المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة - ج ١-٤

السيد محسن بن عبد الكريم الأمين

المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة - ج ١-٤

المؤلف:

السيد محسن بن عبد الكريم الأمين


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٦٨

المجلس الثاني والتسعون بعد المئة

قال عُروة بن الزّبير : كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسول الله (ص) ، فتذاكرنا أحوال أهل بدر ، وبيعة الرضوان ، فقال أبو الدّرداء : يا قوم ، ألاَ اُخبركم بأقلِّ القوم مالاً ، وأكثرهم ورعاً ، وأشدهم اجتهاداً في العبادة؟ قالوا : مَن هو؟ قال : علي بن أبي طالب. قال : فوالله ، إنْ كان في جماعة أهل المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه ، ثمّ انتُدب له رجل من الأنصار ، فقال له : يا عُويمر ، لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها. فقال أبو الدرداء : يا قوم ، إنّي قائل ما رأيته ، وليقل كلُّ قوم ما رأوا. شهدت علي بن أبي طالب (ع) بسويحات بني النّجار ، وقد اعتزل عن مواليه ، واختفى ممّن يليه ، واستتر ببُعيلات النّخل ، فافتقدته وبعُد عليَّ مكانه ، فقلت : لحق بمنزله. فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي ، وهو يقول : «إلهي ، كمْ من موبقةٍ حملتُها فقابلتَها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرّمتَ عن كشفها بكرمك. إلهي ، إنْ طال في عصيانك عُمري ، وعظم في الصُّحف ذنبي ، فما أنا مؤمّلٌ غير غفرانك ، ولا أنا براجٍ غير رضوانك». فشغلني الصوت ، واقتفيت الأثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب (ع) بعينه ، فاستترت له لأسمع كلامه ، وأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثمّ فزع إلى الدعاء والتّضرع والبكاء ، والبثّ والشكوى ، فكان ممّا به ناجى أنْ قال : «إلهي ، اُفكّر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي ، ثمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي». ثمّ قال : «آهٍ إنْ أنا قرأت في الصحف سيئةً ، أنا ناسيها وأنت مُحصيها! فتقول : خذوه. فيا له من مأخوذٍ لا تُنجيه عشيرتُه ، ولا تنفعه قبيلتُه ، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنّداء». ثمّ قال : «آهٍ من نار تنضج الأكباد والكِلى! آهٍ من نار نزّاعة للشوى! آهٍ من غمرةٍ من مُلتهبات لظى!». ثمّ انغمر في البكاء ، فلمْ أسمع له حسّاً ولا حركة ، فقلتُ : غلب عليه النّوم لطول السهر ، اُوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدّرداء : فأتيته ، فإذا هو كالخشبة المُلقاة ، فحرّكته فلمْ يتحرّك ، وزويته فلم ينزوِ. قلت :

٤٦١

إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مات والله ، علي بن أبي طالب. فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : «يا أبا الدّرداء ، أخبرنا ما كان من شأنه وقصّته؟». فأخبرتها الخبر ، فقالت : «هي والله ، الغشية التي تأخذه من خشية الله». ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ونظر إليَّ وأنا أبكي ، فقال : «ممّ بكاؤك يا أبا الدّرداء؟». فقلت : ممّا أراه تُنزله بنفسك. فقال : «يا أبا الدّرداء ، فكيف لو رأيتني وقد دُعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكةٌ غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفتُ بين يدَي الملك الجبّار ، قد أسلمتني الأحبّاء ، ورحمني أهل الدنيا ، لكنتَ أشدَّ رحمة لي بين يديّ مَنْ لا تخفى عليه خافية». قال أبو الدّرداء : فوالله ، ما رأيتُ ذلك لأحد من أصحاب رسول الله (ص). أقول : كلّ مَنْ يُغمى عليه يؤتى إليه بالماء ، فيُنضح على وجهه حتّى يفيق ، إلاّ غريب كربلاء أبو عبد الله الحسين (ع) ؛ فإنّه لمّا سقط عن ظهر جواده إلى الأرض ، واُغمي عليه ساعة ، لمْ يُنضح على وجهه الماء حتّى يفيق ، وإنّما أفاق على ضرب السّيوف وطعن الرماح ، وهو مع ذلك يطلب جرعة من الماء ، وهم يقولون : لنْ تذوق الماء ـ أبا عبد الله ـ حتّى تذوق الموت عطشاً.

فعزَّ أنْ تتلظَّى بينَهُمْ عَطشاً

والماءُ يصدرُ عنه الوحشُ ريّانا

ونظر أمير المؤمنين (ع) ذات يوم إلى امرأة وعلى كتفها قربة ماء مملوءة ، فحملها معها إلى منزلها ، ثمّ سألها عن شأنها ، قالت : بعث علي بن أبي طالب (ع) بصاحبي إلى بعض الثغور فقُتل ، وترك عليّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء ، وقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة النّاس. فمضى أمير المؤمنين (ع) وبات تلك الليلة قلقاً ، فلمّا أصبح حمل زنبيلاً مملوءاً من الدقيق واللحم والتمر على كتفه ، فقال له بعض أصحابه : أعطني أحمل عنك هذا؟ فقال : «مَن يحمل عنّي وزري يوم القيامة؟». ثمّ أتى إلى باب تلك الامرأة وقرع الباب ، قالت : مَن في الباب؟ قال : «أنا العبد الذي حمل معك القربة ، افتحي الباب ؛ فإنّ معي شيئاً للصبيان». فقالت : رضي الله عنك ، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب. ثمّ فتحت له الباب ودخل ، وقال لها : «يا أمة الله ، إنّي أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري بين أنْ تعجني وتخبزي ، وبين أنْ تُعللي الصبيان لأخبز أنا لهم؟». قالت : يا عبد الله ، أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ، دونك الصبيان فعلّلهم. فعمدت الامرأة إلى الدقيق تعجنه ، وعمد أمير المؤمنين (ع) إلى اللحم فطبخه ، وجعل يُلقم الصبيان من ذلك اللحم والتمر ، وكلّما ناول صبياً منهم ، قال له : «يا بُني ، اجعل علي بن أبي طالب في حلّ ممّا أمر في أمركم». ولمّا اختمر العجين ، قالت الامرأة : قُم يا عبد الله

٤٦٢

اسجر التّنور. فلمّا أشعل النّار لفحت وجهه ، فجعل يقول : «ذُق يا علي ، هذا جزاء مَن ضيَّع الأرامل واليتامى». فدخلت امرأة من خارج الدار فعرفته ، فقالت : ويحك! هذا الإمام علي بن أبي طالب (ع). فبادرت إليه الامرأة ووقعت على قدميه تُقبّلهما ، وهي تقول : وا حيائي منك يا أبا الحسن! فقال : «بل وا حيائي منك يا أمة الله ، فيما قصّرتُ في أمرك!». أمير المؤمنين (ع) حمل اللحم والتمر والدقيق إلى يتامى بعض أصحابه ، فأين كان أمير المؤمنين (ع) عن يتامى ولده أبي عبد الله الحسين (ع) ليلة الحادي عشر من المُحرّم ، حين باتوا تلك الليلة بلا محامٍ ولا كفيل ، وهم عطاشى جياعى؟!

قُمْ يا عليُّ فما هذا القعْودُ وما

عَهْدي تَغضُّ على الأقذاءِ أجفانَا

وانهضْ لعلّكَ منْ أسرٍ أضرَّ بنَا

تَفكَّنا أو تولَّى دفْنَ قتلانَا

هذا حسينٌ بلا غُسلٍ ولا كَفنٍ

عارٍ تجولُ عليه الخيلُ ميدانَا

٤٦٣

المجلس الثالث والتسعون بعد المئة

في (غاية المرام) ، عن ابن المغازلي الشافعي في (المناقب) ، بعدّة طرق ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أخذ النّبي (ص) بعضد علي (ع) ، وقال : «هذا أمير البررة ، وقاتل الكفرة ـ أو الفجرة ـ منصور مَن نصره ، مخذول مَن خذله». ثمّ مدّ بها صوته ـ أو قال : مدّ بصوته ـ فقال : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمَن أراد العلم ـ أو فمَن أراد المدينة ـ فليأتِ الباب». وفي رواية : «أنا مدينة وعليٌّ بابها ، ولا تُؤتى البيوت إلاّ من أبوابها». وفي رواية : «يا علي ، أنا مدينة العلم وأنت الباب ، كذب مَن زعم أنّه يصل إلى المدينة إلاّ من الباب». وفي ذلك يقول الصفي الحلّي ـ رحمه الله تعالى :

مدينةُ علمٍ وابنُ عمِّكَ بابُها

فمِنْ غيرِ ذاكَ البابِ لمْ يُؤتَ سُورُها

وفي (غاية المرام) ، عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن زيد بن أرقم ، قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله (ص) أبواب شارعة في المسجد ، فقال يوماً : «سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي». فتكلّم في ذلك اُناس ، فقام رسول الله (ص) فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي ، فقال فيه قائلكم. والله ، ما سددتُ شيئاً ولا فتحتُه ، ولكنّي اُمرتُ بشيء فاتّبعتُه». وفي رواية ابن المغازلي الشافعي : فأتاه العبّاس ، فقال : يا رسول الله ، سددت أبوابنا وتركت باب علي؟! قال : «ما أنا فتحتُها ، ولا أنا سددتُها». وروى ابن المغازلي الشافعي بسنده عن سعد بن أبي وقاص ، قال : كانت لعليٍّ مناقبُ لمْ تكن لأحد ؛ كان يبيت في المسجد ، وأعطاه النّبي (ص) الراية يوم خيبر ، وسدّ الأبواب كلّها إلاّ باب علي. وجاء في عدّة روايات ، عن النّبي (ص) أنّه قال : «يا علي ، أنت قسيم النّار ؛ تقول : هذا لي ، وهذا لكِ». وفي رواية : «إنّك قسيم الجنّة والنّار». وفي ذلك يقول الشاعر :

٤٦٤

عليٌّ حُبّهُ جُنَّةْ

قسيمُ النَّارِ والجَنَّةْ

وصيُّ المُصطفَى حقَّاً

إمامُ الإنسِ والجِنَّةْ

وفي (غاية المرام) ، عن موفق بن أحمد عن النّبي (ص) أنّه قال لعلي (ع) : «أنا أوّل مَن تنشقُّ الأرض عنه يوم القيامة وأنت معي ، ومعي لواء الحمد ، وهو بيدك تسير به أمامي ، وتسبق به الأوّلين والآخرين». وفيه ، عن الزمخشري في الفائق : إنّ النّبي (ص) قال لعلي (ع) : «أنت الذائدُ عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه الرجالَ كما يُذاد البعير الصاد». اي الذي به الصيد وهو داء يلوي العنق ولهذا لمّا ضيّق أهل الكوفة على الحسين (ع) يوم كربلاء ، ومنعوه من الماء حتّى نال العطش منه ومن أصحابه ، قام متوكّئاً على قائم سيفه ، وذكّرهم بفضائله فاعترفوا بها ، فقال لهم : «فبِمَ تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض ، يذود عنه رجالاً كما يُذاد البعير الصاد عن الماء ، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة؟!». قالوا : قد علمنا ذلك كلّه ، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.

قسَتْ القلوبُ فلمْ تَملْ لهدايةٍ

تبّاً لهاتيكَ القُلوبِ القاسيَهْ

ما ذاقَ طعْمَ فُراتِهمْ حتَّى قَضَى

عَطشاً وغُسِّلَ بالدِّماءِ القَانِيهْ

٤٦٥

المجلس الرابع والتسعون بعد المئة

في غاية المرام : عن مسند أحمد بن حنبل بسنده ، عن سفينة مولى رسول الله (ص) قال : أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله (ص) طيرين بين رغيفين ، فقال رسول الله (ص) : «اللهمّ ، ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك». فجاء علي (ع) فرفع صوته ، فقال رسول الله (ص) : «مَن هذا؟». فقلت : علي. قال (ص) : «فافتح له». ففتحت له فأكل مع النّبيِّ (ص) من الطيرين حتّى كفيا. وفي غاية المرام : عن ابن المغازلي الشافعي في المناقب بسنده ، عن أنس بن مالك قال : اُهدي إلى النِّبيِّ (ص) نُحامة (١) ، فقال (ص) : «اللهمّ ، ابعث إليّ أحبّ خلقك إليك وإلى نبيّك ، يأكل معنا هذه المائدة». قال : فأتى علي ، فقال : «استأذن لي على رسول الله». فقلت : النّبيُّ عنك مشغول. فرجع علي (ع) ، ولمْ يلبث أنْ جاء ، فقال : «استأذن لي على رسول الله». فقلت : النّبيُّ عنك مشغول. فرجع علي (ع) ولمْ يلبث أنْ جاء ، فهممت أنْ أقول مثل قولي الأوّل والثاني ، فسمع رسول الله (ص) من داخل الحجرة كلام علي (ع) ، فقال : «ادخل يا أبا الحسن ، ما الذي أبطأ بك عنّي؟». قال (ع) : «قد جئتُ يا رسول الله مرّتين وهذه الثالثة ، كلّ ذلك يردّني أنس ، يقول : النّبيّ عنك مشغول». فقال (ص) : «يا أنس ، ما حملك على هذا؟». فقلت : يا رسول الله ، سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلاً من قومي. فقال النّبي (ص) : «كلٌ يُحبّ قومه يا أنس». وروي حديث الطائر المشوي في غاية المرام أيضاً ، عن سنن أبي داود وموفّق بن أحمد الحموئي والسّمعاني وغيرهم ، بطرق كثيرة تبلغ الستّة وثلاثين طريقاً ، كلّها من طرق أهل السُّنّة ، ورواه بثمانية طرق من طرق أهل الشيعة خاصّة. وقال الصاحب بن عبّاد ـ رحمه الله تعالى :

__________________

(١) النُّحَام : طائر كالأوز. وغلّظ الجوهري : في فتحه وشدّه. ـ المرلف ـ

٤٦٦

يا أميرَ المؤمنينَ المُرتَضى

إنّ قلبي عندكُمْ قدْ وَقَفَا

مَنْ كمولايَ عليٍّ زاهدٌ

طلَّقَ الدُّنيا ثلاثاً ووفَى

مَنْ دُعِي للطِّيرِ كيْ يأكلُهُ

ولنَا في بعضِ هذا مُكتَفَى

مَنْ وصيُّ المُصطفَى عندكُمُ

فوصيُّ المُصطَفَى مَنْ يُصْطفَى

وفضائل أمير المؤمنين (ع) ومناقبه لا يُحيط بها الحصر. وقد احتجّ الحسين (ع) على أهل الكوفة يوم كربلاء بفضائل أبيه أمير المؤمنين (ع) ـ في جملة ما احتجّ به ـ ، فقال (ع) : «ألستُ ابنَ بنت نبيّكم ، ، وابنَ وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين به والمُصدِّقين برسول الله (ص) وبما جاء به منْ عند ربّه؟!». وقال (ع) في مقام آخر : «أنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ عليّاً كان أوّل القوم إسلاماً ، وأعلمهم علماً وأعظمهم حلماً ، وأنّه وليُّ كلِّ مؤمن ومؤمنة). قالوا : اللهمّ نعم. قال (ع) : «فبِمَ تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض ، يذود عنه رجالاً كما يُذاد البعير الصادر (١) عن الماء ، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة؟». قالوا : قد علمنا ذلك كلّه ، ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.

قسَتْ القلوبُ فلمْ تَملْ لهدايةٍ

تبّاً لهاتيكَ القُلوبِ القاسيَهْ

ما ذاقَ طعْمَ فُراتِهمْ حتَّى قَضَى

عَطشاً وغُسِّلَ بالدِّماءِ القَانِيهْ

_________________________

(١) مرّ عن الزمخشري : أنّه الصاد. ووجدناه : الصادر ، وله وجهُ.

٤٦٧

المجلس الخامس والتسعون بعد المئة

قال الله تعالى في سورة المائدة : (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) اتّفق المفسرون على أنّها نزلت في حقّ علي بن أبي طالب (ع) حين مرّ سائل ، وهو راكع ، في المسجد فأعطاه خاتمه. ورُوي في الجمع بين الصحاح الستّة من صحيح النسائي ، عن ابن سلام ، قال : أتينا رسول الله (ص) ، فقلنا : إنّ قومنا حادّونا لمّا صدّقنا الله ورسوله ، وأقسموا أنْ لا يُكلّمونا. فأنزل الله تعالى : (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ). ثُمّ أذّنَ بلال لصلاة الظهر ، فقام النّاس يُصلّون ؛ فمِنْ بين ساجد وراكع وسائل ، إذ سائل يسأل ، فأعطاه علي (ع) خاتمه وهو راكع ، فأخبر السّائل رسول الله (ص) ، فقرأ علينا رسول الله (ص) : (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ...) إلى آخر الآية. وروى الثعلبي في تفسيره بسنده : إنّ أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : أيّها النّاس مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري ، أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله (ص) بهاتين ـ وإلاّ صُمّتا ـ ورأيته بهاتين ـ وإلاّ فعميتا ـ يقول : «عليٌّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور مَن نصره ، مخذول مَن خذله». أما إنّي صلّيت مع رسول الله (ص) يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلَمْ يعطِه أحد ، فرفع السّائل يده إلى السّماء ، وقال : اللهمّ ، اشهد إنّي سألت في مسجد رسول الله (ص) فلمْ يعطني أحدٌ شيئاً. وكان علي راكعاً ، فأومأ إليه بخنصره اليُمنى ـ وكان يتختّم فيها ـ ، فأقبل السّائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النّبي (ص) ، فلمّا فرغ [النبيُّ] من صلاته ، رفع رأسه إلى السّماء ، وقال : «اللهمّ ، موسى سألك فقال : (رَبّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً من لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ

٤٦٨

أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي). فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : (سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا) اللهمّ ، وأنا محمّد نبيّك وصفيّك. اللهمّ ، فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً عليّاً ، اشدد به ظهري». قال أبو ذر : فما استتم رسول الله (ص) الكلمة حتّى نزل جبرائيل (ع) من عند الله تعالى ، فقال : يا محمّد ، اقرأ. قال (ص) : «ما أقرأ؟». قال : اقرأ : (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).

وكما جاد أمير المؤمنين (ع) بخاتمه في صلاته ، جاد ولده الحسين (ع) بخاتمه بعد قتله ؛ وذلك لمّا أقبل القوم على سلب الحسين (ع) فأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي. ولكنّ فرق عظيم بين المقامين ؛ فأمير المؤمنين (ع) أشار إلى السّائل ـ وهو في صلاته ـ أنْ يأخذ الخاتم من يده فأخذه ؛ وأمّا الحسين (ع) ، فجاء بجدل بن سليم الكلبي ليسلبه بعد قتله ـ مع الذين جاؤوا إلى سلبه ـ فوجد الخاتم في يده وقد جمدت عليه الدماء ، فلمْ يستطعْ نزعه من يده الشريفة ، فقطع إصبعه مع الخاتم.

ومُبدَّدُ الأوصالِ لازَمَ حزُنُهُ

شملَ الكمالِ فلازم التّبديدَا

ومجرحٌ ما غيَّرتْ منه القنَا

حُسناً وما أخلقْنَ منه جديدَا

٤٦٩

المجلس السّادس والتسعون بعد المئة

في غاية المرام : عن مسند أحمد بن حنبل بسنده : أنّ النّبيّ (ص) آخى بين النّاس وترك عليّاً ، فقال (ع) : «يا رسول الله ، آخيت بين النّاس وتركتني!». قال (ص) : «ولِمَن تراني تركتك؟ إنّما تركتك لنفسي. أنت أخي وأنا أخوك ، فإنْ فاخرك أحد ، فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله. لا يدّعيها أحدٌ غيرك إلاّ كذاب». وفيه عن مسند أحمد بن حنبل أيضاً ، وذُكر مؤاخاة رسول الله (ص) بين الصحابة ، فقال علي (ع) للنبيّ (ص) : «لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإنْ كان هذا من سَخَطٍ منك ، فلك العُتبى والكرامة؟». فقال رسول الله (ص) : «والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، ما اخّرتك إلاّ لنفسي ، فأنت منِّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي». قال (ع) : «وما أرث منك يا رسول الله؟». قال (ص) : «ما ورث الأنبياء قبلي». قال (ع) : «ما ورث الأنبياء قبلك؟». قال (ص) : «كتاب الله وسنّة نبيّهم. وأنت معي في الجنّة ، وأنت أخي ورفيقي». ثمّ تلا رسول الله (ص) (إِخْوَاناً عَلَى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) المُتحابّون في الله ينظر بعضهم إلى بعض. وقال صفي الدين الحلّي رحمه الله :

أنت سرُّ النّبيِّ والصنوُ وابنُ الْ

عمِّ والصهرُ والأخُ المُستَجادُ

لو رأى مثلَكَ النّبيُّ لآخا

هُ وإلاّ فأخطَأَ الانتقادُ

وعن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت عليّاً يُنشد رسول الله (ص) شعراً :

أنا أخو المُصطفَى لا شكَّ في نسَبي

معْهُ رُبيتُ وسِبطاهُ هُما ولدِي

صدقتُهُ وجميعُ النّاسِ في بُهَمٍ

من الضَّلالةِ والإشراكِ والنكَدِ

فالحمدُ للهِ شُكراً لا شريكَ لهُ

البَرّ بالعبدِ والباقِي بلا أمدِ

٤٧٠

ولمّا بات علي (ع) على فراش رسول الله (ص) ليلة الغار ، أوحى الله عزّ وجل إلى جبرائيل وميكائيل : «إنّي قد آخيت بينكما ، وجعلتُ عُمرَ أحدكما أطول من عُمرِ صاحبه ، فأيّكما يُؤثر أخاه؟». فكلاهما كره الموت ، فأوحى الله إليهما : «عبديَّ ، ألا كُنتما مثلَ وليي علي بن أبي طالب ؛ آخيتُ بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، ثمّ رقَد على فراشه يُفديهِ بمهجته؟ اهبطا إلى الأرض فاحفظاه منْ عدوّه». فهبط جبرائيل فجلس عند راسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرائيل يقول : بخٍ بخٍ ، مَنْ مثلك يابنَ أبي طالب والله عزّ وجل يُباهي بك الملائكة! ودرجة الإخوّة درجة عظيمة ومنزلتها منزلة رفيعة ؛ ولهذا لمّا بعث الحسين (ع) ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى أهل الكوفة ، كتب إليهم معه : «وأنا باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي ، وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل». وقد قام مسلم بأعباء هذه الإخوّة وحقّق ظنّ الحسين (ع) فيه ، ولمّا خذله أهل الكوفة وتفرّقوا عنه ، وأرسل إليه ابن زياد سبعين رجلاً مع محمّد بن الأشعث ، وسمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال ، علم أنّه قد اُتي في طلبه فخرج إليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار ، ثمّ عادوا إليه ، فشدّ عليهم كذلك ، فأخرجهم مراراً وقتل منهم جماعة ، فلَمّا رأوا ذلك ، أشرفوا عليه من فوق البيت يرمونه بالحجارة ، ويُلهبون النّار في القصب ويرمونها عليه ، فخرج عليهم مُصلتاً سيفه في السّكة ، وهو يقول :

أقسمتُ لا اُقتلُ إلاّ حُرّا

وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكْرَا

وتكاثروا عليه بعدما اُثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه فخرّ إلى الأرض فاُخذ أسيراً. فقال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ، ثمّ اتبعوه جسده. ففُعل به ذلك ، فلمّا بلغ خبره الحسين (ع) ، استعبر باكياً ، ثمّ قال : «رحم الله مُسلماً ، فلقد صار إلى رَوح الله وريحانه ، وتحيّاته ورضوانه ، أما أنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا».

يا مُسلمُ بنَ عقيلٍ لا أغبَّ ثرَى

ضريحِكَ المُزنُ هطّالاً وهتّانا

بذلتَ نفْسكَ في مرضاةِ خالِقِها

حتّى قضيتَ بسيفِ البغْي ظمْآنا

٤٧١

المجلس السّابع والتسعون بعد المئة

لمّا بُويع أمير المؤمنين (ع) بالخلافة ، خرج إلى المسجد مُتعمّماًً بعمامة رسول الله (ص) ، لابساً بُردة رسول الله (ص) ، مُنتعلاً نعل رسول الله (ص) ، مُتقلّداً سيف رسول الله (ص) ، فصعد المنبر فجلس عليه متمكّناً ، ثمّ شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثمّ قال : «يا معشر النّاس ، سلوني قبل أنْ تفقدوني ، هذا سفطُ العلم ، هذا لعاب رسول الله (ص) ، هذا ما زقّني رسول الله (ص) زقاًّ. سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين. أمَا والله ، لو ثُنيت لي الوسادة وجلست عليها ، لأفتيتُ أهلَ التَّوراة بتوراتهم ، وأهلَ الإنجيل بإنجيلهم ، وأهلَ القُرآن بقرآنهم حتّى ينطق كلُّ واحدٍ من هذه الكتب ، فيقول : صدقَ عليٌّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيَّ. وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً ، فهل فيكم أحدٌ يعلم ما أنزل الله فيه؟ ولولا آيةٌ في كتاب الله عزّ وجل ، لأخبرتُكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة». وهي هذه الآية : (يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ اُمّ الْكِتَابِ) ثمّ قال : «سلوني قبل أنْ تفقدوني ، فوالذي فَلَقَ الحبّة وبرأ النّسمة ، لو سألتموني عن أيّةِ آية ، في ليلٍ نزلت أو في نهار ، مكِّيِّها ومدنيِّها ، سفريِّها وحضريِّها ، ناسخها ومنسوخها ، محكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها ، لأخبرتكم». فقام إليه رجل يُقال له : ذعلب ، وكان ذرب اللسان بليغاً في الخطب شجاع القلب ، فقال : لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة ، لاُخجِّلنّه اليوم لكم في مسألتي إيّاه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هل رأيت ربّك؟ فقال : «ويلك يا ذعلب! لمْ أكنْ بالذي أعبدُ ربّاً لَمْ أره». قال : كيف رأيته؟ صفه لنا؟ قال : «ويلك! لمْ ترَه العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكنْ رأته القلوب بحقائق الإيمان. ويلك يا ذعلب! إنّ ربّي لا يُوصف بالبُعد ولا بالقُرب ، ولا بالحركة ولا بالسّكون ، ولا بقيام قيام انتصابٍ ولا بجيئة وذهاب. لطيفُ اللّطافة لا يُوصف باللّطف ، عظيمُ العظمة لا يُوصف بالعظم ، كبيرُ الكبر لا يُوصف بالكبر ، جليلُ الجلالة لا يُوصف بالغلظ ، رؤوفُ الرحمة لا

٤٧٢

يُوصف بالرّقة. مؤمنٌ لا بعبادة ، مدركٌ لا بمحسّة ، قائلٌ لا بلفظ ، هو في الأشياء على غير ممازجة ، خارجٌ عنها على غير مباينة ، فوق كلِّ شي ولا يُقال له فوق ، أمام كلّ شيء ولا يُقال له أمام ، داخلٌ في الأشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج». فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه ، ثُمّ قال : تَاللهِ ، ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله ، لا عُدت إلى مثلها أبداً. ثُمّ قال (ع) : «سلوني قبل أنْ تفقدوني». فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكّئاً على عكّازه ، فلمْ يزلْ يتخطّى النّاس حتّى دنا منه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، دلّني على عمل إذا أنا عملته نجّاني الله من النّار؟ فقال (ع) له : «اسمع يا هذا ، ثمّ افهم ثمّ استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالمٍ ناطق مستعملٍ لعلمه ، وبغنيٍّ لا يبخل بماله عن أهل دين الله عزّ وجل ، وبفقير صابر ؛ فإذا كتم العالمُ علمه ، وبخل الغنيُّ ، ولمْ يصبرْ الفقير ، فعندها الويل والثبور! وعندها يعرف العارفون بالله أنّ الدار قد رجعت إلى بدئها. أيّها السّائل ، لا تغترنّ بكثرة المساجد ، وجماعة أقوام أجسادُهم مجتمعة وقلوبهم شتّى. أيّها السّائل ، إنّما النّاس ثلاثة : زاهد ، وراغب ، وصابر ؛ فأمّا الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أدركه ، ولا يحزن على شيء منها فاته ؛ وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه ، فإنْ أدرك منها شيئاً صرف عنها نفسه ؛ لِمَا يعلم من سوء عاقبتها ؛ وأمّا الراغب فلا يُبالي مِن حلٍّ أصابها ، أمْ من حرام». قال : يا أمير المؤمنين ، فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال (ع) : «ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حقٍّ فيتولاّه ، وينظر إلى ما خالفه فيتبرّأ منه وإنْ كان حبيباً قريباً». قال : صدقت والله ، يا أمير المؤمنين.

٤٧٣

المجلس الثامن والتسعون بعد المئة

وقال الأصبغ بن نباتة : أتى أمير المؤمنين (ع) ومعه قنبر البزّازين (١) ، فساوم غلاماً بثوبين ، فماكسه الغلام حتّى اتّفقا على سبعة دراهم ؛ ثوباً بأربعة دراهم ، وثوباً بثلاثة دراهم. وقال لقنبر : «اختر أحد الثوبين». فاختار الذي بأربعة ولبس هو الذي بثلاثة ، وقال (ع) : «الحمد لله الذي رزقني ما اُواري به عورتي ، واتجمّل به في خلقه». ثمّ أتى المسجد فكوّم كومةً من حصىً فاستلقى عليها ، فجاء أبو الغلام فقال : إنّ ابني لَمْ يعرفك ، وهذان الدرهمان ربحهما فخذهما. فقال (ع) : «ما كنتُ لأفعل ، فقد ماكسته وماكسني واتّفقنا على رضا». وروي : أنّ أمير المؤمنين (ع) أتى سوق الكرابيس (٢) فإذا هو برجل وسيم (٣) ، فقال (ع) : «يا هذا ، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟». فوثب الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ، عندي حاجتك. فلمّا عرفه مضى عنه ، فوقف على غلام ، فقال (ع) : «يا غلام ، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟». قال : نعم ، عندي ثوبان. فأخذ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين ، فقال (ع) : «يا قنبر ، خُذ الذي بثلاثة دراهم». فقال : أنت أولى به ؛ تصعد المنبر وتخطب النّاس. قال (ع) : «وأنت شابٌّ ولك شره الشباب ، وأنا أستحي من ربّي أنْ أتفضّل عليك. سمعت رسول الله (ص) يقول : البسوهُم ممّا تلبسون ، وأطعموهُم ممّا تأكلون».

وقال المفيد ـ عليه الرحمة ـ في الإرشاد : من آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين (ع) ، أنّه لمْ يعهد لأحد من مبارزة الأقران ومنازلة الأبطال ما عُرف له على مَرّ الزمان ، ولمْ يُوجد في ممارسي الحروب إلاّ مَن أصابته بشرٍّ أو جراحة أو شين إلاّ أمير

_______________________

(١) الذين يبيعون البز ، أي : القماش. ـ المؤلّف ـ

(٢) الكرابيس : جمع كرباس ، بوزن مصباح ، وهو الخام الغليظ.

(٣) جميل الصورة. ـ المؤلّف ـ

٤٧٤

المؤمنين (ع) ؛ فإنّه لمْ ينلْه مع طول زمان حروبه جراحٌ من عدو ، ولا شينٌ ، ولا وصل إليه بسوء حتّى كان من اغتيال ابن ملجم له ما كان ، وهذه اُعجوبة أفرده الله في الآية فيها ، ودلّ بذلك على مكانه منه ، وتخصّصه بكرامته التي بان بفضلها من كافّة الأنام. قال : ومن آيات الله تعالى فيه ، أنّه لا يوجد ممارس للحروب إلاّ وهو ظافر بعدوه مرّة ، وغير ظافر به اُخرى ، ومَن جرح منهم خصمه ؛ فمرّة يموت من جرحه ، ومرّة يُعافى ، ولمْ يعهدْ شخص لمْ يفلتْ منه قَرنٌ ، ولا نجا من ضربته أحدٌ إلاّ أمير المؤمنين (ع) ؛ فإنّه لا مرية في ظفره بكلِّ قَرن بارزه ، وإهلاكه كلَّ بطلٍ نازله ، وهذا ما انفرد به من كافّة الأنام ، وخرق الله ـ عزّ وجل ـ به العادة في كلّ حين وزمان ، وهو من دلائله الواضحة. قال : ومِن آيات الله تعالى فيه ، أنّه مع طول ممارسته للحروب ، وكثرة مَن حاربه من الشجعان واحتيالهم عليه ، وبذلهم الجُهد في الفتك به ، ما ولّى أحداً منهم ظهره ، ولا تزحزح عن مكانه ، ولا هاب أحداً من أقرانه ، ولمْ يلقَ أحدٌ سواه خصماً له في حربٍ إلاّ كان مرّة يثبت له ومرّة ينحرف عنه ، وتارة يقدم عليه وتارة يحجم عنه. قال : ومِن آياته التي انفرد بها ، ظهور مناقبه في الخاصّة والعامّة مع كثرة المنحرفين عنه ، وتوفر الأسباب إلى كتمان فضله ، وكون الدُّنيا في يد خصومه. وقد استفاض عن الشعبي أنّه كان يقول : لقد كنتُ أسمع خطباء بني اُميّة يسبّون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على منابرهم وكإنّما يُشال إلى السّماء ؛ ويمدحون أسلافهم على منابرهم وكأنّهم يكشفون عن جيفة. وقال الوليد بن عبد الملك لبنيه : عليكم بالدِّين ؛ فإنّي لمْ أرَ الدِّينَ بَنى شيئاً فهدمته الدنيا ، ورأيت الدُّنيا قد بنت بُنياناً فهدمه الدين. مازلتُ أسمع أهلنا يسبّون علي بن أبي طالب ويدفنون فضائله ، ويحملون النّاس على شنآنه ، فلا يزيده ذلك في القلوب إلاّ قُرباً ، ويجتهدون في تقريبهم من نفوس الخلق ، فلا يزيدهم ذلك من القلوب إلاّ بُعداً. قال المفيد : وفيما انتهى إليه الأمر من دفن فضائل أمير المؤمنين (ع) ، والحيلولة بين العلماء ونشرها ما لا شبهة فيه على عاقل ، حتّى كان الرجل إذا أراد الرواية عنه لمْ يستطع أن يذكر اسمه ، فيقول : حدّثني رجلٌ من أصحاب رسول الله (ص) ، أو رجل من قريش ، ومنهم مَن يقول : حدّثني أبو زينب. وروى عكرمة عن بعض اُمّهات المؤمنين حديثاً فيه : فخرج رسول الله (ص) متوكّئاً على رَجُلين من أهل بيته ؛ أحدهما الفضل بن العبّاس. فحكى ذلك عكرمة لابن عبّاس ، فقال له : أتعرف الرجل الآخر؟ قال : لا ، لمْ تُسمّه لي. قال : ذاك علي بن أبي طالب (ع) ، وما كانت اُمّناً تذكره بخير وهي تستطيع. وكانت ولاة الجور تضرب بالسّياط مَنْ ذكره ، بل تضرب الرقاب على ذلك وتحرّض النّاس على

٤٧٥

البراءة منه. والعادة جارية ، أنّ مَن يُتّفق له ذلك لا يُذكر بخير فضلاً عن أنْ تُذكر له مناقب. قال : ومِن آيات الله تعالى فيه ، أنّه لمْ يبتلِ أحدٌ في ولده وذرّيّته بمثل ما ابتُلي به (ع) في ذرّيّته ؛ وذلك أنّه لمْ يُعرف خوفٌ شمل جماعة من ولد نبيٍّ ولا إمام ، ولا ملكٍ ولا برٍّ ولا فاجر ، كالخوف الذي شمل ذرّيّة أمير المؤمنين (ع) ، ولا لحق أحداً من القتل والطرد عن الأوطان والإخافة ما لحق ذرّيّته وولده ، ولم يجرِ على طائفة من النّاس من ضروب النِّكال ما جرى عليهم ؛ فقُتلوا بالفتك والغيلة والاحتيال ، وبُني على بشرٍ منهم من البنيان وهم أحياء ، وعُذّبوا بالجوع والعطش حتّى ماتوا ، وأحوجهم ذلك إلى مفارقة الأوطان والتغرّب في البلدان ، وكتمان نسبهم والاستخفاء حتّى عن أحبّائهم ، وجانبهم النّاس مخافة على أنفسهم وذراريهم من جبابرة الزمان ؛ وكلُّ ذلك يُوجب قلّة عددهم وانقطاع نسلهم ، وهم مع ذلك أكثر ذرّيّة أحد من الأنبياء والأولياء وسائر النّاس ، وفي ذلك خرق للعادة. أقول : وكفى في ذلك أنّ بني اُميّة قد قتلوا في يوم كربلاء من آل الرسول (ص) مع الحسين (ع) سبعة عشر رجلاً ، وقتلوا جماعة من الأطفال ، وقتلوا مسلم بن عقيل بالكوفة ، ولمْ يبقَ منهم غيرُ العليل زين العابدين (ع) وثلاثة أو أربعة من الصبيان ، وسمّوا الحسن (ع) ، وقتلوا زيد بن علي ، ويحيى بن زيد وغيرهم من بني هاشم. وقتل بنو العبّاس الكثيرين منهم ، وبنَوا على بعضهم الحيطان وهدموا عليهم الحبوس ، وما زادهم الله بذلك إلاّ بركةً ونموّاً.

تَتبْعوكُمْ ورامُوا محْوَ فضلِكمُ

وخيّبَ اللهُ مَنْ في ذلكُمْ طمِعا

أنّى وفي الصلواتِ الخمسِ ذكْركُمُ

لدى التَّشهُّدِ للتوحيدِ قدْ شَفعا

٤٧٦

المجلس التاسع والتسعون بعد المئة

قال الإمام علي لابنه الحسن عليهما‌السلام : «لا تدعونَّ إلى مبارزةٍ ، فإنْ دُعيت إليها فأجبْ ؛ فإنّ الداعي إليها باغٍ مقتول». قيل : أنّه (ع) ما دعا إلى مبارزة قط ، وإنّما كان يُدعى هو بعينه ، أو يُدعى : مَن يبارز؟ فيخرج إليه فيقتله. دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر ، فخرج علي (ع) فقتل الوليد ، واشترك هو وحمزة في قتل عتبة بن ربيعة. ودعا طلحة إلى البراز يوم اُحد ، فخرج (ع) إليه فقتله. ودعا مرحب إلى البراز يوم خيبر ، فخرج (ع) إليه فقتله. ودعا عمرو بن عبد ود يوم الخندق إلى البراز ، فخرج (ع) إليه فقتله. قال ابن أبي الحديد : وإنّ خروجه إلى عمرو يوم الخندق أجلُّ من أنْ يُقال جليلة ، وأعظم من أنْ يُقال عظيمة ، وما هي إلاّ كما قال أبو الهذيل ، وقد سأله سائل : أيّما أعظم منزلة عند الله علي أمْ غيره؟ فقال : يا ابن أخي ، والله ، لَمبارزة علي عمراً يوم الخندق تعِدل أعمال المهاجرين والأنصار وطاعتهم ، وتُربي عليها ، فضلاً عن رجل واحد. وروي عن ربيعة بن مالك ، قال : أتيت حذيفة بن اليمان ، فقلت : يا أبا عبد الله ، إنّ النّاس يتحدّثون عن علي بن أبي طالب ومناقبه ، فيقول لهم أهل البصرة : إنّكم لتفرّطون في تقريض هذا الرجل ، فهل أنت مُحدّثي بحديث عنه أذكره للناس؟ فقال : يا ربيعة ، ما الذي تسألني عن علي؟ وما الذي اُحدثك عنه؟ والذي نفس حذيفة بيده ، لو وُضع جميع أعمال اُمّة محمّد (ص) في كفّة ، منذ بعث الله محمّداً (ص) إلى يوم النّاس هذا ، ووُضع عمل واحد من أعمال علي في الكفّة الاُخرى ، لرجح على أعمالهم كلِّها. فقال ربيعة : ما هذا المدح الذي لا يُقام له ولا يُقعد ولا يُحمل؟! إنّي لأظنّه إسرافاً يا أبا عبد الله. فقال حذيفة : يا لُكَع (١)! وكيف لا يُحمل؟! وأين كان المسلمون يوم الخندق وقد عبر إليهم

__________________

(١) لكع : لئيم أو ذليل. ـ المؤلّف ـ

٤٧٧

عمرو وأصحابه فملكهم الهلع والجزع ، ودعا إلى المبارزة فأحجموا عنه حتّى برز إليه عليٌّ فقتله؟! والذي نفس حذيفة بيده ، لَعملُه ذلك اليوم أعظمُ أجراً من أعمال اُمّة محمّد (ص) إلى هذا اليوم ، وإلى أنْ تقوم القيامة. وقال جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ : والله ، ما شبهت يوم الأحزاب قتل علي عمراً ، وتخاذل المشركين بعده إلاّ بما قصّه الله تعالى من قصة طالوت وجالوت في قوله تعالى : (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) وقال أبو بكر بن عيّاش : لقد ضرب عليُّ بن أبي طالب (ع) ضربةً ما كان في الإسلام أيمن منها ، ولقد ضُرب عليٌّ (ع) ضربة ما كان في الإسلام أشأم منها ؛ وهي ضربة عبد الرحمن بن ملجم. أقول : وهي الضربة التي شقّت رأس أمير المؤمنين (ع) إلى موضع سجوده ، وهو في صلاته ، فنادى (ع) : «قتلني اللعين ابن اليهوديّة. فُزتُ وربّ الكعبة». أجل والله ، لمْ يكنْ في الإسلام أشأم من تلك الضربة ، فهي التي هدّمت أركان الهُدى وفصمت العُروة الوثقى ، وسدّت باب مدينة علم المصطفى. وهناك ضربات اُخرى في الإسلام مشؤومة ؛ وهي ضربة مالك بن النّسر الكندي للحسين بن علي (ع) بالسّيف على رأسه ، وكان على رأسه برنس فقطع البرنس ووصل السّيف إلى رأسه ، فامتلأ البرنس دماً ، فقال له الحسين (ع) : «لا أكلت بيمينك ولا شربت بها ، وحشرك الله مع القوم الظالمين». وضربة زرعة بن شريك له على كتفه الأيسر ، وضربة رجل له بالسّيف على عاتقه المُقدّس ضربةً كبا بها لوجهه ، وكان قد أعيا فجعل يقوم ويكبو ، وضربة شمر بن ذي الجوشن حين جاء إليه فاحتزّ رأسه الشريف ، وهو يقول : والله ، إنّي لأحتزّ رأسك وأعلم أنّك السيّد المُقدّم ، وابن رسول الله ، وخير النّاس أباً واُمّاً.

قتلُوهُ بعدَ علمٍ منهُمُ

أنّهُ خامسُ أصحابِ العَبا

يابنَ الذينَ توارَثُوا ال

علْيَا قَبيلاً عنْ قبيلِ

والسّابقينَ بمجدهمْ

في كلِّ جيلٍ كلَّ جيلِ

إنْ تُمسَّ مُنكسِرَ اللّوا

ملقىً على وجهِ الرُّمولِ

فلقدْ قُتلتَ مُهذَّباً

منْ كلِّ عيبٍ في القتيلِ

منْ كلِّ عيبٍ في القتيلِ

تُعطي العِدا كفَّ الذليلِ

يُهدَى لك الذِّكرُ الجميْ

لُ على الزَّمانِ المُستطيلِ

٤٧٨

المجلس المئتين

في كتاب روضة الواعظين بإسناد ذكره : أنّ قريشاً أصابتهم أزمة (١) شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير ، فقال رسول الله (ص) للعبّاس عمّه ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : «يا عبّاس ، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب النّاس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا نخفّف عنه من عياله ؛ آخذ من بنيه رجلاً ، وتأخذ من بنيه رجلاً ، فنكفهما عنه». قال العبّاس : نعم. فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب ، فقالا : إنّا نُريد أنْ نخففّ عنك عيالك حتّى ينكشف عن النّاس ما هم فيه. فقال أبو طالب : إنْ تركتما لي عقيلاً ، فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله (ص) عليّاً (ع) فضمّه إليه ، وأخذ العبّاس جعفراً فضمّه إليه. فلَمْ يزل علي بن أبي طالب (ع) مع رسول الله (ص) حتّى بعثه الله نبيّاً ، واتّبعه عليٌّ وآمن به وصدّقه ، ولَمْ يزل جعفر مع العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه. قال الصادق (ع) : «أوّل جماعة كانت ، أنّ رسول الله (ص) كان يُصلّي وأمير المؤمنين معه ، إذ مرّ أبو طالب به وجعفر معه ، قال : يا بُني ، صِلْ جناحَ ابن عمِّك. فلمّا أحسّه رسول الله (ص) تقدَّمَهما ، وانصرف أبو طالب مسروراً ، وهو يقول :

إنّ عليّاً وجعفراً ثِقتِي

عندَ مُلمِ الزَّمانِ والكُرَبِ

لا تخْذُلا وانْصُرا ابنَ عمِّكُما

أخي لاُمِّي منْ بينهمْ وأبي

واللهِ لا أخذلُ النّبيَّ ولا

يخذلُهُ منْ بنيَّ ذو حسبِ

قال أبو الحسن المدائني : كتب معاوية إلى أمير المؤمنين (ع) : يا أبا الحسن

__________________

(١) الأزْمَة ، بالفتح فالسكون : الشِّدَّة ، ويجوز : أزَمَة بفتحتين. ـ المؤلّف ـ

٤٧٩

إنّ لي فضائل كثيرة ؛ كان أبي سيّداً في الجاهليّة ، وصُيّرت ملكاً في الإسلام ، وأنا صهر رسول الله (ص) وخال المؤمنين ، وكاتب الوحي. فلمّا قرأ أمير المؤمنين (ع) كتابه ، قال : «أبالفضائلِ يفخر عليّ ابنُ آكلة الأكباد؟! يا غُلام اكتب». وأملى (ع) :

محمّدٌ النّبيُّ أخي وصنوي

وحمزةُ سيّدُ الشُّهداءِ عمِّي

وجعفرٌ الذي يُضحي ويُمسي

يَطيرُ معَ الملائكةِ ابنُ اُمِّي

وبنتُ مُحمّدٍ سَكنِي وعُرسي

مَنوطٌ لحمُها بدَمِي ولحمي

وسِبطا أحمدٍ إبْنايَ منٍها

فمَنْ منكُمْ له سهمٌ كسهْمِي

سبقتُكمُ إلى الإسلامِ طُرَّاً

غُلاماً ما بلغُتُ أوانَ حِلْمي

وأوجبَ ليْ ولايتَهُ عليكُمْ

رسولُ اللهِ يومَ غديرِ خُمِّ

فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ

لمَنْ يلقَى الإلهَ غداً بظُلمي

فلمّا قرأه معاوية ، قال : مزّقه يا غلام ، لا يقرأه أهل الشام فيميلون نحو ابن أبي طالب. قال عامر الشعبي : تكلّم أمير المؤمنين علي (ع) بتسع كلمات ارتجلهنَّ ارتجالاً ، فقأن عيون البلاغة ، وأيتمن جواهر الحكمة ، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهنّ ؛ ثلاث منها في المناجاة ، وثلاث منها في الحكمة ، وثلاث منها في الأدب : فأمّا اللائي في المناجاة ، فقال (ع) : «إلهي ، كفى بي عزّاً أنْ أكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أنْ تكون لي ربّاً. أنت كما اُحبّ فاجعلني كما تُحب» ؛ وأمّا اللائي في الحكمة ، فقال (ع) : «قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحسنه ، وما هلك امرؤٌ عرف قدره ، والمرء مخبوء تحت لسانه» ؛ وأمّا اللائي في الأدب ، فقال (ع) : «امنُنْ على مَن شئتَ تكُنْ أميرَه ، واحتج إلى مَن شئتَ تكُنْ أسيرَه ، واستغنِ عمَّنْ شئتَ تكُنْ نظيرَه». وعلي وأولاده عليهم‌السلام هُم معادن الحكمة ، ومنابع الفصاحة والبلاغة ، كما أنّهم ليوث الشجاعة. ولمّا كان يوم كربلاء ، خطب ولده الحسين (ع) في أهل الكوفة خُطباً كثيرةً ، ووعظهم بمواعظ جمّة ، فلمْ يُسمع متكلّمٌ قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقٍ منه.

لهُ منْ عليٍّ في الحُروبِ شجاعةٌ

ومِنْ أحمدٍ عندَ التّكلمِ قيلُ

٤٨٠