مقتل الحسين عليه السلام

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم

مقتل الحسين عليه السلام

المؤلف:

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٧

هذا الماء ، فقال له مسلم بن عمرو الباهلي (١) : لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم ، قال مسلم (ع) : من أنت؟ قال : أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، فقال له ابن عقيل : لاُمّك الثكل ، ما أقساك وأفظّك ، أنت ابن باهلة أولى بالحميم ، ثمّ جلس وتساند إلى حائط القصر (٢).

فبعث عمارة بن عقبة بن أبي معيط غلاماً له يُدعى قيساً (٣) فأتاه بالماء ، وكلّما أراد أنْ يشرب ، امتلأ القدح دماً ، وفي الثالثة ذهب ليشرب فامتلأ القدح دماً وسقطت فيه ثناياه فتركه وقال : لو كان من الرّزق المقسوم لشربتُه.

وخرج غلام ابن زياد فأدخله عليه ، فلم يسلِّم ، فقال له الحرسي : ألا تسلِّم على الأمير؟ قال له : اسكت إنّه ليس لي بأمير (٤) ، ويقال أنّه قال : السّلام على من اتبع الهدى وخَشِي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى ، فضحك ابن زياد وقال : سلَّمت أو لَمْ تسلِّم إنّك مقتول (٥) ، فقال مسلم : إنْ قتلتني فلقد قَتَل مَنْ هو شرّ منك مَنْ هو خيراً منّي ، وبعد فإنّك لا تدع سوء القتلة ولا قبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك.

فقال ابن زياد : لقد خرجتَ على إمامك ، وشققتَ عصا المسلمين ، والقحت الفتنة ، قال مسلم : كذبت إنّما شقّ العصا معاوية وابنه يزيد ، والفتنة ألقحها أبوك ، وأنا أرجوا أنْ يرزقني الله الشهادة على يد شرّ بريّته (٦).

ثمّ طلب مسلم أنْ يوصي إلى بعض قومه فأذِن له ونظر إلى الجلساء فرأى عمر بن سعد ، فقال له : إنّ بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، ويجب عليك نجح حاجتي وهي سرّ. فأبى أن يمكّنه من ذكرها ، فقال ابن زياد : لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك ، فقام معه بحيث يراهما ابن زياد ، فأوصاه مسلم أنْ

__________________

(١) في كامل ابن الأثير ٤ ص ١٢٦ حوادث سنة (٧١ ـ) : مسلم بن عمرو الباهلي ، والد قتيبة ، وفي تاريخ الطبري ٧ ص ١٨٥ الطبعة الاُولى حوادث سنة (٧١ ـ) : قتل مسلم بن عمرو الباهلي (بدير الجاثليق) وكان مع مصعب بن الزبير لمّا التقى مع جيش عبد الملك ..

(٢) الارشاد للشيخ المفيد.

(٣) الطبري ٦ ص ٢١٢ : وعند المفيد : أنّ عمرو بن حريث بعث غلامه سليما فأتاه بالماء.

(٤) اللهوف ص ٣٠ ، وتاريخ الطبري ٦ ص ٢١٢.

(٥) المنتخب ص ٣٠٠.

(٦) ابن نما ص ١٧ ، ومقتل الحوارزمي ١ ص ٢١١ الفصل العاشر.

١٦١

يقضي من ثمن سيفه ودرعه ديناً استدانه منذ دخل الكوفة يبلغ ستمئة درهم (١) ، وأنْ يستوهب جثّته من ابن زياد ويدفنها ، وأنْ يكتب إلى الحسين بخبره. فقام عمر بن سعد إلى ابن زياد وأفشى كلّ ما أسرّه إليه فقال ابن زياد : لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن (٢).

ثمّ التفت ابن زياد إلى مسلم وقال : أيهاً يابن عقيل ، أتيت النّاس وهم جمع ففرّقتهم ، قال : كلاّ ، لستُ أتيتُ لذلك ، ولكن أهل المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم الكتاب.

قال ابن زياد : ما أنت وذاك أوَ لَمْ نكن نعمل فيهم بالعدل؟ فقال مسلم : إنّ الله لَيعلم إنّك غير صادق ، وإنّك لتقتل على الغضب والعداوة وسوء الظنّ ، فشمته

__________________

(١) في الأخبار الطوال ص ٢٤١ : يبلغ ألف درهم.

(٢) الارشاد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٢ وهذه الجملة التي هي كالمثل وردت في لسان أهل البيت (عليهم السلام) ، ففي الوسائل للحر العاملي ج ٢ ص ٦٤٣ باب ٩ عدم جواز ائتمان الخائن ، روى الكليني مسنداً عن معمر بن خلاد قال سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول : لم يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن.

ثم انه لم تخف على شهيد القصر مسلم (عليه السلام) نفسية عمر بن سعد ولم يجهل دنس أصله ولكنه أراد ان يعرف الكوفيين مبلغه من المروءة والحفاظ كي لا يغتر به احد ، وهناك سر آخر وهو ارشاد الملأ الكوفي إلى أن أهل البيت (عليهم السلام) وولاتهم لم يقصدوا الا الاصلاح ونشر الدعوة الإلهيّة وهذا الوالي من قبلهم لم يمد يده الى بيت المال وكان له ان يتصرف فيه كيف شاء غير انه قضى أيامه البالغة أربعاً وستين بالاستدانة وهكذا ينبغي أن تسير الولاة فلا يتخذون مال الفقراء مغنما ... ولقد ذكرني هذا (الخائن) بقصة خالد القسري على كتمان السر لأنه من شيم العرب واخلاق الاسلام مع ما يحمله من المباينة لنبي الاسلام (صلّى الله عليه وآله) وشتم سيد الأوصياء على المنابر وقوله فيه ما لا يسوغ لليراع ان يذكره وذلك أن الوليد بن عبد الملك أراد الحج فعزم جماعة على اغتياله وطلبوا من خالد المشاركة معه فأبى ، فقالوا له اكتم علينا ، فأتى خالد الوليد وقال له دع الحج هذا العام فاني خائف عليك قال الوليد من الذين تخافهم علي؟ سمّهم لي ، فامتنع أن يسمهم وقال : اني نصحتك ولن اسمهم لك فقال اني ابعث بك الى عدوك يوسف بن عمر قال : وان فعلت فلن اسمهم فبعث به الى يوسف فعذبه ولم يسمهم فسجنه ثم وضع على صدره المضرسة فقتل سنة ١٢٦ هـ عن ستين سنة ودفن بناحية ، وعقر عامر بن سهل الأشعري فرسه على قبره فضربه يوسف سبعمائة سوط ولم يرثه احد من العرب على كثرة أياديه عندهم الا ابا الشغب العبسي قال :

ألا ان خير الناس حياً وها

لكا أسير سقيف عندهم في السلاسل

لعمري لقد عمرتم السجن خالداً

وأوطأتموه وطأة المتثاقل

فان تسجنوا القسري لا تسجنوا اسمه

ولا تسجنوا معروفه في القبائل

تهذيب ابن عساكر ج ٥ ص ٧٩.

١٦٢

ابن زياد وشتم علياً وعقيلاً والحسين (١) ، فقال مسلم : أنت وأبوك أحقّ بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا عدوّ الله (٢).

فأمر ابن زياد رجلاً شامياً (٣) أنْ يصعد به إلى أعلى القصر ويضرب عنقه ، ويرمي رأسه وجسده إلى الأرض ، فأصعده إلى أعلى القصر ، وهو يسبّح الله ويهلّله ويكبّره (٤) ويقول : اللهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا وكذبونا ، وتوجه نحو المدينة وسلّم على الحسين (٥).

وأشرف به الشامي على موضع الحذائين وضرب عنقه ورمى برأسه وجسده إلى الأرض (٦) ، ونزل مذعوراً ، فقال له ابن زياد : ما شأنك؟ قال : رأيت ساعة قتله رجلاً أسود سَيِّء الوجه حذائي عاضّاً على إصبعه ، ففزعتُ منه فقال ابن زياد : لعلّك دُهشت (٧).

ثمّ أخرج هاني إلى مكان من السوق يُباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يصيح وآمذحجاه! ولا مذحج لي اليوم ، وآمذحجاه! وأين منّي مذحج؟ فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده ونزعها من الكتاف وقال : أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يدافع رجل عن نفسه؟ ووثبوا عليه وأوثقوه كتافاً وقيل له : مدّ عنقك ، فقال : ما أنا بها سخي ، وما أنا بمعينكم على نفسي ، فضربه بالسّيف مولى لعبيد الله ابن زياد تركي يُقال له رشيد ، فلم يصنع فيه شيئاً فقال هاني : إلى الله المعاد اللهمّ إلى رحمتك ورضوانك ، ثمّ ضربه اُخرى فقتله. وهذا العبد قتله عبد الرحمن بن الحصين المرادي رآه مع عبيد الله بـ (الخازر) (٨).

وأمر ابن زياد بسحب مسلم وهاني بالحبال من أرجلهما في الأسواق (٩)

__________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ ص ١٤ والطبري ٦ ص ٢١٣.

(٢) اللهوف ص ٣١.

(٣) مقتل الخوارزمي ١ ص ٢١٣.

(٤) تاريخ الطبري ٦ ص ٢١٣.

(٥) أسرار الشهادة ص ٢٥٩.

(٦) ميثر الأحزان ص ١٨.

(٧) مقتل الخوارزمي ص ١ ص ٣١٢ ، والملهوف.

(٨) تاريخ الطبري ٦ ص ٢١٤.

(٩) المنتخب ص ٣٠١ ، وفي تاريخ الخميس ٢ ص ٢٦٦ عند ذكر أولاد أبي بكر : أمر معاوية ابن خديج بسحب محمّد بن أبي بكر في الطريق ويمرّوا على دار عمرو بن العاص ؛ لعلمه بكراهيته لقتله ، ثمّ أمر بإحراقه ،

١٦٣

وصلبهما بالكناسة منكوسين (١) ، وأنفذ الرأسين إلى يزيد ، فنصبهما في درب من دمشق (٢).

وكتب إلى يزيد : أمّا بعد ، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه وكفاه مؤنة عدوّه ، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هاني بن عروة المرادي ، وإنّي جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتّى استخرجتهما ، وأمكن الله منهما فضربتُ أعناقهما ، وبعثتُ إليك برأسيهما مع هاني بن أبي حيّة الوادعي الهمداني ، والزبير بن الاروح التميمي ، وهما من أهل السّمع والطاعة والنصيحة ، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ ، فإنّ عندهما علماً وصدقاً وفهماً وورعاً ، والسّلام.

وكتب يزيد إلى ابن زياد : أمّا بعد ، فإنّك لَم تعد أنْ كنتَ كما اُحبّ ، عملت عمل الحازم ، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت وصدقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما ، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرتَ فاستوص بهما خيراً ، وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن علي قد توجّه نحو العراق ، فضع المناظر والمسالح ، واحترس على الظن ، وخذ على التهمة (٣) ، وهذا الحسين قد ابتلي به زمانك من بين الأزمان وبلادك من بين البلدان ، وابتليت

__________________

فاُحرقت جثته بعد ان وضع في جوف حمار. وفي كامل ابن الأثير ١١ ص ١٥٣ حوادث سنة ٥٥٥ ، عليه مروج الذهب : لمّا قتل ظهير الدين ابن العطار أمر فوضعوا حبلاً في مذاكيره وسحبوه في الشوارع ، ووضعوا في يده مغرفة فيها عذرة وفي يده الاُخرى وضعوا قلماً وهم يصيحون : وقّع لنا يا مولانا.

وفي مضمار الحقائق لصاحب حماة محمّد بن تقي الدين الأيوبي / ١٢ : أنّ بعضهم قطع اُذنه وذلك في ١٥ ذي القعدة سنة (٥٧٥ هـ).

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٢١ ، ومقتل الخوارزمي ١ ص ٢١٥ : وهذه الفعلة لا يأتي بها إلاّ من خرج عن ربقة الإسلام ، ولم يحمل أقلّ شيء من العطف والرقّة ، وبمثلها صنع الحَجّاج بعبد الله بن الزبير ، كما في أنساب الأشراف للبلاذري ٥ ص ٢٦٨ ، وابن حبيب في المحبر ص ٤٨١.

وفي مختصر تاريخ الدول لابن العبري ص ١١٦ : إن الملك نارون صلب فطرسا وبولسا منكوسين بعد أن قتلهما.

وفي حياة الحيوان مادة الكلب : إنّ ابراهيم الفزاري ضبطت عليه اُمور منكرة من الاستهزاء بالله والأنبياء فأفتى فقهاء القيروان بقتله وصلب منكساً ثم اُنزل واُحرق بالنّار.

وفي المحبر لمحمد بن حبيب ص ٤٨١ طبعة حيدر آباد : صلب الحَجّاج بن يوسف عبدَ الله بن الزبير بمكة منكساً.

(٢) تاريخ أبي الفدا ١ ص ١٩٠ ، والبداية لابن كثير ٨ ص ١٥٧.

(٣) تاريخ الطبري ٦ ص ٢١٤.

١٦٤

به من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعبد العبيد (١) فأمّا أنْ تحاربه أو تحمله إليَّ (٢).

سقتك دماً يا ابن عم الحسين

مدامع شيعتك السافحة

ولا برحت هاطلات العيون

تحييك غادية رائحة

لانك لم تروِ من شربة

ثناياك فيها غدت طائحة

رموك من القصر إذ اوثقوك

فهل سَلِمَت فيك من جارحة

وسحباً تُجَرُّ بأسواقهم

ألست أميرهُمُ البارحة

أتقضي ولم تبكك الباكيات

أمالك في المصر من نائحة

لئنْ تقضِ نحباً فكم في زرود

عليك العشية من صائحة (٣)

السّفر إلى العراق

لمّا بلغ الحسين إنّ يزيد انفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر ، وأمَّره على الحاج ، وولاّه أمر المَوسم ، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد (٤) ، عزم على الخروج من مكّة قبل إتمام الحج ، واقتصر على العمرة ؛ كراهية أنْ تستباح به حرمة البيت (٥).

__________________

(١) مقتل العوالم ص ٦٦ ، وتاريخ ابن عساكر ٤ ص ٣٣٢.

(٢) مقتل الخوارزمي ١ ص ٢١٥.

(٣) للسيّد باقر الهندي رحمه الله. لا يخفى أنّ الأقوال في يوم شهادة مسلم ثلاثة ؛ الأول : يوم الثالث من ذي الحِجَّة ذكره في (الأخبار الطوال) ، ويظهر من ابن طاووس في (اللهوف) موافقته فإنّه قال : توجّه الحسين من مكّة لثلاث مضين من ذي الحِجَّة ثمّ قال بعد ذلك ، وكان خروجه من مكّة في اليوم الذي قتل فيه مسلم. الثاني : يوم الثامن من ذي الحِجَّة ، ذكره الوطواط في (غرر الخصائص ص ٢١٠) وهو الظاهر من (تاريخ أبي الفدا ٢ ص ١٩) ، و (تذكرة الخواص ص ١٣٩) قالا : قتل مسلم لثمان مضين من ذي الحِجَّة (وتذكير العدد يراد منه الليلة). الثالث : يوم عرفة ، نصّ عيه المفيد في (الارشاد) ، والكفعمي في (المصباح) ، وهو الظاهر من ابن نما في (مثير الأحزان) ، و (تاريخ الطبري ٦ ص ٢١٥) ، و (مروج الذهب ٢ ص ٩٠) قالوا : وكان ظهور مسلم بالكوفة يوم الثامن من ذي الحِجَّة ، وقد قتل ثاني يوم خروجه. ويحكي المسعودي في (مروج الذهب) قولاً بخروجه يوم التاسع من ذي الحِجَّة ، واذا كان قتله ثاني يوم خروجه تكون شهادته يوم الأضحى.

(٤) المنتخب ص ٣٠٤ الليلة العاشرة.

(٥) ابن نما ص ٨٩ ، وتاريخ الطبري ٦ ص ١٧٧.

١٦٥

خطبته (ع) في مكّة

وقبل أنْ يخرج قام خطيباً فقال : «الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله وصلّى الله على رسوله ، خُطَّ الموت على ولد آدم مَخَطَّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخُيِّر لي مصرعٌ أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلاة بين النّواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشاً جوفا وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خُطَّ بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا اُجور الصابرين. لنْ تشذ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده. ألا مَن كان فينا باذلاً مهجته موطِّناً على لقاء الله نفسَه فليرحل معنا ، فإنّي راحل مصبحاً إنْ شاء الله تعالى» (١).

وكان خروجه (ع) من مكّة لثمان مضَين من ذي الحِجَّة ، ومعه أهل بيته ومواليه وشيعته من أهل الحجاز والبصرة والكوفة الذين انضمّوا إليه أيام إقامته بمكّة وأعطى كلّ واحد منهم عشرة دنانير وجملاً يحمل عليه زاده (٢).

محاولات لصرفه عن السّفر

وسأله جماعة من أهل بيته وغيرهم التريّث عن هذا السّفر حتّى يستبين له حال النّاس ؛ خوفاً من غدر الكوفيّين وانقلاب الأمر عليه ، ولكنّ (أبي الضيم) لمْ تسعه المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره لكلّ من قابله ؛ لأنّ الحقائق كما هي لا تفاض لأيّ متطلب بعد تفاوت المراتب واختلاف الأوعية سعةً وضيقاً ، فكان (عليه السّلام) يُجيب كلّ واحدٍ بما يسعه ظرفه وتتحمّله معرفته.

فيقول لابن الزبير : «إنّ أبي حدّثني أنّ بمكّة كبشاً به تستحلّ حرمتها ، فما اُحبّ أنْ أكون ذلك الكبش ، ولَئن اُقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليَّ من أنْ اُقتل فيها (٣) ، وأيمَ الله لَو كنتُ في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيَّ حاجتهم ، والله ليعتدنَّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت».

__________________

(١) اللهوف ص ٣٣ ، وابن نما ص ٢٠.

(٢) نفس المهموم ص ٩١.

(٣) في تاريخ مكة للازرقي ٢ ص ١٥٠ : قال ذلك لابن عبّاس.

١٦٦

ولمّا خرج من عنده ابن الزبير قال الحسين (ع) لمَن حضر عنده : «إنّ هذا ليس شيء من الدنيا أحبّ إليه من أنْ أخرج من الحجاز ، وقد عَلِمَ أنّ النّاس لا يعدلونه بي ، فودّ أنّي خرجتُ حتّى يخلو له» (١).

وأتاه محمّد بن الحنفيّة في الليلة التي سار الحسين في صبيحتها إلى العراق وقال : عرفتَ غدر أهل الكوفة بأبيك وأخيك ، وإنّي أخاف أنْ يكون حالك حال من مضى ، فأقم هنا فإنّك أعزّ مَن في الحرم وأمنعه فقال الحسين (ع) : «أخافُ أنْ يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي تُستباح به حرمة هذا البيت» ، فأشار عليه ابن الحنفيّة بالذهاب إلى اليمن أو بعض نواحي البر ، فوعده أبو عبد الله في النّظر في هذا الرأي.

وفي سَحَر تلك الليلة ارتحل الحسين (ع) ، فأتاه ابن الحنفيّة وأخذ بزمام ناقته وقد ركبها وقال : ألمْ تعدني النّظر فيما سألتك؟ قال : «بلى ، ولكن بعد ما فارقتك أتاني رسول الله (ص) وقال : يا حسين اخرج ، فإنّ الله تعالى شاء أنْ يراك قتيلاً» ، فاسترجع محمّد ، وحينما لَمْ يعرف الوجه في حمل العيال معه ، وهو على مثل هذا الحال قال له الحسين (ع) : «قد شاء الله تعالى أنْ يراهنَّ سبايا» (٢).

وكتب إليه عبد الله بن جعفر الطيّار مع ابنَيه عون ومحمّد : أمّا بعد ، فإنّي أسألك الله لمّا انصرفت حين تقرأ كتابي هذا ، فإنّي مُشفق عليك من هذا الوجه أنْ يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إنْ هلكتَ اليوم ، اُطفئ نور الأرض ، فإنّك عَلَمُ المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسّير ، فإنّي في أثر كتابي ، والسّلام.

ثم أخذ عبد الله كتاباً من عامل يزيد على مكّة عمرو بن سعيد بن العاص فيه أمان للحسين وجاء به إلى الحسين ومعه يحيى بن سعيد بن العاص وجهد أنْ يصرف الحسين عن الوجه الذي أراده فلَم يقبل أبو عبد الله (ع) وعرَّفه أنّه رأى رسول الله في المنام وأمره بأمر لابدّ من انفاذه ، فسأله عن الرؤيا ، فقال : «ما حدّثتُ بها أحداً ، وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي عزّ وجلّ» (٣).

__________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ ص ١٦.

(٢) البحار ١٠ ص ١٨٤.

(٣) تاريخ الطبري ٦ ص ٢١٩ ، وكامل ابن الأثير ٤ ص ١٧ ، والبداية لابن كثير ٦ ص ١٦٣.

١٦٧

وقال له ابن عبّاس : يابن العم ، إنّي أتصبَّر وما أصبرُ ، وأتخوَّفُ عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إنّ أهل العراق قوم غَدرٍ فلا تقربنَّهم. أقم في هذا البلد فإنّك سيّد أهل الحجاز ، وأهل العراق إنْ كانوا يريدونك ـ كما زعموا ـ فلينفوا عاملهم وعدوّهم ثمّ اقدم عليهم ، فإنْ أبيتَ إلاّ أنْ تخرج ، فسِر إلى اليمن ، فإنّ بها حصوناً وشعاباً وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك فيها شيعة وأنتَ عن النّاس في عزلة ، فتكتب إلى النّاس وترسل وتبثّ دعاتك ، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية.

فقال الحسين (ع) : «يابن العم ، إنّي والله لأعلم أنّك ناصح مشفق ، وقد أزمعتُ على المسير».

فقال ابن عبّاس : إنْ كنتَ سائراً فلا تسِر بنسائك وصبيتك ، فإنّي لخائف أنْ تُقتل وهم ينظرون إليك ، فقال الحسين : «والله ، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة» (١).

توجيه لدواعي السّفر

هذه غاية ما وصل إليه إدراك من رغب في تريّث الحسين (ع) عن السّفر إلى العراق ، وأبو عبد الله لَمْ تخفَ عليه نفسيّات الكوفيّين وما شيبت به من الغدر والنّفاق ، ولكن ماذا يصنع بعد إظهارهم الولاء والانقياد له والطاعة لأمره؟ وهل يعذر أمام الاُمّة في ترك ما يطلبونه من الإرشاد والإنقاذ من مخالب الضلال وتوجيههم إلى الأصلح المرضي لربّ العالمين؟ مع أنّه لَمْ يظهر منهم الشقاق

__________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ ص ١٦ ، وفي القاموس وتاج العروس : الفرام ككتاب دواء تضيق به المرأة المسلك او حب الزبيب تحتشي به لذلك ، وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج لما شكا منه أنس بن مالك : يابن المستفرمة بعجم الزبيب. وكانت في احراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب.

والفرامة (ككتابة) : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفرام. وفيها يقول الشاعر :

وجدتك فيها كاُمّ الغلام

متى ما تجد فارماً تفترم

وفي مقاييس اللغة لابن فارس ٤ ص ٤٩٦ : أظنها غير عربية ، وقال الخليل : ليست من كلام أهل البادية.

١٦٨

والخلاف ، واعتذاره (ع) عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع أبيه وأخيه يُسبّب إثارة اللوم من كلّ مَن يبصر ظواهر الأشياء ، والإمام المقيض لهداية البشر أجلّ من أنْ يعمل عملاً يكون للاُمّة الحُجّة عليه ، والبلاد التي أشار بها ابن عباس (١) وغيره لا منعة فيها ، وما جرى من بسر بن أرطاة مع أهل اليمن تؤكّد وهنهم في المقاومة والضعف عن ردّ الباغي.

__________________

(١) هذا شيء يجب أن ننبه له وهو أن ابن عباس لم يكن بالمنزلة العالية ليكون محلاً لتقي العلوم الغريبة كحبيب بن مظاهر ورشيد الهجري وعمر وبن الحمق وحجر بن عدي وكميل بن زياد وميثم التمار ، فانهم كانوا على جانب كبير من التبصر في الامور ووصلوا الى حق اليقين ، فلم يعبأوا بكل ما يجري عليهم من الفوادح والتنكيل لذلك لم يعدموا من امير المؤمنين (ع) الحبوة بايقافهم على الحوادث والملاحم وما تملكه الجبابرة والعلوم الغريبة!! نلمس ذلك من المحاورة الدائرة بين حبيب بن مظاهر وميثم التمار من اخبار كل منهما الآخر بما يجري عليه من القتل ونصرة أهل البيت عليهم السلام ، فكذبهما من لم يفقه الأسرار الالهية من بني اسد ولما جاء رشيد الهجري يسأل عنهما قيل له افترقا وكان من امرهما كذا وكذا فقال رحم الله ميثما لقد نسي انه يزداد في عطاء الذي يأتي برأس حبيب مئة درهم ثم ادبر! فقال القوم هذا والله اكذبهم ، ولم تذهب الأيام حتى وقع كل ذلك! صلب ميثم بالقرب من دار عمرو بن حريث وقتل حبيب مع الحسين (ع) وقطع ابن زياد يدي رشيد الهجري ورجليه ولسانه كما أخبره أمير المؤمنين (ع) (راجع رجال الكشتئـ ص ٥١ وما بعدها طبع الهند).

وعلى هذا فابن عباس وغيره أقل رتبة من هؤلاء الافذاذ ومن شهداء الطف ، مهما نعترف له بالموالاة الصادقة لأمير المؤمنين وولده الاطهار. فان حديثه مع ميثم التمار يرشدنا الى عدم بلوغه تلكم المنازل العالية التي حواها ميثم وأمثاله ... ففي رجال الكشي ص ٥٤أن ابن عباس اجتمع مع ميثم بالمدنية ، فقال ميثم سل يا ابن عباس ما شئت من تفسير القرآن فلقد قرأت تنزيله على امير المؤمنين (ع) فعلمني تأويله ، فاخذ ابن عباس القرطاس ليكتب فقال له ميثم كيف بك لو رأيتني مصلوباً على خشبة تاسع تسعة أقربهم من المطهرة فتعجب ابن عباس من هذا العبد الاسدود المخبر عن الغيب ، فرمى القرطاس وقال انك تكهن عليّ ، فقال ميثم يا ابن عباس احتفظ بما سمعت مني فان يكن حقاً امسكته وان يكن باطلاً خرقته فكتب ابن عباس عن ميثم ما وعاه عن أمير المؤمنين من تفسير القرآن.

وعلى هذا فما يتحدث بن ابن الابار في تكملة الصلة ج ٢ ص ٦٠٠ طبع ثاني من أن ابن عباس كان يقول له فسرت (الحمد الله رب العالمين) على كنهم ما حملت ابل الأرض كتب تفسيرها لا نصيب له من الصحة وهو من موضوعات دعاة بني العباس ، أرادوا به المقابلة لقول سيد الاوصياء المروي في احياء العلوم للغزالي ج ١ ص ٢٦٠ (فصل القرآن الباب الرابع) في التفسير بالرأي ، وعلم القلوب لابي طالب المكي ص ٧٢ والاتقان للسيوطي ج ٢ ص ١٨٦ النوع ٢٨ فيما يرجع الى تفسير القرآن ، والمحجة البيضاء للفيض الكاشاني ج ١ ص ٢٥١ في التفسير بالرأي : أن أمير المؤمنين قال لو شئت لا وقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب.

وفي سعد السعود لابن طاووس ص ٢٨٦ نقلا عن العلم اللدني للغزالي : انه (ع) قال : لو اذن الله لي ورسوله لشرحت ألف الفاتحة حتى يبلغ أربعين جملاً! وحكاه في البحار ج ٩ ص ٢٧٧ وص ٤٦٣ طبع كمبني ولا غرابة ممن هو النقطة تحت باء البسملة! ففي مقدمة تفسير القرآن للشيخ محمد حسين الاصفهاني روى عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : كل ما في القرآن في الحمد وكل ما في الحمد في البسملة وما في البسملة في الباء وما في الباء في النقطة ، وانا النقطة تحتها .. وفي العنايات الرضوية تكلم في شرحه ص ١١٩ ..

١٦٩

وبهذا يصرّح الشيخ الشوشتري أعلى الله مقامه فإنّه قال : كان للحسين تكليفان واقعي وظاهري :

أ ـ أمّا الواقعي الذي دعاه للإقدام على الموت وتعريض عياله للأسر وأطفاله للذبح مع علمه بذلك ، فالوجه فيه : أنّ عتاة بني اُميّة قد اعتقدوا أنّهم على الحقّ وأنّ علياً وأولاده وشيعتهم على الباطل حتّى جعلوا سبّه من أجزاء صلاة الجمعة ، وبلغ الحال ببعضهم أنّه نَسِي اللعن في خطبة الجمعة فذكره وهو في السّفر فقضاه. وبنوا مسجداً سمّوه (مسجد الذكر) ، فلو بايع الحسين يزيد وسلّم الأمر إليه ، لمْ يبقَ من الحقّ أثر ، فإنّ كثيراً من النّاس يعتقد بأنّ المحالفة لبني اُميّة دليل استصواب رأيهم وحُسن سيرتهم ، وأمّا بعد محاربة الحسين لهم وتعريض نفسه المقدّسة وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم ، فقد تبيّن لأهل زمانه والأجيال المتعاقبة أحقّيته بالأمر وضلال مَن بغى عليه.

ب ـ وأمّا التكليف الظاهري : فلأنّه (ع) سعى في حفظ نفسه وعياله بكلّ وجه ، فلم يتيسّر له وقد ضيّقوا عليه الأقطار حتّى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أنْ يقتله فيها ، فخرج منها خائفاً يترقّب فلاذ بحرم الله الذي هو اَمنُ الخائف وكهف المستجير ، فجدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلةً ولو وُجِد متعلِّقاً بأستار الكعبة ، فالتزم بأنْ يجعل احرامه عمرةً مفردةً وترك التمتّع بالحج ، فتوجّه إلى الكوفة ؛ لأنّهم كاتبوه وبايعوه وأكّدوا المصير إليهم ؛ لإنقاذهم من شرور الاُمويّين ، فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم إتماماً للحُجّة عليهم ؛ لئلاّ يعتذروا يوم الحساب بأنّهم لجأوا إليه واستغاثوا به من ظلم الجائرين ، فاتّهمهم بالشقاق ولم يغثهم ، مع أنّه لَو لَم يرجع إليهم فإلى أينَ يتوجه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟ وهو معنى قوله (ع) لابن الحنفيّة : «لَو دخلتُ في جُحر هامة من هذه الهوام ، لاستخرجوني حتّى يقتلوني».

وقال (ع) لأبي هرّة الأسدي : «إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت» (١).

__________________

(١) الخصائص الحسينية ص ٣٢ ط تبريز.

١٧٠

ولمْ يبق بمكّة أحد إلاّ حزن لمسيره ، ولمّا أكثروا القول عليه أنشد أبيات أخي الأوس لمّا حذره ابن عمّه من الجهاد مع رسول الله (ص).

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً وخالف مجرما

ثم قرأ : (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا)(١).

وسامته أن ينقاد للسلم ضارعا

لديها ويأبى العّز أن يضرع الحرُّ

فقال ردي يا نفس من سورة الرَّدى

فعند ورود الضَّيم يستعذب المرُّ

وحفت به من آله خير فتية

لها ينتمي المجد المؤثل والفخر

إذا هي سارت في دجي الليل أزهرت

وباهت سواري النجم اوجهها الزهر

بكل كميٍّ فوق اجردَ سابح

يتيه به في مشيه الدلُّ والكبر

إذا خفَّ في الهيجاء وقْر بمتنه

بنجدة بأس فاطمأنَّ له ظهر

ويلطم خدَّ الأرض لكنّ وجهها

بنضح دم الأعداء لا اللطم يحمرُّ

همُ القوم من عليا لويِّ وغالب

بهم تكشف الجلى ويستدفع الضرُّ

يحيون هنديَّ السيوف باوجه

وحدُّ المواضي باسم الغر يفتر

يلفون آحاد الالوف بمثلها

تهلِّل من لئلاء طلعتها البشر

بيومٍ به وجه المنون مُقطَّبٌ

إذا حل من معقود راياتها نشر

إذا اسودَّ يوم النقع اشرقنَ بابها

لهم اوجه والشوس ألوانها صفر

وما وقفوا في الحرب إلا ليعبروا

إلى الموت والخطيِّ من دونه جسر

يكرون والأبطال نكصاً تقاعست

من الخوف والآساد شيمتها الكرُّ

الى أن ثَووْا تحت العجاج بمعرك

هو الحشر لا بل دون موقفه الحشر

وماتوا كراماً تشهد الحرب انَّهم

أُباة إذا ألوى بهم حادث نكر

علهيم من الهنديِّ بيض عصائب

تروق ومن وشي الدّما حلل حمر

وعاد أبيُّ الضَّيم بين عداته

وناصره البتّار والارن المهر

فغبَّر في يوم الكفاح باوجه

الكتائب والآفاق شاحبة غبر

__________________

(١) تذكرة الخواص ص ١٣٧ : وأنشدها لمّا حذّره الحر من مخالفة بني اُمية.

١٧١

إذا نظمت حَبَّ القلوب قناتهُ

فللسيف في أعناق أعدائه نثر

فلا الوتر وتر حين تقترع الظبى

ولا الشفع شفع حين تشتبك السمر

ولو شاء أن يفني الاعادي لزلزل

الوجود بهم لكنما قضي الأمر

وآثر أن يسعى إلى الموت صابرا

ونفس أبيِّ الضيم شيمتها الصبر

فأضحى على الرمضاء شلواً تناهبت

حشاه العوالي والمهندة البتر

قضى بين أطراف الأسَّنة ظامياً

بِحَرِّ حشى من دون غلتها الجمر

فلهفي عليه فوق صالية الثرى

على جسمه تجري المسومة الضمر

أبا حسن شكوى اليك وانها

لواعجُ أشجان يجيش بها الصدر

أتدري بما لاقت من الكرب والبلا

وما واجهت بالطفَّ أبناؤك الغر

أُعزيك فيهم انهم وردوا الردى

بأفئدة ما بل غلَّتها قطر

وثاوينَ في حر الهجيرة بالعرا

عليهم سوافي الريح بالترب تنجرُّ

متى أيها الموتور تبعث غارة

تعيد العدى والبر من دمهم بحر

أتغضي وأنت المدرك الثار عن دم

برغم الهدى أضحى وليس له وتر

وتلك بجنب الطَّف فتيان هاشم

ثَوَتْ تحت أطراف القنا دمها هدر

فلا صبر حتّى ترفعوها ذوابلا

من الخطِّ لا يلوي بخرصانها كسر

وتقتدحوها بالصوارم جذوة

من الحرب يصلى جمرها الجحفحل المجر

وتبتعثوها في المغار صوأهلا

من الخيل مقروناً بأعرافها النصر

فكم نكأت منكم أمية قرحة

إلى الحشر لا يأتي على جرحها السبر

فمِنْ صبية قد ارضعتها أمية

ضروع المنايا والدماء لها درُّ

فها هي صرعى والسهام عواطف

حنواً عليها والرمال لها حجر

ومن حُرَّة بعد المقاصير أصبحت

بمقفرة كالجمر يوقدها الحرُّ

وزاكية لم تلف في النوح مسعداً

سوى انها بالسوط يزجرها زجر

ومذعورة أضحت وخفاق قلبها

تكاد شظاياه يطير بها الذعر

ومذهولة من دهشة الخيل ابرزت

عشيَّة لا كهف لديها ولا خدر

تجاذبها أيدي العدو خمارها

فتستر بالايدي اذا أعوز السِّتر

سرت تتراماها العداة سوافراً

يروح بها مصر ويغدو بها مصر

ربيبات خدر أين منهنَّ خطّة

الموامي ولا يدرينَ ما السهل والوعر

١٧٢

تطوف بها الأعداء في كل مَهمَهٍ

فيجذبها قفر ويقذفها قفر (١)

التنعيم

وسار الحسين من مكّة ومرّ بالتنعيم (٢) ، فلقى عيراً عليها وَرَس وحلل أرسلها إلى يزيد بن معاوية واليه على اليمن ، بحير بن يسار الحميري ، فأخذها الحسين (ع) وقال لأصحاب الإبل : «مَن أحبّ منكم أنْ ينصرف معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنّا صحبته ، ومَن أحبّ المفارقة أعطيناه من الكراء على ما قطع من الأرض» ، ففارقه بعضهم ومضى مَن أحبّ صحبته (٣).

وكان الحسين (ع) يرى أنّ هذا ماله الذي جعله الله تعالى له يتصرّف فيه كيف شاء ؛ لأنّه إمام على الاُمّة منصوب من المهيمن سبحانه ، وقد اغتصب يزيد وأبوه حقّه وحقّ المسلمين ، فكان من الواجب عليه أنْ يحتوي على فَيء المسلمين لينعش المحاويج منهم ، وقد أفاض على الأعراب الذين صحبوه في الطريق ورفعوا إليه ما مسّهم من مضض الفقر ، غير أنّ محتوم القضاء لَم يمكّن سيّد شباب أهل الجنّة من استرداد ما اغتصبه الجائرون من أموال اُمّة النّبي الأعظم (ص) وإنْ ارتفعت بتضحيته المقدّسة عن البصائر حجب التمويه ، وعرفوا ضلال المستعدين على الخلافة الإلهيّة.

__________________

(١) للحجة السيد محمّد حسين الكيشوان ، طبِعت في مثير الأحزان للعلامة الشيخ شريف الجواهري.

(٢) في معجم البلدان ٢ ص ٤١٦ : التنعيم (بالفتح ثم السكون وكسر العين المهملة وياء ساكنة وميم موضع) : بمكة في الحل على فرسخين من مكة ؛ وسمى به لأنّ عن يمينه جبل اسمه نعيم ، وآخر عن شماله اسمه ناعم ، والوادي نعيمان وبه مساجد. وفي العقد الثمين في فضائل البلد الأمين لأحمد بن محمّد الخضراوي ص ٦٠ ، الفصل الثالث ، الطبعة الثانية : التنعيم يبعد عن مكة ثلاثة أو أربعة أميال.

(٣) تاريخ الطبري ٦ ص ٢١٨ ، ومقتل الخوارزمي ١ ص ٢٢٠ ، والبداية ٨ ص ١٦٦ ، والارشاد للشيخ المفيد ، ومثير الاحزان لابن نما ص ٢١. وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ ص ٣٢٧ الطبعة الاُولى بمصر : وإنّ هذا المال الذي أخذه الحسين حمل إلى معاوية بن أبي سفيان وإنّ الحسين كتب إلى معاوية : «أنّ عيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحللاً وعنبراً إليك لتودعه في خزائن دمشق وتعل بها بعد النهل بني أبيك ، وإنّي احتجت إليها فأخذتها». فكتب إليه معاوية وفيه : إنّك أخذت المال ولَم تكن جديراً به بعد أن نسبته إليّ ؛ لأنّ الوالي أحق بالمال ، ثمّ عليه الخرج. وأيم الله لو ترك ذلك حتّى صار إليّ لم أبخسك حظّك منه ، ولكن في رأسك نزوة ، وبودّي أن يكون ذلك في زماني فأعرف قدرك وأتجاوز عنك ، ولكنّي والله لأتخوّف أن تبلى بمن لا ينظرك فواق ناقة.

١٧٣

الصفاح

وفي الصفاح لَقِي الحسين (ع) الفرزدق بن غالب الشاعر ، فسأله عن خبر النّاس خلفه ، فقال الفرزدق : قلوبهم معك والسيوف مع بني اُميّة ، والقضاء ينزل من السماء. فقال أبو عبد الله (ع) : «صدقت لله الأمر ، والله يفعل ما يشاء ، وكلّ يوم ربّنا في شأن ، إنْ نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد مَن كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته» ، ثمّ سأله الفرزدق عن نذور ومناسك ، وافترقا (١).

ويروى عن الفرزدق أنّه قال : خرجت من البصرة اُريد العمرة فرأيتُ عسكراً في البرية ، فقلتُ : عسكر من؟ قالوا عسكر حسين بن علي ، فقلتُ : لأقضينّ حقّ رسول الله (ص) فأتيته وسلّمت عليه ، فقال : «مَن الرجل؟» قلت : الفرزدق بن غالب ، فقال : هذا نسب قصير ، قلت : أنت أقصر منّي نسباً أنت ابن بنت رسول الله (٢).

ذات عرق

وسار أبو عبد الله (ع) لا يلوي على أحد ، فلقي في ذات عرق (٣) بُشْرَ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢١٨ ، وكامل ابن الأثير ٤ ص ١٦ ، والارشاد للمفيد. وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ١ ص ٣٣٨ : كانت ملاقاة الفرزدق معه بذات عرق. وفي معجم البلدان : الصفاح : بين حنين وانصاب الحرم بسرة الداخل إلى مكة.

(٢) أنوار الربيع للسيد علي خان ، باب التكرار ص ٧٠٣.

(٣) في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ٢ ص ٣١٧ : بين ذات عرق ومكة مرحلتان. وفي الفروع لابن مفلح ٢ ص ٢١٦ : بينهما ليلتان ، وسمي بجبل صغير فيه ، كما في تاج العروس ٧ ص ٨ ، وذات عرق عند أهل السنة ميقات أهل الشرق ومنه العراق وخراسان ، وروايات الإمامية تحكي توقيت رسول الله للعراقيين العقيق ، واستحسنه الشافعي في الام ٢ ص ١١٨ ؛ لاعتقاده أنّ ذات عرق غير منصوص عليه ، وإنّما وقّته عمر ، كما في البخاري عن ابن عمر ، وفي المغني لابن قدامة ٣ ص ٢٥٧ : عن ابن عبد البر الاحرام من العقيق أولى ، وإنْ كان ذات عرق ميقات أهل الشرق أجمع ، وفي فتح الباري ٣ ص ٢٥٠ : قطع الغزالي والرافعي والنووي والمدونة لمالك : أنّ ذات عرق غير منصوص ، وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية أنّه منصوص. وفي معجم البلدان ٦ ص ١٩٩ : يقع العقيق ببطن وادي ذي الحليفة ، وهو أقرب منها إلى مكّة ، واحتاط فقهاء الإماميّة بترك الاحرام من ذات عرق ، وهو آخر العقيق.

١٧٤

ابن غالب وسأله عن أهل الكوفة قال : السيوف مع بني اُميّة والقلوب معك قال (ع) : «صدقت» (١).

وحدّث الرياشي عمَّن اجتمع مع الحسين (ع) في أثناء الطريق إلى الكوفة يقول الراوي : بعد أنْ حججتُ انطلقتُ أتعسّف الطريق وحدي ، فبينا أسير إذ رفعتُ طرفي إلى أخبية وفساطيط فانطلقتُ نحوها فقلتُ : لِمَن هذه الأخبية؟ قالوا : للحسين بن علي ، وابن فاطمة (عليهم السّلام) وانطلقتُ نحوه فإذا هو متّكئ على باب الفسطاط يقرأ كتاباً بين يدَيه فقلتُ : يابن رسول الله (ص) بأبي أنت واُمّي ، ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف ولا منعة؟ قال (عليه السّلام) : «إنّ هؤلاء أخافوني ، وهذه كتب أهل الكوفة وهم قاتلي ، فإذا فعلوا ذلك ولَم يدعوا لله محرماً إلاّ انتهكوه ، بعث الله إليهم من يقتلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام الأمة» (٢).

الحاجر

ولمّا بلغ الحاجر (٣) من بطن الرمة كتب إلى أهل الكوفة جواب كتاب مسلم ابن عقيل وبعثه مع قيس بن مسهّر الصيداوي (٤) وفيه : «أمّا بعد ، فقد ورد عليَّ

__________________

(١) مثير الأحزان لابن نما ص ٢١.

(٢) وفي البداية ٨ ص ١٦٩ : «حتّى يكونوا أذلّ من قرم الأمة» وفسّر القرم بالمقنعة ، ولم أجد هذا التفسير في اللغة ، والصحيح كما تقدّم (فرام الأمة) بالفاء الموحّدة : وهو عجم الزبيب ، تضيّق به المرآة مسلكها.

(٣) في معجم البلدان : الحاجز ما يمسك الماء من شفة الوادي وفيه ٤ ص ٢٩٠ : بطن الرمة منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة ، وفيه تجتمع أهل الكوفة والبصرة ، وفي تاج العروس ٣ ص ١٣٦ : الحاجر مكان بطريق مكّة ، وفي تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ ١ ص ١٩٥ ، بترجمة زهير بن أبي سلمى قال : الحاجر جنوب الرياض اليوم من أرض نجد. وفي معجم البلدان ٢ ص ٢١٩ : بطن الرمة (بتشديد الميم والراء) وادٍ معروف بعالية نجد. ونقل رضا كحالة في هامش كتاب جغرافية شبه جزيرة العرب ص ٢٧٤ عن ابن دريد ان الرمة قاع عظيم بنجد تنصب فيه أوديه وعن ابن الاعرابي : الرمة طويلة عريضة تكون مسيرة يوم تنزل أعاليها بنو كلاب ثم تنحدر فتنزل عبس وغيرهم من غطفان ثم تنحدر فتنزل بنو اسد. وقال الاصمعي بطن الرمة واد عظيم يدفع عن يمين فلجع والدثينة حتى يمر بين أبانين الابيض والاسود وبينهما ثلاثة أميال ثم قال : الرمة تحييء من الغور والحجاز فأعلى الرمة لاهل المدينة وبني سليم ووسطها لبني كلاب وغطفان واسفلها لبني أسد وعبس ثم يقع في رمل العيون ..

(٤) في روضة الواعظين لعلي بن محمّد الفتال النيسابوري ص ١٥٢ : يقال بعثه مع عبد الله بن يقطر ، ويجوز أنّه أرسل اليهم كتابين أحدهما مع عبد الله بن يقطر والآخر مع قيس بن مسهر. وفي الاصابة ٣ ص ٤٩٢ بعد أنْ ذكر نسب قيس قال : وكان مع الحسين لمّا قتل بالطف ، وهو اشتباه ؛ فإنّ ابن زياد قتله بالكوفة.

١٧٥

كتاب مسلم بن عقيل يخبرني باجتماعكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسألتُ الله أنْ يُحسن لنا الصنع ويثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحِجّة ، فإذا قدم عليكم رسولي ، فانكمشوا في أمركم ، فإنّي قادم في أيّامي هذه».

بعض العيون

وسار من الحاجر ، وكان لا يمرّ بماء من مياه العرب إلاّ اتبعوه (١) ، فانتهى إلى ماء من مياه العرب عليه عبد الله بن مطيع العدوي ، ولمّا عرف أنّ الحسين قاصد للعراق قال له : اُذكّرك الله يابن رسول الله وحرمة الإسلام أنْ تنتهك ، اُنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبتَ ما في أيدي بني اُميّة ليقتلوك ، ولئن قتلوك لا يهابوا أحداً بعدك. فأبى الحسين إلاّ أنْ يمضي (٢).

الخزيمية

وأقام (عليه السّلام) في الخزيمية (٣) يوماً وليلة فلمّا أصبح أقبلتْ إليه اُخته زينب (عليها السّلام) وقالت : إنّي سمعتُ هاتفاً يقول :

ألا يا عينُ فاحتفلي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهُمُ المنايا

بمقدارٍ إلى انجاز وعدِ

فقال يا اختاه كل الذي قضي فهو كائن (٤).

__________________

(١) البداية لابن كثير ج ٨ ص ١٦٨.

(٢) ارشاد المفيد.

(٣) بضم اوله وفتح ثانيه نسبة إلى خزيمة بن حازم تقع بعد زرود للذاهب من الكوفة إلى مكة وما نذكره من ترتيب المنازل اخذناه من «معجم البلدان».

(٤) ابن نما ص ٢٣.

١٧٦

زرود

ولمّا نزل الحسين في زرود (١) نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي (٢) ، وكان غير مشايع له ، ويكره النّزول معه ، لكنّ الماء جمعهم في المكان. وبينا زهير وجماعة على طعام صنع لهم إذ أقبل رسول الحسين يدعو زهيراً إلى سيّده أبي عبد الله (ع) ، فتوقّف زهير عن الإجابة غير أنّ امرأته دلهم بنت عمرو حثّته على المسير إليه وسماع كلامه (٣).

فمشى زهير إلى الحسين (ع) ، وما أسرع أن عاد إلى أصحابه فرحاً قد أسفر وجهه وأمر بفسطاطه وثقله فحوِّل إلى جهة سيّد شباب أهل الجنّة ، وقال لامرأته : الحقي بأهلك ، فإنّي لا اُحبّ أنْ يصيبك بسببي إلاّ خير. ثمّ قال لمَن معه : مَن أحبّ منكم نصرة ابن الرسول (ص) وإلاّ فهو آخر العهد.

ثمّ حدّثهم بما أوعز به سلمان الفارسي من هذه الواقعة فقال : غزونا بَلَنجَر (٤) ففتحنا وأصبنا الغنائم ، وفرحنا بذلك ، ولمّا رأى سلمان الفارسي (٥) ما نحن فيه من السرور قال : إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) فكونوا

__________________

(١) في المعجم ممّا استعجم ٢ ص ٦٩٦ : (بفتح أوله وبالدال المهملة في آخره) وفي معجم البلدان ٤ ص ٣٢٧ : إنها رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة ، وهي دون الخزيمية بميل وفيها بركة وحوض ، وفيها وقعة يقال لها يوم زرود.

(٢) وفي جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ٣٦٥ ، عند ذكر قبائل بجيلة قال : زهير بن القين بن الحارث بن عامر بن سعد بن مالك بن زهير بن عمرو بن يشكر بن علي بن مالك بن سعد بن تُزَين بن قسر بن عبقر بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. وفي صفحة ٣١٠ قال : سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

(٣) اللهوف ص ٤٠.

(٤) في معجم البلدان والمعجم ممّا استعجم : (بالباء واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة) مدينة الخزر عند باب الأبواب فتحت سنة ٣٣ على يد سلمان بن ربيعة الباهلي ، ولم أجد فيهما ولا في غيرهما مدينة اُخرى تسمّى بلنجر إلاّ أنّ ابن حجر في الاصابة ٣ ص ٢٧٤ ، القسم الثالث ، ترجمة قيس بن فروة بن زرارة بن الأرقم قال : شهد فتوح العراق واستشهد في بلنجر من أرض العراق ـ ثمّ ذكر ضبطها كما تقدّم ـ قال : وكان أمير الوقعة سلمان بن ربيعة.

(٥) نصّ عليه الشيخ المفيد في الارشاد ، والفتال في روضة الواعظين ص ١٥٣ ، وابن نما في مثير الأحزان ص ٢٣ ، والخوارزمي في المقتل ١ ص ٢٢٥ الفصل الحادي عشر ، وابن الأثير في الكامل ٤ ص ١٧ ، والبكري في المعجم ممّا استعجم ١ ص ٣٧٦ ، ويؤيّده ما في تاريخ الطبري ٥ ص ٧٧ ، وابن الأثير في الكامل ٣ ص ٥٠ من وجود سلمان الفارسي في هذه الغزوة.

١٧٧

أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم من الغنائم. فأمّا أنا فأستودعكم الله (١).

فقالت زوجته : خار الله لك وأسألك أنْ تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين (عليه السّلام) (٢).

وفي زرود اُخبر بقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، فاسترجع كثيراً وترحم عليهما مراراً (٣) وبكى ، وبكى معه الهاشميّون وكثر صراخ النّساء حتّى ارتجّ الموضع لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع كلّ مسيل (٤).

فقال له عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديّان : ننشدك الله يابن رسول الله ألاّ انصرفت من مكانك هذا ؛ فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر.

فقام آل عقيل وقالوا : لا نبرح حتّى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أخونا ، فنظر إليهم الحسين وقال : «لا خير في العيش بعد هؤلاء» (٥).

فيا ابن عقيل فدتك النفو

س لعظم رزيتك الفادحة

لِنَبْكِ لها بمذاب القلو

ب فما قدر ادمعنا المالحة

وكم طفلة لك قد اعولت

وجمرتها في الحشا قادحة

يعززها السبط في حجره

لتغدو في قربه فارحة (٦)

تقول : مضى عمُّ مني أبي

فمن ليتيمته النائحة (٧)

ثكول تبيت بليل اللسيع

تعجُّ وعن دارها نازحة

وكم من كميٍّ بأحشائه

تركت زناد الاسى قادحه

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٢٤ ، ومقتل الخوارزمي ١ ص ٢٢٢.

(٢) مثير الأحزان لابن نما ص ٢٣ ، واللهوف ص ٤٠ ، وورد في تاريخ الطبري ٦ ص ٢٢٤ الطبعة الاُولى : إنّ زهيراً قال لزوجته : أنت طالق ، ألحقي بأهلك ، فإنّي لا اُحبّ أنْ يلحقك بسببي إلا خيرا هـ. ولا أعرف الغاية المقصودة له من هذا الطلاق؟ هل أراد طردها من الميراث؟ أو أنّه أباح لها التزويج بعد انتهاء ثلاثة أشهر؟ أو أنّه لا يرغب في أن تكون زوجة له في الآخرة؟ كما طلّق أمير المؤمنين (ع) بعض نساء النبي (ص) وطلّق الإمام الرضا (ع) اُم فروة : زوجة الكاظم (ع)؟ مع إنّ هذه الحرّة لها فضل عليه بإرشاده إلى طريق السّعادة بالشهادة ، والذي يهون الأمر أن مصدر الحديث (السّدي).

(٣) تاريخ الطبري ٦ ص ٩٩٥ ، وفي البداية لابن كثير ٨ ص ١٦٨ : استرجع مراراً

(٤) اللهوف ص ٤١ : ولمْ أقف على مصدر وثيق ينصّ على أنّ الحسين أخذ بنت مسلم المسمّاة حميدة ومسح على رأسها فأحسّت بالشرّ ، إلى آخره.

(٥) كامل ابن الأثير ٤ ص ١٧ ، وسِيَر أعلام النبلاء للذهبي ٢ ص ٢٠٨.

(٦) من أبيات للشيخ قاسم الملا الحلّي ذُكرت في كتاب الشهيد مسلم ص ٢١٠.

١٧٨

دربت ابن عمك يوم الطفو

ف نعاك باسرته الناصحة

تحفُّ به منهُمُ فتية

صباح واحسابهم واضحة

بكاك بماضي الشّبا والوغى

وجوه المنايا بها كالحة

أقام بضرب الطلى مأتماً

عليك وبيض الظبى نائحة

ونادى عشيرتك الاقربين

خذي الثأر يا اسرة الفاتحة

وخاض بهم في غمار الحتو

ف ولكنَّها بالظبى طائحة

وقال لها : يا نزار النزال

فحربك في جِدِّها مازحة (١)

الثعلبية

وفي الثعلبيّة أتاه رجل وسأله عن قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) فقال (عليه السّلام) : «إمام دعا إلى هدى فأجابوا إليه ، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوا إليها ، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار ، وهو قوله تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)(٢).

وفي هذا المكان اجتمع به رجل من أهل الكوفة فقال له الحسين : «أما والله ، لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل في دارنا ونزوله بالوحي على جدّي. يا أخا أهل الكوفة ، من عندنا مستقى العلم ، أفَعَلِموا وجهلنا؟! هذا ممّا لا يكون» (٣). وحديث بجير من أهل الثعلبية ، قال مرّ الحسين بنا وأنا غلام فقال له أخي : يابن بنت رسول الله أراك في قلّة من النّاس ، فأشار بالسّوط إلى حقيبة لرجل وقال : «هذه مملوءة كتباً» (٤).

__________________

(١) للشيخ محمّد رضا الخزاعي ، راجع كتابنا الشهيد مسلم.

(٢) أمالي الصدوق ص ٩٣ : الثعلبية (بفتح أوله) سمي باسم رجل اسمه ثعلبة من بني أسد نزل الموضع واستنبط عيناً ، وهي بعد الشقوق للذاهب من الكوفة إلى مكة ، معجم البلدان.

وفي وفاء الوفاء للسمهودي ٢ ص ٣٥ : حمّى فيه ماء يقال له الثعلبية. وفي البلدان لليعقوبي ص ٣١١ ملحق بالاعلاق النفسيّة لابن رسته ، بالافست : الثعلبية مدينة عليها سور.

(٣) بصائر الدرجات للصفار ص ٣ ، واُصول الكافي باب مستقى العلم من بيت آل محمّد.

(٤) سِيَر أعلام النبلاء للذهبي ٣ ص ٢٠٥.

١٧٩

الشقوق

وفي الشقوق (١) رأى الحسين رجلاً (٢) مقبلاً من الكوفة فسأله عن أهل العراق فأخبره أنّهم مجتمعون عليه فقال (عليه السّلام) : «إنّ الأمر لله ، يفعل ما يشاء ، وربّنا تبارك هو كلّ يوم في شأن» ، ثمّ أنشد.

فإنْ تكن الدنيا تُعَدُّ نفيسة

فدار ثواب الله أعلى وانبل

وإنْ تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

وإنْ تكن الأرزاق قَسْماً مقدّراً

فقلّة حرص المرء في الكسب أجمل

وإنْ تكن الأبدان للموت أُنشئت

فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل

عليكم سلام الله يا آل أحمد

فانِّي أراني عنكُمُ سوف أرحل (٣)

زُبالة

وفي زبالة اُخبر بقتل عبد الله بن يقطر الذي أرسله الحسين من الطريق إلى مسلم بن عقيل ، فقبض عليه الحصين بن نمير في القادسيّة وسرّحه إلى عبيد الله بن زياد ، فأمره أنْ يصعد المنبر ويلعن الكذّاب ابن الكذّاب ، ولمّا أشرف على النّاس قال : أيّها النّاس أنا رسول الحسين بن فاطمة ؛ لتنصروه وتؤازروه على ابن مرجانة ، فأمر به عبيد الله فاُلقي من فوق القصر ، فتكسّرت عظامه وبقي به رَمَق ، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه ، فلمّا عيب عليه قال : إنّما أردت أنْ اُريحه ، وقيل الذي ذبحه رجل طوال يشبه عبد الملك بن عمير .. فأعلم بذلك النّاس وأذِنَ لهم بالانصراف ، فتفرّقوا عنه يميناً وشمالاً ، وبقي في أصحابه الذين جاؤا معه من مكّة وإنّما تبعه خلق كثير من الأعراب ؛ لظنّهم أنّه يأتي بلداً أطاعه أهله ، فكره (عليه السّلام) أن يسيروا معه إلاّ على عِلمٍ بما يقدمون

__________________

(١) ابن شهر آشوب ٢ ص ٢١٣ : الشقوق (بالضم) : منزل بعد زبالة للذاهب من الكوفة إلى مكة ، هو لبني أسد فيه قبر العبادي (معجم البلدان).

(٢) سمّاه الخوارزمي في المقتل ١ ص ٢٣٣ : الفرزدق. وهو اشتباه.

(٣) لم يذكر الخوارزمي في المقتل ١ ص ٢٢٣ البيت الخامس ، وجعلها من إنشائه (عليه السّلام).

١٨٠