ابن عربي سنّيّ متعصّب

السيد جعفر مرتضى العاملي

ابن عربي سنّيّ متعصّب

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : التراجم
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩

وغيره ، تخيل أنه ليس بين الصديقية والرسالة مقام ، وأن من تخطى مقام الصديقين وقع في النبوة ، وبابها مسدود عندنا دوننا ، فلا سبيل إلى تخطيهم ، لكن لنا المزاحمة معهم في صفهم ، هذا غايتنا ..

ولسنا نعني بالصديق ، أبا بكر ولا عمر ، ولا أحداً رضي الله عنهم ، فإن أبا بكر من جملة أحواله كونه صديقاً ، وقد شاركه في هذا المقام غيره من الصديقين ، ولذلك قال تعالى : (أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) (١) ..

وقد فضل الصديق بسر وقر في صدره ، أعطاه الله إياه ، وشهد له به رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ..

فعندنا بين الصديقية والرسالة ، مقام ، وهذا هو المقام الذي ذكرناه ، والذي أقول به.

إنه ليس بين أبي بكر رضي الله عنه ، وبين النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم رجل ، ولا نذكر الصديقية.

فأرفع الأولياء ، أبو بكر رضي الله عنه ، فاجتهدوا رضي الله عنكم في تحصيله.

وأنا أنبهكم على العلامات التي تستدلون بها عليه ، وذلك أنكم إذا أقمتم بشرائط الخلوة الخ ..» (٢).

١٧ ـ وفي نص آخر : «فليس بين أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم رجل ، لأنه صاحب صديقية ، وصاحب سر. فهو من كونه

__________________

(١) الآية ١٩ من سورة الحديد.

(٢) كتاب القربة ص ٦ رسائل ابن عربي والفتوحات المكية ج ١١ ص ٣٩٨ بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٠١

صاحب سر بين الصديقية ونبوة التشريع ، ويشارك فيه ، فلا يفضل عليه من يشاركه فيه ، بل هو مساو له في حقيقيته» (١).

أبو بكر على العرش :

١٨ ـ ادعى في فتوحاته : «أنه كان يرى في كل سماء واحداً من الأنبياء ، إلى أن بلغ إلى العرش ، فرأى أبا بكر على العرش» (٢) ..

الله يخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بصوت أبي بكر :

١٩ ـ قال في الفتوحات المكية : «نودي عليه‌السلام في ليلة إسرائه في استيحاشه بلغة أبي بكر ، فأنس بصوت أبي بكر ..» (٣).

ولا ندري إن كان هذا هو نفس الحديث الذي رووه ، من أن ملكاً كان في المعراج يكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بصوت أبي بكر (٤).

مع أن الصحيح هو أنه قد كلمه بصوت علي عليه‌السلام ، كما هو مروي حتى من طرق أهل السنة أيضاً (٥).

أبو بكر والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من طينة واحدة :

٢٠ ـ ويقول : «خلق رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأبو بكر من طينة واحدة ، فسبق محمد ، وصلى أبو بكر : (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ١١ ص ٣٩٨ بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى ، وج ٢ ص ٢٥ ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر.

(٢) الإثنا عشرية ص ١٦٩ / ١٧١.

(٣) الفتوحات المكية ج ١ ص ٣٥٩ بتحقيق عثمان يحيى ، وإبراهيم مدكور ..

(٤) راجع المراهب اللدنية ج ٢ ص ٢٩ / ٣٠ وراجع الدر المنثور ج ٤ ص ١٥٥ و ١٥٤.

(٥) راجع : المناقب للخوارزمي ص ٣٧ وينابيع المودة ص ٨٣.

٢٠٢

يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا) (١) .. فكان كلامهما كلامه سبحانه ..» (٢).

خلَّة أبي بكر :

٢١ ـ وقال : «ومنهم الأخلاء ، ولا عدد يحصرهم ، بل يكثرون ويقلون ، قال الله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (٣) .. وقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صاحبكم خليل الله» والمخاللة لا تصح إلا بين الله وبين عبده ، وهو مقام الإتحاد الخ ..».

إلى أن قال :

«فالمقام عظيم ، وشأنه خطير» .. (٤).

٢٢ ـ وقال وهو يتحدث عن كيفية الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«فقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم عند ذلك ، لما حصلت له الإجابة من الله فيما دعوناه فيه لنبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم : لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صاحبكم ـ يعني نفسه ـ خليل الله» الخ .. (٥).

أبو بكر وعائشة :

٢٣ ـ وحين ذم أهل زمانه ، ذكر أن أنه ارتكز في ذلك إلى أصلين ، هما رواية عن أبي بكر ، ورواية عن عائشة ، قال : «وروينا عن أبي بكر الصديق

__________________

(١) الآية ٤٠ من سورة التوبة.

(٢) الفتوحات المكية ج ١ ص ٣٥٩ و ٣٦٠ بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٣) الآية ١٢٥ من سورة النساء.

(٤) راجع : الفتوحات المكية ج ١١ ص ٣٧١ و ٣٧٤ بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٥) راجع : الفتوحات المكية ج ١٠ ص ٤٤٢ بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٠٣

رضي الله عنه ، أنه قال يوم فتح مكة ، في القرن الفاضل ، لما فُقِد عقد من عنق بعض أهله ، تأوَّه ، وقال : ارتفعت الأمانة من بين الناس ..».

ثم يذكر رواية عائشة وهي تصب في هذا الإتجاه أيضاً ، ويقول : إنها هي الأصل الثاني (١).

فأبو بكر يتهم الصحابة بالسرقة ، وبعدم الأمانة ، وهذا يسقط مقولة أهل السنة في عدالتهم ..

ولم يلتفت ابن عربي إلى هذا ، فاعتبر قوله وقول عائشة حجة وأصلاً يفترض فيه أن يلتزم به.

__________________

(١) راجع مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص ١٢١.

٢٠٤

الفصل الخامس

عمر بن الخطاب الولي المعصوم ..

٢٠٥
٢٠٦

بداية :

قد ذكرنا في فصل : (من هم أئمته) ، نصوصاً عن ابن عربي ، قد أشرك فيها عمر بن الخطاب مع غيره في المقامات والكرامات ..

فذكرها هناك أغنانا عن إعادتها هنا ، غير أننا نذكر في هذا الفصل طائفة من النصوص التي خص فيها ابن عربي عمر بن الخطاب بأوسمة ومقامات رأى أنها تليق بشأنه ، أو أنه ساقها له على سبيل التكريم ، والتعظيم ، والتفخيم ، فنقول :

قصة زريب :

١ ـ ذكر أن زريب بن برثملا ، كان وصي عيسى ، وأنه أرسل إلى عمر بن الخطاب بكلام يفيد في تأكيد مقام عمر وعظمته ..

ومع أنه يذكر أن سند هذه الرواية ضعيف ، إلا أنه يعود فيؤكد صحتها عن طريق الكشف!! (١).

ولا أدري لماذا لم يصل به هذا الكشف إلى تعريفه بما ارتكبه عمر في حق الزهراء عليها‌السلام وإلى حقيقة ما ظلم به جميع أهل البيت عليهم‌السلام؟! وإلى أن الإمامة بعد النبي هي للإمام علي عليه‌السلام ، لا لأبي بكر ، ولا لغيره؟! وإلى سائر حقائق الدين والعقيدة الصحيحة؟!

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٣ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٩ بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٠٧

ولماذا بقي يلتزم بالعقائد التي اثبتت الأدلة القاطعة عدم صوابيتها؟!.

عمر والحق :

٢ ـ وقال في سياق كلام له : «قال عليه‌السلام ، ما ترك الحق لعمر من صديق» (١).

٣ ـ وقال : «إلا أنه من التزم النصح قلّ أولياؤه ، فإن الغالب على الناس اتباع الأهواء ، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : «ما ترك الحق لعمر من صديق» .. (٢).

قلب عمر لا تعلق له إلا بالله :

٤ ـ وقال : «وكان الحق صعب المرام ، قوياً حمله على النفوس ، لا تحمله ولا تقبله ، بل تمجه وترده ، لهذا قال صلى الله عليه [وآله] وسلم لعمر : ما ترك الحق لعمر من صديق.

وصدق صلى الله عليه [وآله] وسلم يعني في الظاهر والباطن. أما في الظاهر فلعدم الإتصاف» ..

إلى أن قال :

«وأما في الباطن ، فما ترك الحق لعمر في قلبه من صديق ، فما كان له تعلق إلا بالله ..» (٣).

مع أن الصحيح هو أن أبا ذر هو الذي قال : «ما ترك الحق لي من

__________________

(١) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص ١٣٨.

(٢) الوصايا ص ٦٧.

(٣) الفتوحات المكية ج ٣ ص ٢٥٢ بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢٠٨

صديق» (١) أو صديقاً.

قال العجلوني : عن نسبة هذا القول إلى عمر : «قال النجم : هذا غير معروف في كتب الحديث في حق عمر ، لا عنه ، ولا عن غيره. وإنما روى ابن سعد في طبقاته : ان اباذر قال الخ ..» (٢).

عمر فقيه يشهد له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

٥ ـ وقال : «وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كيف اجتنب طيب الطعام ، وفهم من كلام الله تعالى : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا) (٣) .. أنه ينسحب (٤) على كل إنسان من مؤمن وكافر ..

أترى يا نفس ، هذا العارف الذي وسع عليه في الدنيا يكون أفقه من عمر بن الخطاب؟! ، الذي وافق رأيه في الأحكام ، وقد شهد له الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم : أنه ليس من الباطل في شيء ..» (٥).

ونقول :

قد نسي ابن عربي : أن هذا الرأي من عمر يخالف القرآن الذي يقول : (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (٦) ..

وأن عمر قد غلط في فهمه لمعنى الآية التي استشهد بها ، حيث لا يغلط

__________________

(١) راجع : الطبقات لابن سعد ج ٤ ص ٢٣٦ والبحار ج ٣١ ص ١٨٠ وشرح النهج ج ٣ ص ٥٨ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٣ وغير ذلك.

(٢) كشف الخفاء ج ٢ ص ١٨٣.

(٣) الآية ٢٠ من سورة الأحقاف.

(٤) أقول : هذا التعبير مستحدث ، ولا أظن ابن عربي قد قال ذلك ، والله العالم ..

(٥) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص ١٤١ و ١٤٢.

(٦) الآية ٥٧ من سورة البقرة.

٢٠٩

أحد ، فإنها إنما تخاطب الكفار الذي استمتعوا بالطيبات في الدنيا ونسوا الآخرة .. قال تعالى : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) (١) ..

إن عمر نفسه يقول : كل النساء أفقه من عمر ، حتى ربات الجمال في خدورهن (٢) .. وقد اظهر استدلاله بالآيات الشريفة ، صحة هذا الإعتراف العمري ..

كما أنه قد أظهر في موارد كثيرة أنه لا يعرف أحكام الله ، حتى ما كان منها بديهياً. فراجع الجزء السادس من كتاب الغدير للعلامة الأميني «رحمه الله» ، فصل : نوادر الأثر في علم عمر ..

عمر وأويس :

٦ ـ ثم هو يذكر الحديث الذي يزعمون أنه؛ عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حول شفاعة أويس في مثل ربيعة ومضر ، ثم يقول راوياً لذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«.. يا عمر ، ويا علي ، إذا أنتما لقيتماه فاطلبا منه أن يستغفر لكما ، يغفر لكما الله تعالى.

قال : فمكثا يطلبانه عشر سنين ، فلما كان آخر السنة التي هلك فيها عمر ..».

ثم ذكر لقاءهما بأويس ، قال :

«فاستوى أويس قائماً ، وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، ورحمة الله

__________________

(١) الآية ٢٠ من سورة الأحقاف.

(٢) راجع الغدير ج ٦ ص ٩٨.

٢١٠

وبركاته ، وأنت يا ابن أبي طالب. فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً الخ ..» (١).

٧ ـ ثم يورد قصة هرم بن حيان مع أويس ، وأن أويساً القرني ، أخبره بموت عمر بقوله :

«يا ابن حيان ، مات أبو بكر خليفة المسلمين ، ومات أخي وصديقي ، وصفيي عمر ـ وا عمراه ـ الخ ..» (٢).

حسب الشيطان أن ينجو من عمر :

٨ ـ ويقول : «هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الصلب ، القوي ، الذي ليس للشيطان عليه سبيل ، حسب الشيطان أن ينجو منه ، نزل القرآن موافقاً لحكمه ، وأداه أن يقول :

«لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً» (٣). ما يعرفه من إيمانه وعلمه ، قد جمع بين العلم والعيان ، وتبرز في صدر المشاهدة الأعيان ، ليس أحد من وقته إلى يوم القيامة ، يبرز أمامه ، ولا يكون في حالة من الأحوال إمامه ، قد اهتز لموعظة أويس القرني خير التابعين همه ، وقال ما أداه إليه كشفه وعلمه المعصوم : ليت عمر لم تلده أمه الخ ..» (٤).

ويلاحظ قوله : إنه ليس للشيطان سبيل على عمر بن الخطاب ، في حين أن أبا بكر كان له شيطان يعتريه ، حتى طلب من الناس : أن يقوِّموه إذا زاغ!! فهل عمر أفضل عنده من أبي بكر؟!

__________________

(١) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص ١٥٤ و ١٥٥.

(٢) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص ١٥٧.

(٣) هذه الكلمة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو ينسبها لعمر بن الخطاب.

(٤) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص ٢٠٥.

٢١١

عمر يحدثه الله :

٩ ـ وقال صلى الله عليه [وآله] وسلم في عمر : «إنه من المحدثين ، إن يكن في هذه الأمة منهم أحد ، وأريد حديثه تعالى مع أوليائه ، لا مع الأنبياء والرسل ، فإن الأذواق تختلف باختلاف المراتب ..» (١).

١٠ ـ وقال : «ومنهم رضي الله عنهم المحدثون ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه منهم ، وكان في زماننا منهم أبو العباس الخشاب الخ ..» (٢).

ثم هو يعتبر أن المحدث نبي الأولياء .. (٣).

عمر محدث في قصة : يا سارية الجبل :

١١ ـ ويقول : «.. ومنها : أن يكون صاحب هذا المقام محدثاً ، ولا يرى من يحدثه من جهة هذه الحضرة ، فإن رآه فمن جهة حضرة تحققه بالبصر ، فيلحقك السماع بدرجة المحدَّثين ، ويهتف بك ، وتسمع الخطاب ، إما بديهاً ، وإما جواباً عن سؤال منك ، ورد السلام عليك ..

وقد شاهدنا هذه الأمور كلها. وأخبرني غير واحد عن أبي العباس الخشاب رضي الله عنه (كذا) : أنه كان محدثاً اشتهر عنه هذا ..

ومن هذا الباب سماع سارية صوت عمر من المدينة ، وبينهما أيام ، فكل كرامة يكون خطاب فيها ، فهي من هذا الباب ..» (٤).

ويلاحظ هنا : أنه قد ورد في بعض الأحاديث : أن علياً عليه‌السلام هو الذي

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ١٢ ص ٣٢٢

(٢) راجع : الفتوحات المكية ج ١١ ص ٣٧٤.

(٣) راجع : الفتوحات المكية ج ١٢ ص ٢٣٦.

(٤) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص ١٩٧.

٢١٢

مسح على عيني عمر ، حتى رأى المسلمين في نهاوند ، وقد كمن لهم عدوهم ، ولم يكن لهم نجاة منه إلا بالإلتجاء إلى جبل هناك. فقال عمر لهم ذلك حينئذٍٍ (١) ..

كن عُمَرِي الفعل :

١٢ ـ وقال : «كن عمري الفعل ، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : «من خدعنا في الله انخدعنا له» .. (٢).

الدليل على عصمة عمر :

١٣ ـ وقال : «من أقطاب هذا المقام عمر بن الخطاب ، وأحمد بن حنبل ، ولهذا قال صلى الله عليه [وآله] وسلم في عمر بن الخطاب ، يذكر ما أعطاه الله من القوة : يا عمر ، ما لقيك الشيطان في فج إلا سلك فجاً غير فجك».

فدل هذا على عصمته ، بشهادة المعصوم.

وقد علمنا : أن الشيطان ما يسلك قط بنا إلا إلى الباطل ، وهو غير فج عمر بن الخطاب. فما كان عمر يسلك الافجاج الحق بالنص ، فكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم ، في جميع مسالكه ، وللحق صولة» (٣).

وقد تقدم : أن أبا بكر له شيطان يعتريه ، ويخاف من الزيغ بسبب ذلك .. أما عمر فإن الشيطان يسلك غير فجه .. فكيف يكون ابو بكر مقدماً عنده على عمر يا ترى؟!

كما أن من المعلوم : أن ادعاء عصمة عمر بن الخطاب مما لا يوافقه عليه أحد من أهل المذهب ..

__________________

(١) مدينة المعاجز ج ٢ ص ١٥ / ١٨ والهداية الكبرى ص ١٧٣.

(٢) الوصايا ص ٥٤.

(٣) الفتوحات المكية ج ٣ ص ٢٥٢ بتحقيق إبراهيم مدكور ، وعثمان يحيى.

٢١٣

علم عمر :

١٤ ـ وقال : «ألا ترى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أتي في المنام بقدح لبن ، «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ، ثم أعطيت فضلي عمر» ..

وقيل : ما أولته يا رسول الله؟

قال : العلم.

وما تركه لبناً على صورة ما رآه ، لعلمه بموطن الرؤيا ، وما تقتضيه من التعبير» (١).

ولا ندري أين كان عند هذا العلم حين قال : كل الناس أفقه من عمر ، حتى ربات الحجال في خدورهن؟! وأين كان علمه ، وهو لم يزل يردد في أكثر من سبعين مورداً : لولا علي لهلك عمر؟! ، أو نحو ذلك ..

عمر يشاهد الربوبية :

١٥ ـ وقال : «فشاهدوا الربوبية قبل كل شيء ، ولهذا تأول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللبن لما شربه في النوم ، وناول فضله عمر. قيل : ما أولته يا رسول الله؟ قال : العلم ..» (٢).

عمر يجهز الجيش في الصلاة :

١٦ ـ ويقول : «كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهز الجيش في الصلاة ، فإن المؤمن الصادق ماله حديث إلا مع ربه ، الخ ..» (٣).

__________________

(١) فصوص الحكم ص ٨٦ و ٨٧ وراجع ص ١٥٩.

(٢) الفتوحات المكية ج ١ ص ٢٥٧ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٣) الفتوحات المكية ج ٧ ص ١٦٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

٢١٤

إقتداء عمر بالرسول :

١٧ ـ وقد تقدم قوله : «إن الله تعالى أودع الكعبة كنزاً ، أراد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يخرجه ، فينفقه ، ثم بدا له في ذلك أمر آخر لمصلحة رآها ، ثم أراد عمر بعد أن يخرجه ، فامتنع اقتداء برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ..» (١).

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ١ ص ٥٨ بتحقيق إبراهيم مدكور ، وعثمان يحيى.

٢١٥
٢١٦

الفصل السادس

شخصيات يعظمها إلى حد التقديس

٢١٧
٢١٨

بداية :

إن تعظيم ابن عربي للشخصيات المناوئة لعلي ، وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ، لا يقتصر على أولئك الذين غصبوا الخلافة منه عليه‌السلام في البداية ، بل هو يمتد إلى كل من كان يكره علياً عليه‌السلام ، ويعين عليه ، ويقف في موقع المسيء لذريته ، ولشيعته ..

إنه يعظم تلك الشخصيات وينتحل لها مواصفات ، ويطلق عليها أوصافاً وألقاباً ، وينتحل لها مقامات مجيدة وفريدة ، مع أنها ليست موالية لأهل البيت ، إن لم تكن ممن ساعد وعاضد الآخرين ضدهم ، أو هي على الأقل تسير في غير نهجهم عليهم‌السلام ، وتوالي وتؤيد من لم يزل يقف في وجههم ، وينكل بشيعتهم ..

ونحن نذكر في هذا الفصل بعضاً مما قاله حول هؤلاء ، الذين كانوا يسيرون في الإتجاه الآخر ، أو أنهم على الأقل ، لا يتولونهم ، ولا يعترفون بإمامتهم ، فنقول :

الخلافة الباطنية والظاهرية للمتوكل :

١ ـ قد ذكرنا فيما سبق : أنه يقول : إن ممن حاز الخلافة الظاهرية والباطنية : المتوكل العباسي ومعاوية بن يزيد ، وعمر بن عبد العزيز .. و .. و .. (١).

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ١١ ص ٢٧٤ و ٢٧٥ بتحقيق إبراهيم مدكور ، وعثمان يحيى وراجع : الاثنا عشرية ص ١٧٠ و ١٧١.

٢١٩

علوم أبي هريرة ، ومقاماته :

٢ ـ وقال : «وشكا لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أبو هريرة : أنه ينسى ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ..

فقال له : يا أبا هريرة ، أبسط رداءك ..

فبسط أبو هريرة رداءه ، فاغترف رسول الله غرفة من الهواء ، وثلاث غرفات ، فألقاها في رداء أبي هريرة ، وقال له : ضم رداءك إلى صدرك.

فضمه إلى صدره ، فما نسي بعد ذلك شيئاً يسمعه ، وهذا كله من هذا المقام ..» (١).

عائشة ومصحفها :

٣ ـ ثم إنه يدعي أيضاً تبعاً لروايات أهل السنة : أن لعائشة مصحفاً خاصاً بها ، وأن فيه زيادة ليست في مصاحف المسلمين ، وهي أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ..

«وقد أثبتتها عائشة أم المؤمنين في مصحفها بواو التوكيد ، وهذا في المسألة من أعظم تأييد» (٢).

أما نحن فنعتقد : أنه لو صح أن عائشة قد أضافت في مصحفها كلمة : «وصلاة العصر» فإنها إنما فعلت ذلك على سبيل التفسير ، لا على أنه من القرآن المنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ..

أو أنها أضافت إلى القرآن ما ليس منه ، تحريفاً لكلام الله عن مواضعه ..

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٣ ص ٣٨٢ و ٣٨٤ بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص ٣١١.

٢٢٠