مقتل الحسين عليه السلام

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم

مقتل الحسين عليه السلام

المؤلف:

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٧

الدِّين وأنت تقيم عليه؟! ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا مَن أولى بصليّ النّار» (١).

مسلم بن عوسجة

ثمّ حمل عمرو بن الحَجّاج من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة ، وفيها قاتل مسلم بن عوسجة ، فشدّ عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي ، وثارت لشدّة الجلاد غبرة شديدة وما انجلت الغبرة إلاّ ومسلم صريع وبه رمق. فمشى إليه الحسين (ع) ومعه حبيب بن مظاهر فقال له الحسين (ع) : (رحمك الله يا مسلم! فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). ودنا منه حبيب وقال : عزّ عليّ مصرعك يا مسلم ، أبشِر بالجنّة. فقال بصوت ضعيف : بشّرك الله بخير. قال حبيب : لَو لَم أعلم أنّي في الأثر لأحببت أنْ توصي إليَّ بما أهمّك. فقال مسلم : اُوصيك بهذا وأشار إلى الحسين (ع) أنْ تموت دونه. قال : أفعل وربِّ الكعبة. وفاضت روحه بينهما. وصاحت جارية له : وآ مسلماه! يا سيّداه! يابن عوسجتاه! فتنادى أصحاب ابن الحجاج : قتلنا مسلماً.

فقال شبث بن ربعي لمَن حوله : ثكلتكم اُمّهاتكم! أيقتل مثل مسلم وتفرحون! لَربَّ موقف له كريم في المسلمين رأيته يوم آذربيجان ، وقد قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين (٢).

الميسرة

وحمل الشمر في جماعة من أصحابه على ميسرة الحسين (ع) فثبتوا لهم حتّى كشفوهم ، وفيها قاتل عبد الله بن عمير الكلبي فقتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً ، وشدّ عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمنى (٣) ، وقطع بكر بن حي ساقه.

__________________

(١) البداية لابن كثير ٨ ص ١٨٢.

(٢) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٩.

(٣) مناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٢١٧.

٢٤١

فاُخذ أسيراً وقُتل صبراً (١) ، فمشت إليه زوجته اُمّ وهب وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول : هنيئاً لك الجنّة أسأل الله الذي رزقك الجنّة أنْ يصحبني معك. فقال الشمر لغلامه رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فشدخه وماتت مكانها ، وهي أول امرأة قُتلت من أصحاب الحسين (ع) (٢).

وقطع رأسه ورمى به إلى جهة الحسين فأخذته اُمّه ومسحت الدم عنه ، ثمّ أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء فردّها الحسين (ع) وقال : «ارجعي رحمك الله فقد وضِع عنك الجهاد». فرجعت وهي تقول : اللهمّ ، لا تقطع رجائي. فقال الحسين (ع) : «لا يقطع الله رجاءك» (٣).

وحمل الشمر حتّى طعن فسطاط الحسين (ع) بالرمح وقال : عليَّ بالنّار لاُحرقه على أهله. فتصايحت النّساء وخرجن من الفسطاط ، وناداه الحسين (ع) : «يابن ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنّار لتحرق بيتي على أهلي؟! أحرقك الله بالنّار». وقال له شبث بن ربعي : أمرعباً للنّساء صرت؟ ما رأيت مقالاً أسوأ من مقالك ، وموقفاً أقبح من موقفك. فاستحى وانصرف.

وحمل على جماعته زهير بن القين في عشرة من أصحابه حتّى كشفوهم عن البيوت (٤).

عزرة يستمد الرجال

ولمّا رأى عزرة بن قيس ـ وهو على الخيل ـ الوهن في أصحابه والفشل كلّما يحملون ، بعث إلى عمر بن سعد يستمدّه الرجال ، فقال ابن سعد لشبث بن ربعي : ألا تقدم إليهم؟ قال : يا سبحان الله! تكلّف شيخ المصر ، وعندك مَن يجزي عنه. ولَم يزل شبث بن ربعي كارهاً لقتال الحسين ، وقد سُمع يقول : قاتلنا مع علي بن

__________________

(١) حكى هذا ابن الأثير ، وفي مقتل الخوارزمي ٢ ص ١٣ : إنّ شماله قُطعت بعد أن قُطعت يمينه.

(٢) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥١ ، وفي مسند أحمد ٢ ص ١٠٠ ، الطبعة الاُولى عن أبي عمر : مرّ رسول الله (ص) في غزاة غزاها بامرأة مقتولة ، فنهى عن قتل النّساء والصبيان.

(٣) تظلّم الزهراء (عليها السّلام) ص ١١٣.

(٤) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥١ ، واختصره الخوارزمي في المقتل ٢ ص ١٦.

٢٤٢

أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ، ثمّ عدونا على ولده وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية ، ضلال يا لك من ضلال! والله لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً ، ولا يسدّدهم لرشد (١). فمدّه بالحصين بن نُمير في خمسمئة من الرماة ، واشتدّ القتال ، وأكثر أصحاب الحسين (ع) فيهم الجراح حتّى عقروا خيولهم وأرجلوهم (٢) ، ولَم يقدروا أنْ يأتوهم من وجه واحد ؛ لتقارب أبنيتهم. فأرسل ابن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم وعن شمائلهم ؛ ليحيطوا بهم. فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين (ع) يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو ينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب فيعقرونه.

فقال ابن سعد : احرقوها بالنّار فأضرموا فيها النّار. فصاحت النّساء ودُهشت الأطفال ، فقال الحسين (ع) : «دعوهم يحرقونها ، فإنّهم إذا فعلوا ذلك لَم يجوزوا إليكم». فكان كما قال (٣).

أبو الشعثاء

وكان أبو الشعثاء الكندي ـ وهو يزيد بن زياد ـ مع ابن سعد ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين (ع) صار معه ، وكان رامياً فجثا على ركبتَيه بين يدَي الحسين ورمى بمئة سهم والحسين (ع) يقول : «اللهمّ سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة». فلمّا نفدت سهامه قام وهو يقول : لقد تبيّن لي أنّي قتلت منهم خمسة (٥). ثمّ حمل على القوم فقتل تسعة نفر وقُتل (٤).

الزوال

والتفت أبو ثمامة الصائدي (٦) إلى الشمس قد زالت ، فقال للحسين (ع) : نفسي

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥١.

(٢) إعلام الورى ص ١٤٥ ، وابن الأثير ٤ ص ٢٨.

(٣) ابن الأثير ٤ ص ٢٨ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ١٦.

(٤) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٥.

(٥) أمالي الصدوق ص ١٧ المجلس الثلاثون ، وفي ذخيرة الدارين : قتل تسعة عشر رجلاً.

(٦) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ٣٧٣ ، والإكليل للهمداني ١٠ ص ٩٧ : أبو ثمامة : هو

٢٤٣

لك الفداء ، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، لا والله لا تُقتل حتّى اُقتل دونك ، واُحبّ أنْ ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسين (ع) رأسه إلى السّماء وقال : «ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم هذا أول وقتها ، سلوهم أنْ يكفّوا عنّا حتّى نصلّي». فقال الحصين : إنّها لا تُقبل (١).

حبيب بن مظاهر

فقال حبيب بن مظاهر : زعمت أنّها لا تُقبل من آل الرسول وتُقبل منك يا حمار؟! فحمل عليه الحصين فضرب حبيبُ وجه فرسه بالسّيف ، فشبّت به ووقع عنه واستنقذه أصحابه فحملوه (٢) ، وقاتلهم حبيب قتالاً شديداً ، فقتل على كبره اثنين وستّين رجلاً ، وحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه ، وطعنه آخر من تميم برمحه فسقط إلى الأرض ، فذهب ليقوم وإذا الحصين يضربه بالسّيف على رأسه فسقط لوجهه ، ونزل إليه التميمي واحتزّ رأسه فهدّ مقتلُه الحسين (ع) فقال : «عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي» (٣) ، واسترجع كثيراً.

الحرّ الرياحي

وخرج من بعده الحرّ بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين ـ يحمي ظهره ـ فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر واستنقذه ، ففعلا ساعة (٤) وإنّ فرس الحرّ لمضروب على اُذنَيه وحاجبَيه والدماء تسيل منه ، وهو يتمثّل بقول عنترة :

__________________

زياد بن عمرو بن عريب بن حنظلة بن دارم الصائدي ، قُتل مع الحسين. وفي تاريخ الطبري ٦ / ١٥١ ، وزيارة النّاحية المقدسة أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي. وفي اللباب لابن الأثير ٢ / ٤٦ : الصائدي : نسبةً إلى صائد ، بطن من همدان ، واسم صايد كعب بن شرحبيل ... الخ.

(١) في الوسائل ١ ص ٢٤٧ ، الباب الواحد والأربعون ، في مواقيت الصلاة ، طبعة عين الدولة : كان أمير المؤمنين (ع) مشتغلاً بالحرب ويراقب وقت الصلاة ، فقال له ابن عبّاس ما هذا الفعل يا أمير المؤمنين قال : «اُراقب الشمس». فقال له : إنّ عندنا لشغلاً بالقتال عن الصلاة. فقال (عليه السّلام) : «إنّما قاتلناهم على الصلاة». ولَم يترك صلاة الليل حتّى ليلة الهرير.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ٢ ص ١٧.

(٣) ابن الأثير ٤ ص ٢٩ ، وتاريخ الطبري ٦ ص ٢٥١ ، وفي مقتل الحسين للخوارزمي ٢ ص ١٩ : قطع التميمي رأس حبيب ، ويقال بديل بن صريم ، وعلّق الرأس في عنق الفرس ، فلمّا دخل الكوفة رآه ابن حبيب ابن مظاهر ـ وهو غلام غير مراهق ـ فوثب عليه وقتله وأخذ رأسه.

(٤) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٢ ، والبداية ٨ ص ١٨٣.

٢٤٤

ما زلت ارميهم بثغرة نحره

ولبانه حتّى تسربل بالدم

فقال الحصين ليزيد بن سفيان : هذا الحرّ الذي كنت تتمنى قتله؟ قال : نعم. وخرج إليه يطلب المبارزة فما أسرع أنْ قتله الحرّ ، ثمّ رمى أيّوب بن مشرح الخيواني فرس الحرّ بسهم فعقره ، وشبّ به الفرس فوثب عنه كأنّه ليث (١) وبيده السّيف ، وجعل يقاتل راجلاً حتّى قتل نيفاً وأربعين (٢) ، ثمّ شدّت عليه الرجّالة فصرعته. وحمله أصحاب الحسين (ع) ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه ـ وهكذا يؤتى بكلّ قتيل إلى هذا الفسطاط ـ والحسين (ع) يقول : «قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيّين» (٣) ثمّ التفت إلى الحرّ ـ وكان به رمق ـ فقال له ، وهو يمسح الدم عنه : «أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك ، وأنت الحرّ في الدنيا والآخرة». ورثاه رجل من أصحاب الحسين ، وقيل : علي بن الحسين (٤) وقيل : إنّها من إنشاء الحسين خاصّة (٥)

لَنعم الحرُّ حرُ بني رياح

صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحرُّ إذ فادى حسيناً

وجاد بنفسه عند الصباح

الصلاة

وقام الحسين إلى الصلاة ، فقيل إنّه صلّى بمَن بقي من أصحابه صلاة الخَوف ، وتقدّم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي في نصف من أصحابه (٦) ، ويقال إنّه صلّى ، وأصحابه فرادى بالإيماء (٧) :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٨ ـ ٢٥٠.

(٢) مناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٢١٧ ، طبعة ايران.

(٣) هذا في تظلّم الزهراء (عليها السّلام) ص ١١٨ ، والبحار ١٠ ص ١١٧ ، و ١٣ ص ١٣٥ ، عن الغيبة للنعماني ص ١١٣ ، الطبع الحجرية ، باب ما يلحق الشيعة من التمحيص. وفي تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٦ ، وابن الأثير ٤ ص ٣٠ ، وإرشاد المفيد : إنّه وضع فسطاطاً في الميدان. ولَم يذكروا كلمة الحسين (ع) المعربة عن قداسة الموقف.

(٤) مقتل العوالم ص ٨٥ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ١١.

(٥) روضة الواعظين ص ١٦٠ ، وأمالي الصدوق ص ٩٧ ، المجلس الثلاثون.

(٦) مقتل العوالم ص ٨٨ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ١٧ : والذي أراه صلاة الحسين كانت قصراً ؛ لأنّه نزل كربلاء في الثاني من المحرم ، ومن أخبار جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مضافاً إلى علمه بأنّه يُقتل يوم عاشوراء لَم يستطع أن ينوي الإقامة إذا لَم تكمل له عشرة أيّام وتخيّل مَن لا معرفة له بذلك أنّه صلّى صلاة الخوف.

(٧) مثير الأحزان لابن نما ص ٤٤.

٢٤٥

وصلاة الخوف حاشاها فما

روعت والموت منها كان قابا

ما لواها الموقف الدّامي وما

صدَّها الجيش ابتعاداً واقترابا

زحفت ظامئة والشمس من

حَرَّها تلتهب الأرض التهابا

هزَّت الجيش وقد ضاقت به

عرصة الطَّف سهولا وهضابا

سائل الميدان عنها سترى

كيف أرضته طعاناً وضرابا

كيف حامت حرم الله فما

خدشت عزّاً ولا ولّت جنابا

كيف دون الله راحت تَدّري

بهواديها سهاماً وكعابا (١)

ولمّا اُثخن سعيد بالجراح سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود وابلغ نبيّك منّي السّلام وابلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإنّي أردت بذلك ثوابك في نصرة ذريّة نبيّك (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (٢) ، والتفت إلى الحسين (ع) قائلاً : أوفيت يابن رسول الله؟ قال : «نعم ، أنت أمامي في الجنّة» (٣) ، وقضى نحبه فوُجد فيه ثلاثة عشر سهماً غير الضرب والطعن (٤).

ولمّا فرغ الحسين (ع) من الصلاة قال لأصحابه : «يا كرام ، هذه الجنّة قد فتحت أبوابها ، واتصلت أنهارها ، وأينعت ثمارها ، وهذا رسول الله والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومَكم ويتباشرون بكم ، فحاموا عن دين الله ودين نبيِّه ، وذبّوا عن حرم الرسول». فقالوا : نفوسنا لنفسك الفداء ، ودماؤنا لدمك الوقاء فوالله لا يصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عرق يضرب (٥).

الخيل تعقر

ثمّ إنّ عمر بن سعد وجّه عمرو بن سعيد في جماعة من الرماة فرموا أصحاب الحسين وعقروا خيولهم (٦) ولَم يبقَ مع الحسين فارس إلاّ الضحّاك بن

__________________

(١) للعلامة السيّد محمّد ابن آية الله السيّد جمال الكلبايكاني.

(٢) مقتل العوالم ص ٨٨.

(٣) ذخيرة الدارين ص ١٧٨.

(٤) اللهوف ص ٦٢.

(٥) أسرار الشهادة ص ١٧٥.

(٦) مثير الأحزان لابن نما ص ٣٤.

٢٤٦

عبد الله المشرقي يقول : لمّا رأيت خيل أصحابنا تُعقر أقبلتُ بفرسي وأدخلتها فسطاطاً لأصحابنا. واقتتلوا أشدّ القتال (١). وكان كلّ مَن أراد الخروج ودّع الحسين (ع) بقوله : السّلام عليك يابن رسول الله. فيُجيبه الحسين (ع) : «وعليك السّلام ، ونحن خلفك» ، ثمّ يقرأ (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢).

أبو ثمامة

وخرج أبو ثمامة الصائدي فقاتل حتّى اُثخن بالجراح ، وكان مع عمر بن سعد ابن عمّ له ، يقال له قيس بن عبد الله بينهما عداوة ، فشدّ عليه وقتله.

زهير وابن مضارب

وخرج سلمان بن مضارب البجلي ـ وكان ابن عمّ زهير بن القين ـ فقاتل حتّى قُتل. وخرج بعده زهير بن القين فوضع يده على منكب الحسين وقال مستأذناً :

أقدم هديت هادياً مهديّاً

فاليوم القى جَدَّك النبيّا

وحسناً والمرتضى عليّاً

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسد الله الشهيد الحي

فقال الحسين (ع) : «وأنا ألقاهما على أثرك». وفي حملاته يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

أذودكم بالسّيف عن حسين

فقتل مئة وعشرين ، ثمّ عطف عليه كثير بن عبد الله الصعبي والمهاجر بن أوس فقتلاه. فوقف الحسين (ع) وقال : «لا يبعدنّك الله يا زهير ، ولعن قاتليك لعن الذين مُسخوا قردةً وخنازير» (٣).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٥.

(٢) مقتل العوالم ص ٨٥ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٢٥.

(٣) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٣ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٢٠.

٢٤٧

عمرو بن قرظة

وجاء عمرو بن قرظة الأنصاري (١) ووقف أمام الحسين (ع) يقيه من العدو ويتلقّى السّهام بصدره وجبهته فلم يصل إلى الحسين (ع) سوء ، ولمّا كثر فيه الجراح التفت إلى أبي عبد الله وقال : أوفيت يابن رسول الله؟ قال : «نعم ، أنت أمامي في الجنّة ، فاقرأ رسول الله منّي السّلام ، وأعلِمه أنّي في الأثر». وخرَّ ميّتاً (٢).

فنادى أخوه علي وكان مع ابن سعد : يا حسين ، يا كذّاب ، غررت أخي حتّى قتلته؟ فقال عليه السّلام : «إنّي لَم أغر أخاك ، ولكنّ الله هداه وأضلّك». فقال : قتلني الله إنْ لَم أقتلك. ثمّ حمل على الحسين ليطعنه ، فاعترضه نافع بن هلال الجملي فطعنه حتّى صرعه ، فحمله أصحابه وعالجوه وبرئ (٣).

نافع الجملي

ورمى نافع بن هلال الجملي المذحجي بنبال مسمومة ، كتب اسمه عليها (٤) وهو يقول (٥).

أرمي بها معلمة أفواقها

مسمومة تجري بها اخفاقها

ليملأنَّ ارضها رشاقها

والنفس لا ينفعها اشفاقها

فقتل اثنى عشر رجلاً سوى من جرح ، ولمّا فنيت نباله جرّد سيفه يضرب فيهم ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه وأخذوه أسيراً (٦)

__________________

(١) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ٣٤٥ : من ولد عمرو بن عامر بن زيد مناة بن مالك الأغر ، وهو الشاعر المعروف بابن الاطنابة قرظة بن كعب بن عمرو الشاعر ، له صحبة. كان لقرظة بن عمرو ابنان ؛ عمرو قُتل مع الحسين (ع) ، وآخر مع ابن سعد ولَم يسمّه.

(٢) مقتل العوالم ص ٨٨.

(٣) ابن الأثير ٤ ص ٢٧.

(٤) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٢ ، وكامل ابن الأثير ٤ ص ٢٩ ، والبداية ٨ ص ١٨٤.

(٥) مقتل العوالم ص ٩٠ ، وذكر ابن كثير في البداية ٨ ص ١٨٤ : الشطر الأول والرابع ، ومثله في رواية الصدوق في الأمالي ، وسمّاه هلال بن حَجّاج.

(٦) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٢١.

٢٤٨

فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه ، فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك؟ قال : إنّ ربّي يعلم ما أردتُ. فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك؟ فقال : والله لقد قَتلتُ منكم اثني عشر رجلاً سوى مَن جرحت ، وما ألوم نفسي على الجهد ، ولَو بقيت لي عضد ما أسرتموني (١). وجرّد الشمر سيفه فقال له نافع : والله يا شمر لَو كنتَ من المسلمين لعظم عليك أنْ تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدَي شرار خلقه. ثمّ قدّمه الشمر وضرب عنقه (٢).

واضح وأسلم

ولمّا صُرع واضح التركي مولى الحرث المذحجي استغاث بالحسين (ع) ، فأتاه أبو عبد الله واعتنقه ، فقال : مَن مثلي وابن رسول الله (ص) واضع خدّه على خدّي! ثم فاضت نفسه الطاهرة (٣).

ومشى الحسين إلى أسلم مولاه ، واعتنقه وكان به رمق فتبسّم وافتخر بذلك ومات (٤)!

برير بن خضير

ونادى يزيد بن معقل (٥) : يا برير كيف ترى صنع الله بك؟ فقال : صنع الله بي خيراً ، وصنع بك شرّاً. فقال يزيد : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّابا ، أتذكر يوم كنت اُماشيك في بني لوذان (٦) وأنت تقول : كان معاوية ضالاً وإنّ إمام

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٣.

(٢) البداية لابن كثير ٨ ص ٨٤ ، وتاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٣.

(٣) مقتل العوالم ص ٩١ ، وأبصار العين ص ٨٥. وفي مقتل الحسين للخوارزمي ٢ ص ٢٤ : كان الغلام التركي من موالي الحسين (ع) ، قارئاً للقرآن ، عارفاً بالعربية ، وقد وضع الحسين (ع) خدّه على خدّه حين صُرع فتبسّم.

(٤) ذخيرة الدارين ص ٣٦٦.

(٥) في تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٧ : إنّه من بني عمير بن ربيعة وهو حليف لبني سليمة ابن بني عبد القيس.

(٦) في تاج العروس بمادة (لوذ) ، لوذان بن عبد ودّ بن الحرث بن زيد بن جشم بن حاشد.

٢٤٩

الهدى علي بن أبي طالب؟ قال برير : بلى ، أشهد إنّ هذا رأيي. فقال يزيد : وأنا أشهد إنّك من الضالّين. فدعاه برير إلى المباهلة فرفعا أيديهما إلى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله ، ثمّ تضاربا فضربه برير على رأسه قدّت المغفر والدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من شاهق ، وسيف برير ثابت في رأسه. وبينا هو يريد أنْ يخرجه إذ حمل عليه رضي بن منقذ العبدي واعتنق بريراً واعتركا فصرعه برير وجلس على صدره ، فاستغاث رضي بأصحابه ، فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل على برير ، فصاح به عفيف بن زهير بن أبي الأخنس : هذا برير بن خضير القارئ الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة ، فلَم يلتفت إليه وطعن بريراً في ظهره ، فبرك برير على رضي وعض وجهه وقطع طرف أنفه ، وألقاه كعب برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله.

وقام العبدي ينفض التراب عن قبائه وقال : لقد أنعمت عليَّ يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبداً.

ولمّا رجع كعب بن جابر إلى أهله عتبت عليه امرأته النوار وقالت : أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد القرّاء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر ، والله لا اُكلّمك من رأسي كلمة أبداً. فقال :

سلي تخبري عنّي وانت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

ألم آت اقصى ما كرهت ولم يخل

عليَّ غداة الروع ما أنا صانع

معي يزني لم تخنه كعوبُه

وأبيضُ مخشوب الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم

بديني وإني بابن حرب لقانع

ولم ترَ عيني مثلهم في زمانهم

ولا قبلهم في النّاس إذ أنا يافع

أشدّ قراعا بالسيوف لدى الوغى

ألا كل من يحمي الذمار مقارع

وقد صبروا للضرب والطعن حُسّراً

وقد نازلوا لو أنَّ ذلك نافع

فأبلغ عبيد الله أما لقيته

بأنّي مطيع للخليفة سامع

قتلت بريراً ثم حملت نعمة

ابا منقذ لما دعا من يماصع

فردّ عليه رضي بن منقذ العبدي بقوله :

ولو شاء ربي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عندي ابن جابر

لقد كان ذاك اليوم عاراً وسبَّة

تعيره الابناء بعد المعاشر

٢٥٠

فيا ليت إنّي كنت من قبل قَتْلِه

ويوم حسين كنت في رمس قابر (١)

حنظلة الشبامي

ونادى حنظلة بن سعد الشبامي : يا قوم ، إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، وما الله يريد ظلماً للعباد. يا قوم ، إنّي أخاف عليكم يوم التناد يوم تولّون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد. يا قوم ، لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى.

فجزاه الحسين (ع) خيراً وقال : «رحمك الله إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين». قال : صدقت يابن رسول الله أفلا نروح إلى الآخرة؟ فأذن له ، فسلّم على الحسين (ع) وتقدّم حتّى قُتل (٢).

عابس

وأقبل عابس بن شبيب الشاكري على شَوذب (٣) مولى شاكر ـ وكان شَوذب من الرجال المخلصين وداره مألف للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيت ـ

فقال : يا شَوذب ، ما في نفسك أنْ تصنع؟ قال : اُقاتل معك حتّى اُقتل. فجزاه خيراً وقال له : تقدّم بين يدَي أبي عبد الله (ع) حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتّى أحتسبك فإنّ هذا يوم نطلب فيه الأجر بكلّ ما نقدر عليه. فسلّم شَوذب على الحسين ، وقاتل حتّى قُتل.

فوقف عابس أمام أبي عبد الله (ع) وقال : ما أمسى على ظهر الأرض

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٨.

(٢) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٤.

(٣) في إعلام الورى ص ١٤٥ : سمّاه شودان ، وفي ارشاد المفيد كما هنا.

٢٥١

قريب ولا بعيد أعزّ عليَّ منك ، ولَو قدرت أنْ أدفع الضيم عنك بشيء أعزّ عليَّ من نفسي لفعلت ، السّلام عليك ، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك. ومشى نحو القوم مصلتاً سيفه وبه ضربة على جبينه فنادى : ألا رجل؟ فأحجموا عنه ؛ لأنّهم عرفوه أشجع النّاس. فصاح عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة. فرُمي بها ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره وشدّ على النّاس وإنّه ليطرد أكثر من مئتين ، ثمّ تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقُتل. فتنازع ذووا عدة في رأسه ، فقال ابن سعد : هذا لَم يقتله واحد. وفرّق بينهم بذلك (١).

جون

ووقف جون (٢) مولى أبي ذرّ الغفاري أمام الحسين يستأذنه فقال (عليه السّلام) : «يا جون إنّما تبعتنا طلباً للعافية ، فأنت في إذن منّي». فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول : أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدّة أخذلكم ، إنّ ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس عليَّ بالجنّة ؛ ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيّض لوني ، لا والله لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الحسين (٣) ، فقَتل خمساً وعشرين وقُتل. فوقف عليه الحسين (ع) وقال : «اللهمّ بيِّض وجهه وطيِّب ريحه ، واحشره مع محمّد (ص) وعرِّف بينه وبين آل محمّد (ص)».

فكان مَن يمرّ بالمعركة يشمّ منه رائحةً طيّبة أذكى من المسك (٤).

أنس الكاهلي

وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاًً كبيراً صحابياً ، رأى النبي

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٤.

(٢) في تاريخ الطبري ٦ ص ٢٣٩ : بالحاء المهملة وبعدها واو ثمّ الياء (حوى). وفي مناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٢١٨ : برز جوين ابن أبي مالك مولى أبي ذر الغفاري ، وفي مقتل الحسين للخوارزمي ١ ص ٢٣٧ : جون مولى أبي ذر الغفاري ، وكان عبداً أسود.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ص ٣٣ ، طبعة ايران. وفي اللهوف ص ٦١ طبعة صيدا : أفتنفس بالجنّة أترغب أن لا أدخل الجنة؟

(٤) مقتل العوالم ص ٨٨.

٢٥٢

وسمع حديثه وشهد معه بدراً وحنيناً ، فاستأذن الحسين (ع) وبرز شاداً وسطه بالعمامة رافعاً حاجبيه بالعصابة ، ولمّا نظر إليه الحسين (ع) بهذه الهيئة بكى وقال : «شكر الله لك يا شيخ». فقَتل على كبره ثمانية عشر رجلاً وقُتل (١).

عمرو بن جنادة

وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أنْ قُتل أبوه ـ وهو ابن إحدى عشرة سنة ـ يستأذن الحسين (ع) فأبى وقال : «هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الاُولى ، ولعلّ اُمّه تكره ذلك». قال الغلام : إنّ اُمّي أمرتني. فأذن له فما أسرع أنْ قُتل ورُمي برأسه إلى جهة الحسين (ع) فأخذته اُمّه ومسحت الدم عنه ، وضربت به رجلاً قريباً منها فمات (٢) وعادت إلى المخيّم فأخذت عموداً وقيل سيفاً وأنشأت :

إنّي عجوز في النّسا ضعيفة

خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

فردّها الحسين (ع) إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجلَين (٣).

الحَجّاج الجعفي

وقاتل الحجاج بن مسروق الجعفي حتّى خضب بالدماء ، فرجع إلى الحسين (ع) يقول :

__________________

(١) ذخيرة الدارين ص ٢٠٨. وذكر ابن نما في مثير الأحزان مبارزته ورجزه ، وفي الإصابة ١ ص ٦٨ : له ولأبيه صحبة ، وروى عنه حديث رسول الله (ص) : «يُقتل ولدي بأرض كربلاء ، فمن شهد ذلك فلينصره». وذكره السيوطي في الخصائص ٢ ص ١٢٥ ، والجزري في اُسد الغابة ١ ص ١٢٣ ، وأبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل ١ ص ٢٨٧.

(٢) ابن شهر آشوب ٣ ص ٢١٩ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٢٢ : وليس هذا بالبعيد بعد ما يحدث الشيخ المفيد في كتاب الجمل ص ١٣٧ الطبعة الثانية : إنّ حكيم بن جبلة العبدي لمّا قطعت رجله ضرب بها الرجل فصرعه. وفي تاريخ الطبري ٥ ص ١٨٠ وكامل ابن الأثير ٣ ص ٣٥ : بعد أن قتل الرجل قال :

يا فخذ لن تراعي

إن معي ذراعي

أحمي بها كراعي

وقال ابن الأثير في الكامل ٢ / ١٤٠ : قطع رجل من أصحاب مسيلمة رجل ثابت بن قيس فأخذها ثابت وضرب بها الرجل فقتله.

(٣) البحار ١٠ ص ١٩٨ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٢٢. وفي الإصابة ترجمة أسماء بنت يزيد بن السكن أنّها يوم اليرموك أصابت بالعمود تسعة من الروم فقتلتهم.

٢٥٣

اليوم ألقى جدّك النبيّا

ثم أباك ذا النّدى عليا

ذاك الذي نعرفه الوصيّا

فقال الحسين : «وأنا ألقاهما على أثرك». فرجع يقاتل حتّى قُتل (١).

سوار

وقاتل سوار بن أبي حِمير من ولد فهم بن جابر بن عبد الله بن قادم الفهمي الهمداني قتالاً شديداً حتّى ارتث بالجراح (٢) واُخذ أسيراً ، فأراد ابن سعد قتله وتشفّع فيه قومه ، وبقي عندهم جريحاً إلى أنْ توفّي على رأس ستّة أشهر (٣).

وفي زيارة النّاحية المقدّسة : «السّلام على الجريح المأسور ، سوار بن أبي حمير الفهمي الهمداني ، وعلى المرتث معه عمر بن عبد الله الجندعي».

سويد

ولمّا اُثخن بالجراح سويد بن عمرو بن أبي المطاع سقط لوجهه ، وظُنَّ أنّه قُتل ، فلمّا قُتل الحسين (ع) وسمعهم يقولون : قُتل الحسين. أخرج سكّينةً كانت معه فقاتل بها ، وتعطفوا عليه فقتلوه ، وكان آخر مَن قُتل من الأصحاب بعد الحسين (عليه السّلام).

هم عصمة اللاجي إذا هو يختشي

وهم ديمة الراجي اذا هو يجتدي

إذا ما خبت نار الوغى شعشعوا

لها سيوفهم جمرا وقالوا توقَّدي

ثقال الخطا لكنَّ يخفون للوغى

سراعا بخرصان الوشيج المسدّد

إذا أشرعوا سمر الرماح حسبتها

كواكب في ليل من النقع أسود

أو اصطدمت تحت العجاج كتائب

جرى أصيد منهم لها اثر أصيد

يكرُّون والابطال طائشة الخطى

وشخص المنايا بالعجاجة مرتدي

__________________

(١) البحار ١٠ ص ١٩٨ ، عن مقتل الحائري.

(٢) الاكليل للهمداني ١٠ ص ١٠٣. والرتيث : من حمل من المعركة جريحاً وبه رمق.

(٣) الحدائق الوردية ـ مخطوط ـ ويوافقه ما في الاكليل أنّه مات من جراحه غير أنّه لم يذكر أسره.

٢٥٤

لووا جانباً عن مورد الضّيم فانثنوا

على الأرض صرعى سيّداً بعد سيّد

هووا للثرى نهب السّيوف جسومهم

عوار ولكن بالمكارم ترتدي

وأضحى يدير السبط عينيه لا يرى

سوى جثث منهم على الترب ركّد

أحاطت به سبعون ألفاً فردَّها

شوارد امثال النّعام المشرد

وقام عديم النّصر بين جموعهم

وحيداً يحامى عن شريعة أحمد

إلى أن هوى للأرض شلْوا مبضعاً

ولَم يروِ من حرِّ الظما قلبه الصدي

هوى فهوى التوحيد وانطمس الهدى

وحُلّت عرى الدين الحنيف المشيّد

له الله مقطور الفؤاد من الظما

صريعاً على وجه الثرى المتوقّد

ثوى في هجير الشمس وهو

معفَّر تظلله سمر القنا المتقصّد

وأضحت عوادي الخيل من فوق صدره

تروح إلى كرّ الطراد وتغتدي

وهاتفة من جانب الخدر ثاكل

بدت وهي حسرى تلطم الخدّ باليد

يؤَلّمها قرع السّياط فتنثني

تحن فيشجي صوتها كل جلمد

وسيقت على عجف المطايا أسيرة

يطاف بها في مشهد بعد مشهد

سرت تتهاداها علوج اُميّة

فمن ملحد تهدى إلى شر ملحد (١)

شهادة أهل البيت (ع)

علي الأكبر

ولمّا لَم يبقَ مع الحسين إلاّ أهل بيته ، عزموا على ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مرّ ونفوس أبيّة ، وأقبل بعضهم يودّع بعضاً (٢) وأول مَن تقدّم أبو الحسن (٣) علي الأكبر (٤) وعمره سبع وعشرون سنة ؛ فإنّه ولد في الحادي عشر من شعبان سنة

__________________

(١) للحجة السيد محمّد حسين الكيشوان رحمه الله.

(٢) مقتل لخوارزمي ٢ ص ٢٦.

(٣) ذكرنا في رسالة (علي الأكبر ص ١٤) الرواية عن أبي الحسن الرضا (ع) أنّه كان متزوّجاً من اُمّ ولد ، فلعلّ الكنية بأبي الحسن من جهة ولد له منها اسمه (الحسن) كما يقتضيه التسمية باُمّ ولد مع أنّ زيارته المرويّة في كامل الزيارات ص ٢٣٩ تؤكّده. قال الصادق (ع) في تعليم أبي حمزة «قُل ، صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك واُمّهاتك الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهراً» ، والأبناء جمع أقلّه إثنان.

(٤) في رسالتنا (علي الأكبر) ذكرنا نصوص المؤرّخين على أنّه أكبر من السّجاد (ع) وسيأتي في الحوادث بعد الشهادة ، اعتراف زين العابدين به في المحاورة الجارية بينه وبين ابن زياد.

٢٥٥

ثلاث وثلاثين من الهجرة (١) ، وكان مرآة الجمال النّبوي ومثال خُلُقه السّامي واُنموذجاً من منطقه البليغ ، وإذا كان شاعر رسول الله (ص) يقول فيه :

وأحسن منك لَم ترَ قطٌّ عيني

وأجمل منك لم تلد النّساء

خلقت مبرَّءاً من كلِّ عيب

كأنّكَ قد خلقت كما تشاء

فمادح الأكبر يقول (٢) :

لم تَر عينٌ نظرت مثله

من محتفٍ يمشي ومن ناعل

يغلي نهيء اللحم حتّى اذا

انضج لم يغل على الآكل (٣)

كان اذا شبّت له ناره

اوقدها بالشرف القابل (٤)

كيما يراها بائس مرمل

او فردُ حيٍ ليس بالآهل

لا يؤثر الدنيا على دينه

ولايبيع الحقُّ بالباطل

أَعني ابن ليلى ذا الندى والسدى

أَعني ابن بنت الحَسَب الفاضل (٥)

فعلي الأكبر هو المتفرّع من الشجرة النبويّة ، الوارث للمآثر الطيّبة ، وكان حريّاً بمقام الخلافة لَولا أنّها منصوصة من إله السّماء. وقد سجّل سبحانه أسماءهم في الصحيفة النازل بها جبرئيل (عليه السّلام) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ورث الصفات الغرّ وهي تراثه

من كل غطريف وشهم أصيد

أَعني ابن ليلى ذا الندى والسدى

أَعني ابن بنت الحَسَب الفاضل (٥)

في بأس حمزة في شجاعة حيدر بإبا الحسين وفي مهابة أحمد

__________________

(١) أنيس الشيعة ـ مخطوط ـ للسيد محمّد عبد الحسين الجعفري الحائري ، ألّفه باسم السّلطان فتح علي شاه.

(٢) في مقاتل الطالبيين ص ٣٢ : إنّها قيلت في علي الأكبر.

(٣) يغلي : الأولى بمعنى يفير. والثانية ضد يرخص والنّهيء كما في أقرب الموارد مادّة (نهيء) : اللحم غير المطبوخ.

(٤) الشرف : الموضع العالي. والقابل بمعنى المقبل لعلوّه وارتفاعه ، وهذه عادة العرب أنّهم يوقدون النّار في المكان المرتفع ليهتدي الركب في الليل.

(٥) في مصباح المنير مادّة ندى : إنّ ما يسقط أول الليل من البلل يقال له سدى ، وما يسقط آخره يقال له الندى. وفي مراتب النحويين ص ٥٣ ، لأبي الطيب عبد الواحد الحلبي المتوفّى ٣٥١ : قال الأصمعي : إنّ أبا زيد يزعم أنّ النّدى ما كان في الأرض ، والسدى ما يسقط من السّماء فقال : إذاً فما يصنع بقول الشاعر؟

ولقد أتيت البيت يخشى أهله

بعد الهدو وبعدما سقط الندى

أتراه سقط من الأرض إلى السّماء؟!

٢٥٦

وتراه في خلق وطيب خلائق

وبليغ نطق كالنبيّ محمد (١)

ولمّا يمّم الحرب ، عزّ فراقه على مخدّرات الإمامة ؛ لأنّه عماد أخبيتهن وحمى أمنهن ومعقد آمالهن بعد الحسين. فكانت هذه ترى هتاف الرسالة في وشك الانقطاع عن سمعها ، وتلك تجد شمس النبوّة في شفا الكسوف ، واُخرى تشاهد الخُلق المحمدي قد آذن بالرحيل ، فأحطن به وتعلّقن بأطرافه وقلن : ارحم غربتنا ، لا طاقة لنا على فراقك. فلم يعبأ بهنّ ؛ لأنّه يرى حجّة الوقت مكثوراً قد اجتمع أعداؤه على إراقة دمه الطاهر ، فاستأذن أباه وبرز على فرس للحسين تسمّى لاحقاً (٢).

ومن جهة أنَّ ليلى اُمّ الأكبر بنت ميمونة ابنة أبي سفيان (٣) صاح رجل من القوم : يا علي إنّ لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد ، ونريد أنْ نرعى الرحم ، فإنْ شئت آمنّاك. قال (عليه السّلام) : إنّ قرابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحقّ أنْ تُرعى (٤). ثمّ شدّ يرتجز معرِّفاً بنفسه القدسيّة وغايته السّامية :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وربُّ البيت أُولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي (٥)

أضرب بالسيف اُحامي عن أبي

ضرب غلام هاشميًّ قرشي (٦)

ولَم يتمالك الحسين (عليه السّلام) دون أن أرخى عينيه بالدموع (٧) وصاح بعمر بن سعد : «مالك؟ قطع الله رحمك كما قطعتَ رحمي ، ولَم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسلّط عليك من يذبحك على فراشك» (٨). ثمّ رفع شيبته المقدّسة نحو السّماء وقال : «اللهمّ اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم

__________________

(١) هذه الأبيات والتي تأتي بعدها للحجّة آية الله الشيخ عبد الحسين صادق العاملي (قدّس سرّه).

(٢) في كتاب فضل الخيل لعبد المؤمن الدمياطي المتوفّى سنة ٨٠٥ الصفحة ١٧٨ : أحد فرسي الحسين بن علي يسمّى (لاحقاً). وفي صفحة ١٨٣ قال : كان للحسين بن علي (رضي الله عنه) فرس اسمه اليحموم ، وله فرس اُخرى تُدعى لاحقاً حمل عليها ولده علي بن الحسين الأكبر يوم قتلا بالطف.

(٣) الإصابة لابن حجر ٤ ص ١٧٨ ، ترجمة أبي مرة.

(٤) سرّ السلسلة لأبي نصر في النّسب ، ونسب قريش ص ٥٧ لمصعب الزبيدي.

(٥) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٦ ، وإعلام الورى للطبرسي ص ١٤٥ ، ومثير الأحزان ص ٣٥.

(٦) تمام الأبيات من رواية الشيخ المفيد قدّس سرّه في الإرشاد.

(٧) مثير الأحزان لان نما ص ٣٥ ، والإرشاد للمفيد.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣٠.

٢٥٧

أشبه النّاس برسولك محمّد خَلقاًَ وخُلُقاً ومنطقاً (١) ، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه ، اللهمّ فامنعهم بركات الأرض ، وفرِّقهم تفريقاً ، ومزِّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً ، فإنّهم دعونا لينصرونا ، ثمّ عدَوا علينا يقاتلونا» ، ثمّ تلا قوله تعالى : (إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢).

ولم يزل يحمل على المَيمنة ويعيدها على المَيسرة ويغوص في الأوساط ، فلَم يقابله جحفل إلاّ ردّه ، ولا برز إليه شجاع إلاّ قتله :

يرمي الكتائب والفلا غصَّت بها

في مثلها من بأسه المتوقِّد

فيردّها قسراً على أعقابها

في بأس عرّيس العرينة ملبد

فقتل مئة وعشرين فارساً. وقد اشتدّ به العطش فرجع إلى أبيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش (٣) فبكى الحسين (ع) وقال : «وآ غوثاه! ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربةً لا تظمأ بعدها» وأخذ لسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه (٤).

ويؤوب للتوديع وهو مكابد

لظما الفؤاد وللحديد المجهد

صادي الحشا وحسامه ريّان من

ماء الطلا وغليله لم يبرد

يشكو لخير أب ظماه وما اشتكي

ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصدي

كل حشاشته كصالية الغضا

ولسانه ظمأ كشقة مبرد

فانصاع يؤثره عليه بريقه

لو كان ثَمّة ريقه لم يجمد

وَمُذ انثنى يلقى الكريهة باسماً

والموت منه بمسمع وبمشهد

__________________

(١) مثير الأحزان لابن نما واللهوف ومقتل الخوارزمي.

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣٠.

(٣) مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج ص ٤٧ الطبعة الحجرية ، ومقتل العوالم ص ٩٦ ، وروضة الواعظين ص ١٦١ ، ومناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٢٢٢ طبعة ايران ، ومثير الأحزان لابن نا ص ٣٥ ، واللهوف ص ٦٤ طبعة صيدا ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٣٠.

(٤) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣١ ، ومقتل العوالم ص ٩٥. جاء في معاهد التنصيص للعباسي ٢ ص ٥١ : أنّ يزيد بن مزيد الشيباني لمّا لحق الوليد بن طريف وأجهده العطش ، وضع خاتمه في فمه وتبع الوليد حتّى طعنه بالرمح. وروى الكليني في الكافي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه لا بأس للصائم أن يمصّ الخاتم ، وبه أفتى العلماء بالجواز ولعلّ من أسراره أنّه يسبب عمل الغدد في الإفراز ، وعليه فلا خصوصيّة للخاتم بل كلّ ما يسبب عمل الغدد في الإفراز يوضع في الفم كالحصى ونحوهما.

٢٥٨

لفَّ الوغى وأجالها جول الرحى

بمثقَّف من بأسه ومهنَّد

يلقى ذوابلها بذابل معطف

ويشيم أنصلها بجيد أجيد

حتى إذا ما غاص في اوساطهم

بمطهَّم قبَّ الاياطل اجرد

عثر الزمان به فغودر جسمه

نهب القواضب والقنا المتقصّد

ورجع علي إلى الميدان مبتهجاً بالبشارة الصادرة من الإمام الحجّة (عليه السّلام) بملاقاة جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فزحف فيهم زحفة العلوي السّابق ، وغبَّر في وجوه القوم ولَم يشعروا أهو الأكبر يطرد الجماهير من أعدائه أم أنّ الوصي (عليه السّلام) يزأر في الميدان؟ أم أنّ الصواعق تترى في بريق سيفه فأكثر القتلى في أهل الكوفة حتّى أكمل المئتين؟ (١).

فقال مرّة بن منقذ العبدي (٢) : عليَّ آثام العرب إنْ لَم أثكل أباه به (٣). فطعنه بالرمح في ظهره (٤) وضربه بالسّيف على رأسه ففلق هامته ، واعتنق فرسه فاحتمله إلى معسكر الأعداء ، وأحاطوا به حتّى قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً (٥).

ومحا الردى يا قاتلَ اللهُ الردى

منه هلالٌّ دجى وغرة فرقد

يا نجعة الحيَّيْن هاشم والندى

وحمى الذماريْن العلى والسؤدد

كيف ارتقت همم الردى لك صعدة

مطرورة الكعبين لم تتأوَّد

أفديه من ريحانة ريّانة

جفَّت بحرّ طما وحرّ مهنّد

بكر الذبول على نضارة غصنه

إن الذبول لآفة الغصن الندي

لله بدرٌ من مراق نجيعه

مزج الحسام لجينه بالعسجد

ماء الصبا ودم الوريد تجاريا

فيه ولاهب قلبه لم يخمد

لم أنسه متعمّما بشباالظبى

بين الكماة بالاسنَّة مرتدي

خضبت ولكن من دمٍ وفراته

فاخضر ريحان العذار الأسود

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣١.

(٢) كامل ابن الأثير ٤ ص ٣٠ ، والأخبار الطوال ص ٢٥٤ ، وإرشاد المفيد ، ومثير الأحزان ، واللهوف. وفي تاريخ الطبري ٦ ص ٢٦٥ : مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ثمّ الليثي. وفي مقاتل العوالم ص ٩٥ : منقذ بن مرّة.

(٣) الإرشاد للمفيد ، وتاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٦.

(٤) مناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٢٢٢.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣١ ، ومقتل العوالم ص ٩٥.

٢٥٩

ونادى رافعاً صوته : عليك منّي السّلام أبا عبد الله (١) ، هذا جدّي قد سقاني بكأسه شربةً لا أظمأ بعدها ، وهو يقول : إنّ لك كأساً مذخورةً (٢). فأتاه الحسين (عليه السّلام) وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدِّه (٣) وهو يقول : «على الدنيا بعدك العفا ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول (٤) ، يعزّ على جدّك وأبيك أنْ تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك» (٥).

ثمّ أخذ بكفّه من دمه الطاهر ورمى به نحو السّماء فلَم يسقط منه قطرة ـ وفي هذا جاءت زيارته : «بأبي أنت واُمّي من مذبوح ومقتول من غير جرم ، بأبي أنت واُمّي دمك المرتقى به إلى حبيب الله ، بأبي أنت واُمّي من مقدّم بين يدَي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقاً عليك قلبُه ، يرفع دمك إلى عنان السّماء لا يرجع منه قطرة ، ولا تسكن عليك من أبيك زفرة» (٦) ـ.

وأمر فتيانه أنْ يحملوه إلى الخيمة ، فجاؤوا به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه.(٧)

وحرائر بيت الوحي ينظرن إليه محمولاً قد جللته الدماء بمطارف العزّ حمراء وقد وزع جثمانه الضرب والطعن ، فاستقبلنه بصدور دامية وشعور منشورة وعولةٍ تصكُّ سمع الملكوت وأمامهنّ عقيلة بني هاشم زينب الكبرى ابنة فاطمة بنت رسول الله (ص) (٨) صارخةً نادبةً فألقت بنفسها عليه تضمّ إليها جمام

__________________

(١) رياض المصائب ص ٣٢١.

(٢) مقتل العوالم ص ٩٥ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٣١.

(٣) اللهوف ص ٦٤.

(٤) تأريخ الطبري ٦ ص ٢٦٥.

(٥) مقتل العوالم ص ٩٥.

(٦) كامل الزيارات ص ٢٣٩ : هي صحيحة السند ، علّمها الصادق (ع) أبا حمزة الثمالي ، وسيأتي فيما يتعلّق بالليلة الحادية عشر نصوص أهل السنّة على احتفاظ النّبي (ص) بدم الأصحاب وأهل بيته.

(٧) الإرشاد للمفيد وتاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٦ ، ومقتل الحسين للخوارزمي ٢ ص ٣١.

(٨) في تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٦ ، والبداية لابن كثير ٨ ص ١٨٥ : قال حميد بن مسلم : لمّا قُتل علي الأكبر ، رأيت امرأةً خرجت من الفسطاط تصيح : وآ ابن أخاه! فجاءت وانكبّت عليه فأخذ الحسين بيدها وردّها إلى الخيمة. فسألت عنها قيل : هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

٢٦٠