ابن عربي سنّيّ متعصّب

السيد جعفر مرتضى العاملي

ابن عربي سنّيّ متعصّب

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : التراجم
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩

هو معلوم لدى كل أحد ، فراجع ..

١١ ـ ويقول : «لما اقتحم آدم وإبليس المعصية ، هذا بترك ما أمر به ، وذاك بفعل ما نهي عنه ، جمع بينهما القدر إذ قدر ، لأنه تعالى أمر وأراد خلاف ما أمر ، فما وهبه الأمر سلبته الإرادة .. الخ ..» (١).

١٢ ـ وقال حول قوله تعالى : (إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) (٢) : «لأنك أنت القائل ، ومن قال أمراً ، فقد علم ما قال» (٣).

ونقول :

إن القول بوحدة الوجود الذي يذهب إليه ابن عربي يضطره إلى القول بالجبر ، فإن الخلق إذا كان عين الحق تعالى حتى ان فرعون كان من تجلياته تعالى ، فيكون جميع ما يصدر منه مستنداً إلى الله سبحانه ..

معنى وحدة الوجود :

١٣ ـ قال ابن عربي في الفص اللقماني : «إن الله لطيف ، فمن لطفه ولطافته أنه في الشيء المسمى كذا المحدود بكذا عين ذلك الشيء ، حتى لا يقال فيه إلا ما يدل عليه اسمه بالتواطؤ والاصطلاح ، فيقال : هذا سماء ، وأرض ، وصخرة ، وشجرة ، وحيوان ، وملك ، ورزق ، وطعام ، والعين واحدة من كل شيء ، وفيه تقول الأشاعرة : إن العالم كله متماثل بالجوهر ، فهو جوهر واحد. فهو عين قولنا : العين واحدة الخ ..» (٤).

__________________

(١) شجرة الكون ص ٨٠.

(٢) الآية ١١٦ من سورة المائدة.

(٣) راجع : فصوص الحكم ص ١٤٦.

(٤) فصوص الحكم ص ١٨٨.

١٦١

فرعون عين الحق تعالى :

١٤ ـ وقال في الفص الموسوي : «إن فرعون عين الحق قد ظهر بهذه الصورة. وهذه عبارته :

«فصح قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) ، وإن كان عين الحق ، فالصورة لفرعون ، فقطع الأيدي والأرجل بعين حق في صورة باطل ، لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل» (١).

وقال في أول الفتوحات : «سبحان من أظهر الأشياء ، وهو عينها».

والكلام في هذا الموضوع طويل ومتشعب ، وقد حاولوا أن يؤولوا كلام ابن عربي بتأويلات لا تتناسب مع صراحة كلامه ..

ولا نريد أن ندخل في هذا الأمر حتى لا يتخذوا تلك التأويلات ذريعة لإنكار الواضحات ، فيما يرتبط بتشيع هذا الرجل.

فإن هناك من يحاول : أن يتخذ من الشبهة وسيلة تعميةٍ على البديهيات ، فيلجأ إلى تعظيم الأمر وتهويله ، ثم يصدر حكماً عاماً ببطلان سائر الأدلة ، من دون أن يكلف نفسه عناء عرضها ومحاكمتها ، والدلالة على مواضع الخلل فيها ، الأمر الذي يحمل معه أسوأ أنواع الخداع ، والخيانة للحق والحقيقة ..

تكليف ما لا يطاق :

١٥ ـ وقال : إن تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً ، وادعى أنه قد عاين ذلك مشاهدة ونقلاً .. (٢).

__________________

(١) فصوص الحكم ص ٢١١.

(٢) الفتوحات المكية ج ١ ص ١٨٣.

١٦٢

معاقبة البريء وعقائد أخرى :

١٦ ـ وقال : إن معاقبة البريء ليست ظلماً ، وأنه يصح نسبة ذلك إلى الله ، لأنه هو المالك الحقيقي .. (١).

وذكر الشيخ إبراهيم القديحي بعض عقائد ابن عربي في كتابه الفتوحات ، فقال : «منها تأويل العذاب بالعذاب ..

والكفر بسر الإسلام ..

وانخراط فرعون وهامان في المسلمين المؤمنين ..

والقول بوحدة الوجود .. أعني وحدة الموجود ..

بل إن العابد عين المعبود ..

وإن لذات أهل النار في النار ، إذا استمر الخلود لا تنقص عن لذات نعيم أهل الجنة في الجنة .. (٢).

التحسين والتقبيح شرعيان :

١٧ ـ وقال : إن التحسين والتقبيح ثابتان في الشرع فقط .. (٣).

الحكمة الإلهية :

١٨ ـ وقال : لا يجب على الله رعاية الأصلح .. (٤).

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ١ ص ١٨٣.

(٢) الردود والنقود ص ٩٨.

(٣) الفتوحات المكية ج ١ ص ١٨٣ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى ، والردود والنقود ص ١٠٤.

(٤) الفتوحات المكية ج ١ ص ١٨٣ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى ، والردود والنقود ص ١٠٤.

١٦٣

التجسيم الإسرائيلي :

١٩ ـ وهو يتحدث عن العرش والكرسي ، والقدمين ، في أكثر من مورد (١).

٢٠ ـ وكذلك الحال بالنسبة لحديث : كلتا يديه يمين (٢). تبارك وتعالى ..

٢١ ـ وحديث خلق الله آدم على صورته ، تبارك وتعالى .. (٣).

وحديث خلق حواء من ضلع آدم .. (٤) وهو مأخوذ من التوراة ..

٢٢ ـ وحديث : إن الجبار يضع قدمه في النار .. ويحاول تأويله والخروج من حالة الإحراج ..

٢٣ ـ ويعتبر حديث : رأيت ربي في أحسن صورة .. وصحيحاً ..

٢٤ ـ ويذكر أيضاً حديث أن ضرس الكافر في النار مثل أحد ، وكثافة جلده أربعون ذراعاً بذراع الجبار ، وغير ذلك .. (٥).

٢٥ ـ ويذكر ما صح عن رسول الله من الأخبار التي وصف فيها ربه : من الفرح ، والضحك ، والتعجب ، والتبشبش ، والغضب ، والتردد ، والكراهة ،

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٢ ص ٣٦٢ وغيرها .. تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) فصوص الحكم ص ١٤٤ والفتوحات المكية ج ١١ ص ١٨٤ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٣) فصوص الحكم ص ١٩٩ والفتوحات المكية ج ١١ ص ٢٥٨ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ومجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص ٣٩٩ و ٤٠٠.

(٤) الردود والنقود ص ٣٦٢.

(٥) الفتوحات المكية ج ٢ ص ١١٤ ـ ١١٧ وراجع : ج ٤ ص ٤٠٠ و ٤٠١ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

١٦٤

والمحبة ، والشوق .. وإن ذلك مما يجب الإيمان والتصديق به .. (١).

ثم هو يقول :

«إن الشارع ما أنكر إطلاقها في جناب الحق : من استواء ، ونزول ، ومعية ، وضحك ، وفرح ، وتبشبش ، وتعجب ، الخ ..» (٢).

٢٦ ـ وقال : «القدم صفة إلهية ، وصف الحق بها نفسه و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٣) .. الخ (٤).

إسلام شيطان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

٢٧ ـ وهو يقبل بالحديث المزعوم عن أنه كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيطان قد أعانه الله عليه فأسلم .. (٥).

الهرولة الإلهية :

٢٨ ـ بل هو يصدق بالحديث الذي ينسب الهرولة إلى الله عز وجل ، ثم يقرر : أن المراد هو إثبات هذه الصفة له حسب ما يليق بجلاله ، لأنه المجهول الذي لا يعرف.

٢٩ ـ وقال : «وأما معقولية الهرولة ، فما خاطب الله أهل اللسان إلا بما يعقلونه.

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٣ ص ٢٥١ وج ١ ص ١٩٠ وج ٧ ص ١٩٩ وج ١٣ ص ١٢٩ و ١٣٠ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى والردود والنقود ص ١٠٩.

(٢) الفتوحات المكية ج ٣ ص ٢٥٣ حتى ص ٢٥٥ وج ٤ ص ٢٢٥ وراجع ج ١ ص ١٩٠ وج ٧ ص ١٩٩ وج ١٣ ص ١٢٩ و ١٣٠ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٣) الآية ١١ من سورة الشورى.

(٤) الفتوحات المكية ج ١٠ ص ١٥٦ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٥) الردود والنقود ص ٣٩٣ و ٣٩٤.

١٦٥

فالهرولة معقولة ، وصورة النسبة مجهولة ، وكذلك جميع ما وصف الله به نفسه مما توصف به المحدثات» (١).

وهذا الكلام هو نفس ما يقوله أئمة العقائد ، من حشوية أهل السنة والوهابية ..

نزول الله إلى السماء الدنيا :

٣٠ ـ وهو أيضاً يصدق بالحديث القائل : إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا في كل ليلة ، في الثلث الباقي من الليل (٢).

مع أن أهل البيت عليهم‌السلام قد أعلنوا بالإنكار على الذين يسوِّقون لهذا الحديث ، وبينوا : أنهم قد حرفوا الكلام عن مواضعه ، فقد روي أنه قيل للإمام الرضا عليه‌السلام : ما تقول في الحديث الذي يروي الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟

فقال عليه‌السلام : لعن الله المحرفين للكلم عن مواضعه ، والله ، ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك. إنما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير ، وليلة الجمعة في أول الليل ، فيأمره فينادي : هل من سائل ، فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه ..

إلى أن قال :

فلا يزال ينادي هذا إلى أن يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٥ ص ٢٣٧ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الفتوحات المكية ج ٤ ص ١٩٥ وج ٦ ص ١١٧ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. وفصوص الحكم ص ١١١. ومجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص ٣٣٤.

١٦٦

من ملكوت السماء .. (١).

وفي الاحتجاج عن الإمام الكاظم عليه‌السلام قال في هذا الحديث : إن الله لا ينزل ، ولا يحتاج إلى أن ينزل الخ .. (٢).

والحديث طويل أبطل فيه عليه‌السلام تحريفهم هذا بالدليل العقلي ..

الأولياء يشاهدون الملك :

٣١ ـ إنه يدعي أن أنبياء الأولياء يشاهدون الملك عند الإلقاء على حقيقة الرسول (٣).

الكذبات الثلاث للنبي إبراهيم عليه‌السلام :

٣٢ ـ وهناك كلامه حول ما يرويه أهل السنة من كذبات النبي إبراهيم الثلاث (٤) ، وغير ذلك مما يتعلق بمعاصي الأنبياء ، التي ينسبونها إليهم ، وحاشاهم صلوات الله على نبينا وآله ، وعليهم.

رؤية الله في الآخرة :

٣٣ ـ ويذكر أن الله تعالى يتجلى في يوم القيامة للخلائق ، فيقول : أنا ربكم.

__________________

(١) راجع : كتاب التوحيد للصدوق ص ١٧٦ والبحار ج ٣ ص ٣١٤ عنه وعن الأمالي وعيون أخبار الرضا.

(٢) راجع : الاحتجاج ج ٢ ص ٣٢٧ والبحار ج ٣ ص ٣١١ والتوحيد ص ١٨٣ ح ١٨ والكافي ج ١ ص ١٢٥.

(٣) راجع : الفتوحات المكية ج ٢ ص ٣٥٨ / ٣٥٩ / ٣٦٠ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٤) الفتوحات المكية ج ٤ ص ٤٥٩ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

١٦٧

فيقولون : نعوذ بالله منك. هذا نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا ..

فيقول لهم جل وعلا : هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها؟

فيقولون : نعم.

فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها بتلك العلامة ، فيقولون : أنت ربنا ..

فيأمرهم تعالى بالسجود ، فلا يبقى من كان يسجد لله إلا وسجد ، ومن كان يسجد اتقاء ورياء جعل الله ظهره طبقة نحاس ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، وذلك قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) (١) ..» (٢).

٣٤ ـ وعلى كل حال ، فإنه قد تحدث في أكثر من مورد عن رؤية الله تعالى في الآخرة ، وذكر تفاصيل عجيبة وغريبة في ذلك (٣). فراجع ..

وهذا ليس من عقائد الشيعة كما هو معلوم ..

نعيم من لم يعمل خيراً قط :

٣٥ ـ ثم إنه يستدل على أن أهل التوحيد العقلي الذين لم يعملوا خيراً قط يُنَعَّمُون ، بحديث عثمان المروي في صحاح أهل السنة .. (٤).

__________________

(١) الآية ٤٢ من سورة القلم.

(٢) الفتوحات المكية ج ٤ ص ٤٦٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٣) راجع : فصوص الحكم ص ٨٧ و ١٨٤ والفتوحات المكية ج ١ ص ٢٢٣ وج ٥ ص ٧٨ ـ ٨٣ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. وكتاب الجلالة ص ٨ و ٩ في جملة رسائل ابن عربي ، ومجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص ٣٩٦ و ٣٩٧.

(٤) الفتوحات المكية ج ٤ ص ٤٦٣ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

١٦٨

إعجابه بإسرائيليات السبتي :

٣٦ ـ ويقول : إن أحمد السبتي ، ابن أمير المؤمنين هارون الرشيد ـ على حد تعبيره ـ كان يصوم ستة أيام ، ويشتغل بالعبادة فيها ، فإذا كان يوم السبت احترف فيما يأكله بقية الأسبوع.

فقال له : «لم خصصت يوم السبت بعمل الحرفة ، فقال : لأن الله سبحانه ابتدأ خلقنا يوم الأحد ، وانتهى الفراغ منه في يوم الجمعة ، فجعلت تلك الأيام لي عبادة لله تعالى ، لا اشتغل فيها بما فيه حظ لنفسي ، فاحترفت في طلب ما أتقوت به في تلك الأيام.

هكذا كل جمعة ، فإنه سبحانه نظر إلى ما خلق في يوم السبت ، فاستلقى ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى ، وقال : أنا الملك ، لظهور الملك ، ولهذا أسمي يوم السبت ، والسبت هو الراحة.

ولهذا أخبر الله تعالى : أنه ما مسه من لغوب فيما خلقه .. واللغوب هو الإعياء ، فهي راحة لا عن إعياء ، كما هي في حقنا ..

فتعجبت من فطنته ، وقصده ، فسألته : من كان قطب الزمان في وقتك؟

فقال : أنا. ثم ودعني وانصرف» (١).

وقد مر معنا في بعض فصول هذه الدراسة : أنه يعتبر أحمد السبتي من أصحاب المقامات وقد لاحظنا هنا : أنه تعجب من فطنته! لروايته الإسرائيليات الباطلة.

ونحن بدورنا نتعجب من اعتباره ذلك من الفطنة!!

ملاحظة : هناك اثنان من أعلام المتصوفة باسم أحمد السبتي ، أحدهما : ابن

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٩ ص ٢٢٦ و ٢٢٧ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

١٦٩

هارون الرشيد العباسي ، المتوفي سنة ١٨٤ للهجرة ، أي قبل وفاة أبيه هارون.

والآخر : أحمد السبتي ، الذي كان في آخر المئة السادسة بمراكش ، وينسب إليه علم الزايرجة ، الذي هو من القوانين الصناعية ، لاستخراج الغيوب (١).

والظاهر : أن ابن عربي يتحدث عن الأول كما يظهر من سياق كلامه ، ووصفه له ، وتصريحه باسم أبيه. إلا أن يكون هناك شخص ثالث بهذا الإسم ، وهذا ما لا نعرفه نحن. ولا يساعد عليه ظاهر بل صريح كلامه ..

لا خلود في النار ، بل فيها النعيم :

٣٧ ـ ويقول : «ولا بد لأهل النار من فضل الله ورحمته في نفس النار ، بعد انقضاء مدة موازنة أزمان العمل ، فيفقدون الإحساس بالآلام في نفس النار ، لأنهم ليسوا بخارجين من النار ، فلا يموتون فيها ولا يحيون ، فتتخدر جوارحهم بإزالة الروح الحساس منها ..

وثمة طائفة يعطيهم الله بعد موازنة المدد بين العذاب والعمل نعيماً خيالياً ، مثل ما يراه النائم وجلده ، كما قال تعالى : (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) (٢) .. هو كما قلنا : خدرها.

فزمان النضج والتبديل يفقدون الآلام ، لأنه إذا انقضى زمان الإنضاج خمدت النار في حقهم ، فيكونون في النار كالأمة التي دخلتها ، وليست من أهلها ، فأماتهم الله فيها إماتة ، فلا يحسون بما تفعله النار في أبدانهم ..

الحديث بكماله ذكره مسلم في صحيحه وهذا من فضل الله

__________________

(١) راجع : الكنى والألقاب ج ٢ ص ٣٠٦.

(٢) الآية ٥٦ من سورة النساء.

١٧٠

ورحمته ..» (١).

ويبقى السؤال الذي يلح بطلب الإجابة قائماً ، وهو : أنه لماذايقضي الله عليهم بعدم الخروج من النار إذا كانوا لا يستحقون البقاء فيها؟! ..

وإذا كان بقاؤهم باختيارهم وإصرارهم ، فما هي مبررات هذا الاختيار ، وذلك الإصرار؟!

وهل يبقون في النار قهراً ، وجبراً ، وقسراً عن إرادة الله ، تبارك وتعالى؟!

وإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا يكون التخفيف عنهم؟! وإذا كان الخدر هو بسبب التخفيف بصورة طبيعية ، فلماذا لا يكون سبباً لذلك قبل حصول الموازنة؟!

إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي تحتاج إلى جواب ..

٣٨ ـ ويقول : «الذي يليق بالآخرة إنما هو الخروج من النار ، فلا يبقى في النار موحد ، ممن بعث إليه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. ولا أحد ممن بعث إليه يبقى شقياً ، ولو بقي في النار ، فإنها ترجع عليه برداً وسلاماً من بركة أهل البيت» (٢).

٣٩ ـ وقال : «وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم ، ولكن في النار ، إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب ، أن تكون برداً وسلاماً على من فيها ، وهذا نعيمهم.

فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين ألقي في النار ، فإنه عليه‌السلام تعذب برؤيتها ، وبما تعوّد في علمه وتقرر الخ ..» (٣).

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٤ ص ٤٠٣ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الفتوحات المكية ج ١٣ ص ١٤٨ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٣) فصوص الحكم ص ١٦٩.

١٧١

٤٠ ـ وقال : «إن صاحب السجلات لا يدخل النار ، مع أنه من أهل الكبائر ، إذ ليس معه سوى قول : لا إله إلا الله ، في طول إسلامه مدة حياته في الدنيا» (١).

توحيد المشرك ونعيمه :

٤١ ـ ويقول : «لولا النص الوارد في المشرك ، وفي من سن الشرك لعمت الشفاعة كل من أقر بالوجود ، ولم يوحد ، فإن المشرك له ضرب من التوحيد ، أعني توحيد المرتبة الإلهية العظمى ، فإن المشرك جعل الشريك شفيعاً عند الله. يقولون : (هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ) (٢) ، كما قالوا : (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى) (٣) ..

فوحد هذا المشرك الله في عظمته ، وليست للشريك عنده هذه المرتبة ، إذ لو كانت له ما اتخذه شفيعاً. والشفيع لا يكون حاكماً ..

فلهم (أي للمشركين) رائحة من التوحيد. وبهذه الرائحة من التوحيد ـ وإن لم يخرجوا من النار ـ لا يبعد أن يجعل الله لهم فيها نوعاً من النعيم ، في الأسباب المقرونة بها الآلام.

وأدنى ما يكون من تنعيمهم أن يجعل المقرور في الحرور ، ونقيضه ـ الذي هو المحرور ـ يجعل في الزمهرير ، حتى يجد كل واحد منهما بعض لذة ، كما كانت لهم هنا بعض رائحة من التوحيد ..».

إلى أن قال :

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٨ ص ١٠٨ وج ٤ ص ٤٧٠ وراجع : ج ٧ ص ٣٩٢ و ٣٩٣ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الآية ١٨ من سورة يونس.

(٣) الآية ٣ من سورة الزمر.

١٧٢

«وما ورد نص يحول بيننا وبين ما ذكرناه من الحكم ، فبقي الإمكان على أصله في هذه المسألة. وفي الشريعة ما يعضده ، من قوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) .. وقوله : «رحمتي سبقت غضبي» (٢) ..».

إيمان فرعون وهو الطاهر المطهر :

٤٢ ـ وقال : «فقالت لفرعون في حق موسى : إنه «قرة عين لي ولك» ، فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا.

وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق ، فقبضه طاهراً مطهراً ، ليس فيه شيء من الخبث ، لأنه قبضه عند إيمانه ، قبل أن يكتسب شيئاً من الآثام ، والإسلام يجب ما قبله ..

وجعله آية على عنايته سبحانه من شاء ، حتى لا ييأس أحد من رحمة الله ، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ..

فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الإيمان ، فكان موسى كما قالت امرأة فرعون فيه : إنه قرة عين لي ولك ، عسى أن ينفعنا ، وكذلك وقع ، فإن الله نفعهما به عليه‌السلام» (٣).

ونقول :

إن هذا يخالف ما دل على أن الإسلام حين رؤية البأس لا ينفع ، مع أن الله قد أنكر عليه إيمانه حال غرقه ، فقال : (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ

__________________

(١) الآية ١٥٦ من سورة الأعراف.

(٢) الفتوحات المكية ج ٨ ص ٩٩ و ١٠٠ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٣) فصوص الحكم ص ٢٠١.

١٧٣

الْمُفْسِدِينَ) (١) ..

وقال تعالى أيضاً : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) (٢) ..

ورواياتنا عن أئمتنا عليهم‌السلام قد دلت على ذلك أيضاً ..

وفي الآيات تصريح بأن فرعون ومن معه أئمة يدعون إلى النار ، وأنه تعالى قد اتبعهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين .. فما معنى الحكم بإيمانه ، وأنه طاهر مطهر؟!

المؤمن مأجور في عين عصيانه :

٤٣ ـ ويقول : «فالإيمان أصل ، والعمل فرع لهذا الأصل بلا شك. ولهذا لا تخلص للمؤمن معصية أصلاً ، من غير أن تخالطها طاعة ، فالمخلط هو المؤمن العاصي ، فإن المؤمن إذا عصى في أمر ما ، فهو مؤمن بأن ذلك الأمر معصية ، والإيمان واجب ، فقد أتى واجباً ، فالمؤمن مأجور في عين عصيانه ، والإيمان أقوى من المعصية» (٣).

سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقصوره :

٤٤ ـ ويقول : «وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ففي زمانه إذا رأى منه الصاحب أمراً قد قرر خلافه ـ والإنسان صاحب غفلات ـ فينبه الصاحب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم حتى يرى : هل فعله

__________________

(١) الآية ٩١ من سورة يونس.

(٢) الآيتين ٨٤ و ٨٥ من سورة غافر.

(٣) الفتوحات المكية ج ٨ ص ٢٣٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

١٧٤

بالقصد ، فيكون حكماً مشروعاً ، أو فعله عن نسيان فيرجع عنه.

فهذا من النصح لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، مثل سهوه في الصلاة ، فالواجب عليه في الرباعية أن يصليها أربعاً ، فسلم على اثنتين. فهذه نصيحة لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فرجع وأتم صلاته ، وسجد سجدتي السهو. وكان ما قد روي في ذلك وأمثال هذا ..

ولهذا أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم بمشاورة أصحابه فيما لم يوح إليه فيه ، فإذا شاورهم تعين عليهم أن ينصحوه فيما شاورهم فيه على قدر علمهم ، وما يقتضيه نظرهم في ذلك أنه مصلحة ، فينصحونه في ذلك ، كنزوله يوم بدر على غير ماء ، فنصحوه ، وأمروه أن يكون الماء في حيزه صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ففعل.

ونصحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قتل أسارى بدر حين أشار بذلك ..» (١).

٤٥ ـ وقال : «وأما ما رويناه مما أوحى الله به إليه (٢) : لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوة» ، أي أرفع عنك طريق الخبر ، وأعطيك الأمور على التجلي ، والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الإستعداد ، الذي به يقع الإدراك الذوقي ، فتعلم أنك ما أدركت إلا بحسب إستعدادك الخ ..» (٣).

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف :

٤٦ ـ يقول : «مات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ولم ينص

__________________

(١) الوصايا ص ٦٥ و ٦٦

(٢) الضمير يرجع إلى عزير عليه‌السلام.

(٣) فصوص الحكم ص ٢٣٤ وراجع : الفتوحات المكية ج ١٢ ص ١٣٠ والتهديد قد كان لنبي الله عزير لكثرة سؤاله عن القدر.

١٧٥

بخلافة عنه إلى أحد ، ولا عيَّنه ، لعلمه الخ ..» (١).

الله كتب التوراة بيده :

٤٧ ـ ويقول : «وخص موسى بالكلام والتوراة ، من حيث إن الله كتبها بيده ، قبل أن يخلق آدم بأربع آلاف سنة» .. (٢).

الكعبة ، وبيت المقدس :

٤٨ ـ وقال : «لأن البيت الذي هو الكعبة قد حاز الأولية ، وبين الأقصى وبينه أربعون سنة. وهو حد زمان التيه لقوم موسى عن دخول المسجد الأقصى الخ» (٣).

وهذا الكلام من إلقاءات علماء اليهود ، وإلا ، فإن الكعبة قد بناها نبي الله آدم عليه‌السلام ، ثم جدد بناءها نبي الله إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه .. أما بيت المقدس ، فكان ابتداء أمره بعد آلاف السنين ، على يد آل داود ..

تخطئة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

٤٩ ـ وقال : «.. وقال له : لما دعا على رعل وذكوان ، وعصية : إن الله لم يبعثك سباباً ، ولا لعاناً ، وإنما بعثك رحمة للعالمين ، ولم يبعثك عذاباً الخ ..» (٤).

أضاف في نص آخر قوله : «أي لا تطرد عن رحمتي من بعثتك إليه ، وإن

__________________

(١) فصوص الحكم ص ١٦٣.

(٢) راجع : الفتوحات المكية ج ١٢ ص ١٤٠ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى والردود والنقود ص ٣٥٤.

(٣) راجع : الفتوحات المكية ج ١ ص ١٣٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٤) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص ١٤٥.

١٧٦

كان كافراً ، وإنما بعثتك رحمة الخ ..» (١).

ونقول :

إن في هذا انتقاصاً واضح من مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث نسب إليه أنه قد تصرف بطريقة خاطئة ، أوجبت التدخل الإلهي ، لمنعه من الإستمرار في ذلك ، مع توضيح الأمر له ، وتعريفه بأنه قد سار في الإتجاه غير الصحيح.

ختم الولاية المحمدية :

٥٠ ـ وذكر أيضاً : أن ختم الولاية المحمدية قد ولد في زمانه ، وأنه لا ولي بعده ، كما أنه لا نبي بعد محمد .. (٢).

مع أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو صاحب الولاية المحمدية بجميع معانيها منذ غيبته وإلى يوم القيامة ، وكل من يدعي غير ذلك ، فهو كذاب ، مفتر ، صاد عن سبيل الله ..

عصمة أولياء الصوفية :

٥١ ـ هذا كله عدا عن أنه يدعي العصمة للولي ، ويسميها بالحفظ ، ولا يسميها بالعصمة ، تأدباً مع الأنبياء .. (٣) فراجع كلامه ..

الشيطان المارد والأولياء :

٥٢ ـ ويقول : «فيأتي (الشيطان المارد) إلى الولي ، فما يلقي إليه إلا فعل الطاعات ، وينوعه فيها ، ويخرجه من طاعة إلى طاعة أعلى ، فلا يرى الولي أثراً

__________________

(١) راجع : الفتوحات المكية ج ٥ ص ٢٧٢ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.

(٢) الفتوحات المكية ج ٣ ص ١٧٧.

(٣) راجع : الفتوحات المكية ج ٧ ص ٤٤٠ ـ ٤٤٣ وج ١٠ ص ٥٦ و ٥٧.

١٧٧

لهوى نفس ، فيبادر إلى فعلها ، ويقنع الشيطان المارد منه بهذا الأخذ عنه على جهالة ، فلو كان الولي على بينة من ربه في ذلك لكان أولى ..

فالشيطان لا يقدر أن يقدح في علم التجلي الإلهي بوجه من الوجوه ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في حق شيطانه ، أعنى قرينه الموكل : إن الله أعانه عليه فأسلم ، أي انقاد إليه فلا يأمره إلا بخير ..» (١).

الأنبياء يفتنون بعد الموت :

٥٣ ـ ويقول : «إن الأنبياء تفتن في الممات ، كما يفتن المؤمنون» (٢).

الإستدلال بفعل ابن عمر :

النجاة بالإقتداء بالفاسق :

ومن ميزات مذهب الشيعة الإمامية حكمهم بعدم صحة الإئتمام بالفاسق ، والقول بالجواز إنما هو في مذاهب أهل السنة ، وابن عربي يلتزم بما عند أهل نحلته ، فهو يقول :

٥٤ ـ «فلما رأينا أولياء الله يأتمون به (أي بالفاسق) ، وينفعهم ذلك عند الله ، ويكون هذا الإقتداء سبباً في نجاتهم ، صحت إمامته. وقد صلى عبد الله بن عمر خلف الحجاج ، وكان من الفساق بلا خلاف المتأولين بخلاف.

فكل من آمن بالله ، وقال بتوحيد الله في ألوهيته ، فالله أجل أن يسمى هذا فاسقاً حقيقة مطلقاً ، وإن سمي لغة ، لخروجه عن أمر معين ، وإن قل.

والمعاصي لا تؤثر في الإمامة ما دام صاحبها لا يسمى كافراً» (٣).

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٧ ص ٤٤٢ و ٤٤٣

(٢) الفتوحات المكية ج ٧ ص ٤٧١

(٣) الفتوحات المكية ج ٦ ص ٤٢٥.

١٧٨

نسيان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظ أُبي :

٥٥ ـ ويقول : «وقد سأل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم عن أبيّ حين ارتج عليه ، يقول له : لِم لَم تفتح علي ، لأن أبياً كان حافظاً للقرآن الخ ..» (١).

ولسنا بحاجة إلى لفت نظر القارئ الكريم إلى أنه لا معنى لأن يحفظ أبي ، وينسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو النبي المعصوم عن السهو والخطأ والنسيان ، كما هو المذهب الحق ..

إبراهيم عليه‌السلام أفضل من نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله :

٥٦ ـ ويقول عن الحديث الذي يقول : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآله إبراهيم :

«يظهر من هذا الحديث فضل إبراهيم على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، إذ طلب من الله أن يصلي عليه مثل الصلاة على إبراهيم» (٢).

ونقول :

إننا لا ندري كيف ظهرت له أفضلية إبراهيم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذا ، فإن كون الصلاة عليهما متماثلة لا يدل على أفضلية هذا على ذاك ، ولا على العكس ، بل تستفاد الأفضلية لأي منهما من دليل آخر ..

على أننا كنا نتوقع أن تؤدي به الطريقة التي مارسها إلى أن يستنتج التساوي بينهما .. صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آلهما .. لا أن يكون نبي الله إبراهيم عليه‌السلام ، هو الأفضل ، فإن هذه المقدمات لا توصل إلى تلك النتيجة ..

__________________

(١) الفتوحات المكية ج ٦ ص ٤٤٦.

(٢) الفتوحات المكية ج ٨ ص ١٧٤.

١٧٩

لا نصدق اليهود ولا نكذبهم :

٥٧ ـ ويقول : «وقالت اليهود : بل ذلك يوم السبت ، فإن الله فرغ من الخلق يوم العروبة ، واستراح يوم السبت ، واستلقى على ظهره ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى ، وقال : أنا الملك ..

قال الله تعالى في مقابلة هذا الكلام : (وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (١) ..

وتزعم اليهود : أن هذا مما نزل في التوراة ، فلا نصدقهم في ذلك ، ولا نكذبهم ..» (٢).

فهو يكذب اليهود استناداً إلى حديث مزعوم ، مع أن الله تعالى قد حكم بتزويرهم ، وبكذبهم على الله ، بل ان نفس قوله تعالى (وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٣) تكذيب لهم ، واعتراض على مقولاتهم الباطلة.

نجاة اليهود والنصارى من أهل الفترة :

٥٨ ـ وهو يدعي أن من تهود في الفترة ، أوتنصر ، أو آمن بإبراهيم فهو ناج وسعيد (٤) ..

ولكن كيف يصح القول : بنجاة من تهود بعد بعثة النبي عيسى ، ولم يؤمن بعيسى عليه‌السلام؟! ..

إن الذي دعاه إلى هذا الرأي الفاسد هو اعتقاده : أن الأرض قد تخلو من رسول أو وصي ..

قال الخطي القديحي : «ولهذا انتحلت هذه الطائفة مقام الوصي بادعاء

__________________

(١) الآية ٩١ من سورة الأنعام.

(٢) الفتوحات المكية ج ٧ ص ٩٨ و ٩٩

(٣) الآية ٩١ من سورة الأنعام.

(٤) الردود والنقود ص ٤٠٦ و ٤٠٧.

١٨٠