زواج المتعة في كتب أهل السنّة

الدكتور السيّد علاء الدين القزويني

زواج المتعة في كتب أهل السنّة

المؤلف:

الدكتور السيّد علاء الدين القزويني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤

رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله : (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (١).

وفي رواية أخرى كما في صحيح مسلم أيضا عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله ، فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عمر فلم نعد لهما» (٢). وأخرج الإمام مسلم أيضا «... كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهي عنها ، قال : فذكر ذلك لجابر بن عبد الله ، فقال : على يدي دار الحديث ، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله ، وأبتوا نكاح هذه النساء ، فإن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة» (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم : ج ٤ (ص ١٣٠.

(٢) نفس المصدر : ص ١٣١.

(٣) نفس المصدر : ص ٣٨.

٢١

وعن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنك لا تدري ما أحدث أميرالمؤمنين في النسك بعد ، حتى لقيه بعد ، فسأله ، فقال عمر : قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم» (١).

وفي صحيح مسلم أيضا عن عطاء أنه قال : «قدم جابر بن عبد الله معتمرا ، فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر» (٢). وفي رواية جابر بن عبد الله قال : «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث» (٣).

أقول : هذا ما أخرجه إمام الحديث عند أهل السنة في

__________________

(١) نفس المصدر : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) نفس المصدر : ص ١٣١.

(٣) نفس المصدر : ص ١٣١.

٢٢

صحيحه ، من أن المتعة من الأمور التي وردت فيها النصوص الصريحة على إباحتها ، وأن الصحابة فعلوها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وشطر من حياة عمر حتى نهاهم عمر (رض) في شأن ابن حريث ، وأنها كانت من الطيبات ، ولا يعقل أن يحرم الله سبحانه على عباده ما أحله لهم من الطيبات ، أو يمنع رحمته عنهم ، ومن حيث إنه قد ثبت أن نكاح المتعة من الطيبات ، وإنها رحمة من الله رحم بها عباده ، علمنا أنها حلال إلى يوم القيامة بمقتضى تلك النصوص الصريحة الدالة على إباحتها وعدم تحريمها من النبي صلى الله عليه وآله ... «ءالله أذن لكم أم على الله تفترون».

٣ ـ مسند الإمام أحمد ، ومآثر الأناقة للقلقشندي وإباحة المتعة :

روى الإمام أحمد إمام المذهب في مسنده عن عمران ابن الحصين قال : «نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى ، وعملنا بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينزل آية تنسخها

٢٣

ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات» (١).

وهذه الرواية نص صريح على عدم نزول آية أو وجود رواية تدل من قريب أو بعيد على نسخ أو تحريم زواج المتعة ، وما قيل في تحريمها لا يصار إليه لمخالفته لصريح القرآن الكريم والسنة الصحيحة ، ويؤيد ذلك ما جاء أيضا عن الإمام أحمد عن أبي النضر أنه قال :

«قلت لجابر بن عبد الله إن ابن الزبير رضي الله عنه ينهى عن المتعة وابن عباس يأمر بها ، قال : فقال لي : على يدي جرى الحديث ، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عفان : ومع أبي بكر ، فلما ولي عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال : إن القرآن هو القرآن ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرسول ، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء» (٢).

وعن عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال : «كنا نتمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي

__________________

(١) الإمام أحمد : المسند : ج ٤ ـ ص ٤٣٦.

(٢) نفس المصدر : ج ١ ـ ص ٥٢ ـ ط ١ ـ ١٩٨٣.

٢٤

الله عنهما حتى نهانا عمر رضي الله عنه أخيرا يعني النساء» (١).

يقول القلقشندي في أوليات الخليفة عمر (رض) عنه : «وهو أول من حرم المتعة بالنساء ، وهي أن تنكح المرأة على شئ إلى أجل ، وكانت مباحة قبل ذلك» (٢). وهذا يدل دلالة واضحة على أن زواج المتعة حتى خلافة عمر بن الخطاب (رض) كانت مباحة ، فتحريمها تقول على الله سبحانه.

٤ ـ التفسير الكبير للفخر الرازي وإباحة المتعة :

وحسبك على إباحة المتعة ما أخرجه الفخر الرازي في تفسير آية المتعة عن عمران بن الحصين أنه قال : «نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها ، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا بها ، ومات ولم ينهنا عنه ،

__________________

(١) نفس المصدر : ج ٣ ـ ص ٣٠٤.

(٢) القلقشندي : مآثر الانامة ـ ج ٣ ـ ص ٣٣٨.

٢٥

ثم قال رجل برأيه ما شاء» (١) يقول الفخر الرازي : «روى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي» (٢). وأنت خبير بأن تحريم زواج المتعة لم يكن من النبي صلى الله عليه وآله كما يدعيه البعض.

يقول الفخر الرازي : «والقول الثاني : أن المراد بهذه الآية ـ آية المتعة ـ حكم المتعة ، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها ، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام ، روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة ، فشكا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم طول العزوبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء ، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا؟ ...» (٣) وهذا الاختلاف دليل على عدم نسخها ، خصوصا وأن آية المتعة نزلت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة في عمرته في

__________________

(١) الفخر الرازي : التفسير الكبير ـ ط ١ ـ المطبعة البهية المصرية ـ ١٩٣٨ ـ ج ١٠١ ـ ص ٤٩ ، ٥٠.

(٢) نفس المصدر : ص ٥٠.

(٣) نفس المصدر : ص ٥٠.

٢٦

السنوات الأخيرة من حياته ، مع أن القائلين بالنسخ أو التحريم يستندون على آيات وروايات وردت قبل نزول آية المتعة ، والمعروف الثابت لدى علماء الأصول أن الناسخ لا يمكن أن يتقدم على المنسوخ لعدم وجود حكم يكون موضوعا للنسخ ، ومن هنا يعلم بطلان ما قيل في نسخ الآية ، مضافا إلى النصوص الصريحة الدالة على عدم النسخ ، وأن الصحابة كانوا يعملون بها حتى زمان الخليفة عمر (رض). ومما يدل على ذلك ما رواه الفخر الرازي أيضا فهو يقول :

«روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في خطبته : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد» (١). ولهذا روي «أن أبي بن كعب كان يقرأ : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، فآتوهن أجورهن). وهذا أيضا هو قراءة ابن عباس ، والأمة ما أنكرت عليهما في هذه القراءة ، فكان ذلك إجماعا من

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٤٩.

٢٧

الأمة على صحة هذه القراءة ..» (١).

ويقول الفخر الرازي أيضا : «الحجة الثانية على جواز نكاح المتعة ، أن الأمة مجمعة على أن نكاح المتعة كان حاجزا في الإسلام ، ولا خلاف بين أحد من الأمة فيه ، إنما الخلاف في جريان الناسخ ، فنقول : لو كان الناسخ موجودا لكان ذلك الناسخ إما أن يكون معلوما بالتواتر ، أو بالآحاد ، فإن كان معلوما بالتواتر ، كان علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعمران بن الحصين ، منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوجب تكفيرهم ، وهو باطل قطعا ، وإن كان ثابتا بالآحاد فهذا أيضا باطل ، لأنه لما كان ثبوت إباحة المتعة معلوما بالاجماع والتواتر ، كان ثبوته معلوما قطعا ، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعا للمقطوع ، وإنه باطل ، قالوا : ومما يدل أيضا على بطلان القول بهذا النسخ ان بعض الروايات تقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، وأكثر الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٥١.

٢٨

حجة الوداع وفي يوم الفتح ، وهذان اليومان متأخران عن يوم خيبر ، وذلك يدل على فساد ما روى أنه عليه السلام نسخ المتعة يوم خيبر ، لأن الناسخ يمتنع تقدمه على المنسوخ ، وقول من يقول : إنه حصل التحليل مرارا والنسخ مرارا ضعيف ، لم يقل به أحد من المعتبرين ، إلا الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات» (١). وهذا المعنى سوف نشير إليه بأدلة صريحة رويت عن أهل السنة ، بأنه ما حلل شئ وحرم مرات متعددة كما حللت المتعة وحرمت مرات متعددة ، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على العبث في الأحكام الشرعية من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا لا يمكن أن يصار إليه لامتناع العبث منه صلى الله عليه وآله لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

الحجة الثالثة كما ذكرها الفخر الرازي في تفسيره الكبير : «ما روى أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر : متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما متعة الحج ، ومتعة النكاح ، وهذا منه تنصيص على

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٥٢ ـ ٥٣.

٢٩

أن متعة النكاح موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله وأنا أنهى عنها ، يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما نسخه ، وإنما عمر هو الذي نسخه ، وإذا ثبت هذا فنقول : هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه عليه السلام ما نسخه ، وأنه ليس هناك ناسخ لها إلا نسخ عمر ، وإذا ثبت هذا وجب أن لا يصير منسوخا ، لأن ما كان ثابتا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وما نسخه الرسول يمتنع أن يصير منسوخا بنسخ عمر ، وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين حيث قال : «إن الله أنزل في المتعة آية ، وما نسخها بآية أخرى ، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة ، وما نهانا عنها ، ثم قال رجل برأيه ما شاء ، يريد أن عمر نهي عنها» (١).

أقول : وبعد كل هذا ، يحاول الفخر الرازي ، أن يثبت بأن المتعة وإن كانت مباحة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، إلا أنها نسخت بعد ذلك ، وهذه المحاولة لا تنهض دليلا أمام النصوص الصريحة التي رواها أصحاب الصحاح من أعلام أهل السنة. والأدلة التي استدل بها أوهى من بيت

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٥٢ ـ ٥٣.

٣٠

العنكبوت ، فراجع لتعلم صحة ذلك (١).

٥ ـ روايات الطبري في تفسيره وإباحة المتعة :

روى الطبري في تفسيره عن محمد بن الحسين قال : «ثنا أسباط عن السدي ، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ... فهذه المتعة» وعن مجاهد : «فما استمتعتم به منهن ، قال : يعني نكاح المتعة» ويقول الطبري : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، قال : ثنا نصير بن أبي الأشعث قال : ثنا حبيب بن ثابت عن أبيه قال : أعطاني ابن عباس مصحفا ، فقال هذا على قراءة أبي ، قال أبو بكر ، قال يحيى قرأت المصحف عند نصير فيه : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى» (٢).

وعن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن متعة النساء ، قال : أما تقرأ سورة النساء ، قال : قلت بلى ، قال :

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٥٣.

(٢) ابن جرير الطبري : جامع البيان ط ٢ ـ بولاق مصر ـ ١٩٧٢ ـ ج ٥ ـ ص ٩.

٣١

فما تقرأ فيها ، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، قلت لا لو قرأتها هكذا ما سألتك ، قال : فإنها كذا» (١).

وفي رواية شعبة عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية ، والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، إلى هذا الموضع ، فما استمتعتم به منهن أمنسوخة هي ، قال : لا ، قال : قال الحكم ، وقال علي رضي الله عنه لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي» (٢). وعن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ : «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن» (٣).

وهذه القراءة التي كان يقرأ بها سعيد بن جبير وهو من التابعين لدليل واضح على عدم تحريمها.

وأما قول الطبري : «وأما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتهما : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين ،

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٩.

(٢) نفس المصدر : ص ٩ ـ ١٠.

(٣) نفس المصدر : ص ٩ ـ ١٠.

٣٢

وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع ..» (١). فهو قول باطل لأمرين :

الأول : إن وجود الزيادة وهي ـ إلى أجل مسمى ـ في آية المتعة ليس من أجزاء الآية ، بل هي من قبيل الشرح والبيان والتفسير لمعنى الآية ، وهذا يدل دلالة قاطعة على إباحة زواج المتعة ، وأنها غير منسوخة ولا محرمة.

الثاني : أما قراءة أبي بن كعب وابن عباس ، وكذلك عبد الله بن مسعود ، كما تقدم ، فهي المنظور لها دون غيرها من القراءات ، وذلك بمقتضى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله من الأخذ عن هؤلاء ، وأن النبي صلى الله عليه وآله كان يخص أبي بن كعب بالقراءة ، كما جاء في الصحاح ، وعلى هذا يقال : إما أن تكون هذه الزيادة من جملة الآية ، أو أنها من قبيل الشرح والبيان ، فإن قيل بالأول ، يلزمه أن يكون أبي بن كعب وابن عباس حبر الأمة ، وعبد الله بن مسعود ، قد حرفوا القرآن الموجب لخروجهم عن الإسلام ، وهذا القول باطل

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٠.

٣٣

بإجماع المسلمين ، فيتعين القول الثاني ، وهو أن هذه الزيادة ـ إلى أجل مسمى ـ من قبيل البيان والتفسير لمعنى الآية الكريمة ، فتثبت إباحة المتعة وأنها غير منسوخة ولا محرمة.

٦ ـ روايات النيسابوري في تفسيره في إباحة المتعة :

يقول النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن بهامش جامع البيان : «اتفقوا على أنها ـ أي المتعة ـ كانت مباحة في أول الإسلام ، ثم السواد الأعظم من الأمة على أنها صارت منسوخة ، وذهب الباقون ومنهم الشيعة إلى أنها ثابتة كما كانت ، ويروى هذا عن ابن عباس وعمران بن الحصين ، قال عمارة : سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح ، قال : لا سفاح ولا نكاح ، قلت فما هي ، قال : هي متعة كما يقال ..» (١).

أقول : لا أدري ، أيوجد في الشريعة المقدسة ، أو العرف ، وسط بين السفاح ـ أي الزنا ـ وبين النكاح

__________________

(١) النيسابوري : تفسير غرائب القرآن : ج ٥ ـ ص ١٦ ، ١٧.

٣٤

الصحيح ، فالنكاح إما أن يكون صحيحا أو غير صحيح ، فيدخل في السفاح ولا وسط بينهما ، فزواج المتعة ، لا يخلو ، إما أن يكون نكاحا صحيحا ، فتثبت مشروعيته وعدم نسخه لصحة هذا النكاح ، وإن كان زنا فكيف يبيح الإسلام الزنا؟ فما لكم كيف تحكمون ، نعوذ بالله من شطحات العقول.

ولا يجوز إدخاله في وطئ الشبهة ، لأن هذا النوع من الوطئ لا يكون إلا إذا اعتقد الزوج بأن هذه المرأة زوجته ،

ثم وطأها ، فتبين أنها أجنبية ، وهذا بخلاف زواج المتعة المتوقف على الإيجاب والقبول ورضا الطرفين.

ومن أغرب ما يروى عن ابن عباس في المتعة ، قال : «إن الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة ، قال : قاتلهم الله إني ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق ، لكني قلت إنها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزير» (١).

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٧.

٣٥

أقول : إن من ينظر إلى هذه الرواية وإسنادها إلى ابن عباس حبر الأمة ، يأخذه العجب من هذه الفتيا ، أيجوز لابن عباس أن يفتي بجواز الزنا في حال الضرورة ، كما يجوز أكل الميتة ولحم الخنزير للمضطر؟ أو أن فتوى ابن عباس بإباحتها ، لأنها مباحة في أصل الشريعة كالزواج الدائم وملك اليمين ، فبماذا يجيب الحاكم العادل ، أيباح الزنا للمضطر؟ مع أن الزاني لا يزني إلا وهو مضطر إليه ، فينتفي حينئذ الزنا من الشريعة الإسلامية.

ومما يدل على إباحة المتعة وعدم نسخها كما يروي النيسابوري أيضا ، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على التناقض الحاصل في أقوال هؤلاء ، وعدم تحرزهم من مخالفة الشريعة ، فهو يروي عن «عمران بن الحصين إنه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ولم ينزل بعدها آية تنسخها وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه ، ومات ولم ينهنا ، ثم قال رجل برأيه ما شاء يريد أن عمر نهى عنها» (١). ولهذا كان أبي بن كعب يقرأ : «فما استمتعتم به

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٧.

٣٦

منهن إلى أجل مسمى ... وبه قرأ ابن عباس أيضا ، والصحابة ما أنكروا عليهما فكان إجماعا ... وما يدل على ثبوت المتعة ما جاء في الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، وأكثر الروايات أنه صلى الله عليه وسلم أباح المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح ، وذلك أن أصحابه شكوا إليه ...» (١). ومن هنا يعلم أن إباحة المتعة كانت في حجة الوداع وفي يوم الفتح ، وكل ذلك كان متأخرا عن يوم خيبر الذي يدعى فيه النهي.

٧ ـ الدر المنثور للسيوطي وروايات الإباحة :

وفي الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن ابن عباس قال : «كانت المتعة في أول الإسلام ، وكانوا يقرأون هذه الآية : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) الآية ، فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٨.

٣٧

شأنه ...» (١).

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه من طرق عن أبي نضرة قال : قرأت على ابن عباس : فما استمتعتم به منهن ... قال ابن عباس : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، فقلت : ما نقرؤها كذلك ، فقال ابن عباس : والله لأنزلها الله كذلك ، وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير قال في قراءة أبي بن كعب : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. أخرج عبد الرزاق عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرؤها فما استمتعتم به منهن إلى أجل ... وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ... قال يعني نكاح المتعة» (٢).

«وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله ـ بن مسعود ـ (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما

__________________

(١) السيوطي : الدر المنثور ـ ج ٨ ـ ١٤٠.

(٢) نفس المصدر : ص ١٤٠.

٣٨

أحل الله لكم)» (١).

أقول : إذا كانت المتعة من الطيبات التي أحلها الله سبحانه للمؤمنين بنص القرآن ، ولا شئ من الطيبات بحرام ، فتثبت استمرارية إباحتها بالقياس المنطقي التالي :

زواج المتعة من الطيبات

ولا شئ من الطيبات بحرام

فالنتيجة : لا شئ من زواج المتعة بحرام.

فدليل الصغرى والكبرى قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) والمتعة حلال بنص الآية : (فما استمتعتم به منهن ...) فتثبت حلية زواج المتعة ، وعدم تحريمها ، وهذا القياس من الشكل الأول الذي تكون الصغرى فيه موجبة مع كلية الكبرى ، ولهذا تكون النتيجة صحيحة.

والغريب من السيوطي أن ينسب التحريم إلى النبي صلى الله عليه وآله بعد إباحتها بآية الميراث تارة ، وبآية الطلاق تارة أخرى في

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٤٠.

٣٩

تفسيره (١). وهو نفسه ينسب التحريم في كتابه تاريخ الخلفاء إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في أولياته حيث يقول : «... وأول من سن قيام شهر رمضان ، وأول من عس بالليل ... وأول من حرم المتعة» (٢). ويؤيد ذلك ، أن التحريم لم يكن من النبي صلى الله عليه وآله قوله في تفسيره : «وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : نهى عمر عن متعتين متعة النساء ومتعة الحج» (٣).

ومما يدل على تناقض السيوطي قوله : «وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم ، أنه سئل عن هذه الآية أمنسوخة ، قال : لا ، قال علي : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي» (٤) وأنت ترى أن الإمام عليا لم يقل لولا نهي النبي صلى الله عليه وآله عن المتعة ، ولهذا يحاول بعض الرواة أن يسند القول بالتحريم إلى الإمام علي عليه السلام ، مع أن المشهور من مذهب الإمام علي عليه السلام إباحتها إلى يوم

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٤٠.

(٢) السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٣) السيوطي : الدر المنثور : ج ٨ ـ ص ١٤١.

(٤) نفس المصدر : ص ١٤١.

٤٠