زواج المتعة في كتب أهل السنّة

الدكتور السيّد علاء الدين القزويني

زواج المتعة في كتب أهل السنّة

المؤلف:

الدكتور السيّد علاء الدين القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤

القيامة.

والذي يدل على نهي عمر بن الخطاب عن المتعة ما أخرجه السيوطي أيضا في تفسيره عن نافع أن ابن عمر سئل عن المتعة ، فقال : حرام ، فقيل له ، إن ابن عباس يفتي بها ، قال : فهلا ترمرم بها في زمان عمر» (١).

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال : يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد ، ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي ، قال : وهي التي في سورة النساء ، فما استمتعتم به منهن إلى كذا وكذا ... وأخبره أنه سمع ابن عباس يراها أنها حلال» (٢).

أقول : يظهر من هذه الرواية وغيرها ، أن المتعة كانت رحمة من الله لأمة محمد صلى الله عليه وآله ، وليس من المعقول أن ينهى النبي صلى الله عليه وآله عن هذه الرحمة ، ورحمة الله وسعت كل شئ ، كما أن صريح الروايات المتقدمة تسند التحريم إلى الخليفة

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٤١.

(٢) نفس المصدر : ص ١٤١.

٤١

عمر بن الخطاب.

٨ ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي وإباحة المتعة :

يقول القرطبي في تفسيره : «وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام. وقرأ ابن عباس وأبي وابن جبير (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن) ، ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقال سعيد بن المسيب : «نسختها آية الميراث ، إذ كانت المتعة لا ميراث فيها ... (١)». «وروى عطاء عن ابن عباس قال : ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ، ولولا نهي عمر عنها ما زنا إلا شقي» (٢). والملتفت إلى هاتين الروايتين يرى التناقض واضحا لا يحتاج إلى دليل ، فكيف يقال بأنها رحمة من الله ، ولولا تحريم عمر لها لما زنى إلا شقي ، وبين أن ينسب التحريم إلى نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وآله.

__________________

(١) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن : ج ٥ ـ ص ١٣٠.

(٢) نفس المصدر : ص ١٣٠.

٤٢

يقول القرطبي : «واختلف العلماء كم مرة أبيحت ونسخت ، ففي صحيح مسلم عن عبد الله قال : كنا نغزو ... فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، قال أبو حاتم البستي في صحيحه ، قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم «ألا نستخصي» دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع ، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا المعنى ، ثم رخص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل ثم نهى عنها عام خيبر ، ثم أذن فيها عام الفتح ، ثم حرمها بعد ثلاث ، فهي محرمة إلى يوم القيامة. وقال ابن العربي : واما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة ، لأنها أبيحت في صدر الإسلام ، ثم حرمت يوم خيبر ، ثم أبيحت في غزوة أوطاس ، ثم حرمت بعد ذلك واستقر الأمر على التحريم ، وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة ، لأن النسخ طرأ عليها مرتين ثم استقرت بعد ذلك ، وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها : إنها تقتضي التحليل والتحريم

٤٣

سبع مرات ... يقول القرطبي : وهذه الطرق كلها في صحيح مسلم ...» (١).

أقول : يستفاد من هذا الكلام أمور :

الأول : إباحة زواج المتعة بنصوص لا تقبل التأويل ، كتابا وسنة بإجماع المسلمين ، وأن المتعة لم تكن معروفة قبل ذلك وإنما شرعت في الإسلام ، وأنها كانت رحمة من الله رحم بها عباده ، وأما قول أبي حاتم : «إن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع ، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى» فهو قول باطل وبلا دليل ، فإن مجرد السؤال في قولهم «ألا نستخصي» ليس فيه دليل على أن المتعة كانت موجودة ، ولكنها محظورة ، ولو سلمنا وجودها قبل الإسلام ، فهل هي من جملة الأنكحة المتعارفة عندهم؟ أم أنها كانت سفاحا ، فعلى الأول ، فهي نكاح صحيح أقره الإسلام وأباحه للمسلمين ، ولهذا قال أبو عمر : «لم يختلف العلماء من

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٣٠ ـ ١٣١.

٤٤

السلف والخلف ان المتعة نكاح إلى أجل ...» وقال ابن عطية : «وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى» (١). وعلى الثاني ، أي كون المتعة سفاحا ، فكيف يرخص النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين السفاح ، مع أنها كانت رحمة رحم الله بها أمة محمد.

الثاني : إباحة المتعة ، ثم تحريمها ، ثم إباحتها ، ثم تحريمها مرات متعددة ، فتارة أباحها لهم صلى الله عليه وآله في الغزو ، ثم نهى عنها عام خيبر ، ثم أباحها عام الفتح ، ثم حرمت ، كل هذا الاختلاف يدل على عدم تحريمها ، لأن إباحتها لهم لا تخلو ، إما أن تكون المتعة من الطيبات التي أحلها الله سبحانه ورحم بها عباده ، فلا يصح النهي عنها. وإن كانت من الخبائث والفواحش ، فكيف يبيح النبي صلى الله عليه وآله للمؤمنين الفواحش ، والله يقول في محكم كتابه : (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم) (٢). ولهذا روي عن الإمام مالك فيما لو فعلها أحد : «لا يرجم ، لأنّ نكاح

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٣٢.

(٢) سورة الأعراف : آية ٣٣.

٤٥

المتعة ليس بحرام ، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا» (١) وهذا دليل على عدم تحريم المتعة.

الثالث : تكرار النبي صلى الله عليه وآله في إباحة المتعة وتحريمها ، يوجب العبث في الشريعة الإسلامية وعدم استقرار الأحكام الشرعية ، مع أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة فإذا كانت المتعة حلالا وقد أباحها النبي صلى الله عليه وآله يلزمه استمرار هذه الإباحة ، وذلك للشك في تحريمها فيرجع إلى أصل إباحتها.

الرابع : وأما دعوى الإجماع وانعقاده على تحريمها فدعوى باطلة ، لمخالفة جمع من الصحابة لهذا الإجماع ، يقول أبو بكر الطرسوسي : «ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن الحصين وابن عباس ، وبعض الصحابة وطائفة من آل البيت». وقال أبو عمر : «أصحاب ابن عباس من

__________________

(١) القرطبي : نفس المصدر : ١٣٣.

٤٦

أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالا وعلى مذهب ابن عباس» (١). ولأجل ذلك بطل الاجماع المدعى على الحرمة ، خصوصا وأنه لا إجماع في مقابل النص ، وقد ورد النص في إباحتها.

٩ ـ تفسير البغوي وإباحة المتعة :

يقول البغوي في تفسير قوله تعالى : (فما استمتعتم به منهن ...) وقال آخرون : هو نكاح المتعة ، وهو أن تنكح امرأة إلى مدة ... وكان ذلك مباحا في ابتداء الإسلام». ويقول أيضا : «وكان ابن عباس رضي الله عنه يذهب إلى أن الآية محكمة ، وترخص في نكاح المتعة. روى عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس رضي الله عنه عن المتعة فقال : أما تقرأ في سورة النساء (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)؟ قلت : لا أقرأها هكذا ، قال ابن عباس : هكذا أنزل الله ، ثلاث مرات ...». قال الربيع ابن سليمان :

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٣٣.

٤٧

سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول : لا أعلم في الإسلام شيئا حرم ثم أحل ثم حرم غير المتعة» (١).

١٠ ـ تفسير الخازن :

وأما الخازن فيقول في تفسيره : «وقال قوم المراد من حكم الآية هو نكاح المتعة ، وهو أن ينكح امرأة إلى مدة معلومة بشئ معلوم ، فإذا انقضت المدة بانت منه بغير طلاق ... وكان هذا في ابتداء الإسلام ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة فحرمها» (٢) ثم ذكر الروايات الواردة عن ابن عباس في قوله : واختلفت الروايات عن ابن عباس في المتعة ، فروي عنه أن الآية محكمة ، وكان يرخص في المتعة ..» (٣) وهذا يخالف ما يراه من أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن المتعة ، وبهذا يحكم على ابن عباس بتحليل وإباحة ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله. وهو كما ترى لا يصح الركون إليه.

__________________

(١) تفسير البغوي : ط ٢ ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ ج ١ ـ ص ٤١٤.

(٢) تفسير الخازن : دار العربية ـ مصر ـ ج ١ ـ ص ٢٦٦.

(٣) نفس المصدر : ص ٣٦٦.

٤٨

١١ ـ تفسير ابن كثير :

يقول ابن كثير في تفسير آية المتعة : «وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ، ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ بعد ذلك ، وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ ، ثم أبيح ثم نسخ مرتين ، وقال آخرون : أكثر من ذلك ، وقال آخرون : إنما أبيح مرة ثم نسخ ... وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرأون : «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة» وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة». (١)

أقول : أما قوله : «وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة» يبطله استمرارية إباحتها بنص قراءة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير

__________________

(١) تفسير ابن كثير ط ١ ـ بيروت ١٩٦٦ ـ ج ٢ ـ ص ٤٤.

٤٩

والسدي من ذكرهم للأجل في قولهم «إلى أجل مسمى».

وأما قول ابن كثير : «والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» (١) ، فهو تشبث بالطحلب ، يبطله أيضا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من أن آية المتعة نزلت في كتاب الله ، وعمل بها الصحابة ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وآله حتى مات ، وعمل بها في زمن أبي بكر وشطر من حياة عمر ، فإن كانت هذه الرواية صحيحة ، فقد بطل القول بتحريمها من قبل النبي صلى الله عليه وآله لأنها نص صريح بعدم التحريم ، وإن لم تكن صحيحة ، يلزمه عدم صحة ما في الصحيحين ، وهذا مالا يرتضيه ابن كثير. أما إذا قلنا بصحة الروايتين ، الرواية القائلة بتحريمها يوم خيبر ـ مع أن إباحة المتعة متأخرة عن خيبر ـ فمقتضى الجمع بين الروايتين المتعارضتين السقوط ، والرجوع إلى الأصل ، ولما كان الأصل فيها هو الإباحة بإجماع المسلمين ، فيتعين القول

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٢٤٥.

٥٠

بالإباحة ، إضافة إلى ذلك ، فإن رواية التحريم مضطربة ، فهي لا تقف في وجه روايات الإباحة لتضاربها وعدم استقرارها مما يوهن تلك الرواية ، ويقوي روايات الإباحة لوجود العاضد من القرآن الكريم ، وإجماع المسلمين ، ومن هنا تثبت استمرارية المتعة.

إلى هنا انتهينا من عرض الروايات المروية في كتب أهل السنة ، على إباحة المتعة ، وهناك الكثير من المصادر تركنا التعرض لها وذلك للاختصار ، فما ذكرناه ففيه الكفاية لطالب الحق ، وحفظ الشريعة من التغيير والتبديل استقينا ذلك من أصح الكتب والتفاسير عند أهل السنة. ومن أراد المزيد فعليه أن يرجع إلى المصادر التالية :

١ ـ جامع الأصول لابن الأثير.

٢ ـ تيسير الوصول لابن الديبع ـ ج ٤ ـ ٢٦٢.

٣ ـ زاد المعاد لابن القيم ـ ج ١ ص ٢١٩ ، ٤٤٤.

٤ ـ فتح الباري لابن حجر ـ ج ٩ ـ ص ١٤١.

٥١

٥ ـ كنز العمال للمتقي الهندي : ج ٨ ـ ص ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٤.

٦ ـ مالك في الموطأ ـ ج ٢ ـ ص ٣٠.

٧ ـ الشافعي في كتاب الأم ـ ج ٧ ـ ص ٢١٩.

٨ ـ البيهقي في السنن الكبرى ـ ج ٥ ـ ص ٢١ ، ج ٧ ـ ص ٢٠٦.

٩ ـ تفسير الثعلبي.

١٠ ـ تفسير أبي حيان ـ ج ٣ ـ ص ٢١٨.

١١ ـ أحكام القرآن للجصاص ـ ج ١ ـ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٥ ، ج ٢ ـ ص ١٧٨ ـ ١٧٩.

١٢ ـ النهاية لابن الأثير ـ ج ٢ ـ ص ٢٤٩.

١٣ ـ الفائق للزمخشري ـ ج ١ ـ ص ٣٣١.

١٤ ـ لسان العرب لابن منظور ـ ج ١٩ ـ ص ١٦٦.

١٥ ـ تاج العروس ـ ج ١٠ ـ ص ٢٠٠.

* * *

٥٢

موقف الخليفة الثاني

من زواج المتعة

إن المتتبع للروايات التي وردت في كتب أهل السنة المشار إليها يقطع بأن موقف الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب كان موقفا معاكسا لمشروعية المتعة ، بجميع تلك الروايات تنص على أن المحرم لها هو الخليفة نفسه وذلك في قوله المشهور : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالتان وأنا محرمهما ومعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء». وهذه شهادة صريحة منه على إباحتها وأن الناهي عنها باعترافه هو نفسه ، مع شهادة كثير من الصحابة والتابعين بذلك ، ومن هنا كان موقف الشيعة من زواج المتعة مخالفا لموقف أهل السنة ، فالشيعة ـ إستنادا على آية المتعة وما ورد من

٥٣

نصوص على إباحتها ـ تمسكوا بالآية والأخبار الناصة على حليتها وإباحتها.

* * *

٥٤

النظرة الاجتماعية لزواج

المتعة

لا شك أن الإسلام هو الطبيب الاجتماعي الكبير الذي أنزله الله تعالى سبحانه لعلاج مشكلات الإنسان في شتى جوانب حياته ، وإشباع جميع غرائزه إشباعا كاملا ولما كانت غريزة الجنس إحدى هذه الغرائز بل أشدها خطرا على المجتمع ، عمد الشارع المقدس إلى إشباعها بتشريعه النكاح ، وجعل له أبعادا وشروطا لا يجوز أن يتخطاها حفاظا على صيانة المجتمع من التحلل والوقوع في مهاوي الفساد ، ولهذا أباح له من الزواج الدائم مثنى وثلاث ورباع إشباعا لتلك الغريزة المختلفة في طباع أفراد الإنسان شدة وضعفا ، فرب رجل لا يكتفي بواحدة وهو قادر على التزويج بأكثر وقد لا يقدر بعضهم على أن يقوم بما يجب

٥٥

عليه من الإنفاق لأكثر من واحدة مع حاجته الملحة إلى ثانية وثالثة ، فأما أن يقع في المحرم عن طريق غير مشروع ، وإما أن يكون له طريق آخر يبعده عن الوقوع في المحرم ، ولما كان الإسلام بوصفه آخر أطروحة سماوية ، لم يغفل هذه الناحية ، لذا أباح المتعة لئلا يقع مثل هذا الصنف من الرجال في جريمة الزنى فيتزوج بأكثر من واحدة من طريق المتعة. ولهذا كان سبب وقوع المجتمع في الزنا هو تحريم المتعة. ومن هنا كانت المتعة رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وآله على حد تعبير ابن عباس ، وبهذا الزواج يتخلص المرء من الوقوع في الحرام. كما أن هذا النوع من الطيبات التي أحلت لقيام مجتمع طيب قائم على الارتباط المشروع دون الارتباط والعلاقة المحرمة (١). ولهذا كانت حكمته سبحانه ، حكمة سامية ، وغاية شريفة عالية ، وهي بقاء النسل وحفظ النوع ، فلو خلي الإنسان من الغريزة لبطلت أو ضعفت فيه الجبلة الإنسانية ، وعلى هذا لا يبقى للبشر على مر الأحقاب عين ولا أثر. يقول آل كاشف الغطاء : «من تلك

__________________

(١) انظر الكاظمي القزويني : المتعة بين الإباحة والحرمة.

٥٦

الشرائع مشروعية المتعة ، فلو أن المسلمين عملوا بها على أصولها الصحيحة من العقد والعدة والضبط وحفظ النسل منها لانسدت بيوت المواخير وأوصدت أبواب الزنا والعهار ، ولارتفعت أو قلت ويلات هذا الشر على البشر ، ولأصبح الكثير من المومسات المتهتكات مصونات محصنات ، ولتضاعف النسل وكثرت المواليد الطاهرة واستراح الناس من اللقيط والنبيذ ، وانتشرت صيانة الأخلاق وطهارة الأعراق ... ولله در عالم بني هاشم وحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في كلمته الخالدة الشهيرة التي رواها ابن الأثير في النهاية والزمخشري في الفائق وغيرهما حيث قال : ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد ولولا نهيه عنها ما زنى إلا شقي ... وفي الحق أنها رحمة واسعة وبركة عظيمة ولكن المسلمين فوتوها على أنفسهم ، وحرموا من ثمراتها وخيراتها ووقع الكثير في حمأة الخنا والفساد والعار والنار والخزي والبوار : «أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير». فلا

٥٧

حول ولا قوة إلا بالله» (١).

ويقول أيضا : «أما النظر من الوجهة الأخلاقية والاجتماعية ، فأقول : أليس دين الإسلام هو الصوت الإلهي والنغمة الربوبية الشجية التي هبت على البشر بنسائم الرحمة ... وجاءت لسعادة الإنسان لا لشقائه ولنعمته لا لبلائه ، هو الدين الذي يتمشى مع الزمان في كل أطواره ويدور مع الدهر في جميع أدواره ، ويسد حاجات البشر في نظم معاشهم ومعادهم وجلب صلاحهم ودرء فسادهم ، ما جاء دين الإسلام ليشق على البشر ويلقيهم في حظيرة المشقة وعصارة البلاء والمحنة ... كلا بل جاء رحمة للعالمين ، وبركة على الخلق أجمعين ، ممهدا سبل الهناء والراحة ، ووسائل الرخاء والنعمة ، ولذا كان أكمل الأديان ، وخاتمة الشرائع ، إذ لم يدع نقصا في نواميس سعادة البشر ، يأتي دين بعده يكمله ، أو ثلمة في ناحية من نواحي الحياة فتأتي شريعة أخرى فتسدها» (٢).

__________________

(١) انظر آل كاشف الغطاء : أصل الشيعة ـ ص ١١٢ ـ ١١٣.

(٢) نفس المصدر.

٥٨

وبالختام أرجو من الأخوة المسلمين لا سيما من يريد الحقيقة والمحافظة على شريعة الله من أن تمسها يد التغيير والتبديل أن يتركوا التعصب وينظروا بعين البصيرة والإنصاف إلى ما جاء في هذه المسألة من أقوال وآراء ومن تدليل واستدلال على صحة زواج المتعة ، وهذه الآراء مأخوذة من كتب علماء أهل السنة ومفسريهم لتكون أقرب إلى الاستدلال على حلال محمد صلى الله عليه وآله ، لكي نرفع الفرقة عن هذه الأمة التي مزقها الخلاف والاختلاف ، راجين من المولى أن ينفع بهذا السفر المؤمنين لما فيه خير الإسلام والمسلمين والحمد لله رب العالمين.

تم استنساخه في العاشر من محرم الحرام

سنة ١٤١٥ ه‍ الموافق ٢ / ٦ / ١٩٩٤ م

على يد مؤلفه الدكتور

السيد علاء الدين نجل العلامة الكبير آية الله المغفور له

السيد أمير محمد الكاظمي القزويني

* * *

٥٩

صدر للمؤلف :

١ ـ الفكر التربوي عند الشيعة الإمامية.

٢ ـ الشيعة الإمامية ونشأة العلوم الإسلامية.

٣ ـ الثقلان كتاب الله وأهل البيت في السنة النبوية.

٤ ـ مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة

والتصحيح.

٥ ـ زواج المتعة في كتب أهل السنة.

وقريبا سوف يصدر كتاب عقائد الشيعة الإمامية

وأهل السنة والجماعة ـ بإذن الله.

* * *

٦٠