السيد محسن بن عبد الكريم الأمين
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٦٨
استشرته فيه ؛ فمنهم النّاهي عنه ، ومنهم الآمر به ، واختلافهم أوّل ما كرهته. فعلم عبد الله أنّه قد خُدع ، وشاع أمره في النّاس وعظم لومهم لمعاوية ، فقال : لَعمري ، ما خدعته. فلمّا انقضت أقراء اُرينب ، وجّه معاوية أبا الدّرداء إلى العراق خاطباً لها على ابنه يزيد ، فقدمها وبها يومئذ الحسين بن علي عليهماالسلام ـ وهو سيّد أهلها فقهاً وجوداً ـ فقال أبو الدّرداء : هذا ابن بنت رسول الله (ص) ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، فلست بناظر في شيء قبل التّسليم عليه. فلمّا رآه الحسين (ع) ، قام إليه فصافحه ورحَّب به ، فأخبره أبو الدّرداء بما جاء له ، وأنّه رأى أنْ لا يبدأ بشيء قبل التّسليم عليه ، فشكر له الحسين (ع) ذلك ، وقال : «اخطب رحمك الله عليَّ وعليه ، وأعطاها من المهر مثل ما بذل لها». فلمّا دخل عليها ، قال : خطبك أمير هذه الاُمّة وولي العهد يزيد بن معاوية ، وابنُ بنت رسول الله (ص) ، وابن أوّل مَن آمن به ، وسيّد شباب أهل الجنّة. فقالت : قد فوّضت أمري بعد الله إليك. فقال : ابن بنت رسول الله (ص) أحبّهما إلي ، وقد رأيت رسول الله (ص) واضعاً شفتيه على شفتي الحسين (ع) ، فضعي شفتَك حيث وضعها رسول الله (ص). قالت : قد رضيتُه. فتزوّجها الحسين (ع) ، وبلغ ذلك معاوية فتعاظمه. وكان عبد الله بن سلام قد استودعها بدراً من المال ، وكان معاوية قد جفاه لسوء قوله فيه ، فرجع إلى العراق وهو يخاف جحودها لِما سلف منه ، فلمّا قدم لقي الحسين (ع) وذكر له ذلك ، فأخبرها الحسين (ع) به ، فقالت : إنّه لمطبوعٌ عليه بطابعه. فأدخله عليها ، فأخرجت البدر ووضعتها بين يديه ، وخرج الحسين (ع) ، فحثا لها عبد الله من ذلك الدّر حثوات ، وقال : خُذي هذا ، فهو قليل منّي. واستعبرا جميعاً ، فدخل الحسين (ع) وقد رقّ لهما ، فقال : «اُشهد الله أنّها طالق. اللهمّ ، إنّك تعلم أنّي لم أتزوّجها رغبة في مالها وجمالها ، وإنّما أردت إرجاعها إلى بعلها ، فأوجب لي بذلك الأجر». ولم يأخذ ممّا ساق إليها شيئاً ، فتزوّجها عبد الله بن سلام. ومن هذا وشبهه كانت الأحقاد تزداد في قلب يزيد على الحسين (ع) ، حتّى أظهر الشّماتة والفرح يوم جيء إليه برأس الحسين (ع) ونسائه ، ومَن تخلّف من أهل بيته ، فوضع الرّأس الشّريف بين يديه ، وأجلس النّساء خلفه لئلاّ ينظرنَ إليه ، فجعل يقول :
ليتَ أشياخي ببدرٍ شَهدوا |
|
جَزعَ الخزْرجِ منْ وقْعِ الأسلْ |
لأهلّوا واسْتهلّوا فرحاً |
|
ثمّ قالوا يا يزيدُ لا تشلْ |
قدْ قتلْنا القَرمَ منْ ساداتِهم |
|
وعَدلْناهُ ببدْرٍ فاعتَدَلْ |
لعبتْ هاشمُ بالمُلكِ فلا |
|
خبرٌ جاء ولا وحيٌ نَزلْ |
وكان في السّبايا الرّباب زوجة الحسين (ع) ، وهي التي يقول فيها الحسين (ع) وفي ابنتها سكينة :
لَعمرُكَ إنَّني لاُحبُّ داراً |
|
تحلُّ بها سُكينةُ والرَّبابُ |
اُحبُّهُما وأبذلُ فوقَ جَهدي |
|
وليسَ لعاذلٍ عندي عِتابُ |
ولستُ لهمْ وإنْ عتبُوا مُطيعاً |
|
حياتي أو يُغيِّبُني التُّرابُ |
فيُقال : إنّ الرّباب أخذت الرّأس ووضعته في حجرها وقبّلته ، وقالت :
وا حُسيناً فلا نسيتُ حُسينا |
|
أقصدتْهُ أسنَّةُ الأعداءِ |
غادرُوهُ بكربلاءَ صريعاً |
|
لا سقَى اللهُ جانبي كربلاءِ |
المجلس الخامس والعشرون بعد المئتين
من قصيدة لمؤلف الكتاب :
أقصرِي عن ملامِهِ أو فزيدي |
|
أيُّ لومٍ يُجدي بصبِّ عميدِ |
رحلوا بالشّموسِ وهي وجوهٌ |
|
في قبابٍ على الجِمالِ القودِ |
لستُ أدري هوادجٌ أمْ بروجٌ |
|
يتهادَينَ في عراضِ البيدِ |
فتَزوَّد منهمُ ليومٍ سيمضِي |
|
وتزوّد منهمُ ليومٍ جديدِ |
لو يقولون ما الذي تتَمنى |
|
قُلتُ أيّامنا بذي البانِ عودي |
يا خليلَيَّ عرِّجا بزرودٍ |
|
حبَّذا وقفةٌ برملٍ زرودِ |
وخليلٌ أمسَى يذمُّ لي الدَّهرَ |
|
ويُزري بفعلِ دهرٍ كنودِ |
قلتُ ما ترتجيهِ منْ دهرِ سُوءٍ |
|
يرتضي عن حُسينهِ بيزيدِ |
بنديمِ الشَّرابِ والعودِ والنرْ |
|
دِ وربِّ القُرودِ ربِّ الفهود |
ماذا يرتجي المرء من زمان يكون الخليفة فيه على المسلمين ، والحاكم في دمائهم وأموالهم ، والحامل لقب أمير المؤمنين ، هو يزيد بن معاوية المتجاهر بالفجور وشرب الخمور ، وضرب العود واللعب بالنّرد والفهود؟! قال ابن الفوطي في تاريخه : كان ليزيد قرد يُكنيّه أبا قيس ، ويسقيه فضل كأسه ، ويُركبه على أتان وحشيّة قد رُيّضت له ، ويسابق بها الجياد في الحلبة. وقال فيه بعض الشّعراء :
تمسَّك أبا قيسٍ بفضلِ زِمامِها |
|
فليس عليها إنْ سقطْتَ ضمانُ |
ألا مَن رأى القُردَ الذي سبقتْ بهِ |
|
جيادَ أميرِ المؤمنينَ أتانُ |
وقد قلبته الرّيح يوماً عن ظهرها فمات ، فحزن عليه يزيد حزناً شديداً ، وأمر
بتكفينه ودفنه ، وأمر النّاس أن يُعزُّوه به ، وأنشأ يقول :
ما شيخُ قومٍ كرامٍ ذو محافَظةٍ |
|
إلاّ أتانا يُعزِّي في أبي قيسِ |
لا يُبعدُ اللهُ قبراً أنتَ ساكنُهُ |
|
فيه جمالٌ وفيه لحيةُ التَّيسِ |
وأي زمان أسوأ من زمانٍ قدّم يزيد ـ الذي هذه بعض صفاته وقبائحه ، فضلاً من مجاهرته بالكفر والإلحاد ـ على سبط الرّسول (ص) ، ونجل الزّهراء البتول عليهاالسلام ، أحد السّبطين والرّيحانتين ، سيّد المسلمين في عصره ، مَن حاز من جميع الصّفات أفضلها وأعلاها ، وأكملها وأسناها ، الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) حتّى مكّن منه جيش يزيد بن معاوية ـ جيش الضّلال والفساد ، والكفر والإلحاد ـ فقتله عطشان ظامياً ، وحيداً فريداً غريباً ، وقتل جميع أنصاره وأهل بيته ، وساق حَرمَه كالسّبايا ، وطاف برأسه ورؤوس أهل بيته في البُلدان ، فحقّ لنا أن نقول :
قلتُ ما ترتجيهِ من دهرِ سوءٍ |
|
يرتضي عنْ حُسينهِ بيزيدِ |
بنديمِ الشَّرابِ والعودِ والنَّرْ دِ |
|
وربِّ القرودِ ربِّ الفهودِ |
وهو اختارَ قبل ذاكَ سفاهاً |
|
عنْ عليٍّ سليلَ هنْدِ الهنودِ |
لم تُصدِّقْ اُميّةُ بالنَّبيِّ المُصْطفى |
|
وهيَ لمْ تَزلْ في جحودِ |
أظهرتْ سِلمَها نفاقاً وخوفاً |
|
منْ سيوفٍ تجْتَثَّ حبلَ الوريد |
كان أبو سفيان أعدى النّاس لرسول الله (ص) ، وقد قاد الجيوش لحربه يوم اُحد ويوم الخندق ، وأسلم يوم الفتح كارهاً هو وولده ، حتّى أنّه لمّا أجاره العبّاس يوم الفتح ، وأركبه خلفه على بغلة رسول الله (ص) ، وقال له النّبي (ص) : «ألم يأنَ لك أنْ تعلم أنّي رسول الله؟!». قال : أمّا هذه ففي النّفس منها شيء. فقال له العبّاس : ويحك! أسلم قبل أنْ تُقتل. فأظهر الإسلام خوفاً على خيط رقبته. ولمّا بويع الخليفة الثّالث ، قال : تلقَّفوها يا بني اُميّة ؛ فوالله ، ما من جنّة ولا نار. ووقف على قبر حمزة فرفسه برجله ، وقال : يا أبا عمارة ، إنّ الذي تقاتلنا عليه يوم بدر قد صار في أيدي صبياننا.
قَتلَتْ حمزةَ لدَى يومِ اُحدٍ |
|
أسدَ اللهِ خيرَ ميتٍ شهيدِ |
وبهِ مثَّلتْ عِناداً وبغياً |
|
وشفتْ غيظَها بأكلِ الكُبودِ |
كان حمزة بن عبد المطّلب ـ عمّ رسول الله (ص) ـ من أشجع بني هاشم ، وكان
ناصرَ رسول الله (ص) ، والمحامي عنه في المشاهد التي شهدها يوم بدر واُحد ، وكان يُلقّب : أسد الله وأسد رسوله. وهو الذي برز مع ابن أخيه علي بن أبي طالب (ع) ، وابن عمّه عبيدة بن الحارث بن المطّلب يوم بدر لمبارزة عتبة بن ربيعة ، وأخيه شيبة ، وابنه الوليد بن عتبة حين طلبوا أكفاءهم من قريش ؛ فقتل حمزة عتبة وأعانه على قتله علي (ع) ، وقتل علي (ع) الوليد ، وضرب عبيدة رأس شيبة ففلقه ، وكرّ حمزة وعلي عليهماالسلام على شيبة فأجهزا عليه. ولمّا اُخّر علي (ع) عن مقامه ، كان يقول : «وا حمزتاه! ولا حمزة لي اليوم».
ولمّا كان يوم اُحد ، جعلت هند بنت عتبة ـ زوجة أبي سفيان ـ لوحشي جعلاً إنْ قتل أحد الثّلاثة : رسول الله أو حمزة أو عليّاً ، فقال : أمّا محمَّد فلا حيلة لي فيه ؛ لأنّ أصحابه يطيفون به ؛ وأمّا علي فلأنّه أحذر من الذّئب ؛ وأمّا حمزة فإنّي أطمع فيه ؛ لأنّه إذا غضب لم يُبصر بين يديه. وكان حمزة قد أعلم بريشة نعامٍ في صدره ، وهو يهدّ النّاس بسيفه ، ما يلقى أحداً يمرّ به إلاّ قتله ، فرماه وحشيٌّ بحربةٍ غيلة فقتله. ومثّلت هند بحمزة ؛ فبقرت عن كبده فلاكتها ، فلم تستطع أنْ تسيغها فلفظتها. وصارت تُلقّب بآكلة الأكباد ، وصار وَلدها يُعيِّرونه بذلك ، وجدعت أنف حمزة وأذنيه.
ثُمَّ عادتْ فأظهَرتْ ما أجنَّتْ |
|
مُذْ غدا المُصطفَى رهينَ اللِّحودِ |
يومَ صفِّينَ يومَ بدْرٍ واُحد |
|
وعليهِ ما فيها من مَزيدِ |
لعَنتْ حيدراً على مِنبرِ الْ |
|
إسلامِ في كلِّ مجمعٍ مشهودِ |
وهي في لعْنِها تُكنِّي وتعنِي |
|
خاتمَ الأنبْياءِ فخْرَ الوُجودِ |
فغدتْ للحضيضِ تهْوي صغاراً |
|
أبداً وهو لمْ يزلْ في صُعودِ |
ما صَعدتُمْ منْ ذي المنابرِ لولا |
|
سيفُهُ يا اُميّة فوقَ عُود |
لمّا توفّي النّبي (ص) ، وجد بنو اُميّة سبيلاً إلى الانتقام من الإسلام ومن نبيّ الإسلام وسائر بني هاشم ، فاجتهدوا جهدهم في ذلك ، وحاربوا الإسلام ووصيَّ النّبيِّ رسول الإسلام بسيف الإسلام ، وتحت لواء الإسلام ، فنابذ صاحب الشّام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وفرّق كلمة المسلمين ، وجيّش الجيوش عليه يوم صفّين ؛ مظهراً للطلب بدمّ الخليفة الثّالث. وصاحب الشّام هو الذي خذله لمّا استنصره ، وكان يعلم براءة علي (ع) من ذلك براءة الذّئب من دمِ يوسف. فكما حارب بنو اُميّة الإسلام يوم بدر واُحد تحت راية الكفر ، وحاربوا الإسلام يوم صفّين تحت راية الإسلام ، وهذا معنى قوله :
يومَ صفِّينَ يومَ بدْرٍ واُحدٍ |
|
وعليهِ ما فيها من مَزيدِ |
ثمّ سنَّ بنو اُميّة لَعْن علي بن أبي طالب (ع) على المنابر في الأعياد والجُمُعات ، فجعلوه فرضاً كفرض الصّلاة ، وإنّما هم يعنون بذلك نبيّ الإسلام (ص) ؛ ولمّا لم يمكنهم التّصريح بذلك ، كنّوا عنه بلعن علي بن أبي طالب (ع). وقد قال النّبي (ص) لعلي (ع) : «يا علي ، مَن سبّك فقد سبّني». فهذه المنابر التي سبّوه فوق أعوادها هي منابر الإسلام الذي قام بسيف علي بن أبي طالب (ع) ، ولولا سيفه ما تسنَّم بنو اُميّة ذروة هذه المنابر ، ولكن سبّهم له ما زاده إلاّ رفعة وسمّواً ، وما زادهم إلاّ ذلّة وصغاراً.
قال عبد الله بن عروة بن الزّبير لابنه : يا بُني ، عليك بالدِّين ؛ فإنّ الدُّنيا ما بنت شيئاً إلاّ هدمه الدّين ، وإذا بنى الدِّين شيئاً لا تستطيع الدُّنيا هدمه. ألا ترى علي بن أبي طالب وما يقول فيه خطباء بني اُميّة من ذمّه وغيبته؟! والله ، لكأنّما يأخذون بناصيته إلى السّماء. ألا تراهم كيف يندبون موتاهم ويرثيهم شعراؤهم؟! والله ، لكأنّما يندبون جيف الحمر.
ثُمَّ دسَّت سُمَّاً إلى الحسنِ السِّبْ |
|
طِ وخانتْ ما أوثقَتْ من عُهودِ |
لمّا صالح الحسن بن علي عليهماالسلام معاوية ، شرط عليه أنْ لا يعهد بعده بالخلافة إلى أحد ، فلمّا أراد أنْ يعهد بالخلافة إلى ابنه يزيد ، دسّ السّمَّ إلى الحسن (ع) على يد زوجته جعدة بنت الأشعث ، فقضى (ع) شهيداً بذلك السّمِّ.
وتمادَى الزَّمانُ حتَّى انتهَى |
|
الْ أمرُ لبلوى حبَّابةٍ ويزيدِ |
هو يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم. في كتاب الأغاني : إنّ يزيد هذا لمّا ولي الخلافة ، قال : ما تقرّ عيني بما اُوتيت من الخلافة حتّى أشتري سلاّمة وحبّابة ـ وهما جاريتان مُغنّيتان ـ فاشتُريتا له ، وغنّته حبّابة يوماً وهو يشرب ، فطرب وأخذ منه الشّراب ، وجعل يدور في القصر ويصيح وشقَّ حلّته ، وقال لها : أتأذنين أنْ أطير؟ قالت : وإلى مَن تدعْ النّاسَ؟ قال : إليكِ. وطرب يوماً من غناء حبّابة ، فأخذ وسادة فصيّرها على رأسه ، وقام يدور في الدّار ويرقص حتّى دار الدّار كلّها. وقال ابن الأثير : قال يزيد بن عبد الملك يوماً ـ وقد طرب وعنده حبّابة وسلاّمة ـ : دعوني أطير. قالت حبّابة : على مَن تدَع الاُمّة؟ قال : عليك. وغنَّته يوماً :
وبينَ التَّراقي واللّهاةِ حَرارةٌ |
|
مكانَ الشَّجا ما إنْ تبوحُ فتبْرَدُ |
فأهوى ليطير ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، إنّ لنا فيك حاجة. فقال : والله ، لأطيرنَّ. فقالت : على مَن تخلف الاُمّة والمُلك؟ قال : عليك والله. وقبّل يدها. وخرجت معه إلى متنزه فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها ، فشرقت ومرضت وماتت ، فتركها ثلاثة أيّام لم يدفنها حتّى أنتنَّت وهو ينظر إليها ويبكي فكُلّم في أمرها حتّى أذن في دفنها. وبقي بعدها خمسة عشر يوماً ومات ، ودُفن إلى جانبها.
وامتَلأَ الكونُ بالفضائحِ واسوَدْ |
|
دَ بها وجهُهُ لفعلِ الوليدِ |
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان. قال ابن الأثير : لمّا ولي هشام بن عبد الملك الخلافة ، ظهر من الوليد مجون ، وشرِبَ الشّرابَ ، واتَّخذ له ندماء. فأراد هشام أنْ يقطعهم عنه فولاّه الحجَّ ، فحمل معه كلاباً في صناديق ، وعمل قبّة على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة ، وحمل معه الخمر. وأراد أنْ ينصب القبّة على الكعبة ويشرب فيها الخمر ، فخوَّفه أصحابه وقالوا : لا نأمن النّاس عليك وعلينا. وقال ابن الأثير أيضاً : مما اشتُهر عنه ، أنّه فتح المصحف فخرج (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) فألقاه ورماه بالسّهام ، وقال :
تُهددُني بجبَّارٍ عنيدِ |
|
فها أنَا ذاك جبَّارٌ عنيدُ |
إذا ما جِئتَ ربَّكَ يومَ حشرٍ |
|
فقُلْ يا ربِّ مزَّقَني الوليدُ |
ومن أعمال الوليد هذا ، أنّه لمّا قُتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين عليهمالسلام ، وبُعث برأسه إلى الوليد ، بعث به الوليد إلى المدينة ، فجُعل في حجر اُمّه ريطة ، فنظرت إليه وقالت : شرَّدتموه عنّي طويلاً وأهديتموه إليّ قتيلاً! صلوات الله عليه وعلى آبائه بكرة وأصيلاً. فهذه مفخرةٌ من مفاخر بني اُميّة تُضاف إلى باقي مفاخرهم.
فلْتُفاخِرْ أشياعُهُمْ ما استَطاعتْ |
|
ولتُناضلْ بما لها من جُهودِ |
بوجوهٍ منَ القبائحِ سُودٍ |
|
وبجمعٍ من المَخازي عتيدِ |
ليسَ ما قدْ أتتْ اُميّةُ ممّا |
|
قدْ أتاهُ منْ بعدِهمْ ببعيدِ |
تبعَ اللاحقونَ فيما جَنوهُ |
|
ما أتَى السَّابقون منْ تمهيدِ |
وسَرَوا مُعنقينَ في ظُلْمِ أهلِ |
|
ال بيتِ منْ مُبدئٍ لهمْ ومُعيدِ |
اُمراءٌ للمسلمينَ تسَمَّوا |
|
يا لها خِزْيةً وتعسَ جدودِ |
منْ كفورٍ بالمُنكراتِ جهورٍ |
|
وعنودٍ عنْ الصَّوابِ جَحودِ |
أيْ لَعمرِي فليس هذا عجيباً |
|
من اُميَّ الشَّقا وآلِ الطَّريدِ |
قتلتْ هاشمٌ اُميَّاً على الإسْ |
|
لامِ في كلِّ يومِ حربٍ مُبيدِ |
فتلظَّتْ بالغيظِ منها قلوبٌ |
|
وامتَلتْ من ضغائنٍ وحقودِ |
فمُذْ استمْكَنتْ جزتْها بسيفِ |
|
الْ كُفرِ ذاك المُخبَّأِ المغمُودِ |
إنَّما أعجبُ العجيبِ اُناسٌ |
|
آمنُوا بالرَّسولِ والتَّوحيدِ |
آمنُوا بالكتابِ والحشرِ والنَّشْرِ |
|
وبالوعد كلِّها والوعيدِ |
يتولَّونَ مِنْ اُميَّةَ مَنْ ذ |
|
لكَ مِنْ فعلِهِ بلا تفْنيدِ |
بعضُهمْ عنْ عمَى قلوبٍ وبعضٍ |
|
عنْ عنادٍ والبعضُ بالتَّقليدِ |
زعَمُوا خيرَ اُمَّةٍ اُخرجت للنَّا |
|
سِ هُمُ لا وربِّنا المعبودِ |
اُمَّةٌ تلعنُ الوصيَّ ترَى ذ |
|
لك دِيْناً نَأتْ عنْ التَّسديدِ |
اُمَّةٌ يغتَدي خليفتُها مثلَ |
|
يزيدٍ ما حظّها بسعيدِ |
اُمَّةٌ تقتلُ ابنَ بنتِ رسولِ اللهِ |
|
ظُلماً لشرِّ بيضٍ وسودِ |
إنَّما خيرُ اُمَّةٍ خُصَّ أهلِ |
|
البيْت عندَ التَّخصيصِ والتَّقييدِ |
بمَا تلقَونَ أحمداً وجعلتُم |
|
يومَ قتلِ ابنهِ لكمْ يوم َعيدِ |
لمْ يكُنْ فيكُمُ ابنُ بنْتِ نبيٍّ |
|
غيرَ هذا ولا لهُ منْ نديدِ |
أيُّ ظامٍ قتلتمُ بيدِ البغْ ي |
|
مُحلىً عن الفُراتِ مذودِ |
صال فيهمْ وما لهُ منْ نصيرٍ |
|
غيرِ رُمحٍ لدُنْ وسيفٍ حديدِ |
مثلُهُ السَّيفِ في مضاءٍ وعزم |
|
وثَباتٍ عندَ اصطدامِ الجُنودِ |
إنَّما السَّيفُ مثلُ حاملِهِ يمْ |
|
ضي بيمْنَى مُشيَّعٍ صِنديدِ |
مُفرَدٍ في الوغَى يُقاتلُ جيشاً |
|
منْ عداهُ ذا عدَّةٍ وعديدِ |
شدَّ فيهمْ وهُمْ ثلاثونَ ألفاً |
|
فدعا جمعَهم إلى التَّبديدِ |
تركَ الجمعَ كالهشيمِ سفتْهُ الريْحُ |
|
سفْواً منْ قائمٍ وحصيدِ |
يُوردُ السَّيفَ والقنا من دماهُمْ |
|
والحشَا منهُ في ظماً للورودِ |
وغدا بينهُمْ وحيداً بنفسِي |
|
وبأهلي فديتُهُ منْ وحيدِ |
قتلُوا خيرَ مَنْ تُظلُّ سماءٌ |
|
يا جبالُ انهاري ويا أرضُ ميدي |
منْ قتيلٍ بقتلِهِ هُدَّ ركنُ |
|
الدِّيْنِ فيهمْ وغاب نجمُ السّعود |
أرعَدوا منهُ وهو مُلقىً على البو |
|
غاءِ ارعادَ خائفٍ رعديدِ |
ما سمعْنا منْ قبلِهِ بقتيلٍ |
|
وصريعٍ مُجبِّنٍ للاُسودِ |
دهرُ سوءٍ أجرى على أشرفِ |
|
الْساداتِ في العالمينَ حُكمَ العبيدِ |
نالتِ الفوزَ عصبةٌ نصرتْهُ |
|
بذلتْ في فداهُ أقصَى الجُهودِ |
ورجالٌ منْ هاشمٍ كسيوفٍ |
|
مُرهفاتٍ قدْ جُرِّدتْ منْ غُمودِ |
كلُّ غضِّ الشباب أحيا من العذ |
|
راءِ أجرا منْ ضيغمٍ ذي لَبودِ |
مترعٍ بالنَّدا بيومِ عطاءٍ |
|
مُسرعٍ للنَّدا إذا هو نُودي |
أريحيُ الفؤادِ أمضَى منَ الصَّا |
|
رمِ أندَى منْ عارضٍ ذي رعودِ |
مادجَتْ ظُلمةٌ منَ النَّقعِ إلاّ |
|
شقَّها منْ حُسامِهِ بعمودِ |
وقَفتْ دونَهُ تقيهِ المنايا |
|
يا لهُ منْ مقامِ عزٍّ مجيدِ |
قال صبراً فلا لقيتُمْ هوانا |
|
بعدَ هذا وعزُّكُمْ في خُلودِ |
فتهاوَوا على الثَّرى كدرارٍ |
|
نثرتْها بروجُها في الصَّعيدِ |
من قتيلٍ مُضرَّج بدماءٍ |
|
وعليلٍ مُصفَّدٍ في القيودِ |
سُعدوا مُذْ تبوَّأوا في جنانِ |
|
الْ خُلدِ داراً في ظلِّها الممدودِ |
آلُ بيتِ النَّبيِّ نُخبةُ هذا الكوْنِ |
|
من سائدٍ بهِ ومَسُودِ |
فهُمُ الضَّاربونَ في يومِ حربٍ |
|
وهُمُ المُنعمونَ في يومِ جُودِ |
وهُمُ القائلونَ في يومِ نُطقٍ |
|
لمقالٍ كنظمِ دُرٍّ فريدِ |
وهُمُ زيَّنوا المنابرَ لمّا |
|
خطبوا فوقَ جمعِها المحشودِ |
وهُمُ علَّموا الخطابةَ والسَّعْيَ |
|
لها كلَّ خاطبٍ معدودِ |
وهُمُ الصائمونَ يومَ هجيرٍ |
|
وهُمُ المؤثرونَ بالموجودِ |
وهُمُ القائمونَ قدْ أحيَوا الليْلَ |
|
ابتهالاً منْ رُكَّعٍ وسُجودِ |
وهُمُ العاملونَ إنْ جهلَ العا |
|
لمُ والمُطعمونَ عندَ الوفودِ |
وهُمُ بعدَ أحمدَ خيرِ خلقِ |
|
الْلهِ طُرّاً برغمِ كلِّ حسودِ |
وهُمُ الثابتونَ إنْ زلَّتِ الأقْ |
|
دامُ في الرَّوعِ يومَ خفقِ البُنودِ |
ما دجا الخطبُ في البريَّةِ إلاّ |
|
كشفوهُ بكلِّ رأيٍ سديدِ |
مِدَحٌ فيهمُ بها الذِّكرُ نادَى |
|
أرغمتْ أنفَ كلِّ خصمٍ عنيدِ |
المجلس السّادس والعشرون بعد المئتين
كان الحسين (ع) سيّد أهل زمانه ، وأفضلهم في علمه وعبادته وشدّة خوفه من الله تعالى وكرمه وسخائه ، ورأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم ، وتواضعه وحلمه ، وفصاحته وبلاغته ، وغير ذلك في صفات الكمال. أمّا إباؤه للضيم ، ومقاومته للظُلم ، وعدم مبالاته بالقتل في سبيل الحقّ والعز ، فقد ضُربت به الأمثال ، وسارت به الرّكبان ، ومُلئت به المؤلّفات ، وخطبت به الخُطباء ونظمته الشُعراء. وكان قدوة لكلِّ أبيٍّ ، ومثالاً يتبعه كلُّ ذي نفس عالية وهمّة سامية ، وكان فعلُه منوالاً ينسج عليه أهل الإباء في كلّ عصر وزمان ، وطريقاً يسلكه كلُّ مَن أبتْ نفسه الرّضا بالدنيَّة ، وتحمّل الذّل والخنوع للظلم. وقد أتى الحسين (ع) في ذلك بما حيّر العقول وأذهل الألباب ، وأدهش النّفوس وملأ القلوب هيبة وروعة ، وأعيا الاُمم عن أنْ يُشاركه مشارك فيه ، وأعجز العالم أنْ يشابهه أحد في ذلك أو يضاهيه ، واُعجب به أهل كلِّ عصر ، وبقي ذكره خالداً ما بقي الدّهر. أبى أنْ يُبايع يزيدَ بن معاوية السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطّنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمُجاهر بالكفر والإلحاد والاستهانة بالدّين ، قائلاً لمروان حين أشار عليه ببيعة يزيد : «وعلى الإسلام السّلام ؛ إذ قد بُليت الاُمّة براع مثل يزيد». وقائلاً لإخيه محمَّد بن الحنفيّة : «والله ، لو لم يكن في الدُّنيا ملجأٌ ولا مأوى ، لَما بايعتُ يزيدَ بن معاوية». في حين أنْ لو بايعه لنال من الدُّنيا الحظَّ الأوفر والنّصيب الأوفى ، ولكان مُعظَّماً مُحترماً عنده ، مرعيَ الجانب محفوظَ المقام ، لا يردُّ له طلب ولا تُخالف له إرادة ؛ لِما كان يعلمه يزيد من مكانته بين المسلمين ، وما كان يتخوفه من مخالفته له ، وما سبق من تحذير أبيه معاوية له من الحسين (ع). فكان يبذل في إرضائه كلَّ رخيص وغالٍ ، ولكنّه أبى الانقياد له ، قائلاً : «إنّا أهل بيت النّبوّة ومعدن الرّسالة ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النّفس المحترمة ، ومثلي لا يُبايع مثله». فخرج من المدينة بأهل بيته وعياله وأولاده ، مُلازماً للطَّريق
الأعظم لا يحيد عنه ، فقال له أهل بيته عليهمالسلام : لو تنكّبته كما فعل ابن الزّبير الذي ذهب على طريق الفرع ؛ لئلاّ يلحقك الطّلب. فأبت نفسه أنْ يُظهر خوفاً أو عجزاً ، وقال : «والله ، لا اُفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاضٍ». ولمّا قال له الحُرُّ : اُذكّرك الله في نفسك ؛ فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقْتلنَّ ، أجابه الحسين (ع) مُظهراً له استهانة الموت في سبيل الحقِّ ونيل العزِّ ، فقال له : «أفبالموتِ تُخوفني؟! وهل يعدو بكم الخطبُ أنْ تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس وهو يُريد نُصرة رسول الله (ص) ، فخوّفه ابن عمّه وقال : أين تذهب فإنّك مقتول. فقال :
سأمضِي وما بالموتِ عارٌ على الفتَى |
|
إذا ما نوَى حقّاً وجاهدَ مُسلمَا |
اُقدِّمُ نفسي لا اُريدُ بقاءَها |
|
لتلقَى خميساً في الوغَى وعرمرَما |
فإنْ عشتُ لمْ أندمْ وإنْ متُّ لمْ اُلَمْ |
|
كفى بك ذلاّ ً أنْ تعيشَ فتُرغَما» |
يقول الحسين (ع) : ليس شأني شأن مَن يخاف الموت ، ما أهون الموت عليّ في سبيل نيل العزِّ وإحياء الحقّ. ليس الموت في سبيل ذلك إلاّ حياة خالدة ، وليست الحياة مع الذّل إلاّ الموت الذّي لا حياة معه ، «أفبالموتِ تخوفني؟!» هيهات! طاش سهمك وخاب ظنّك ، أنا لستُ من الذين يخافون الءئموت ويختارون حياة الذّل خوف الموت ؛ إنّ نفسي لأكبر من ذلك ، وهمّتي لأعلى من أنْ أحمل الضّيم خوفاً من الموت .. وهل تقدرون على أكثر من قتلي؟ مرحباً بالقتل في سبيل الله ، ولكنّكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزّي وشرفي ، وما دام ذلك سالماً لي فلا اُبالي بالقتل. وهو القائل : «موتٌ في عزٍّ ، خيرٌ من حياة في ذلّ». وكان يحمل يوم الطّفِّ ويقول :
الموتُ خيرٌ منْ ركوبِ العار |
|
والعارُ أولَى منْ دخولِ النَّارِ |
واللهِ مِنْ هذا وهذا جاري
ولمّا اُحيط به بكربلاء وقيل له : انزل على حكم بني عمّك. قال : «لا والله ، لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا أقرُّ إقرار العبيد». وشهد له بالشّمم والإباء وعزّة النّفس أعداؤه ؛ فلمّا كتب ابن زياد إلى ابن سعد عليهما لعائن الله : أنْ اعرض على الحسين وأصحابه النّزول على حُكمي ؛ فإنْ فعلوا فابعث بهم إليّ سلماً ، وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم. قال ابن سعد : لا يستسلم والله حسين ؛ إنّ نفس أبيه بين جنبيه.أجل ، إنَّ نفس أبيه (ع) بين جنبيه ، وهو القائل : «ألا إنّ الدَّعيَّ ابن الدَّعيِّ قد رَكزَ بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله ذلك لنا ورسولُه
والمؤمنون ، وجدودٌ طابت وحجورٌ طهُرت ، واُنوف حميّة ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام». أقدم الحسين (ع) على الموت مُقدّماً نفسه وأولاده ، وأطفاله وأهل بيته للقتل قُرباناً ، وفداءً لدين جدّه (ص) بكلِّ سخاءٍ وطيبِ نفس ، وعدم تردّد وتوقف ، قائلاً بلسان حاله:
إنْ كانَ دينُ محمَّدٍ لمْ يستقمْ |
|
إلاّ بقتلِي يا سيوفُ خُذيني |
فأبَى أنْ يعيشَ إلاّ عَزيزاً |
|
أو تَجلَّى الكِفاحُ وهو صَريعُ |
المجلس السّابع والعشرون بعد المئتين
روى المدائني : أنّ الإمام الحسن (ع) لمّا صالح معاوية ، قال أخوه الحسين (ع) : «لقد كُنتُ كارِهاً لِما كانّ طَيِّبُ النّفسِ على سَبيلِ أبي حتَّى عَزمَ عليَّ أخي فأطعتُهُ ، وكأنّما يُجَذُّ أنفي بالمَواسي». وقال ابن أبي الحديد : سيّد أهل الإباء الذي علّم النّاس الحميّة ، والموت تحت ضلال السّيوف اختياراً له على الدّنيّة ؛ أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، عُرض عليه الأمان وأصحابه ، فأنف من الذلِّ ، وخاف من ابن زياد أنْ يناله بنوع من الهوان مع أنّه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك. وهو الذي سنّ للعرب الإباء ، واقتدى به مَن جاء بعده مثل أبناء الزّبير وبني المهلّب وغيرهم ، وكان مصعب بن الزّبير يقول وهو يحارب جيش عبد الملك :
وإنَّ الاُلى بالطفِّ من آلِ هاشمٍ |
|
تآسَوا فسنُّوا للكرامِ التآسيَا |
ولكن أين أبناء الزّبير من آل أبي طالب؟! مصعب أسلمه ابنه ، وعبد الله بن الزّبير أسلمه أخوه ، ولمّا قتله الحجّاج ، أمسى ويد الحجّاج في يد أخي عبد الله بن الزّبير. أمّا آل أبي طالب فأبوا مفارقة الحسين (ع) وقد أذن لهم بالانصراف حتّى قُتلوا دونه. قال ابن أبي الحديد : وسمعت النّقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول : كأنّ أبيات أبي تمّام في محمَّد بن حميد الطّائي ، ما قيلت إلاّ في الحسين (ع) :
وَقَدكانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ |
|
إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ |
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ |
|
هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ |
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ |
|
رِجلَهُ وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ |
تَرَدّى ثِيابَ المَوتِ حُمراً فَما أَتى |
|
لَها اللَيلُ إِلاّ وَهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ |
وقال ابن أبي الحديد في شرح النّهج أيضاً : ومَن مِثلُ الحسين بن علي عليهماالسلام قالوا يوم الطّفِّ : ما رأينا مكثوراً قد اُفرِد من إخوته وأهلِه وأنصاره أشجَع منه ، كان كاللّيث المِحْرَب يَحطِمُ الفرسان حَطْماً. وما ظنُّك برجلٍ أبتْ نفسه الدّنيّة وأنْ يُعطي بيده ، فقاتل حتّى قُتل هو وبَنوه ، وإخوته وبنو عمِّه بعد بذل الأمان لهم ، والتّوثِقة بالأيمان المُغلّظة.
كريمٌ أبى شمَّ الدنيَّة أنفُه |
|
فأشمَمه شوكَ الوشيجِ المُسدَّدِ |
وقال قفِي يا نفسُ وقفةَ واردٍ |
|
حياضَ الرَّدَى لا وقفةَ المُتَردِّدِ |
المجلس الثّامن والعشرون بعد المئتين
كان الحسين (ع) سيّد أهل زمانه ، وأفضلهم علماً وعملاً ، وحلماً وعبادة ، وزهداً وتواضعاً وإباء وبلاغة وفصاحة وغير ذلك. أمّا شجاعته فقد أنست شجاعة الشّجعان وبطولة الأبطال ، وفروسية مَن مضى ومَن يأتي إلى يوم القيامة. فهو الذي دعا النّاس إلى المبارزة ، فلم يزل يقتل كلَّ مَن برز إليه حتّى قتل مقتلة عظيمة ، وهو الذي قال فيه بعض الرّواة : والله ، ما رأيت مكثوراً قطْ قد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشاً ، ولا أمضى جناناً ، ولا أجرأ مقدماً منه. والله ، ما رأيت قبله ولا بعده مثله ؛ إنْ كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إنْ شدّ فيها الذئب. ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون من بين يدَيه كأنّهم الجراد المنتشر. وهو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض ، وقد اُثخن بالجراح ، قاتل راجلاً قتال الفارس الشّجاع ؛ يتَّقي الرّمية ، ويفترص العورة ، ويشدّ على الشّجعان وهو يقول : «أعلى قتلي تجتمعون؟!». وهو الذي جبّن الشّجعان وأخافهم وهو بين الموت والحياة حين بدر خولي ليحتزَّ رأسَه ، فضعف وأرعد. وفي ذلك يقول السيّد حيدر الحلي :
عفيراً متى عاينتْهُ الكُماةُ |
|
يختطفُ الرُّعبُ ألوانَها |
فما أجلتِ الحربُ عنْ مثلِهِ |
|
قتيلاً يُجبُّنُ شُجعانَها |
وهو الذي صبر على طعن الرّماح وضرب السّيوف ورمي السّهام حتّى صارت السّهام في درعه كالشّوك في جلد القنفذ ؛ وحتّى وجد في ثيابه مئة وعشرون رمية بسهم ، وفي جسده ثلاث وثلاثون طعنة برمح ، وأربع وثلاثون ضربة بسيف.
ومُجرّح ما غيَّرتْ منُهُ القَنا |
|
حُسناً ولا أخلفنَ منه جَديدَا |
قد كانَ بدْراً فاغتَدَى شمسَ الضُّحَى |
|
مُذْ ألبستهُ يدُ الدِّماءِ لبودَا |
المجلس التاسع والعشرون بعد المئتين
كان أهل بيت الحسين (ع) من أبنائه وإخوته ، وبني أخيه وبني عمومته ، خيرةَ أهل الأرض وفاءً وإباءً ، وشجاعة وإقداماً ، وعلوَّ هممٍ ، وشرفَ نفوسٍ ، وكرمَ طباع. فلله درّهم من عصبة رفعوا منار الفخر ، ولبسوا ثياب العزِّ غير مشاركين فيها ، وتجلببوا جلباب الوفاء ، وضمّخوا أعوام الدّهر بعاطر ثنائهم ، ونشروا راية المجد والشّرف تخفق فوق رؤوسهم ، وجلوا جيد الزّمان بأفعالهم الجميلة ، وأمسى ذكرهم حيّاً مدى الأحقاب والدّهور مالئاً المشارق والمغارب ، ونقشوا على صفحات الأيّام سطور مدح لا تُمحى وإنْ طال العهد ، وعاد سنا أنوارهم يمحو دُجى الظّلمات ، ويعلو نور الشّمس والكواكب! وهم الذين قال فيهم الحسين (ع) في خطبته ليلة العاشر : «إنّي لا أعلم أهل بيتٍ أبرَّ ، ولا أوصل من أهل بيتي». أبوا أنْ يُفارقوا الحسين (ع) وقد أذن لهم ، وفدوه بنفوسهم وبذلوا دونه مهجهم ، وقالوا لمّا أذن لهم في الانصراف : ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبداً. ولمّا قال لبني عقيل : «حسبُكُمْ من القتل بصاحبكم مسلم ، اذهبوا فقد أذنت لكم». قالوا : سبحان الله! فما يقول النّاس لنا ، وما نقول لهم؟ إنّا تركنا شيخنا وسيِّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرمِ معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا. لا والله ، ما نفعل ولكنْ نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك. فقُتلوا جميعاً بين يديه مقبلين غير مدبرين ، وهو الذي كان يقول لهم ـ وقد حمي الوطيس واحمرّ البأس ، مبتهجاً بأعمالهم ـ : «صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، فو الله ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً».
صالُوا وجالُوا وادَّوا حقَّ سيِّدِهمْ |
|
في موقفٍ عقَّ فيه الوالدَ الولدُ |
وشاقهُمْ ثمرُ العُقبَى فأصبحَ في |
|
صدورِهمُ شجرُ الخطيِّ يختضدُ |
المجلس الثّلاثون بعد المئتين
الأصحاب الأوفياء قليلون ، وإنّما يُعرف وفاء الأصحاب عند الشّدائد ، والأصدقاء في اليسر والرّخاء كثيرون ، وعند العسر والبلاء قليلون ، والصّداقة الخالصة والمحبّة الصّادقة هي التي تدوم في اليسر والعسر ، والشّدة والرّخاء. وقد تجلّى الإخلاص والوفاء وحسن الصّحبة في أصحاب الحسين (ع) ، فقد كانوا خير أصحاب فارقوا الأهل والأحباب ، وجاهدوا دونه جهاد الأبطال ، وتقدّموا مسرعين إلى ميدان القتال ، وصالوا صولة الاُسود الضّارية ، قائلين له : أنفسنا لك الفداء! نقيك بأيدينا ووجوهنا. يُضاحك بعضهم بعضاً ؛ قلّة مبالاة بالموت ، وسروراً بما يصيرون إليه من النّعيم. ولمّا أذن لهم في الانصراف ، أبوا وأقسموا بالله لا يُخلّونه أبداً ولا ينصرفون عنه ، قائلين : أنحن نُخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدو! وبم نعتذر إلى الله في أداء حقك؟! وبعضهم يقول : لا والله ، لا يراني الله وأنا أفعل ذلك حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، واُضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم اُفارقك أو أموت معك. وبعضهم يقول : والله ، لو علمت أنّي اُقتل فيك ثمّ اُحيا ثمّ اُحرق حيّاً ، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك. وبعضهم يقول : والله ، لوددت أنّي قُتلت ثمّ نُشرت ألف مرّة ، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عنك وعن أهل بيتك. وبعضهم يقول : أكلتني السّباع حيّاً إنْ فارقتك. ولم يدعوا أنْ يصل إليه أذى وهم في الأحياء ، ومنهم من جعل نفسه كالتّرس له ، فما زال يرمى بالسّهام حتّى سقط. وأبدوا يوم عاشوراء من الشّجاعة والبسالة ما لم يُر مثله ، فأخذت خيلهم تحمل ، وإنّما هي اثنان وثلاثون فارساً ، فلا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلاّ كشفته.
قلَّ الصَّحابةُ غيرَ أنْ |
|
نَ قليلَهُمْ غيرَ القليلِ |
من كلِّ أبيضَ واضحِ الْ |
|
حسبينِ معْدُومِ المثيلِ |
وردُوا على الظمأِ الرَّدَى |
|
وُردَ الزُّلالِ السَّلسبيلِ |
وثَووا على الرمضاءِ منْ |
|
كابٍ ومنعفرٍ جديلِ |
المجلس الحادي والثّلاثون بعد المئتين
قد قضى العقل والدّين باحترام عظماء الرّجال أحياءً وأمواتاً ، وتجديد الذّكرى لوفاتهم وإظهار الحزن عليهم ، لا سيَّما مَن بذل نفسه وجاهد حتّى قُتل ؛ لمقصد سام وغاية نبيلة ، وقد جرت على ذلك الاُمم في كلِّ عصر وزمان ، وجعلته من أفضل أعمالها وأسنى مفاخرها. فحقيقٌ بالمسلمين ، بل جميع الاُمم أنْ يُقيموا الذّكرى للحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ؛ فإنّه من عظماء الرّجال وأعاظمهم في نفسه ، ومن الطّراز الأوّل ؛ جمع أكرم الصّفات وأحسن الأخلاق ، وأعظم الأفعال وأجلّ الفضائل والمناقب ، علماً وفضلاً ، وزهادة وعبادة ، وشجاعة وسخاء ، وسماحة وفصاحة ، ومكارم أخلاق ، وإباء للضيم ومقاومة للظلم. وقد جمع إلى كرم الحسب شرف العنصر والنّسب ، فهو أشرف النّاس أباً واُمّاً ، وجدّاً وجدّةً ، وعمّاً وعمّةً ، وخالاً وخالة ؛ جدّه رسول الله (ص) سيّد النّبيِّين وأفضل ولد آدم ، وأبوه علي أمير المؤمنين وسيّد الوصيين ، واُمّه فاطمة الزّهراء سيّدة نساء العالمين ، وأخوه الحسن المُجتبى ، وعمّه جعفر الطيّار مع ملائكة السّماء ، وعمُّ أبيه حمزة سيّد الشّهداء ، وجدّته خديجة بنت خويلد أوّل نساء هذه الاُمّة إسلاماً ، وعمّته اُم هانيء ، وخاله إبراهيم ابن رسول الله (ص) وخالته زينب بنت رسول الله (ص). وقد جاهد لنيل أسمى المقاصد وأنبل الغايات ، وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله ولا بعده ؛ فبذل نفسه وماله وآله في سبيل إحياء الدّين وإظهار فضائح المنافقين ، واختار المنية على الدّنية ، وميتة العزّ على حياة الذّل ، ومصارع الكرام على طاعة اللئام. وأظهر من إباء الضّيم وعزّة النّفس ، والشّجاعة والبسالة ، والصّبر والثّبات ما بهر العقول وحيّر الألباب ، واقتدى به في ذلك كلُّ مَن جاء بعده حتّى قال القائل :
وإنَّ الاُلى بالطفِّ من آلِ هاشمٍ |
|
تآسَوا فسنُّوا للكرامِ التآسيَا |
وحتّى قال آخر : كأن أبيات أبي تمّام ما قيلت إلاّ في الحسين (ع) :
وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ |
|
إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ |
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ |
|
هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ |
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ |
|
وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ |
تَرَدّى ثِيابَ المَوتِ حُمراً فَما أَتى |
|
لَها اللَيلُ إِلاّ وَهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ |
وحقيق بمَن كان كذلك أنْ تُقام له الذّكرى في كلِّ عام ، وتبكي له العيون دماً بدل الدّموع ؛ وأيُّ رجُل في الكون قام بما قام به الحسين (ع)؟! الحسين قدّم نفسه للقتل ، وقدّم أبناءه حتّى ولده الرّضيع وإخوته ، وأبناء أخيه وأبناء عمّه للقتل ، وأمواله للنّهب وعياله للأسر ؛ ليفدي دين جدّه بنفسه وبهم ، ويستنقذه من أنْ يقضي عليه يزيد ، المُجاهر بالكفر والفجور وشرب الخمور ، والقائل :
ليتَ أشياخي ببدرٍ شَهدوا |
|
جزعَ الخزْرجِ منْ وقعِ الأسلْ |
لأهلُّوا واستهلُّوا فَرحاً |
|
ثُمَّ قالوا يا يزيدُ لا تشلْ |
لعبتْ هاشمُ بالمُلكِ فلا |
|
خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزل |
الحسين مُعظَّم حتّى عند الخوارج أعداء أبيه وأخيه ، فهم يُقيمون له مراسم الذّكرى والحزن يوم عاشوراء في كلّ عام. وليس أعجب ممّن يتخذ يوم عاشوراء يوم فرح وسرور ، واكتحال وتوسعة على العيال ؛ لأخبارٍ اُفتريت في زمن المُلك العضوض اعترف بكذبها النّقاد ، وسُنّةٍ سنّها الحجّاج بن يوسف عدوُّ الله وعدوُّ رسوله. وأيُّ مُسلم تُطاوعه نفسه أو يُساعده قلبه على إظهار الفرح في يومٍ قُتل ابن بنت نبيه وريحانته ، وابن وصيه؟! وبماذا يواجه رسول الله (ص) ، وبماذا يعتذر إليه؟ وهو مع ذلك يدّعي محبّة الرّسول (ص) ، ومن شروط المحبّة الفرح لفرح المحبوب ، والحزن لحزنه. ولو أنصف باقي المسلمين ما عادَوا طريقة الشّيعة في إقامة الذّكرى للحسين (ع) كلّ عام ، وإقامة مراسم الحزن يوم عاشوراء ، فهل كان الحسين (ع) دون امرأةٍ يُقيم لها الفرنسيون الذكرى كلّ عام؟ وهل عمِلتْ لاُمّتها ما عمله الحسين (ع) لاُمّته أو دونه؟ الحسين (ع) سنّ للناس درساً نافعاً ، ونهج لهم سبيلاً مهيعاً في تعلّم الإباء والشّمم ، وطلبِ الحُرّية والاستقلال ، ومقاومة الظّلم ومعاندة الجور ، وطلب العزّ ونبذ الذّل ، وعدم المبالاة بالموت في سبيل نيل الغايات السّامية والمقاصد الغالية ، وأبان فضائح المنافقين ، ونبّه الأفكار إلى التّحلي بمحاسن الصّفات ، وسلوك طريق الاُباة والاقتداء بهم ، وعدم الخنوع للظلم والجور والاستعباد. وبكى زين العابدين (ع) على
مصيبة أبيه الحسين (ع) أربعين سنة ، وكان الصّادق (ع) يبكي لتذكّر مصيبة الحسين (ع) ، ويستنشد الشّعر في رثائه ويبكي ، وكان الكاظم (ع) إذا دخل شهر المُحرّم لا يُرى ضاحكاً ، وتغلب عليه الكآبة حتّى تمضي عشرة أيّام منه ، فإذا كان اليوم العاشر كان يوم مصيبته وحزنه. وقال الرّضا (ع) : «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسال دموعنا ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء». وقد حثّوا شيعتهم وأتباعهم على البكاء ، وإقامة الذّكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كلّ عام ، وهم نعم القدوة وخير مَن اتُّبع ، وأفضل مَن اُقتفي أثره واُخذت منه سنّة الرّسول (ص) ؛ فهم أحد الثّقلين الذّين اُمرنا باتِّباعهما والتّمسك بهما ، ومثل باب حطّة الذي مَن دخله كان آمناً ومفاتيح باب مدينة العلم الذي لا تًؤتى إلاّ منه.
هُمُ السَّفينةُ فاز الرَّاكبونَ بها |
|
ومَنْ تخلَّف عنها ضلَّ في تيهِ |