زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّهِ ربّ الْعالَمينَ وَالصَّلاةُ عَلى رَسُولِهِ مُحَمَّد وَآلِهِ اجْمَعينَ.

أمّا بعد (١) :

اعلم أنّ هنا فائدة لا بدّ قبل الشروع في المقصود من الإشارة إليها وهي أنّ المشهور بين الطلبة أنّه لا يجوز تفسير القرآن بغير نصّ وأثر حتّى قال الشيخ أبو علىّ الطبرسيّ قدس‌سره في تفسيره الكبير «واعلم أنّه قد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الأئمّة عليهم‌السلام أنّ تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالأثر الصحيح والنصّ الصريح وروى العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحقّ فقد أخطأ ، قالوا وكره جماعة من التابعين القول في القرآن بالرّأي كسعيد بن المسيّب [وعبيدة السلمانيّ] وسالم بن عبد الله وغيرهم والقول في ذلك أنّ الله سبحانه ندب إلى الاستنباط وأوضح السبيل إليه ومدح أقواما عليه فقال (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٢) وذمّ آخرين على ترك تدبّره والإضراب عن التفكّر فيه فقال (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٣) وذكر أنّ القرآن منزل بلسان العرب ، فقال (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (٤).

__________________

(١) في نسخة مخطوطة هكذا : الحمد لولي الحمد ، والصلاة على خير الخلق محمد وآله الأمجاد وفي نسخة اخرى ابتدئ بقوله «اعلم» من دون التحميد والصلاة.

(٢) النساء : ٨٣.

(٣) القتال : ٢٤.

(٤) الزخرف : ٣.

١

إلى أن قال : «هذا وأمثاله يدلّ على أنّ الخبر متروك الظاهر ، فيكون معناه إن صحّ أنّ من حمل القرآن على رأيه ، ولم يعلم شواهد (١) ألفاظه فأصاب الحقّ فقد أخطأ الدليل وقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إنّ القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه».

«وروي عن عبد الله بن عبّاس أنّه قسم وجوه التفسير على أربعة أقسام : تفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تعرفه العرب بكلامها ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلّا الله عزوجل : فأمّا الّذي لا يعذر أحد بجهالته ، فهو ما يلزم الكافة من الشرائع الّتي في القرآن ، وجمل دلائل التوحيد (٢) وأمّا الّذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللّغة ومصوغ كلامهم (٣) وأمّا الّذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه وفروع الأحكام وأمّا الّذي لا يعلمه إلّا الله عزوجل فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة تمّ كلامه (٤).

أقول : تحرير الكلام أنّ الخبر محمول على ظاهره ، غير متروك الظاهر ، وأنّه صحيح مضمونه على ما اعترف به في أوّل كلامه ، حيث قال قد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بيانه أنّ الشيخ أبا عليّ رحمه‌الله قال في أوّل تفسيره : التفسير معناه كشف المراد عن اللّفظ المشكل ، والتأويل ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الآخر ، وقيل التفسير كشف المغطّى ، والتأويل انتهاء الشيء ومصيره ، وما يؤل إليه أمره ، وهما قريبان من الأوّلين فالمعنى من فسّر وبيّن وجزم وقطع بأنّ المراد من اللّفظ المشكل مثل المجمل والمتشابه كذا ، بأن يحمل المشترك اللّفظيّ مثلا على

__________________

(١) في المصدر : ولم يعمل بشواهد ألفاظه.

(٢) لعل معناه أنه يجب على كل مكلف أن يعرف هذا القسم من الفروع والأصول المذكورة في القرآن بالاجتهاد أو التقليد على الوجه المعتبر ، ولا يلزم أن يعرفه من القرآن بل لا يمكن معرفة البعض من القرآن مثل المعرفة ، ولا يقدر على المعرفة من القرآن كل مكلف وكذا معنى القسم الأخير ، منه رحمه‌الله.

(٣) في المصدر : موضوع كلامهم.

(٤) انتهى كلام الطبرسي ، راجع مقدمة تفسيره الفن الثالث.

٢

أحد المعاني من غير مرجّح وهو إمّا دليل نقليّ كخبر منصوص أو آية أخرى كذلك أو ظاهر أو إجماع ، أو عقليّ. أو المعنويّ (١) المراد به أحد معانيه بخصوصه بدليل بغير الدليل المذكور ، على فرد معين ، فقد أخطأ (٢).

وبالجملة المراد من التفسير الممنوع برأيه وبغير نصّ هو القطع بالمراد من اللّفظ الّذي غير ظاهر فيه من غير دليل ، بل بمجرّد رأيه وميله ، واستحسان عقله من غير شاهد معتبر شرعا كما يوجد في كلام المبدعين وهو ظاهر لمن تتبّع كلامهم والمنع منه ظاهر عقلا ، والنقل كاشف عنه ، وهذا المعنى غير بعيد عن الأخبار المذكورة بل ظاهرها ذلك.

__________________

(١) يعني أو بأن يحمل المشترك المعنوي إلخ.

(٢) جواب الشرط في قوله «من فسر وبين إلخ.

٣

(كتاب الطهارة)

نبدأ بالفاتحة تيمّنا وتبرّكا ثمّ نذكر آياتها.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

يمكن الاستدلال بها على راجحيّة التسمية عند الطهارة بل عند كلّ فعل إلّا ما أخرجه الدليل بأنّ الظاهر أنّ المراد بها تعليم العباد ابتداء فعلهم فانّ معناه على ما قاله الشيخ أبو عليّ الطبرسيّ رحمه‌الله في كتاب تفسيره الكبير : استعينوا في الأمور باسم الله تعالى بأن تبدؤا بها في أوائلها كما فعله الله تعالى في القرآن فتقديره استعينوا بأسمائه الحسنى ، وكأنّ المراد في أوّل أموركم وابتدائها كما يظهر من المقام بأن تقولوا «باسم الله» فينبغي قوله في ابتداء الأكل والشرب واللّبس والذّبح وغيرها كما قاله الفقهاء ، ويؤيّده الخبر المشهور : كلّ أمر ذي بال لم يبدء فيه باسم الله فهو أبتر ، وغيره من الشواهد.

ثمّ إنّه يمكن الاستدلال بها على وجوب ذلك [في ابتداء الأفعال والأمور] إلّا ما وقع الاتّفاق أو دليل آخر على عدمه مثل الذبح بالطريق المشهور من الاستدلال : بأنّ الآية بل الخبر أيضا دلّتا على وجوب التسمية وضع عنه المتّفق على عدمه بقي الباقي تحته فوجب في الذبح.

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) :

والاستدلال بها على رجحان قولها عند كلّ فعل مثل الاستدلال الأوّل ويؤيّده أيضا مثله الخبر المشهور كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر وأجذم وغيره مثل ما نقل في الكافي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال إنّ الرجل إذا أراد أن يطعم فأهوى بيده فقال بسم الله والحمد لله ربّ العالمين غفر الله له قبل أن تصير اللقمة إلى فيه (١) وهذا مؤيّد للتسمية أيضا. وليس ببعيد كون الفاتحة أوّل القرآن

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٩٣.

٤

مبتدأ بالتسمية فالتحميد ، يكون مؤيدا أيضا. قال في الكشّاف في بيان كون الباء للاستعانة : «إنّ المؤمن لمّا اعتقد أنّ الفعل لا يجيء معتدّا به في الشرع واقعا على السنّة حتّى يصدّره باسم الله لقوله عليه‌السلام كلّ أمر ذي بال لم يبدء فيه باسم الله فهو أبتر وإلّا كان فعلا كلا فعل ، جعل فعله مفعولا باسم الله كما يفعل الكتب بالقلم». وفي بيان كونها بمعنى المصاحبة : «هذا مقول على ألسنة العباد إلى قوله ومعناه تعليم عباده كيف يتبرّكون باسمه ، وكيف يحمدونه» أي في أوائل فعلهم كما هو الظاهر من المقام والبيان. قال البيضاوي في ربّ العالمين أي مربّيها دلالة على أنّ الممكن في بقائه محتاج إلى العلّة كحال حدوثه ، وليس بواضح ، نعم في الحمد لله ربّ العالمين دلالة على كونه تعالى قادرا مختارا من وجهين (١) فيفهم كون العالم حادثا أيضا فافهم.

وفي قوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) دلالة على العفو والصفح وفي قوله (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) دلالة على الترغيب والترهيب وإثبات القيامة والمعاد لأنّ المكلّف إذا علم ذلك يرجو ويخاف كما قيل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) العبادة غاية الخضوع والتذلّل كذا في الكشّاف وتفسير البيضاوي وفي مجمع البيان : هي ضرب من الشكر وغاية فيه لأنّها الخضوع بأعلى مراتبه مع التعظيم وفي كون المراد هنا ما ذكروه تأمّل فإنّ الظاهر أن ليس ذلك واجبا ولا يدّعيه العباد ، ويدلّ على وجوب تخصيصه تعالى بالعبادة إذ حاصله قولوا نخصّك بالعبادة ، ولا نعبد غيرك ، فيجب العبادة والإخلاص فيها حتّى يحسن الأمر بالقول ، ويكونوا هم صادقين في القول بل الظاهر أنّ المقصود من هذا القول هو التخصيص بالعبادة أي العبادة والإخلاص فيها ، وهي النيّة فيفهم وجوبها فيحرم تركها ، والرئاء بقصد غيره تعالى بالعبادة (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يدلّ على عدم جواز الاستعانة في العبادة بغيره تعالى بل في شيء من الأمور إلّا ما أخرجه

__________________

(١) أحدهما أنه دل على أن الله تعالى خالق كل ما سواه ومن جملته الحادث ، فلا يكون موجبا فان أثره قديم وهو ظاهر بين ، وثانيهما أن الحمد إنما يكون على الفعل الاختياري فالمحمود لا يكون إلا مختارا ، ويلزم منه حدوث جميع العالم فإن أثر المختار لا يكون قديما وهو ظاهر. منه رحمه‌الله.

٥

الدليل والأوّل أظهر والثاني أعم ، فعلى الأوّل يدلّ على عدم جواز التولية في العبادات مثل الوضوء والغسل ، بل على عدم جواز التوكيل في سائر العبادات وعلى عدم [جواز] الاستعانة في الصلاة بالاعتماد على الغير ، مثل الآدميّ والحائط قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا وغير ذلك ممّا لا يحصى ، وعلى الثاني يدلّ عليها وعلى عدم الاستعانة بغيره تعالى في شيء من الأمور حتّى السؤال وأيضا يدل عليه أنّه مذموم في الأخبار حتّى نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لقوم قالوا له : أضمن لنا الجنّة ، قال : بشرط أن لا تسألوا أحدا شيئا فصاروا بحيث لو وقع من يد أحدهم السوط وهو راكب ينزل ويأخذ ، ولم يسأل أحدا أن يعطيه ، وإذا عطشوا قاموا من محلّهم وشربوا الماء ولم يطلبوه ممّن قرب إليه [المشربة].

والحاصل أنّ ذمّ السؤال من غير الله تعالى معلوم عقلا ونقلا من غير هذه الآية أيضا فعلى هذا يمكن أن تحمل الآية على مرجوحيّة الاستعانة بغيره مطلقا إلّا ما أخرجه الدليل والتفصيل بالكراهية والتحريم يفهم من غيرها أو تحمل على الكراهية إلّا ما يعلم تحريمه أو على التحريم حتّى تعلم الكراهية والجواز والله يعلم.

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الآية. الآية تدل على رجحان طلب الخير من الله تعالى سيّما أصل الخير وأساسه ، وهو الصراط المستقيم : أي دين الإسلام قاله المفسّرون وقيل إنّه النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام القائمون مقامه ، وهو المرويّ عن أئمّتنا قاله الشيخ أبو علىّ الطبرسيّ رحمه‌الله ثمّ قال الأولى حمل الآية على العموم حتّى يدخل جميع ذلك فيه لأنّ الصراط المستقيم هو الدّين الّذي أمر الله تعالى به من التوحيد والعدل وولاية من أوجب الله تعالى طاعته ، ولا يخفى المسامحة في التفسير الثاني ، أو عبادة الله فقط دون غيره كما يدل عليه بعض الآيات مثل قوله تعالى (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (١) فيدلّ على مشروعيّة الدعاء ، بل على استحبابه مطلقا حتّى لثبات الأمر الذي عليه مثل الدين وعدم تغيره وحصول دين المغضوب عليهم والّذين هم الضالّون فيكون تحريضا وترغيبا إلى الانقطاع إلى الله تعالى وطلب التوفيق

__________________

(١) يس : ٦١.

٦

منه في الأمور كلّها ، واعتقاد أنّه لا يصير الإنسان من عند نفسه وفعله من دون توفيق الله وهدايته إيّاه مقبولا عنده بل مسلما أيضا.

ثمّ اعلم أيضا أنّ في نظم السورة دلالة مّا على طريق تعليم الدعاء وهو كونه بعد التسمية والتحميد والثناء والتوسّل بالعبادة كما هو المتعارف وورد به الرواية (١).

وأيضا إنّي ما رأيت أحدا يتوجّه إلى استنباط هذه الأحكام من الفاتحة نعم ذكروا في تفسيرها ما يمكن الاستنباط منه ، وكأنّهم تركوها للظهور أو لوجودها في غيرها والله يعلم.

ولمّا توقّفت صحّة العبادة على الإيمان أشرت إلى بعض الآيات الّتي تتعلّق به ، منها (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وهي إشارة إلى المتّقين (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أمّا إعرابها فظاهر فانّ (أُولئِكَ) مبتدأ و (عَلى هُدىً) متعلّق بمقدّر خبره و (مِنْ رَبِّهِمْ) متعلّق بمقدّر صفة هدى وكذا أولئك الثاني مبتدأ ، والمفلحون خبره ، وهم ضمير فصل لا محلّ له من الاعراب عند البعض ، ومبتدأ وما بعده خبره ، والجملة خبر أولئك عند الآخرين ، واختير أولئك وكرّر للتأكيد والتصريح والمبالغة في كون الفلاح للمتّقين الموصوفين بالصفات المذكورة كما أنّ الفصل يدلّ عليه مع إفادته الحصر ، وكذا تعريف الخبر. وأمّا لغتها فأيضا ظاهرة إذ الهداية هي الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب أو الدلالة الموصلة ولعلّ الثاني أولى ، والفلاح النجاح والظفر على ما قيل والمعنى أنّ هؤلاء الموصوفين هم الّذين اتّصفوا بهداية من الله أو المنتفعون بها دون غيرهم ، وأنّهم الظافرون بالبغية والمطلوب وهو الخلاص من النار لا غيرهم.

وأمّا الدلالة على الأحكام فلا يخلو من خفاء ، بيانها أنّها تدلّ على وجوب ما هو سبب الفلاح من التقوى والايمان بالغيب ، وإقامة الصلاة ، أي فعلها والمحافظة عليها أفعالا ، وكيفيّة ، ووقتا ، وإيتاء الزكاة مستحقّها ، والإنفاق ممّا رزقهم الله مطلقا لا من المحرّمات وذلك لأنّه يفهم منه حصر الفلاح في فعل هذه المذكورات ، و

__________________

(١) راجع الكافي كتاب الدعاء باب الثناء قبل الدعاء ج ٢ ، ٤٨٤.

٧

معلوم أنّ الفلاح الّذي هو النجاة من العذاب والوصول إلى الجنّة واجب فيكون ما هو موقوف عليه وسبب له واجبا وذلك هو المطلوب.

والتقوى على ما نقل من أهل البيت عليهم‌السلام هو أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك ، أي التقوى هو اجتناب جميع المنهيّات وارتكاب جميع المأمورات. والايمان بالغيب ، قيل هو التصديق بالغائب الغير المحسوس : وقيل بما غاب عن العباد علمه ، وقيل بما جاء من عند الله ، وقيل بجميع ما أوجبه الله تعالى أو ندب إليه وأباحه ، وقيل بالقيامة والجنّة والنار ، وقيل هو التصديق بالقلب فالغيب هو القلب حينئذ.

واعلم أنّه ينبغي هنا تحقيق الايمان شرعا إذ يتوقّف عليه أمور كثيرة فنقول : لا شكّ أنّه مطلق التصديق في اللّغة ، وأمّا في الشرع ، فنقل في مجمع البيان أنّ المعتزلة قالوا بأجمعهم أنّ الايمان هو فعل الطاعات فمنهم من اعتبر الفرائض والنوافل ومنهم من اعتبر الفرائض حسب ، واعتبروا اجتناب الكبائر كلّها وكأنّه يريد بفعل الطاعات مجموع الأمور الثلاثة : اعتقاد الحقّ والإقرار به والعمل بمقتضاه ، كما قال في الكشّاف ونقل القاضي البيضاويّ أنّه مذهب المعتزلة وجمهور المحدّثين والخوارج فمن أخلّ بالاعتقاد فهو منافق ومن أخلّ بالإقرار فهو كافر ومن أخلّ بالعمل فهو فاسق عند الكلّ ، وكافر عند الخوارج ، وخارج عن الايمان غير داخل في الكفر عند المعتزلة.

وأمّا دليلهم فليس ممّا يعتد به إلّا أنّه يفهم ذلك من كثير من الأخبار المذكورة في كتاب الايمان والكفر من الكافي وغيره من الكتب المعتبرة من الأصحاب حيث يدلّ على دخول الأعمال فيه ، وأنّ المؤمن يخرج عن الايمان حين الفسق ثمّ إذا تاب يصير مؤمنا.

منها ما نقل في مجمع البيان قال : وروى العامّة والخاصّة عن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام أنّ الايمان هو التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالأركان

٨

وعنه عليه‌السلام أيضا الإيمان قول مقول وعمل معمول ، وعرفان بالعقول ، واتّباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويدلّ على ضعف مذهبهم عطف العبادات على الايمان في القرآن العزيز بل الأخبار أيضا. وأيضا إسناد الايمان إلى القلب في مثل قوله تعالى (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ» «وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ» (١) وأيضا اقتران الايمان بالمعاصي في مثل قوله (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) و (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (٢) وأيضا تكليف المؤمن بالعبادات واجتناب المنهيّات مثل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) (٣) وغير ذلك من الآيات. ولو كان الأعمال داخلة فيه لما حسن جميع ذلك ، ويحتاج إلى التأويل والتكلّف ، فلا يصار إليه إلّا بدليل قطعي المتن وقويّ الدلالة إذ الخروج عن ظاهر القطعيّ لا يجوز إلّا بأقوى منه أو بالمثل ، وأيضا الأصل والاستصحاب وعدم الخروج عن معناه اللّغويّ ، فإنّه فيها بمعنى التصديق اتفاقا على ما قالوه ، ومعلوم أنّ الخروج عنه إلى التصديق والإقرار والأعمال يحتاج إلى دليل قوىّ بخلاف التصديق الخاصّ ، فإنّه بعض أفراد معناه اللّغويّ ، ولا يبعد ضمّ الإقرار أيضا إليه ، باعتبار أنّ الكتمان للعناد وغيره إذا تمكّن من الإظهار لا يجوز ، وفيه أنّه لا يستلزم الدخول حتّى أنّه لو لم يقل ذلك بالقول لا يكون مؤمنا بل لا يستلزم عدم العلم أيضا وأيضا باعتبار أنّه إمّا مرادف للإسلام أو أخصّ ، ومعلوم اعتبار الإقرار فيه ، وفيه أيضا أنّ لمانع أن يمنع ذلك وهو ظاهر فالعمل غير داخل في الايمان ، والأخبار الواردة بذلك محمولة على الايمان الكامل الّذي يكون للمؤمنين المتّقين المتورّعين المخلصين المقبولين.

وأمّا الإيمان المطلق عند الأصحاب فهو التصديق والإقرار بالله وبرسله و

__________________

(١) النحل : ١٠٦ ، المجادلة ، ٢٢ الحجرات ، ١٤ ، على الترتيب.

(٢) البقرة : ١٧٨ ، الإنعام ، ٨٢ ، على الترتيب.

(٣) النساء : ٥٩ ، القتال ، ٣٣.

٩

بما جاءت به على الإجمال وبخصوص كلّ شيء علم كونه ممّا جاءت به [على الإجمال] وبالولاية والإمامة والوصاية لأهل البيت عليهم‌السلام بخصوص كلّ واحد واحد مع عدم صدور ما يقتضي خروجه عنه والارتداد ، مثل سبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلقاء المصحف في القذورات.

فلنشر إلى ما يدلّ على كون أمير المؤمنين عليه‌السلام إماما وهو غير محصور ، ونقتصر على نبذ منه.

منه قوله تعالى (١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) عاطفين عليهم متذلّلين جمع ذليل ودخول «على» إمّا لتضمين معنى العطف أو للتنبيه على أنّه مع ذلك حافظون للمؤمنين ، وحاكمون عليهم وهم في حمايتهم أو لمقابلة (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) شدائد غالبين عليهم من عزّه إذا غلبه (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) صفة أخرى لهم أو حال من الضمير في أعزّة (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) عطف على يجاهدون بمعنى أنّهم جامعون بين المجاهدة في سبيل الله والتصلّب في دينه (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ) إشارة إلى أنّ الأوصاف المذكورة من عطية الله وفضله ، وتهيّيء أسبابه ، لا يمكن كسبه بغير عون وفضل منه ، وهو كثير الفضل ، ولا ينقصه إعطاء شيء ، (عَلِيمٌ) بمواقع الأشياء يعرف استحقاق كلّ أحد لأيّ مقدار من الفضل والانعام.

وظاهر أنّها في أمير المؤمنين عليه‌السلام وأصحابه والّذين ارتدّوا بعده من الخوارج ومحاربيه يوم الجمل وصفّين وغيره إذ ما وقع ارتداد قبله ، ولا بعده إلّا أمثال ذلك معه ، ولأنّ هذه غير موجودة إلّا فيه وأصحابه لأنّ الحرب الّذي فعله كان محلّ اللّوم فإنّ الخوارج أهل القرآن والصلحاء وعائشة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعها أصحابه ومعاوية خال المؤمنين ومعه أصحابه ، فكان محلّ اللّوم. ولكن ما كان هو وأصحابه يخافون من لومة أيّ لائم كان ، لأنّهم كانوا على الحقّ فلا يحبّون غير الله مع ذلّتهم وصغر نفوسهم مع المؤمنين ، وتواضعه عليه‌السلام معهم مشهور حتّى نسب إلى

__________________

(١) المائدة : ٥٤

١٠

الدّعابة لكثرة تواضعه ، وقالوا : إنّه كان فينا كأحدنا في زمان خلافته ويمشي في سوق الكوفة وينادي خلّوا سبيل المؤمن المجاهد في سبيل الله ولأنّه الّذي ثبت محبّة الله له أي إرادة الله له بالهدي والتوفيق في الدّنيا لما يحبّ ويرضى ، وحسن الثواب في الآخرة ومحبّته لله أي إرادة طاعته جميعها والتحرّز عن معاصيه كلّها.

ويؤيّده ما روي من محبّة الله تعالى ورسوله له ومحبّته لله وللرسول في خبر الراية قال الإمام نور الدين عليّ بن محمّد المكّيّ المالكيّ في كتابه فصول المهمّة في معرفة الأئمّة هذه عبارته :

فصل في محبّة الله تعالى ورسوله له وذلك أنّه صحّ النقل في كثير من الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله فبات الناس يخوضون ليلتهم أيّهم يعطاها فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ منهم يرجو أن يعطاها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أين عليّ بن أبي طالب؟ فقيل يا رسول الله! هو أرمد فقال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ، فقال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله أقاتل حتّى يكونوا مثلنا؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم. قال فمضى ففتح الله على يده.

وفي صحيح مسلم قال عمر بن الخطّاب فما أحببت الامارة إلّا يومئذ فتساورت لها رجاء أن ادعى لها ، قالت العلماء قوله «فتساورت لها» بالسين المهملة أي تطاولت لها وحرصت عليها حتّى أبديت وجهي وتصدّيت لذلك ليتذكّرني قالوا إنّما كانت محبّة عمر لها لما دلّت عليه من محبّة الله تعالى ورسوله ومحبّتهما له والفتح على يديه ، قاله الشيخ عبد الله اليافعي (١) في كتابه المرهم انتهى كلامه.

__________________

(١) الشافعي خ واليافعي هو أبو السعادات عفيف الدين عبد الله بن أسعد اليمنى نزيل الحرمين ، له تأليفات كثيرة في التصوف وأصول الدين والتفسير وغير ذلك توفى بمكة سنة ١٦٨ ودفن بباب المصلي إلى جنب الفضيل بن عياض

١١

ورأيت أيضا مثل ما نقله في مواضع منها مصابيح الأنوار بتغيير ما عدّ من الصحاح عن سهل بن سعد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم خيبر : لأعطينّ هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّهم يرجون أن يعطاها فقال : أين عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عينيه فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال عليّ : يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال أنفذ على رسلك أي رفقك ولينك والرّسل السير اللّين و [ذكر] نحو ذلك بحيث لا يتغيّر المعنى والمقصود ، ونقله من الصحاح (١).

تأمل رحمك الله في هذا الخبر واختياره للمحبّة من الجانبين واختصاصه بها مع عدم كونه حاضرا مع الصحابة وتعرّض الصحابة لهذا مع غيبته وهذه القصّة كالصريحة في عدم وجود هذا الوصف في ذلك الزمان إلّا فيه.

وكذا يؤيّده قصّة الطير وهي مشهورة أيضا مرويّة في كتب العامّة والخاصّة قال أخطب خوارزم في كتاب المناقب في آخر الفصل التاسع في بيان أنّه أفضل الأصحاب : وأخبرنا الشيخ وذكر الإسناد إلى قوله عن أنس بن مالك قال اهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طير فقال اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فقلت : اللهمّ اجعله رجلا من الأنصار فجاء عليّ بن أبي طالب فقلت : إنّ رسول الله على حاجة قال : فذهب ثمّ جاء فقلت : إنّ رسول الله على حاجة ، قال : فذهب ثمّ جاء فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتح ففتحت ثمّ دخل فقال يا عليّ ما حديثك؟ قال : هذه آخر ثلاث كرّات يردّني أنس يزعم أنّك على حاجة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله ما حملك على ما صنعت يا أنس؟ قال سمعت دعاءك فأحببت أن يكون في رجل من قومي فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الرجل قد يحبّ قومه إنّ الرجل قد يحبّ قومه ومثله في كتب أخر مثل فصول المهمّة ثمّ نقل شعرا في بيان أنّ الرجل يحبّ قومه.

وبالجملة فمحبّته لله وللرسول ، ومحبّة الله ومحبّة رسوله له ظاهر ، وفي

__________________

(١) راجع مشكاة المصابيح ، ٥٦٣.

١٢

الأخبار ما لا يحصى ، من ذلك ما يعلم من كتاب أخطب خوارزم في الفصل السادس في بيان محبّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه والحثّ على محبّته وموالاته ، ونهيه عن بغضه.

ومن جملة ذلك ما روي بالإسناد في هذا الفصل عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في بيتي : ادعوا لي حبيبي فدعوت أبا بكر فنظر إليه رسول الله ثمّ وضع رأسه ثمّ قال : ادعوا لي حبيبي فقلت : ويلكم ادعوا له عليّ ابن أبي طالب فوالله ما يريد غيره ، فلمّا رآه فرّج الستور الّذي عليه ثمّ أدخله فيه فلم يزل يحتضنه حتّى قبض ويده عليه ، وغير ذلك.

وعدم خوفه من لومة لائم واضح ومتّفق عليه وكذا كونه أذلّة على المؤمنين وأعزّة على الكافرين ، وكذا ارتداد قوم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومقاتلته عليه‌السلام معهم وهو أيضا مذكور في الأخبار الكثيرة ومعلوم كالشمس عند الارتفاع.

ومن ذلك حكاية الخوارج والجمل وصفّين وغير ذلك ممّا هو معلوم من التواريخ ومن كتب أهل العلم مثل كتاب كمال الدين بن طلحة الشافعيّ وفصول المهمّة للمالكيّ. والخوارزميّ قال بإسناده عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال كنت أمشي مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض طرق المدينة فأتينا على حديقة فقلت : يا رسول الله ما أحسن هذه الحديقة؟ فقال : لك في الجنّة أحسن منها ، ثمّ أتينا على حديقة أخرى فقلت : يا رسول الله ما أحسن هذه الحديقة؟ قال : لك في الجنة أحسن منها حتّى أتينا على سبع حدائق أقول : يا رسول الله ما أحسن هذه الحديقة؟ فيقول : لك في الجنة أحسن منها ، فلما خلا له الطريق اعتنقني وأجهش باكيا فقلت : يا رسول الله ما يبكيك؟ قال الضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلّا بعدي ، فقلت في سلامة من ديني؟ قال : في سلامة من دينك.

وفي كتاب الخوارزمي بإسناده عن عليّ عليه‌السلام قال : أمرت بقتال ثلاثة : القاسطين والناكثين والمارقين فأمّا القاسطون فأهل الشام ، وأما الناكثون فذكرهم (١) وأمّا

__________________

(١) فذكرهم ، أى ذكرهم على عليه‌السلام ، ولم يذكره الراوي تعصبا أو تقية ، وهم طلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين مع أهل البصرة ، ولعل الراوي للحديث كان من أهل البصرة الناكثين.

١٣

المارقون فأهل النهروان يعني الحروريّة.

ونقل في الفصل الثامن في بيان أنّ الحقّ معه وأنّه مع الحقّ جداله عليه‌السلام مع معاوية وقتل عمّار ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله له : ستقتلك الفئة الباغية ، وأنت مع الحقّ والحقّ معك ، يا عمّار إذا رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع عليّ ودع الناس فإنّه لن يدليك في ردي ولن يخرجك عن الهدى ، يا عمّار إنّه من تقلّد سيفا أعان به عليّا على عدوّه قلّده الله تعالى يوم القيامة وشاحا من درّ ، ومن تقلّد سيفا أعان به عدوّ علىّ قلّده الله تعالى يوم القيامة وشاحا من نار قال قلنا : حسبك.

ونقل في هذا الفصل عن عليّ بإسناده قال : يا عجبي أعصي ويطاع معاوية ، ونقل أنّ ابن عبّاس قال له : لأنّه يطاع ولا يعصى ، أي معاوية وأنت عن قليل تعصي ولا تطاع.

وبالجملة الأوصاف كلّها موجودة فيه ويؤيّد كونها فيه قوله تعالى متّصلا بالآية المذكورة (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) مع إجماع المفسّرين على أنه في شأنه عليه‌السلام والأدلّة على إمامته ووصايته من المعقول والمنقول غير محصورة وليس هنا محلّ ذكرها والمقصود من ذكر نبذ منها تزيين هذا الكتاب به نقول في الطهارة آيات :

الاولى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ

١٤

عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١).

تخصيص المؤمن بالخطاب لأنّ الكافر لم يقم إلى الصلاة ، ولأنه المنتفع به كما في أكثر التكاليف (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أي إذا صلّيتم فإنّ المراد بالقيام قيامها ، والتقدير إذا أردتم الصلاة مثل (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (٢) فأقيم مسبّب الإرادة مقامها للإشعار بأنّ الفعل ينبغي أن لا يترك ولا يتهاون فيه ، ويفعل سابقا على القصد الّذي لا يمكن إلّا بعده ، فظاهر الأمر الوجوب ، فيجب الوضوء للصّلاة بأن يغسل الوجه. والغسل محمول على العرفيّ ، وفسّر بإجراء الماء على العضو ولو كان بالآلة وأقلّه أن يحري ويتعدّى من شعر إلى آخر ، وظاهرها يدلّ على وجوبه كلّما قام إليها لأنّ ظاهر «إذا» العموم عرفا وإن لم يكن لغة ، ولأنّ الظاهر أنّ القيام إليها علّة ، ولكن قيّد بالإجماع والأخبار بالمحدثين.

وقيل : كان ذلك في أوّل الأمر ثمّ نسخ وقيل الأمر فيه للندب وردّ النسخ بما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : المائدة آخر القرآن نزولا فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها ولي في النسخ تأمّل إلّا أن يقال المراد نسخ وجوب الوضوء على المتوضّئين المفهوم من عموم فاغسلوا ، فعمومه منسوخ ، وليس ذلك بتخصيص حيث كان العموم مرادا معمولا به ، وكذا في الندب إلّا أن يقال الندب بالنسبة إلى المتوضّئين فيكون المراد به الرجحان المطلق ، فكان الندب بالنسبة إلى المتوضّئين والوجوب بالنسبة إلى غيرهم هذا صحيح ولكن ليس هذا قولا (٣) بأنّ الأمر للندب فقط كما قاله في الكشّاف وأيضا قال فيه حمله على الوجوب والندب إلغاز وتعمية ، فلا يجوز في القرآن لأنّه استعمال اللّفظ في وقت لمعنييه الحقيقيّ والمجازيّ في إطلاق واحد ، وفيه تأمّل لأنّه مجاز والمجاز غير إلغاز ، ولكن بعيد لعدم القرينة إلّا أن يريد مع فهم التفصيل فهو إلغاز ولكن يجوز ذلك بالبيان النبويّ كما في سائر الإطلاقات والعمومات المخصوصات مثل آيات الصلاة والزكاة وغيرها.

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) النحل : ٩٨.

(٣) في المطبوعة : ولكن هذا قول إلخ ، وهو سهو.

١٥

على أنّه قال فيه بعده بأسطر : إنّ المراد بمسح الرجلين المفهوم من عطفهما على الرأس الغسل القليل ، ولا شكّ أنّه بالنسبة إلى الرأس مسح حقيقيّ فهو لفظ واحد أطلق في إطلاق واحد على المعنى الحقيقيّ والمجازي معا ، مع عدم القرينة بل مع الاشتباه ، فهو إلغاز وتعمية ، وهل هذا إلّا تناقض؟ فظهر كون المراد المعنى الحقيقيّ في الرجلين أيضا كما فهمه بعض الصحابة وأهل البيت عليهم‌السلام فتأمّل فيه.

والآية تدلّ على وجوب أمور في الوضوء :

الأوّل غسل الوجه وهو العضو المعلوم عرفا ، وقد حدّ في بعض الأخبار المعتبرة بأنّه الّذي يدور عليه الإبهام والوسطى عرضا ، وطولا من قصاص شعرا الرأس إلى الذقن ، وهو أوّل فعل في الوضوء ، فظاهر الآية لا يدلّ على اعتبار النيّة ، ولا على تعيين الابتداء ، لكن اعتبار النيّة معلوم إذ لا يمكن الفعل الاختياريّ بدونها وفعلهم عليهم‌السلام كان من الأعلى إلى الأسفل في أعضاء الغسل فهو أحوط ، ولا على وجوب الترتيب بين أجزاء العضو ، بل لا يمكن ذلك حقيقة ، نعم ملاحظة العرفيّ حسن ولا على وجوب التخليل مطلقا ويدلّ على عدمه الروايات الصحيحة (١) ولا على وجوب المسّ والدّلك باليد لصدق الغسل مع الكلّ ، فكلّما دلّ عليه دليل من خبر أو إجماع يقال به ، والباقي يبقى على حاله.

الثاني غسل اليدين والترتيب مستفاد من الإجماع والخبر ويمكن فهمه من الآية أيضا بتكلّف بأن يقال يفهم تقديم الوجه لوجود الفاء التعقيبيّة ولا قائل بعدم الترتيب حينئذ فإنّ الحنفيّة لا توجب الترتيب أصلا ، بل تجوّز تقديم غسل الرجلين على غسل الوجه (٢).

__________________

(١) الوسائل أبواب الوضوء الباب ٤٦.

(٢) قال الشيخ في الخلاف : الترتيب واجب في الوضوء في الأعضاء كلها ، ويجب تقديم اليمين على اليسار ، وقال الشافعي بمثل ذلك إلا في تقديم اليمين على اليسار ، وبه قال أمير المؤمنين عليه‌السلام وابن عباس وبه قال قتادة وأبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة الترتيب غير واجب وبه قال مالك وهو المروي عن ابن مسعود والأوزاعي. أقول ترى تفصيل ذلك في بداية المجتهد ج ١ ص ١٦ ، والمغني لابن قدامة ج ص ١٣٦.

١٦

وأيضا عطف الباقي على الوجه الّذي هو مدخول الفاء يفيد التعقيب في كلّ واحد فتأمّل فيه فإنّها تدلّ على فعل المجموع بعد القيام إلى الصلاة فكأنّه قال : إذا قمتم إلى الصلاة فتوضّؤا ولا تدلّ على الموالاة أيضا وفهمها بأنّه يفهم تعقيب الكلّ بلا فصل ، وذلك غير ممكن فيراعى ما أمكن بعيد ، فإنّ المراد مجرّد التعقيب لا بلا مهلة ، وعلى تقدير كونها مرادة فلا يفهم إلّا كون غسل الوجه بلا مهلة.

نعم : يفهم وجوب الموالاة وبطلان الوضوء بتركها ، مع جفاف جميع الأعضاء السابقة من الروايات الصّحيحة (١) بل الإجماع ويمكن فهم أنّ محلّ الوجوب في غسل اليدين إلى المرافق ، وإنّ سلّم أنّ ظاهرها كون الابتداء من الأصابع ، ولكن انعقد إجماع الأمّة على عدم وجوب ذلك فيكون إلى هنا لانتهاء غاية المغسول ومحمولة على معناها اللّغويّ لا الغسل بمعنى كونه منتهاه بعد الابتداء من الأصابع ، وأنّه يكفي مسمّى الغسل فيه أيضا كالوجه على أيّ وجه كان ولا يبعد وجوب غسل المرفق وإن كان غاية وخارجا من باب المقدّمة لأنّه مفصل وحدّ مشترك ، كما ثبت في الأصول فقول القاضي البيضاويّ : وجب غسلها احتياطا غير مناسب.

الثالث مسح الرأس مطلقا ، بما يصدق مقبلا ومدبرا قليلا أو كثيرا على أيّ وجه كان إلّا أنّ إجماع الأصحاب ، على ما نقل ، وفعلهم عليهم‌السلام خصّصه بمقدّم الرأس ببقيّة البلل ، لا بالماء الجديد اختيارا ، وجوّزه بعض نادر ، ودليله ليس بناهض عليه ، فإنّه روايتان صحيحتان دالّتان على عدم جواز المسح بفضلة الوضوء والنّدى بل بالماء الجديد ، وحملتا ، على التقيّة لذلك مع ما فيه ، وعلى غير الاختيار والاحتياط لا يترك وقد منع بأكثر من ثلاث أصابع استحبابا ، ووجوبا كأنّه بالإجماع ، وذهب البعض إلى وجوب ثلاث أصابع ، ولا دليل عليه ، وعموم الآية والأخبار بل خصوصها ينفيه.

الرابع مسح الرّجلين بالمسمّى كالرأس وفي الرواية الصّحيحة أنّه بكلّ الكفّ ويفهم من الأخرى كلّ الظهر ، وإلى أصل الساق ومفصل القدم (٢) وهو

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٣٥.

(٢) الوسائل أبواب الوضوء ، الباب ١٥.

١٧

المراد بالكعب ، ويدلّ عليه اللّغة ، وهو مذهب العلّامة وكأنّه موافق لمذهب العامّة فافهم ، ودليل مسحهما إجماع الإمامية وأخبارهم ، وظاهر الآية ، فإنّ قراءة الجرّ صريحة في ذلك لأنّه عطف على رؤسكم لا يحتمل غيره ، وهو ظاهر وجرّ الجوار ضعيف خصوصا مع الاشتباه ، وحرف العطف ، ولهذا ما قاله في الكشّاف وقال : المراد بالمسح حينئذ الغسل القليل. وقد عرفت ما فيه وقراءة النصب أيضا كذلك ، لأنّه عطف على محلّ رؤسكم وأمثاله في القرآن العزيز وغيره كثيرة جدّا وعطفه على الوجه معلوم قبحه خصوصا في مثل القرآن العزيز ، وليس وجود التحديد في المغسول دليلا عليه كما قاله البيضاويّ بل هو دليل على ما ذهب إليه أصحابنا لحصول التعادل بأن يكون العضو الأوّل من المغسول والممسوح غير محدود والثاني منهما محدودا وللقاضي هنا مباحث ولنا كذلك ، يطلب من الحاشية ، وظاهر الآية عدم الترتيب بينهما ، ولا دليل عليه أيضا من الإجماع والأخبار ، بل أكثر الأصحاب على عدمه والأصل مؤيّد ، ولا شكّ في الصّدق مع فعله غير مرتّب فتأمل.

والظاهر أنّه لا يشترط في المسح عدم تحقّق أقلّ الغسل إذ قد يكون المقابلة باعتبار النيّة أو باعتبار عدم جواز المسح في المغسول ، أو باعتبار بعض أفراد الغسل مثل عدم الدّلك لصدق الاسم المذكور في الكتاب والسنّة والإجماع لغة وعرفا وللزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة لو كان مرادا ، ولم يبيّن فتأمّل ، وبالجملة لا شكّ في صدق المسح مع المسّ وقلّة البلل الّذي لا يقال أنّه غسل ، وإن تحقّق معه أقلّ الغسل المتعارف عندهم ، ولأنّه تكليف شاقّ منفيّ فإنّ تحقّق المسح بحيث يظهر البلل على العضو ، ولم يوجد أقلّ الغسل كالدّهن مشكل فقول الشيخ زين الدّين في شرح الشرائع (١) بذلك بعيد نعم يمكن كونه أحوط.

وظاهر إذا قمتم كون الوضوء واجبا لغيره ، وهي الصّلاة مثلا و (إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) أي : فاغتسلوا كون الغسل واجبا لنفسه لأنّ الظاهر أنّه معطوف على قوله (إِذا قُمْتُمْ) فتقديره يا أيّها الذين آمنوا إن كنتم جنبا فاطّهّروا ويدلّ عليه الأخبار أيضا مثل إذا التقى الختانان وجب الغسل (٢) ويتفرّع عليه صحّة نيّة

__________________

(١) شرح اللمعة خ.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٤٦.

١٨

وجوب الغسل لمن لم يجب عليه مشروط به ، وعلى تقدير وجوبه لغيره أيضا ليس بمضيّق بل موسّع وإنّما يتضيّق بتضيّق المشروط به ، وقد صرّحوا بذلك.

إلّا أن يقال إنّه معطوف على إن كنتم محدثين محذوفا وكأنّه قيل إذا قمتم إلى الصّلاة إن كنتم محدثين توضّؤوا وإن كنتم جنبا فاغتسلوا ، ويؤيّده كون باقي الطهارات كذلك ، ويشعر به بعض الأخبار وقوله «إن» وإلّا كان المناسب «إذا» فتخصّص العمومات من الأخبار والآية أيضا على تقدير كونه معطوفا على إذا ويؤيّده الكثرة وتتمّة الآية أيضا.

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) كأنّه عطف على محذوف هو كنتم صحاحا حاضرين قادرين ، أي إذا قمتم إلى الصّلوة وكنتم صحاحا حاضرين قادرين على استعمال الماء فان كنتم محدثين لغير الجنابة توضّؤوا ، وإن كنتم جنبا فاغتسلوا وإن كنتم مرضى مرضا يضرّكم استعمال الماء ، أو مسافرين فلم تقدروا على استعمال الماء لعدمه أو للتضرّر. «به أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» لعلّه هنا كناية عن الحدث الخارج من أحد السبيلين فأو ، بمعنى الواو (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) لعلّه كناية عن الجماع الموجب لغسل الجنابة وهو الدخول حتّى تغيب الحشفة قبلا أو دبرا (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) أي اقصدوا أرضا طاهرة مباحة فامسحوا بأيديكم بعض وجوهكم وبعض أيديكم مبتدئا من الصّعيد أو ببعض الصّعيد ، بأن تضعوا أيديكم على بعضه ، ثمّ تمسحوا الوجه واليد أو من بعض التيمّم كما ورد في الرواية أي ما يتيمّم به وهو الصّعيد فلا دلالة على تقدير كونها تبعيضيّة على وجوب لصوق شيء من الصّعيد ، فيجب كونه ترابا يلصق كما توهّم.

فالآية تدلّ على وجوب الغسل ، وأنّ الجنابة موجبة له ، وأنّ الغائط بل البول والريح أيضا أحداث موجبة للوضوء وأنّ المرض والسفر مع عدم القدرة على الماء موجب للتيمّم بدلهما ، ومشعرة بأنّه يبيح به ما يبيح بهما وعلى اشتراط طاهرية ما يتيمّم به ، بل إباحته أيضا بل طهارة الماء وإباحته أيضا في الوضوء والغسل وأنّ كيفية التيمّم أنّ المسح يكفي ببعض الوجه مطلقا وكذا ببعض اليد وأنّه

١٩

لا يحتاج إلى الاستيعاب والتخليل وأنّ أوّل أفعال التيمّم مسح الوجه.

والوضوء والغسل والتيمّم مبيّنات في كتاب الفروع مع أحكامها وجميع واجباتها وموجباتها والفروعات الكثيرة ليس هذا محلّها إذا لمقصود هنا ما يمكن فهمه من الآيات الكريمة ، ثمّ لا يخفى أنّ نظم هذه الآية مثل الّتي سيجيء لا يخلو عن إشكال على حسب فهمنا مثل ترك الحدث في أوّلها وذكر الجنابة فقط بعده والإجمال الّذي لم يفهم أنّ الغسل بعد القيام إلى الصلاة أم لا ، وترك كنتم حاضرين صحاحا قادرين على استعمال الماء ، ثمّ عطف إن كنتم عليه ، وترك تقييد المرضى وتأخير فلم تجدوا عن قوله أو جاء وذكر جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم مع عدم الحاجة إليهما إذ يمكن الفهم عمّا سبق ، والعطف بأو ، والمناسب بالواو ، وغير ذلك مثل الاختصار في بيان الحدث الأصغر على الغائط والتعبير عنه بجاء أحد منكم من الغائط والأكبر على لامستم والتعبير عن الجنابة به وكأنّه لذلك قال في كشف الكشّاف ونعم ما قال : والآية من معضلات القرآن ثمّ طوّل الكلام في توجيه «أو» في قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ) ولعلّ السرّ في ذلك الترغيب على الاجتهاد ، وتحصيل العلوم لتظفير السعادات الدائمة.

ثمّ في الآية احتمالات وأبحاث أخر ستجيء في الثانية إنشاء الله تعالى وقد استدلّ بقوله (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) على طلب الماء غلوة سهم في الحزنة ، وغلوتين في السهلة ولا دلالة عليه فيها ، ولا في الخبر (١) والأصل ينفيه نعم ينبغي الطلب حتّى يتحقّق عدم الماء عنده عرفا مثل رحله وحواليه مع الاحتمال فتأمّل.

(ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) قيل : أي ما يريد الله الأمر بالوضوء للصلاة أو بالتيمّم تضييقا عليكم ويحتمل أن يكون المراد ما يريد الله جعل الحرج عليكم بالتكاليف الشاقّة مثل تحصيل الماء على كلّ وجه ممكن مع عدم كون الماء حاضرا وإن كان ممكنا في نفس الأمر ، ولا [يكلّف] بالطلب الشاقّ كالحفر

__________________

(١) الوسائل أبواب التيمم الباب الأول الحديث ٢.

٢٠