موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

لزيادة السجدة كما اعترف به الماتن وغيره ، فمن الضروري عدم الفرق في ذلك بين صورتي التمكن من الجر وعدمه.

وعليه فكيف يمكن الالتزام في المقام بوجوب الرفع تحصيلاً لقيد معتبر في السجود وهو الوضع على ما يصح ، وهل يمكن المصير إلى إيجاد مانع مقدّمة لتحصيل شرط ، فلا مناص إمّا من إنكار المبنى فيلتزم بوجوب الرفع في كلتا الصورتين كما هو الصحيح أو البناء على البطلان في المقام فإنّه المتعيِّن لو سلّم الاستلزام المزبور ، فالتفكيك مع الاعتراف بالمبنى غير ظاهر الوجه.

هذا ، وقد يحتمل في المقام قول ثالث وهو البناء على صحّة الصلاة وإتمامها على هذه الحالة من دون رفع ، فانّ الجر ساقط لفرض العجز ، والرفع موجب للزيادة ، فيدور الأمر بين الصحّة والإتمام كذلك وبين البطلان ، لكن الأخير منفي بحديث لا تعاد ، إذ الخلل لم ينشأ من قبل السجود كي يندرج في عقد الاستثناء ، وإنّما هو في قيد معتبر فيه وهو الوضع على ما يصح ، فيشمله عموم المستثنى منه ، فذات السجود قد اتي به ، وإنّما الخلل في واجب آخر معتبر فيه فليس حاله إلّا كالإخلال بالذكر أو الاطمئنان ، أو وضع سائر المساجد الّذي هو مشمول لعموم الحديث بلا ارتياب ، فيتعيّن الحكم بالصحّة.

ولعل فتوى الماتن بها لو كان الالتفات بعد استكمال الذكر حيث قال : وإن كان بعد تمامه فالاكتفاء به قوي ، ناظر إلى هذا القول غير الجاري فيما لو كان التذكر قبل الاستكمال ، لعدم تكفّل الحديث لتشريع الذكر حال فقد القيد ولأجله فصّل (قدس سره) بين الصورتين وإلّا فلم يظهر وجه للتفكيك أصلاً كما لا يخفى.

ولكنّه لا يتم أمّا أوّلاً : فلأنّ السجود بمفهومه العرفي وإن كان هو مطلق وضع الجبهة على الأرض ، لكن الّذي اعتبره الشارع في الصلاة هو حصّة خاصّة منه وهو الوضع على ما يصح السجود عليه فهو الجزء بخصوصه دون غيره

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

فالإخلال بهذا القيد إخلال بذات الجزء ، فلو سجد على ما لا يصح فقد ترك الجزء نفسه ، إذ ما أتى به لم يكن جزءاً ، وما هو الجزء لم يأت به ، ومن الواضح أنّ السجود المستثنى في حديث لا تعاد وكذا الركوع لا يراد به إلّا السجود المعدود من أجزاء الصلاة ، أعني السجود الشرعي المأمور به دون ذاته بما له من المفهوم العرفي ، ومن هنا لو انحنى مقداراً تحقّق معه الركوع العرفي ولم يبلغ الحد الشرعي نسياناً ثمّ تذكّر لا ينبغي الشك في بطلان الصلاة ، ولا مجال لتصحيحها بالحديث ، مع أنّ المتروك حينئذ إنّما هو قيد الركوع وحدّه الشرعي لا ذاته ، وقياسه بالذكر ونحوه في غير محله ، إذ تلك الأُمور واجبات معتبرة حال السجود وليست قيداً مأخوذاً في ذات المأمور به.

وعلى الجملة : فالإخلال بالقيد في المقام إخلال بنفس السجود لا بواجب آخر ، فيندرج في عقد الاستثناء دون المستثنى منه.

وأمّا ثانياً : سلّمنا أنّ المراد بالسجود في الحديث هو ذاته ومعناه العرفي دون الشرعي ، إلّا أنّ الحديث لا يشمل الإخلال العمدي وإن كان عن عذر كما في المقام ، حيث إنّ الوظيفة هي الجر حسب الفرض غير أنّه عاجز عنه ، فهو يخل به ويتركه عن عمد والتفات وإن كان مضطرّاً إليه ، والحديث إنّما يجري فيما إذا كان الالتفات بعد تحقّق الإخلال ومضي محل التدارك ، سواء أكان الالتفات أثناء الصلاة أم بعدها ، ولا يعم ما إذا كان ملتفتاً إلى الترك حين الإخلال بالجزء أو الشرط وإن كان معذوراً فيه ، لاختصاص الحديث بغير صورة العمد ، ومن هنا لو شرع في الصلاة فمنعه عن القراءة مثلاً مانع أو نسي صورتها فتركها ملتفتاً لا ينبغي الشك في عدم شمول الحديث له ووجوب إعادة الصلاة.

والمتحصِّل ممّا مرّ : سقوط هذا القول وأنّ الأقوى وجوب الرفع سواء أتمكن من الجر أم لا ، وسواء أكان الالتفات قبل استكمال الذكر أم بعده قبل رفع الرأس.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الفرع الثاني : أعني ما إذا كان الالتفات بعد رفع الرأس ، فقد ظهر ممّا مرّ لزوم التدارك تحصيلاً للسجود المأمور به ولا ضير فيه بعد عدم قادحية الزيادة السهوية في السجدة الواحدة كما مرّ ، ولكن المشهور هو الاكتفاء بذلك وعلّله في الجواهر (١) بأنّ المتروك خصوصية معتبرة في السجود وهي كونه على ما يصح دون أصله ، فيشمله عقد المستثنى منه في حديث لا تعاد المقتضي للصحّة. فالمقام نظير ما لو أخلّ بالذكر أو الاطمئنان أو وضع سائر المساجد سهواً المحكوم بالصحّة بلا إشكال عملاً بالحديث.

أقول : الظاهر لزوم التدارك كما عرفت ، لوقوع الخلل في نفس السجود المأمور به.

وتوضيح المقام : أنّه لا ريب أنّ أجزاء الصلاة قد لوحظت على صفة الانضمام والارتباط ، فكل جزء إنّما يعتبر في المركب مقيّداً بالمسبوقية أو الملحوقية ، أو المقارنة مع الجزء الآخر بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء ، فالقراءة مثلاً المعدودة من أجزاء الصلاة هي المسبوقة بالتكبيرة والملحوقة بالركوع ، والمقارنة للقيام دون المجرّدة عن شي‌ء منها ، فالإخلال بهذا القيد يستوجب الإخلال بذات الجزء لا محالة ، ومن هنا لو نسي القراءة وتذكّر بعد الدخول في الركوع كان محل التدارك باقياً بالنظر الدقيق ، لعدم الدخول بعدُ في الجزء المترتِّب فإنّه الركوع المتّصف بمسبوقيته بالقراءة ولم يتحقّق ، والمتحقِّق ركوع غير مسبوق ولم يكن جزءاً ، إلّا أنّ الإخلال بهذا القيد الناشئ من اللحاظ المزبور غير قادح في الصحّة بلا إشكال ، وإلّا لزم اللغوية في حديث لا تعاد ، لعدم الفرق حينئذ بين الخمسة المستثناة وغيرها ، إذ الإخلال بغير الخمس عندئذ يستوجب الإخلال بالخمس بطبيعة الحال ، فترك القراءة مثلاً ملازم لترك الركوع ، وترك التشهّد ملازم لترك السجود ، لعدم مسبوقية الركوع

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ١٦٢.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالقراءة ، وعدم ملحوقية السجود بالتشهّد ، وهكذا.

فلازمه الحكم بالبطلان لدى الإخلال بأيّ جزء على الإطلاق ، حتّى الذكر حال الركوع ، لعدم مقارنته معه. مع أنّ الحديث خصّ البطلان من ناحية الخمس فقط ، كما أنّه يلغو حينئذ قوله عليه‌السلام : لا تعاد الصلاة من سجدة وإنّما تعاد من ركعة (١) لاستلزام الإخلال بالسجدة الإخلال بالركعة كما عرفت.

فبهذه القرينة القطعية يستكشف أنّ القيد الّذي يستوجب الإخلال به البطلان في الخمس ولا يستوجبه في غيرها هو القيد غير الناشئ من ناحية الانضمام والارتباط ، وأنّ الموجب للبطلان في الخمس هو الإخلال بها في أنفسها إمّا بتركها رأساً ، أو بترك القيد المعتبر في تحقّقها بما هي كذلك مع قطع النظر عن لحاظ الارتباط والانضمام ، وهذا ظاهر جدّا.

وعليه فبما أنّ وضع الجبهة على ما يصح من القيود الشرعية المعتبرة في ذات السجود المأمور به بما هو كذلك ، فالإخلال به إخلال بنفس السجود ، فيشمله عقد الاستثناء في حديث لا تعاد ، إذ المراد من السجود في الحديث وكذا الركوع هو السجود الشرعي دون العرفي ، لما مرّ قريباً من النقض بمن اقتصر على الركوع العرفي ولم يبلغ الحدّ الشرعي في انحنائه نسياناً ، فانّ صلاته حينئذ محكومة بالبطلان بلا إشكال ، مع تحقّق الركوع العرفي منه.

نعم ، من ناحية الزيادة لا يعتبر أن يكون الزائد سجوداً أو ركوعاً شرعياً بل يكفي العرفي ، لاستفادة ذلك ممّا دلّ على النهي عن تلاوة العزيمة في الصلاة معلِّلاً بأنّه زيادة في المكتوبة (٢) حيث طبّق عليه‌السلام عنوان الزيادة على سجود التلاوة ، مع أنّه سجود عرفي قطعاً ، لعدم اعتبار الوضع على ما يصح

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ (نقل بالمضمون).

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة ب ٤٠ ح ١.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السجود عليه في هذا السجود ، بل يكفي كيف ما اتّفق.

وعلى الجملة : السجود المذكور في الحديث شرعي من حيث النقص ، وإن كان عرفياً من ناحية الزيادة. فالإخلال بكل قيد معتبر فيه شرعاً إخلال بنفس السجود ، ولا ريب أنّ الوضع على ما يصح من هذا القبيل ، فتركه تركه إذ ما أتى به من الوضع على ما لا يصح لم يكن جزءاً ، وما هو الجزء لم يأت به فلا يمكن الاكتفاء به ، لعدم اندراجه في عقد المستثنى منه ، بل لا بدّ من إعادة السجود وتداركه تحصيلاً للمأمور به ، غاية ما هناك لزوم زيادة سجدة واحدة وحيث إنّها سهويّة من حين تحقّقها لم تقدح كما مرّ غير مرّة.

يبقى الجواب عمّا ذكره (قدس سره) من موارد النقض ، أمّا عن الذكر فظاهر فإنّه جزء مستقل معتبر حال السجود ولم يكن قيداً مأخوذاً في تحقّق السجود الشرعي إلّا باعتبار فرض الارتباط الّذي عرفت عدم العبرة بالقيد الناشئ من هذه الجهة ، فهو جزء بحياله ولا يستوجب الإخلال به إخلالاً بالسجود الشرعي بوجه ، فإنّه متقوّم بوضع الجبهة على ما يصح ، سواء أكان معه ذكر أم لا ، فلا يقاس ذلك بخصوصية كون المسجد ممّا يصح ، فإنّها دخيلة في تحقّقه دونه.

ومنه يظهر الجواب عن سائر المحال فإنّها واجبات في هذا الحال وليست بمقوّمات السجود الشرعي بما هو سجود ، فليس الإخلال بها إخلالاً به كما لا يخفى.

وأمّا النقض بالطمأنينة ، فلا مجال له أيضاً بناءً على مسلك المشهور من انحصار مستندها بالإجماع ، إذ هو دليل لبي يقتصر على المتيقن منه وهو حال الذكر ، فمع النسيان لم يكن معتبراً من أصله كي يكون الإخلال به إخلالاً بالسجود.

نعم ، يتّجه النقض بها بناءً على مسلكنا من الاستناد فيها إلى الدليل اللفظي

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو صحيح الأزدي (١) حسبما تقدّم (٢) الشامل بإطلاقه لحالتي العمد والسهو إذ ظاهر قوله عليه‌السلام : «إذا سجد فلينفرج وليتمكن» اعتبار التمكن في تحقّق السجود الشرعي كاعتبار الوضع على ما يصح ، من غير فرق بين العمد والسهو ، لكونه إرشاداً إلى الشرطية المطلقة كما مرّ ،

لكن دقيق النظر يقضي بعدم ورود النقض على هذا المسلك أيضاً ، فإنّ المستفاد من قوله عليه‌السلام «إذا سجد فليتمكن» ، وكذا قوله عليه‌السلام «إذا ركع فليتمكن» أنّ السجود أمر مفروض الوجود خارجاً ، وحيث إنّه متقوّم بالوضع فلا يكفي مجرّد المماسة والوضع متقوّم بالاعتماد المنوط بالاستقرار ولو آناً ما ، إذ بدونه ضرب لا وضع كما لا يخفى ، إذن فالاستقرار في الجملة مأخوذ في مفهوم السجود عرفاً ، وبذلك يفترق عن الركوع ، وعليه فالأمر بالتمكين في الصحيحة لما كان بعد فرض تحقّق السجود ، فهو لا جرم ناظر إلى مرحلة البقاء وأنّه يعتبر فيه التمكين وعدم الاضطراب ، وأن لا يكون سجوده نقراً كنقر الغراب ، وهذا كما ترى واجب آخر موضوعه البقاء ولا مساس له بنفس السجود المتقوّم تحقّقه بالحدوث ، فلا يكون الإخلال به إخلالاً بذات السجود ، بل إنّ وزانه وزان الذكر ووضع سائر المحال في كونها واجبات مستقلّة مندرجة في عقد المستثنى منه لحديث لا تعاد.

والمتحصِّل من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن : عدم الاعتداد بما يقع من الجبهة على ما لا يصح سهواً ، ولزوم التدارك بإعادة السجود ، سواء أكان التذكّر قبل رفع الرأس أم بعده ، فيجب الرفع في الأوّل ، والتكرار في الثاني ، ولا يترتّب عليه أيّ محذور عدا الزيادة السهوية في السجدة الواحدة غير القادحة بلا إشكال.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٨ ح ١٤.

(٢) في ص ٩٣.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا كلّه فيما إذا اتّفق ذلك في سجدة واحدة.

ولو اتّفق في السجدتين معاً ، بأن التفت في السجدة الثانية ، أو بعد رفع الرأس عنها أنّ سجدتيه كانتا على ما لا يصح ، فالظاهر هو البطلان ، بل لا ينبغي الإشكال فيه ، إذ لو اقتصر عليهما فقد نقص السجود المأمور به فيشمله عقد الاستثناء في حديث لا تعاد ، ولو تداركهما لزم الزيادة في السجدتين القادحة ولو سهواً بلا ريب ، فيشمله الحديث أيضاً لإطلاقه من حيث الزيادة والنقص كما تقرّر في محله. نعم ، الزيادة حاصلة في السجود العرفي كما لا يخفى ، لكن أشرنا فيما سبق أنّ المراد بالسجود والركوع في الحديث هو الشرعي منهما من حيث النقص ، والعرفي من ناحية الزيادة فتذكّر. فلا مناص من الحكم بالبطلان.

نعم ، يمكن أن يقال في المقام بالاقتصار في مقام التدارك على إحدى السجدتين ، إذ المتروك حينئذ ليس إلّا سجدة واحدة ولا ضير فيها ، فيحكم بالصحّة استناداً إلى قوله عليه‌السلام : لا تعاد الصلاة من سجدة المراد بها السجدة الواحدة قطعاً وإنّما تعاد من ركعة (١) لكنّه ساقط جدّاً ، لما أشرنا إليه قريباً من أنّ هذا الحديث كحديث «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس» لا يكاد يشمل الإخلال العمدي وإن كان عن عذر ، بل يختص مورده بما إذا كان الالتفات بعد تحقّق الإخلال خارجاً ، ولا يعم ما لو كان ملتفتاً حين الإخلال كما في المقام وإن كان معذوراً فيه ، فانّ ذلك قضيّة مادة الإعادة وتمام الكلام في محلّه.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

١٤٧

[١٦١٩] مسألة ١١ : من كان بجبهته دمل أو غيره ، فان لم يستوعبها وأمكن سجوده على الموضع السليم سجد عليه ، وإلّا حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض ، وإن استوعبها أو لم يمكن بحفر الحفيرة أيضاً سجد على أحد الجبينين من غير ترتيب (١) وإن كان الأولى والأحوط تقديم الأيمن على الأيسر وإن تعذّر سجد على ذقنه ، فان تعذّر اقتصر على الانحناء الممكن (٢) (١).

______________________________________________________

(١) التفصيل المذكور هو المعروف المشهور بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات ، ولم ينسب الخلاف إلّا إلى الصدوق حيث إنّه (قدس سره) خالف الترتيب المزبور من ناحيتين ، فحكم بتقديم الجانب الأيمن على الأيسر لزوماً ، وأنّه مع العجز عنه يسجد على ظهر كفّه قبل الانتقال إلى الذقن (٣).

وقد تبع (قدس سره) في ذلك الفقه الرضوي (٤) المتضمِّن لكلتا الناحيتين وليس له مستند غيره ، لكنّه ضعيف السند ولا يمكن الاعتماد عليه في شي‌ء من الأحكام كما مرّ غير مرّة. على أنّا لا نعقل معنى محصلاً للسجود على ظهر الكف.

فإن أراد به وضع الجبهة عليه فقد عاد المحذور ، إذ المفروض عدم التمكّن من وضع الجبهة على الأرض ولو على ترابها الناعم ، فما هو الفرق بينه وبين ظهر الكف ، فان تمكن منه تمكن من الأرض أيضاً وكان هو المتعيِّن من أوّل الأمر وإلّا كان عاجزاً عنهما ، فالسجود على ظهر الكف مستلزم لعود محذور العجز عن السجود على الأرض.

__________________

(١) الأحوط الجمع بينه وبين السجود على الذقن ، ولو لم يمكن الجمع ولو بتكرار الصلاة لم يبعد تقديم الثاني.

(٢) بل وجب عليه الإيماء ، والأحوط الجمع بين الأمرين.

(٣) المقنع : ٨٦.

(٤) فقه الرِّضا : ١١٤ ، المستدرك ٤ : ٤٥٩ / أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن أراد به وضع ظهر الكف على الأرض بدلاً عن وضع الجبهة عليها على سياق ما ذكره قبله وبعده من السجود على الجبينين والسجود على الذقن فكما أنّ معنى ذلك وضع الجبين أو الذقن على الأرض بدلاً عن الجبهة ، فكذا هنا يضع ظهر الكف عليها بدلاً عنها.

فهذا أفحش كما لا يخفى. على أنّ باطن الكف من أحد المساجد فكيف يمكن الجمع بينه وبين السجود على الظهر. فهذا القول ساقط جزماً ، ولا بدّ من التكلّم في مستند فتوى المشهور.

أمّا وجوب الحفر ، فقد استدلّ له بخبر مصادف قال : «خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب ، فرأى أبو عبد الله عليه‌السلام أثره فقال : ما هذا؟ فقلت : لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل فإنّما أسجد منحرفاً ، فقال لي لا تفعل ذلك ولكن احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض» (١).

لكنّه ضعيف السند للإرسال ، ولدوران مصادف بين المهمل والضعيف فلا يصلح للاستدلال ، إلّا أنّ الحكم مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى ورود النص لما تقدّم (٢) من عدم لزوم الاستيعاب في وضع الجبهة وكفاية المسمّى ولو قدر الدرهم أو طرف الأنملة ، كما صرّح بهما في صحيح زرارة (٣) ، فلا يجب الأكثر منه حتّى اختياراً ، فمع التمكن منه ولو بحفر الأرض وجب ، كما أنّ له حفر الخشبة أو السجود على تربة عالية بوضع الموضع السليم عليها ونحو ذلك ممّا يتحقّق معه وضع مسمّى الجبهة على ما يصح السجود عليه.

ومنه تعرف أنّ حفر الأرض من أحد أفراد الواجب مقدّمة لتحصيل المأمور به ولا تعين له بخصوصه.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٥٩ / أبواب السجود ب ١٢ ح ١.

(٢) في ص ١٠٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٦ / أبواب السجود ب ٩ ح ٥.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا السجود على أحد الجبينين ، فليس عليه دليل ظاهر ، فإنّه استدلّ له بوجوه كلّها مخدوشة :

الأوّل : الإجماعات المحكية في كلمات غير واحد من الأعلام. وفيه : أنّها لا تزيد على كونها إجماعات منقولة لا اعتداد بها. على أنّها لو كانت محصّلة لم تكن إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام لاحتمال استناد المجمعين كلّاً أو بعضاً إلى بعض الوجوه الآتية ، سيّما وأنّ المحقِّق قد استدلّ على الحكم صريحاً بما يرجع إلى قاعدة الميسور فلو كان المستند هو الإجماع التعبّدي لم يظهر وجه لهذا الاستدلال كما لا يخفى.

الثاني : قاعدة الميسور. وفيه : مضافاً إلى منع الكبرى كما حقّق في الأُصول (١) وإلى منع الصغرى ، لوضوح أنّ الجبين مباين مع الجبهة وليس من مراتبها كي يعد ميسوراً لها ، أنّه لا مجال للتمسّك بها بعد وجود النص المصرح بالوظيفة الفعلية وهو موثق إسحاق الآتي ، فلا تنفع القاعدة حتّى لو سلّمت كبرى وصغرىً كما لا يخفى.

الثالث : خبر مصادف المتقدِّم ، بتقريب أنّ الإمام عليه‌السلام قد قرّره على ما زعمه من السجود على الجبين غير أنّه عليه‌السلام بيّن له مرحلة أُخرى سابقة عليه وهو الحفر بحيث يظهر إمضاؤه عليه‌السلام لما اعتقده من جواز السجود على الجبين لولا التمكن من الحفر.

وأُورد عليه : بأنّ غايته الجواز دون الوجوب ، فمن الجائز أن يكون مخيّراً بينه وبين السجود على الذقن فلا يدل على تعيّنه كما هو المطلوب.

وفي كل من الاستدلال والإيراد نظر ، فانّ الخبر ضعيف السند كما مرّ وقاصر الدلالة ، فإنّ الإمام عليه‌السلام قد نهاه صريحاً عمّا صنعه بقوله عليه‌السلام

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٧٧.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

«لا تفعل ذلك» فأيّ تقرير بعد هذا المنع الصريح كي يبحث عن أنّ متعلّقه الجواز أو الوجوب.

وعلى الجملة : لا إشعار في الرواية فضلاً عن الدلالة على تقرير زعمه لا جوازاً ولا وجوباً ، إذ لا تعرّض فيها لبيان الوظيفة عند العجز عن الحفر بوجه.

الرابع : موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال «قلت له : رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد ، قال : يسجد ما بين طرف شعره ، فان لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن ، قال : فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر ، فان لم يقدر فعلى ذقنه. قلت : على ذقنه؟ قال : نعم ، أما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» (١).

والكلام فيها يقع تارة : من حيث السند وأُخرى من ناحية الدلالة.

أمّا السند ، فالظاهر أنّه موثق ، فان صباح الواقع في هذا الخبر مردّد بين ثلاثة من المعروفين بهذا الاسم وهم صباح بن صبيح الحذّاء ، وصباح بن يحيى المزني ، وصباح بن موسى الساباطي أخو عمار ، وكلّهم موثقون ولا يحتمل إرادة غيرهم كما لا يخفى.

هذا ، وقد أورد صاحب الوسائل صدر هذا الحديث في موضع آخر (٢) ، وذكر هناك «عن أبي الصباح» بدلاً عن «الصباح» الّذي ذكره في المقام وهو أبو الصباح الكناني الثقة. فالرجل موثق على جميع التقادير ، فالرواية صحيحة السند وباعتبار إسحاق بن عمار الفطحي موثقة.

وأمّا من حيث الدلالة ، فهي كما ترى قاصرة ، إذ المذكور فيها الحاجب دون

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٠ / أبواب السجود ب ١٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٣ ح ٦.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الجبين. نعم ، استدلّ بها في الحدائق (١) كما استدلّ بالفقه الرضوي السابق ذكره بعد حمل الحاجب على الجبين مجازاً بعلاقة المجاورة.

وهذا غريب جدّاً ، إذ ليس من صناعة الاستدلال ارتكاب التأويل في اللفظ وحمله على خلاف ظاهره من غير شاهد عليه ثمّ الاستدلال به ، فانّ ذلك ليس من البرهان الفقهي في شي‌ء كما لا يخفى.

وأمّا فقه الحديث ، فهو أنّ القرحة المفروضة في السؤال لم تكن مستوعبة للجبهة ، بل هي واقعة بين عيني الرجل كما صرّح به السائل بحيث لا يستطيع معها أن يسجد على النحو المتعارف من وضع وسط الجبهة على الأرض فأمره عليه‌السلام بالسجود حينئذ على ما بين طرف الشعر أي أعلى الجبهة ولعلّه أفضل ، فان لم يقدر فعلى الحاجب.

وهذا لا لخصوصية فيه ، بل من أجل أنّ السجود على الحاجب يلازم خارجاً وضع جزء من الطرف الأسفل من الجبهة على الأرض ولا ينفك عنه ، وهذا الحكم مطابق للقاعدة ، لما مرّ من عدم اعتبار الاستيعاب وكفاية المسمّى من الجبهة لدى الوضع ، فمع التمكّن بأيّ جزء منها كان هو المقدّم ، ولا ينتقل إلى البدل ، وما فوق الحاجب جزء من الجبهة ، لما عرفت فيما سبق أنّ حدّها الطولي من الحاجب إلى قصاص الشعر ، والعرضي ما يسعه الحاجبان فصاعداً من البدء إلى الختم المنتهيين بالجبينين ، وقد عرفت استفادة كلا الحدّين من النصوص.

وأمّا تقديم الحاجب الأيمن على الأيسر الّذي تضمنه الحديث فليس على جهة اللّزوم ، بل من أجل استحباب تقديم الميامن على المياسر على الإطلاق كما لا يخفى. ومع العجز عن وضع الجبهة مطلقاً ينتقل إلى السجود على الذقن.

وممّا ذكرنا تعرف أنّ السجود على الجبين ممّا لا دليل عليه ، فلا مجال للمصير

__________________

(١) الحدائق ٨ : ٣٢١.

١٥٢

[١٦٢٠] مسألة ١٢ : إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن (١)

______________________________________________________

إليه سيّما مع استلزامه انحراف الوجه عن القبلة إلى المشرق أو المغرب بطبيعة الحال الّذي هو محذور بحياله ، ولا دليل على اغتفاره بعد عموم قوله تعالى (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (١). بل المتعيِّن بعد العجز عن الجبهة الانتقال إلى الذقن كما تضمنه الموثق المزبور بالبيان المذكور المؤيّد بمرسلة الكافي عن علي بن محمّد قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها ، قال : يضع ذقنه على الأرض ، إنّ الله تعالى يقول (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» (٢) وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين الجبين ولو بتكرار الصلاة.

ومع العجز عن ذلك أيضاً فلا محيص عن الانتقال إلى الإيماء ، لاندراجه حينئذ في عنوان العاجز عن السجود الّذي وظيفته ذلك كما مرّ التكلّم حوله في بحث القيام.

ومنه يظهر ضعف ما في بعض الكلمات من الانتقال حينئذ إلى السجود على الأنف أو على العارض ، أو الاقتصار على الانحناء الممكن كما صنعه في المتن استناداً إلى قاعدة الميسور ، لمنعها كبرى وكذا صغرى ، فانّ الأنف أو العارض مباين مع الجبهة ، وكذا الانحناء مقدّمة للسجود وهي مباينة مع ذيها ، فكيف تكون ميسوراً له ومن مراتبه.

فالأقوى تعيّن الإيماء وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين الانحناء ، والله سبحانه أعلم.

(١) ينبغي فرض الكلام فيما إذا كان المقدار الممكن من الانحناء بمثابة يتحقّق

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٤٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٠ / أبواب السجود ب ١٢ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٣٣٤ / ٦.

١٥٣

مع رفع المسجد (١) إلى جبهته ، ووضع سائر المساجد في محالها ، وإن لم يتمكن من الانحناء (٢) أصلاً أومأ برأسه ، وإن لم يتمكن فبالعينين ، والأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه ، وكذا الأحوط وضع ما يتمكن من سائر المساجد في محالها ، وإن لم يتمكّن من الجلوس أومأ برأسه وإلّا فبالعينين ، وإن لم يتمكن من جميع ذلك ينوي بقلبه جالساً أو قائماً إن لم يتمكن من الجلوس ، والأحوط الإشارة باليد ونحوها مع ذلك.

______________________________________________________

معه السجود العرفي ، وإلّا فلا إشكال في الانتقال إلى الإيماء كما أشار إليه الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة.

ثمّ إنّ الحكم المزبور هو المعروف المشهور بلا خلاف فيه ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد ، فينحني بقدر طاقته ويرفع المسجد ويسجد عليه ولا تصل النوبة إلى الإيماء. واستدلّ له بخبر إبراهيم الكرخي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ، ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال : ليومئ برأسه إيماءً ، وإن كان له من يرفع الخمرة فليسجد ، فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماءً» (٣) ، وهو وإن كان صريح الدلالة لكنّه ضعيف السند ، فإنّ الكرخي مهمل ، والطيالسي وإن كان مهملاً أيضاً لكنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات ، فالضعف من ناحية الكرخي فقط. وكيف ما كان فالرواية غير صالحة للاستدلال بها.

لكن الحكم كما ذكروه فإنّه مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى نص بالخصوص

__________________

(١) على نحو يصدق عليه السجود ، وإلّا اقتصر على الإيماء.

(٢) مرّ حكم جميع ذلك في مبحث القيام [في المسألة ١٤٧٥].

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٤ / أبواب القيام ب ١ ح ١١ ، ٦ : ٣٧٥ / أبواب السجود ب ٢٠ ح ١.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إذ هو مقتضى الإطلاقات المتضمِّنة للأمر بالسجود كحديث التثليث (١) وغيره فإنّها وإن قيّدت بمساواة الجبهة لموضع البدن كما مرّ البحث عنه مستقصى (٢) لكن الدليل المقيّد لا إطلاق له ، بل هو مختص بصورة التمكن ، لاشتمال الصحيحة على الخطاب المتوجِّه إلى ابن سنان حيث قال عليه‌السلام فيها : «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (٣) ، ومعلوم أنّ ابن سنان كان قادراً على مراعاة التساوي ولم يكن عاجزاً حينما خاطبه الإمام عليه‌السلام. نعم ، لو كانت العبارة هكذا : يجب التساوي أو يعتبر المساواة ونحوها بحيث لم يشتمل على خطاب متوجِّه إلى شخص خاص انعقد الإطلاق.

وعلى الجملة : فلسان التقييد لا إطلاق له فيقتصر على المقدار المتيقّن وهو فرض التمكّن ، وفي مورد العجز يتمسّك بإطلاقات السجود السليمة عن التقييد. فالحكم مطابق للقاعدة. مضافاً إلى إمكان الاستدلال عليه ببعض النصوص.

منها : موثقة أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه؟ فقال : لا ، إلّا أن يكون مضطرّاً ليس عنده غيرها ، وليس شي‌ء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه» (٤) فانّ الظاهر من الإمساك هو الرفع ، وإلّا فالسجود على الأرض نفسه لا حاجة معه إلى إمساك المرأة ما يسجد عليه كما هو ظاهر. وهي بحسب السند موثقة كما ذكرنا ، فانّ المراد بالحسين الراوي عن سماعة هو الحسين بن عثمان بن زياد الرواسي بقرينة روايته عن سماعة كثيراً ، وهو موثق كما نقله الكشِّي عن حمدويه

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٨٩ / أبواب السجود ب ٢٨ ح ٢.

(٢) في ص ٩٧.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٨ / أبواب السجود ب ١١ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٨٣ / أبواب القيام ب ١ ح ٧.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّه قال : سمعت أشياخي يذكرون أنّ حماداً وجعفراً والحسين بن عثمان بن زياد الرواسي كلّهم فاضلون خيار ثقات (١) ، فالسند صحيح ، وباعتبار سماعة موثق.

ومنها : صحيحة زرارة قال : «سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال : على خمرة ، أو على مروحة ، أو على سواك يرفعه إليه هو أفضل من الإيماء ...» إلخ (٢) حيث تضمن الأمر برفع المسجد فلا تصل النوبة إلى الإيماء. نعم ، قد ينافيه قوله عليه‌السلام في الذيل «هو أفضل من الإيماء» ، حيث يظهر منه التخيير بين الأمرين ، غير أنّ الرفع أفضل ، لكن ظاهره غير مراد قطعاً ، فإنّه مع التمكن من السجود ولو بالرفع تعيّن ، وإلّا تعيّن الإيماء ، ولا يحتمل التخيير بينهما بالضرورة كما لا قائل به جزماً فلا بدّ من التصرّف بأحد وجهين :

الأوّل : أن يكون المراد أنّ طبيعة الصلاة المشتملة على السجود ولو مع الرفع أفضل من الطبيعة المشتملة على الإيماء ، كما يقال إنّ الفريضة أفضل من النافلة ، والصلاة أفضل من الصوم وهكذا ، إذ ليس معنى الأفضلية في هذه الإطلاقات التخيير بين الأمرين ، بل المراد أنّ هذه الطبيعة في ظرفها وشرائطها المناسبة لها أفضل ، أي أكثر ثواباً من الطبيعة الأُخرى في موطنها المقرّر لها فيكون حاصل المعنى أنّ الصلاة المشتملة على السجود الصادرة ممّن يتمكن منه أفضل من المشتملة على الإيماء الصادرة من العاجز عنه ، لا أنّ أحدهما أفضل من الأُخرى في موضع واحد.

الثاني : أن يكون المراد من المريض من يشق عليه السجود ولو مع الرفع فانّ وظيفته الأوّلية هي الإيماء ، غير أنّ الأفضل في حقّه تحمل المشقّة والسجود ولو مع رفع المسجد وإن تضمن العسر والحرج من باب أنّ أفضل الأعمال أحمزها

__________________

(١) رجال الكشي : ٣٧٢ / ٦٩٤.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٦٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٥ ح ١.

١٥٦

[١٦٢١] مسألة ١٣ : إذا حرّك إبهامه في حال الذِّكر عمداً أعاد الصلاة (١)

______________________________________________________

كما يشهد بهذا الحمل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال : يومئ برأسه إيماءً ، وأن يضع جبهته على الأرض أحب إليّ» (١).

وقد مرّ التعرّض لهذه الصحيحة في بحث القيام ، وقلنا إنّ مفادها بحسب الظاهر لا يستقيم ، إذ بعد فرض عدم الاستطاعة على القيام والسجود فأيّ معنى لقوله عليه‌السلام في الذيل «إنّ السجود أحب إليّ» فلا مناص من أن يكون المراد عدم الاستطاعة العرفية ، لتضمنه المشقّة والحرج دون التعذّر الحقيقي وأنّ الوظيفة حينئذ هي الإيماء وإن كان السجود وتحمل المشقة أفضل ، ولذا كان أحبّ إليه عليه‌السلام فعلى ضوء ذلك تفسر الأفضلية في المقام.

فتحصّل : أنّ وجوب رفع المسجد والسجود عليه مع التمكن ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، لكونه مطابقاً للقاعدة ، ولاستفادته من بعض النصوص كما عرفت فلا تصل النوبة إلى الإيماء.

وأمّا بقية الفروع المذكورة في هذه المسألة فقد تقدّم الكلام حولها بشقوقها مستقصى في بحث القيام فلا حاجة إلى الإعادة فراجع ولاحظ.

(١) لأنّ ظرف الذكر هو السجود الواجب ، وحيث إنّ المعتبر فيه الاستقرار فلا بدّ من مراعاته تحصيلاً للسجود المأمور به حتّى يقع الذكر فيه قضاءً للظرفية. وعليه فبناءً على أنّ تحريك الإبهام مخل بالاستقرار لاعتباره في تمام البدن ، فلو حرّك عامداً وأتى بالذكر وقتئذ كان الذكر المقصود به الجزئية زيادة عمدية لوقوعه في غير محله موجبة للبطلان. نعم ، لو كان ذلك سهواً فبما أنّ الزيادة

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨١ / أبواب القيام ب ١ ح ٢.

١٥٧

احتياطاً ، وإن كان سهواً أعاد الذكر (١) إن لم يرفع رأسه ، وكذا لو حرّك سائر المساجد ، وأمّا لو حرّك أصابع يده مع وضع الكف بتمامها فالظاهر عدم البأس به لكفاية اطمئنان بقيّة الكف ، نعم لو سجد على خصوص الأصابع (٢) كان تحريكها كتحريك إبهام الرجل.

______________________________________________________

السهوية لم تقدح ، فان كان التذكر قبل رفع الرأس أعاد الذكر لبقاء محلّه ، وإن كان بعده مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه عملاً بحديث لا تعاد بعد امتناع التدارك لمضي المحل ، وهكذا الحال في تحريك سائر المساجد.

وأمّا وجه التوقف واحتياطه (قدس سره) فهو من أجل التشكيك في قدح التحريك والإخلال بالاستقرار المعتبر في الصلاة ، فإنّ المستند في اعتبار الاطمئنان إن كان هو الإجماع فغير معلوم شموله لمثل هذه الحركة اليسيرة لو لم ندّع القطع بعدم الشمول كما لا يشمله في غير حال السجود قطعاً ، ولذا لو حرّك أصابع اليدين أو الرجلين ، أو نفس اليدين حال القراءة لم يكن مضرّاً بصدق الاستقرار بلا إشكال. وكذا الحال لو كان المستند صحيحة الأزدي فانّ التمكين اللّازم مراعاته بمقتضى هذه الصحيحة هو التمكين العرفي المتقوّم باستقرار معظم الأجزاء لإتمام البدن ، فلا تنافيه مثل تلك الحركة اليسيرة. فالحكم بإعادة الصلاة في صورة العمد وإعادة الذكر في صورة السهو مبني على الاحتياط لا محالة.

هذا ، ولو حرّك الإصبع مع وضع تمام الكف فلا ينبغي الإشكال في عدم البأس ، لكفاية الاطمئنان في بقية الكف التي هي المناط في تحقّق السجود. نعم لو سجد على خصوص الأصابع بناءً على الاجتزاء بها كان تحريكها حينئذ

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) مرّ الإشكال في كفايته.

١٥٨

[١٦٢٢] مسألة ١٤ : إذا ارتفعت الجبهة قهراً من الأرض قبل الإتيان بالذِّكر ، فإن أمكن حفظها عن الوقوع ثانياً حسبت سجدة فيجلس ويأتي بالأُخرى إن كانت الاولى ، ويكتفي بها إن كانت الثانية ، وإن عادت إلى الأرض قهراً ، فالمجموع سجدة واحدة فيأتي بالذكر (١) وإن كان بعد الإتيان به اكتفى به (١).

______________________________________________________

كتحريك إبهام الرجل الّذي مرّ حكمه كما أشار إليه في المتن ، إلّا أنّ المبنى غير تام ، لاعتبار الاستيعاب العرفي في السجود على اليدين كما عرفت فيما سبق (٢).

(١) أمّا إذا كان الارتفاع القهري بعد الإتيان بالذكر فلا إشكال فيه ، لعدم وجوب الرفع في نفسه كي يحتاج إلى القصد ، بل هو مقدّمة للإتيان ببقية الأجزاء فيجزي كيف ما اتّفق.

وأمّا إذا كان قبله ، فان ارتفعت الجبهة قهراً بمجرد إصابتها الأرض من دون اعتماد ولا استقرار حتّى في الجملة كما قد يتّفق إذا هوى إلى السجود بسرعة فهذا لا يعدّ سجوداً لا شرعاً ولا عرفاً ، لتقوّمه بالوضع المتقوّم بالاعتماد ، وهو منتف في الفرض ، إذ هو من قبيل الضرب بالأرض لا الوضع عليها ، وأمّا إذا ارتفعت بعد تحقّق الوضع والاعتماد والاستقرار حدوثاً ، فتارة يتمكن من ضبط نفسه وحفظ الجبهة عن الوقوع ثانياً ، وأُخرى لا يتمكن بل تعود إلى الأرض قهراً أيضا.

أمّا في الأوّل : فتحسب عليه سجدة ، إذ لا خلل فيه من ناحية السجود بما

__________________

(١) على الأحوط ، ولا يبعد أن لا يكون العود متمّماً للسجدة.

(٢) في ص ١٢٠.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

هو كذلك. فانّ السجود المأمور به المعدود من أركان الصلاة متقوّم بمجرّد الوضع الحدوثي وقد تحقّق ، ولا يشترط فيه الاستقرار بقاءً. نعم ، هو واجب آخر معتبر حاله كالذكر وقد فات محل التدارك فيشمله حديث لا تعاد ، إذ لا قصور فيه بعد أن لم يكن ملتفتاً إلى الإخلال حينما أخلّ ، لوقوعه قهراً عليه ومن غير اختيار وعمد ، وعليه فان كان ذلك في السجدة الأُولى جلس وأتى بالأُخرى ، وإن كان في الثانية اكتفى بها ومضى في صلاته ولا شي‌ء عليه.

وأمّا في الثاني : فقد ذكر في المتن أنّ المجموع سجدة واحدة ، لكون الثانية من متمِّمات الاولى عرفاً ، فيأتي بالذكر حينئذ ، لكنّه مشكل جدّاً ، فإنّ الثاني وضع جديد مباين للأوّل وقد تخلّل بينهما العدم ، فكيف يكون بقاءً للأوّل ومن متمِّماته ، وحيث إنّ الثاني عار عن القصد فليس هو من السجود في شي‌ء حتّى عرفاً ، ومن هنا لو عثر فأصابت جبهته الأرض لا يقال إنّه سجد ، لتقوّم المفهوم بالقصد إلى السجود ، كما أنّه لو تكرّر منه الرفع والوضع القهريان مرّتين أو أكثر لم يضر ذلك بصحّة الصلاة بلا إشكال ، لعدم كونه من زيادة السجدتين القادحة ولو سهواً بعد عدم القصد إلى السجود المتقوّم به كما عرفت.

ومنه تعرف أنّه ليس له الإتيان بالذكر حينئذ ، لأنّ ظرفه السجود غير المنطبق على الوضع الثاني بعد فقد القصد وإنّما المتّصف به الأوّل وقد انعدم ، فلا مجال لتدارك الذكر لفوات محلّه.

وعلى الجملة : فليس السجود إلّا الوضع الأوّل ، والثاني لغو محض ، فيجري فيه الكلام المتقدِّم في الصورة السابقة من أنّه إن كان ذلك في السجدة الأُولى جلس وأتى بالثانية وإلّا اكتفى بها.

١٦٠