المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة - ج ١-٤

السيد محسن بن عبد الكريم الأمين

المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة - ج ١-٤

المؤلف:

السيد محسن بن عبد الكريم الأمين


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٦٨

أَشْكرَ الْحَسَنَةَ وَاُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ ، وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ. وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ فِيْ بَسْطِ الْعَدْلِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَإطْفَاءِ النَّائِرَةِ ، وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ ، وَإصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَإفْشَاءِ الْعَارِفَةِ ، وَسَتْرِ الْعَائِبَةِ ، وَلِينِ الْعَرِيكَةِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ ، وَسُكُونِ الرِّيحِ ، وَطِيْبِ الْمُخَالَقَةِ ، وَالسَّبْقِ إلَى الْفَضِيلَةِ ، وإيْثَارِ التَّفَضُّلِ ، وَتَرْكِ التَّعْيِيرِ وَالإفْضَالِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ ، وَالقَوْلِ بِالْحَقِّ وَإنْ عَزَّ ، وَاسْتِقْلاَلِ الخَيْرِ وَإنْ كَثُرَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي ، وَاسْتِكْثَارِ الشَّرِّ وَإنْ قَلَّ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي ، وامنعني مِنْ السَّرَفِ ، وحصّنْ رزقي مِنْ التَّلفِ». وأهل بيت الرسول (ص) هم أحسن النّاس أخلاقاً ، لا يلحقهم في ذلك لاحق ، ولا يسبقهم سابق ، ومنهم تعلّم النّاس مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ، ومنهم مولانا الإمام أبو عبد الله الحسين (ع) ، وله في مكارم الأخلاق أخبار كثيرة تنبو عن الحصر ، منها : إنّه مرّ بمساكين وهم يأكلون كسراً على كساء فسلّم عليهم ، فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم ، وقال : «لولا أنّه صدقة لأكلتُ معكم». ثمّ قال : «قوموا إلى منزلي». فأطعمهم وكساهم ، وأمر لهم بدراهم. ومن مكارم أخلاقه ، إنّه جنى غلامٌ له جناية توجب العقاب فأمر بضربه ، فقال : يا مولاي ، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ). قال : «خلّو عنه». فقال : يا مولاي ، (وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ). قال : «قد عفوتُ عنك». قال : يا مولاي ، (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). قال : «أنت حُرٌّ لوجه الله ، ولك ضعف ما كُنتُ أعطيك». وحيّته جارية بطاقة ريحان ، فقال لها : «أنت حرّة لوجه الله تعالى». فقيل له : تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها! قال : «كذا أدّبنا الله ، قال الله تعالى : (فإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) وكان أحسنَ منها عتقُها». أمثل هذا الإمام في فضائله التي لا تُبارى ، يُزال عن حقّه وتتعدّى عليه بنو اُميّة ، وتخفيه حتّى أخرجته من حرم جدّه رسول الله (ص) إلى حرم الله ، ثمّ دسّت إليه الرجال لتغتاله في الحرم ، فخرج إلى العراق فجهّز إليه الدعيُّ ابن الدعيِّ عبيد الله بن زياد الجيوش ـ بأمر يزيد بن معاوية ـ وضيّق عليه ، ومنعه التوجّه في بلاد الله العريضة حتّى قُتل عطشان ظامياً ، وحيداً فريداً غريباً ، وقُتلت أنصاره وسُبيت عياله.

فعلتُمْ بأبناءِ النَّبيِّ ورهطهِ

أفاعيلَ أدناها الخيانةُ والغدرُ

٦٤١

المجلس التاسع والخمسون بعد المئتين

أوجب الله تعالى التوبة على كلّ مذنب بقوله : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) ومعنى التّوبة : هي النّدم على الذّنب والعزم على عدم العود إليه. ووجوبها ثابت بالعقل والنّقل ، وهي واجبة على الفور بدون تأخير. وقد وعد الله تعالى بقبول التّوبة ، بقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السّيِّئَاتِ) وقوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) ومِن كرم الله تعالى وفضله على عباده ، إنّ مَن نوى منهم السّيئة ولم يفعلها لم تُكتب عليه ، فإنْ فعلها انتظره الملك الموكّل بكتابة السّيئات سبع ساعات ، فإنْ تاب قبل مضي سبع ساعات لم تُكتب عليه ، وإنْ يتُب كُتبت عليه سيئة واحدة ، وإذا نوى الحسنة ولم يفعلها ، كُتبت له حسنة واحدة ، فإنْ فعلها كُتبت له عشر حسنات. وقال زين العابدين (ع) في دعاء وداع شهر رمضان من أدعية الصّحيفة الكاملة ، مشيراً إلى التّوبة : «أَنْتَ الَّذِيْ فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَاباً إلَى عَفْوِكَ وَسَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ ، وَجَعَلْتَ عَلَى ذلِكَ البَابِ دَلِيلاً مِنْ وَحْيِكَ لِئَلاَّ يَضِلُّوا عَنْهُ ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ :(تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ ذلِكَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ وَإقَامَةِ الدَّلِيْلِ؟». وأشار (ع) إلى شيء من حدود التّوبة وشروطها في دعائه في ذكر التّوبة وطلبها من أدعية الصّحيفة ، فقال : «أللَّهُمَّ ، إنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا مِنْ كَبَائِرِ ذُنُوبِي وَصَغَائِرِهَا ، وَبَوَاطِنِ سَيِّئآتِي وَظَوَاهِرِهَا ، تَوْبَةَ مَنْ لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَة ، وَلاَ يُضْمِرُ أَنْ يَعُودَ فِي خَطِيئَة ، وَقَدْ قُلْتَ يَا إلهِي فِي مُحْكَمِ كِتابِكَ إنَّكَ تَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِكَ ، وَتَعْفُو عَنِ السَّيِّئآتِ ، وَتُحِبُّ التَّوَّابِينَ ، فَاقْبَلْ تَوْبَتِي كَمَا وَعَدْتَ ، وَأعْفُ عَنْ سَيِّئآتِي كَمَا ضَمِنْتَ ، وَأَوْجِبْ لِي مَحَبَّتَكَ كَمَا شَرَطْتَ ، وَلَكَ يَا رَبِّ شَرْطِي أَلاّ أَعُودَ فِي مَكْرُوهِكَ ، وَضَمَانِي أَلاّ أَرْجِعَ فِي مَذْمُومِكَ ، وَعَهْدِي أَنْ أَهْجُرَ جَمِيعَ مَعَاصِيكَ

٦٤٢

أللَّهُمَّ ، وَإنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِي بِالتَّوْبَةِ إلاَّ بِعِصْمَتِكَ ، وَلا اسْتِمْسَاكَ بِي عَنِ الْخَطَايَا إلاَّ عَنْ قُوَّتِكَ. أللَّهُمَّ ، أَيُّما عَبْد تَابَ إلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ ، وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيئَتِهِ ، فَإنِّي أَعُوذُ بِكَ أنْ أَكُوْنَ كَذلِكَ ، فَاجْعَلْ تَوْبَتِي هَذِهِ تَوْبَةً لا أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إلَى تَوْبَة ، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ ، وَالسَّلاَمَةِ فِيمَا بَقِيَ. أللَّهُمَّ ، وَإنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ مَا خَالَفَ إرَادَتَكَ مِنْ خَطَرَاتِ قَلْبِي ، وَلَحَظَاتِ عَيْنِي ، وَحِكَايَاتِ لِسَانِي. أَللَّهُمَّ ، إنْ يَكُنِ النَّدَمُ تَوْبَةً إلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ اْلنَّادِمِينَ ، وَإنْ يَكُنِ التَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إنَابَةً فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنِيبينَ ، وَإنْ يَكُنِ الاسْتِغْفَارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإنِّي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ». وكان الحُرّ بن يزيد التميمي اقترف ذنباً عظيماً في خروجه لحرب الحسين (ع) ، ومنعه عن الرّجوع وضيّق عليه ، ثمّ لمّا تاب تاب الله عليه واستشهد بين يدي الحسين (ع) ، فرافق الحسين وجدّه وأباه (صلوات الله عليهم) في أعلى درجات الجنان ، وذلك لمّا رأى الحُرُّ أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين (ع) ، قال لعمر بن سعد : أمقاتل أنت هذا الرجل؟! قال : أي والله ، قتالاً أيسره أنْ تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي. فأخذ الحُرّ يدنو من الحسين (ع) قليلاً قليلاً ، وأخذه مثل الأفكل (وهي : الرّعدة) ، فقال له المهاجر بن أوس : إنّ أمرك لمريب! والله ، ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا! ولو قيل لي : مَن أشجع أهل الكوفة؟ ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك؟! فقال الحُرّ : إنّي والله ، اُخيّر نفسي بين الجنّة والنّار ، فوالله ، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت وحُرّقت. ثمّ ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين (ع) ويده على رأسه ، وهو يقول : اللهمّ ، إليك اُنيت فتب عليّ ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك. وقال للحسين (ع) : جعلت فداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرّجوع ، وسايرتك في الطّريق ، وجعجعت بك (أي : ضيّقت عليك) في هذا المكان ، وما ظننتُ أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة. والله ، لو علمتُ أنّهم ينتهون منك إلى ما أرى ، ما ركبت مثل الذي ركبت ، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي وإلى ربّي ، مواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، فهل ترى لي من توبة؟ فقال له الحسين (ع) : «نعم يتوب الله عليك ، فانزل». قال : أنا لك فارساً خير منّي راجلاً ، اُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النّزول يصير آخر أمري. فقال له الحسين (ع) : «فاصنع يرحمك الله ما بدا». فقاتل حتّى قُتل ، وفاز بالشّهادة. ولمّا جيء بسبايا أهل البيت إلى دمشق ، واُوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السّبي ، جاء شيخ فدنا من نساء الحسين (ع) وعياله ، وتكلّم بما كان من عظم الذّنوب ، ثمّ لمّا وعظه زين العابدين (ع) وأبان له ما كان يجهله ، تاب فتاب الله عليه ونال درجة الشّهادة ؛ وذلك أنّه قال لهم : الحمد لله ، الذي أهلككم

٦٤٣

وقتلكم ، وأراح البلاد من رجالكم ، وأمكن أمير المؤمنين منكم. فلم يقابله زين العابدين (ع) بسبٍّ ولا شتم حيث علم أنّه جاهل ، بل جاءه باللين والموعظة الحسنة ، وقال : «يا شيخ ، هل قرأت القرآن؟». قال : نعم. قال : «فهل عرفت هذه الآية:(قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال : نعم. قال : «فنحن القُربى». «فهل قرأت : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) قال : نعم. قال : «فنحن القُربى». «فهل قرأت : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)». قال : نعم. قال : «فنحن القُربى». «وهل قرأت :(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). قال : نعم. قال : «فنحن أهل البيت الذين اختصنا الله بآية الطّهارة». فبقي الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلّم به ، وقال : بالله إنّكم هم؟! قال (ع) : «تالله ، إنّا لنحن هم من غير شكّ ، وحقِّ جدّنا رسول الله (ص)». فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثمّ رفع رأسه إلى السّماء وقال : اللهمَّ ، إنّي أبرأ إليك من عدوِّ آل محمَّد من جنّ وإنس. ثمّ قال : هل لي من توبة؟ فقال له : «نعم ، إنْ تبت تاب الله عليك ، وأنت معنا». فقال : أنا تائب. فبلغ يزيدَ خبرُه فأمر به فقُتل.

ذرِّيَّةٌ مثلُ ماءِ المُزنِ قدْ طَهرُوا

وطُيِّبوا فصفتْ أوصافُ ذاتِهمُ

أئمَّةٌ أخذَ اللهُ العهودَ لهُمْ

على جميعِ الورَى منْ قبلِ خلقِهمُ

٦٤٤

المجلس الستّون بعد المئتين

الحسد من الصّفات الذّميمة ، وهو أيضاً من الذّنوب الكبيرة ، والحسد : هو التّألم من وجود نعمة على الغير أو صفة كمال فيه ، وتمنّي زوالها. وهو مذموم في الكتاب العزيز والسّنّة المُطهّرة ، قال تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ) وأمر الله تعالى نبيّه أنْ يستعيذ من شرّ الحاسد بقوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) وقال النّبيُّ (ص) : «إيّاكم والحسد ؛ فإنّه يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب». والحسد أساس كلّ شر ومنبع كلّ بلاء ؛ حسد إبليس آدم حين أمر الله تعالى الملائكة بالسّجود تعظيماً لآدم (ع) ، فحمل الحسد إبليس على التّكبر عن السجود لآدم ، فكان ذلك سبباً لسخط الله تعالى على إبليس ولعنه الدّائم ، وتسلّطه على بني آدم ، وسبباً لأكل آدم وحواء من الشّجرة بوسوسة إبليس ، وخروجهما من الجنّة. والحسد أوّل معصية وقعت على وجه الأرض ، حسد قابيل أخاه هابيل ؛ لأنّ الله تعالى قبل قربان هابيل ولم يقبل قربانه ، والحسد هو الذي كان سبب إلقاء إخوة يوسف أخاهم يوسف في الجبّ وإرادة هلاكه. (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) والحسد هو الذي كان السّبب في إنكار اليهود نبوّة محمَّد (ص) ، وكانوا عرفوا صفته في كتبهم ، حكاه الله تعالى عنهم بقوله : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) كانوا يقولون لمُشركي قريش : هذا نبيّ قد أطلّ زمانه ، سيُبعث ونؤمن به فينصرنا عليكم. فلمّا ظهر أنكروه حسداً ؛ لأنّه من غيرهم وهم يريدونه منهم ، وقالوا : ليس هذا الذي كُنّا نخبركم به. وهم يعتقدون أنّه هو. والحسد هو الذي دعا

٦٤٥

بني اُميّة إلى بغض بني هاشم ومنابذتهم ؛ فحارب جدُّهم أبو سفيان النّبيَّ (ص) عدّة حروب حتّى ظهر أمر الله وهو كاره ، فأظهر الإسلامَ مُكرهاً ونفسه منطوية على خلافه ، واقتدى به ولده معاوية ، فحارب أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (ع) يوم صفّين ونابذه ، وفرّق كلمة المسلمين ، ومشي على أثره ولده يزيد ، فجيّش الجيوش على ابن بنت رسول الله (ص) وسبطه حتّى قتله ، وقتل أهل بيته وأنصاره ، وسبى نساءه وعياله وحملهم إليه من الكوفة إلى الشّام ، وأوقفهم على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السّبي ، وقابلهم بكلِّ جفاء وغلظة.

ألا يابنَ هندٍ لا سَقَى اللهُ تُرْبةً

ثويتَ بِمثواهَا ولا اخضَرَّ عودُها

٦٤٦

المجلس الحادي والستّون بعد المئتين

قال الله سبحانه وتعالى (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) وقال تعالى مخاطباً لنبيّه (ص) ، وناعياً إليه نفسه : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) واشترى اُسامة بن زيد جارية بمئة دينار إلى شهر ، فقال رسول الله (ص) : «ألا تعجبون من اُسامة المُشتري إلى شهر! إنّ اُسامة لطويل الأمل. والذي نفسي بيده ، ما طرفتْ عيناي إلاّ ظننتُ أنّ شفريَّ لا يلتقيان حتّى يقبض الله روحي ، ولا رفعتُ طرفي وظننتُ أنّي خافضه حتّى اُقبض ، ولا تلقّمتُ لقمةً إلاّ ظننتُ أنّي لا أسيغها ، أنحصر بها من الموت». ثم قال «يا بني آدم ، إنْ كُنتم تعقلون فعدّوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده ، إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ». وقال أمير المؤمنين علي (ع) في بعض خطبه : «وَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً ، أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلاً لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ (ع) ، الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالإِنْسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وَعَظِيمِ الزُّلْفَةِ ، فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ ، وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ ، رَمَتْهُ قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ الْمَوْتِ ، وَأَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةً ، وَالْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً ، وَوَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ ، وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لَعِبْرَةً. أَيْنَ الْعَمَالِقَةُ وَأَبْنَاءُ الْعَمَالِقَةِ؟! أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ وَأَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ؟! أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ الَّذِينَ قَتَلُوا النَّبِيِّينَ ، وَأَطْفَؤوا سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ ، وَأَحْيَوْا سُنَنَ الْجَبَّارِينَ؟! أَيْنَ الَّذِينَ سَارُوا بِالْجُيُوشِ وَهَزَمُوا بِالأُلُوفِ ، وَعَسْكَرُوا الْعَسَاكِرَ وَمَدَّنُوا الْمَدَائِنَ؟!» وخطب الحسين (ع) لمّا عزم على الخروج إلى العراق ، فقال : «الحمدُ لله وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله ، وصلّى الله على رسوله ، خُطَّ الموتُ على وُلد آدمَ مَخَطَّ القَلادةِ على جيد الفتاةِ ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياقُ يعقوبَ إلى يوسفَ ، وخُيّر لي مصرعٌ أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقطّعها عَسْلانُ الفلوات بين النّواويس وكربلاء ، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سغباً ، لا مَحيصَ عن يومٍ خُطّ بالقَلَمْ ، رِضَى اللهُ رضانا أهلَ البيتِ ، نصبرُ على بلائِهِ ويُوفّينا أجورَ الصّابرين ، لنْ تَشُذَّ

٦٤٧

عن رسول اللهِ لَحمتُهُ ، بل هي مجموعةٌ لهُ في حظيرةِ القُدْسِ ، تُقرُّ بِهمْ عينُه ويُنجزُ بهم وعدَه. مَنْ كان باذلاً فينا مُهجَتَه ، ومُوَطِّناً على لقاءِ اللهِ نفسَه فليرحل معنا ، فإنّني راحلٌ مُصبحاً إنْشاءَ اللهُ تعالى». وما قال الحسين (ع) : «كأنّي بأوصالي تُقطّعها عَسْلانُ الفلوات» : أي ذئابها ، إلاّ لعلمه أنّه سيُقتل ويبقي بلا دفن كما أخبره جدّه رسول الله (ص). ومن عادة القتيل الذي لم يُدفن أنْ يجري عليه ذلك ، فساق كلامه على مجرى العادة ، وإلاّ فجسمه الشّريف وإنْ لم يحفظ من ذئاب أهل الكوفة وكلابهم أتباع بني اُميّة ، إلاّ أنّه محفوظ من الذّئاب الوحشيّة كما قال السيّد الرّضي رضي الله عنه :

تَهابُهُ الوَحشُ أَنْ تَدنو لِمَصرَعِهِ

وَقَد أَقامَ ثَلاثاً غَيرَ مَقبورِ

تَحنو عَلَيهِ الرُبى ظِلاّ ً وَتَستُرُه

عَنِ النَّواظِرِ أَذيالُ الأَعاصيرِ

٦٤٨

المجلس الثاني والسّتون بعد المئتين

الأخوات اللواتي أصابتهُنَّ سهام الدّهر وفُجعن بإخوتهنّ كثيرات ، لكن أشدّهنَّ أشجاناً ، وأعظمهنَّ أحزاناً أربعة : اثنتان في الشّرك ، واثنتان في الإسلام ، وكلّ منهنّ وقفت على جسد أخيها فرأته صريعاً مضرّجاً بالدّم. فأمّا اللتان في الشّرك ، فإحداهنَّ : ليلى اُخت عمرو بن عبدود العامري ، فإنّها لمّا قُتل أخوها عمرو ، برزت من خدرها وهي صارخةٌ معولةٌ حتّى وقفت على جسده ، فرأته مقطوع الرأس ولم تُسلب منه ثيابُه ولا درعُه ، فتعجَّبت من ذلك وقالت : مَن هو قاتل أخي؟ فقيل لها : هو علي بن أبي طالب (ع). فاستبشرت وقالت : لَعمري ، لهو كفو كريم. والله ، لا أرثي أخي ولا أندبه. ثمّ أنشأت تقول :

لو كانَ قاتلُ عمرٍو غيرَ قاتلِهِ

لكنتُ أبكي عليهِ آخرَ الأبدِ

لكنّ قاتلَهُ مَنْ لا يُعابُ

بهِ قدْ كان يُدعَى أبوهُ بيضةَ البلدِ

منْ هاشمٍ في ذُراهَا وهي صاعدةٌ

إلى السّماءِ تُميتُ النّاسَ بالحسدِ

قومٌ أبى اللهُ إلاّ أنْ يكون لهمْ

كرامةُ الدِّينِ والدُّنيا بلا لدد

وأمّا الثّانية : فهي صفيّة اُخت مرحب ، فإنّه بعد ما قتله أمير المؤمنين (ع) ، أخذها أسيرة وبعث بها إلى النّبيِّ (ص) مع بلال ، فمرّ بها بلال على مصرع أخيها فرأته صريعاً مُلطّخاً بدمه ، ثمّ جاء بها إلى النّبيِّ (ص) وأوقفها بين يديه ، وهي مذعورة وقد ارتعدت فرائصها ، فقال لها النّبي (ص) : «ما بالِك؟». قالت : يا رسول الله ، اعلم أنّ هذا العبد مرّ بي على مصرع قومي ، فاعتراني ما ترى. فلامه النّبيُّ (ص) وأمر بإطلاقها. وأمّا اللتان في الإسلام ، فإحداهنّ صفيّة عمّة النّبي (ص) ، فإنّه لمّا قُتل أخوها حمزة بن عبد المطّلب في وقعة اُحد ، وقفت عليه فرأته صريعاً مُلطّخاً

٦٤٩

بدمه ، وقد خُرق جوفه واستُخرجت كبده ، وقد غطّاه النّبي (ص) بردائه ، فلم يستر جسده بل بقيت رجلاه مكشوفتين ، فستره النّبيُّ (ص) بالحشيش ، فوقفت عليه اُخته صفيّة ، فقال النّبي (ص) لولدها الزّبير : «قُل لاُمّك لتَكفّنّ عن البكاء ، ولترجع إلى خدرها». وأمّا الثّانية ، فهي زينب بنت أمير المؤمنين عليهما‌السلام ، وهي أعظمهنَّ شجناً وأشدَّهنّ حُزناً ، وأكثرهنَّ كرباً وأوجعهنَّ قلباً ؛ وذلك لِمَا رأت من المصائب التي لم تُسبق ولم تُلحق بمثلها أبداً ، ولمّا قُتل أخوها الحسين (ع) ، حمل ابن سعد نساءه وبناته وأخواته ومَن كان معه من الصّبيان ، وساقوهم كما يُساق سبي التّرك والرّوم ، فقالت النّسوة : بحقِّ الله ، إلاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين (ع). فمرّوا بهم على الحسين وأصحابه عليهم‌السلام وهم صرعى ، فلمّا نظرت النّسوة إلى القتلى ، صحن وضربن وجوههنَّ. قال الرّاوي : فوالله ، لا أنسى زينب بنت علي عليهما‌السلام وهي تندب الحسين (ع) ، وتُنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا مُحمّداه! صلّى عليك مليك السّماء ، هذا حُسينك مرمّل بالدماء ، مقطوع الأعضاء ، وبناتك سبايا ـ إلى أن قالت ـ بأبي مَن لا غائب فيُرتجى ، ولا جريح فيُداوى! بأبي المهموم حتّى قضى! بأبي العطشان حتّى مضى! بأبي مَن شيبته تقطر بالدماء. أمّا اُخت عمرو ، فهوّن حزنها على أخيها أنّ قاتله رجل شريف جليل وهو علي بن أبي طالب (ع) ، وافتخرت بذلك ، وكانت العرب تفتخر بكون القاتل شريفاً ، ويزيد في حزنها على القتيل كون قاتله وضيعاً ؛ وأمّا اُخت مرحب ، فهوّن ما بها إكرام رسول الله (ص) لها ؛ وأمّا اُخت حمزة ، فهوّن حزنها على أخيها أنْ بقي لها رسول الله (ص). أمّا زينب ، فزاد في حزنها وعظيم مصابها أنّ قاتل أخيها شمر بن ذي الجوشن النّذل الرّذل ، ولم يبقَ لها مَن تتسلّى به إلاّ زين العابدين (ع) ، وقد نهكته العلّة وأضرّ به المرض ، فما أعظم مصيبتها ، وأجلّ رزيتها!

لَمْ أدرِ أيَّ رزاياهُمْ اُعدِّدُها

هيهاتَ لمْ اسْتَطعْ عَنهُنَّ تَعبيرَا

٦٥٠

المجلس الثالث والستّون بعد المئتين

النّساء اللّواتي فُجعن بإخوتِهنَّ في الجاهليّة والإسلام كثيرات ، ولكنْ اشتهر من بينهنّ عدّة ، فمنهنّ : الخنساء اُخت صخر ، وكان أخوها قد طُعن في بعض الحروب بطعنة ، ثمّ اعتلّ منها فمات ، فقالت اُخته ترثيه :

أَلا يا صَخرُ إِنْ أَبكَيتَ عَيني

لَقَد أَضحَكتَني دَهراً طَويلا

بَكَيتُكَ في نِساءٍ مُعوِلاتٍ

وَكُنتُ أَحَقَّ مَن أَبدى العَويلا

دَفَعتُ بِكَ الجَليلَ وَأَنتَ حَيٌّ

فَمَن ذا يَدفَعُ الخَطبَ الجَليلا

إِذا قَبُحَ البُكاءُ عَلى قَتيلٍ

رَأَيتُ بُكاءَكَ الحَسَنَ الجَميلا

ولها أيضاً ترثيه :

تَبكي خُناسٌ عَلى صَخرٍ وَحُقَّ لَها

إِذ رابَها الدَّهرُ إِنَّ الدَّهرَ ضَرّارُ

يا صَخرُ وَرّادَ ماءٍ قَد تَناذَرَهُ

كلُّ البَريَّةِ ما في وِردِهِ عارُ

مَشى السَّبَنتى إِلى هَيجاءَ مُعضِلَةٍ

لَهُ سِلاحانِ أَنيابٌ وَأَظفارُ

وَما عَجولٌ عَلى بَوٍّ تُطيفُ بِهِ

لَها حَنينانِ إِعلانٌ وَإِسرارُ

يَوماً بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ فارَقَني

صَخرٌ وَلِلدَّهرِ إِحلاءٌ وَإِمرارُ

وَإِنَّ صَخراً لَوالِينا وَسَيِّدُنا

وَإِنَّ صَخراً إِذا نَشتو لَنَحّارُ

وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ

كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ

ومنهنّ : ليلى بنت طريف الشّيبانيّة ، وكان أخاها الوليد قتله يزيدُ بن مزيد الشّيباني في بعض الحروب ، فقالت اُخته ترثيه :

٦٥١

أيا شجرَ الخابورِ ما لكَ مُورقا

كَأنّك لَم تَجزعْ عَلى ابنِ طريفِ

فَتىً لا يُحبُّ الزَّاد إلاّ منَ التُّقى

وَلا المالَ إلاّ من قناً وسيوفِ

ولا الذّخرَ إلاّ كلَّ جرداءَ صلدمٍ

معاودةً للكرِّ بين صفوفِ

فَقَدناكَ فُقدانَ الرَّبيعِ ولَيتنا

فَدَيناك مِن ساداتنا باُلوفِ

حَليف النَّدى إِنْ عاشَ يرضى به النَّدى

وَإِنْ ماتَ لا يرضى النَّدى بحليفِ

وَما زالَ حتّى أزهق الموتُ نفسَهُ

شَجاً لعدوٍّ أو نجاً لضعيفِ

فَإِنْ يكُ أَرداهُ يزيدُ بنُ مزيد

فرُبَّ زَحوفٍ لفَّها بزحوفِ

ألا يا لقومي للحِمامِ وللبَلَى

وللأرضِ هَمَّتْ بعدَهُ برحيفِ

وَللّيثِ فوقَ النَّعشِ إِذ يَحملونه

إِلى حُفرةٍ ملحودةٍ وسقوفِ

ومنهنَّ : اُمّ كلثوم اُخت عمرو بن عبد ود العامري ، فإنّه لمّا قتل أخاها عليٌّ (ع) يوم الخندق ، وقفت عليه فرأته لم تُسلب منه ثيابُه ولا درعه ، فسألت عن قاتله ، فقيل لها علي بن أبي طالب ، فأنشأت تقول :

لو كانَ قاتلُ عمرٍو غيرَ قاتلِهِ

لكنتُ أبكي عليهِ آخرَ الأبدِ

لكنّ قاتلَهُ مَنْ لا يُعابُ بهِ

قدْ كان يُدعَى أبوهُ بيضةَ البلدِ

منْ هاشمٍ في ذُراهَا وهي صاعدةٌ

إلى السّماءِ تُميتُ النّاسَ بالحسدِ

قومٌ أبى اللهُ إلاّ أنْ يكون لهمْ

كرامةُ الدِّينِ والدُّنيا بلا لددِ

يا أمّ كلثومَ ابكيهِ ولا تَدَعي

بُكاءَ معولةٍ حرّى على ولد

وقالت أيضاً :

أسدانِ في ضيْقِ المجالِ تصاوَلا

وكلاهُما كفوٌ كريمٌ باسل

فَتَخالَسا سلبَ النُّفوسِ كِلاهما

وَسط المجالِ مجالدٌ ومقاتلُ

وَكِلاهما حسرَ القناعَ حفيظةً

لَم يثنهِ عَن ذاك شغلٌ شاغلُ

فاذهبْ عليٌّ فما ظفرتَ بمثلِهِ

قولٌ سديدٌ ليس فيه تحاملُ

ومنهنّ : وهي أعظمهنَّ وجداً وأشدّهنّ حزناً ، عقيلة بني هاشم زينب بنت أمير المؤمنين (ع) ، التي رأت أخاها الحسين جثّة بلا رأس ، مرضوض الجسم بحوافر الخيل ، وقفت عليه وجعلت تندبه وتُنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب : يا مُحمّداه! صلّى عليك مليك السّماء ، هذا حُسينك مرمّل بالدماء ، مُقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذُرّيّتك مُقتّلة

٦٥٢

تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسينٌ محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرّداء. بأبي مَن لا هو غائب فيُرتجى ، ولا جريح فيُداوى! بأبي المهموم حتّى قضى! بأبي العطشان حتّى مضى! بأبي مَن شيبته تقطر بالدّماء.

وثواكلٍ بالنّوحِ تُسعدُ مثلَها

أرأيتَ ذا ثكلٍ يكونُ سَعيدَا

حنَّتْ فلَمْ تَرَ مثلَهنَّ نوائحاً

إذْ ليسَ مثلُ فقيدِهنَّ فقيدَا

إنْ تنْعَ أعطَتْ كلَّ قلبٍ حَسْرةً

أو تدْعُ صدَّعتِ الجِبالَ المِيدَا

وليكن هذا آخر الجزء الرّابع من المجالس السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النّبويّة ، وبه تمّ القسم المتعلّق بمُصيبة الحسين (ع) من الكتاب. ولمْ نألُ جهداً في اختياره وانتقائه وترتيبه حسبما وصلت إليه مقدرتُنا القاصرة ، والله المسؤول أنْ ينفع به إخوان الدِّين ، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم ، ويحشرنا في زمرة محمّد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. ووافق الفراغ منه آخر نهار الاثنين ، الثّامن من شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٣٤٣ من الهجرة ، بمدينة دمشق المحميّة ، ووافق الفراغ من إعادة النّظر فيه ثانياً ، والزيادة عليه عصر يوم السّبت الرّابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة ١٣٦٢ من الهجرة بمدينة دمشق أيضاً ، حماها الله تعالى ، وكتب بيده الدّاثرة مؤلفه الفقير إلى عفو ربّه الغني محسن ابن المرحوم السيّد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي نزيل دمشق ، تجاوز الله عنه ، حامداً مُصليّاً مُسلّماً. كان الفراغ من طبع هذا الجزء للمرة الثّالثة يوم الخميس ، الواقع في السّادس عشر من شهر جمادى الاُولى سنة ١٣٧٣ هجرية.

* * *

٦٥٣
٦٥٤

المضامين

الجزء الأول

مقدمة الطبعة الجديدة......................................................... ٧

السيد محسن الامين........................................................... ٨

مقدمة مهمة................................................................ ١١

مولد الحسين (ع) وشهادته ومدة حياته........................................ ١٣

كنية الحسين (ع) ولقبه وشاعره وبوابه ونقش خاتمه وملوك عصره واولاده........ ١٥

مبيت النبي (ص) في بيت علي (ع) واستسقاء الحسن (ع)....................... ١٦

صفة الحسين (ع) وفضل الحسنين عليهما‌السلام...................................... ١٨

فضل الحسنين عليهما‌السلام........................................................ ١٩

فضل الحسين (ع) واهل البيت عليهم‌السلام......................................... ٢٠

كرم الحسين (ع) وعبد الله بن جعفر.......................................... ٢٢

فضل الحسين (ع).......................................................... ٢٣

ما جاء في كرم الحسنين عليهما‌السلام............................................... ٢٤

ما جاء في كرم الحسين (ع).................................................. ٢٦

تواضع الحسين (ع) وكرم اخلاقه وعبادته واباوه الضميم........................ ٣٢

شجاعة الحسين (ع) وكرمه................................................. ٣٤

خطبة للحسين.............................................................. ٣٦

ما جرى بين الحسين (ع) وبين معاوية......................................... ٣٨

خبر الحسين (ع) مع تافع بن الأزرق الخارجي................................. ٤٠

ما جرى بين الحسين (ع) وبين معاوية......................................... ٤١

خطبة يزيد بنت عبدالله بن جعفر............................................. ٤٤

حديث الرضا (ع).......................................................... ٤٦

٦٥٥

دخول دعبل على الرضا (ع) فى ايام عاشوراء.................................. ٤٨

بكاء الصادق على الحسين (ع) ودعاؤه لزواره وفضل زيارته وصوم يوم عاشوراء.. ٥٠

مرور سليمان بن قتة وابن الهبارية بكربلاء..................................... ٥٢

فضل انشاد الشعر في الحسين (ع)............................................ ٥٤

امتناع الحسين (ع) عن بيعة يزيد............................................. ٥٥

كلام محمد بن الحنفية مع الحسين (ع) حين عزم على الخروج من المدينة.......... ٥٦

وصية الحسين (ع) لابن الحنفية............................................... ٥٧

وصول الحسين (ع) الى مكة وكلام العباد له................................... ٥٨

كلام ابن حنفية مع الحسين حين عزم على الخروج الى العراق وفعل ابن عمر معه... ٦٠

كتاب الحسين (ع) الى أهل البصرة........................................... ٦١

خطبة يزيد بن مسعود بالبصرة وجواب القبائل له وكتاب للحسين (ع)........... ٦٢

ارسال الحسين (ع) مسلم بن عقيل الى الكوفة................................. ٦٣

وصول مسلم بن عقيل الى الكوفة............................................. ٦٤

فعل ابن زياد مع هاني بن عروة............................................... ٦٥

خروج مسلم بن عقيل لحرب ابن زياد......................................... ٦٧

تفرق الناس عن مسلم....................................................... ٦٨

مقتل مسلم بن عقيل........................................................ ٧٠

ادخال مسلم على ابن زياد واجوبته له......................................... ٧١

مقتل هاني بن عروة......................................................... ٧٢

ارسال رأسي هانيء ومسلم ليزيد............................................. ٧٤

خطبة الحسين (ع) أصحابه لما خرج مكة الى العراق............................ ٧٦

كتاب الحسين (ع) الى اهل الكوفة........................................... ٧٨

مخاطبة عبدالله بن مطيع للحسين (ع).......................................... ٨٠

ملاقات زهير بن اليقين للحسين (ع)......................................... ٨٠

ملاقات زهير بن القين للحسين (ع) في الطريق................................. ٨٢

٦٥٦

بلوغ الحسين (ع) قتل مسلم وهاني........................................... ٨٤

مقتل عبدالله بن يفطر وم فعله الحسين (ع) لما بلغه ذلك......................... ٨٤

ملاقاه الحر الحسين (ع)..................................................... ٨٦

وصول الحسين (ع) كربلاء وخطبته.......................................... ٩٢

ما جرى بعد نزول الحسين (ع) كربلاء....................................... ٩٤

مجيء ابن سعد لقتال الحسين (ع) على القوم................................... ٩٨

اجتماع الحسين (ع) وابن سعد............................................. ١٠٠

ما جرى يوم التاسع من المحرم............................................... ١٠٢

ما جرى ليلة العاشر من المحرم............................................... ١٠٤

خطبة الحسين (ع) يوم عاشوراء واحتجاجه.................................. ١٠٦

خطبة الحسين (ع) يوم عاشوراء............................................ ١١٠

رجوع الحر الى الحسين (ع)................................................ ١١٣

رجوع الحر الى الحسين (ع) وخطابه لأهل الكوفة............................ ١١٥

مقتل وهب بن حباب الكليبي وعمرو بن قرظه................................ ١١٥

مقتل جون مولى أبي ذر وشاب قتل ابوه في المعركة............................ ١١٧

صفة القتال يوم عاشوراء................................................... ١١٩

مقتل سويد بن عمرو...................................................... ١٢١

مقتل مسلم بن عوسجة.................................................... ١٢٣

مقتل زهير بن اليقين....................................................... ١٢٥

مقتل حبيب بن مظاهر..................................................... ١٢٦

مقتل علي بن الحسين (ع)................................................. ١٢٧

مقتل القاسم بن الحسين (ع)............................................... ١٢٩

ترجمة العباس (ع) وخصائصه.............................................. ١٣١

٦٥٧

مقتل العباس (ع) واخوته لامة وابيه......................................... ١٣٣

ما روي عن الصادق والسجاد (ع) في حق العباس (ع)....................... ١٣٧

مقتل محمد بن أبي سعيد بن عقيل........................................... ١٣٨

ما جرى للحسين (ع) بعد قتل أنصاره واهل بيته............................. ١٣٩

قتل الحسين (ع).......................................................... ١٤٠

ما جرى يوم عاشوراء بعد قتل الحسين (ع).................................. ١٤٥

خطبة زينب عليها‌السلام بالكوفة................................................. ١٥٢

خطبة فاطمة الصغرى (ع) بالكوفة......................................... ١٥٤

خطبة ام كلثوم عليها‌السلام بالكوفة............................................... ١٥٦

خطبة علي بن الحسين (ع) بالكوفة......................................... ١٥٦

مجيء السبايا والرؤوس الى ابن زياد بالكوفة................................... ١٥٨

دخول نساء الحسين (ع) وصبيانه على ابن زياد بالكوفة....................... ١٥٩

مقتل عبدالله بن عفيف الازدي............................................. ١٦١

الطواف برأس الحسين (ع) في الكوفة....................................... ١٦٣

وصول الخبر يقتل الحسين (ع) للمدينة وخطبة عمرو بن سعيد................. ١٦٥

ارسال السبايا والرؤوس للشام.............................................. ١٦٦

مجيء السبايا الى يزيد بالشام................................................ ١٦٧

دخول السبايا على يزيد.................................................... ١٦٩

وضع الرؤوس بين يدي يزيد................................................ ١٧١

خطبة زينب عليها‌السلام في الشام................................................. ١٧٣

ما جرى لفاطمة وزينب عليها‌السلام فى مجلس يزيد................................. ١٧٥

خطبة زين العابدين (ع) في الشام........................................... ١٧٦

خبر المنهال مع زين العابدين (ع) ووعد يزيد إياه بقضاء ثلاث حاجاته.......... ١٧٨

زيارة جابر لقبر الحسين (ع)............................................... ١٨٠

٦٥٨

رجوع اهل البيت عليهم‌السلام الى المدينة.......................................... ١٨٢

رجوع اهل البيت عليهم‌السلام الى المدينة وخطبة زين العابدين....................... ١٨٣

بكاء زين العابدين على أبيه (ع)............................................ ١٨٤

كتاب يزيد الى ابن عباس بعد قتل الحسين (ع) وجوابه........................ ١٨٦

حرث المتوكل قبر الحسين (ع)............................................. ١٨٨

حزن الهاشميات على الحسين (ع) حتى قتل ابن زياد........................... ١٩٠

خبر المنهال مع المختار وقتل حرملة.......................................... ١٩٠

الجزء الثاني

مودة أهل البيت عليهم‌السلام..................................................... ١٩٨

قصة نوح (ع) والطوفان................................................... ٢٠١

بناء ابراهيم واسماعيل البيت................................................. ٢٠٣

السبب في ابتلاء يعقوب بفراق يوسف وآية يوفون بالنذر...................... ٢٠٥

قصة يوسف.............................................................. ٢٠٧

هاشم جد النبي (ص)...................................................... ٢١٥

مبعث النبي (ص).......................................................... ٢١٥

القاء المشركين السلا على النبي (ص) وثأر أبي طالب منهم..................... ٢٢٠

حصر بني هاشم في الشعب................................................. ٢٢٢

الهجرة الى الحبشة.......................................................... ٢٢٥

تأمر قريش على النبي (ص) وهجرته الى المدينة................................ ٢٢٧

مبيت علي على الفراش ليلة الغار............................................ ٢٢٩

مسير علي (ع) بالفواطم الى المدينة.......................................... ٢٣١

خبر ام معبد الخزاعية يوم الهجرة وصفة النبي (ص)............................ ٢٣٣

غزوة بدر................................................................ ٢٣٦

خبر أبي العاص بن الربيع................................................... ٢٣٨

خبر زينب بنت النبي (ص) يوم الهجرة....................................... ٢٤٠

٦٥٩

وقعة أحد................................................................ ٢٤٢

وقعة الخندق.............................................................. ٢٥٠

غزوة بني قريظة........................................................... ٢٥٥

وقعة خيبر................................................................ ٢٥٧

غزاة مؤتة................................................................ ٢٥٩

فتح مكة................................................................. ٢٦٢

وقعة حنين................................................................ ٢٦٧

غزاة تبوك................................................................ ٢٦٩

أبوذر.................................................................... ٢٧٦

غزوة ذات السلاسل....................................................... ٢٨٤

حديث المباهلة............................................................ ٢٨٦

حجة الوداع وحديث الغدير............................................... ٢٨٨

رسول النساء............................................................. ٢٩١

خبر سفانة بنت حاتم الطائي................................................ ٢٩٣

حسن الخلق وجملة من محاسر أخلاق النبي (ص).............................. ٢٩٥

حرب الجمل.............................................................. ٢٩٧

أحوال مالك الاشتر....................................................... ٣٠٦

فعل عمرو بن يثري يوم الجمل.............................................. ٣٠٩

الزنوج في معركة الاسلام.................................................. ٣١٣

حقيقة عظمة ثورة الحسين.................................................. ٣١٦

ولاة المدينة في عهد الامويين................................................ ٣١٩

ثورة الحسين والسلطة الارهابية التي عايشتها.................................. ٣٢٣

دوافع الثورة.............................................................. ٣٢٧

الصدام الاول............................................................. ٣٣١

٦٦٠