالها على ما ثبت استحبابه من الخارج كما لا يخفى. نعم ، هي ضعيفة السند بالأحول فإنّه لم يوثق ، غير أنّ الكشي روى رواية في مدحه (٤) ، لكن السند ينتهي إلى الرجل نفسه فلا يعتمد عليه.

ومنها : رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : التشهّد في كتاب علي شفع» (٥) فانّ المراد بالشفع هو الزوج أي المرّتان اللّتان وقع

__________________

(١) لاحظ المقنع : ٩٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ١.

(٤) رجال الكشي : ٣٨٩ / ٧٣٠.

(٥) الوسائل ٦ : ٣٩٨ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٥.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التصريح بهما في بقيّة الأخبار كصحيحة ابن مسلم المتقدِّمة وغيرها ، لا التعدّد باعتبار الموضع ، وإلّا فلا شفع بهذا المعنى في الثنائية المشمولة لإطلاقها. وهي أيضاً ضعيفة السند بعلي بن عبيد حيث لم يوثق.

ومنها : رواية سورة بن كليب قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما يجزئ من التشهّد ، قال : الشهادتان» (١) والمراد بالشهادتين هما الشهادتان المعهودتان المشار إليهما في بقية الأخبار ، أي الشهادة بالتوحيد وبالرسالة. وهي أيضاً ضعيفة عند القوم بـ «سورة» إذ لم يوثق ، ولكنّها معتبرة عندنا لوقوعه في أسناد تفسير القمي.

وأمّا مقالة الجعفي ، فإن أراد بها الاكتفاء بإحدى الشهادتين في التشهّد الأوّل من غير تعيين فلم يعرف له مستند أصلاً ، وإن أراد خصوص الشهادة بالتوحيد فيمكن الاستدلال عليه بصحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزئ من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال : أن تقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، قلت : فما يجزئ من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال : الشهادتان» (٢).

لكن لا يبعد أن تكون الصحيحة ناظرة إلى بيان عدم وجوب سائر الأذكار والأدعية المستحبّة الواردة في التشهّد التي تضمنتها موثقة أبي بصير (٣). فقوله عليه‌السلام «أن تقول أشهد ...» إلخ ، إشارة إلى مجموع الشهادتين المعهودتين وأنّه يقتصر عليهما في قبال سائر الأذكار ، لا خصوص الشهادة الأُولى ، وهذا النوع من الإطلاق دارج في الاستعمالات فيذكر أوّل الكلام ويراد به تمامه وإلى

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٨ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٦ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

آخره فيكتفى بالإشارة إليه لمعهوديته الموجبة للاستغناء عن التعرّض إليه تفصيلاً.

ومنه تعرف أنّ جوابه عليه‌السلام عن السؤال الثاني بقوله عليه‌السلام : «الشهادتان» لم يرد في مقام الفرق بين الركعتين الأوّلتين والأخيرتين في عدد الشهادة كما هو مبنى الاستدلال ، بل المراد بيان الاتِّحاد في كيفية الشهادة وأنّ الواجب فيهما على حد سواء ردّاً لما توهّمه السائل من الفرق بينهما ، كما يكشف عن ذلك وقوع السؤال عن الاتِّحاد في صحيحة البزنطي قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك التشهّد الّذي في الثانية يجزئ أن أقول في الرابعة؟ قال : نعم» (١).

وأمّا ما نسب إلى الصدوق في المقنع من الاجتزاء بقول : بسم الله وبالله ، فلم يعرف له مستند أصلاً. نعم ، هناك روايتان يظهر منهما الاجتزاء بقول : بسم الله من دون اضافة «وبالله».

إحداهما : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنّه قال بسم الله فقط فقد جازت صلاته ، وإن لم يذكر شيئاً من التشهّد أعاد الصلاة» (٢). والحكم بالإعادة في ذيلها محمول على الاستحباب لحديث لا تعاد المقتضي لعدم الإعادة من نسيان التشهّد.

الثانية : رواية علي بن جعفر قال : «سألته عن رجل ترك التشهّد حتّى سلّم كيف يصنع؟ قال : إن ذكر قبل أن يسلِّم فليتشهّد ، وعليه سجدتا السهو ، وإن ذكر أنّه قال أشهد أن لا إله إلّا الله ، أو بسم الله ، أجزأه في صلاته ، وإن لم يتكلّم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٧.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بقليل ولا كثير حتّى يسلم أعاد الصلاة» (١).

لكن موردهما خصوص حال النسيان فلا يشمل صورة العمد ، مضافاً إلى ضعف سند الثانية بعبد الله بن الحسن ، هذا والحكم بالإعادة في ذيل الأخيرة محمول على الاستحباب أيضاً كما سبق. وأمّا الحكم بسجدتي السهو فغير واضح إذ التذكّر إنّما كان في المحل لكونه قبل التسليم وقد أتى بالتشهّد ، فلم يعرف موجب للسجدتين أصلاً.

ثمّ إنّه قد يظهر من رواية الخثعمي الاجتزاء بالتحميد «قال : إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد الله أجزأه» (٢).

لكنّها مضافاً إلى ضعف السند قاصرة الدلالة على كفايته عن الشهادتين ، إذ المفروض فيها جلوس الرجل للتشهّد ولا يكون الجلوس متّصفاً بكونه جلسة التشهّد إلّا إذا اشتمل عليه واقترن به ، وواضح أنّ التحميد ليس من التشهّد في شي‌ء.

فالتشهّد مفروض الوجود لا محالة. إذن يكون المراد بالاجتزاء اجتزاء التحميد عن بقية الأذكار والأدعية الواردة في بقية الروايات ولا سيّما موثقة أبي بصير الطويلة المشتملة على جملة من الأذكار المستحبّة (٣) لا عن أصل التشهّد ، كما يشهد لهذا الحمل رواية بكر بن حبيب قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أيّ شي‌ء أقول في التشهّد والقنوت؟ قال : قل بأحسن ما علمت فإنّه لو كان موقتاً لهلك الناس» (٤).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٤ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٩ / أبواب التشهّد ب ٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٩٩ / أبواب التشهّد ب ٥ ح ١.

٢٥٠

الثاني : الصلاة على محمّد وآل محمّد فيقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد (١).

______________________________________________________

وروايته الأُخرى قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التشهّد ، فقال : لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا ، إنّما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأ عنك» (١) وهما ولا سيما الأخيرة واضحتا الدلالة على ما ذكرنا من اجتزاء التحميد عن سائر الأذكار المندوبة وأنّه ليس هناك شي‌ء موقّت ، وإن كان السند ضعيفاً ، إذ لم تثبت وثاقة بكر بن حبيب ومن هنا كانت مؤيّدة لما ذكرناه.

(١) هذا الحكم ممّا تسالم عليه الأصحاب ، وقد ادّعى عليه الإجماع غير واحد ، نعم ربّما ينسب الخلاف إلى الصدوق بإنكار الوجوب مطلقاً (٢) ، وإلى والده بإنكاره في التشهّد الأوّل (٣) ، وقد وقع الكلام في صحّة هذه النسبة بل استضعفها في الجواهر (٤) من أجل تصريح الصدوق في الأمالي (٥) بأن من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجزئ في التشهّد الشهادتان والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن أورد عليه بعدم دلالة العبارة على الوجوب. وكيف ما كان لا يهمّنا التعرّض لذلك بعد وضوح أنّ الخلاف على تقدير صدق النسبة شاذ لا يعبأ به.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٩ / أبواب التشهّد ب ٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٩ ، المقنع : ٩٥.

(٣) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٤١٢.

(٤) الجواهر ١٠ : ٢٥٤.

(٥) لاحظ أمالي الصدوق : ٧٤١ / ١٠٠٦.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

كما نسب الخلاف إلى ابن الجنيد (١) أيضاً ، وأنّه يرى الاكتفاء بها في أحد التشهّدين ، وهو أيضاً شاذ كسابقه.

وعلى أيّ حال فلا ينبغي الإشكال في قيام التسالم وانعقاد الإجماع على الحكم ، بل تدل عليه جملة وافرة من النصوص المتضمِّنة عدم قبولية الصلاة بدونها المرويّة من فرق الخاصّة والعامّة.

منها : ما رواه الشيخ في الصحيح بسنده عن أبي بصير وزرارة جميعاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه «قال : مِن تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إن تركها متعمِّداً ، ومن صلّى ولم يصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وترك ذلك متعمِّداً فلا صلاة له ، إنّ الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة فقال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى)» (٢) وروى الشيخ أيضاً مثله بسنده عن أبي بصير عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

هذا ، وقد روى صاحب الوسائل رواية أُخرى عن الصدوق بسنده عن أبي بصير وزرارة جميعاً قالا في حديث «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من تمام الصلاة إذا تركها متعمِّداً فلا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ...» الحديث (٤) وهي مضافاً إلى اشتمالها على التكرار الّذي لم يعرف وجهه غير موجودة في الفقيه بهذه الألفاظ

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٤١٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٧ / أبواب التشهّد ب ١٠ ح ٢ [لم يرد الحديث في كتب الشيخ بهذا السند].

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٩ / ٦٢٥ و ٤ : ١٠٨ / ٣١٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٧ / أبواب التشهّد ب ١٠ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١١٩ / ٥١٥.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما الموجود هي الرواية السابقة التي نقلها عنه صاحب الوسائل في باب ١ من زكاة الفطرة حديث ٥ (١). نعم ، قال في الحدائق : وظنّي أنِّي وقفت عليه في الكتاب المذكور حين قرأ بعض الاخوان عليّ الكتاب المذكور ولكن لا يحضرني موضعه الآن (٢).

لكن الظاهر أنّ نسبة هذه الرواية إلى الصدوق مبنية على السهو وليست للصدوق رواية أُخرى تختص بالصلاة ، فذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في المقام ونسبتها إليه سهو من قلمه الشريف سيّما مع ذكر الرواية الأُولى عقيبها مقتصراً في نسبتها إلى الشيخ مع وجودها في الفقيه أيضاً كما نقلها عنه في كتاب الزكاة على ما عرفت. وكيف ما كان فلا ينبغي الشك في أنّه ليست هناك إلّا رواية واحدة نقلها الشيخ بطريقين ، والصدوق بطريق واحد وهي الرواية السابقة.

إنّما الكلام في دلالتها على الوجوب ، وقد نوقش فيها من وجوه :

أحدها : الاشتمال على التشبيه المقتضي للمساواة في وجه الشبه ، وحيث إنّ الحكم في الصوم مبني على نفي الكمال بلا إشكال فكذا في الصلاة فلا تدل على نفي الصحّة فيها. بل قال بعضهم إنّ التفكيك بين المشبه والمشبّه به بالحمل على متمِّم الذات في أحدهما ومتمِّم الكمال في الآخر مستبشع جدّاً.

وهذا الاشكال مذكور في كلمات القوم ، وجوابه هو ما ذكره المحقِّق الهمداني (٣) وصاحب الحدائق (٤) (قدس سرهما) من عدم الضير في ذلك ، ولا بشاعة في التفكيك الثابت من قرينة خارجية ، غايته حمل الكلام على ضرب من التجوّز

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣١٨.

(٢) الحدائق ٨ : ٤٥٩.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٦٧ السطر ١٥.

(٤) الحدائق ٨ : ٤٥٩.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والمبالغة ، فان ظاهر الصحيحة أنّ الحكم في المشبّه به ، أعني الصلاة التي هي مبنى الاستدلال أمر مسلّم مفروغ عنه ، وأنّ اعتبار الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في صحّتها شي‌ء ثابت لا ينكر وقد شبّه الصِّيام بها ، وظاهره أنّه مثلها في اعتبار الزكاة في صحّتها غير أنّه قد ثبت من الخارج اعتبارها في الكمال دون الصحّة ، فمن أجل ذلك يحمل الاعتبار في المشبّه الظاهر في الصحّة على التأكيد والمبالغة ، إذ لا يعتبر أن يكون المشبّه كالمشبّه به في تمام الجهات بل من الجائز أن يكون وجه الشبه في المشبّه به حقيقياً ، وفي المشبّه مجازياً.

وقد وقع نظيره في المنع عن التطوّع في وقت الفريضة قياساً على صوم النافلة لمن عليه الفريضة ، ففي صحيحة زرارة بعد منعه عليه‌السلام عن التنفل في وقت الفريضة قال عليه‌السلام : «أتريد أن تقايس ، لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تطوّع ، إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» (١) فانّ المنع في المقيس عليه وهو الصوم مسلّم لا شبهة فيه ، وليس كذلك في المقيس لجواز التنفّل في وقت الفريضة ، غير أنّ الأفضل البدأة بها إذا بلغ الفي‌ء الذراع لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (٢).

وعلى الجملة : ظاهر التشبيه هو الاتِّحاد والمساواة بين المشبّه والمشبّه به في أنّ الاعتبار في كليهما من حيث الدخل في الصحّة ، لكن ثبت من الخارج خلافه بالإضافة إلى المشبّه وأنّ إعطاء الزكاة من كمال الصوم لا من مقوّماته ، ولم يثبت هذا في المشبّه به وهو الصلاة فيحمل الاعتبار في الأوّل على ضرب من التجوز والمبالغة ، وأنّ نفي الصوم عمّن لم يزك نظير نفي الصلاة في قوله (عليه

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٦٤ / أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ٤ : ١٤١ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) : لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد (١). وأمّا في الثاني فيبقى النفي على ظاهره من الحمل على المعنى الحقيقي المساوق لنفي الذات الكاشف عن الدخل في الصحّة ، وأنّ الصلاة الفاقدة للصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حكم العدم ومحكومة بالبطلان ، لعدم الموجب للتصرّف في هذا الظهور بعد عدم ثبوت خلافه من الخارج ، وقد عرفت عدم اعتبار المساواة بين المشبّه والمشبّه به من تمام الجهات.

الثاني : أنّ غايتها الدلالة على وجوب الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دون الآل لعدم التعرّض لذلك.

والجواب عنه ظاهر ، فانّ هذه الصحيحة وغيرها من بعض روايات الباب وإن لم تدل عليه إلّا أنّه قد ثبتت الملازمة الخارجية بينهما المستفادة من جملة وافرة من النصوص المرويّة من طرق العامّة والخاصّة وفي بعضها النهي عن الصلاة البتراء ، وهي بأجمعها مذكورة في باب ٤٢ من الذكر من كتاب الوسائل (٢) ، وذكر أكثرها السيوطي (٣) وغيره من العامّة ، حتّى أنّ ابن حجر وهو من أنصب النصاب روى في صواعقه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه «قال : لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء؟ قال : تقولون اللهمّ صلّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» (٤).

فالمستفاد من هذه النصوص تبعية الآل ودخول العترة في كيفية الصلاة

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٩٤ / أبواب أحكام المساجد ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٠١ / أبواب الذكر ب ٤٢.

(٣) الدرّ المنثور ٦ : ٦٤٦.

(٤) الصواعق المحرقة : ٢٢٥.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه وأنّه كلّما ورد الأمر بالصلاة عليه لا تتأدّى الوظيفة إلّا مع ضمّ الآل ولا يجزئ تخصيصه بالصلاة وحده ، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

وهذه الملازمة بمكان من الوضوح لدى الفريقين حتّى قال الشافعي ونعم ما قال :

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (١)

غير أنّ بعض المعاندين من النصّاب (خذلهم الله تعالى) أصرّوا على تركه عناداً للحق وأهله ، وقد ذكر الصدوق (٢) عن بعض مشايخه وهو الضبي (ضاعف الله في عذابه) أنِّي ما رأيت أنصب منه كان يقول : اللهمّ صلّ على محمّد منفرداً (بقيد الانفراد).

وكيف ما كان ، فهذه النصوص إن دلّت على النهي عن التفكيك وحرمة الصلاة عليه من دون ضمّ الآل ، ويؤكِّده التعبير بـ «أبعده الله» في لسان بعضها فالأمر واضح ، وإلّا فلا أقل من دلالتها على عدم الأمر بالصلاة عليه وحده وأنّه مهما تعلّق الأمر بالصلاة عليه فلا ينفك عن ضمّ الآل ولا يتحقّق بدونه الامتثال. على أنّ الحكم من المتسالم عليه بين الأصحاب ولا قائل بالفصل من أحد.

الثالث : أنّه لا دلالة فيها على تعيين الموضع ولزوم الصلاة في كلا التشهّدين فلا تدل إلّا على الاجتزاء بها في أحدهما كما هو مذهب ابن الجنيد (٣).

والجواب : أنّا لو كنّا نحن وهذه الصحيحة مع الإغماض عن القرائن

__________________

(١) ديوان الإمام الشافعي : ١١٥.

(٢) عيون أخبار الرِّضا ٢ : ٢٧٩ / ٣.

(٣) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٤١٢.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارجية لما دلّتنا على مذهب ابن الجنيد أيضاً فضلاً عن مسلك المشهور ، إذ لا إشعار فيها بنفسها على تعيين الموضع فضلاً عن الدلالة ، إذ غايتها الأمر بالصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أثناء الصلاة وعدم خلوّها عنها ، فلتكن هي في ضمن الركوع أو السجود ونحوهما ، إلّا أنّه بعد ملاحظة القرينة الخارجية وهي السيرة القطعية والتعارف المعهود من المتشرِّعة خلفاً عن سلف القائم على أنّ محلّها التشهّدان معاً لا غيرهما المؤيّد بالمرسلتين الواردتين في كيفيّة صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المعراج (١) يتمّ المطلوب ويصحّ الاستدلال بها على المسلك المشهور.

وهذا نظير الأمر بالقراءة في الصلاة بقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢) ، أو كل صلاة لا فاتحة فيها فهي خداج (٣) ونحو ذلك ، فإنّه وإن لم يعيِّن موضع القراءة في هذه النصوص إلّا أنّه مستفاد من التعارف الخارجي الموجب لانصراف الأمر إلى ما هو المعهود المتعارف المتداول بين المصلِّين.

والمتحصِّل من جميع ما سردناه : أنّ الصحيحة ظاهرة الدلالة على وجوب الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله في التشهّدين ، لسلامتها عن جميع تلك المناقشات.

ويتأكّد الوجوب ويتأيّد : برواية الأحول «قال : التشهّد في الركعتين الأوّلتين : الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وتقبّل شفاعته وارفع درجته» (٤)

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٦٥ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠ ، ١١ [ولكنّ الروايتين مسندتان].

(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة ب ١ ح ٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٩ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٦.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ١.

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّها وإن كانت ضعيفة السند من جهة الأحول ، ومن هنا ذكرناها بعنوان التأييد ، إلّا أنّها ظاهرة الدلالة على الوجوب.

والمناقشة فيها باشتمالها على المستحب ساقطة ، لما مرّ غير مرّة من عدم دلالة اللفظ على الوجوب أو الاستحباب وإنّما هما مستفادان من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الترك وعدمه ، وحيث اقترن الحديث بالترخيص في بعض فقرأته الثابت من الخارج ولم يقترن في غيرها فيستقل العقل فيما عدا الثابت بالوجوب الّذي هو اعتبار نفسي متعلِّق بجعل المادّة على ذمّة العبد وعاتقه من دون أن يكون ذلك مدلولاً للفظ نفسه كي يقتضي الاختلاف من جهة استعماله في الوجوب والاستحباب.

وبهذا البيان تظهر صحّة الاستدلال على وجوب الصلاة بموثقة أبي بصير الطويلة (١) فإنّها وإن اشتملت على جملة من المستحبّات ، لكن الترخيص في تركها قد ثبت من الخارج ولم يثبت فيما عداها ، فيستقل العقل بالوجوب فالجواب عن المناقشة السابقة الجارية في المقام هو الجواب بعينه.

بقي الكلام في جملة من الروايات التي قد يستدلّ بها على عدم الوجوب ومن المظنون بل المطمأن به أنّ الصدوق ووالده اعتمدا عليها في الحكم بالاكتفاء بالشهادتين وعدم وجوب الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فمنها : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فان كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته فسلّم وانصرف أجزأه» (٢).

وفيه : أنّه لا تعارض بينها وبين النصوص المتقدِّمة ، بل إنّ صحيحة زرارة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٣ / أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٢.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

السابقة حاكمة عليها ، لدلالتها على أنّ الصلاة على النبيّ وآله من متمِّمات الصلاة وأنّه لا صلاة بدونها ، فغاية ما هناك إطلاق هذه الصحيحة من حيث الاشتمال على الصلاة وعدمه فيقيّد بتلك الصحيحة وغيرها الناطقة بوجوب الصلاة عليهم.

بل يمكن أن يستفاد من تلك الصحيحة وغيرها أنّ الشهادتين اسم لما يشتمل عليها ، وأنّها جزء من التشهّد ومعتبرة في كيفيّته ، وعليه فلا يتحقّق الفراغ من الشهادتين إلّا بالفراغ عنها فلا تعارض بوجه.

وأمّا قوله عليه‌السلام في الذيل «أجزأه» فالمراد الإجزاء عن بقيّة الأدعية والأذكار لا عن الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بداهة أنّ الاستعجال مهما كان فهو لا ينافي الإتيان بها ، إذ هي لا تستوعب من الوقت إلّا ثواني قليلة.

هذا ، ومع الإغماض عن جميع ما ذكرناه فلا شك أنّ الصحيحة موردها الاستعجال ، فيمكن الالتزام بسقوط الصلاة في خصوص هذا المورد ، فغايته أن لا تكون هي في عرض التشهّد في ملاك الوجوب ، وأنّ مرتبته ضعيفة تسقط بمجرّد الاستعجال كما هو الحال في السورة على ما سبق في بحث القراءة من عدم المنافاة بين الوجوب وبين السقوط لدى العجلة.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام التشهّد في الصلوات؟ قال : مرّتين ، قال قلت : كيف مرّتين؟ قال : إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ثمّ تنصرف ...» إلخ (١) وجوابها يظهر ممّا مرّ في الصحيحة السابقة من أنّ غايتها الإطلاق ، فيقيّد بالنصوص المتقدِّمة الدالّة على اعتبار الصلاة على

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٧ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهّد ، بل قال بعضهم : إنّ في التعبير بـ «ثمّ» في قوله «ثمّ تنصرف» المشعر بالتراخي ، إيماءً بوجود فاصل بين التشهّد والتسليم وهو الإتيان بالصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومنها : صحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ما يجزئ من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال : أن تقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، قلت : فما يجزئ من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال : الشهادتان» (١).

والجواب عنها أوّلاً : أنّها مسوقة لبيان الوجوب من ناحية الشهادة وليست بصدد البيان من ناحية الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله التي هي واجب آخر ، فلا ينعقد لها الإطلاق كي يتمسّك به لنفي الوجوب.

وثانياً : مع التسليم فغايتها الإطلاق ، فيقيّد بما دلّ على الوجوب كما مرّ.

ومنها : صحيحته الأُخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد ، قال : ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلِّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (٢) والاستشهاد إنّما هو بالفقرة الأخيرة حيث دلّت على عدم قادحية الحدث الواقع بعد الشهادتين المنافي لوجوب الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والجواب أوّلاً : أنّ دلالتها إنّما هي بالإطلاق وهو قابل للتقييد بوقوع الحدث بعدها.

وثانياً : أنّه لا مجال للعمل بها ، لدلالتها على عدم قدح الحدث الواقع أثناء

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٩٦ / أبواب التشهّد ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهّد ب ١٣ ح ١.

٢٦٠