ابن عربي سنّيّ متعصّب

السيد جعفر مرتضى العاملي

ابن عربي سنّيّ متعصّب

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : التراجم
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩

بواطنهما في صورة خنازير ، وهي العلامة التي جعل الله له في أهل هذا المذهب.

وكانا قد علما من نفوسهما أن أحداً من أهل الأرض ما اطلع على حالهما.

وكانا شاهدين عدلين ، مشهورين بالسُّنة. فقالا له في ذلك. فقال :

«أراكما خنزيرين ، وهي علامة بيني وبين الله فيمن كان مذهبه هذا».

فأضمرا التوبة في نفوسهما ، فقال لهما :

«إنكما الساعة قد رجعتما عن ذلك المذهب ، فإني أراكما إنسانين» فتعجبا من ذلك ، وتابا إلى الله .. (١).

وبالمناسبة نقول :

ذُكِر : أن بعض العلماء سئل عن قول ابن عربي حول رؤية الرافضة بصورة خنازير ، فأجاب :

إن هذا جار على قاعدة المؤمن مرآة أخيه ، فإن المرآة تعكس حال من يمر أمامها ، فيرى المار نفسه فيها ، سواء أكان كلباً ، أو خنزيراً ، أو إنساناً ، أو غير ذلك ..

والظاهر : أن الشيخ قد رأى نفسه في المرآة ، ولم ير الرافضي أصلاً!! ..

خداع الشيطان للشيعة :

٤ ـ قال الحر العاملي عن ابن عربي : إنه يدعي في الفتوحات : أن الشيطان قد خدع الشيعة ، خصوصاً الإمامية ، بحب أهل البيت ليتجاوزوا الحد فيه ، فأبغضوا بعض الصحابة ، وسبوهم ، وتوهموا أن أهل البيت يرضون بهذا ..» (٢).

__________________

(١) راجع : الفتوحات المكية ج ١١ ص ٢٨٧ و ٢٨٨ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الإثنا عشرية ص ١٦٩ / ١٧١.

٨١

٥ ـ ذكر الشيعة في جملة من ضل عن الطريق ، وأضل ..» (١).

ولعل الحر العاملي ناظر في هذين الموردين إلى عبارته التالية :

الإمامية أهل بدع :

٦ ـ ويقول : «وعلى هذا جرى أهل البدع ، والأهواء ، فإن الشياطين ألقت إليهم أصلاً صحيحاً لا يشكون فيه ، ثم طرأت عليهم التلبيسات من عدم الفهم ، حتى ضلوا ، فينسب ذلك إلى الشيطان بحكم الأصل ، ولو علموا : أن الشيطان في تلك المسائل تلميذ له (أي لصاحب البدعة والهوى) يتعلم منه.

وأكثر ما ظهر ذلك في الشيعة ، ولا سيما في الإمامية منهم ، فدخلت عليهم شياطين الجن أولاً بحب أهل البيت ، واستفراغ الحب فيهم ، ورأوا أن ذلك من أسنى القربات إلى الله ، وكذلك هو لو وقفوا ولا يزيدون عليه. إلا أنهم تعدوا من حب أهل البيت إلى طريقين :

منهم من تعدى إلى بغض الصحابة وسبهم ، حيث لم يقدموهم ، وتخيلوا أن أهل البيت أولى بهذه المناصب الدنيوية ، فكان منهم ما قد عرف واستفاض.

وطائفة زادت إلى سب الصحابة القدح في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي جبرئيل عليه‌السلام ، وفي الله جل جلاله ، حيث لم ينصوا على رتبتهم وتقديمهم في الخلافة للناس ، حتى أنشد بعضهم :

ما كان من بعث الأمين أميناً ..

وهذا كله واقع من أصل صحيح ـ وهو حب أهل البيت ـ أنتج في نظرهم فاسداً ، فضلوا وأضلوا ..

__________________

(١) الإثنا عشرية ص ١٦٩ / ١٧١.

٨٢

فانظر ما أدى إليه الغلو في الدين ، أخرجهم عن الحد ، فانعكس أمرهم إلى الضد ، قال تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) (١) ..» (٢).

__________________

(١) الآية ٧٧ من سورة المائدة.

(٢) الفتوحات المكية ج ٤ ص ٢٨٠ و ٢٨١ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٨٣
٨٤

الفصل الرابع

هكذا يدافعون عن ابن عربي

٨٥
٨٦

توطئة وتمهيد :

قلنا : إن من يراجع كتب ابن عربي يجدها حافلة بالنصوص الكثيرة كثرة هائلة ، والدالة على تسننه العميق ، وتشدده في هذا التسنن ، إلى حد أنه يحول السيئات إلى حسنات ، بل هو يجعلها من أعظم الفضائل التي تنال بها أجلَّ المراتب وأعلاها ، وأرقى المقامات ، وأسماها ، وأكرمها ، وأسناها.

ولعلنا نذكر بعضاً من ذلك في فصل مستقل ، ولكننا نشير قبل ذلك إلى ما دافعوا به عنه ، وذلك في المطالب التالية :

الدس في كتاب الفتوحات :

قال الطهراني : ذكر الشعراني في «مختصر الفتوحات» ما نصه :

وقد توقفت حال الإختصار لكتاب «الفتوحات» في مواضع كثيرة منه ، لم يظهر لي موافقتها لما عليه أهل السنة والجماعة ، فحذفتها من هذا المختصر ، وربما سهوت ، فتبعت ما في الكتاب ، كما وقع للبيضاوي مع الزمخشري (١).

__________________

(١) يقول الشعراني في مقدمة «اليواقيت والجواهر» ص ٣ طبعة أولى ، وص ١٦ طبعة دار إحياء التراث العربي ، ومؤسسة التاريخ العربي سنة ١٤٢٣ ه‍ بيروت ـ لبنان : «ثم اعلم يا أخي : أنني طالعت من كلام أهل الكشف ما لا يحصى من الرسائل ، وما رأيت في عباراتهم أوسع من عبارة الشيخ الكامل المحقق ، مربي العارفين ، محيي الدين العربي رحمه الله ، فلذلك شيدت هذا الكتاب بكلامه من الفتوحات وغيرها ، دون كلام غيره من الصوفية.

٨٧

ثم لم أزل كذلك ، أظن أن المواضع التي حذفت ثابتة عن الشيخ محيي الدين ، وقد حذفتها لعدم موافقتها مع العامة ، حتى قدم علينا الأخ العالم الشريف شمس الدين السيد محمد بن السيد أبي الطيب المدني ، المتوفي سنة ٩٥٥ ، فذاكرته في ذلك ، فأخرج إلي نسخة من الفتوحات ، التي قابلها على النسخة التي عليها خط الشيخ محيي الدين نفسه بقونية ، فلم أر فيها شيئاً مما توقفت فيه وحذفته ..

فعلمت أن النسخ التي في مصر الآن كلها كتبت من النسخة التي دسوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة ، كما وقع له ذلك في كتاب «الفصوص» وغيره .. (١).

يشهد على هذا الكلام : أنه قد ذكر في هذه الطبعة من «الفتوحات» : أن إمام العصر هو من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ..

مضافاً إلى ذلك : أن المحقق الفيض قد أورد في كتابه «كلمات مكنونة» في شأن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، نقلاً عن الفتوحات : أنه ذكر نبينا «صلى

__________________

لكني رأيت في «الفتوحات» مواضع لم أفهمها ، فذكرتها لينظر فيها علماء الإسلام ، ويحقوا الحق ، ويبطلوا الباطل إن وجدوه.

فلا تظن يا أخي أني ذكرتها لكوني أعتقد بصحتها وأرضاها في عقيدتي ، كما يقع فيه المتهورون في أعراض الناس ، فيقولون : لولا أنه ارتضى ذلك الكلام ، واعتقد بصحته ما ذكره في مؤلفه.

معاذ الله أن أخالف جمهور المتكلمين ، وأعتقد صحة كلام من خالفهم من بعض أهل الكشف الغير المعصوم. فإن في الحديث : يد الله مع الجماعة. ولذلك أقول غالباً عقب كلام أهل الكشف : «انتهى» ليشخص كلامه ، فلا يمتزج مع بياني وعقيدتي. «انتهى».

وقوله : ليشخص كلامه الخ .. غير موجود في طبعة بيروت. وقد لاحظنا بعض التصرفات الأخرى أيضاً.

(١) «الفتوحات ج ٤ ص ٥٥٥. بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٨٨

الله عليه وآله» ، وأنه أول ظاهر في الوجود ، قال : وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب ، إمام العالم ، وسر الأنبياء أجمعين (١).

بينما لا يوجد هذا المطلب في النسخة الحالية من الفتوحات.

بيد أن الشعراني قد ذكرها في «اليواقيت» بهذه العبارة :

وإيضاح ذلك : أن الله تبارك وتعالى لما أراد بدء ظهور العالم على حد ما سبق في علمه ، انفعل العالم عن تلك الإرادة المقدسة بضرب من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية.

فحدث الهباء ، وهو بمنزلة طرح البناء الجص ليفتتح فيه من الأشكال والصور ما شاء. وهذا أول موجود في العالم.

ثم إنه تعالى تجلى بنوره إلى ذلك الهباء ، والعالم كله فيه بالقوة ، فقبل منه كل شيء في ذلك الهباء على حسب قربه من النور ، كقبول زوايا البيت نور السراج ، فعلى حسب قربه من ذلك النور يشتد ضوءه وقبوله.

ولم يكن أحد أقرب إليه من حقيقة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فكان أقرب قبولاً من جميع ما في ذلك الهباء. فكان صلى الله عليه [وآله] وسلم مبدأ ظهور العالم ، وأول موجود.

قال الشيخ محيي الدين : وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين. انتهى .. (٢). (انتهى كلام الطهراني) ..

__________________

(١) الروح المجرد ص ٣٣٣ في الطبعة الأولى ، وفي هذه الطبعة ص ٣٤٦ نقلاً عن «كلمات مكنونة» للفيض ص ١٨١ الطبعة الحجرية.

(٢) الروح المجرد ص ٣٥٦ ـ ٣٥٨.

٨٩

وقال الشعراني :

«أخبرني العارف بالله تعالى ، الشيخ أبو طاهر المزني الشاذلي (رضي الله عنه) : أن جميع ما في كتب الشيخ محيي الدين ، مما يخالف ظاهر الشريعة ، مدسوس» ..

إلى أن قال : «فلهذا تتبعت المسائل التي أشاعها الحسدة عنه ، وأجبت عنها ، لأن كتبه المروية لنا عنه بالسند الصحيح ليس فيها ذلك» .. (١).

ونقول :

إن لنا مع هذا الكلام عدة وقفات ، نقتصر منها على ما يلي :

أولاً : إن قسماً كبيراً مما ذكرنا أنه يوضح لنا توجهات ابن عربي ، وعقائده ، ومذهبه ، ليس مأخوذاً من كتاب الفتوحات ، بل هو مأخوذ من كتاب «فصوص الحكم» ، ومن كتاب «الوصايا» ، ومن رسائله المختلفة .. وهو في حد نفسه كاف وواف في تبرئة ابن عربي من نسبة التشيع إليه ، وإثبات أنه ملتزم بمذهب أهل السنة إلى حد التصلب والتعصب غير المبرر ، خصوصاً حينما يصل الأمر إلى حد الخروج عن دائرة التوازن والصدق ، في إعطاء المقامات لمن لا مبرر لنسبة أي شيء من ذلك إليهم ..

ثانياً : لنفترض : أن كتاب الفتوحات قد حرف ، وزيد عليه ، ونقص منه ، فمن الذي قال : إن يد التحريف ، والزيادة أو النقيصة قد نالت خصوص المواضع التي تثبت تسننه ، وتصلبه في نحلته التي ينتمي إليها .. أو نالت خصوص المواضع التي تثبت تشيعه .. وانتقاله عن مذهبه السابق إلى هذا المذهب الجديد ..

__________________

(١) اليواقيت والجواهر ص ٣ وحسب طبعة بيروت ص ١٦ وراجع : لطائف المنن والأخلاق ص ٦٣٨ وكلاهما للشعراني.

٩٠

إن إثبات ذلك يتوقف على اكتشاف وتحديد هوية ومذهب ، وتوجهات من تولى تحريف ذلك الكتاب ، ليمكن معرفة نوع التحريفات التي أعملها في كتابه ، ولصالح من كانت تلك التحريفات؟ .. فإنها إن كانت لا توافق مذهب الشعراني ، وابن عربي ، فليس بالضرورة أن تكون موافقة لمذهب الشيعة الإمامية ..

ثالثاً : إنه إذا صح ما ذكروه ، وإذا لم يمكن تحديد هوية من ارتكب جريمة التزوير ، أو التحريف ، وإذا كانت أغراض التحريف لا يمكن حصرها ، فإن ذلك لا بد أن يستتبع سقوط جميع كتاب «الفتوحات» عن الاعتبار ، ويستتبع أيضاً أن لا يصح نسبة شيء من مطالب الكتاب إلى ابن عربي على نحو الجزم والقطع.

فلا يصح بعد هذا أن يتمسك لإثبات تشيعه بالفقرة التي نقلها الفيض والشعراني ، وفيها : أن الإمام علياً عليه‌السلام كان أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين ..

رابعاً : إن الشعراني يدعي : أنه رأى في كتابه «الفتوحات المكية» ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة ..

وكون علي عليه‌السلام إمام العالم ، وسر الأنبياء أجمعين ، مما يخالف عقائد أهل السنة ، وهو مدسوس ـ عند الشعراني ـ في كتاب الفتوحات ..

وقال : إنه ذاكر محمد بن أبي الطيب المدني ، المتوفى سنة ٩٥٥ هـ في ذلك. قال :

«فأخرج لي نسخة من الفتوحات ، التي قابلها على النسخة التي عليها خط الشيخ محيي الدين نفسه بقونية ، فلم أر فيها شيئاً مما توقفت فيه ، وحذفته ..

فعلمت أن النسخ التي في مصر الآن كلها كتبت من النسخة التي دسوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة .. كما وقع ذلك في

٩١

كتاب الفصوص وغيره» انتهى.

وهذا معناه : أن كل ما يوافق مذهب الشيعة قد دس في كتاب الفتوحات ، وكتاب فصوص الحكم وغيرهما ، وليس العكس.

واللافت هنا : أن ما ورد في كتاب الفتوحات ، مما أزعج الشعراني ، لا يشتمل على شيء من شأنه أن يحرج أهل السنة حسبما أوضحناه ، إلا ما كان من خصوصيات مذهب التصوف ، مثل قولهم بوحدة الوجود ، أو بالحلول .. ونحو ذلك ..

فلعل نكير الشعراني قد كان على هذا ..

وما عدا ذلك ، فإنه موافق لأهل السنة ، فلا معنى للتوقف فيه إلا إن كان الشعراني ناصبياً ، لا يطيق ذكر أهل البيت حتى في أدنى مستوى يذكرهم فيه أهل السنة ، وليس هذا الأمر مما يعرف عنه ، أو يعهد منه ..

خامساً : حول ما ذكروه آنفاً من التحريف في نسبة إمام العصر ، إلى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، مع أن الصحيح أنه من ولد الحسين عليه‌السلام.

نقول : إن سقوط النقط من تحت الياء يجعل رسم الخط متشابهاً بين الحسن والحسين ..

سادساً : بالنسبة للكلمة المنسوبة إلى ابن عربي حول أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو أول ظاهر في الوجود ، وأقرب الناس إليه علي عليه‌السلام إمام العالم ، وسر الأنبياء أجمعين ، نقول :

قد ذكرنا في فصل : «تشيع ابن عربي دليل ونقد» ، ما يدل على أن ثمة شكوكاً كبيرة تحوم حول هذه الكلمة ، وأن الظاهر هو أنهم قد استنتجوا ذلك من كلام ابن عربي ، وأن هذه الاستفادة لم تكن موفقة .. فراجع جميع ما

٩٢

ذكرناه في ذلك الفصل ، خصوصاً الفقرة التي بعنوان : «علي إمام العالم» ..

الرافضي : إما كلب أو خنزير!! :

واللافت : أن بعض المدافعين عن هذا الرجل ، قد حاول التخلص من ورطة رؤية الرافضي بصورة خنزير ، بلطائف وظرائف لا تكاد تخطر على قلب بشر.

بل إن الإنسان الأريب ليخجل من أن يحدث بها نفسه ، فضلاً عن يوردها في كتابه كدليل يريد من خلاله إثبات مطلوبه!!

ونحن نذكر من ذلك : ما كان الأجدر بنا أن نغض الطرف عنه ، لولا أننا نخشى أن يثير ذلك شبهة لدى البعض ، بأن يثور لديه احتمال أن يكون لبعض ما ذكره حظ من الصحة ، أو نصيب من المعقولية ، فنقول :

إنه قد حاول الدفاع عن ابن عربي بالنسبة لكلامه هذا ، من عدة وجوه ، هي :

١ ـ الرافضة هم الخوارج!! :

قد زعم هذا المدافع عن ابن عربي : أن مراد ذلك الناصبي بالروافض ، ليس هو الشيعة ، لا عموماً ، ولا خصوص الإمامية منهم ، بل المراد هو الخوارج! .. واستدل على ذلك بقوله :

«إنه يُشَاهَدُ في الكثير من عبارات العامة استخدامهم عبارة الروافض في خصوص الخوارج. لا في خصوص الشيعة ، وهي حقيقة مشهودة لكل من يملك اطلاعاً على كتبهم في التاريخ والسير» (١).

ونقول :

أولاً : ليتكرم علينا صاحب الفضيلة بشواهد من عبارات أهل السنة ، قد

__________________

(١) راجع : الروح المجرد ص ٤٣٥.

٩٣

أطلقوا فيها كلمة «الروافض» على الخوارج.

إننا نطالبه بذلك ، لأننا لم نسمع في كل ما مضى من حياتنا ـ ولو لمرة واحدة ـ أن أحداً أطلق كلمة الروافض على الخوارج ، ولاسيما في خلال الست مئة سنة التي كانت قد مضت على ظهور الخوارج والروافض ، من أول الإسلام إلى ظهور ابن عربي ..

نعم .. قد يطلق على الخوارج ـ جهلاً ـ : أنهم شيعة .. (١).

ولكن إطلاق هذه الكلمة عليهم إنما هو على اعتبار أنهم كانوا من الأتباع ، والمشايعين للإمام علي عليه‌السلام ببيعتهم له ..

ولكن لا يطلق عليهم أحد : أنهم روافض ..

ثانياً : إنه زعم أن كثرة الخوارج في بلاد مراكش ، والجزائر ، وعدم شيوع التشيع في تلك البلاد ، وكون أهل المغرب من المالكية ، لابد أن ينتج أن يكون مراد أهل تلك البلاد من كلمة «الروافض» : هو الخوارج ..

وهي نتيجة غريبة وعجيبة ، وهي أشبه ما تكون بقول القائل : لو لم ينبح الكلب ، لم تطلع الشمس .. أو إن الشمس قد كسفت بسبب أكل البطيخ ، أو ما إلى ذلك ..

بل الأنسب أن يقال : إن كثرة الخوارج في المحيط الذي نشأ فيه ابن عربي قد أوجب أن يتأثر بهم ، وأن يزيد بغضه للإمام علي وأهل بيته عليهم‌السلام ، وقد تجلى ذلك في إيراده أمثال هذه القضايا ، وسعيه لرفع شأن مناوئ الإمام علي وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم ، وتجاهل أهل البيت عليهم‌السلام ، وإظهار احتمالات ارتكابهم الجرائم ، والمآثم ، والعظائم ..

__________________

(١) راجع : أوائل المقالات ص ٣.

٩٤

ثالثاً : إن كلمة الرافضي ، إنما تطلق عند أهل السنة على من يبغض الشيخين ، بسبب ما فعلاه بالسيدة الزهراء عليها‌السلام ، والخوارج يتولون الشيخين ، ويحبونهما ربما أشد من حب أهل السنة لهما ، ويتبرؤون من الإمام علي عليه‌السلام ، ومن عثمان. فلا نجد مبرراً لنعت الخوارج بالروافض أصلاً ..

٢ ـ ذكره لفضائل أهل البيت عليهم‌السلام :

قد ادعى هذا المدافع عن ابن عربي : أنه قد ورد في كتاب «المحاضرات» الكثير من الحكايات والشواهد التاريخية ، التي يستحيل معها احتمال حمل لفظ «الروافض» على الشيعة.

ثم ذكر من ذلك قول ابن عربي : لا كريم أكرم من آل محمد ، كلهم كبير ، ليس فيهم صغير ..

وذكر من ذلك أيضاً : قول عمر بن عبد العزيز لبعض ولد الحسين : إني لأستحيي أن تقف على بابي ، فلا يؤذن لك ..

وذكر قصة سؤال معاوية لضرار بن ضمرة : أن يصف له علياً ، فوصفه له بأنه شديد القوى ، بعيد المدى ، الخ .. (١).

وقول أبي بكرة لمعاوية : اتق الله .. إلى آخر ما وعظه به ..

وأورد رواية عن الإمام الصادق عليه‌السلام حول البدء بذكر الله سبحانه ..

ورواية أخرى عنه عليه‌السلام في موعظة منه لسفيان الثوري ..

ورواية أوردها مسلم بن الحجاج في صحيحه ، عن رسول الله في ما كان يقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في السراء والضراء .. (٢).

__________________

(١) راجع : قاموس الرجال ج ٥ ص ١٤٩ عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.

(٢) راجع : الروح المجرد ص ٤٣٦ حتى ٤٤٠.

٩٥

ونقول :

إننا لا ندري كيف دلت هذه الأحاديث على استحالة إرادة الشيعة من كلمة الروافض؟!

وأي ربط لكل هذه الأقاويل ، والروايات ، والحكايات ، بدلالة كلمة «الروافض» على معناها؟!

فمن عرف شيئاً من ذلك فليدلنا عليه ، وسنكون له من الشاكرين.

وإيراد هذه الروايات هو نظير إيراده روايات عن الحلاج والبسطاني ، وعن غيرهما ..

٣ ـ هل الرافضي كلب ، أم خنزير؟! :

إنه تارة يقول عن قضية رؤية الرافضة : أنهم رأوهم بصورة خنازير ، وأخرى أنهم رأوهم بصورة كلاب ..

فلاحظ النص المتقدم الذي يتحدث فيه عن الرجبيين في فصل : ما يذم به الشيعة ، تحت عنوان : «الروافض كلاب!!» ..

ثم اعترضوا على من قال : إنهم خنازير ..

ثم قالوا : «..إن الكلب أقل سوءاً من الخنزير ، فلماذا بدَّل الكلب بالخنزير ، مع أنه إنما ينقل عن كتاب قد ذكر فيه خصوص الكلب؟!.» (١). وهو كتاب محاضرة الأبرار .. ولم ينقل عن الفتوحات الذي ذكر أنه رآهم بصورة خنازير ..

ونقول :

١ ـ إن ابن عربي قد ذكر الكلب في كتاب «محاضرة الأبرار» ، ولم يذكر

__________________

(١) راجع : الروح المجرد ص ٤٣٤.

٩٦

الخنزير ، وذكر الخنزير في الفتوحات ، ولم يذكر الكلب ، فالنتيجة في كلا الحالتين تبقى واحدة ، وهي أن الرافضي لا يخرج عن دائرة الكلب والخنزير عند ابن عربي!! ..

٢ ـ هذا بالإضافة إلى إنه إن كانت القصة التي في الفتوحات هي نفس القصة التي نقلها في محاضراته ، فيرد عليه أنه قد كذب في إحدى القصتين.

وتبقى الأخرى حتى بالنسبة لمن هم على مذهب ابن عربي ، موضع ريب شديد أيضاً ، لأن من يُقْطَع بكذبه في واحدة ، فلا يمكن الاطمينان إلى صدقه في الثانية.

وإن كانت قصة أخرى ، فذكره للقصتين يشير إلى أنه يهدف إلى إشاعة هذه الأباطيل ، وتتبعها ، وجمعها ، وإذاعتها ..

ابن عربي يحترم الشيعة الإمامية :

وقد قالوا : إن ابن عربي يقدر ويحترم الشيعة الإمامية ، وقد نوه كثيراً بأئمتهم في الموارد المختلفة ، سواء في الفتوحات ، أو في المحاضرات ، فلا يصح نسبة العداء للإمامية إليه .. (١).

ونقول :

أولاً : إن هذا التنويه بالإمامية والاحترام والتقدير لهم لم نجد له أثراً في كتب ابن عربي .. بل وجدناه يقول : إن الشياطين قد ألقت إلى أهل البدع والأهواء ، وخصوصاً الإمامية منهم ، أصلاً صحيحاً ، وهو محبة أهل البيت ، ثم تعدوا ذلك إلى بعض التلبيسات الأخرى .. (٢).

__________________

(١) راجع : الروح المجرد ص ٤٢٩.

(٢) فراجع : الفتوحات المكية ج ٤ ص ٢٨٠ و ٢٨١.

٩٧

ثانياً : إن نفس هذا المستدل يدعي : أن ابن عربي مستضعف ، وأنه كان يعيش في المغرب ، ولم يكن يعرف شيئاً عن الشيعة والتشيع ، فضلاً عن الإمامية ، فراجع كلامه .. (١).

فإذا كان الأمر كذلك ، فمن أين عرف بأمر خداع الشياطين للشيعة ، وخصوصاً الإمامية منهم؟! وكيف نجمع بين ما زعمه من أمر الشياطين معهم ، وبين احترامه وتقديره لهم ..

ثالثاً : لو سلمنا أنه لا يعرفهم ، فإن كتابه هذا قد وصله عن طريق الإلهام ، وكتب مطالبه من دون اختيار منه ـ كما يزعم ـ فكيف أخطأ الإلهام الإلهي في هذا الأمر؟! ..

ولماذا لم يكتشف أمر الشيعة بواسطة الكشف الذي يدّعيه؟!

وإن لم يستطع ذلك ، فكيف يطلق أحكامه عليهم قبل أن يعرف حالهم؟!

ولماذا لم يطلب كتبهم ، ليقرأها ، وليعرف مقالاتهم؟!

ولو لم يحصل على كتبهم ، فلماذا لم يسأل علماء عصره عنهم ، وعنها ..

فإن ابن عربي قد ألف فتوحاته في مكة ، لا في بلاد المغرب ، فإن كان التعرف على أمر الشيعة يصعب عليه في المغرب ، فهل يصعب في مكة؟!

رابعاً : إن كتب الشيعة ومقالاتهم كانت معروفة وشائعة في بلاد المغرب ، تماماً كما كانت الحال عليه في المشرق. وقد سجل ابن عبد ربه ، وابن جزم ، وابن عبد البر ، والقاضي ابن العربي صاحب كتاب شرح الترمذي ، وصاحب كتاب العواصم من القواصم ، وكذلك ابن خلدون ، وغيرهم من علماء تلك البلاد سجلوا في مؤلفاتهم ، مثل العقد الفريد والمحلى ، والفصل في الملل

__________________

(١) راجع : الروح المجرد ص ٤٣٥ و ٤٣٦.

٩٨

والأهواء والنحل ، ومقدمة ابن خلدون وكتاب العبر ، وكتاب العواصم من القواصم ، ردودهم على الشيعة وعلى مقالاتهم بالتفصيل.

وقد صرح التاريخ : بأن ابن عربي قد قرأ كتب ابن حزم ، ومن كتبه «الفصل في الملل ، والأهواء والنحل» ..

قال ابن مسدي : إنه قال في إجازته ما معناه ، أو نصه : إن محمد بن عبد الحق الأشبيلي قد حدثه : «بكتب الإمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم ، عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح عنه» (١).

وقال ابن مسدي أيضاً : «إنه كان ظاهري في المذهب في العبادات ، باطني النظر في الإعتقادات» (٢) ..

على أن هذا الرجل قد طاف البلاد ، ودخل مصر ، وأقام بالحجاز مدة ، ودخل بغداد ، والموصل ، وبلاد الروم .. (٣).

بل هو قد قدم بغداد مرتين ، المرة الأولى في سنة ٦٠١ للهجرة ، والثانية في سنة ٦٠٨ للهجرة.

والشيعة كانوا موجودين في بغداد ، خصوصاً في منطقة الكرخ ، فلماذا لم يتعرف عليهم عن قرب؟! ولم يسأل عنهم؟! وكيف لم يحدثه أهل بغداد عنهم بشيء؟! مع وجود حالة من العداء لهم ، ومع أنهم كانوا يشنون عليهم الغارات ، ويقتلونهم ، ويسرقون بيوتهم في كل سنة مرتين على الأقل؛ الأولى في عاشوراء ، والثانية في يوم الغدير ، كما أوضحناه في كتابنا : «صراع الحرية في عصر الشيخ المفيد» فراجع ..

__________________

(١) راجع : الفتوحات المكية ج ٤ ص ٥٥٥ ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر.

(٢) راجع : الفتوحات المكية ج ٤ ص ٥٥٥ ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر.

(٣) راجع : الفتوحات المكية ج ٤ ص ٥٥٥.

٩٩

أضف إلى ذلك : أن بلاد المغرب التي نشأ فيها ابن عربي قد فتحت على يد موسى بن نصير الشيعي ، وكانت دعوات الشيعة شائعة فيها ، وبقيت لها آثار ظاهرة على مدى القرون ..

كما أن الدعوة الإسماعيلية التي انتهت بإنشاء دولة الفاطميين في مصر ، لم يكن نشاطها بعيداً عن سائر بلاد المغرب ..

ابن عربي يلجأ للتقية :

وقالوا : في الاعتذار عن مدائحه لأهل السنة ، وللشخصيات التي يقدسونها أو يحترمونها ، وعن ذمه وتجريحه بالشيعة ـ قالوا ـ : إن ظروف التقية في الشام قد أجبرت الشيخ محيي الدين بن عربي على كتمان ولائه ..

ونقول :

أولاً : إنه قد ألف الفتوحات المكية المشحون بدلائل التسنن في مكة قبل أن يأتي إلى الشام .. فلماذا خص الحديث بالتقية في خصوص هذا البلد. أعني الشام دون غيره من البلاد التي حل فيها ابن عربي؟!.

ثانياً : إنه إذا صح ما ذكره ، فكيف لم يمارس التقية في الكتاب الذي نسبوه إليه ، حول الأئمة الاثني عشر؟! ..

ثالثاً : إنهم يدَّعون ، كما ذكرنا آنفاً ، أن كتبه مشحونة بمناقب أهل البيت عليهم‌السلام ، ما عدا كتاب الفتوحات المكية.

ورغم عدم صحة هذا الإدعاء نقول :

لماذا شحن كتبه بمناقبهم ، وأفرغ منها خصوص كتابه هذاِ .. بل هو قد ملأه ، يما هو صريح في تسننه العميق والراسخ؟!

رابعاً : إن ما ذكره في كتبه ليس مجرد كتمان ولاء ، بل هو المبادرة الطوعية إلى تقرير أمور كثيرة جداً ، ترسخ حقيقة التسنن ، رغم أنه لم يكن

١٠٠