موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجوب لا حاجة إلى هذا التعليل ، لكونه من أجزاء الصلاة حينئذ لا من فعلهم عليهم‌السلام.

الثانية : صحيحة أبي بصير : «وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك ، وإذا كنت في الركعة الأُولى والثانية ولا يبعد أنّ النسخة مغلوطة والصحيح الثالثة فرفعت رأسك من السجود فاستتمّ جالساً حتّى ترجع مفاصلك فاذا نهضت فقل : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ، فانّ عليّاً عليه‌السلام هكذا كان يفعل» (١). وهذه كالسابقة في عدم الدلالة على الوجوب ، فانّ ظاهر الأمر وإن كان هو الوجوب لكن يصرفه عنه التعليل المذكور في الذيل ، فانّ الوجوب لا يناسب التعليل بالتأسِّي بفعل علي عليه‌السلام. فالدلالة قاصرة وإن صحّ السند كالسابقة ، فإنّ داود الخندقي الواقع في السند هو داود بن زربي الخندقي الموثق.

الثالثة : إطلاق صحيحة الأزدي قال عليه‌السلام فيها : «وإذا سجد فلينفرج وليتمكّن ، وإذا رفع رأسه فيلبث حتّى يسكن» (٢) حيث أمر عليه‌السلام باللبث والسكون المساوق للجلوس مطمئناً. وظاهر الأمر الوجوب ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الرفع عن السجدة الأُولى أو الثانية. هذا ونسخة الوسائل طبع عين الدولة مشتملة على الغلط ، والصحيح ما هو الموجود في الطبعة الجديدة فلتلاحظ.

وكيف كان ، فهذه الرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة ، فلا بأس بالاعتماد عليها.

الرابعة : ما رواه زيد النرسي في كتابه قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٦٥ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٩.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٨ ح ١٤.

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك وابسط يديك بسطاً واتك عليهما ثمّ قم فانّ ذلك وقار المؤمن الخاشع لربّه ولا تطيش من سجودك مبادراً إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم» (١).

والظاهر أنّ الرواية صحيحة السند ، فان زيداً موجود في أسانيد كامل الزيارات وإن لم يوثق صريحاً في كتب الرِّجال ، وأمّا كتابه فلم يرو عنه محمّد ابن علي بن بابويه ، وقال لم يروه محمّد بن الحسن بن الوليد ، وكان يقول وضعه محمّد بن موسى السمان الهمداني (٢) ، ولكن ابن الغضائري وكذا من تأخّر عنه خطأ ابن الوليد في نسبة الوضع وقال هذا غلط فإنِّي رأيت كتابه مسموعاً من محمّد بن أبي عمير (٣) ، وقال الشيخ أيضاً إنّ كتابه رواه عنه ابن أبي عمير (٤) وكذا النجاشي اعتمد على كتابه وقال : رواه جماعة منهم ابن أبي عمير (٥). فالظاهر أنّ نسبة الوضع في غير محلها ، ولم يعلم أنّ ابن الوليد بأيّ استناد حكم بالوضع ، ولو سلّم فمن أين علم أنّ الواضع هو محمّد بن موسى مع أنّ الكتاب مروي عنه بطريق ابن أبي عمير كما سمعت ولم يكن في الطريق هذا الرجل ، فلعل الواضع شخص آخر.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التشكيك في صحّة السند ، لكن الدلالة قاصرة لمكان التعليل المذكور في الذيل من كونه من وقار الصلاة الكاشف عن الاستحباب.

__________________

(١) المستدرك ٤ : ٤٥٦ / أبواب السجود ب ٥ ح ٢.

(٢) الفهرست : ٧١ / ٢٩٠ ، الخلاصة : ٣٤٧ / ١٣٧٧.

(٣) الخلاصة : ٣٤٧ / ١٣٧٧.

(٤) الفهرست : ٧١ / ٢٩٠.

(٥) رجال النجاشي : ١٧٤ / ٤٦٠.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الخامسة : رواية الأصبغ بن نباتة (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بعلي بن الحزور فإنّه لم يوثق ، أنّ الدلالة لمكان التعليل بالتوقير قاصرة لمناسبته الاستحباب كما مرّ.

السادسة : ما رواه الشيخ بإسناده عن سماعة عن أبي بصير قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا رفعت رأسك في (من) السجدة الثانية من الركعة الأُولى حين تريد أن تقوم فاستو جالساً ثمّ قم» (٢) وهذه كما ترى ظاهرة الدلالة إنّما الكلام في السند وقد عبّر عنها في الجواهر بالموثقة (٣) ، وتبعه غير واحد ولكن صاحب الحدائق عبّر عنها بما رواه الشيخ عن أبي بصير (٤) المشعر بالضعف وهو كذلك ، فإنّ سماعة وإن كان ثقة كأبي بصير لكن طريق الشيخ إليه غير معلوم مع الفصل الطويل بينهما ، فلم يعلم الواسطة ، لعدم ذكر الاسناد هنا وإن كان قد يذكره في الروايات الأُخرى عنه ، ولم يتعرّض لسماعة في الفهرست كي يذكر طريقه إليه فتصبح الرواية مرسلة لا محالة (٥).

السابعة : صحيحة عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأُولى جلس حتّى يطمئن ثمّ يقوم» (٦).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٧ / أبواب السجود ب ٥ ح ٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٤٦ / أبواب السجود ب ٥ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٨٢ / ٣٠٣.

(٣) الجواهر ١٠ : ١٨٤.

(٤) الحدائق ٨ : ٣٠٣.

(٥) لكن يمكن التصحيح بوجه آخر ، وهو أنّ طريق الصدوق إليه صحيح ، وقد صحّ طريق الشيخ أيضاً إلى جميع كتب الصدوق ورواياته كما أشار إليه الأُستاذ في المعجم [١٧ : ٣٥٠ / ١١٣١٩].

(٦) الوسائل ٦ : ٣٤٦ / أبواب السجود ب ٥ ح ١.

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : أنّه حكاية فعل صادر عنه عليه‌السلام وهو أعم من الوجوب فلا يدل عليه.

فتحصّل : أنّ شيئاً من الروايات المتقدِّمة لا يمكن الاستدلال بها على الوجوب لضعفها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو عدا صحيحة الأزدي بإطلاقها.

وبإزاء هذه الأخبار موثقة زرارة قال : «رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا» (١) فإنّها كما ترى صريحة في عدم الوجوب ، وبها يرفع اليد عن إطلاق صحيح الأزدي ويقيّد برفع الرأس عن السجدة الأُولى ، أو يحمل على الاستحباب كما يحمل عليه بقية الأخبار المتقدِّمة لو سلّم دلالتها على الوجوب.

والمناقشة في الموثقة بدلالتها على مواظبتهما عليهما‌السلام على الترك مع وضوح رجحان الجلوس على الأقل فيكشف عن أنّه كان لعذر وراء الواقع وهو التقيّة ، وإلّا فلا معنى للالتزام بترك المستحب سيّما وهو من توقير الصلاة كما مرّ ، فلا تدل على عدم الوجوب ،

ساقطة ، إذ لم يظهر وجه الدلالة على المواظبة وليست فيها كلمة «كان» المشعرة بالدوام والاستمرار ، ولفظة «إذا» وقتية محضة لا دلالة فيها على الدوام بوجه ، سواء أكانت متعلِّقة بـ «رأيت» أم بـ «نهضا» فالرواية صادقة مع الرؤية مرّة واحدة ، ولا قرينة في البين على حمل الفعل على التقيّة بعد أن كان الطبع الأوّلي مقتضياً للجري على الحكم الواقعي كما لا يخفى.

ومنه تعرف أنّ دعوى معارضتها بصحيحة عبد الحميد السابقة أيضاً ساقطة إذ بعد عدم دلالتهما على المواظبة فلا تنافي بين صدور الفعل منه مرّة وقد رآه عبد الحميد ، وصدور الترك اخرى وقد رآه زرارة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٦ / أبواب السجود ب ٥ ح ٢.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا ، وقد يستدل على الاستحباب بخبر رحيم قال : «قلت لأبي الحسن الرِّضا عليه‌السلام جعلت فداك أراك إذا صلّيت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الأُولى والثالثة فتستوي جالساً ثمّ تقوم ، فنصنع كما تصنع؟ فقال : لا تنظروا إلى ما أصنع أنا اصنعوا ما تؤمرون» (١) قال في الوسائل : أوّل الحديث يدل على الاستحباب ، وآخره على نفي الوجوب.

وفيه : أنّ الرواية وإن كانت معتبرة سنداً ، فانّ رحيم الّذي هو من أصحاب الرِّضا عليه‌السلام هو الملقب بعبدوس الخلنجي أبو أحمد وهو موجود في أسانيد كامل الزيارات ، وهو كاف في توثيقه وإن لم يوثق في كتب الرِّجال لكن الدلالة قاصرة ، فإنّها محمولة على التقيّة ، وإلّا فلما ذا منعه عليه‌السلام عن أن يصنع كما صنع ، مع أنّ جلسة الاستراحة لا إشكال في رجحانها واستحبابها لكونها من توقير الصلاة كما مرّ. فيعلم من ذلك أنّ سند المنع هو التقيّة إمّا من نفس الراوي كما احتمله في الحدائق (٢) ، أو من أجل الابتلاء بالعامّة والوقوع في خلاف التقيّة ، فلم تكن الرواية واردة في مقام بيان الحكم الواقعي قطعا.

وقد ظهر من جميع ما سردناه أنّ الأقوى عدم وجوب جلسة الاستراحة وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

بقي هنا شي‌ء : وهو أنّ صاحب المدارك (قدس سره) بعد أن استدلّ للوجوب برواية أبي بصير المتقدِّمة التي في سندها سماعة وهي الرواية السادسة من الروايات المتقدِّمة وعارضها بموثقة زرارة المتقدِّمة بقوله : والسندان متقاربان قال (قدس سره) بعد ذلك : ويدلُّ على الاستحباب صحيحة عبد الحميد بن عواض (٣)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٧ / أبواب السجود ب ٥ ح ٦.

(٢) الحدائق ٨ : ٣٠٤.

(٣) المدارك ٣ : ٤١٣.

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ وهي الرواية السابعة ـ واعترض عليه في الحدائق (١) متعجِّباً بأن الصحيحة حكاية فعل وهو أعم من الوجوب والاستحباب فأين الدلالة عليه.

وأجاب عنه المحقِّق الهمداني (قدس سره) (٢) بكلام متين وحاصله : أنّ الاعتراض ناش عن الغفلة وعدم التفطن إلى مراد صاحب المدارك ، فإنّه بعد أن نفى في المدارك احتمال الوجوب بمقتضى موثقة زرارة احتاج في إثبات الاستحباب إلى دليل فاستدلّ له بالصحيحة. فالاستدلال بها إنّما هو بعد القطع بعدم احتمال الوجوب بمقتضى الموثقة المؤيّدة بالأصل ، فتعجبه في غير محله وهذا الاشكال غير وارد على صاحب المدارك.

نعم ، يرد عليه الاشكال من وجهين : أحدهما : أنّ ما ذكره من أنّ سند الروايتين متقاربان في غير محله ، بل هما متباعدان ، فإن رواية أبي بصير ضعيفة من جهة الإرسال كما عرفت (٣) ، ورواية زرارة موثقة ، فلا تعارض لعدم التكافؤ في السند.

الثاني : أنّه لا حاجة في إثبات الاستحباب إلى دليل آخر لا صحيحة عواض ولا غيرها ، بل يكفي فيه نفس الدليلين من غير حاجة إلى ثالث ، فإن أحدهما تضمن الأمر وهي رواية أبي بصير مع قطع النظر عمّا ذكرناه من الضعف والآخر وهي الموثقة تضمنت تركه عليه‌السلام ، وبضم إحداهما إلى الأُخرى يثبت الاستحباب لا محالة.

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٣٠٥.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٥٢ السطر ٥.

(٣) وقد عرفت إمكان التصحيح من وجه آخر.

١٨٦

[١٦٣١] مسألة ٥ : لو نسيها رجع إليها ما لم يدخل في الركوع (١).

______________________________________________________

(١) لبقاء المحل ما لم يدخل في الركن كما هو الحال في سائر الأجزاء المنسيّة لكن الظاهر عدم إمكان التدارك فليس له الرجوع ، إذ الواجب ليس مطلق الجلوس بعد السجود ، بل حصّة خاصّة وهي الجلوس عن السجود ، وإن شئت قل : رفع الرأس عن السجود والاستواء جالساً كما تضمنته النصوص ، ومن الواضح أنّ هذا غير قابل للتدارك إلّا بإعادة السجود ، فيلزم منها الزيادة العمدية في السجدة الواحدة غير الجائزة بلا إشكال.

وقد تقدّم (١) نظير ذلك في بحث الركوع وقلنا إنّه لو نسي القيام بعد الركوع فأهوى إلى السجود وتذكر قبل وضع الجبهة على الأرض مضى في صلاته لحديث لا تعاد ، وليس له التدارك لعدم إمكانه ، إذ الواجب إنّما هو القيام عن الركوع لا القيام بعد الركوع ، فتداركه يتوقف على إعادة الركوع المستلزمة لزيادة الركن ، فكذا الحال في المقام.

__________________

(١) في ص ٢٦ ، ٥٣.

١٨٧

فصل

في سائر أقسام السجود

[١٦٣٢] مسألة ١ : يجب السجود للسهو كما سيأتي مفصلاً في أحكام الخلل.

[١٦٣٣] مسألة ٢ : يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع وهي : الم تنزيل عند قوله (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) وحم فصّلت عند قوله (تَعْبُدُونَ) والنجم ، والعلق وهي سورة اقرأ باسم عند ختمهما. وكذا يجب على المستمع لها بل السامع على الأظهر (١) (١).

______________________________________________________

(١) لا بدّ من التكلّم في جهات :

الاولى : في وجوب سجدة التلاوة وموردها.

الظاهر عدم الخلاف بين الإمامية في الوجوب ، بل ادّعى عليه الإجماع غير واحد ، كما أنّ موردها العزائم الأربع على ما ذكره في المتن ، وتشهد له جملة وافرة من النصوص.

منها : الروايات الواردة في الحائض الآمرة بالسجود إذا سمعت السجدة التي منها صحيحة الحذاء قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» (٢) وغيرها.

__________________

(١) بل على الأحوط ، والظاهر عدم الوجوب بالسماع.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٤٠ / أبواب الحيض ب ٣٦ ح ١.

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبِّر قبل سجودك ، ولكن تكبِّر حين ترفع رأسك ، والعزائم أربعة : حم السجدة ، وتنزيل ، والنجم ، واقرأ باسم ربّك» (١).

ومنها : صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إنّ العزائم أربع : اقرأ باسم ربّك الّذي خلق ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة» (٢).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان «عن رجل سمع السجدة تقرأ ، قال : لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها ...» إلخ (٣).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألته عن الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فينسى فيركع ويسجد سجدتين ثمّ يذكر بعد ، قال : يسجد إذا كانت من العزائم ، والعزائم أربع : الم تنزيل ، وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربّك ...» إلخ (٤).

ومنها : غيرها كما لا يخفى على المراجع. فالحكم مسلّم لا غبار عليه.

الجهة الثانية : هل الموجب للسجود والموضوع لهذا الحكم تلاوة الآية بتمامها فلا وجوب ما لم يفرغ عنها ، أو أنّ الموجب تلاوة نفس الكلمة المتضمِّنة للسجدة فلا عبرة بما قبلها ولا ما بعدها؟

المشهور هو الأوّل ، بل حكي عليه الإجماع والاتفاق. ويظهر من المحقِّق في

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٣٩ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٤١ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٧.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٤٢ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ١.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٤٤ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٤ ح ٢.

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المعتبر (١) الثاني ناسباً له إلى الشيخ ، ومال إليه في الحدائق (٢).

ويستدل لهذا القول بوجهين : الأوّل : أنّ سبب السجدة هو الأمر المتعلِّق بها في الآية ، فعند الانتهاء إلى هذه اللفظة يتحقّق الموجب فلا اعتداد بغيرها.

وهذا كما ترى ساقط جدّاً ، ضرورة أنّ الموجب إنّما هو التلاوة الخارجية أو السماع على ما نطقت به النصوص لا نفس الأمر وإلّا وجب السجود دائماً سواء قرأ أم لا ، كما هو الحال في سائر الأحكام التي تضمّنها القرآن من الصلاة والزكاة ونحوهما غير المنوط وجوبهما بالقراءة وهو واضح الفساد.

الثاني : ما ذكره في الحدائق من أنّ ذلك مقتضى ظواهر الأخبار لتعليق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها ، والمتبادر من السجدة إنّما هو لفظ السجدة ، إذ الحمل على تمام الآية يحتاج إلى التقدير الّذي هو خلاف الأصل ، غير أنّ اتفاق الأصحاب على خلافه يمنعنا من الالتزام به وإلّا فهو مقتضى الجمود على ظواهر النصوص.

وفيه : ما لا يخفى ، ضرورة أنّ حمل السجدة الواردة في النصوص على لفظ السجدة كي يكون من باب استعمال اللفظ في اللفظ ممّا لا يمكن المصير إليه ، لعدم ورود هذه اللفظة بمادتها وهيئتها في شي‌ء من آيات العزائم وإنّما الموجود فيها سائر المشتقات. وعليه فارتكاب التقدير ممّا لا محيص عنه ، فيدور الأمر بين أن يكون المراد آية السجدة أو سورتها لصحّة كلا الإطلاقين ، لكن الثاني مقطوع العدم ، لقيام الإجماع بل الضرورة على عدم مدخلية السورة في الوجوب وعدم الاعتداد بسائر الآيات. مضافاً إلى دلالة النصوص عليه التي منها موثقة

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٧٣.

(٢) الحدائق ٨ : ٣٣٤.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عمار قال عليه‌السلام فيها : «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها» (١).

فيتعيّن الأوّل ، فيظهر أنّ الموجب للسجود إنّما هو نفس الآية ، فلا عبرة بأبعاضها حتّى اللفظة المتضمِّنة للسجدة. وعلى تقدير التنزل والشك في إيجاب هذه اللّفظة لها فتكفينا أصالة البراءة التي هي المرجع في الشبهة الحكمية الوجوبية باتِّفاق الأُصوليين والأخباريين.

الجهة الثالثة : إذا بنينا على أنّ سبب الوجوب هو تمام الآية كما عرفت ، فلا إشكال في أنّ موضع السجدة ومحلها هو ما بعد الفراغ عن الآية ، لعدم تحقّق الموجب قبلئذ. وأمّا على المبنى الآخر وأنّ السبب نفس الكلمة ، فهل يتعيّن السجود بمجرّد الانتهاء عنها أو يؤخِّر إلى ما بعد الفراغ عن الآية كما في الأوّل ولا تنافي بين الأمرين بأن يكون الموجب نفس الكلمة وموضع السجدة بعد الآية كما لا يخفى.

وقد اضطربت كلماتهم واختلفت في المقام فوقع الخلط بين هذه الجهة وبين الجهة السابقة ، والأولى هو التفكيك وتحرير البحث بما سمعت. المعروف هو التأخير حتّى على هذا المبنى ، لكن المحقِّق في المعتبر (٢) ذكر أنّ موضعه في خصوص حم السجدة عند قوله تعالى (وَاسْجُدُوا لِلّهِ) ونسبه إلى الشيخ في الخلاف. وعن الشهيد في الذكرى (٣) أنّ النسبة غير تامّة وأنّ كلام الشيخ ليس صريحاً فيه ولا ظاهراً.

والّذي يمكن أن يستدل له هو الفورية المعتبرة في سجدة التلاوة ، لكنّه لو تمّ لعم ولم يختص بهذه السجدة ، على أنّه لا يتم لعدم اقتضاء الأمر للفور ولا دليل

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٧٣.

(٣) الذكرى ٣ : ٤٦٨.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه في المقام. نعم ، يستفاد ذلك ممّا دلّ على المنع عن تلاوة آية العزيمة في الصلاة معلّلاً بأنّه زيادة في المكتوبة (١) ، إذ لو جاز التأخير إلى ما بعد الصلاة لم تتحقّق الزيادة فتدل لا محالة على اعتبار الفور في هذه السجدة ، لكن المراد هي الفورية العرفية دون الحقيقية فلا يقدح فيها التأخير اليسير بمقدار الفراغ من الآية سيّما لو كان الباقي منها كلمة واحدة كما في سورة العلق ، أو أتمها حال الهوي إلى السجود. وقد دلّت موثقة سماعة صريحاً على ذلك قال عليه‌السلام فيها : «من قرأ اقرأ باسم ربّك فاذا ختمها فليسجد» (٢) فالأقوى أنّ موضع السجدة هو الفراغ عن الآية من غير فرق بين المبنيين.

الجهة الرابعة : لا إشكال كما لا خلاف نصّاً وفتوى في شمول الحكم للقارئ والمستمع ، وتقتضيه جملة وافرة من النصوص التي تقدّمت الإشارة إليها.

وهل يعم السامع أيضاً من غير اختيار وإنصات أم أنّها مستحبّة بالإضافة إليه؟ حكي عن غير واحد من القدماء وجملة من المتأخِّرين الأوّل بل عن الحلِّي دعوى الإجماع عليه (٣) ، واختاره في المتن ، لكن المحكي عن جماعة آخرين الثاني ، بل قيل إنّه مذهب الأكثر ، أو أنّه المشهور ، بل عن الخلاف (٤) والتذكرة (٥) الإجماع عليه ، وهذا هو الأقوى ، فإنّ مقتضى غير واحد من الأخبار وإن كان هو الإطلاق الشامل لصورتي السماع والاستماع ، لكن يجب تقييدها بالثاني بمقتضى صحيحة عبد الله بن سنان المصرِّحة بالتفصيل وتخصيص الحكم بالمستمع ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمع السجدة تقرأ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٢ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٧ ح ٢.

(٣) السرائر ١ : ٢٢٦.

(٤) الخلاف ١ : ٤٣١ المسألة ١٧٩.

(٥) التذكرة ٣ : ٢١٣.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها أو يصلِّي بصلاته فأمّا أن يكون يصلِّي في ناحية ، وأنت تصلِّي في ناحية أُخرى فلا تسجد لما سمعت» (١) هذا.

وقد نوقش في الصحيحة من وجوه :

أحدها : من حيث السند ، فانّ في الطريق محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرّحمن ، وقد استثناه الصدوق تبعاً لشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد عن رجال نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى حيث قال : ما تفرد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا أعتمد عليه (٢) ، وضعّفه الشيخ أيضاً صريحاً (٣).

أقول : الظاهر صحّة الرواية فإنّ الاستثناء لم يصدر إلّا من الصدوق وشيخه ابن الوليد ، فما في بعض الكلمات من إسناده إلى القميين في غير محله ، وحيث إنّ الصدوق تابع في ذلك لشيخه كما صرّح (قدس سره) بالتبعية (٤) وأنّه لا رأي له في ذلك مستقلا ، فليس المستثني في الحقيقة إلّا ابن الوليد فحسب ، لكنّ المتأخِّرين عنه أنكروا عليه هذا الاستثناء وخطؤه في ذلك ، قال النجاشي بعد توصيف العبيدي بجلالة القدر وأنّه ثقة عين ، وبعد حكاية الاستثناء المزبور ما لفظه : «ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى» ، انتهى (٥).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٢ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ١.

(٢) الفهرست : ١٤٠ / ٦٠١ ، رجال النجاشي : ٣٣٣ / ٨٩٦.

(٣) الفهرست : ١٤٠ / ٦٠١ ، رجال الطوسي : ٣٩١ / ٥٧٥٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤١.

(٥) رجال النجاشي : ٣٣٣ / ٨٩٦.

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وحكى الكشي (١) عن القتيبي أنّه قال : كان الفضل بن شاذان (رحمه الله) يحب العبيدي ويثني عليه ، ويمدحه ويميل إليه ، ويقول : ليس في أقرانه مثله وقد اعتمد عليه النجاشي كثيراً ووثّقه صريحاً كما سمعت ، وحكى عن شيخه أبي العباس بن نوح إنكاره على ابن الوليد في الاستثناء قائلاً : فلا أدري ما رابه فيه أي ما الّذي أوقعه في الريب ، لا ما رأيه كما في نسخة جامع الرواة ج ٢ ص ٦٤ فإنّه غلط كما لا يخفى لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة (٢).

وعلى الجملة : فلا يمكن التعويل على استثناء ابن الوليد المشعر بضعف الرجل في قبال توثيق النجاشي وغيره والثناء عليه بتلك المقالة الكاشفة عن كونه بمكانة من الوثاقة والجلالة حتّى كأنه من المتسالم عليه عند الأصحاب ولذا أنكروا عليه استثناءه متعجبين ناقمين كما مرّ. فلا يصلح ذاك الجرح لمعارضة مثل هذا التوثيق.

بل التحقيق : أنّ استثناء ابن الوليد لا يكشف عن جرح وقدح في نفس الرجل ، فإنّ النجاشي قد تعرّض لنقل هذا الاستثناء في موضعين من كتابه.

أحدهما : في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى ، فعدّ من جملة ما استثناه ابن الوليد من رواياته ما يرويه محمّد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع. وهذا كما ترى كالصريح في أنّ منشأ الاستثناء كون الرواية مقطوعة وليست هي بحجّة حينئذ بلا خلاف ولا إشكال وإن كان الراوي في أعلى درجات الوثاقة ، فلا إشعار في هذه العبارة فضلاً عن الدلالة على قدح في العبيدي نفسه.

الثاني : في ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد نفسه ، فحكى عن ابن الوليد أنّه قال : ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا أعتمد عليه

__________________

(١) رجال الكشي : ٥٣٧ / ١٠٢١.

(٢) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر من هذه العبارة أنّ سبب الاستثناء في نظر ابن الوليد وجود خلل في طريق العبيدي إلى كتب يونس لعلّة مجهولة لدينا ، لا وجود الخلل والضعف في نفس العبيدي وإلّا لم يكن وجه لتخصيص الاستثناء بما يرويه عن يونس ، بل كان اللّازم الاستثناء على سبيل الإطلاق للغوية التقييد حينئذ ، فالتقييد المزبور أقوى شاهد على أنّ الرجل لم يكن بنفسه ممقوتاً عند ابن الوليد. فلا مجال للإنكار عليه بالعبائر المتقدِّمة من أنّه مَن مثل العبيدي ، أو ليس في أقرانه مثله ، وكأنهم استفادوا من كلامه قدحاً في الرجل فأنكروا عليه.

وكيف ما كان ، فالإنصاف أنّ استثناء ابن الوليد لا يدل على قدح في الرجل حتّى يعارض به توثيق النجاشي ، والعلّة التي كانت في نظره في وجه الخلل في طريقه إلى كتب يونس مجهولة لدينا كما عرفت فلا يمكن التعويل عليها ، وقد عرفت أنّ الصدوق تابع له وأنّه لم يتبعه غيره من القميين.

والّذي يكشف عمّا ذكرناه كشفاً قطعياً : أنّ الصدوق الّذي هو تابع لشيخه في الاستثناء المزبور كما صرّح به لم يذكر في كتاب الفقيه رواية عن محمّد بن عيسى عن يونس مع روايته عن محمّد بن عيسى بنفسه غير ما يرويه عن يونس كثيراً ، فلو كان الاستثناء كاشفاً عن قدح في الرجل لما نقل رواية عنه أصلاً ، فالتفكيك أقوى شاهد على أنّ الخلل في طريقه إلى يونس لا فيه نفسه وحيث إنّ ادّعاء الخلل اجتهاد من شيخه من غير أن يكون عليه دليل ظاهر فهو أعرف بما قال ، ولا يلزمنا اتباعه.

وأمّا تضعيف الشيخ فهو أيضاً متّخذ من عبارة ابن الوليد ومستند إليه ، لقوله في ترجمته : يونسي ، أي من تلاميذ يونس ، فكأنّ الخلل إنّما هو في طريقه إليه كما عرفت من ابن الوليد ، وكذا تضعيف العلّامة في بعض كتبه وغيره مستند إليه ، وبعد وضوح المستند وعدم صلاحيته للاستناد لخطئهم فيه كما ذكرنا فهو غير قابل للاعتماد ، فالأقوى وثاقة الرجل لتوثيق النجاشي السليم عمّا يصلح

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

للمعارضة ، فمن أجل ذلك يحكم بصحّة الرواية ، فالمناقشة السندية ساقطة.

الوجه الثاني من وجوه المناقشة : أنّها قد تضمّنت جواز قراءة الإمام للعزيمة الممنوع عنها بلا إشكال ، فهي محمولة على التقيّة فتسقط عن الحجّية.

والجواب عنه أوّلاً : أنّ الإمام المذكور لم يفرض كونه إمام الحق ، فمن الجائز كونه من المخالفين وهم يجوّزون العزيمة في الصلاة ، ولا يرون وجوب السجود فان سجد الإمام تبعه تقيّة ، وإلّا يومئ برأسه كما ورد في بعض النصوص (١) من أنّ من سمع العزيمة وهو في الصلاة يومئ برأسه إيماءً ، ولا محذور في حمل الصحيحة على ذلك ، غايته ارتكاب التقييد بما إذا سجد الإمام ، وإلّا فالوظيفة هي الإيماء كما عرفت ، ولا ضير فيه.

وثانياً : مع التسليم ، فغايته سقوط هذه الفقرة عن الحجِّية غير القادحة في حجِّية الباقي الّذي هو مبنى الاستدلال فإنّها إلى قوله عليه‌السلام «مستمعاً لها» صريحة الدلالة وإن سلّم الإجمال فيما بعده.

الوجه الثالث : أنّها مطلقة بالإضافة إلى العزيمة وغيرها لعدم تقييدها بالأوّل وعليه فالنسبة بينها وبين النصوص المتقدِّمة الدالّة على الوجوب في العزيمة الشاملة بإطلاقها للسامع والمستمع عموم من وجه ، لاختصاص الصحيحة بالسامع وعمومها للعزيمة وغيرها على عكس تلك النصوص ، فيتعارضان في مادة الاجتماع وهي السامع للعزيمة ، فلا يجب السجود بمقتضى هذه الصحيحة ويجب بمقتضى تلك المطلقات ، وحيث إنّ الترجيح للثاني لمكان الشهرة المؤيّدة بإجماع السرائر تعيّن الوجوب.

والجواب أوّلاً : أنّ الظاهر من الصحيحة ولو بمناسبة الحكم والموضوع أنّ المراد بالسجدة فيها خصوص العزيمة لقوله عليه‌السلام : «لا يسجد» متعقّباً

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٤٣ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٣ ح ٤.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاستثناء ، إذ لا يحتمل أن يراد بالنهي المنع ، لثبوت الاستحباب لدى سماع السجدة مطلقاً بلا ارتياب ، بل المراد به نفي الوجوب لوروده في مقام توهّم الأمر كما يكشف عنه استثناء صورة الاستماع المحكومة بالوجوب ، فيكون حاصل المعنى : أنّ من سمع السجدة لا يجب عليه السجود إلّا مع الإنصات والاستماع. وهذا كما ترى لا ينطبق إلّا مع إرادة العزيمة خاصّة لعدم احتمال الوجوب في غيرها.

وعليه ، فالنسبة بينها وبين المطلقات عموم وخصوص مطلق لا من وجه ، فيلتزم بالتخصيص بحمل تلك المطلقات على صورة الاستماع خاصّة.

وثانياً : على تقدير التسليم ، فحيث إنّ التعارض في مادة الاجتماع بالإطلاق فيسقطان ، ويرجع حينئذ إلى أصالة البراءة ، ولا مجال للرجوع إلى المرجحات. مع أنّ إجماع السرائر مضافاً إلى وهنه معارض بمثله كما تقدّمت الإشارة إليه (١).

الوجه الرابع : أنّ أقصى ما يستفاد منها نفي الوجوب في السامع المصلِّي فيحتاج ثبوت الحكم في غير المصلِّي إلى إثبات عدم القول بالفصل كي يتعدّى من أحدهما إلى الآخر.

والجواب : أنّ هذا إنّما يتّجه لو كان قوله عليه‌السلام : «فامّا أن يكون يصلّي ...» إلخ راجعاً إلى صدر الكلام حتّى يقيّد به إطلاقه كي يكون المعنى حينئذ أنّه لا يسجد السامع إذا كان القارئ يصلِّي في ناحية وأنت تصلِّي في ناحية أُخرى ، لكنّه ليس كذلك قطعاً ، بل هذه الجملة بمقتضى الظهور العرفي من متمِّمات الجملة المتّصلة بها ، أعني قوله عليه‌السلام «أو يصلِّي بصلاته» فأراد عليه‌السلام بيان أنّ المصلِّي يسجد إذا كان مأموماً يصلِّي بصلاة القارئ وأمّا إذا كان منفرداً فلا ، بل يومئ ، وقد أشرنا إلى وجه السجود إذا كان

__________________

(١) في ص ١٩٢.

١٩٧

ويستحب في أحد عشر موضعاً (١) : في الأعراف عند قوله (وَلَهُ يَسْجُدُونَ)

______________________________________________________

مأموماً وأنّه من أجل التقيّة ، لكون الإمام من المخالفين ، ولا مقتضي له حال الانفراد.

وعليه فيبقى إطلاق الصدر على حاله ، وأنّه لدى السماع لا يجب السجود مطلقاً إلّا في خصوص المأموم.

وعلى الجملة : فهذه الإشكالات كلّها ساقطة ، فإنّ الرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة من غير اشتمالها على ما يخالف القواعد ، فلا مناص من الأخذ بها ، ومن أجلها تقيد تلك المطلقات وتحمل على صورة الاستماع جمعاً بينها وبين هذه الصحيحة فلا وجوب مع السماع.

وأمّا الاستحباب فممّا لا ينبغي الإشكال فيه من غير حاجة إلى ورود دليل عليه بالخصوص ، إذ يقتضيه مضافاً إلى الاتفاق والتسالم نفس الأمر الوارد في تلك المطلقات بضميمة الترخيص في الترك الّذي تضمنته الصحيحة ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الوجوب والاستحباب غير مستفادين من نفس اللّفظ ولم يكونا مدلولين للأمر ، وإنّما هما بحكم العقل المنتزع من الأمر بشي‌ء مع الاقتران بالترخيص في الترك ، أو عدم الاقتران ، فالأمر بالسجدة في تلك المطلقات مستعمل في جامع الطلب ، وحيث إنّه لم يقترن بالترخيص في الترك بالإضافة إلى المستمع كما هو ظاهر ، واقترن به بالإضافة إلى السامع بمقتضى هذه الصحيحة ، لدلالتها على نفي الوجوب بالنسبة إليه كما سبق ، فنتيجته الوجوب في الأوّل والاستحباب في الثاني.

(١) كأن هذا من المتسالم عليه بينهم حكماً ومورداً مرسلين له إرسال المسلّمات ، فلا يجب في الزائد على الأربع ويستحب في غيرها من المواضع الأحد عشر على التفصيل الّذي ذكره في المتن.

١٩٨

وفي الرعد عند قوله (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ، وفي النحل عند قوله (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) وفي بني إسرائيل عند قوله (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) وفي مريم عند قوله (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) وفي سورة الحج في موضعين عند قوله (يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) وعند قوله (افْعَلُوا الْخَيْرَ) وفي الفرقان عند قوله (وَزادَهُمْ نُفُوراً) وفي النمل عند قوله (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وفي ص عند قوله (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) وفي الانشقاق عند قوله (وَإِذا قُرِئَ) بل الأولى السجود عند كل آية فيها أمر بالسجود.

______________________________________________________

ويؤيِّده : النبوي الّذي رواه جماعة من الأصحاب عن عبد الله بن عمرو بن العاص (١) ، ورواية دعائم الإسلام (٢) ، وخبر عبد الله بن سنان (٣) وغيرها من الروايات الضعيفة التي تؤيِّد المطلوب المصرّحة بالاستحباب فيما عدا الأربع ، بل ذكر في المتن تبعاً لجماعة ثبوت الاستحباب عند كل آية فيها أمر بالسجود مثل قوله تعالى (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي) (٤) وغير ذلك.

وتؤيِّده : رواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : إنّ أبي علي بن الحسين عليه‌السلام ما ذكر لله نعمة عليه إلّا سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجدة إلّا سجد إلى أن قال فسمي السجّاد بذلك» (٥) وإن كانت ضعيفة السند.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٥ / ١٠٥٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٥٨ / ١٤٠١.

(٢) الدعائم ١ : ٢١٤ ، المستدرك ٤ : ٣٢٠ / أبواب قراءة القرآن ب ٣٧ ح ١.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٤١ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٩.

(٤) آل عمران ٣ : ٤٣.

(٥) الوسائل ٦ : ٢٤٤ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٤ ح ١.

١٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن صاحب المدارك (١) المناقشة في استحباب ما عدا المواضع الأربعة لعدم وقوفه على نص يعتد به.

واعترض عليه في الحدائق (٢) بأنّ النص الصحيح موجود حتّى بناءً على اصطلاحه ، وهو ما رواه محمّد بن إدريس في مستطرفات السرائر نقلاً من نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن العلاء عن محمّد بن مسلم «... وكان علي بن الحسين عليه‌السلام يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة» (٣) ، لأنّ البزنطي صاحب الكتاب رواه عن العلاء عن محمّد بن مسلم ، والثلاثة ثقات بالاتِّفاق. على أنّه (قدس سره) في غير موضع من كتابه يعمل بالخبر الضعيف في باب السنن ، فلا معنى لردّه هنا بضعف السند بعد وجود الخبر كرواية جابر المتقدِّمة. ثمّ اعتذر عنه بأنّ نظره في الفحص مقصور على الكتب الأربعة كما هي عادته ولم يراجع غيرها ، وهذه الأخبار خارجة عنها.

أقول : الظاهر صحّة ما أفاده صاحب المدارك (قدس سره) في المقام ، فإنّه لم ينكر وجود النص بقول مطلق كي يعتذر عنه بقصر النظر على الكتب الأربعة بل قيّده بنص يعتد به وهو مفقود كما أفاده (قدس سره) ، وما ذكره صاحب الحدائق من رواية محمّد بن مسلم فهي ليست من النص الصحيح ، فانّ رجال السند وإن كان كلّهم ثقات كما ذكره إلّا أنّ طريق ابن إدريس إلى كتاب البزنطي مجهول لدينا مع الفصل الطويل بينهما ، فإنّ البزنطي من أصحاب الجواد عليه‌السلام والحلِّي من رجال القرن السادس فبينهما وسائط ، وحيث أنّها مجهولة ، فالرواية محكومة بالإرسال لا محالة فتسقط عن الاستدلال ، فهي

__________________

(١) المدارك ٣ : ٤١٩.

(٢) الحدائق ٨ : ٣٣١.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٤٤ / أبواب قراءة القرآن ب ٤٤ ح ٢ ، السرائر ٣ (المستطرفات) : ٥٥٨.

٢٠٠