موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأُجيب عنه كما في كلمات جماعة بأنّ الاجتزاء في المقام ليس من أجل الإلحاق والتعدِّي ، بل لكونه مقتضى إطلاق الأدلّة ، فالاستيعاب يحتاج إلى الدليل دون الاجتزاء وهو مفقود.

أقول : لا بدّ من التكلّم في موضعين : أحدهما : في وجود المقتضي للاستيعاب وعدمه. والثاني : في أنّه بعد وجوده فهل هناك ما يمنع عنه.

أمّا الأوّل : فظاهر المشهور عدمه ، لوجود الإطلاقات الدافعة لاحتمال الاستيعاب كما عرفت ، لكنّه لا يتم ، فان مقتضى الإطلاق في حدّ نفسه وإن كان ما ذكر ، ولذا يصدق ضرب اليتيم باليد أو وضع اليد على الحائط ونحوهما حتّى لو فعل ذلك مع جزء من الكف ولا ينسبق منه المجموع ، إلّا أنّ الظهورات ربّما تختلف باختلاف المتعلِّقات ، وحيث إنّ المتعلِّق في المقام هو السجود دون مثل الضرب ونحوه ، والمتعارف المعهود من السجود خارجاً إنّما هو وضع تمام الكف فينصرف الإطلاق إلى الاستيعاب لا محالة ، فلم يبق للأمر ظهور يعتمد عليه في الإطلاق. نعم ، المنصرف إليه إنّما هو الاستيعاب العرفي دون الحقيقي كما لا يخفى.

ويؤيِّده : بل يدل عليه صحيحة حماد (١) فإنّه وإن لم يذكر فيها أنّه عليه‌السلام سجد على تمام كفّه ، لكنّا نقطع بأنّه عليه‌السلام لم يسجد في مقام التعليم على خلاف ما هو المتعارف من مراعاة الاستيعاب العرفي وإلّا لنقله إلينا حماد ، فمن عدم النقل نقطع بأنّه عليه‌السلام سجد مستوعباً ثمّ قال عليه‌السلام في الذيل «يا حماد هكذا فصل». كما ذكرنا نظير هذا التقرير في السجود على باطن الكف على ما سبق (٢). فالإنصاف أنّ المقتضي للاستيعاب تام

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) في ص ١١٨.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وترديد العلّامة في محله.

وأمّا الثاني : أعني وجود المانع عن هذا المقتضي ، فيظهر من المحقِّق الهمداني (١) (قدس سره) أنّ المانع عنه هو التفريع المذكور في نصوص الجبهة التي منها وهي العمدة صحيحة زرارة «الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك ...» إلخ (٢) فانّ الحكم بالاجتزاء بسقوط أيّ جزء المساوق لعدم وجوب الاستيعاب متفرِّعاً ذلك على بيان حدّ الجبهة بقوله عليه‌السلام «فأيّما» يعطي سريان الحكم إلى جميع المساجد ومنها الكف وأنّه حكم عام قد طبّق على المقام ، فالتفريع بمنزلة العلّة وكأن هناك صغرى وكبرى مطويّة ، كأنه عليه‌السلام قال : هذا الحد كلّه مسجد ، وكل مسجد يكفي فيه البعض ، فيجتزى بكل ما سقط من الجبهة على الأرض.

ولكن الجواب عن هذا لعلّه ظاهر ، فانّ الروايات ليست بصدد بيان عدم وجوب الاستيعاب ، كيف وهذا من الواضحات الأوّلية التي يعرفها كل أحد حتّى الصبيان ، فانّ الجبهة مستديرة وفي مثلها يستحيل الاستيعاب ، إلّا إذا كانت الأرض تراباً بحيث تغمس فيها الجبهة ، وأمّا الصلب المسطح كما هو الأغلب فلا يعقل فيه ذلك وليس قابلاً للبحث عن وجوبه وعدمه.

بل الرواية في مقام التوسعة في حدّ الجبهة ، وأنّها صادقة على كل جزء ممّا بين الحاجبين إلى قصاص الشعر ، ولا تختص بما يلي طرف الأنف مثلاً ، ولأجله فرّع عليه جواز السجود على كل جزء منه ، فالتفريع ناظر إلى التوسعة في الصدق ، لا في مقام عدم وجوب الاستيعاب كي يستفاد منه ضابط كلِّي يشمل

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٣٤٢ السطر ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٥٦ / أبواب السجود ب ٩ ح ٥.

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عامّة المساجد كما أفاد (قدس سره). ويشهد لذلك قوله عليه‌السلام في ذيلها «مقدار الدرهم» أو «مقدار طرف الأنملة» فهل يحتمل الاكتفاء بذلك في الكفّين أيضا.

ولا ينافي هذا ما قدّمناه (١) من الاستدلال بهذه الصحيحة ونحوها على عدم وجوب الاستيعاب ، فانّ المراد بذلك عدمه بالإضافة إلى الأجزاء الممكنة كما لا يخفى.

فالإنصاف : أنّ تردّد العلّامة في محله ، إذ المقتضي تام والمانع مفقود ، فمراعاة الاستيعاب العرفي لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه الأحوط.

وتؤيِّده : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث «قال : إذا سجدت فابسط كفّيك على الأرض» (٢) فان دلالتها وإن تمّت لملازمة البسط للاستيعاب ، وظاهر الأمر الوجوب ، ولا يقدح ذكر الأرض فإنّه من باب المثال قطعاً ، لكون النظر مقصوراً على البسط ، وليست بصدد بيان ما يسجد عليه كي تدل على التقييد بالأرض الموجب للحمل على الاستحباب كما أُفيد لكنّها ضعيفة السند لضعف علي بن أبي حمزة ، مضافاً إلى ضعف طريق الشيخ (قدس سره) إليه.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ ما أفاده في المتن من كفاية وضع الأصابع فقط أو بعضها لا يمكن المساعدة عليه ، لعدم تحقّق الاستيعاب العرفي معه سيّما في البعض منها.

وهل يكفي وضع خصوص الراحة؟

مقتضى ما ذكرناه من الاستيعاب هو العدم ، لكن قد يستدلّ للجواز بما رواه العياشي عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام «أنّه سأله المعتصم عن السارق

__________________

(١) في ص ١٠٩.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٧٥ / أبواب السجود ب ١٩ ح ٢.

١٢٣

كما لا يجزئ لو ضمّ أصابعه وسجد عليها مع الاختيار (١).

______________________________________________________

من أيّ موضع يجب أن تقطع يده؟ فقال : إنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أُصول الأصابع فيترك الكف. قال : وما الحجّة على ذلك؟ قال : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : السجود على سبعة أعضاء : الوجه ، واليدين ، والركبتين والرجلين. فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها. وقال الله (أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) وما كان لله فلا يقطع ...» الخبر (١).

ودلالة الرواية وإن كانت تامّة ، لأنّ ظاهرها أنّ ما كان لله لا يقطع شي‌ء منه ولا يقع عليه القطع ، لا أنّه لا يقطع بتمامه ، فيظهر أنّ الكف الّذي يجب السجود عليه يراد به خصوص الراحة ، لكنّها ضعيفة السند من جهة الإرسال فلا يمكن الاعتماد عليها.

فظهر أنّ الأقوى عدم الاكتفاء بالراحة ، بل اللّازم مراعاة الاستيعاب العرفي للكف كما مرّ ، فلو وضع نصف تمام كفّه طولاً أو عرضاً لم يكن مجزيا.

(١) كما نفى عنه البعد في الجواهر ، دافعاً لاحتمال كون الأصابع حينئذ بمنزلة البساط والفراش بمنافاته للصدق العرفي (٢) لكن هذا بناءً على كفاية المسمّى كما اختاره في المتن لا وجه له ، إذ يقع حينئذ مقدار من الراحة بالإضافة إلى الأصابع المتعارفة على الأرض لا محالة ، إلّا إذا فرض طول الأصابع بمثابة تستوعب الراحة لدى الضم الّذي هو فرد نادر وعلى خلاف المتعارف.

__________________

(١) الوسائل ٢٨ : ٢٥٢ / أبواب حدّ السرقة ب ٤ ح ٥ ، تفسير العياشي ١ : ٣١٩ / ١٠٩.

(٢) الجواهر ١٠ : ١٤٦.

١٢٤

[١٦١٣] مسألة ٥ : في الركبتين أيضاً يجزئ وضع المسمّى منهما ولا يجب الاستيعاب (١) ، ويعتبر ظاهرهما دون الباطن (٢) والركبة مجمع عظمي الساق والفخذ فهي بمنزلة المرفق من اليد (٣).

______________________________________________________

(١) لإطلاق الأدلّة ، بل الاستيعاب الحقيقي متعذِّر من جهة استدارتها كما مرّ في الجبهة.

(٢) بل لا يمكن وضع الباطن خصوصاً مع السجود على الإبهام.

(٣) كما هو ظاهر معناها عرفاً ولغة ، وعليه فمقتضى أصالة الإطلاق جواز السجود على أيّ جزء منها ، سواء أكان هو الجزء المتّصل بالساق أم المتّصل بالفخذ أم المحل المرتفع المتوسّط ما بينهما.

لكن يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) مراعاة الاحتياط بالسجود على الأخير ولو بالتمدد في الجملة ، وأنّه المراد من عين الركبة الواقع في صحيحة حماد قال (قدس سره) بعد تفسير الركبة بما عرفت ما لفظه : فينبغي حال السجود وضع عينيهما ولو بالتمدد في الجملة في السجود كما فعله الصادق عليه‌السلام في تعليم حماد كي يعلم حصول الامتثال (١).

أقول : يرد عليه أوّلاً : أنّه لم يثبت أنّ المراد بعين الركبة ما ذكره من العظم المستدير المرتفع المتخلِّل بين الطرفين الّذي يتوقف السجود عليه على مزيد التمدد ، بل ربما يظهر من بعض نصوص الركوع وغيرها أنّه الجزء المتّصل بالساق الّذي يقع جزء منه على الأرض لدى الجلوس مثنياً ، ويكون أسفل من العضو المرتفع في حال القيام ، ولا يحتاج إلى مزيد التمدد لدى السجود. ففي صحيح زرارة بعد بيان الاجتزاء في حدّ الركوع ببلوغ أطراف الأصابع إلى الركبتين

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ١٣٩.

١٢٥

[١٦١٤] مسألة ٦ : الأحوط في الإبهامين (١) وضع الطرف من كل منهما دون الظاهر أو الباطن منهما (١)

______________________________________________________

قال عليه‌السلام «وأحبّ إليّ أن تمكن كفّيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة» (٢).

فيظهر أنّ عين الركبة أسفل من ذاك العظم المستدير الّذي هو بمنزلة المرفق ولذا حثّ عليه‌السلام على مزيد الانحناء ، و

تمكين الكفّين من الركبتين بحيث تقع الأصابع على العضو الأسفل المتّصل بالساق الّذي عبّر عليه‌السلام عنه بعين الركبة.

وثانياً : لو سلّم أنّ المراد بعين الركبة ما ذكره وسلم وقوعه في صحيحة حماد ، مع أنّ النسخ مختلفة ، وبعضها عارية عن لفظة «عين» لا دلالة فيها على وجوب ذلك وإن صدر منه عليه‌السلام كذلك ، لتصريحه عليه‌السلام فيها على رواية الكافي (٣) بأنّ الواجب من المساجد سبعة : وهي الجبهة والكفّان ، والركبتان ، والإبهامان ، فلو كان الواجب عينها وهو في مقام التحديد والتعليم وبصدد بيان تمام ما هو الواجب من مواضع السجود لقيّد الركبة بها ، فيعلم أنّ صدوره منه عليه‌السلام من باب إيجاد الطبيعة في ضمن أحد الأفراد أو أفضلها ، لا لوجوبه بالخصوص ، سيّما مع اشتمال الصحيحة على جملة من المستحبّات ، ومنه تعرف عدم كون المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد.

(١) أشرنا فيما سبق إلى أنّ الواجب إنّما هو السجود على خصوص الإبهامين

__________________

(١) جواز وضع الظاهر أو الباطن منهما لا يخلو من قوّة.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٣١١ / ٨.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فان نصوص المقام وإن اختلفت وقد عبّر في بعضها بالرجلين كما في صحيحة القداح (١) لكن يجب تقييدها بالإبهامين المصرّح بهما في البعض الآخر كصحيحة زرارة (٢) وحماد (٣) وغيرهما ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد.

وهل الواجب وضع خصوص الطرف من الإبهام أو يتخيّر بينه وبين الظاهر أو الباطن؟

ذهب جمع إلى الأوّل ، استناداً إلى صحيحة حماد المتضمِّنة أنّه عليه‌السلام سجد على أنامل إبهامي الرجلين. وفي الجواهر أنّه أحوط بل لعلّه متعيِّن (٤).

أقول : أمّا الاحتياط فممّا لا شك فيه ، وأمّا التعيّن فلا ، لقصور الصحيحة عن إثباته. أمّا أوّلاً : فلأنه لم يثبت أنّ الأنملة هي خصوص رأس الإصبع وطرفه بل يظهر من بعض أهل اللغة أنّها العقد الأخير من الأصابع.

وأمّا ثانياً : فعلى تقدير التسليم لا يدل فعله عليه‌السلام على الوجوب لتصريحه عليه‌السلام فيها عند عدّ المساجد على رواية الكافي بالإبهامين (٥) كما قدّمنا نظير هذا آنفاً في الركبتين ، فالأقوى جواز السجود على كل من الطرف أو الظاهر أو الباطن ، لصدق الإبهام على الجميع وإن كان الأوّل أحوط وأمّا ما عن الموجز (٦) من اعتبار وضع ظاهر الأصابع فلم يظهر له مستند أصلا.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٥ / أبواب السجود ب ٤ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٤٣ / أبواب السجود ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٤) الجواهر ١٠ : ١٤١.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٦١ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٣١١ / ٨.

(٦) الموجز (الرسائل العشر) : ٨١.

١٢٧

ومن قطع إبهامه يضع ما بقي منه (١) وإن لم يبق منه شي‌ء أو كان قصيراً يضع سائر أصابعه (١). ولو قطع جميعها يسجد على ما بقي من قدميه ، والأولى والأحوط ملاحظة محل الإبهام.

[١٦١٥] مسألة ٧ : الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة (٢) بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها ، وإن كان الأقوى عدم وجوب أزيد من المقدار الّذي يتحقّق معه صدق السجود ، ولا يجب مساواتها في إلقاء الثقل ولا عدم مشاركة غيرها معها من سائر الأعضاء كالذراع وباقي أصابع الرجلين.

______________________________________________________

(١) لصدق الإبهام عليه فيشمله الإطلاق. وأمّا ما أفاده (قدس سره) من وجوب وضع سائر الأصابع لو لم يبق من الإبهام شي‌ء ، أو كان قصيراً في حدّ نفسه بحيث فرض عدم التمكن من السجود عليه وان كان الفرض نادراً إذ لا أقل من جعل سائر الأصابع في حفيرة والسجود على الإبهام الخارجة عنها وأنّه عند قطع الجميع يسجد على ما بقي من قدميه مع ملاحظة محل الإبهام فكل ذلك مبني على الاحتياط ، إذ ليس له مستند صحيح عدا ما يتوهّم من قاعدة الميسور التي هي ممنوعة كبرى كما مرّ مراراً ، وكذا صغرى ، لمباينة بقية الأصابع مع الإبهام ، وكذا سائر القدم ، فكيف تعد ميسوراً منه ومن مراتبه كما قدّمنا مثل ذلك في باطن الكف وظاهرها (٢).

(٢) بل هو الأقوى ، لما مرّ مراراً من تقوّم مفهوم السجود عرفاً ودلّت عليه بعض النصوص أيضاً بالوضع المتوقف صدقه على الاعتماد وإلقاء الثقل ، فلا يكفي مجرّد المماسة ، كما لو علّق بحبل ونحوه ، أو جعل سناداً تحت بطنه أو

__________________

(١) هذا الحكم وما بعده مبني على الاحتياط.

(٢) في ص ١١٩.

١٢٨

[١٦١٦] مسألة ٨ : الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة (١) ، وإن كان الأقوى كفاية وضع المساجد السبعة بأيّ هيئة كان ما دام يصدق السجود كما إذا ألصق صدره وبطنه بالأرض ، بل ومدّ رجله أيضاً ، بل ولو انكبّ على وجهه لاصقاً بالأرض مع وضع المساجد بشرط الصدق المذكور ، لكن قد يقال بعدم الصدق (١) وأنّه من النوم على وجهه.

______________________________________________________

صدره مع لصوق المساجد السبعة بالأرض من دون اعتماد عليها ، فانّ ذلك ليس من السجود على الأعضاء السبعة في شي‌ء. نعم لا يلزم انحصار الثقل بها فلا يقدح مشاركة غيرها معها في الثقل كالذراع والسناد ونحوهما ، للإطلاق كما لا تعتبر مساواة الأعضاء في ذلك ، فلو كان ثقله على إحدى ركبتيه أو يديه أكثر لم يكن قادحاً ، لما عرفت من الإطلاق.

(١) فإنّ الظاهر أنّ حقيقة السجود تتقوّم بهيئة خاصّة وهي المتعارفة المعهودة المقابلة للركوع والقيام والقعود والاضطجاع ونحوها من سائر الهيئات ، فلا يكفي مجرد وضع المساجد كيف ما اتّفق من دون مراعاة هذه الهيئة ، كما لو انكبّ على وجهه فإنّه نوم لا سجود وإن حصل معه وضع الأعضاء السبعة على الأرض ، فليس كل وضع سجوداً ، بل السجود يعتبر فيه الوضع المزبور فالنسبة بينهما عموم مطلق.

فما حكاه في المتن عن بعض من عدم صدق السجود في هذه الصورة ، وأنّه من النوم على وجهه هو الصحيح الّذي لا ينبغي الرّيب فيه. نعم ، بعد تحقّق الهيئة السجودية لا يعتبر مساواة الأعضاء من حيث التقديم والتأخير ، بأن تكون على نسق واحد ، فلا ضير في تقديم إحدى الركبتين أو الرجلين على

__________________

(١) الظاهر صحّة هذا القول.

١٢٩

[١٦١٧] مسألة ٩ : لو وضع جبهته على موضع مرتفع (١) أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات فان كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً جاز رفعها ووضعها ثانياً ، كما يجوز جرّها (١) وإن كان بمقدار يصدق معه السجدة عرفاً فالأحوط الجرّ لصدق زيادة السجدة مع الرفع ، ولو لم يمكن الجرّ فالأحوط الإتمام والإعادة.

______________________________________________________

الأُخرى ، أو وضع إحدى اليدين دون الجبهة ، والأُخرى أعلى منها مع فرض مراعاة الاستقبال لإطلاق الأدلّة.

(١) قسّمه (قدس سره) على قسمين : فتارة يكون الارتفاع بمثابة لا يصدق معه السجود العرفي ، وأُخرى يصدق عرفاً ولكنّه لا يصدق شرعاً لزيادته عن اللبنة يسيراً ، كما لو كان الارتفاع بمقدار خمس أصابع مثلاً ، فانّ السجود العرفي صادق حينئذ ، وإنكاره كما عن صاحب الجواهر (قدس سره) (٢) زاعماً أنّ المساواة شرط في مفهوم السجود العرفي لم نتحقّقه بل ممنوع كما لا يخفى.

أمّا القسم الأوّل ، فقد يكون الوضع كذلك عمداً ، وأُخرى سهوا.

أمّا في صورة العمد ، فلا ينبغي الإشكال في البطلان إذا كان ذلك بقصد الجزئية لصدق الزيادة العمدية ، فيشمله قوله عليه‌السلام : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٣) إذ لا يعتبر في صدق الزيادة أن يكون الزائد من سنخ أجزاء

__________________

(١) فيه إشكال ، والأظهر وجوب الرفع ووضع الجبهة على أرض غير مرتفعة والأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها.

(٢) الجواهر ١٠ : ١٥٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ، بل كل ما أتى به بعنوان الجزئية ولم يكن جزءاً كان زائداً في الصلاة سواء أكان من أجزائها أم لا كما في المقام ، حيث إنّ الزائد ليس من السجود في شي‌ء حسب الفرض ، فالزيادة صادقة من الآن سواء سجد بعدئذ أم لا.

كما لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا لم يقصد به الجزئية ، بل أتى به بداع آخر من حك الجبهة ونحوه ، لعدم صدق الزيادة بعد تقوّمها بالقصد المزبور ، فغايته أنّه عمل عبث في الصلاة لا ضير فيه بعد أن لم يكن ماحياً لصورتها ، فلو رفع رأسه وأتى بالسجود الشرعي بعده صحّت صلاته.

إنّما الكلام في صورة السهو ، فهل يتعيّن عليه الرفع حينئذ والوضع ثانياً في المكان السائغ أم يجزيه الجر إليه فهو مخيّر بين الأمرين؟

اختار الثاني في المتن ، والأقوى هو الأوّل ، لما عرفت سابقاً (١) من أنّ المعتبر في السجود إحداث الوضع وسقوط الجبهة على الأرض ، فلا ينفعه الجر ، فإنّه إبقاء للوضع السابق وليس إحداثاً لوضع جديد ، فلا مناص من الرفع مقدّمة للاحداث ولا ضير فيه ، إذ لا يترتّب عليه زيادة السجدة ، إذ الأُولى لم تكن من السجود في شي‌ء حتّى عرفاً فلم يتكرّر كي يكون زائداً ، على أنّ زيادة السجدة الواحدة سهواً مغتفرة بلا إشكال.

وتؤيِّده رواية الحسين بن حماد قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع ، فقال : ارفع رأسك ثمّ ضعه» (٢) لكنّها ضعيفة السند ، فانّ الحسين بن حماد لم يوثق وإن كان السند من غير ناحيته صحيحاً فإن أبا مالك الحضرمي هو الضحّاك الّذي وثّقه النجاشي ، بل قال إنّه ثقة ثقة (٣)

__________________

(١) في ص ١١٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٥٤ / أبواب السجود ب ٨ ح ٤.

(٣) رجال النجاشي : ٢٠٥ / ٥٤٦.

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا لا تصلح إلّا للتأييد (١) ، هذا.

وربما يستدل على وجوب الجر بصحيحة معاوية بن عمار قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرّها على الأرض» (٢). والنبكة هي التل محدّداً كان أم لا. فان مقتضى إطلاقها وجوب الجر وعدم جواز الرفع ، سواء أكان الموضع ممّا يتحقّق معه السجود العرفي أم لا.

ويندفع بأنّ الرواية وإن كانت صحيحة من حيث السند ، إذ أنّ محمّد بن إسماعيل الّذي يروي عن الفضل بن شاذان ويروي عنه الكليني كثيراً وإن لم يوثق في كتب الرِّجال ، لكن يكفي وقوعه في كامل الزيارات بعين هذا السند لكنّها قاصرة الدلالة بالإضافة إلى المقام ، إذ الظاهر انصرافها إلى ما صدق معه السجود العرفي ، لأنّ سياقها يشهد بأنّ المانع هو خصوص العلو مع تحقّق الوضع المعتبر في السجود العرفي ، وإلّا فمع عدم تحقّقه كان المعنى هكذا : إذا لم تسجد فاسجد وهو كما ترى. فالإنصاف أنّ الصحيحة ناظرة إلى القسم الثاني وليست من المقام. فظهر أنّ المتعيِّن في هذا القسم تعيّن الرفع وليس له الجر.

وأمّا القسم الثاني ، فقد يكون أيضاً عن عمد وأُخرى عن سهو.

أمّا العمد ، فلا ينبغي الإشكال في البطلان ، سواء أقصد به الجزئية أم لا لصدق الزيادة العمدية. أمّا في الأوّل فظاهر ممّا مرّ ، وكذا الثاني لما استفيد ممّا دلّ على المنع عن تلاوة آية العزيمة في الصلاة معلِّلاً بأنّها زيادة في المكتوبة

__________________

(١) لا يبعد انصرافها إلى ما صدق معه السجود العرفي على حذو ما أفاده (دام ظلّه) في صحيحة معاوية الآتية فتكون خارجة عن محل الكلام ، مضافاً إلى معارضتها في موردها بروايته الأُخرى الآتية.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٥٣ / أبواب السجود ب ٨ ح ١.

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ مع أنّ المأتي به حينئذ سجود التلاوة دون الصلاة من أنّ السجود ويلحقه الركوع بالأولوية يمتاز عن غيره بعدم اعتبار قصد الجزئية في اتِّصافه بعنوان الزيادة ، فتشمله أدلّة الزيادة القادحة من غير انتظار للرفع والوضع ثانياً ، فان هذا العنوان صادق من الآن ومنطبق على الوضع الأوّل المتحقق معه السجود العرفي على الفرض ـ من حين تحقّقه ولا يناط بتكرّره. وأمّا الجر تحقيقاً للسجود المأمور به فلا يكاد ينفع ، لاعتبار الأحداث في الوضع على ما دون اللبنة المتقوّم به السجود المزبور كما يفصح عنه قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (١) فاعتبرت المساواة في موضع الجبهة أي محل وضعها ، فلا بدّ أن يكون الوضع حادثاً في المكان المساوي ، ومن الواضح أنّ هذا العنوان لا يتيسّر بالجر فإنّه إبقاء للوضع السابق لا إحداث للوضع على ما دون اللبنة ابتداءً ، اللّازم رعايته بمقتضى الصحيحة ، وهي وإن دلّت على اعتبار الحدوث في موضع البدن أيضاً بمقتضى وحدة السياق فلا ينفع الجر فيه ، كما لم ينفع في موضع الجبهة ، لكن ثبت الاكتفاء فيه من الخارج بالقطع والإجماع وهو الفارق بين الموضعين. فلا مناص في المقام من الحكم بالبطلان الّذي هو مطابق للقاعدة.

فما في بعض الكلمات من الحكم بالصحّة مع الجر وأنّه المطابق للقاعدة مستشهداً عليه بصحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة : «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرها على الأرض» ،

فيه : ما لا يخفى ، فإنّ القاعدة قد عرفت حالها. وأمّا الصحيحة فليست ممّا نحن فيه ، لانصرافها عن صورة العمد ، كما يكشف عنه قوله عليه‌السلام : «فلا ترفعها» ، فإنّ النهي عن الرفع إنّما يتّجه مع وجود المقتضي له ، كما لو أراد

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٥٨ / أبواب السجود ب ١١ ح ١.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الوضع في مكان فنسي أو أخطأ فوضع في مكان آخر ثمّ تذكّر ، فإنّ المقتضي للرفع وتجديد الوضع حاصل في مثله جرياً على إرادته السابقة وتنفيذاً للقصد الأوّل الّذي عنه ذهل ، بخلاف صورة العمد إذ لم يقصد ما عداه ، فلا مقتضي للرفع كي ينهى عنه كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فالصحيحة لا تشمل المقام ، والجر لا يوجب الاحداث ، والرفع لا أثر له بعد تحقّق الزيادة ، فلا محيص عن الحكم بالبطلان عملاً بالقواعد السليمة عن المخصص ، هذا كلّه في العمد.

وأمّا السهو ، فمقتضى القاعدة وجوب الرفع وعدم الاجتزاء بالجر ، أمّا الثاني ، فلما عرفت من حديث الاحداث. وأمّا الأوّل ، فلعدم محذور فيه غايته زيادة سجدة واحدة سهواً وهي مغتفرة بلا إشكال ، لكنّا نخرج عن مقتضاها استناداً إلى صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة الناهية عن الرفع ، والآمرة بالجر فتكون مخصّصة للقاعدة لا محالة.

وتؤيِّده : رواية الحسين بن حماد الأُخرى قال : «قلت له عليه‌السلام أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع أُحول وجهي إلى مكان مستو ، فقال : نعم ، جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» (١) لكنّها ضعيفة السند لعدم توثيق الحسين كما مرّ ، وإن كان الراوي عنه هنا عبد الله بن مسكان الّذي هو من أصحاب الإجماع ، لما تكرّر في مطاوي هذا الشرح من أنّ كون الراوي من أصحاب الإجماع لا يقتضي إلّا وثاقته في نفسه لا توثيق من يروي عنه ، ومن هنا لا تصلح الرواية إلّا للتأييد.

على أنّه يمكن النقاش في دلالتها باحتمال كونها ناظرة إلى ما إذا تحقّق معه السجود العرفي والشرعي ، فلم يكن الارتفاع في موضع الجبهة أزيد من اللبنة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٥٣ / أبواب السجود ب ٨ ح ٢.

١٣٤

[١٦١٨] مسألة ١٠ : لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه (١) يجب عليه الجر (١) ولا يجوز رفعها ، لاستلزامه زيادة السجدة ولا يلزم من الجرّ ذلك ، ومن هنا يجوز له ذلك مع الوضع على ما يصح أيضاً لطلب

______________________________________________________

غير أنّه أراد الرفع طلباً للاستقرار الحقيقي وتحرِّياً للفرد الأفضل ، فيكون خارجاً عن محل الكلام.

هذا كلّه إذا تمكّن من الجر ، وأمّا مع عدم التمكّن فالظاهر البطلان ، فان وجوب الجر ساقط بعد فرض العجز فهو مرفوع بحديث نفي الاضطرار ، ولا سبيل إلى الرفع لإطلاق النهي عنه في صحيحة معاوية الشامل للمقام حيث دلّت على أنّ الوظيفة ليست هي الرفع ، وإطلاقها يشمل العجز عن الجر ، فلا مناص من الحكم بالبطلان.

والتصدِّي للتصحيح بدعوى أنّ الساقط خصوص جزئية الجر بمقتضى حديث نفي الاضطرار ، فلا موجب لعدم الاكتفاء بالباقي ، يدفعه أنّ الحديث لا يقتضي تعلّق الأمر بالباقي ، فإن رفع الجزئية إنّما هو برفع منشأ الانتزاع وهو الأمر المتعلِّق بالمركب ، وبعد سقوطه يحتاج تعلّق الأمر بما عداه من الأجزاء إلى دليل مفقود كما تعرّضنا لذلك في الأُصول (٢) فلا محيص عن الاستئناف وإعادة الصلاة.

(١) أمّا إذا كان ذلك عن قصد وعمد فلا ينبغي الشك في البطلان سواء أقصد به الجزئية أم لا ، من جهة الزيادة العمدية الحاصلة بمجرد تحقّق السجود

__________________

(١) بل يجب عليه الرفع والوضع ثانياً ، ولو كان الالتفات بعد رفع الرأس وجبت إعادة السجدة ، والأحوط في جميع ذلك إعادة الصلاة بعد إتمامها.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٧.

١٣٥

الأفضل أو الأسهل ونحو ذلك ، وإذا لم يمكن إلّا الرفع ، فان كان الالتفات إليه قبل تمام الذكر فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة ، وإن كان بعد تمامه فالاكتفاء به قوي كما لو التفت بعد رفع الرأس ، وإن كان الأحوط الإعادة أيضا.

______________________________________________________

على ما لا يصح من غير توقف على الرفع وتجديد الوضع كما عرفت في المسألة السابقة.

وأمّا إذا كان سهواً فالظاهر وجوب الرفع والوضع ثانياً على ما يصح ، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً وهي غير قادحة بلا إشكال. وقد عرفت أنّ الجر على خلاف القاعدة ، إذ لا يتحقّق معه الاحداث المعتبر في الوضع المتقوّم به السجود ، وإنّما قلنا به في المسألة السابقة من أجل النص غير الشامل للمقام كما هو ظاهر ، فوجوب الرفع هنا مطابق للقاعدة السليمة عن المخصّص.

ويؤيِّده : ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان عليه‌السلام «أنّه كتب إليه يسأله عن المصلِّي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع فاذا رفع رأسه وجد السجادة ، هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فكتب إليه في الجواب : ما لم يستو جالساً فلا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» (١).

ونوقش فيها تارة من حيث السند ، إذ أنّ الطبرسي يرويها عن الحميري مرسلا.

وأُخرى : من حيث المضمون واضطراب المتن ، لعدم استقامة الجواب في حدّ نفسه ، إذ بعد فرض عدم استوائه في جلوسه الملازم لرفع رأسه فأيّ معنى

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٥٤ / أبواب السجود ب ٨ ح ٦ ، الاحتجاج ٢ : ٥٧٠.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بعدئذ لقوله عليه‌السلام : «لا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» وهل هذا إلّا من تحصيل الحاصل. على أنّ الجواب غير مطابق للسؤال ، فانّ المسئول عنه هو الاعتداد بتلك السجدة وعدمه ، فالجواب بعدم البأس في رفع الرأس لا ينطبق عليه ، إذ لم يظهر بعدُ حكم الاعتداد الواقع في السؤال.

ويمكن الجواب عن الأوّل : بأنّها وإن كانت مرسلة في هذا السند لكن الشيخ رواها في كتاب الغيبة بسند صحيح (١) كما نبّه عليه صاحب الوسائل (قدس سره) في المقام حيث قال : ورواه الشيخ في كتاب الغيبة بالإسناد الآتي وسنده (قدس سره) إلى الحميري بوساطة محمّد بن أحمد بن داود القمي الّذي هو من أجلّاء الأصحاب كما ذكره النجاشي (٢) والشيخ (قدس سره) وإن لم يدركه لأنّه توفي قبل ولادة الشيخ ، لكنّه يروي عنه بواسطة مشايخه كالغضائري وابن عبدون وغيرهما كما صرّح به في الفهرست (٣).

وعن الثاني : بأنّ في الكلام تقديماً وتأخيراً حيث إنّ قوله عليه‌السلام «ما لم يستو ...» إلخ متعلِّق بقوله عليه‌السلام : «فلا شي‌ء عليه» ، فكأنه قال هكذا : لا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة ما لم يستو جالساً. فرخص عليه‌السلام في رفع الرأس بمقدار يسير ومشروطاً بأن لا يستوي جالساً ، لا أنّه قبل الاستقرار رخص في رفع الرأس كي يكون من تحصيل الحاصل ، فليست الجملة شرطية ، بل القيد راجع إلى الذيل كما عرفت.

ومنه يظهر الجواب عن عدم المطابقة للسؤال ، إذ بعد حكمه عليه‌السلام برفع الرأس طلباً للخمرة يظهر أنّه لا يعتد بتلك السجدة وإلّا لم يكن له الرفع حتّى يسيراً كما لا يخفى.

__________________

(١) الغيبة : ٣٨٠ / ٣٤٦.

(٢) رجال النجاشي : ٣٨٤ / ١٠٤٥.

(٣) الفهرست : ١٣٦ / ٥٩٢.

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فالإنصاف : أنّ الرواية صحيحة السند ظاهرة المتن من غير تشويش ولا يرد عليها شي‌ء ممّا ذكر ، ولكنّها مع ذلك لا تصلح للمقام إلّا تأييداً ، ولا يمكن الاستدلال بها ، فان موردها صلاة الليل الظاهرة في نافلته ، وهي لمكان الاستحباب قد يغتفر فيها ما لا يغتفر في الفرائض ، لابتنائها على الإرفاق والتسهيل ، وربّما لا يعتبر فيها ما يعتبر في الفرائض كما يشهد به بعض المقامات ولعل المقام منها ، فلا يمكن التعدِّي عن موردها كما أشار إليه في الجواهر (١).

وكيف ما كان ، ففيما ذكرناه من التمسّك بالقاعدة التي مقتضاها وجوب الرفع مقدّمة لتحقيق السجود المأمور به غنى وكفاية ، ولا حاجة إلى هذه الرواية ، وقد عرفت أنّ غاية ما هناك زيادة سجدة واحدة وأنّها حاصلة بمجرد الوضع السابق ، ولم تكن مترتِّبة على الرفع والوضع ثانياً ، وحيث إنّها سهوية لم تكن قادحة. فما ذكره في المتن من المنع عن الرفع معلِّلاً باستلزامه زيادة السجدة ولا يلزم من الجر ذلك في غير محلّه.

كما أنّ قياسه المقام على ما لو سجد على ما يصح فأراد الجر طلباً للأفضل أو الأسهل الجائز بلا إشكال مع الفارق ، بداهة حصول السجود المأمور به في المقيس عليه من غير خلل فيه ، فالتصدِّي للجر طلباً للأفضل ممّا لا ضير فيه وقد دلّت عليه أيضاً رواية صحيحة ، وأمّا في المقام فغير حاصل ، لما عرفت من لزوم إحداث الوضع على ما يصح مباشرة ولم يتحقّق على الفرض ، والجر غير نافع في تحقيقه فإنّه إبقاء للوضع السابق وليس إحداثاً لوضع جديد ، وإلّا فلو بني على كفاية الجر في تحقيق السجود المأمور به كان اللّازم الاكتفاء به حتّى في صورة العمد والاختيار ، فله أن يضع جبهته على ما لا يصح عالماً عامداً ثمّ يجره إلى ما يصح السجود عليه ، ولا يظن أن يلتزم به الفقيه.

فيكشف هذا كشفاً قطعياً عن عدم تحقّق السجود المأمور به من أجل فقده

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ١٦٢.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

شرط الاحداث ، وأنّه لا يكاد يمكن تحصيله إلّا بالرفع ، وأنّ ما وقع سجود عرفي بحت لا يمكن تتميمه بالجر ، وبما أنّه لم يكن من أجزاء الصلاة فيقع على صفة الزيادة لا محالة من لدن وقوعه سواء أتعقب بالرفع أم لا ، فالزيادة حاصلة على كل حال ، وحيث إنّه كان مستنداً إلى السهو فزيادته غير قادحة.

وملخص الكلام مع تنقيح المقام : أنّ من وقعت جبهته على ما لا يصح فقد يكون الالتفات قبل رفع الرأس ، وأُخرى بعده فهنا فرعان.

أمّا الفرع الأوّل ففيه قولان : وجوب الجر كما اختاره في المتن تبعاً للجواهر (١) بل نسب ذلك إلى المشهور ، ووجوب الرفع كما اختاره في الحدائق (٢). ومبنى القولين بعد وضوح عدم نص في البين عدا التوقيع الّذي عرفت حاله ، فلا بدّ من الجري على ما تقتضيه القواعد أنّ اعتبار السجود على ما يصح هل من شرائط المكان وقيد معتبر في محل الجبهة سواء أحصل ذلك حدوثاً أم بقاءً ، أو انّه قيد ملحوظ في نفس السجود وأنّ اللّازم هو الوضع على ما يصح ابتداءً ووقوع الجبهة عليه حدوثاً ، ولا يكفي بقاءً واستدامة.

فعلى الأوّل : تعيّن الجر ، إذ السجود الحاصل وإن لم يكن بعدُ شرعياً ومن أجزاء الصلاة إلّا انّه لمكان صلوحه لذلك ولو بمعونة الجر لفرض كفاية البقاء لم يكن موصوفاً بالزيادة ، وانّما يتّصف بها بعد الرفع والوضع ثانياً ولأجل ذلك لا يجوز الرفع لاستلزامه زيادة السجدة عمداً ، إذ كان في وسعه الاقتصار على هذه السجدة وتتميمها ، فباختياره زاد سجدة أُخرى. فلا مناص من وجوب الجر حذراً عن هذا المحذور المترتِّب على الرفع كما علّله به في المتن.

وعلى الثاني : تعيّن الرفع ، إذ بعد فرض اعتبار الاحداث فهذا السجود غير قابل للإصلاح ، ولا يمكن عدّه من أجزاء الصلاة إذ لا ينفعه الجر كما مرّ ، ولازمه

__________________

(١) الجواهر ١٠ : ١٥٩.

(٢) الحدائق ٨ : ٢٨٧.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اتِّصافه بالزيادة حينما وقع سواء أتعقبه الرفع والوضع أم لا ، فالزيادة حاصلة على كل حال ، وحيث إنّها سهوية لم تكن قادحة. فلا مناص من تعيّن الرفع والإتيان بالسجدة المأمور بها ، هذا.

ولأجل أنّ المتعيِّن هو المبنى الثاني لما استفيد من النصوص من اعتبار الحدوث لمكان التعبير بالسقوط والوضع ونحوهما الظاهر في ذلك فالأقوى هو الرفع وعدم كفاية الجر ، وإلّا لانتقض بصورة العمد الّذي لا يظن أن يلتزم به الفقيه كما مرّت الإشارة إليه.

هذا كلّه مع التمكّن من الجر ، وأمّا مع العجز عنه فبناءً على المختار من وجوب الرفع عند التمكن فمع العجز بطريق أولى كما لا يخفى.

وأمّا بناءً على المسلك الآخر فالمشهور وجوب الرفع حينئذ ، بل في المدارك (١) دعوى الإجماع عليه وهو الظاهر من عبارة المتن وإن احتاط بالإعادة بعد الإتمام ، إذ يبعد إرادته الإتمام من غير رفع وإلّا لم يكن وجه لقوله : وإذا لم يمكن إلّا الرفع ، بل كان الأحرى أن يقول : وإذا لم يمكن الجر ، فيظهر من هذا التعبير المشعر بالعناية بالرفع لزوم مراعاته ، وهو الّذي ادّعى في المدارك الإجماع عليه كما عرفت. وحينئذ ينافيه ما تقدّم منه (قدس سره) في المسألة الثامنة والعشرين من فصل مسجد الجبهة (٢) من الجزم بالبطلان. على انّه (قدس سره) صرّح في المقام بالاكتفاء لو كان التذكّر بعد استكمال الذكر مع انّه (قدس سره) جزم بالبطلان هناك وإن خصّه بالسعة.

وكيف ما كان ، فسواء أراده الماتن أم لا ، يتوجّه على القائلين بالرفع ما اعترضه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (٣) من أنّه بعد البناء على استلزامه

__________________

(١) راجع المدارك ٣ : ٤٠٩.

(٢) شرح العروة ١٣ : ١٨٢ المسألة [١٣٧٦].

(٣) كتاب الصلاة : ١٧٠.

١٤٠