موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

من حيث الارتفاع فحسب ، بل عن الأردبيلي (قدس سره) التصريح بذلك (١) بل عن العلّامة في التذكرة دعوى الإجماع عليه ، حيث قال : ولو كان مساوياً أو أخفض جاز إجماعا (٢).

وكيف كان ، فالأقوى ما ذكره الشهيد (قدس سره) من إلحاق الخفض بالرفع لموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المريض أيحلّ له أن يقوم على فراشه ويسجد على الأرض؟ قال فقال : إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرّة أو أقل استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض وإن كان أكثر من ذلك فلا» (٣). فانّ الآجرّة هي اللبنة ، ولا فرق إلّا من حيث الطبخ وعدمه ونفي الاستقامة عن الزائد عليها ظاهر في المنع ، والتشكيك في هذا الظهور بأنّ استقام أعم من الجواز ، لإطلاقه على المندوب أيضاً وما هو الأنسب والأفضل فعدمه لا يدل على المنع ، في غير محله ، فان مقابل الاستقامة هو الاعوجاج فنفيها بقول مطلق ظاهر في المنع كما لا يخفى.

ولا تعارضها رواية محمّد بن عبد الله عن الرِّضا عليه‌السلام في حديث «انّه سأله عمّن يصلِّي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه ، فقال : إذا كان وحده فلا بأس» (٤) التي هي مستند القول الآخر ومن أجلها حملوا الموثق على الكراهة.

إذ فيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند ، فانّ محمّد بن عبد الله الواقع في سندها مشترك بين جماعة كلّهم مجاهيل لم تثبت وثاقتهم (٥). ودعوى أنّ الراوي عنه

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٣٣ ، ٢٦٣.

(٢) التذكرة ٣ : ١٨٩.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٨ / أبواب السجود ب ١١ ح ٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٥٨ / أبواب السجود ب ١٠ ح ٤.

(٥) نعم ، قد وثّق كل من محمّد بن عبد الله بن زرارة ومحمّد بن عبد الله بن رباط كما في

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

هو صفوان وهو من أصحاب الإجماع الّذين لم يرووا إلّا عن الثقة ، قد تقدّم الجواب عنها غير مرّة بعدم تمامية المبنى ، والظاهر أنّ صفوان لم يرو عن محمّد ابن عبد الله إلّا في هذه الرواية.

وثانياً : أنّ غايتها الإطلاق فيقيّد بالموثق جمعا.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ التقييد بالوحدة في هذه الرواية سؤالاً وجواباً إنّما هو في مقابل الجماعة التي وقع السؤال عنها في صدر هذا الخبر حيث قال «سألته عن الإمام يصلِّي في موضع والّذين خلفه يصلّون في موضع أسفل منه ، أو يصلّي في موضع والذين خلفه في موضع أرفع منه ، فقال يكون مكانهم مستوياً» (١) ، فسأله عليه‌السلام أوّلاً عن حكم الجماعة من حيث اختلاف مكان الإمام والمأموم خفضاً ورفعاً ، فأجاب عليه‌السلام باعتبار المساواة ، ثمّ سأله ثانياً عن حكم المنفرد وأنّ مَن يصلِّي وحده هل يجوز أن يكون مسجده أسفل من مقامه ، فأجاب عليه‌السلام بنفي البأس عن هذا الفرد الّذي وقع السؤال عنه في مقابل الصدر ، فالتقييد بالوحدة في كلامه عليه‌السلام إنّما هو بتبع وقوعه في كلام السائل ، لا لدخله في الحكم ، فلا يدلّ على المفهوم ، فليتأمّل.

نعم ، هناك صورة أُخرى لم يتعرّض لحكمها في الرواية سؤالاً ولا جواباً وهي حكم المأموم في حدّ نفسه من حيث اختلاف موقفه عن مسجده ، ولعل حكمه يظهر من المنفرد لعدم احتمال الفرق من هذه الجهة.

__________________

معجم الأُستاذ ١٧ : ٢٥٣ / ١١١١٧ ، ٢٥٢ / ١١١١٦. إلّا أنّه لا يحتمل إرادتهما في المقام ، أمّا الأوّل فلعدم مساعدة الطبقة بعد ملاحظة الراوي والمروي عنه ، وأمّا الثاني فهو وإن كان من رجال هذه الطبقة إلّا أنّه لا توجد له ولا رواية واحدة في شي‌ء من الكتب الأربعة.

(١) الوسائل ٨ : ٤١٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٣ ح ٣.

١٠٢

ولا فرق في ذلك بين الانحدار والتسنيم (١) ، نعم الانحدار اليسير لا اعتبار به (١) فلا يضر معه الزيادة على المقدار المذكور. والأقوى عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد (٢) لا بعضها مع بعض ولا بالنسبة إلى الجبهة ، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسمّاه.

______________________________________________________

(١) لإطلاق النص كالفتوى ، فإنّ الزيادة على اللبنة الممنوعة في صحيحة عبد الله بن سنان وموثقة عمار شاملة بإطلاقها لنحوي الانحدار والتسنيم.

نعم ، استثنى الماتن من ذلك ما إذا كان الانحدار يسيراً أي تدريجياً بأن يشرع من الموقف وينتهي إلى موضع الجبهة فلا يقدح مثله وإن زاد على اللبنة ، وخصّ المنع بما إذا كان كثيراً أي دفعياً واقعاً فيما حول الجبهة بحيث يكون العلو أو الخفض ظاهراً محسوساً ، وكأنّه لانصراف النص عن الأوّل ، ولكنّه كما ترى لا وجه له بعد تسليم الإطلاق في النص وشموله لنحوي التسنيم والانحدار كما صرّح (قدس سره) به ، فالأقوى عدم الفرق بين اليسير والكثير.

(٢) فلا يعتبر التساوي بينها بعضها مع بعض ، فلو كان موضع اليدين بالنسبة إلى الركبتين ، أو إحدى اليدين أو الركبتين بالنسبة إلى الأُخرى أرفع أو أخفض بأزيد من لبنة ، جاز ما لم يخرج عن هيئة الساجد بلا خلاف فيه ، لعدم الدليل على مراعاة المساواة بينها ، ومقتضى الأصل البراءة.

وهل المساواة المعتبرة ملحوظة بين موضع الجبهة وموقف المصلِّي خاصّة على ما هو صريح المتن تبعاً للأصحاب على اختلاف تعابيرهم فلا يقدح الاختلاف بينه وبين سائر المحال ، أو أنّها ملحوظة بينه وبين كل واحد من بقية

__________________

(١) الظاهر عدم الفرق بينه وبين غير اليسير إذا كان ظاهراً ، نعم لو لم يكن الانحدار ظاهراً فلا اعتبار بالتقدير المزبور وإن كان هو الأحوط الأولى.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المساجد الستّة ، فلو كانت يداه مثلاً أرفع من الجبهة بطلت ، وإن كانت هي مساوية مع الموقف؟

قد يقال بالثاني ، بل نسب ذلك إلى ظاهر العلامة في بعض كتبه (١) وغيره.

وهذا يبتني على أمرين :

أحدهما : أنّ المراد بالبدن في صحيحة ابن سنان المتقدِّمة (٢) التي هي الأصل في هذا التحديد بدن المصلِّي حال سجوده كي يشمل جميع المساجد الستّة فتلحظ النسبة بينها وبين موضع الجبهة.

الثاني : أنّ تلك المساجد ملحوظة على سبيل العموم الاستغراقي حتّى تجب ملاحظة النسبة بين كل واحدة منها وبين الجبهة ، فيقدح حينئذ علو كل واحد من الأعضاء أو انخفاضه عنها بأزيد من لبنة. وأمّا لو كانت ملحوظة على نحو العموم المجموعي فالقادح إنّما هو علو المجموع غير الصادق عند علو بعض وتساوي الآخر كما لا يخفى.

وللمناقشة في كلا الأمرين مجال واسع.

أمّا الثاني ، فإنّ لحاظ العموم على سبيل الاستغراق كي يقتضي الانحلال يحتاج إلى مئونة زائدة وعناية خاصّة ثبوتاً وإثباتاً ، يدفعها إطلاق الدليل على أنّ لازمه إطلاق البدن على كلّ واحد من المحال بمقتضى الانحلال ، وهو كما ترى فإنّه اسم لمجموع الأعضاء لا لكل واحد منها.

وأمّا الأوّل ، فهو أيضاً خلاف الظاهر ، إذ البدن في حال السجود يعم الجبهة فلا يناسب التقابل بينه وبين موضع الجبهة ، لاعتبار المغايرة في المتقابلين.

وعليه فإمّا أن يراد به البدن حال الجلوس ، أو حال القيام ، وحيث إنّ

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٤٨٨.

(٢) في ص ٩٨.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الاعتماد في الأوّل على ما دون الركبتين من الساقين والأليين الموضوعتين على الرجلين ، فما يعتمد عليه من مواضع السجود حينئذ إنّما هو الرجلان ، بل هما العمدة في الاعتماد ، فيتّحد بحسب النتيجة مع الثاني ، أعني حال القيام ، فتكون العبرة بالرجلين فحسب ، فهما المدار في المقايسة مع موضع الجبهة ، بل خصوص الإبهام منهما كما لا يخفى.

وليس المراد بذلك مراعاة موقف المصلِّي في حال القيام بما هو كذلك ، لعدم احتمال كون التساوي المزبور شرطاً في حال القيام وقيداً تعبّدياً معتبراً في مكان المصلِّي مطلقاً ، ولذا لو وقف في مكان وعند إرادة السجود صعد على دكّة قريبة منه وسجد عليها صحّت صلاته بلا إشكال ، مع أنّ مسجده حينئذ أرفع من المكان الّذي كان واقفاً فيه أزيد من اللبنة ، فإنّ الرواية منصرفة عن هذه الصورة قطعاً ، بل ناظرة إلى الفرد الشائع المتعارف الّذي يقتضيه طبع المصلِّي من السجود في مكان يقوم فيه لا في مكان آخر.

فالمتحصِّل من الصحيحة تحديد الانحناء لدى السجود ، وأنّه ينحني إلى مقدار يوازي جبهته موقفه بحيث لو قام عن سجوده ساوى مسجده موضع رجليه. وهذا هو المراد من الموقف حال القيام الّذي جعلنا المدار عليه واستظهرناه من الصحيحة.

وبعبارة اخرى : المكان الّذي يضع المصلِّي قدميه فيه حال القيام ووركيه حال الجلوس وإبهاميه حال السجود مكان واحد عرفاً وهو المعبّر عنه بـ (موضع البدن) فروعي التساوي بينه وبين موضع الجبهة ، وعليه فلا عبرة بسائر المواضع فلا يضر ارتفاعها عن موضع الجبهة وإن زاد على اللبنة ما لم يخرج عن هيئة الساجد ، كما لو وضع يديه على الحائط مثلاً ، فانّ ذلك خروج عن هيئة السجود.

وممّا يؤكِّد ما ذكرناه من جعل العبرة بالموقف وأنّه المراد من البدن في

١٠٥

الثامن : وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض ، وما نبت منها غير المأكول والملبوس على ما مرّ في بحث المكان (١).

______________________________________________________

الصحيحة ما وقع في غير واحد من النصوص من التعبير بدل البدن بالرجلين ، أو المقام أو موضع القدم ، ففي صحيحة ابن سنان الأُخرى «أيكون أرفع من مقامه» (١) وفي صحيحة أبي بصير «إنِّي أُحب أن أضع وجهي في موضع قدمي» (٢) وفي رواية محمّد بن عبد الله «فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه» (٣) وأظهر من الكل مرسلة الكليني التي تقدّم (٤) استظهار أنّها هي صحيحة ابن سنان المبحوث عنها قال عليه‌السلام فيها «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» (٥).

هذا كلّه من حيث الارتفاع ، وأمّا من حيث الانخفاض فلا ينبغي الشك في كون المدار على الموقف ، للتصريح به في موثقة عمار التي هي المستند في هذا الحكم قال عليه‌السلام فيها : «إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرّة أو أقل استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض» (٦) حيث فرض فيه المساواة فيما عدا قدر الآجر ، بين ما يقوم عليه الّذي هو الموقف وبين المسجد ، فالمقتضي للاحتمال الآخر أعني الاعتبار بسائر المحال قاصر هنا في حد نفسه كما لا يخفى.

(١) قد مرّ الكلام حول ذلك في بحث المكان في فصل ما يسجد عليه (٧) مستقصى فلا نعيد.

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ٦ : ٣٥٧ / أبواب السجود ب ١٠ ح ١ ، ٢ ، ٤.

(٤) في ص ١٠٠.

(٥) الوسائل ٦ : ٣٥٩ / أبواب السجود ب ١١ ح ٣ ، الكافي ٣ : ٣٣٣ / ٤.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٥٨ / أبواب السجود ب ١١ ح ٢.

(٧) شرح العروة ١٣ : ١٢٩ فما بعدها.

١٠٦

التاسع : طهارة محل وضع الجبهة (١).

العاشر : المحافظة على العربية والترتيب والموالاة في الذكر (٢).

[١٦٠٩] مسألة ١ : الجبهة ما بين قصاص شعر الرأس وطرف الأنف الأعلى والحاجبين طولاً وما بين الجبينين عرضاً (٣)

______________________________________________________

(١) قد مرّ الكلام حول ذلك أيضاً في أوائل كتاب الطهارة عند التكلّم في أحكام النجاسات في فصل يشترط في صحّة الصلاة واجبة كانت أو مندوبة إزالة النجاسة ، وعرفت أنّ عمدة المستند هي صحيحة ابن محبوب عن الرِّضا عليه‌السلام «عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب عليه‌السلام إنّ الماء والنار قد طهّراه» (١). وقد فصّلنا القول حول هذا الحديث وما يتعلّق بهذا الحكم بما لا مزيد عليه فراجع ولاحظ (٢).

(٢) كما سبق البحث عن كل ذلك في بحث القراءة فلاحظ.

(٣) كما نصّ عليه غير واحد من الأصحاب تبعاً لتصريح أهل اللغة ، وتشهد به جملة من النصوص كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ، أو مقدار طرف الأنملة» (٣) ، وصحيحته الأُخرى عن أحدهما عليهما‌السلام قال «قلت : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة ، فقال : إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبه وقصاص شعره فقد

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٢٧ / أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١.

(٢) شرح العروة ٣ : ٢٤٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٦ / أبواب السجود ب ٩ ح ٥.

١٠٧

ولا يجب فيها الاستيعاب (١) بل يكفي صدق السجود على مسمّاها.

______________________________________________________

أجزأ عنه» (١) وقد روى الأخيرة في الوسائل كما ذكرنا فأسندها أوّلاً إلى الشيخ ثمّ قال : ورواه الصدوق بإسناده عن زرارة مثله.

ورواها أيضاً في الباب ١٤ من أبواب ما يسجد عليه الحديث ٢ بهذا اللفظ : «إذا مسّ شي‌ء من جبهته الأرض ...» (٢) بزيادة كلمة «شي‌ء من» وأسندها أوّلاً إلى الصدوق ثمّ قال ورواه الشيخ مرسلاً بعكس المقام. ولا أثر لهذا الاختلاف فيما نحن بصدده وإن أوجب الفرق من حيث الدلالة على الاستيعاب وعدمه الّذي سيأتي الكلام عليه ، ونحوهما موثقة عمار (٣) وغيرها.

وقد يقال : بخلو النصوص عن التعرّض للتحديد العرضي ، وأنّها مقصورة على بيان الحد من ناحية الطول فقط ، لكن الظاهر دلالتها على التحديد من كلتا الناحيتين طولاً باعتبار طول الإنسان وعرضاً ، فانّ المراد بالحاجب أو الحاجبين في صحيحتي زرارة المتقدِّمتين ليس خصوص ما يلي الأنف ، بل كل ما صدق عليه اسم الحاجب بمقتضى الإطلاق المحدود فيما بين اليمين واليسار المحفوفين بالجبينين المقارنين للصدغين ، فإذا أخذت هذا الحد بكامله ولاحظته إلى قصاص الشعر فكل ما يسعه فهو الجبهة التي تكفلت هذه النصوص ببيانها ، فالشبهة نشأت من تخيّل أنّ المراد بالحاجب مسمّاه ، أو خصوص طرف الأنف ، والغفلة عن صدقه على كل جزء منه يميناً وشمالاً بدواً وختماً كما عرفت.

(١) على المشهور ، بل بلا خلاف كما عن غير واحد. نعم ، نسب إلى ابن

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٥٥ / أبواب السجود ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٦٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٦ / أبواب السجود ب ٩ ح ٤.

١٠٨

ويتحقّق المسمّى بمقدار الدرهم قطعاً ، والأحوط عدم الأنقص (١).

______________________________________________________

إدريس (١) وابن الجنيد (٢) كلام يشعر بلزوم الاستيعاب ، حيث قالا فيما حكي عنهما إنّ من كان به علّة يجزيه الوضع بمقدار الدرهم ، وظاهره لزوم الاستيعاب مع عدم العلّة ، لكن النسبة لو صحّت فهو قول شاذ مخالف للإجماع كما عرفت ومحجوج عليه بالأخبار فإنّها صريحة في كفاية المسمّى ، ففي صحيحة زرارة المتقدِّمة : «فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك» ، وصحيحته الأُخرى : «إذا مسّ شي‌ء من جبهته الأرض ...» إلخ وفي موثقة عمار «أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» وغيرها ممّا تقدّمت الإشارة إليها.

وليس في النصوص ما يشهد للاستيعاب عدا صحيحة علي بن جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة تطول قصتها فاذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيها الشعر هل يجوز ذلك؟ قال : لا ، حتّى تضع جبهتها على الأرض» (٣).

لكن لا مناص من حملها على الفضل وكراهة البعض ، لما عرفت من الروايات الناصة بكفاية المسمّى (٤).

(١) قد عرفت عدم وجوب الاستيعاب وكفاية البعض ، إنّما الكلام في مصداق ذاك البعض وأنّه هل يعتبر فيه أن يكون بقدر الدرهم فلا يجزي الأقل

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٢٥.

(٢) حكاه عنه في الذكرى ٣ : ٣٩٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٦٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٤ ح ٥.

(٤) الصحيحة مشتملة على التعبير بـ «لا يجوز» الصريح في نفي الجواز ومثله لا يقبل الحمل على الكراهة كما لا يخفى. فالأُولى الخدش بإعراض الأصحاب عنها وإن لم يتم على مسلك سيِّدنا الأستاد أو ردّ علمها إلى أهله.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أو يكفي المسمّى وإن كان دون ذلك مع العلم بعدم كفاية السجود على مقدار الحمصة ، إذ لا يصدق معه السجود على الأرض ، بل هو حاجب ومانع عنه كما لا يخفى ، فلا يتحقّق في مثله المسمّى ، ومحل الكلام بعد فرض حصول المسمّى.

وكيف كان ، فالمشهور هو الثاني ، وظاهر الصدوق هو الأوّل ، حيث قال : ويجزي مقدار الدرهم ، وقد ذكر هذه العبارة في موضعين من الفقيه أحدهما : في باب ما يصح السجود عليه ، نقلاً عن والده (قدس سره) وأمضاه. الثاني : في باب صفات الصلاة وهو من كلام نفسه (قدس سره) (١) وظاهره أنّه حدّده بذلك ، فلا يجزي الأقل.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ ذلك من باب المثال ولا يريد به التحديد ، لأنّه (قدس سره) قال في صدر الكتاب إنِّي أعمل بكل رواية أرويها فيه وأنّه حجّة بيني وبين الله (٢) ، وقد نقل في المقام هذه الروايات الظاهرة في كفاية المسمّى فيظهر أنّه يعمل بهذه الأخبار ، فلا بدّ من حمل الدرهم على المثال.

نعم ، صرّح الشهيد في الذكرى بما لفظه : والأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم لتصريح الخبر وكثير من الأصحاب به فيحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيّد (٣). ونحوه ما عن الدروس (٤) ، وقد وقع الكلام في المراد من الخبر الّذي أشار إليه قال في الجواهر : وأشار بالخبر إلى صحيح زرارة السابق (٥) أي المشتملة على لفظ الدرهم (٦) السابقة في كلامه (قدس سره) ولكنّه

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٥ ، ٢٠٥.

(٢) الفقيه ١ : ٣.

(٣) الذكرى ٣ : ٣٨٩.

(٤) الدروس ١ : ١٨٠.

(٥) الجواهر ١٠ : ١٤٣.

(٦) الوسائل ٦ : ٣٥٦ / أبواب السجود ب ٩ ح ٥.

١١٠

ولا يعتبر كون المقدار المذكور مجتمعاً ، بل يكفي وإن كان متفرِّقاً مع الصدق (١) فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة (١) إذا كان مجموع ما وقعت عليه الجبهة بقدر الدرهم.

______________________________________________________

كما ترى ، فإنّه على خلاف المطلوب أدل ، لتضمنها عطف (٢) طرف الأنملة على الدرهم الّذي هو أقل من الدرهم قطعاً ، وإلّا لما صحّ التقابل ، فهو أعلم بما قال. على أنّه (قدس سره) أسنده إلى الأصحاب ، مع أنّه أسند كثير إليهم وهو المعروف بينهم عدم اعتباره وكفاية المسمّى ، وهذا أيضاً لم يعرف وجهه.

وكيف ما كان ، فالصحيح ما عليه المشهور من كفاية المسمّى ، لإطلاق النصوص المتقدِّمة وعدم ما يصلح للتقييد. نعم ، ورد التحديد بالدرهم في الفقه الرضوي (٣) ودعائم الإسلام ، بل إنّ عبارة الثاني أصرح لقوله «أقل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر درهم» (٤) لكن سندهما ضعيف جدّاً كما مرّ مراراً ، فلا يصلحان لمعارضة ما سبق.

(١) لإطلاق النصوص الدالّة على كفاية المسمّى كما مرّ ، الصادق حتّى مع التفرّق إذا لم يكن بمثابة يمنع عن الصدق ويعد من الحائل ، وعليه فيجوز السجود على السبحة مع تفرّقها بشرط الصدق المزبور ، سواء أكان مجموع ما تقع عليه الجبهة بالغاً حدّ الدرهم أم لا ، لما عرفت من عدم العبرة بهذا الحد ، لضعف مستنده وكفاية المسمّى حيثما تحقّق.

__________________

(١) بل على المطبوخة أيضا.

(٢) صاحب الجواهر ملتفت إلى هذا ويجيب عنه بما ينبغي الملاحظة فراجع الجواهر ١٠ : ١٤٣.

(٣) فقه الرِّضا : ١١٤.

(٤) المستدرك ٤ : ٤٥٨ / أبواب السجود ب ٨ ح ١ ، الدعائم ١ : ١٦٤.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنه تعرف أنّ التقييد بذلك في المتن في غير محله. نعم ، بناءً على اعتبار الدرهم قد يستشكل في جواز السجود على مثل السبحة والحصى وإن بلغ المجموع مقدار الدرهم ، كما حكاه في الجواهر (١) عن شرح نجيب الدين وكأنّه لانصراف التحديد إلى صورة الاتِّصال ، فلا يكفي مع الانفصال والتفرّق ، كما قيل بمثل ذلك في مانعية الدم البالغ حدّ الدرهم في الصلاة من انصراف المنع إلى الدم المتّصل ، فالمتفرِّق في البدن أو اللباس لا يمنع وإن كان المجموع بقدر الدرهم ، لكن الانصراف بدوي في كلا المقامين كما لا يخفى.

هذا ويظهر من الجواهر جواز السجود على السبحة والحصى المتفرِّقة وإن لم يبلغ الدرهم ، حتّى بناءً على اعتبار هذا الحد استناداً إلى النص قال (قدس سره) ما لفظه : بل بعض نصوص الحصى وعدم وجوب التسوية لما يسجد عليه ربما تشهد للاجتزاء على تقدير اعتبار الدرهم أيضاً فتأمّل ، انتهى (٢).

ولم يظهر مراده (قدس سره) من تلك النصوص ، إذ لم نظفر على رواية تدل على عدم وجوب التسوية ، بل إنّ النصوص الواردة في المقام حاكية عن أنّ الإمام عليه‌السلام كان يسوي بين الحصى ، وإن لم تدل هي لا على الوجوب ولا على عدم الوجوب لإجمال الفعل ، ففي موثقة يونس بن يعقوب المرويّة بطريقي الشيخ والصدوق قال : «رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يسوي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين» (٣) ، وفي رواية عبد الملك بن عمرو قال : «رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام سوّى الحصى حين أراد السجود» (٤).

__________________

(١) ، (٢) الجواهر ١٠ : ١٤٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٧٣ / أبواب السجود ب ١٨ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠١ / ١٢١٥ ، الفقيه ١ : ١٧٦ / ٨٣٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٧٣ / أبواب السجود ب ١٨ ح ٤.

١١٢

[١٦١٠] مسألة ٢ : يشترط مباشرة الجبهة لما يصحّ السجود عليه (١) فلو كان هناك مانع أو حائل عليه أو عليها وجب رفعه حتّى مثل الوسخ الّذي على التربة إذا كان مستوعباً لها بحيث لم يبق مقدار الدرهم منها ولو متفرِّقاً خالياً عنه ، وكذا بالنسبة إلى شعر المرأة (٢) الواقع على جبهتها ، فيجب رفعه بالمقدار الواجب ، بل الأحوط إزالة الطين اللّاصق بالجبهة في السجدة الأُولى (٣) ، وكذا إذا لصقت التربة بالجبهة فانّ الأحوط رفعها ، بل الأقوى

______________________________________________________

(١) فإنّها المنصرف من الأمر بوضع الجبهة على الأرض ، فمع وجود الحائل في أحدهما المانع عن المباشرة لا يصدق الامتثال ، فالحكم مطابق للقاعدة مضافاً إلى استفادته من النصوص المانعة عن السجود على القلنسوة أو العمامة أو الشعر كصحيح عبد الرّحمن «عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا يصيب وجهه الأرض قال : لا يجزيه ذلك حتّى تصل جبهته إلى الأرض» (١) ، ونحوها صحيحة زرارة (٢) وعلي بن جعفر وغيرهما (٣). فلا إشكال في الحكم مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه.

وعليه ، فيجب إزالة الحاجب حتّى مثل الوسخ الّذي على التربة إذا كانت له جرمية تستوعب سطحها ، ولم يعد من اللون في نظر العرف.

(٢) لو أبدلها بالرجل كان أولى ، فإن ظهور شعرها ووقوعه على الجبهة بنفسه موجب للبطلان ، لوجوب الستر عليها إلّا أن يفرض كونها أمة ، بل يمكن فرضه في الحرة أيضاً كما لا يخفى ، وقد أُشير إليه في صحيحة علي بن جعفر المزبورة.

(٣) تقدّم هذا الفرع في المسألة الرابعة والعشرين من فصل مسجد الجبهة من مكان المصلِّي (٤) ، وقد جزم (قدس سره) هناك بوجوب الإزالة وإن احتاط

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٣٦٢ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٤ ح ١ ، ٢ ، ٥.

(٤) شرح العروة ١٣ : ١٧٣ المسألة [١٣٧٢].

١١٣

وجوب رفعها إذا توقف صدق السجود على الأرض أو نحوها عليه وأمّا إذا لصق بها تراب يسير لا ينافي الصدق فلا بأس به.

______________________________________________________

في المقام. وكيف كان ، فقد وقع الكلام في وجوب إزالة الطين ، أو رفع التربة اللّاصقة بالجبهة في السجدة الأُولى وعدمه. وربما يعلّل الوجوب بعدم صدق تعدّد الوضع المتوقف عليه صدق السجدتين لولا الرفع ، إذ بدونه فهو إبقاء للسجدة الاولى لا إحداث للأُخرى ، فلا يتحقّق معه التعدّد المأمور به ، بل المجموع سجود واحد مستمر.

وفيه : ما لا يخفى ، بداهة أنّ الوضع الّذي يتقوّم به مفهوم السجود لا يكفي في صدقه مجرد اللصوق والاتِّصال ، بل لا بدّ من الاعتماد والاستناد ، فلا وضع من غير اعتماد ، كما لا سجود. فحقيقة السجود عبارة عن إيجاد تلك الهيئة عن وضع واعتماد ، وعليه فبعد رفع الرأس عن السجدة الأُولى قد زالت تلك الهيئة وانعدم الوضع إذ لا اعتماد وقتئذ ، وإن كانت الجبهة بعدُ ملاصقة للتربة ، فلا يطلق عليه الساجد في هذا الحال بالضرورة ، وبعد تكرّر الهيئة فقد تحقّق وضع واعتماد جديد بعد أن لم يكن لتخلّل العدم بينهما ، فهو إحداث سجدة أُخرى لا إبقاء لما كان بالوجدان ، فتتحقّق معه السجدتان ويصدق التعدّد بلا ارتياب وإلّا فهل ترى جواز وضع الجبهة كذلك على الأرض مرّة أو مرّات عامداً لشكر ونحوه لا نظن أن يلتزم به الفقيه ، للزوم زيادة السجدة بلا إشكال. فهذا التقرير ساقط قطعا.

والأولى في تعليل الوجوب أن يقال : إنّ السجود بمفهومه اللغوي وإن كان حادثاً في المقام من دون الرفع أيضاً فإنّه لغة عبارة عن وضع الجبهة على الأرض سواء أكان ذلك مباشرة وبلا واسطة أم معها ، كما سبق في صدر

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

البحث (١) ، إلّا أنّ الشارع قد اعتبر في هذا الوضع خصوصية المباشرة كما مرّ وإن لم يعتبر في بقية المحال بلا إشكال ، والأمر بالمباشرة كغيرها من سائر الواجبات ظاهر في الاحداث ، فلا يكفي الإبقاء بقصد الامتثال ، ولا أحداث في المقام ، فإنّ الجبهة كانت مباشرة مع التربة قبل الوضع على الأرض ، فهو إبقاء لما كان لا إحداث جديد.

والحاصل : أنّ السجود الشرعي يتقوّم بأمرين : الوضع ، وأن يكون عن مباشرة ، والإحداث وإن حصل في الأوّل لكنّه لم يتحقّق في الثاني فمن أجله لا بدّ من الرفع تحصيلاً للاحداث بالإضافة إليهما معا.

وبعبارة اخرى : لو كان السجود الشرعي متقوّماً بالوضع فحسب لما وجب الرفع ، لصدق تعدّده بدونه كما عرفت ، لكن المأخوذ في لسان النصوص عناوين أُخر يقتضي مراعاتها وجوب الرفع في المقام كعنوان السقوط إلى الأرض ، وإصابة الجبهة ومسها بها. ففي صحيح زرارة «فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك» (٢) وفي موثق عمار «أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» (٣) ونحوها موثقة بريد (٤) ، وفي صحيحة زرارة الأُخرى «إذا مسّ جبهته الأرض» (٥).

فان صدق هذه العناوين ولا سيما السقوط يتوقف على انفصال الجبهة عن الأرض الموقوف على الرفع ، إذ بدونه لا يصدق أنّ الجبهة سقطت أو أصابت أو مسّت الأرض ، بل المتّصف بهذه الأُمور هي الجبهة التي عليها التربة الحائلة بينها وبين الأرض دون الجبهة نفسها ، فانّ الحدوث ملحوظ في مفاهيم هذه العناوين كما عرفت ، فسقوط الجبهة على التربة لم يتحقّق وعلى الأرض وإن تحقّق لكنّه مع الحائل فيبطل السجود من هذه الجهة.

__________________

(١) في ص ٨٤.

(٢) ، (٣) ، (٤) ، (٥) الوسائل ٦ : ٣٥٦ / أبواب السجود ب ٩ ح ٥ ، ٤ ، ٣ ، ١.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا ، ويشهد لما ذكرناه من وجوب الرفع صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال : نعم ، قد كان أبو جعفر عليه‌السلام يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب» (١).

فانّ الظاهر أنّ السؤال إنّما هو عن الوجوب دون الجواز ، وذلك لأنّ المنقدح في ذهن السائل لو كان احتمال مانعية المسح في الصلاة بتخيّل أنّه فعل كثير فكان مقصوده السؤال عن الجواز وعدمه لكان حقّ العبارة أن يقول هكذا : «يمسح الرجل ...» إلخ بصيغة الجملة الخبرية كي يكون السؤال عن أنّ هذا المسح المفروض وقوعه هل هو قادح أم لا ، ومثله يجاب عنه بـ (لا بأس) كما وقع نظيره في الروايات كثيراً ، لكن الرواية ليست كذلك ، بل هي بصيغة الاستفهام فقال «أيمسح الرجل» ، إلخ الظاهر في السؤال عن الوظيفة الفعلية وأنّه هل يلزم عليه أن يمسح حينما يجد التراب لاصقاً بجبهته أم لا ، ومثله لا يجاب عنه بـ (لا بأس) كما في الأوّل بل بـ (نعم) أو (لا). فقوله عليه‌السلام : «نعم» ، ولا سيّما مع التعبير بصيغة الاستفهام يعطي قوّة الظهور في أنّ المسئول عنه هو الوجوب ، وقد أمضاه عليه‌السلام بقوله «نعم» فكأنه عليه‌السلام قال ابتداءً «يمسح الرجل ...» إلخ الّذي لا شك في ظهوره في الوجوب ، فدلالة الصحيحة على ما ذكرناه تامّة لا خدشة فيها.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر أنّ وجوب رفع التربة اللّاصقة هو الأقوى وإن جعلناه أحوط في مبحث المكان (٢) ، وجعله الماتن كذلك في المقام. نعم ، إذا كان

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٧٣ / أبواب السجود ب ١٨ ح ١.

(٢) في المسألة الرابعة والعشرين من «فصل مسجد الجبهة من مكان المصلِّي» [شرح العروة ١٣ : ١٧٣].

١١٦

وأمّا سائر المساجد فلا يشترط فيها المباشرة للأرض (١).

[١٦١١] مسألة ٣ : يشترط في الكفّين وضع باطنهما مع الاختيار (٢)

______________________________________________________

التراب اللّاصق يسيراً جدّاً مثل الغبار ونحوه بحيث لا ينافي صدق السجود على الأرض ، لكونه بمنزلة العرض عرفاً لا يعد حائلاً لم تجب إزالته كما نبّه عليه في المتن.

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، بل لعلّه يعد من الضروري ، وتقتضيه جملة وافرة من النصوص التي منها صحيحة زرارة «... وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرّك وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» (١) وصحيحة حمران «كان أبي عليه‌السلام يصلِّي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها فاذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» (٢) وصحيحة الفضيل وبريد «لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ...» إلخ (٣) ونحوها غيرها.

على أنّ المقتضي لاعتبار المباشرة بالإضافة إليها قاصر في حدّ نفسه ، فإنّ الأمر بالسجود على الأرض ونباتها منصرف إلى وضع الجبهة بخصوصها الّذي هو المقوّم للسجود كما عرفت سابقاً ولا يشمل سائر المساجد.

(٢) لانصراف الأمر بوضع اليدين على الأرض الوارد في النصوص إلى الباطن فإنّه المنسبق منه إلى الذهن ، ولا سيّما وأنّ المتعارف من لدن زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عصر صدور هذه الأخبار كان هو ذلك ، ولا ريب أنّ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٨٥ / أبواب السجود ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٧ / أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٤٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٥.

١١٧

ومع الضرورة يجزي الظاهر (١)

______________________________________________________

النص منصرف إلى الشائع المتعارف ، فلا إطلاق فيه يعم الظاهر لدى التمكن من الباطن.

وتدل عليه أيضاً : صحيحة حماد (١) فإنّه وإن لم يصرّح فيها بالسجود على الباطن لكنّا نقطع بأنّه عليه‌السلام في مقام التعليم قد سجد على باطن كفّه على ما هو المتعارف ، حتّى وإن لم ينقله حماد ، إذ لو سجد عليه‌السلام على ظاهر الكف فحيث إنّه على خلاف المتعارف المعهود في مقام السجود فهو بطبيعة الحال لافت لنظر حماد فكان عليه أن ينقله كما نقل جميع الخصوصيات الصادرة عنه عليه‌السلام في صلاته ، بل إنّ هذا أحرى بالحكاية من كثير ممّا حكى كما لا يخفى ، فمن عدم التعرّض لذلك نكشف كشفاً قطعياً أنّه عليه‌السلام قد سجد على الباطن ، ثمّ قال عليه‌السلام في الذيل «يا حماد هكذا فصل» وظاهر الأمر الوجوب ، وأمّا الاستدلال بالتأسِّي فظاهر المنع كما مرّ غير مرّة إذ الفعل مجمل العنوان فلم يعلم صدوره منه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوان الوجوب كي يشمله دليل التأسِّي.

(١) لعدم المقتضي لتقييد المطلقات بالإضافة إلى حال الضرورة ، فإنّ المقيّد منحصر في أحد أمرين كما مرّ ، إمّا الانصراف والتعارف الخارجي ، وإمّا صحيحة حماد ، وكلاهما مختصّان بفرض التمكّن ، أمّا الأوّل فظاهر ، وكذا الثاني ، لوضوح أنّ الإمام عليه‌السلام وكذا حماد المأمور بتلك الصلاة كانا متمكّنين من السجود على الباطن.

وعليه فاطلاقات الأمر بالسجود على الكف الشامل للظاهر والباطن مثل

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : إنّما السجود على سبعة أعظم ومنها الكفّان (١) غير قاصرة الشمول للمقام بعد سلامتها عن التقييد.

وأمّا الاستدلال لذلك بقاعدة الميسور ففيه ما لا يخفى ، إذ مضافاً إلى منع الكبرى ، لعدم تمامية القاعدة في نفسها كما مرّ مراراً لا صغرى لها في المقام ، فان ظاهر الكف مقابل للباطن ومباين له ، فكيف يعد ميسوراً منه ومن مراتبه ، وهل هذا إلّا كمن أمره المولى أن يذهب يميناً فعجز عنه ، فيحكم بوجوب ذهابه شمالاً لكونه ميسوراً منه.

وأمّا ما يدعى من أنّه مع الشك في تعين الظاهر لدى العجز عن الباطن فالأصل يقتضي التعيين بناءً على الرجوع إليه عند الشك في التعيين والتخيير فممّا لا محصل له.

إذ فيه أوّلاً : أنّ الدوران بين التعيين والتخيير لا صغرى له في المقام ، فان مورده ما إذا علم بالوجوب في الجملة وتردّد بين الأمرين ، وفي المقام لا علم بالوجوب أصلاً ، فإنّ السجود على الباطن قد سقط بالعجز حسب الفرض ، وأمّا على الظاهر فلم يعلم تعلّق التكليف به من أوّل الأمر ، فالأمر دائر بين وجوبه في هذا الحال معيّناً ، وبين سقوط التكليف به رأساً والاجتزاء بالمساجد الستّة ، ولا شك أنّ مقتضى الأصل البراءة للشك في حدوث تكليف جديد فأين التعيين والتخيير.

وثانياً : ما نقّحناه في الأُصول من أنّ الشك في التعيين والتخيير هو بعينه الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، ولا فرق بينهما إلّا في مجرّد العبارة وليست قاعدة أُخرى في قبالها ، فانّ الجامع بينهما وهو الأقل متيقّن ، وخصوصية التعيين وهي الأكثر مشكوكة والمرجع في مثله البراءة كما حرّر في محله (٢).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٣ / أبواب السجود ب ٤ ح ٢.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٤٥٣.

١١٩

كما أنّه مع عدم إمكانه لكونه مقطوع الكف أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكف فالأقرب (١) من الذراع والعضد (١).

[١٦١٢] مسألة ٤ : لا يجب استيعاب باطن الكفّين أو ظاهرهما بل يكفي المسمّى ولو بالأصابع (٢) فقط أو بعضها ، نعم لا يجزئ وضع رؤوس الأصابع مع الاختيار (٢)

______________________________________________________

(١) حكم (قدس سره) بالانتقال إلى الأقرب من الكف فالأقرب من الذراع والعضد ، وهذا مشكل بل ممنوع ، إذ لا دليل عليه عدا قاعدة الميسور التي تقدّم منعها صغرى وكبرى ، وعرفت أيضاً ما في دعوى أصالة التعيين عند الدوران بينه وبين التخيير. إذن فالأشبه بالقواعد سقوط التكليف به ، والاجتزاء بالمساجد الستّة ، فانّ الواجب هو السجود على الكف باطناً أو ظاهراً كما مرّ الّذي هو المراد من اليد الواقعة معه في بقيّة الأخبار كما أشرنا إليه سابقاً وقد سقط بالتعذّر حسب الفرض ، ولا دليل على وجود بدل له والانتقال إليه. نعم لا ريب أنّ ما ذكره (قدس سره) هو الأحوط.

(٢) قد عرفت عدم وجوب الاستيعاب في الجبهة ، فهل الحكم كذلك في الكفّين باطناً أو ظاهراً؟ المشهور ذلك ، بل عن غير واحد دعوى عدم الخلاف فيه ، فيكفي المسمّى وإن كان هو الأصابع ، لكن عن العلّامة في المنتهي (٣) التردّد فيه حيث إنّ الاجتزاء بالبعض وكفاية المسمّى إنّما ثبت في الجبهة بالنص ، أعني صحيحة زرارة المتقدِّمة (٤) وغيرها ، ولا دليل على الإلحاق والتعدِّي منه إلى المقام.

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) فيه اشكال ، والاحتياط لا يترك.

(٣) المنتهى ١ : ٢٩٠ السطر ١٠.

(٤) في ص ١٠٩.

١٢٠