موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

أقسام الحدث من الأصغر والأكبر وما يختص بالنِّساء وما لا يختص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنباً ، وإن كانت المرأة لا تصلِّي» (١).

لكنّها ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني فإنّه لم يوثق فلا يعتمد عليها.

ومنها : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من نوادر أحمد بن أبي نصر البزنطي بإسناده عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : من قرأ السجدة وعنده رجل على غير وضوء ، قال : يسجد» (٢). وعن علي بن رئاب عن الحلبي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام يقرأ الرجل السجدة وهو على غير وضوء؟ قال : يسجد إذا كانت من العزائم» (٣).

ولا يمكن الاعتماد عليهما أيضاً ، فإنّ السند وإن كان صحيحاً ، إذ رجاله كلّهم ثقات ، ولعلّه من أجله عبّر عنهما في الحدائق بالصحيحة (٤) ، إلّا أنّ طريق ابن إدريس إلى كتاب البزنطي مجهول لدينا مع الفصل الطويل بينهما فيكونان في حكم المرسل.

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : يقدّم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو وقد تمّت صلاتهم» (٥) وأوردها أيضاً

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٠ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤١ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٥ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٥٥٧.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٤١ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٦ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٥٥٥.

(٤) الحدائق ٨ : ٣٢٨ [ولكن وصف رواية الحلبي بالصحّة فقط].

(٥) الوسائل ٦ : ٢٤٠ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٤.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

في باب ٤٠ من أبواب القراءة حديث ٥ بتبديل «فيتشهّد ويسجد» إلى قوله «فيسجد ويسجدون» (١).

ولكنّها من أجل تضمّنها جواز قراءة الإمام للعزيمة وسجود المأمومين للتلاوة مع أنّها زيادة عمديّة وتماميّة صلاتهم ، وكل ذلك على خلاف المذهب فلا مناص من حملها على التقيّة ، لموافقتها للعامّة (٢) فلا يمكن الاعتماد عليها وإن صحّ سندها.

ومنها : مرسلة الدعائم قال فيها : «ويسجد وإن كان على غير طهارة» (٣).

وضعفها ظاهر. فظهر لحدّ الآن أنّ شيئاً من هذه الأخبار غير صالح للاستدلال لضعفها سنداً ودلالة.

واستدلّ أيضاً بصحيحة الحذاء قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها (٤). وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في حديث : «والحائض تسجد إذا سمعت السجدة» (٥) فاذا ثبت الحكم في حدث الحيض ثبت في بقية الأحداث قطعاً ، لعدم احتمال الفرق وعدم القول بالفصل. وهاتان الروايتان لا بأس بالاستدلال بهما ، لتماميتهما من حيث السند والدلالة.

إلّا أنّ بإزائهما صحيحة عبد الرّحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٥.

(٢) بدائع الصنائع ١ : ١٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٦ ، المغني ١ : ٦٨٩.

(٣) الدعائم ١ : ٢١٥ ، المستدرك ٤ : ٣١٨ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٥ ح ٢.

(٤) ، (٥) الوسائل ٢ : ٣٤٠ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ١ ، ٣.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السجدة؟ قال : تقرأ ولا تسجد» (١). هكذا رواها في التهذيب (٢) ، لكن عن الاستبصار «لا تقرأ ولا تسجد» (٣) والظاهر أنّ نسخة التهذيب هي الصحيحة بقرينة الروايات الكثيرة المصرّحة بجواز قراءتها القرآن ما عدا العزائم (٤). وكيف ما كان ، فهي صريحة في نفي السجدة عنها.

ونحوها موثقة غياث : «لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة» (٥) ومن هنا ذهب المفيد والشيخ في النهاية (٦) وابن الجنيد (٧) إلى حرمة السجود على الحائض عملاً بظاهر النهي ، لكنّه ساقط جزماً لاستلزامه طرح الصحيحة والموثقة المتقدِّمتين الظاهرتين في الوجوب بلا موجب ، ولا أقل من الجمع بالحمل على الاستحباب كما صنعه الشيخ (٨). فالأمر في المقام دائر بين الوجوب أو الاستحباب ، ولا يحتمل الحرمة قطعا.

وعلى الجملة : فهذه الصحيحة معارضة لصحيحة الحذاء فلا بدّ من التصدِّي لوجه الجمع بينهما ، وقد قيل في تقرير الجمع وجوه :

أحدها : ما سمعته من الشيخ من الحمل على الاستحباب ، بدعوى أنّ النهي الوارد في هذه الصحيحة لمكان وقوعه موقع توهّم الإيجاب فلا يدل إلّا على جواز الترك دون المنع ، ولأجله يحمل الأمر الوارد في صحيحة الحذاء الظاهر

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤١ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٢.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩٣.

(٤) الوسائل ٢ : ٢١٥ / أبواب الجنابة ب ١٩.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٤٢ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٥.

(٦) المقنعة : ٥٢ ، النهاية : ٢٥.

(٧) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٨٥ المسألة ١٠٣.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ، ١ : ١٢٩.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في الوجوب على الاستحباب جمعاً كما هو الشأن في أمثال المقام ، واستحسنه من تأخّر عنه.

ولكنّه لا يتم وإن صدر عن الشيخ (قدس سره) لاقتران القراءة بالسجود في السؤال المانع عن انقداح شبهة الوجوب في ذهن السائل كي يكون النهي واقعاً موقع توهّم الإيجاب ويكون ظاهراً في الجواز حينئذ ، إذ لا مقتضي لتوهّم الوجوب بالإضافة إلى القراءة بوجه كما لا يخفى. فانضمام القراءة يستوجب أن يكون السؤال عن الجواز لا محالة دون الوجوب ، وكأنّ الداعي للسؤال تخيّل السائل المنع عن القراءة والسجود بمناط واحد وهو كونهما من أجزاء الصلاة الممنوعة عنها الحائض ، وإن كان الجواز لو ثبت ملازماً للوجوب بالإضافة إلى السجدة إذا كانت عزيمة.

وعليه فلا مقتضي لصرف النهي الوارد في الجواب عن ظاهره من المنع وحمله على عدم الوجوب ، إذ لا قرينة عليه بوجه فتستقر المعارضة بين الصحيحتين لا محالة ، ولا مجال للحمل على الاستحباب من غير فرق فيما ذكرناه بين أن تكون النسخة «تقرأ» أو «لا تقرأ» كما لا يخفى.

الثاني : ما ذكره صاحب الوسائل (١) ونفى عنه البُعد في الحدائق (٢) من حمل النهي في صحيحة عبد الرّحمن على الاستفهام الإنكاري.

وهذا أضعف من سابقه ، إذ فيه أوّلاً : أنّ الحمل على الإنكار خلاف الظاهر جدّاً لا يصار إليه من غير قرينة. مع عدم وضوح الفرق بينه وبين غيره في المقام إلّا من ناحية اللهجة وكيفية الأداء ، وفتح باب هذا الاحتمال يستلزم الخلل في استفادة الحكم من غير واحد من الأخبار.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤١ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ٤.

(٢) الحدائق ٨ : ٣٣٦.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانياً : أنّه غير محتمل في خصوص المقام ، إذ لم يكن حكم القراءة مسلّماً عند السائل حتّى يستنكر الإمام عليه‌السلام التفكيك بينه وبين السجود وإنّما سأل عن حكمهما بنفس هذا السؤال وقد صدر الحكم فعلاً من دون أن يكون معلوماً قبلاً ، فأيّ معنى للاستفهام الإنكاري والحال هذه.

وثالثاً : أيّ ملازمة بين الأمرين حتّى يستنكر التفكيك ، إذ من الجائز مشروعية القراءة للحائض لعدم كونها من مقوّمات الصلاة بل هي من السنّة كما ورد أنّ القراءة سنّة (١) بخلاف السجود فإنّه مقوّم لها فيسقط بتبعها ، وحيث إنّ الصلاة ممنوعة عن الحائض فكذا السجود المقوّم لها. فأيّ مجال للإنكار بعد وضوح الفرق وعدم التلازم في السقوط والثبوت.

ومن هنا ذكر في منتقى الجمان (٢) وجهاً آخر للجمع وهو :

الوجه الثالث : بدعوى أنّ صحيحة الحذاء موردها خصوص العزيمة بخلاف صحيحة عبد الرّحمن فإنّها مطلقة فتحمل على غير العزيمة جمعاً.

ولكن هذا أيضاً لا يتم وإن استحسنه بعض مدّعياً أنّه أوفق بالجمع العرفي.

إذ فيه أوّلاً : أنّ الظاهر من صحيحة عبد الرّحمن أنّ لحدث الحيض خصوصية تستوجب سقوط السجدة مطلقاً ، وأنّ الحائض تمتاز عن غيرها في ذلك ، وإلّا فالتفصيل بين العزائم وغيرها أمر عام يشترك فيه جميع المكلّفين من غير فرق بين الحائض وغيرها فيلزم اللغوية في هذا العنوان. مع أنّ ظاهرها أنّ الوصف العنواني هو الموضوع للحكم وحيثية الحيض هي الدخيلة في المنع.

وثانياً : أنّ نتيجة هذا الجمع هو التفصيل في الحائض بين العزيمة فيجب

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٩١ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٥.

(٢) منتقى الجمان ١ : ٢١٢.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبين غيرها فيحرم على ما هو ظاهر النهي ، وهذا كما ترى ولم يقل به أحد فلا يمكن الالتزام به. وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن :

الوجه الرابع : الّذي ذكره بعضهم من حمل هذه الصحيحة على السماع وصحيحة الحذاء على الاستماع ، بشهادة صحيحة عبد الله بن سنان المتقدِّمة (١) المصرّحة بهذا التفصيل.

إذ فيه : ما عرفت من لزوم اللغوية في صفة الحيض ، فانّ السقوط لدى السماع تشترك فيه الحائض وغيرها كالوجوب عند الاستماع. مضافاً إلى أنّ لازمه القول بأنّ الحائض يجب عليها السجود عند الاستماع ويحرم مع السماع وهذا ممّا لم يقل به أحد.

والمتحصِّل من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن : أنّ جميع هذه الوجوه المقرّرة لكيفية الجمع ساقطة ولا يمكن المساعدة على شي‌ء منها.

فالإنصاف : استقرار المعارضة بين الطائفتين وامتناع التوفيق على نحو يعدّ من الجمع العرفي ، لظهور الطائفة الاولى في الوجوب ، والثانية في المنع ، ولا يتيسّر في مثله الجمع من غير شاهد ، ولا شاهد كما عرفت.

إلّا أنّ الأقوى مع ذلك كلّه وجوب السجدة على الحائض كغيرها لدى استماع العزائم ، ولا تعتبر الطهارة في هذه السجدة عن أيّ حدث حتّى الحيض كما عليه المشهور ، وذلك أمّا بناءً على الالتزام في الخبرين المتعارضين بالتساقط والرجوع ابتداء إلى العام الفوق أو الأصل العملي من دون اعتناء بالمرجحات السندية المقرّرة في محلِّها لعدم تماميتها ، فالأمر ظاهر ، إذ المرجع حينئذ العمومات المتقدِّمة المتضمِّنة لوجوب السجدة عند سماع العزيمة الشاملة

__________________

(١) في ص ١٩٢.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بإطلاقها للحائض وغيرها السليمة عمّا يصلح للتقييد ، إذ المقيّد وهي صحيحة عبد الرّحمن بنفسه مبتلى بالمعارض كما هو المفروض فوجوده كعدمه.

وأمّا بناءً على إعمال قواعد الترجيح كما هو الصحيح على ما بيّناه في مبحث التعادل والتراجيح (١) ، فالترجيح مع صحيحة الحذاء لموافقتها مع السنّة القطعيّة إذ الأخبار الدالّة ولو بإطلاقها على وجوب السجود على الحائض كثيرة جدّاً بحيث يقطع بصدور بعضها عن المعصوم عليه‌السلام على سبيل التواتر الإجمالي وموافقة الكتاب والسنّة من المرجّحات. هذا أوّلا.

وثانياً : مع الغض عن ذلك فهي مخالفة للعامّة ، إذ المعروف عند أكثر الجمهور اشتراط الطهارة من الحدثين (٢) كما ذكره في الحدائق (٣) نقلاً عن المنتهي (٤). فتحمل صحيحة عبد الرّحمن على التقيّة ، وقد ذكرنا في محله انحصار المرجّح السندي في أمرين موافقة الكتاب والسنّة أوّلاً ، ثمّ مخالفة العامّة. وقد عرفت وجود كلا المرجحين في صحيح الحذاء.

هذا كلّه في حدث الحيض ، وكذا الحال في الجنابة فلا تعتبر الطهارة عنها بلا إشكال ولا خلاف ، ويقتضيه الأصل والإطلاقات المؤيّدة بخبر أبي بصير المتقدِّم (٥) المصرح بالوجوب وإن كان جنباً ، غير أنّه ضعيف السند باعتبار عليّ بن أبي حمزة فلا يصلح إلّا للتأييد.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٤٠٤.

(٢) المجموع ٤ : ٦٣ ، المغني ١ : ٦٨٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٤.

(٣) الحدائق ٨ : ٣٣٦.

(٤) المنتهى ١ : ٣٠٥ السطر ١٢.

(٥) الوسائل ٦ : ٢٤٠ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٢.

٢٢٧

ولا من الخبث (١) فتسجد الحائض وجوباً عند سببه ، وندباً عند سبب الندب وكذا الجنب ، وكذا لا يعتبر فيه الاستقبال (٢)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ، ويدلُّ عليه بعد الإجماع : الأصل والإطلاقات. ويمكن استفادة الحكم من صحيحة الحذاء وغيرها من نصوص الحائض ، لعدم خلوّها عن الخبث غالباً بل لعلّه دائماً.

(٢) بلا خلاف بل إجماعاً كما عن غير واحد ، ويقتضيه الأصل والإطلاقات. نعم ، قد يستشعر أو يستظهر الاعتبار من رواية الحلبي المتقدِّمة (١) المرويّة عن علل الصدوق باب ٤٩ قراءة القرآن المسوّغة للسجدة على ظهر الدابة ، معلِّلاً بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلِّي على ناقته مستشهداً بقوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٢) حيث يظهر منها لزوم مراعاة الاستقبال لو كان ساجداً على وجه الأرض.

لكن الرواية ضعيفة السند من أجل جعفر بن محمّد بن مسرور شيخ الصدوق فإنّه مجهول ، وقد مرّ البحث حوله مستقصى. كما أنّها قاصرة الدلالة على المطلوب ، للقطع بإرادة النافلة من صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقته لعدم صحّة الفريضة عليها اختياراً بلا إشكال ولا كلام كما يشهد به الاستشهاد بالآية المباركة الواردة في نصوص التنفل على الدابة حال السير (٣) ، وإلّا فلا شك في لزوم مراعاة الاستقبال في الفريضة لدى الاختيار على ما يقتضيه قوله تعالى (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (٤) وعليه فيكشف بمناسبة الحكم والموضوع

__________________

(١) في ص ٢١٦.

(٢) البقرة ٢ : ١١٥.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٢٨ / أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٨ ، ١٩ ، ٢٣.

(٤) البقرة ٢ : ١٤٤.

٢٢٨

ولا طهارة موضع الجبهة ، ولا ستر العورة ، فضلاً عن صفات الساتر (١) من الطهارة ، وعدم كونه حريراً أو ذهباً أو جلد ميتة ، نعم يعتبر أن لا يكون لباسه مغصوباً إذا كان السجود يعدّ تصرّفاً فيه (١) (٢).

______________________________________________________

عن إرادة السجدة المندوبة من السجود على ظهر الدابّة دون العزيمة ، أو يقال إنّ السجدة وإن كانت عزيمة إلا أنّ حالها كالنافلة فكما أنّ الأفضل رعاية الاستقبال فيها وإن لم يكن معتبراً ، فكذا السجدة كما هو قضيّة التعليل والاستشهاد بالآية فلا تدل على الوجوب ، بل غايته الرجحان.

(١) كل ذلك للأصل وإطلاق النصوص بعد قصور المقتضي ، لاختصاص أدلّة هذه الأُمور بالسجود الصلاتي وعدم الدليل على التعدِّي إلى المقام ، مضافاً إلى عدم الخلاف فيها.

(٢) أمّا اعتبار إباحة المكان الّذي أشار (قدس سره) إليه في هذه المسألة فلا إشكال فيه بعد وضوح أنّ السجدة واجب عبادي ، فانّ الحرام لا يتقرّب به ولا يكون مصداقاً للواجب كما هو الحال في سجود الصلاة ، لوحدة المناط واشتراك الدليل.

وأمّا إباحة اللِّباس ، فقد حكم (قدس سره) باعتبارها فيما إذا عدّ السجود تصرّفاً فيه ، وهذا متين بحسب الكبرى ، لعين ما عرفت في المكان ، إلّا أنّ الظاهر أنّه لا مصداق له خارجاً ، إذ لا يعدّ السجود تصرّفاً في اللِّباس بوجه ، فإنّه متقوّم بوضع الجبهة على الأرض ولا مساس لهذا بالتصرّف في اللِّباس والهوي إليه وإن استلزمه إلّا أنّه مقدّمة خارجية أجنبية عن حقيقة السجود المتقوّم بما عرفت.

__________________

(١) ولكنّه لا يعدّ.

٢٢٩

[١٦٤٨] مسألة ١٧ : ليس في هذا السجود تشهّد ولا تسليم (١) ولا تكبير افتتاح ، نعم يستحب التكبير للرفع منه ، بل الأحوط عدم تركه.

______________________________________________________

(١) ويدلُّ عليه فيهما بعد الإجماع الّذي ادّعاه غير واحد : الأصل والإطلاق وكذا الحال في تكبيرة الافتتاح ، بل لم تكن مشروعة ، للنهي في صحيحة عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبِّر قبل سجودك ، ولكن تكبِّر حين ترفع رأسك» (١). وموثقة سماعة : «إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبِّر حتّى ترفع رأسك» (٢) وظاهر النهي المنع ونفي التشريع.

إنّما الكلام في التكبير بعد رفع الرأس منه ، ولا شبهة في مشروعيته للأمر به في جملة من النصوص التي منها ما عرفت ، وهل هو مستحب أم واجب؟ المشهور هو الأوّل ، وذهب جماعة إلى الثاني.

ويستدل للوجوب بظاهر الأمر الوارد في طائفة من الأخبار التي منها : صحيحة ابن سنان ، وموثقة سماعة المتقدِّمتان آنفاً. ومنها : ما رواه المحقِّق في المعتبر نقلاً من جامع البزنطي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «في من يقرأ السجدة من القرآن من العزائم ، فلا يكبِّر حين يسجد ولكن يكبِّر حين يرفع رأسه» (٣).

ومنها : مرسلة الصدوق : «... ثمّ يرفع رأسه ثمّ يكبِّر» (٤) وظاهر الأمر الوجوب.

إلّا أنّ بإزاء هذه النصوص الأربعة ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٦ : ٢٣٩ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ١ ، ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٤٢ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ١٠ ، المعتبر ٢ : ٢٧٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٤٥ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٠٠ / ٩٢٢.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

من كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسنده عن مصدّق عن عمار قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال : ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت» (١) حيث تضمّنت صريحاً نفي التكبير قبل السجود وبعده.

ومن هنا حمل المشهور الأمر الوارد في تلك النصوص على الاستحباب جمعاً بينها وبين هذه الرواية كما هو مقتضى الصناعة في نظائر المقام.

ولكنّه لا يتم ، لضعف الرواية من أجل علي بن خالد الواقع في السند فإنّه لم يوثق ، وأمّا التضعيف من أجل جهالة طريق ابن إدريس إلى أرباب المجامع والكتب كما سبق منّا مراراً ، فهو وإن كان وجيهاً ولا يجدي اعتماده على القرائن القطعية بناءً منه على عدم العمل بأخبار الآحاد ، إذ هو لا يستوجب القطع بالإضافة إلينا ، سيّما بعد ما نشاهده من اشتمال كتاب السرائر على خبط وتشويش فتراه ينقل عن رأو ثمّ عمّن هو متقدِّم عليه بكثير بحيث يمتنع روايته عنه ـ إلّا أنّه يستثني من ذلك خصوص ما يرويه عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب الّذي يروي عنه هذه الرواية فإنّ طريقه إليه صحيح ، لتصريحه في السرائر بأنّ ما يرويه عن هذا الكتاب قد وجده بخطّ الشيخ (قدس سره) (٢) إذ من المعلوم قرب عهده بعصر الشيخ بما لا يزيد على مائة سنة ، وواضح أنّ خط الشيخ وهو شيخ الطائفة حقّا ومن رؤساء المذهب المعروفين المشهورين كان يعرفه كل من قارب عصره ولم يكن معرضاً للاختفاء والالتباس ، إذن فيطمئن عادة بأنّ الخط الّذي رآه كان خطّه بنفسه ، وحيث إنّ طريقه إلى ابن

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٦ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ٣ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٦٠٥.

(٢) السرائر ٣ (المستطرفات) : ٦٠١.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

محبوب صحيح ، فيعتمد على ما يرويه عن خصوص هذا الكتاب. فالعمدة في وجه الضعف ما عرفت. إذن فتبقى تلك النصوص سليمة عمّا يوجب صرفها عن ظاهرها وهو الوجوب.

والتحقيق : قصور المقتضي للوجوب في حدّ نفسه ، لضعف تلك النصوص من جهة الدلالة أو السند على سبيل منع الخلو.

أمّا صحيحة عبد الله بن سنان فقاصرة الدلالة على الوجوب ، لمسبوقية الأمر بالتكبير بعد السجود بالنهي عنه قبله ، ومن الواضح أنّ الأمر المتعلِّق بشي‌ء الواقع عقيب النهي عن ذاك الشي‌ء لا يدل إلّا على الجواز والإباحة دون الوجوب.

وأوضح حالاً : موثقة سماعة ، لعدم تضمنها الأمر من أصله ، وإنّما اشتملت على تحديد النهي برفع الرأس قال عليه‌السلام : «ولا تكبِّر حتّى ترفع رأسك ...» ومقتضى مفهوم الغاية ارتفاع النهي عند حصول الغاية وهي رفع الرأس لا تعلّق الأمر كي يقتضي الوجوب ، فغايتها الإباحة وجواز التكبير عندئذ دون الوجوب.

وأمّا رواية محمّد بن مسلم فهي ضعيفة السند والدلالة. أمّا السند ، فلجهالة طريق المحقِّق (١) إلى جامع البزنطي بعد وجود الفصل الطويل فتلحق بالمراسيل.

وأمّا الدلالة ، فلعين ما مرّ في صحيحة ابن سنان لتقارب المتنين فلاحظ.

وأمّا مرسلة الصدوق ، فهي وإن كانت أقوى دلالة من الكل ، لسلامتها عن تلك المناقشات ، إلّا أنّ ضعفها من جهة الإرسال يمنع عن الاعتماد عليها.

فتحصّل ممّا سردناه : أنّ الأقوى عدم الوجوب وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

__________________

(١) ولكنّه (دام ظلّه) بني أخيراً على صحّة الطريق.

٢٣٢

[١٦٤٩] مسألة ١٨ : يكفي فيه مجرّد السجود ، فلا يجب فيه الذكر (١) وإن كان يستحب ، ويكفي في وظيفة الاستحباب كلّ ما كان ، ولكن الأولى أن يقول : سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقّاً لا مستكبراً عن عبادتك ولا مستنكفاً ولا مستعظماً بل أنا عبد ذليل خائف مستجير. أو يقول : لا إله إلّا الله حقّا حقّا ، لا إله إلّا الله إيماناً وتصديقاً ، لا إله إلّا الله عبودية ورقاً ، سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقاً ، لا مستنكفاً ولا مستكبراً ، بل أنا عبد ضعيف ذليل خائف مستجير. أو يقول : إلهي آمنّا بما كفروا ، وعرفنا منك ما أنكروا وأجبناك إلى ما دعوا ، إلهي فالعفو العفو. أو يقول ما قاله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في سجود سورة العلق وهو : أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك.

______________________________________________________

(١) لم يتعرّض القدماء للذكر والدُّعاء في هذه السجدة أصلاً ، ولذا ترى المحقِّق قد أهمله في الشرائع (١) ، فيظهر منهم الاتِّفاق على عدم الوجوب. وأمّا المتأخِّرون فقد اكتفوا بمطلق الذكر مصرِّحين بالاستحباب مرسلين له إرسال المسلّمات ، فيظهر من جميع ذلك إجماع القدماء والمتأخِّرين على عدم الوجوب هذا حال الأقوال.

وأمّا بالنظر إلى الأخبار ، فقد ورد في صحيحة الحذاء الأمر بالدُّعاء على وجه خاص ، «قال : إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده سجدت لك تعبّداً ورقاً ، لا مستكبراً عن عبادتك ولا مستنكفاً ولا مستعظماً بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» (٢) وظاهر الأمر وجوب هذه الكيفية ، إلّا أنّ بإزائها روايات أُخر دلّت على خلاف ذلك.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٠٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤٥ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ١.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : ما رواه ابن إدريس في السرائر عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسنده عن عمار قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال : ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ، ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» (١) ، ومقتضاها وجوب مطلق الذكر من غير توظيف كما في السجود.

ومنها : ما عن الصدوق في الفقيه قال : «روي أنّه يقول في سجدة العزائم لا إله إلّا الله حقّا حقّا ، لا إله إلّا الله إيماناً وتصديقاً ، لا إله إلّا الله عبودية ورقّا سجدت لك يا ربّ تعبّداً ورقّا ، لا مستنكفاً ولا مستكبراً ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» (٢).

ومنها : ما أرسله العلّامة في المنتهي ، وكذا الصدوق في الفقيه أيضاً «من قرأ شيئاً من العزائم الأربع فليسجد وليقل : إلهي آمنّا بما كفروا ، وعرفنا منك ما أنكروا ، وأجبناك إلى ما دعوا ، إلهي فالعفو العفو» (٣).

ومنها : ما عن عوالي اللآلي أنّه قال : «روي في الحديث أنّه لمّا نزل قوله تعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) سجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال في سجوده : أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» (٤).

وهذه النصوص كما ترى مختلفة المضمون ، وحيث إنّ وجوب العمل بجميعها مقطوع العدم ، والالتزام بالوجوب التخييري بعيد عن سياقها. مضافاً إلى أنّه

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٦ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ٣ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٦٠٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤٥ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٠١ / ٩٢٢.

(٣) المنتهى ١ : ٣٠٥ السطر ١٢ ، الفقيه ١ : ٢٠١ / ٩٢٢.

(٤) عوالي اللآلي ٤ : ١١٣ / ١٧٦ ، المستدرك ٤ : ٣٢١ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٩ ح ٢.

٢٣٤

[١٦٥٠] مسألة ١٩ : إذا سمع القراءة مكرّراً وشكّ بين الأقل والأكثر يجوز له الاكتفاء في التكرار بالأقل ، نعم لو علم العدد وشكّ في الإتيان بين الأقل والأكثر وجب الاحتياط بالبناء على الأقل أيضا (١).

______________________________________________________

لا قائل به ، فيلتزم بالاستحباب جمعاً ، لكشف الاختلاف عن عدم التوظيف هكذا ذكره المشهور.

ولكنّه مبني على تكافؤ هذه النصوص من حيث السند ، وليس كذلك فإنّ الثلاثة الأخيرة مراسيل لا يعوّل على شي‌ء منها ، وما قبلها ضعيف بعلي بن خالد كما تقدّم (١) ، فلم يبق بإزاء صحيحة الحذاء ما يصلح للمقاومة وظاهرها الوجوب وتعيّن تلك الكيفية.

إلّا أنّ هذا الظاهر ممّا لا قائل به ، إذ لم يذهب أحد إلى وجوب هذه الكيفية والتصرّف فيه بإرادة مطلق الذكر ، فيكون الواجب هو الجامع ، وحمل الخصوصية على الاستحباب ممّا لا شاهد عليه ، فلا يصار إليه من غير قرينة مع أنّه لا قائل بوجوب الجامع أيضاً كما سبق ، فلا يمكن العمل بالصحيحة بوجه ، ومقتضى الأصل البراءة عن الوجوب. إذن فنفي الوجوب من أجل عدم الدليل عليه لا قيام الدليل على العدم.

والمتحصل : أنّ الأقوى بالنظر إلى الأدلّة أيضاً فضلاً عن التسالم الخارجي استحباب الذكر لا وجوبه ، فله الإتيان بأيّ ذكر شاء من الكيفيّات المذكورة في المتن التي عرفت مداركها وكذا غيرها ، وإن كان الأولى الاقتصار على ما تضمنته صحيحة الحذاء ، لقوّة سندها وضعف أسانيد النصوص الأُخر.

(١) الحكم ظاهر جدّاً بكلا شقّيه ، فانّ الشك في الأوّل في التكليف زائداً

__________________

(١) في ص ٢٣١.

٢٣٥

[١٦٥١] مسألة ٢٠ : في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدّد رفع الجبهة (١) عن الأرض ثمّ الوضع للسجدة الأُخرى ، ولا يعتبر الجلوس ثمّ الوضع ، بل ولا يعتبر رفع سائر المساجد وإن كان أحوط (٢).

[١٦٥٢] مسألة ٢١ : يستحب السجود للشكر لتجدّد نعمة أو دفع نقمة أو تذكرهما ممّا كان سابقاً ، أو للتوفيق لأداء فريضة ، أو نافلة ، أو فعل خير ولو مثل الصلح بين اثنين ، فقد روي عن بعض الأئمّة عليهم‌السلام أنّه كان إذا صالح بين اثنين أتى بسجدة الشكر ، ويكفي في هذا السجود مجرّد وضع الجبهة مع النيّة ، نعم يعتبر فيه إباحة المكان ، ولا يشترط فيه الذكر وإن كان يستحب أن يقول : شكراً لله ، أو شكراً شكراً ، وعفواً عفواً مائة مرّة أو ثلاث مرّات ، ويكفي مرّة واحدة أيضاً. ويجوز الاقتصار على سجدة واحدة ، ويستحب مرّتان ، ويتحقّق التعدّد بالفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين أو الجميع مقدّماً للأيمن منهما على الأيسر ثمّ وضع الجبهة ثانياً.

______________________________________________________

على المقدار المتيقن ، والمرجع فيه أصالة البراءة ، وفي الثاني في الامتثال بعد العلم بالتكليف ، والمرجع قاعدة الاشتغال.

(١) إذ السجود متقوّم بوضع الجبهة على الأرض والهوي مقدّمة صرفة فيكفي في تكرّر الوضع مجرّد الرفع بأقل ما يتحقّق معه انفصال الجبهة عن الأرض ثمّ الوضع ثانياً بحيث يتخلّل العدم بين الوضعين الّذي هو مناط التعدّد ولا حاجة إلى الجلوس بينهما ، لما عرفت من عدم دخل الهوي إليه في تحقّق الواجب.

(٢) هذا إنّما يتم بناءً على عدم اعتبار وضع سائر المساجد في هذه السجدة

٢٣٦

ويستحب فيه افتراش الذراعين ، وإلصاق الجؤجؤ والصدر والبطن بالأرض ويستحب أيضاً أن يمسح موضع سجوده بيده ثمّ إمرارها على وجهه ومقاديم بدنه ، ويستحب أن يقرأ في سجوده ما ورد في حسنة عبد الله بن جندب عن موسى بن جعفر عليه‌السلام «ما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه؟ فقال عليه‌السلام : قل وأنت ساجد : اللهمّ إنِّي أُشهدك وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنّك أنت الله ربِّي ، والإسلام ديني ، ومحمّد نبيِّي ، وعليّ والحسن والحسين إلى آخرهم أئمّتي عليهم‌السلام بهم أتولّى ومن أعدائهم أتبرّأ ، اللهمّ إنِّي أَنشدك دم المظلوم ثلاثاً اللهمّ إنِّي أَنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا وأيدي المؤمنين ، اللهمّ إنِّي أَنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنّهم بعدوك وعدوهم ، أن تصلِّي على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمّد ثلاثاً اللهمّ إنِّي أسألك اليسر بعد العسر ثلاثاً ثمّ تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق عليّ الأرض بما رحبت ، يا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنتَ عن خلقي غنيّاً ، صلّ على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمّد ، ثمّ تضع خدّك الأيسر وتقول : يا مُذلّ كل جبّار ، ويا مُعزّ كل ذليل ، وقد وعزّتك

______________________________________________________

وأمّا بناءً على الاعتبار كما هو الأحوط لو لم يكن أقوى على ما سبق ، فيشكل الاقتصار على رفع الجبهة في صدق التعدّد ، لاعتبار الأحداث في تحقّق الواجب وعدم كفاية البقاء ، كما هو الشأن في سائر الواجبات رعاية لظاهر الأمر المتعلِّق بها ، فانّ ظاهره الحدوث والإيجاد كما مرّ مراراً ، فلا يتحقّق امتثال الأمر بوضع سائر المحال والسجود على الأعظم السبعة إلّا بالرفع والوضع ثانياً. ومنه تعرف اعتبار ذلك في سجود الصلاة أيضاً ، لوحدة المناط.

٢٣٧

بلّغ مجهودي ثلاثاً ثمّ تقول : يا حنّان يا منّان يا كاشف الكرب العظام ، ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة : شكراً شكراً ، ثمّ تسأل حاجتك إن شاء الله» والأحوط وضع الجبهة في هذه السجدة أيضاً على ما يصح السجود عليه ووضع سائر المساجد على الأرض ، ولا بأس بالتكبير قبلها وبعدها لا بقصد الخصوصية والورود.

[١٦٥٣] مسألة ٢٢ : إذا وجد سبب سجود الشكر وكان له مانع من السجود على الأرض فليوم برأسه ويضع خده على كفّه ، فعن الصادق عليه‌السلام : «إذا ذكر أحدكم نعمة الله عزّ وجلّ فليضع خدّه على التراب شكراً لله ، وإن كان راكباً فلينزل فليضع خدّه على التراب ، وإن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خدّه على قربوسه ، فان لم يقدر فليضع خدّه على كفّه ثمّ ليحمد الله على ما أنعم عليه» ويظهر من هذا الخبر تحقّق السجود بوضع الخد فقط من دون الجبهة.

[١٦٥٤] مسألة ٢٣ : يستحب السجود بقصد التذلّل أو التعظيم لله تعالى ، بل من حيث هو راجح وعبادة ، بل من أعظم العبادات وآكدها ، بل ما عبد الله بمثله ، وما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً لأنّه أُمر بالسجود فعصى ، وهذا أُمر به فأطاع ونجى ، وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ، وأنّه سنّة الأوّابين ، ويستحب إطالته فقد سجد آدم ثلاثة أيّام بلياليها ، وسجد عليّ بن الحسين عليه‌السلام على حجارة خشنة حتّى أُحصي عليه ألف مرّة «لا إله إلّا الله حقّا حقّا ، لا إله إلّا الله تعبّداً ورقّا ، لا إله إلّا الله إيماناً وتصديقاً» وكان الصادق عليه‌السلام يسجد السجدة حتّى يقال إنّه راقد ، وكان موسى بن جعفر عليه‌السلام يسجد كل

٢٣٨

يوم بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال.

[١٦٥٥] مسألة ٢٤ : يحرم السجود لغير الله تعالى (١) فإنّه غاية الخضوع فيختص بمن هو غاية الكبرياء والعظمة ، وسجدة الملائكة لم تكن لآدم بل كان قبلة لهم ، كما أنّ سجدة يعقوب وولده لم تكن ليوسف بل لله تعالى شكراً حيث رأوا ما أعطاه الله من الملك ، فما يفعله سواد الشيعة من صورة السجدة عند قبر أمير المؤمنين وغيره من الأئمّة عليهم‌السلام مشكل ، إلّا أن يقصدوا به سجدة الشكر لتوفيق الله تعالى لهم لإدراك الزيارة. نعم لا يبعد جواز تقبيل العتبة الشريفة.

______________________________________________________

(١) بلا إشكال ولا خلاف ، لما أُشير إليه في المتن من أنّه غاية الخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء ، ويدل عليه من الكتاب قوله تعالى (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) (١) فانّ مناط المنع هو المخلوقية فيعم ما سواه تعالى وتخصيصهما بالذكر لعظم الخلقة ، ومن ثمّ احتجّ به إبراهيم عليه‌السلام على ربوبيتهما فقال مشيراً إلى القمر (هذا رَبِّي) (٢) ثمّ للشمس (هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) (٣).

ومن السنّة طائفة كثيرة من الأخبار ، وهي وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنّها متضافرة بل متواترة إجمالاً فيعتمد عليها ، وقد ورد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بسند معتبر «أنّه لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد

__________________

(١) فصّلت ٤١ : ٣٧.

(٢) الأنعام ٦ : ٧٧.

(٣) الأنعام ٦ : ٧٨.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لزوجها» (١). فانّ التعبير بكلمة «لو» الامتناعية دال على امتناع السجود لغير الله تعالى.

وأمّا سجود الملائكة لآدم وكذا سجود يعقوب وولده ليوسف فقد أُجيب عنه في الروايات بوجهين وكلاهما صحيح.

أحدهما : أنّ السجود كان لله تعالى ، وإنّما جعل آدم ويوسف قبلة لهم تشريفاً وإجلالاً ، كما أنّ الكعبة قبلة لنا (٢) ، فلم يكن السجود لآدم ولا ليوسف بل شكراً له تعالى. كما أنّا لم نسجد لتلك الأحجار أو لذاك الفضاء.

الثاني : أنّ السجود وإن كان لآدم إلّا أنّه حيث كان بأمر من الله تعالى فهو في الحقيقة سجود له وعين العبودية والتوحيد ، ألا ترى أنّ الملك إذا أمر بتعظيم شخص والخضوع له فتعظيمه في الحقيقة عائد إلى الملك وخضوعه يرجع بالأخرة إلى الخضوع إليه ، لانبعاثه عن أمره وكونه إطاعة لحكمه ، وعليه فلا يجوز السجود لغير من أمر به تعالى ، لكونه شركاً في العبادة بعد أن لم يكن صادراً عن أمره. وقد ذكرنا في بحث التفسير (٣) أنّ السجود للأصنام إنّما لا يجوز لعدم إذنه تعالى في ذلك ، وإلّا فلو أذن تعالى به لم يكن به بأس لكونه طاعة له وامتثالاً لأمره.

وقد ورد في بعض الروايات (٤) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أجاب عمّن

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ١٦٢ / أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب ٨١ ح ١.

(٢) غير خفي أنّ السجود للشي‌ء غير السجود إلى الشي‌ء ، وظاهر الآيات الواردة في آدم ويوسف هو الأوّل كما أنّ الواردة في الكعبة هو الثاني ، فلا يكونان من سنخ واحد ليقاس أحدهما بالآخر.

(٣) البيان : ٤٧٨.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٨٦ / أبواب السجود ب ٢٧ ح ٣.

٢٤٠