ابن عربي سنّيّ متعصّب

السيد جعفر مرتضى العاملي

ابن عربي سنّيّ متعصّب

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : التراجم
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩

١
٢

٣

٤

تقديم :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ، إلى قيام يوم الدين.

وبعد ..

فإن الذي دعانا إلى تأليف هذا الكتاب هو أنه قد وردتنا أسئلة عديدة عن حقيقة ما يقال عن تشيُّع محيي الدين ابن عربي ، صاحب كتاب : «الفتوحات المكية» وكتاب «فصوص الحكم» وكتاب «الوصايا» وغير ذلك.

وقد أجبنا عن بعض تلك الأسئلة بإيجاز واقتضاب ، يظهر رغبتنا في تجنب الدخول في التفاصيل ، التي قد تكون مملة ، أو غير ضرورية ..

ثم هي تظهر إيثارنا صرف وقتنا وجهدنا فيما هو أهم ، ونفعه أعم ..

غير أن إحساسنا بأن ثمة من تأثر بشائعة تشيُّع هذا الرجل ، وأن ثمة استسلاماً ولو بصورة جزئية ومحدودة أمام بعض أفكاره التي يقرؤونها في كتبه ، أو تلقى إليهم عنه ، مع كون تلك الأفكار لا تنسجم مع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ومبانيه الحقة ، لا من قريب ولا من بعيد ..

إن إحساسنا هذا قد ساهم في تبلور شعور بضرورة أن نقوم بوضع حد لهذه الشائعة ، وذلك بالرجوع إلى بعض أقاويل هذا الرجل ، ووضعها أمام هؤلاء الناس الطيبين ، ليروا بأم أعينهم حقيقة ما يعتقده هذا الرجل ، وما يتبناه

٥

من مناهج واعتقادات ، وما يظهر عليه من لمحات وسمات ..

مع تأكيدنا على أن ما نورده في هذه الدراسة الموجزة ، ما هو إلا غيض من فيض ، مما يجده المتتبع لكلماته في سائر كتبه ومؤلفاته ..

فإلى ما يلي من فصول ، ونتوكل على خير مأمول ومسؤول ..

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

عيثا الجبل (عيثا الزط سابقاً)

١ جمادى الثانية ١٤٢٤ للهجرة.

٦

تمهيد :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله ..

وبعد ..

فإنه قد كان ، ولا يزال ، ثمة أناس يتظاهرون بالزهد ، والإعراض عن الدنيا ، ويدّعون لأنفسهم كرامات ، بل ومعجزات ، ويتفننون في إطلاق كلمات تعبر عن نظرتهم إلى الدنيا وزهدهم بها.

وهي كلمات تعتمد في الأكثر على تنميق العبارات ، والتصرف في الكلمات وتركيباتها ، واشتقاقاتها ، فتأتي بعض عباراتهم طريفة ، وبديعة ، ورنانة ، في أحيان كثيرة ، كما أنها قد تكون على درجة من السقوط والابتذال أحياناً أخرى ، ولكن بعض العلماء تلقفوا كلماتهم تلك ، وأخذوها بجدية وسلامة نية ، وحاولوا أن يضعوها في سياق صحيح ومقبول ..

وقد أثمرت جهود أساطين العلم في بلورة علم شريف متكامل ، له أصوله ، وفروعه ، وضوابطه ، وهو ما يعرف اليوم بعلم العرفان ، الذي كان لجهابذة العلم الإيرانيين القدح المعلى ، وقصب السبق في إنجازه ، ورسم معالمه ، وتحديد وضبط قواعده ..

وكان ابن عربي هو أحد أركان الصوفية الذين كتبوا في التصوف والمتصوفة الشيء الكثير ، وقد اشتملت كتاباته أحياناً على لمحات راقية في مضامينها إلى درجة تثير الإعجاب ، ولكنه يتضاءل ويسفل في كتاباته أحياناً

٧

أخرى ، ويخبط خبط عشواء ، يصل إلى حد الابتذال .. إلى حد أنك تشعر : أنه مجرد رجل أمي ، لم يمارس علماً ، ولم يطلع على شيء من المعارف ..

ولكن بعضاً نادراً من علمائنا الأبرار رضوان الله عليهم ، قد أحسنوا به ظنونهم ، واعتبروا تلك اللمحات الراقية ، هي المعيار لكل ما صدر عنه ، فسعوا بجدية وصدق ، إلى رفع مستوى ما تسافل من أفكاره ، وكلماته ، وتمحلوا لها ضروباً من التأويل ـ وغضوا النظر عن كل السقطات ، والهفوات ، ترفعاً منهم ، وسمواً ، وشرفاً ، ونبلاً .. مع ثباتهم على أصولهم المتينة ، والتزامهم بمبادئهم القويمة ..

أما جمهور علمائنا وفقهائنا ، فإنهم قد أهملوا أمره ، حين أخذوا عليه أموراً كثيرة تنافي أصول أو ضروريات الإسلام أحياناً ، وأصول وضروريات التشيع أحياناً أخرى ..

ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد ، أي عند إهمال هؤلاء ، واعتناء أولئك ، إذ قد كان ثمة أناس ممن قصر باعهم ، وقل اطلاعهم ، قد تخيلوا أن كل كلام صدر عن ابن عربي ، يمثل خط التشيع ، ويصب في الاتجاه الصحيح ، وهو طريق الوصول إلى الله.

وحيث إن هؤلاء ليس لديهم القدرة على تمييز الحق من الباطل ، والصحيح من السقيم ، فقد مست الحاجة إلى توضيح الحقيقة فيما يرتبط بدعوى تشيُّع ابن عربي ، ليكون الناس على بينة من أمرهم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حيي عن بينة ..

غير أننا قبل أن ندخل في التفاصيل نشير إلى أن محيي الدين ابن عربي المالكي المذهب ، الصوفي الإتجاه ، قد ألف كتباً عديدة ، أشهرها كتاب «فصوص الحكم» ، الذي ألفه بدمشق ، وكتاب «الفتوحات المكية» الذي ألفه

٨

بمكة قبل ذلك ..

وقد أودع في كتابيه هذين ، وفي غيرهما فنوناً من الكلام الذي أعجب كثيرين من أهل التصوف من أهل السنة ، واجتذب عدداً من العرفاء والمتصوفة من الشيعة الإمامية أيضاً ..

وقد وجد بعض علماء العرفان من الشيعة ، بعض اللمحات ، التي هي شديدة الندرة في كلامه ، دعتهم للإعتقاد بتشيُّع هذا الرجل .. رغم أن في مقابلها ما لا يكاد يحصر من دلائل التزامه بمذهب أهل السنة ، بل وتعمقه فيه ، وتعصبه له إلى أبعد الحدود ..

مع أن تلك اللمحات التي وجدوها .. ليست فقط قابلة للتأويل ، بل هي لا تحتاج إلى تأويل ، من حيث إنها لا تخرج عن قواعد والتزامات أهل السنة أيضاً ، كما أن عدداً منها ، لا بد أن يعدَّ من الأدلة القاطعة على تسننه الشديد أيضاً ..

غير أن حسن الظن ، وطهر الروح لدى بعض هؤلاء الأخيار ، قد دعاهم إلى التماس العذر لهذا الرجل ، حتى فيما لا يعذر فيه أحد ..

ثم إنهم قد ذكروا : أنه قد ذهب إلى تشيُّع ابن عربي : كل من المحدث النيسابوري ، وابن فهد الحلي ، والقاضي نور الله التستري ، والشيخ البهائي ، والفيض الكاشاني ، والمجلسي الأول .. (١).

وأضاف بعضهم : السيد صالح الموسوي الخلخالي ..

ولا نريد التحقيق في صحة نسبة هذا الرأي إلى هؤلاء العلماء ، رغم أن

__________________

(١) الروح المجرد ص ٣٢٦ ط سنة ١٤٢٣ هـ ـ.

٩

للكلام فيه مجالاً ، (١) بل نحن ندخل في نفس الموضوع الذي نسب إليهم مباشرة ، ونعلنها صريحة وواضحة من الآن : أننا لا نوافقهم على هذا الرأي المنسوب إليهم ، بل نقول :

إن هذا الرجل سُنيٌ متعصب ، ومهتم بتشييد مباني مذهبه ، وإثارة الشبهات حول صحة التشيُّع ، ويسعى جاهداً لزعزعة مبانيه ، وتشويه معالمه ، كما سيتضح من هذه الدراسة ، فإلى ما يلي من صفحات ..

والحمد لله ، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله ..

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

عيثا الجبل (عيثا الزط سابقاً)

١٢ شهر جمادى الأولى ١٤٢٤ هـ

__________________

(١) وقد أوجز بعض الأخوة أمر هذه النسبة إليهم على النحو التالي : أما بالنسبة للمجلسي الأول ، فقد حاول المتصوفة اتهامه بما ذكر ، فبرأه المجلسي الثاني رحمه الله ، وكذبهم ، فراجع رسالته في الاعتقادات.

وأما البهائي ، فإنه إنما يورد ما يستحسنه من كلمات ، تتوافق مع أغراضه في تآليفه. كما أن بعض كلماته وأشعاره ربما أوهمت أن لديه ميلاً إلى طريقة أهل التصوف .. وليست نسبة التصوف إليه إلا مثل دعوى أهل السنة أنه منهم ، حين رأوا مداراته لهم ..

وأما بالنسبة للفيض ، فإنه قد تنقل من حال إلى حال ، من الفلسفة إلى التصوف ، إلى الإخبارية ، إلى طريقة الفقهاء. وقد هاجم المتصوفة وابن العربي بالذات ، خصوصاً في موضوع : أنه لم يسأل ربه أن يعرفه إمام زمانه ، فراجع أواخر كتاب بشارات الشيعة .. فقد اعتبر هذا خذلاناً من الله ، وأن الشياطين قد استهوت ابن عربي ونسبه إلى سوء الأدب أيضاً , وغير ذلك ..

وأما التستري ، فقد كان متفانياً في حبه لأهل البيت عليهم‌السلام ، حريصاً على إثبات تشيع كل من أثيرت شبهة حول تشيعه ، وهذا ظاهر في كتابه : مجالس المؤمنين.

وأما ابن فهد ، فلا نعرف منشأ نسبة هذا الرأي إليه لننظر فيه. وما عدا هؤلاء فإن الأمر في شأنهم سهل ..

١٠

المدخل

سؤال .. وجواب

١١
١٢

لقد وردتنا أسئلة عديدة عن تشيع محيي الدين ابن عربي ، كان آخرها السؤال التالي :

السؤال :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

السيد المحقق جعفر مرتضى العاملي .. دامت بركاتك.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

كثيراً ما أقرأ في كتبنا عن الشيخ «محيي الدين ابن العربي» صاحب «الفتوحات المكية» وغيره من التآليف في العرفان النظري وغيره ..

ولا يخفى ما للرجل من دور في تشييد هذا العلم ، وإليه ـ كما هو ملحوظ ـ يرجع أغلب العرفاء ، إن لم يكن كلهم ..

وقد قرأت للسيد الخميني «رحمه الله» تعالى في بعض كتبه ، ربما في «جنود العقل والجهل» أو في تعليقه على «فصوص الحكم» وغيره من كتبه ، يصفه بـ «الشيخ الكبير» ..

وجاء في كتاب «الروح المجرد» :

«أنه لا يكون العارف عارفاً حتى يكون اثنا عشرياً» ..

ولكني أجده ـ أي ابن عربي ـ في الفتوحات حين يصف الوضوء يصفه كما هو وضوء السنة ، وأيضاً حين التحدث عن حديث المعراج ، وفي عدة موارد ، مما ينم عن كونه ليس من الشيعة ..

١٣

فهل نحمل هذا على سبيل التقية منه أم ماذا؟

أرجو أن تكون الإجابة مدعمة بالمصادر إن أمكن ..

١٤

الجواب :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

وبعد ..

بالنسبة لسؤالكم نقول :

أولاً : إن وصف السيد الخميني قدس الله نفسه الزكية لابن عربي بالشيخ الكبير ، إنما هو في سياق إطلاق اللقب العلمي عليه ، إذ إن أي إنسان يكون له درجة من التقدم في علم من العلوم ، كالطب ، والرياضيات ، والفلك ، والنحو ، والفلسفة ، وما إلى ذلك ، فإن العلماء يطلقون عليه ألقاباً تناسب موقعه العلمي ، ويمدحونه على ما استطاع تحصيله من ذلك العلم ، فيقولون لمن برع في الطب : إنه طبيب حاذق ، وعالم علامة في الطب ، بغض النظر عن انتمائه المذهبي ، أو التزامه الديني ، أو سلوكه الاجتماعي ، أو غير ذلك ..

وقد وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كسرى : بعظيم الفرس ووصف قيصر بعظيم الروم ..

وربما تكون الألقاب أكبر من الحقيقة ، أي أنها تطلق على الأشخاص على سبيل المبالغة ، بدافع التزلف ، أو الحب الصادق ، أو الانبهار بالشخص أو غير ذلك ..

١٥

وبذلك يتضح : أن إطلاق العلماء الأتقياء للألقاب العلمية على انسان ، حتى لو كان لايستحقها ، لا يعني : أنه صحيح العقيدة ، أو ملتزم بأحكام الشرع والدين ، فضلاً عن أن يكون تقياً وورعاً ..

كما أن ذلك لا يعني الموافقة على نحلته الدينية ، والتزام واصفه بعقائده وآرائه.

وقد رثى الشريف الرضي أبا إسحاق الصابي ، المخالف له في الدين ، بقصيدته التي أولها :

أعلمت من حملوا على الأعواد

أرأيت كيف خبا ضياء النادي

جبل هوى لو خر في البحر اغتدى

من وقعه متتابع الإزباد

ثانياً : إن آية الله العظمى السيد الخميني «رحمه الله» ، قد كان بعيد النظر ، سديد الرأي ، وحين أرسل إلى غورباتشوف ، رئيس ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي رسالة أشار فيها إلى ابن عربي ..

فإن الظاهر : أنه «رحمه الله» قد لاحظ : أن تلك المجتمعات كانت ولا تزال غارقة في الحياة المادية ، حتى أصبحت المادة : عينها التي بها تبصر ، وأذنها التي بها تسمع ، وقلبها الذي ينبض ، وهيمنت على فكرها وعقلها ، الذي يدبر أمورها ، ويهديها طريقها ، وفي أجوائها نشأت عواطفها وأحاسيسها التي بها تعيش وتتعامل ..

فأراد رضوان الله تعالى عليه ، أن يوجه إلى الفكر المادي الذي هو مصدر اعتزاز تلك المجتمعات ، والمرتكز لبناء الحياة فيها ، صدمة في موقع ضعفه الحقيقي ، لكي يضع أولئك الناس وجهاً لوجه مع ما يعانونه من فراغ روحي قاتل ، لا بد أن ينتهي بهم لو استمر إلى الهاوية ..

وقد كانت ولا تزال ، تعيش في ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي

١٦

عشرات الملايين من المسلمين المسحوقين ، الذين ينتمون في أصولهم الدينية إلى طرق صوفية ، تركت لها آثاراً في حياتهم ، ولم تزل تراودهم ذكرياتها التي أصبحت شريدة وبعيدة ..

فأطلق «رحمه الله» اسم «ابن عربي» الذي لمع في علم بعينه ـ ربما ـ ليثير في مسلمي تلك البلاد ـ وهم كثر ـ بعض الحنين إلى الإسلام ، وإلى روحياته ، وليواجه المتسلطين على الأمور ، بحقيقة أن عليهم أن يفكروا بما هم بأمس الحاجة إلى أقل القليل منه ، ليعالجوا به ظاهرة الفراغ الروحي الذي هو أساس بلائهم وشقائهم.

وبذلك يكون «رحمه الله» قد وضعهم وجهاً لوجه ، ومن أقرب طريق ، أمام الحقيقة التي طالما غفلوا عنها ، أو تهربوا من مواجهتها ، أو أغراهم عنفوانهم ، ودفعهم استكبارهم إلى محاربتها ..

إنه «رحمه الله» ، حين أطلق بعض الأسماء اللامعة في مجال العرفان ، والتصوف السني ، إنما أراد أن يواجههم في عمق وجدانهم ، وإحساسهم الفطري ، وفي النقطة الأضعف ، والأشد تأثيراً ، ويكون بذلك قد سدد ضربته القوية للفكر المادي في عمق ، وفي صميم وجوده ..

ولم يكن يريد أن يوجههم إلى اعتقادات «ابن عربي» ليأخذوها منه ، ولا إلى مذهبه الفقهي ، ليلتزموا به .. فإن السيد الخميني «رحمه الله» كان يعرف أن ابن عربي لم يكن في هذا وذاك ، لا في العير ، ولا في النفير ، بين علماء الفقه والعقيدة ..

بل إن أساتذة ابن عربي لا يحلمون ـ وإن كانوا يدعون لأنفسهم ما ليس لهم بحق ـ حتى بأن تذكر أسماؤهم في عداد تلامذة أساطين العلم في الشريعة والدين ، وعمالقة الفكر في مجال العقيدة ، من أهل المذهب الحق ،

١٧

فضلاً عن أن يعدُّوا من أقرانهم ..

وعلى كل حال ، فإن آية الله الخميني قد اقتدى بجده سيد الشهداء ، حين دعا محاربيه ، وهم أولئك المجرمون الأجلاف ، إلى الرجوع عن غيهم ، وذكَّرهم بشيم العرب ، في محاولة منه لاستنهاض هممهم ، وإثارة نخوتهم ، فقال لهم :

«ويحكم يا آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم ، إن كنتم عرباً» (١).

ثالثاً : لقد أظهرت سيرة ابن عربي : أنه لا يلتزم جانب الحق والصواب في العقيدة الصحيحة ، ولا يلتزم ـ فيما يخبر عنه ـ بأحكام الشرع ، وبمقتضيات الورع والتقوى ، كما سنرى ..

وأما أخذ بعض العلماء منه بعض ما سجله في دائرة علم التصوف والعرفان ، وحتى دراسة بعضهم لكتبه ، ومراجعة أقواله ، فهو مثل أخذهم علم النحو من ابن مالك ، والمبرد ، وسيبويه ، ومثل أخذهم علم الطب من اساطين هذا العلم في الشرق وفي الغرب ..

على أنه قد ورد عن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ، قولهم :

«إن الحكمة ضالة المؤمن ، فاطلبوها ولو عند المشرك ، تكونوا أحق بها وأهلها ..» (٢).

وفي نص آخر : «إن الحكمة تكون في صدر المنافق ، فتلجلج في صدره

__________________

(١) راجع : بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٥١ واللهوف ص ٧٧ وفي ط أخرى ص ١٠٦ والعوالم «الإمام الحسين عليه‌السلام» ص ٢٩٣ وغير ذلك ..

(٢) البحار ج ٧٥ ص ٣٤ وج ٢ ص ٩٧ وعن أخذ الحكمة من المنافق راجع : البحار ج ٢ ص ٩٩ وج ٧٨ ص ٣٠٧.

١٨

حتى تخرج ، فتسكن في صدر المؤمن» وبمعنى هذا الحديث غيره .. (١).

ونحن حين نستند إلى هذا الحديث أو غيره في هذا الأمر ، فإنما نريد استفادة معناه العام ، لبيان أن العلوم تؤخذ من كل أحد ، ولسنا بصدد الحكم على ابن عربي بمضمون الرواية من جميع الجهات.

في أجواء ابن عربي :

وبعد ، فإننا لكي نتمكن من أن نكون في موقع الإنصاف والأمانة والموضوعية ، ومن إعطاء إجابة دقيقة حول ما يقال من تشيُّع ابن عربي ، فإن البحث يفرض علينا الإقتراب ، بل الدخول إلى أجواء هذا الرجل ، لنقوم بدراسة مباشرة لأفكاره ، ولنعرف من خلال الشواهد والمفردات والدلائل حقيقة ما يعتقده ، وما يدعو إليه.

وذلك يستدعي جهات من البحث والبيان ، في ضمن أقسام ، تتضمن عدة فصول :

فالقسم الأول ، بعنوان : «أهل البيت والتشيع .. دفاعات واستدلالات ..»

والقسم الثاني ، بعنوان : «جنون العظمة ..»

والقسم الثالث ، بعنوان : «ابن عربي .. سني متعصب ..»

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٩٩ و ٩٧ وشرح نهج البلاغة ج ١٨ ص ٢٢٩.

١٩
٢٠