ابن عربي سنّيّ متعصّب

السيد جعفر مرتضى العاملي

ابن عربي سنّيّ متعصّب

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : التراجم
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩

الطيبات للطيبين نزلت في عائشة :

٤ ـ وقال : «وقد جعل الطيب تعالى ، في هذا الالتحام النكاحي ، في براءة عائشة ، فقال : (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) (١) ، فجعل روائحهم طيبة الخ ..» (٢).

صورة عائشة في سرقة حرير :

٥ ـ وقال : «ومقتد برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لما رأى في المنام : أن جبرئيل عليه‌السلام أتاه بعائشة في سرقة حرير حمراء. وقال له : هذه زوجتك.

فما قصها على أصحابه. قال : إن يكن من عند الله يمضه» .. (٣).

مالك بن أنس :

٦ ـ وقال : «ولهذا كان من علم مالك بن أنس ، ودينه ، وورعه : أنه إذا سئل عن مسألة في دين الله يقول : نزلت. فإن قيل له : نعم ، أفتى. وإن قيل له : لم تنزل ، لم يفت» (٤).

الثناء على الحجاج :

٧ ـ إنه يثني ويترحم حتى على الحجاج بن يوسف ، فيقول :

«ولقد وفق الله الحجاج «رحمه الله» لرد البيت على ما كان عليه في زمان

__________________

(١) الآية ٢٦ من سورة النور.

(٢) فصوص الحكم ص ٢٢١

(٣) راجع : الفتوحات المكية ج ١٠ ص ـ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٤) راجع : الفتوحات المكية ج ١٣ ص ٤٦٨ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٢١

رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، والخلفاء الراشدين ، فإن عبد الله بن الزبير غيَّره ، وأدخله في البيت ، فأبى الله إلا ما هو الأمر عليه ، وجهلوا حكمة الله فيه ..» (١).

لمعاوية رأي في الفقه :

٨ ـ بل هو يستشهد في فقهه بآراء معاوية ، ويقول : في بعض موارد الزكاة :

«.. وما خالف في ذلك أحد في الصدر الأول ، فيما نقل إلينا إلا ابن عباس ومعاوية ، لأنه لم يثبت عندهما حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم» (٢).

الفقه الروحاني لابن عمر :

٩ ـ ويقول : «فانظر إلى فقه عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، لما تحقق أن الله تعالى يريد التخفيف عن عبده بوضع شطر الصلاة عنه في السفر ، ما رأى أن يتنفل ، موافقة لمقصود الحق في ذلك ، فهذا تفقه روحاني» (٣).

والحقيقة هي أن ابن عمر قد أخذ في هذه المسألة بالفقه الشيعي ، الذي خالفه أهل السنة ، ولكنه ينسبه إلىابن عمر ، ويعتبره تفقهاً روحانياً له ..

١٠ ـ كما أنه في مسألة امامة الفاسق قد استدل بائتمام عبدالله بن عمر بالحجاج ، فراجع فصل : نبذة من عقائده ..

أبو عبيدة أمين هذه الأمة :

١١ ـ وقال : ومنهم رضي الله عنهم الأمناء ، قال النبي صلى الله عليه [وآله]

__________________

(١) راجع : الفتوحات المكية ج ١٠ ص ٣٢٩ و ٣٣٠ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الفتوحات المكية ج ٩ ص ٧٧ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٣) الفتوحات المكية ج ٦ ص ٤٩ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٢٢

وسلم : إن لله أمناء ، وقال في أبي عبيدة بن الجراح : «إنه أمين هذه الأمة» .. (١).

مع أن أبا عبيدة كان من الرؤوس المدبرة والمؤثرة في إبعاد أمير المؤمنين علي عليه‌السلام عن الخلافة ، وكان هو ثالث الرجلين في هذا الأمر بعد عمر ، وأبي بكر ..

أحمد بن حنبل ، من أئمة الدين :

١٢ ـ وهو يعتبر أحمد بن حنبل من أئمة الدين وحفاظ الشريعة ، قال : «حكي أن أخت بشر الحافي سألت أحد أئمة الدين ـ هو أحمد بن حنبل ـ في الغزل الذي تغزله ..».

إلى أن قال :

«فأفتاها الإمام المسؤول ، وهو أحمد بن حنبل ، وأثنى عليها بذلك» .. (٢).

ابن حنبل حافظ الشريعة والبطيخ :

١٣ ـ ويقول : «لم يتسموا بأنبياء ولا برسل ، وأخلصوا في اتباع آثارهم ، قدماً بقدم ، كما روي عن الإمام أحمد بن حنبل المتبع ، المقتدي ، سيد وقته في تركه أكل البطيخ ، لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فدل ذلك على قوة اتباعه كيفيات أحوال الرسول في حركاته وسكناته ، وجميع أفعاله وأحواله.

وإنما عرف هذا منه ، لأنه كان في مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد ، بالقول ، والعمل ، والحال ، لأن ذلك أمكن في نفس السامع ..

__________________

(١) راجع : الفتوحات المكية ج ١١ ص ٣٦٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الفتوحات المكية ج ٤ ص ٧٩ و ٨٠ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٢٣

فهو ـ أي ابن حنبل ـ وأمثاله حفاظ الشريعة على هذه الأمة ..» (١).

ونقول :

إن قوله : لأن ذلك أمكن في نفس السامع قد يوحي بأنه إنما يفعل ذلك على سبيل التظاهر به للعوام ، لا لأجل قوة الاتباع.

ثم إن ذلك يوحي إلى العوام بأن ابن حنبل كان عارفاً بجميع كيفيات أكل النبي لجميع الفواكه ، والخضار ، والأغذية ، وأن لديه روايات بذلك كله!! ..

الزبير ، وارث معجزات الرسول :

١٤ ـ قال : «.. ومنهم ـ رضي الله عنهم ـ الحواريون. وهو واحد في كل زمان ، لا يكون فيه اثنان. فإذا مات ذلك الواحد ، أقيم غيره.

وكان في زمان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ الزبير بن العوام ، هو كان صاحب هذا المقام ، مع كثرة أنصار الدين بالسيف.

فالحواري (هو) من جمع في نصرة الدين بين السيف والحجة ، فأُعْطِى العلم ، والعبارة والحجة ، وأُعْطِى السيف ، والشجاعة والإقدام.

ومقامه التحدي في إقامة الحجة على صحة الدين المشروع ، كالمعجزة التي للنبي. فلا يقوم بعد رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ بدليله الذي يقيمه على صدقه فيما ادعاه ، إلا حواريه. فهو يرث المعجزة ، ولا يقيمها إلا على صدق نبيه ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم ..» (٢).

ونقول :

أين يكون الزبير من الإمام علي عليه‌السلام ، في جهاده عليه‌السلام وشجاعته ، وقوة

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٤ ص ٨٣ و ٨٤ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الفتوحات المكية ج ١١ ص ٢٨٣ تحقيق عثمان يحيى وإبراهيم مدكور.

٢٢٤

حجته في نصرة هذا الدين؟!. وأين هي تلك الاحتجاجات التي أثرت عن الزبير؟ هل يستطيع ابن عربي أو غيره ، أن يقدم لنا نموذجاً يحسن السكوت عليه منها؟!

بل أي ميزة للزبير على أبي دجانة والمقداد ، ليكون الزبير ناصراً للدين بسيفه دونهما ، أو مجادلاً بالحق عن أهل الحق ، بما جعل له امتيازاً عليهما أو على غيرهما من الصحابة المجاهدين الأخيار ..

علماء بمنزلة الأنبياء :

١٥ ـ ومن جملة الشواهد على عدم تشيع ابن عربي ، أنه قد ذكر علماء الأمة الذين هم ـ عنده ـ كأنبياء بني إسرائيل ، فقال : «كعلماء الصحابة ، ومن نزل عنهم من التابعين ، وأتباع التابعين ..

كالثوري ..

وابن عيينة ..

وابن سيرين ..

والحسن ..

ومالك ..

وابن أبي رباح ..

وأبي حنيفة ..

ومن نزل عنهم ..

كالشافعي ..

وابن حنبل ..

ومن جرى مجرى هؤلاء إلى هلم جراً في حفظ الأحكام ..

٢٢٥

وطائفة أخرى من علماء هذه الأمة ، يحفظون عليها أحوال الرسول ، وأسرار علومه ..

كعلي ..

وابن عباس ..

وسلمان ..

وأبي هريرة ..

وحذيفة ..

ومن التابعين ..

كالحسن البصري ..

ومالك بن دينار ..

وبنان الحمال ..

وأيوب السختياني ..

ومن نزل عنهم ..

كشيبان الراعي ..

وفرح الأسود المعمر ..

والفضيل بن عياض ..

وذي النون البصري .. (أو المصري) ..

ومن نزل عنهم ..

كالجنيد ..

والتستري ..

ومن جرى مجرى هؤلاء السادة في حفظ الحال النبوي ، والعلم

٢٢٦

المدني ..» (١).

ولا نحتاج بعد هذا إلى أي تعليق أو إيضاح ..

١٦ ـ وقد تقدم أنه يقول عن الشافعي : «إنه كان من الأربعة الأوتاد ، وكأن قيامه بعلم الشرع حجبه عن أهل زمانه ومن بعده.

روينا عن بعض الصالحين : أنه لقي الخضر ، فقال له : ما تقول في الشافعي؟

فقال : هو من الأوتاد.

فقال : فما تقول في أحمد بن حنبل؟

قال : رجل صديق.

قال : فما تقول في بشر الحافي؟

قال : ما ترك بعده مثله.

فهذه شهادة الخضر في الشافعي «رحمه الله» ..» (٢).

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٢ ص ٣٦١ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الفتوحات المكية ج ١٣ ص ٤٩١ و ٤٩٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٢٧
٢٢٨

الفصل السابع

قبائح أم مدائح ..

٢٢٩
٢٣٠

توطئة :

تقدمت في الفصول السابقة موارد ظهر منها : أن ابن عربي يتوسل حتى بما فيه وهن لمقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بهدف تعظيم أناس آخرين ، أو لتأكيد اعتقاد ، أو مفهوم خاطئ ، أو فكرةٍ غريبة عن العقيدة الصحيحة ، وعن الحديث ، والتاريخ الصحيح ..

وسوف نذكر هنا : نبذة أخرى مما يدخل في نطاق القبائح التي يسوّقها على أنها مدائح ، فنقول :

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يدافع عائشة لأجل الطعام :

١ ـ قال ابن عربي : «دعا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى طعام. فقال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : أنا وهذه؟ وأشار إلى عائشة.

فقال الرجل : لا.

فأبى أن يجيب دعوته صلى الله عليه [وآله] وسلم ، إلى أن أنعم له فيها أن تأتي معه.

فأقبلا يتدافعان إلى منزل ذلك الرجل : النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وعائشة الخ ..» (١).

__________________

(١) راجع : الفتوحات المكية ج ١١ ص ١٢٠ و ١٢١ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى ، وج ١ ص ٧٣٤ ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر.

٢٣١

ونقول :

انظر إلى هذا الرجل كيف مدح عائشة بذم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله!! وإلا!!

فما هذا الحب العارم منه لعائشة؟!

وما هذا الإصرار منه على رجل في استضافة من لا يرغب في استضافته؟!

وما هذا التدافع بين نبيٍ وزوجته؟

وهل يدافع نبي ، الآخرين من أجل الطعام؟!

وهل هذا مما يليق بالأنبياء؟!

ولماذا لا يفسح المجال لها ، ويؤثرها على نفسه؟ ألم يمدح الله تعالى الذين (يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (١).

وهل يتناسب هذا التدافع مع إصراره على ذلك الرجل باستصحابها إلى ذلك الطعام؟!

العلم المكنون لعائشة وحفصة :

٢ ـ إنه يذكر : أنه سأل الثقة ، من العلماء ، عن الإمام المبين. فكان مما قاله له :

«الذي ذكر الله في حق امرأتين من نساء رسول الله ، ثم تلا : (إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (٢) .. فهذا أعجب من ذكر الجنود ، فأسرار الله عجيبة ..

__________________

(١) الآية ٩ من سورة الحشر.

(٢) الآية ٤ من سورة التحريم.

٢٣٢

فلما قال لي ذلك سألت الله : أن يطلعني على فائدة هذه المسألة ، وما هذه التي جعل الله نفسه في مقابلتها ، وجبريل ، وصالح المؤمنين ، والملائكة؟!

فأُخبرت بها ، ما سررت بشيء سروري بمعرفة ذلك ، وعلمت لمن استندتا هاتان المرأتان ، ومن يقويهما.

ولولا ما ذكر الله نفسه في النصرة ، ما استطاعت الملائكة ، والمؤمنون مقاومتهما ، وعلمت أنهما حصل لهما من العلم بالله ، والتأثير في العالم ما أعطاهما هذه القوة ، وهذا من العلم الذي كهيئة المكنون ، فشكرت الله على ما أولى ..

فما أظن أحداً من خلق الله استند إلى ما استند هاتان المرأتان ..

يقول لوط عليه‌السلام : (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (١) .. فكان عنده الركن الشديد ، ولم يكن يعرفه. فإن النبي قد شهد له بذلك ، فقال : يرحم الله أخي لوطاً ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ..

وعرفتاه عائشة وحفصة ، فلو علم الناس علم ما كانتا عليه لعرفوا معنى هذه الآية : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٢) ..» (٣).

ونقول :

انظر كيف يحول ابن عربي آياتٍ ، ذمَّ الله تعالى فيها عائشة وحفصة على تظاهرهما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى لقد ضرب الله لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط ، الكافرتين ـ يحوله ـ إلى أعظم المدح والثناء.

ويعتبر أن ما فعلتاه من أذى وتظاهر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الآية ٨٠ من سورة هود.

(٢) الآية ٤ من سورة الأحزاب.

(٣) الفتوحات المكية ج ٣ ص ١٥١ و ١٥٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٣٣

من دلائل علمهما المكنون بالله تعالى ، وأن علمهما هذا قد أعطاهما القدرة على التأثير في العالم إلى حد احتاج معه الرسول إلى الاستعانة بالله ، وبالملائكة ، وجبرئيل ، وصالح المؤمنين ..

مع أن الله تعالى قد نصر المؤمنين في بدر ، وهم أذلة ، ولم يزد على أن أيدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين.

فكان كيد من تظاهر على رسول الله أعظم خطراً عليه من خطر حرب أحد ، والأحزاب ، وحنين ، و .. و ..

دفاعه عن بدعة معاوية ومدحه له :

٣ ـ وحين أراد أن يصوَّب معاوية في ما أحدثه في صلاة العيد ، وأنه قد فهم أن ذلك جائز له ، قال :

«وكذلك ما أحدثه معاوية كاتب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وصهره ، خال المؤمنين ، فالظن بهم (الصحابة) جميل رضي الله عن جميعهم ، ولا سبيل إلى تجريحهم ، الخ ..» (١).

الطعن المبطن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

٤ ـ وقال : «ورد في الحديث الصحيح : عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، أنه قال لبلال : يا بلال سبقتني إلى الجنة ، فما وطئت منها موضعاً إلا سمعت خشخشة أمامي.

فقال : يا رسول الله ، ما أحدثت قط ، إلا توضأت ، ولا توضأت إلا صليت ركعتين ..

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٧ ص ٤٥٨ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٣٤

فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : بهما (١).

ونقول :

إن هذه الروايات ، وأمثالها تشتمل على طعن مبطن بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى حد أن انساناً عادياً ، من سائر الناس ، يسبقه إلى أعمال الخير في الدنيا ، ويفوز بقصب السبق عليه في الآخرة ..

فما هذا الرسول الذي يقصر في عمل الصالحات؟

ويجهل أو يغفل ـ على الأقل ـ عما ينال به المقامات؟! ..

وهل أحد سواه علّم بلالاً أن يفعل ما فعل لينال ما نال؟! ..

أم أن بلالاً قد وصل إلى ما وصل إليه عن طريق الصدفة ، ومن دون تعليم ودلالة؟!.

فلماذا لم يعلِّم الله تعالى رسوله هذا الأمر؟! ، وترك معارفه ناقصة إلى هذا الحد؟!

إننا لا ندري كيف نداوي هذه الجراح التي تنال مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من قِبَل أناس تفننوا في وضع الحديث عليه ، تبعاً لأسلافهم الذين اضطر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فضح أمرهم ، حين خطب الناس ، وقال : ألا وإنه قد كثرت علي الكذابة ، فمن كذب علي عامداً ، فليتبوأ مقعده من النار أو نحو ذلك .. وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة أيضاً.

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٥ ص ٦٤ وج ١١ ص ٣٨٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. وراجع رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص ٤٣٨.

٢٣٥

إهانات أبي بكر للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ومن الفضائح التي يجعلها مدائح ، قوله :

٥ ـ «روينا بالسند الصحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، خرج حين توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وعمر يكلم الناس ، فقال : اجلس يا عمر ..

فأبى عمر أن يجلس ..

فقال : إجلس يا عمر ..

فتشهد أبو بكر ، ثم قال :

أما بعد ، فمن كان يعبد محمداً صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فإن محمداً قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله عز وجل ، فإن الله حي لا يموت. ثم تلا قوله تعالى :

(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) (١) ..

فسكن جأشهم بالقرآن ، وهو لم يزل ساكن القلب مع الرحمان»

إلى أن قال :

إن نفسه «.. قالت : لا والله يا وليي ، إنما أنا بين فناء وبقاء ، وتلاشي وانتعاش ، وإقبال وإدبار ، ووصول ورجوع ، وما كنت فهمت قط هذا من هذا الكلام ، والذي خرج من فم الصديق ، حتى نبهتني عليه ، ولا سمعته من أحد من أشياخنا ولا رأيته ..

على أن ان بحثاً وأسراراً في الصحابة ، وتعظيمهم ومكانتهم ما سُبِقْت

__________________

(١) الآية ١٤٤ من سورة آل عمران.

٢٣٦

إليها ، ولا رأيت أحداً ممن لقيته من أصحابنا عثر ذلك ، إلا أنهم يجمحون عليه ، ويحومون حوله الخ ..» (١).

ونقول :

ألف : إن هذا المقطع الذي ذكرناه ، قد تضمن كلاماً جافياً وقاسياً ، خالياً من أي لياقة ، يرتبط برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى كأنك تشعر أنه يتكلم عن طاغية أو عن جبار ، قد تخلص الناس منه ، أو مدّع لمقام ليس له ، قد غش الناس ، واستحوذ عليهم حتى عبدوه ..

وقد جاءت هذه الكلمات الجريئة في احرج اللحظات ، وهي لحظات اللوعة ، والحرقة ، والحنان ، والحنين ، والأسى والحزن ، لفقد من يفترض أن يكون أحب إليهم من آبائهم ، وأزواجهم ، وذرياتهم ، وأنفسهم ، ومن كل شيء.

ب : كما أننا لاندري من أين جاء بفرضية وجود من يعبد محمداً. إلى حد أنه سوغ لنفسه أن يطلق هذه الفرضية في هذا الوقت بالذات ، ويجعل من الذين يعبدون محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله .. فريقاً يقابل به من كان يعبد الله ..

ج : إن أبابكر قد جاء بشيء لم يخف على أحد من الصحابة ، ولا على غيرهم من البشر ، وان عمر بن الخطاب قد ادعى خلافه ، لحاجة في نفسه قضاها ، فكيف يدعي ابن عربي : أن ابا بكر قد جاء بأمر غفل عنه غيره؟ وقد ألمحنا إلى ذلك في فصل سابق ، حيث نقلنا هناك عبارة مشابهة لهذه ..

د : إننا نقول : إن المشكلة تكمن في عدم التحلي بالمستوى المطلوب بالإيمان الصادق بنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليست المشكلة في وجود عابد له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأجل ذلك لم يحدثنا التاريخ بشيء يدل على وجود

__________________

(١) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص ١٣٠.

٢٣٧

مغال فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو عابد له.

ورغم ذلك كله ، فإن ابن عربي لم يزل يعطي قائل هذه الكلمات بالذات الأوسمة ، والمقامات لنفس مقولاته الجريئة هذه. ويجعله يرتفع بها لينال أعظم مراتب الزلفى عند الله!!

نزول السكينة على أبي بكر :

٦ ـ ويقول : عن أبي بكر أيضاً :

«رب عبد يخص بشهود المعية ، ولا يتعدى ذلك منه إلى أتباعه ، كقول موسى عليه‌السلام لبني إسرائيل : (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (١).

ورب عبد يتعدى منه نوره إلى أتباعه ، فيشهدون به سر المعية ، كقول سيدنا محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم : (إِنَّ اللهَ مَعَنَا) (٢) .. ولم يقل : معي ، لأنه أمدّ أبا بكر بنوره ، فشهد سر المعية ..

ومن هنا يفهم سر إنزال السكينة على أبي بكر رضي الله عنه ، وإلا لم يثبت تحت أعباء هذا التجلي والشهود.

وأين معية الربوبية في قصة موسى عليه‌السلام ، من معية الإلهية في قصة نبينا صلى الله عليه [وآله] وسلم» .. (٣).

ونقول :

انظر أيها القارئ العزيز كيف أنه بهذا البيان قد حوَّل ما فيه مؤاخذة لأبي بكر ، ليصبح من أعظم فضائله ومقاماته .. وذلك بعد أن أفسد سياق الآية

__________________

(١) الآية ٦٢ من سورة الشعراء.

(٢) الآية ٤٠ من سورة التوبة.

(٣) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص ٤٨٨ و ٤٨٩.

٢٣٨

القرآنية ، بدعوى أن السكينة إنما أنزلها الله على أبي بكر ، رغم أن الضمير في الآية يرجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ إن التأييد الإلهي بالجنود إنما هو لرسوله ، في قوله تعالى : (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) (١) ..

ثم إنه قد حاول تعمية الأمر في موضوع حزن أبي بكر ، الذي دل على أن أبا بكر قد رأى الآيات التي هي واضحة الدلالة على أن الله يرعى نبيه ، ويحفظه ، حيث نسجت العنكبوت ، ونبتت الشجرة ، وباضت الحمامة الوحشية ، وجلست على بيضها بباب الغار.

ولكن ذلك كله لم يفد في طمأنة أبي بكر إلى لطف ورعاية الله سبحانه ، وحفظه لنبيه!!!

وأما الكلام عن أن الحزن إنما يكون على أمر قد فات ومضى ، وليس المراد بالحزن الخوف مما يأتي من مصائب وبلايا ـ أما هذا ـ فلا نريد الدخول في تفاصيله ، ولا حشد الشواهد له ، تأييداً أو تفنيداً ، رغم توقعاتنا : أنه سوف ينتهي بنا إلى نتيجة لا تصب في مصلحة أبي بكر.

بقي أن نشير إلى ما ذكره ابن عربي عن المعية الالهية ، فإن المعية بالنسبة لموسى قد جاءت من موقع الربوبية ، لتيسر له صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا و آله سبيل الهداية .. التي كان يحتاج إليها ..

ولكن ما يحتاج إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في هذا الظرف الصعب هو المعية التي هي من مقتضيات مقام الألوهية ، لأن ردَّ كيد أولئك العتاة الطغاة ، إنما من موقع القادرية ، والقاهرية ، والعزة ، والجبارية ، والانتقام الإلهي ..

__________________

(١) الآية ٤٠ من سورة التوبة.

٢٣٩

مقارنة .. وعبرة :

قد قلنا : إنه قد علم الخاص والعام : أن أبا بكر قد حزن في يوم الغار ، رغم أنه كان في موضع الأمن والأمان ، وكان يرى الآيات البينات الواحدة تلو الأخرى ، تتظافر لتدل على أن الله تعالى يرعى نبيه ، ويهيء له سبل النجاة من كيد أعدائه ، بعد أن استنفد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كل وسائله البشرية ..

أما علي عليه‌السلام ، فقد كان في موضع الخطر الأكيد والشديد ، يواجه احتمالات القتل والتقطيع بالسيوف إرباً إرباً ، بيد أعدائه الممتلئين حقداً وحنقاً وغيظاً ولم يكن هناك أية بادرة ، أو اشارة مهما كانت إلى ما يخالف هذه التوقعات أو يؤثر على مستوى ودرجة صدقيتها ..

ولكن الأمور تنقلب عند ابن عربي رأساً على عقب ، فاستمع إليه واقرأ أقواله لتعرف كيف يصور هذه القضية :

(لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) : قالها أبو بكر :

٧ ـ ويقول : «.. (وَالْفَجْر) (١). ومعناه : الباطن الجبروتي (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) (١). وهو : الغيب الملكوتي ، وترتيب النقطتين الواحدة مما تلي .. والثانية مما تلي الألف. والميم هو رمز وجود العالم الذي وجد فيهم.

والنقطة التي تليه أي تلي الميم ، أبو بكر رضي الله عنه. والنقطة التي تلي الألف محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم.

وقد تقببت الياء عليهما ، أي على النقطتين ، أي على محمد وأبي بكر ،

__________________

(١) الآية ١ من سورة الفجر.

(٢) الآية ٤ من سورة الفجر.

٢٤٠