موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[١٦٣٤] مسألة ٣ : يختص الوجوب والاستحباب بالقارئ والمستمع والسامع للآيات فلا يجب على من كتبها أو تصوّرها ، أو شاهدها مكتوبة أو أخطرها بالبال (١).

[١٦٣٥] مسألة ٤ : السبب مجموع الآية فلا يجب بقراءة بعضها ولو لفظ السجدة منها (٢).

______________________________________________________

ضعيفة السند ، لا أنّ صاحب المدارك لم يظفر بها لبعده جدّاً كما لا يخفى.

نعم ، رواها الشيخ في التهذيب بسند صحيح لكنّها عارية عن الذيل الّذي هو موضع الاستدلال (١).

وأمّا حكمه (قدس سره) بالاستحباب في غير موضع من كتابه عند وجود الخبر الضعيف ، فإنّما هو بالعنوان الثانوي من باب قاعدة مَن بلغ والتسامح في أدلّة السنن ، ولم ينكر ذلك في المقام ، بل أنكر النص الصحيح الدال على الاستحباب بالعنوان الأوّلي وهو صحيح كما أفاده ، فالحكم في المقام مبني على قاعدة التسامح.

(١) موضوع الحكم وجوباً واستحباباً إنّما هو عنوان القارئ والمستمع والسامع ، على كلام في الأخير بالنسبة إلى الوجوب كما مرّ فلا يعم غيرها كالكاتب والمتصور والناظر إلى الكتابة ومن يخطرها بالبال ، لخروج كل ذلك عن موضوع الحكم في النصوص ، بل لعلّه يلزم التكليف بما لا يطاق في الأخير إذ نفس الالتفات إلى هذا الأمر يقتضي الخطور فيلزمه السجود دائماً. هذا ولو شكّ في الشمول ولا نكاد نشك فالمرجع أصالة البراءة.

(٢) كما تقدّم (٢) البحث عنه مستقصًى فلا نعيد.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٦.

(٢) في ص ١٨٩.

٢٠١

[١٦٣٦] مسألة ٥ : وجوب السجدة فوري فلا يجوز التأخير (١)

______________________________________________________

(١) إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، وتشهد له جملة من النصوص.

منها : الأخبار المانعة عن قراءة العزيمة في الفريضة ، معلّلاً بأنّ السجود زيادة في المكتوبة (١) فإنّها تكشف عن فورية السجدة لا محالة ، إذ لو جاز التأخير إلى ما بعد الصلاة لم يكن أيّ وجه للمنع.

ومنها : الروايات الآمرة بالإيماء لو سمعها وهو في الفريضة (٢) التي منها ولعلّها أصرحها صحيحة عليّ بن جعفر قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخرُ السجدةَ ، فقال : يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع ثمّ يقوم فيتم صلاته إلّا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماءً» (٣) ، حيث تضمّنت التفصيل بين صلاة النافلة فيسجد عند سماع الآية ثمّ يتمّ الصلاة ، لعدم قدح زيادة السجدة فيها ، وبين الفريضة فيومئ ، فلو جاز التأخير لم يكن وجه للانتقال إلى الإيماء الّذي هو بدل عن السجود لدى تعذّره.

فالأمر بالإيماء مقتصراً عليه من دون تعرّض لتدارك السجدة بعد الصلاة يكشف عن الفورية ، وكأنّ صاحب الحدائق لم يظفر بهذه النصوص وإلّا لما اقتصر في الاستدلال على الإجماع الّذي بمجرّده لا قيمة له عنده ، ولذا نراه كثيراً ما يحاول الاستدلال بالروايات وإن كانت ضعيفة بالمعنى المصطلح.

وكيف ما كان ، فبمقتضى هذه النصوص تقيّد المطلقات ويحمل الأمر فيها على الفور ، فالحكم مسلّم لا غبار عليه.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٢ ، ١٠٣ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٧ ، ٣٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٤٣ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ٤.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما الكلام فيما إذا سمع السجدة في الأوقات التي تكره فيها الصلاة ، وهي بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ، وكذا قبل الغروب ، فهل الفورية ثابتة هنا أيضاً أو أنّها تؤخّر إلى ما بعد خروج الوقت؟

مقتضى الإطلاقات هو الأوّل ، لكن قد يتخيّل الثاني استناداً إلى موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا تستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر ، فقال : لا يسجد» (١).

وفيه أوّلاً : أنّ إمارة التقيّة عليها ظاهرة لقوله : «في الساعة التي لا تستقيم الصلاة ...» إلخ ، فإن عدم الاستقامة المساوق لعدم الصحّة هو مذهب العامّة وقد تقدّم في بحث الأوقات (٢) الأخبار الناهية عن الصلاة في هذا الوقت ، معلّلة بأنّ الشمس تطلع بقرني الشيطان ، فاذا صلّى الناس في هذا الوقت فرح إبليس وأخبر أتباعه أنّهم يسجدون لي ، فلأجله منع عن السجود فيه في هذه الموثقة للاشتراك في علّة المنع. وبيّنا هناك أنّ هذه الروايات كلّها محمولة على التقيّة وأنّ التعليل جار على مذهبهم ومطابق لعقيدتهم ، إذ هو مذكور في رواياتهم وإلّا فالشمس لا تزال في حالة الطلوع على صقع من الأصقاع من غير اختصاص بزمان أو مكان.

وثانياً : أنّ النسبة بين الموثقة وبين الإطلاقات الآمرة بالسجود عموم من وجه ، لإطلاق هذه من حيث العزيمة وغيرها واختصاصها بالوقت الخاص على عكس المطلقات ، فتتعارضان في مادّة الاجتماع وهي سماع العزيمة في الوقت المزبور فيجب السجود بمقتضاها ، ولا يجب بمقتضى الموثقة ، لكن الترجيح مع المطلقات ، لكون الدلالة فيها بالعموم ، وفي الموثقة بالإطلاق ولا

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٣.

(٢) شرح العروة ١١ : ٣٦١.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

شك في تقدّم الأوّل ، فإن من تلك المطلقات صحيحة محمّد بن مسلم المشتملة على صيغة العموم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد ، قال : عليه أن يسجد كلّما سمعها ، وعلى الّذي يعلّمه أيضاً أن يسجد» (١).

على أنّه يمكن أن يقال : إنّ الموثقة خاصّة بغير العزيمة ، فهي أجنبية عمّا نحن فيه والنسبة هي التباين لا العموم من وجه وذلك بقرينة قوله : «لا تستقيم الصلاة فيها ...» إلخ ، فإنّ المراد بهذه الصلاة إنّما هي النافلة ، إذ هي التي يتوهّم أنّها لا تستقيم وإلّا فلا شك في استقامة الفريضة ، لامتداد وقتها من الفجر إلى طلوع الشمس ، ولا يحتمل خفاء مثل هذا الحكم الواضح على مثل عمار فبمناسبة الحكم والموضوع يكون المراد من السجدة هي المستحبّة. وقد أشرنا آنفاً إلى أنّ الأخبار الناهية كلّها محمولة على التقيّة ، وعليه فهذه السجدة كالنافلة مستحبّة في هذا الوقت أيضا.

ويشهد لما ذكرناه من الاختصاص بغير العزيمة : ذيل الموثقة حيث ذكر فيها هكذا «وعن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم ...» إلخ ، فإنّ التقييد بالعزيمة في هذا السؤال يكشف عن أنّ المراد بالسجدة في السؤال الأوّل ما يقابلها ، فسأل أوّلاً عن حكم غير العزيمة ثمّ عن حكمها.

فظهر من جميع ما ذكرناه : أنّ الأقوى جواز فعلها في جميع الأوقات كلّها وإن كانت ممّا يكره فيه النوافل.

وتؤيِّده : رواية دعائم الإسلام (٢) المصرّحة بالتعميم.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٥ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٥ ح ١.

(٢) الدعائم ١ : ٢١٥ ، المستدرك ٤ : ٣١٨ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٥ ح ٢.

٢٠٤

نعم ، لو نسيها أتى بها إذا تذكّر (١)

______________________________________________________

(١) هل الفورية المعتبرة في السجدة لدى السماع أو التلاوة تجعلها من قبيل الواجبات الموقّتة التي يسقط معها الوجوب عند خروج الوقت ويكون قضاءً بعدئذ لو ثبت كالظهرين ونحوهما ، فكما أنّ الأمر فيهما محدود بما بين الزوال والغروب وموقّت بذلك فيسقط لو تركهما حتّى خرج الوقت ، فكذا الأمر في المقام موقّت بالفورية العرفية فيسقط لو لم يسجد في هذا الوقت ، أو أنّه لا توقيت في المقام وإنّما الفورية واجب آخر من قبيل تعدّد المطلوب ، فلو أخلّ بها نسياناً أو عصياناً كان التكليف الأوّل باقياً ويقع أداءً مهما امتثله ، فهو نظير صلاة الزلزلة الحادث وجوبها بحدوث السبب والباقي مدى العمر من غير توقيت؟

اختار في الحدائق (١) الثاني ، وهذا إنّما يتّجه بناءً على مسلكه من الاستناد في الفورية إلى الإجماع ، فإنّه دليل لبي يقتصر على المقدار المتيقن وهو حال التذكّر ، فمع النسيان يبقى التكليف الأوّل على حاله من غير توقيت فيه ، فيجب الإتيان مهما تذكّر.

وأمّا بناءً على المختار من الاستناد إلى الأدلّة اللفظية ، وهي النصوص الدالّة على الفورية التي تقدّمت (٢) ، فحيث إنّها مطلقة تشمل حالتي التذكّر وعدمه فهي تقيِّد الأمر الوارد في المطلقات على الإطلاق وتجعله من قبيل الموقتات لكشفها عن أنّ الواجب حصّة معيّنة وهي المحدودة بالفورية العرفية ، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوط التكليف بعد انتهاء الحد وخروج الوقت ولو كان ذلك

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٣٤٠.

(٢) في ص ٢٠٢.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

من أجل النسيان ، إلّا أنّه مع ذلك نحكم بالوجوب لدى التذكّر لورود النص الخاص في المقام ، وهي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع ويسجد ، قال : يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» (١). ويؤيِّدها ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن نوادر البزنطي عن محمّد بن مسلم أيضاً (٢) لكنّها ضعيفة السند ، لجهالة طريق الحلِّي إلى كتاب البزنطي كما مرّت الإشارة إليه قريباً. فمن أجل تلك الصحيحة يحكم ببقاء الأمر الأوّل ووجوب السجود متى تذكر.

وربّما يستدل للحكم بالاستصحاب.

وفيه أوّلاً : أنّه لا مجال للأصل بعد وجود الدليل كما عرفت.

وثانياً : أنّ الشبهة حكمية ولا نقول بجريان الاستصحاب فيها.

وثالثاً : أنّه لو تمّ فإنّما يسلّم في موارد العصيان دون النسيان ، لانقطاع التكليف وسقوط الأمر الأوّل قطعاً حتّى واقعاً ، فانّ التكاليف الواقعية مرفوعة عن الناسي ، ومن هنا ذكرنا في محلّه (٣) أنّ إسناد الرفع في حديث الرفع واقعي بالإضافة إلى الناسي والمكره والمضطر وظاهري بالنسبة إلى الجاهل. ومعه لا مجال للاستصحاب ، لعدم الشك في البقاء بعد القطع بالارتفاع ، فلو ثبت فهو تكليف جديد لا أنّه بقاء للتكليف السابق.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٤ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤٤ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٤ ح ٢ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٥٥٨.

(٣) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٥.

٢٠٦

بل وكذلك لو تركها عصيانا (١).

[١٦٣٧] مسألة ٦ : لو قرأ بعض الآية وسمع بعضها الآخر فالأحوط الإتيان بالسجدة (٢).

______________________________________________________

(١) أمّا الاستدلال له بالاستصحاب ، فلا يتم بناءً على مسلكنا كما مرّت الإشارة إليه. نعم ، يمكن استفادة الحكم من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدِّمة آنفاً وإن كان موردها النسيان ، فانّ الظاهر من قوله عليه‌السلام : «يسجد إذا ذكر» أنّ الوجوب مستند إلى نفس الأمر السابق ، وأنّه باق بحاله ما لم يمتثل ، لا أنّه تكليف جديد ، فإنّه خلاف الظاهر جدّاً كما لا يخفى ، فيشترك فيه الناسي والعاصي لوحدة المناط.

(٢) مقتضى الجمود على ظواهر النصوص الحاصرة لسبب الوجوب في القراءة والسماع عدم شمول الحكم لصورة التلفيق ، إذ لا يصدق على الملفّق من الأمرين شي‌ء من العنوانين ، لكن لا يبعد استفادة الحكم منها بمقتضى الفهم العرفي ، بدعوى أنّ الموضوع هو الجامع بين الأمرين ولو في مجموع الآية ، فإنّ العرف يساعد على هذا الاستظهار ويرى أنّ المجمع غير خارج عن موضوع الأخبار.

وقد تقدّم نظير ذلك في بحث الأواني (١) وقلنا أنّ الآنية المصوغة من مجموع الذهب والفضّة إمّا مزجاً أو بدونه ، بأن يكون نصفه من أحدهما والنصف الآخر من الآخر وإن لم يصدق عليه فعلاً عنوان آنية الذهب ولا الفضّة ، لكن العرف لا يراها خارجة عن موضوع نصوص المنع.

وأوضح حالاً ما لو تركب معجون من عدّة مواد محرّمة الأكل بعناوينها

__________________

(١) شرح العروة ٤ : ٢٩١.

٢٠٧

[١٦٣٨] مسألة ٧ : إذا قرأها غلطاً أو سمعها ممّن قرأها غلطاً فالأحوط الإتيان بالسجدة (١).

[١٦٣٩] مسألة ٨ : يتكرّر السجود مع تكرّر القراءة أو السماع أو الاختلاف بل وإن كان في زمان واحد بأن قرأها جماعة (١) أو قرأها شخص حين قراءته على الأحوط (٢).

______________________________________________________

كالدم الطاهر والتراب والنخاع ونحوها ، فان هذا المركب وإن لم يصدق عليه فعلاً شي‌ء من عناوين تلك المواد لاستهلاك بعضها في البعض ، ولكنّه مع ذلك يجب الاجتناب عنه بلا ارتياب ، لما عرفت من أنّ الملفق منها مشمول لأدلّة تلك العناوين بمقتضى الفهم العرفي.

بل يمكن استفادة الحكم في المقام من نفس النصوص ، فإنّ القارئ سامع لقراءة نفسه إلّا ما شذ ، فيشمله دليل السماع ، إذ لا وجه لتخصيصه بالغير ، فاذا سمع الباقي من غيره يصدق في حقّه أنّه سمع تمام الآية ، إذ لا يعتبر أن يكون السماع من شخص واحد ، ولذا لو سمع بعض الآية من شخص والبعض الآخر من شخص آخر وجب السجود بلا إشكال. فالسجود في المقام لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

(١) لاحتمال اندراجه تحت إطلاق النصوص ، لكن الأقوى عدم الوجوب ، فان موضوع الحكم سماع أو قراءة آية السجدة ، وهي التي أنزلها الله تعالى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا شك أنّ النازل هي القراءة الصحيحة وعلى النهج العربي ، فالملحون مادّة أو هيئة خارج عن موضوع الحكم لانصراف الدليل إلى غيره.

(٢) أمّا مع تخلّل السجود بين السببين المكررين فلا إشكال في الوجوب

__________________

(١) الظاهر جواز الاكتفاء بسجدة واحدة حينئذ.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانياً كما هو ظاهر ، وأمّا مع عدم التخلل ، فهل يكتفي بالسجدة الواحدة لدى تعدّد الأسباب؟

يبتني ذلك على أنّ مقتضى الأصل هل هو التداخل أو عدمه ، وحيث إنّ التداخل على خلاف الأصل ، لاقتضاء كل سبب مسببه ، فالمتعيِّن تكرار السجود في المقام بتكرّر سببه. نعم ، ثبت التداخل في باب الأغسال بالنص لقوله عليه‌السلام : إذا كان لله عليك حقوق أجزأك عنها حق واحد (١). على أنّه يمكن استفادة الحكم في المقام من صحيحة محمّد بن مسلم : «عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد ، قال : عليه أن يسجد كلّما سمعها» (٢) حيث دلّت على وجوب السجود لكل مرّة.

وعليه فمع تكرّر السبب سواء أكان من سنخ واحد أو سنخين يجب السجود لكل مرّة. هذا إذا كان التكرار في زمانين ، ويلحق بذلك ما لو كان التكرّر في زمان واحد مع الاختلاف في السنخ ، كما لو قرأها وسمعها من شخص آخر في تلك الحال ، لصدق تعدّد السبب المقتضي لتعدّد المسبب. وأمّا مع الاتِّحاد في السنخ مع وحدة الزمان ، كما لو سمعها من جماعة يقرءونها في آن واحد فقد حكم في المتن بالإلحاق أيضاً ، لكنّه مشكل جدّاً ، بل ممنوع ، إذ العبرة بالسماع لا بالمسموع ، وفي المقام لم يكن إلّا سماع واحد وإن كان المسموع متعدِّداً ، نظير النظر المتعلِّق بجماعة كثيرين فانّ النظر والإبصار لم يتعدّد ، وإنّما التعدّد في المنظور إليه ، فلم تجب عليه إلّا سجدة واحدة لوحدة السبب.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٦١ / أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١ (نقل بالمضمون).

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤٥ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٥ ح ١.

٢٠٩

[١٦٤٠] مسألة ٩ : لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلّف أو غيره (١) كالصغير والمجنون إذا كان قصدهما قراءة القرآن.

[١٦٤١] مسألة ١٠ : لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها (١) أومأ للسجود وسجد (٢) بعد الصلاة وأعادها (٢).

______________________________________________________

(١) لإطلاق النصوص كقوله في صحيحة الحذاء «عن الطامث تسمع السجدة ...» إلخ ، وفي صحيحة علي بن جعفر «فيقرأ آخرُ السجدةَ» ، وغيرهما ممّا تقدّمت (٣) ، الشاملة بإطلاقها لما إذا كان السماع من المكلّف أو غيره ممّن كان قاصداً لقراءة القرآن كالصبي المميِّز والمجنون ، لعدم الدليل على اعتبار البلوغ والتكليف في القارئ ، وما في بعض النصوص كصحيحة محمّد بن مسلم (٤) من التقييد بالرجل فهو من باب المثال بلا إشكال.

(٢) حكم (قدس سره) حينئذ بأُمور ثلاثة : الإيماء ، والسجود بعد الصلاة ، وإعادتها. أمّا الإيماء فلا ينبغي الإشكال فيه ، للنصوص الدالّة عليه التي منها صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة (٥) وقد مرّ الكلام حول ذلك في بحث القراءة مستقصى (٦).

__________________

(١) أُريد بذلك القراءة سهواً ، وأمّا إذا كانت عمداً فتبطل الصلاة على الأحوط عندنا ، وجزماً عند الماتن (قدس سره) كما تقدّم.

(٢) على الأحوط وأمّا الإعادة فلا وجه لها.

(٣) في ص ١٨٨ ، ٢٠٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٤٥ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٥ ح ١.

(٥) الوسائل ٦ : ٢٤٣ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ٤.

(٦) شرح العروة ١٤ : ٣١٥.

٢١٠

[١٦٤٢] مسألة ١١ : إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمّ الوضع (١) ولا يكفي البقاء بقصده بل ولا الجرّ إلى مكان آخر.

______________________________________________________

نعم ، هذا في صلاة الفريضة ، وأمّا إذا سمعها في النافلة سجد فوراً وأتمّ صلاته ، لعدم قادحية زيادة السجدة في النافلة ، وقد صرّح بذلك في صحيحة ابن جعفر المزبورة.

وأمّا السجود بعد الصلاة فلا دليل عليه بعد الانتقال إلى الإيماء الّذي هو بدله المستتبع لسقوط الأمر قضاءً للبدلية سيّما مع الاقتصار على الإيماء في صحيحة ابن جعفر من دون تعرّض للسجود بعدئذ. فيكشف وهو عليه‌السلام في مقام البيان عن عدم الوجوب. نعم ، لا شك أنّه أحوط لاحتمال بقاء الأمر وأنّ الإيماء بدل موقّت.

وأمّا إعادة الصلاة فلا وجه لها أصلاً ، إذ لا منشأ لها ولو احتمالاً ، لعدم عروض ما يقتضي البطلان بوجه فلم يتّضح وجه حكمه (قدس سره) بها. مع أنّه مناف لما تقدّم منه (قدس سره) في مبحث القراءة في المسألة الرابعة من التخيير بين الإيماء وبين السجدة وهو في الصلاة وإتمامها وإعادتها (١).

والظاهر أنّ في العبارة سهواً من قلمه الشريف أو من النسّاخ ، وأنّ الصحيح «أو سجد» بالعطف بـ «أو» لا بالواو ، مع تبديل «بعد الصلاة» بـ «في الصلاة» كي ينتج التخيير الموافق لما سبق منه (قدس سره) هناك.

(١) لأنّ الأمر بالسجود كغيره من سائر الواجبات ظاهر في الإيجاد والإحداث ، فلا يكفي البقاء بقصده ولا الجر إلى مكان آخر ، لعدم صدق الإحداث

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٣٢٠.

٢١١

[١٦٤٣] مسألة ١٢ : الظاهر عدم وجوب نيّته حال الجلوس أو القيام ليكون الهوي إليه بنيّته ، بل يكفي نيّته قبل وضع الجبهة بل مقارناً له (١).

[١٦٤٤] مسألة ١٣ : الظاهر أنّه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية (٢)

______________________________________________________

معه ، بل هو إبقاء لما كان كما مرّت الإشارة إليه سابقاً (١) ، فلا بدّ من الرفع والوضع تحقيقاً للامتثال.

(١) بما أنّ السجود الواجب متقوّم بوضع الجبهة على الأرض ، والهوي إليه مقدّمة صرفة ، فلا تعتبر النيّة عند الهوي فضلاً عن حال الجلوس أو القيام فلو هوى لداع آخر ثمّ بدا له في السجود قبل بلوغ الحد فنوى وسجد أجزأ عنه ، فتكفي النيّة الحاصلة قبل السجود ولو آناً ما ، بل لا يعتبر هذا المقدار أيضاً فتكفي المقارنة كما هو الشأن في سائر العبادات ، لعدم الدليل على لزوم سبق النيّة على العمل ، فلو اتّفقت مقارنة النيّة لنفس العمل مقارنة حقيقية كفى لكن الشأن في تحقّقه وإحرازه خارجاً فإنّه عسر جدّاً ونادر التحقّق ، ولذا كان اللّازم من باب المقدّمة العلمية سبق النيّة ولو آناً ما ، وإن كانت المقارنة على تقدير تحقّقها كافية أيضا.

(٢) لتوقف صدق قراءة القرآن على قصد الحكاية عن ذاك الكلام النازل على النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله كما مرّ توضيحه في بحث القراءة عند التكلّم عن لزوم تعيين البسملة (٢) ، فالعاري عن القصد كلام آدمي مشابه للقرآن

__________________

(١) في ص ١١٤ ، ١٣١.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٣٣٧.

٢١٢

فلو تكلّم شخص بالآية لا بقصد القرآنية لا يجب السجود بسماعه ، وكذا لو سمعها ممّن قرأها حال النوم ، أو سمعها من صبي غير مميِّز ، بل وكذا لو سمعها من صندوق حبس الصوت ، وإن كان الأحوط السجود في الجميع.

______________________________________________________

وليس من القرآن في شي‌ء ، وحيث إنّ الموضوع في وجوب السجدة قراءة القرآن أو سماعها المتقوّمة بالقصد المزبور فلا وجوب مع فقد القصد ، ويترتّب عليه عدم الوجوب لو سمعها ممّن قرأها حال النوم ، أو من صبي غير مميِّز أو من حيوان كالطوطي ، أو من صندوق حبس الصوت.

أمّا صندوق حبس الصوت وآلة التسجيل ، فلوضوح أنّ الصوت الخارج منه ليس هو عين الصوت السابق وقد كان مضبوطاً محبوساً فيه ، وإنّما هو صوت جديد مماثل له ناشٍ من اصطكاك جسم بجسم على نهج معيّن وكيفية خاصّة وواضح أنّه فاقد للقصد لعدم صدوره من شاعر قاصد ، فلا يصدق عليه قراءة القرآن. وكذا الحال فيما يصدر عن الصبي والحيوان فإنّه مجرّد لقلقة اللِّسان من غير قصد إلى العنوان بوجه.

وأمّا النائم فهو أيضاً عار عن القصد ، للزوم سبقه بالالتفات المنفي حال النوم ، ولذا قد يعتذر عمّا صدر منه في تلك الحال بعدم القصد والالتفات. نعم لا يخلو هو عن نوع من القصد المناسب لعالم النوم إلّا أنّه أجنبي عن القصد الموضوع للأحكام بلا كلام ، وكذا الحال في المجنون إذا كان بمثابة لا تصدر عنه القراءة عن قصد والتفات.

وأمّا حكم الاذاعات ، فان كان المذيع شخصاً يقرأ القرآن فعلاً فلا ينبغي الشك في وجوب السجود عند سماع الآية كما في السماع من حاضر ، إذ لا فرق بين القريب والبعيد في ذلك ، فهو نظير السماع من شخص آخر بواسطة التليفون

٢١٣

[١٦٤٥] مسألة ١٤ : يعتبر في السماع تمييز الحروف والكلمات فمع سماع الهمهمة لا يجب السجود (١) وإن كان أحوط.

[١٦٤٦] مسألة ١٥ : لا يجب السجود لقراءة ترجمتها أو سماعها (٢) وإن كان المقصود ترجمة الآية.

[١٦٤٧] مسألة ١٦ : يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه مضافاً إلى النيّة (٣)

______________________________________________________

الّذي يجب السجود حينئذ بلا إشكال ، وإن كان البُعد بينهما مئات الفراسخ. فكما أنّ الصوت يصل فيه بواسطة الأسلاك ، فكذا يصل في الاذاعات بواسطة الأمواج ولا فرق بين الواسطتين من هذه الجهة قطعا.

وأمّا إذا لم يكن في دار الإذاعة شخص حاضر بالفعل وإنّما الموجود في محطّتها مسجّلة تلقي الصوت ، فحكمه حكم صندوق الصوت الّذي عرفت فيه عدم الوجوب. نعم ، الاحتياط بالسجود حسن في جميع ما ذكر كما أُشير إليه في المتن.

(١) لوضوح أنّ موضوع الحكم سماع الآية المتوقف على تمييز المراد وتشخيص الحروف والكلمات غير المنطبق على سماع الهمهمة ، لفقد التمييز والتشخيص فلا يصدق معه سماع الآية وإن كان السامع يعلم أنّها المقروءة فانّ العبرة بالسماع لا العلم ، ومن هنا لا يكفي سماع همهمة الأذان في تحقيق حدّ الترخّص. نعم ، ثبت الاكتفاء بالهمهمة في سماع قراءة الإمام وهو خارج بالنص فلا يتعدّى عن مورده.

(٢) فانّ الموضوع قراءة نفسها وليست الترجمة منها.

(٣) أمّا النيّة فلا إشكال في اعتبارها كما في سائر العبادات بعد وضوح كون هذه السجدة عبادية بمقتضى الارتكاز ، فلا بدّ من قصد التقرّب بها ، وكذا

٢١٤

إباحة المكان ، وعدم علوّ المسجد بما يزيد على أربعة أصابع (١) ، والأحوط وضع سائر المساجد ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه.

______________________________________________________

القصد إلى عنوان السجود ، لكونه من العناوين القصدية كما هو ظاهر.

وأمّا سائر ما يعتبر في السجود فهو على نوعين : فتارة يظهر من لسان الدليل أنّ المناط في الاعتبار ليس لخصوصية في السجود بما هو سجود ، بل من أجل أنّه من أجزاء الصلاة ، فهو شرط لعامّة الأجزاء الصلاتية من غير اختصاص بالسجود ، وهذا كالستر والطهارة والاستقبال ونحوها. ولا ريب في عدم شمول مثل هذا الدليل لسجدة التلاوة التي هي واجبة بوجوب مستقل غير مرتبط بالصلاة ، فالمقتضي بالإضافة إليها قاصر في حدّ نفسه إلّا أن يقوم دليل آخر يقتضي الاعتبار فيها بالخصوص ، وسيأتي الكلام عليه.

واخرى : يظهر منه اعتباره في السجود بما هو سجود من غير إناطة بكونه من أجزاء الصلاة ، كما لا يبعد ذلك بالإضافة إلى اشتراط عدم علوّ المسجد أزيد من مقدار اللبنة ، ووضع المساجد السبعة ، ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، لإطلاق أدلّة هذه الأُمور الثلاثة ، فإنّ المسئول عنه في الأوّل هو ذات السجود ، قال في صحيحة عبد الله بن سنان «سألته عن السجود على الأرض المرتفع ، فقال : إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (٢).

والحكم في الثاني متعلِّق بطبيعة السجود لقوله عليه‌السلام «إنّما السجود على سبعة أعظم» (٣) ، وكذا الثالث ، ففي صحيحة هشام «أخبرني عمّا يجوز

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٥٨ / أبواب السجود ب ١١ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٤٣ / أبواب السجود ب ٤ ح ٢.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

السجود عليه وعمّا لا يجوز؟ قال : السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس إلى أن قال عليه‌السلام في مقام التعليل إنّ أبناء الدُّنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله (عزّ وجلّ) فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدُّنيا الّذين اغترّوا بغرورها» (١) فإن إطلاق هذه الأدلّة سيّما الأخير بلحاظ الاشتمال على التعليل يقتضي عدم الفرق بين السجود الصلاتي وغيره.

اللهمّ إلّا أن يدعى الانصراف إلى الأوّل المانع عن انعقاد الإطلاق ، فإن تمّت هذه الدعوى لم يكن هناك دليل يشمل المقام ، وإلّا بأن كان الانصراف بدوياً ولم يكن بمثابة ينعقد معه الظهور العرفي في المنصرف إليه الّذي هو الضابط في الانصراف المانع عن الإطلاق كما لعلّه الأظهر ولا سيّما بالإضافة إلى الأخير لمكان التعليل المقتضى للتعميم كما عرفت كان الحكم شاملاً للمقام أيضاً فهذا إن لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

وكيف ما كان ، فالحكم سعة وضيقاً مشترك بين هذه الأُمور الثلاثة لوحدة المناط ، واشتراك الدليل إطلاقاً وانصرافاً ، فان كان إطلاق ففي الجميع ، أو انصراف ففي الجميع أيضاً.

ومنه تعرف أنّه لم يظهر وجه للتفكيك بين الأوّل والأخيرين بالجزم في الأوّل والتوقف فيهما كما صنعه في المتن.

هذا وربّما يستدل على عدم اعتبار وضع سائر المساجد بما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته ، قال : يسجد حيث توجّهت به ، فانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلِّي على ناقته وهو مستقبل المدينة ، يقول الله

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عزّ وجلّ (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)» (١) فإنّ السجود على ظهر الدابة المستلزم للإخلال بسائر المحال بطبيعة الحال يكشف عن عدم الاعتبار.

أقول : الكلام في هذه الرواية يقع تارة من حيث السند ، وأُخرى من ناحية الدلالة.

أمّا الدلالة ، فالظاهر أنّها قاصرة ، إذ لا يبعد أن يكون المراد من السجدة هي المندوبة دون العزيمة بقرينة الاستشهاد في مقام التعليل بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ظهر الدابة ، فإنّ المراد بها صلاة النافلة قطعاً ، إذ لا تجوز الفريضة على الدابة مع التمكن من النزول إلى الأرض بلا إشكال ولا كلام ، وكذا استشهاده عليه‌السلام بالآية المباركة إنّما يناسب إرادة النافلة كما ورد مثل ذلك في روايات النافلة على ظهر الدابة (٢). وعليه فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي إرادة المندوب من السجدة أيضاً كما لا يخفى.

وأمّا من حيث السند ، فقد عبّر عنها في الحدائق (٣) بالصحيحة ، وتبعه غير واحد ممّن تأخّر عنه ، لكن الظاهر أنّها ضعيفة ، لمكان جعفر بن محمّد بن مسرور شيخ الصدوق فإنّه مهمل لم يرد فيه توثيق ، وإن كان بقيّة رجال السند كلّهم ثقات.

نعم ، تصدّى المرحوم الميرزا محمّد في الوسيط (٤) لعدّ الرجل في الحسان باعتبار ترحّم الصدوق وترضّاه عليه وأقرّه الأردبيلي في جامع الرواة (٥) على

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٨ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٩ ح ١ ، علل الشرائع : ٣٥٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٨ / أبواب القبلة ب ١٥.

(٣) الحدائق ٨ : ٣٢٧.

(٤) الوسيط : ٤٥ السطر ٩.

(٥) جامع الرواة ١ : ١٦١.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك ، لكنّه لا يتم ، فانّ الترحّم بنفسه لا يقتضي التوثيق ولا يكشف عن حسن الحال ، وقد رأينا الصدوق كثيراً ما يترحّم ويترضّى على مشايخه وفيهم الضعيف وغيره ، وأنّ ذلك منه لا يكشف إلّا عن كونه شيعياً إمامياً لا يزيد عليه بشي‌ء كيف وقد ترحّم الصادق عليه‌السلام على جميع زوّار الحسين عليه‌السلام وفيهم الفاسق والكذّاب وشارب الخمر ، أفهل ترى أنّ ترحّم الصدوق وترضّاه أعظم شأناً من ترحّم الصادق عليه‌السلام هذا.

وقد استقرب في الوسيط أيضاً أن يكون المراد بالرجل هو جعفر بن محمّد ابن قولويه بعينه الّذي هو فوق الوثاقة والجلالة ، مستظهراً ذلك من عبارة النجاشي حيث ذكر في ترجمة عليّ بن محمّد بن جعفر بن موسى بن مسرور ما لفظه : مات حدث السن لم يسمع منه ، له كتاب فضل العلم وآدابه أخبرنا محمّد والحسن بن هدبة قالا حدّثنا جعفر بن محمّد بن قولويه قال حدّثنا أخي به ، أي بالكتاب (١).

فيظهر أنّ المترجم له هو أخو ابن قولويه ، فيكون جعفر بن محمّد بن موسى ابن قولويه هو بعينه جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن مسرور ، وذكر ذلك الوحيد البهبهاني أيضاً في تعليقته على الرجال الكبير (٢) ، ولعلّه من أجل ذلك عبّر في الحدائق عن الرواية بالصحيحة.

ولكن هذا لا يتم بل الظاهر عدمه ، فانّ الصدوق وإن أمكن روايته عن ابن قولويه لتقارب العصر وأقدميّة ابن قولويه في السن فيصلح لكونه شيخاً له كما يتّضح ذلك من قرينتين بعد معلومية تاريخ ولادة الصدوق وأنّه سنة ٣٠٥ وإن لم يضبط تاريخ الآخر إحداهما : أنّ ابن قولويه قد روى عن محمّد بن

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٦٢ / ٦٨٥ [والموجود فيه : حسن بن هديّة].

(٢) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٨٧.

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

جعفر الرزاز كثيراً المتوفى سنة ٣١٢ ، فبطبيعة الحال يقتضي أن يكون سنّه عندئذ ٢٠ أو ١٥ سنة على الأقل فيكون أسبق من الصدوق المتولِّد سنة ٣٠٥ كما عرفت.

الثانية : أنّه قد روى عن سعد بن عبد الله القمي الأشعري روايتين أو أربع كما ذكره النجاشي (١) ، وعلى أيّ حال فقد روى عنه ولو رواية واحدة ، وقد توفي سعد في سنة ٢٩٩ أو سنة ٣٠١ ، فلا بدّ وأن يكون سن ابن قولويه عندئذ ١٥ سنة على الأقل ، فيكون متولداً في سنة ٢٨٥ فيكون أسبق من الصدوق. وكيف ما كان ، فالصدوق وإن أمكن روايته عن ابن قولويه بحسب الطبقة إلّا أنّه لم ينقل عنه ولا رواية واحدة ، وكلّما ينقل فهو يرويه عن جعفر بن محمّد بن مسرور.

ودعوى الاتِّحاد بينه وبين جعفر بن قولويه مستظهراً ذلك من عبارة النجاشي غير مسموعة ، فإنّ النجاشي لم يقل أنّ علي بن محمّد بن جعفر بن موسى بن مسرور روى كتابه أخوه جعفر بن قولويه ليدل على أنّ عليّاً وجعفراً أخوان كي يقتضي الاتِّحاد المزبور ، بل قال بعد ذكر أنّ عليّاً له كتاب فضل العلم وآدابه : إنّ جعفر بن قولويه قال حدّثنا أخي به ، أي بالكتاب ، وأمّا أنّ أخاه من هو ، هل هو علي أم غيره فلا دلالة في العبارة عليه أصلاً.

وبعبارة اخرى : فرق واضح بين أن يقول بعد ذكر علي بن مسرور وأنّ له كتاباً روى جعفر بن قولويه عن أخيه بكتابه ، وبين أن يقول روى جعفر بن قولويه عن أخيه بالكتاب ، فإنّ الأوّل يدل على اخوّة جعفر وعلي وأنّ أخاه هو علي صاحب الكتاب ، بخلاف الثاني إذ مفاده أنّ أخاه هو الراوي لذاك الكتاب من دون أيّ دلالة على أنّه هو صاحب الكتاب كي يثبت به اخوّته مع

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٢٣ / ٣١٨ ، ١٧٧ / ٤٦٧.

٢١٩

ولا يعتبر فيه الطهارة من الحدث (١)

______________________________________________________

علي حتّى ينتج الاتِّحاد المزبور.

وممّا يكشف كشفاً قطعياً عن أنّ علي بن مسرور لم يكن أخاً لابن قولويه أنّ النجاشي قد ذكر في ترجمة علي أنّه مات حدث السن لم يسمع منه ، وإنّما له كتاب كما سمعت من عبارته ، مع أنّ جعفر بن قولويه روى في الكامل عن أخيه كثيراً ، فكيف يقال إنّه لم يسمع منه. وهذا كتاب كامل الزيارات مملوء من الروايات عن أخيه علي بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه. إذن جعفر بن محمّد بن مسرور رجل آخر غير جعفر بن موسى بن قولويه جزماً ، ومسرور جدّه بلا واسطة وليس لقباً لقولويه الّذي هو جدّ الثاني بوسائط فهما رجلان بلا إشكال ، وهذا ثقة وأيّ ثقة ، بل قال النجاشي في حقّه كل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه (١) ، وهذا غاية الثناء والتوثيق. وأما ابن مسرور الّذي هو شيخ الصدوق فلم تثبت وثاقته بوجه.

وعليه فالرواية ضعيفة السند وغير قابلة للاعتماد أبداً. مضافاً إلى قصور الدلالة كما عرفت ، إذن لا دليل على عدم اعتبار وضع المساجد السبعة في هذه السجدة ، ومقتضى الاحتياط الوجوبي هو الوضع ، بل عرفت أنّه لا يخلو عن قوّة.

(١) بلا إشكال ولا خلاف فيما عدا حدث الحيض كما ستعرف ويدلُّ عليه مضافاً إلى الإجماع : الأصل والإطلاقات ، لعدم التقييد فيها بالطهارة من الحدث الأصغر ولا الأكبر. وربّما يستدل له أيضاً بجملة من النصوص.

منها : رواية أبي بصير التي هي أجمع رواية في الباب ، لكونها جامعة لتمام

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٢٣ / ٣١٨.

٢٢٠