إيمان أبي طالب

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

إيمان أبي طالب

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل (١)

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

يطوف به (٢) الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في عصمة وفواضل

إلى حيث قال :

كذبتم وبيت الله نسلم أحمدا

ولما نطاعن دونه ونقاتل (٣)

__________________

(١) في الديوان وبعض المصادر :

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعنى بقول الأباطل

(٢) في الديوان وبعض المصادر : يلوذ به.

(٣) روي هذا البيت في المصادر باختلاف في بعض ألفاظه ، منها :

كذبتم وبيت الله نبزي محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

وفي النهاية : ١٢٥ ، واللسان ١٤ : ٧٣ : يبزى ، أي يقهر ويستذل ويغلب ، وأراد : لا يبزى ، فحذف (لا) من جواب القسم ، والمراد أنه لا يقهر ولم نقاتل عنه وندافع.

٢١

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل (١) (٢)

وفي هذه الأبيات أيضا بيان لمن تأملها في صحة ما ذكرناه من إخلاص أبي طالب رضي الله عنه ، والولاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبذل غاية النصرة له ، والشهادة بنبوته وتصديقه حسب ما ذكرناه.

وقد جاءت الأخبار متواترة لا يختلف فيها من أهل النقل اثنان ، أن قريشا أمرت بعض السفهاء أن يلقي على ظهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلى (٣) الناقة إذا ركع في صلاته ، ففعلوا ذلك ، وبلغ الحديث أبا طالب ، فخرج مسخطا (٤) ومعه عبيد له ، فأمرهم أن يلقوا السلى عن ظهره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويغسلوه ، ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروه على سبال (٥) القوم ، وهم إذ ذاك وجوه قريش ، وحلف بالله أن لا يبرح حتى يفعلوا بهم ذاك ، فما امتنع أحد منهم عن طاعته ، وأذل جماعتهم بذلك وأخزاهم (٦).

__________________

(١) الحلائل : جمع حليلة ، وهي الزوجة «المحاح ـ حلل ـ ٤ : ١٦٧٣».

(٢) إضافة إلى المصادر المتقدمة ، راجع : صحيح البخاري ٢ : ٧٥ السنن الكبرى ٣ : ٣٥٢ ، دلائل النبوة للبيهقي : ٦ : ١٤١ ، الخصائص الكبرى ١ : ١٤٦ وص ٢٠٨.

(٣) السلى : الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه «لسان العرب ـ سلا ـ ٤ : ٣٩٦».

(٤) خ ل : مغضبا.

(٥) السبال : جمع السبلة ، وهو الشارب «الصحاح ـ سبل ـ ٥ : ١٧٢٤».

(٦) الكافي ١ : ٣٧٣ / ٣٠ ، تفسير القرطبي ٦ : ٤٠٥.

٢٢

وفي هذا الحديث دليل على رئاسة أبي طالب على الجماعة ، وعظم محله فيهم ، وأنه ممن تجب طاعته عندهم ، ويجوز أمره فيهم وعليهم ، ودلالة على شدة (١) غضبه لله عز وجل ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحميته له ولدينه ، وترك المداهنة والتقية في حقه ، والتصميم لنصرته ، والبلوغ في ذلك إلى حيث لم يستطعه أحد قبله ، ولا ناله أحد بعده.

وقد أجمع أهل السير أيضا ونقلة الأخبار أن أبا طالب رضي الله عنه لما فقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الاسراء ، جمع ولده ومواليه ، وسلم إلى كل رجل منهم مدية ، وأمرهم أن يباكروا الكعبة ، فيجلس كل رجل منهم إلى جانب رجل من قريش ممن كان يجلس بفناء الكعبة ، وهم يومئذ سادات أهل البطحاء ، فإن أصبح ولم يعرف للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خبرا أو سمع فيه سوءا ، أومأ إليهم بقتل القوم ، ففعلوا ذلك.

وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسجد مع طلوع الشمس ، فلما رآه أبو طالب قام إليه مستبشرا فقبل بين عينيه ، وحمد الله عز وجل على سلامته ، ثم قال : والله ، يا ابن أخي ، لو تأخرت عني لما تركت من هؤلاء عينا تطرف. وأومأ إلى الجماعة الجلوس بفناء الكعبة من سادات قريش ذلك.

ثم قال لولده ومواليه : أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم. فلما رأت قريش ذلك انزعجت له ، ورجعت على أبي طالب بالعتب

__________________

(١) في «أ» : ومنها شدة بدل (ودلالة على شدة).

٢٣

والاستعطاف فلم يحفل بهم (١).

ولم تزل قريش بعد ذلك خائفة من أبي طالب ، مشفقة على أنفسها من أذى يلحق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو النصر الحقيقي نابع عن صدق في الولاية ، وبه ثبتت النبوة ، وتمكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أداء الرسالة ، ولولاه ما قامت الدعوة ، ومن لم يعرف باعتباره إيمان صاحبه وعظم عناه في الدين ، خرج من حد المكلفين.

على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يزل عزيزا ما كان أبو طالب حيا ، ولم يزل به ممنوعا من الأذى ، معصوما حتى توفاه الله تعالى ، فنبت (٢) به مكة ، ولم تستقر له فيها دعوة ، وأجمع القوم على الفتك به ، حتى جاءه الوحي من ربه ، فقال له جبرئيل عليه‌السلام : إن الله عز وجل يقرئك السلام ، ويقول لك : اخرج عن مكة فقد مات ناصرك (٤).

فخرج عليه‌السلام : هاربا مستخفيا بخروجه ، وبيت أمير المؤمنين بدلا منه على فراشه ، فبات موقيا له بنفسه ، وسالكا بذلك منهاج أبيه رضي الله عنه في ولايته ونصرته ، وبذل النفس دونه.

فكم بين من أسلم نفسه لنبيه ، وشراها الله تعالى في طاعة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبين من حصل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمن وحرز ، وهو لا

__________________

(١) الطبقات الكبرى ١ : ٢٠٢ ، الحجة على الذاهب : ٢٨٦.

(٢) زيادة يقتضيها السابق.

(٣) يقال : نبت بي تلك الأرض : أي لم أجد بها قرارا «لسان العرب ـ نبا ـ ١٥ : ٣٠٢».

(٤) الحجة على الذاهب : ٢٩٠ شرح نهج البلاغة ٤ : ٧٠.

٢٤

يملك نفسه جزعا ، ولا قلبه هلعا ، قد أظهر الحزن ، وأبدى الخور (١) ، شاكا في خبر الله تعالى ، مرتابا بقول رسول الله صلى الله عليه والله وسلم ، غير واثق بنصر الله عز وجل ، آيسا من روح الله ، ضأنا (٢) بنفسه عن الشهادة مع نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم كم بين ما ذكرناه من نصر أبي طالب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيامه بأمره حتى بلغ دين الله ومسارعته إلى اتباعه ومعاضدته ومؤازرته وبين تأخر غيره عنه واخلائه مع أعدائه عليه ونحره في السفر إلى......... يطعم منه الراحلين معه لسفك دمه حتى إذا ظفره الله تعالى به مقهورا وجئ به إليه أسيرا دعاه إلى الإيمان فلجلج وأمره بفداء نفسه فامتنع ، فلما أشرف على دمه أقر وانقاد للفداء ضرورة وأسلم.

إن هذا لعجب في القياس وغفلة خصوم الحق عن فصل ما بين هذه الأمور حتى عموا فيها عن الصواب ، وركبوا العصبية والعناد ، لأعجب والله نسأل التوفيق.

ومما يؤيد ما ذكرناه من إيمان أبي طالب رضي الله تعالى عنه ويزيده بيانا ، أنه لما قبض رحمه الله ، آتى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فآذنه بموته فتوجع لذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : «امض يا علي ، فتول غسله وتكفينه وتحنيطه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني».

ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، فلما رفعه على السرير اعترضه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرق له ، وقال : «وصلتك رحمة ،

__________________

(١) الخور : الضعف «مجمع البحرين ـ خور ـ ٣ : ٢٩٣».

(٢) ضن بالشئ : بخل به «الصحاح ـ ضنن ـ ٦ : ٢١٥٦».

٢٥

وجزيت خيرا ، فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، وآزرت ونصرت كبيرا».

ثم أقبل على الناس ، فقال : «أما والله ، لأشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين» (١).

وفي هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب رضي الله عنه :

أحدهما : أمر رسول الله عليا صلوات الله عليهما وآلهما بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده ، إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهلية ، لأن جعفرا رحمه الله كان يومئذ ببلاد الحبشة ، وكان عقيل وطالب حاضرين ، وهما يومئذ على خلاف الاسلام ، لا يسلم واحد منهما بعد ، وأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام مؤمن بالله تعالى ورسوله ، فخص المؤمن منهم بولاية أمره ، وجعله أحق به منهما ، لإيمانه ووفاقه إياه في دينه.

ولو كان أبو طالب رضي الله عنه مات على ما يزعم النواصب كافرا ، كان عقيل وطالب أحق بتولية أمره من علي عليه الصلاة والسلام ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره ، لانقطاع العصمة بينهما.

وفي حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه الصلاة والسلام به دونهما وأمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل والتطهير والتحنيط والتكفين والمواراة ، شاهد صدق في إيمانه على ما بيناه.

والدليل الآخر : دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله [له] (٢) بالخيرات ، ووعده

__________________

(١) الحجة على الذاهب : ٢٩٨ ، شرح نهج البلاغة ١٤ : ٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

٢٦

أمته فيه بالشفاعة إلى الله ، واتباعه بالثناء والحمد والدعاء ، وهذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الاسلام ، ولو كان أبو طالب مات كافرا لما وسع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الثناء عليه بعد الموت ، والدعاء له بشئ من الخير ، بل كان يجب عليه اجتنابه ، واتباعه بالذم واللوم على قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه ، كما فرض الله عز وجل ذلك عليه للكافرين ، حيث يقول : (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (١).

وفي قوله : (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) (٢).

وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، ثبت أن أبا طالب رضي الله عنه مات مؤمنا ، بدلالة فعله ومقاله ، وفعل نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله به ومقاله ، حسبما شرحناه.

ويؤكد ذلك ما أجمع عليه أهل النقل من العامة والخاصة ، ورواه أصحاب الحديث عن رجالهم الثقات من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل فقيل له : ما تقول في عمك أبي طالب ، يا رسول الله ، وترجو له؟ قال : «أرجو له كل خير من ربي» (٣).

فلولا أنه رحمة الله عليه مات على الإيمان لما جاز من رسول

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٨٥.

(٢) سورة التوبة ٩ : ١١٥.

(٣) الحجة على الذاهب : ٩٤ ، شرح نهج البلاغة ١٤ : ٦٨ ، تاريخ الاسلام للذهبي ١ : ١٣٨.

٢٧

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجاء الخيرات له من الله عز وجل ، مع ما قطع له تعالى به في القرآن وعلى لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلود الكفار في النار ، وحرمان الله لهم سائر الخيرات وتأبيدهم في العذاب على وجه الاستحقاق والهوان.

٢٨

فصل

فأما قوله لم رضي الله عنه المنبه على إسلامه وحسن نصرته ، وإيمانه الذي ذكرناه عنه ، فهو ظاهر مشهور في نظمه المنقول عنه على التواتر والاجماع ، وسأورد منه جزءا يدل على ما سواه ، إن شاء الله تعالى.

فمن ذلك قوله في قصيدته الميمية التي أولها :

ألا من لهم آخر الليل مقتم

طواني وأخرى النجم لما تقحم؟ (١)

إلى قوله :

أترجون أن نسخو بقتل محمد

ولم تختضب سمر العوالي (٢) من الدمِ

__________________

(١) في الديوان : معتم بدل مقتم وكلاهما بمعنى واحد.

طواني : أقام عندي «لسان العرب ـ طوى ـ ١٥ : ٢٠».

وتقحم النجم : غاب «لسان العرب ـ قحم ـ ١٢ : ٤٦٣».

(٢) العوالي : جمع عالية. وهي أعلى الرمح ورأسه ، وقيل : العالية : القناة المستقيمة «لسان العرب ـ علا ـ ١٥ : ٨٧».

٢٩

كذبتم وبيت الله حتى تفرقوا (١)

جماجم تلقى بالحطيم وزمزم

وتقطع أرحام وتنسى حليلة

خليلا ويغشى محرم بعد محرم

وينهض قوم في الحديد إليكم

يذودون عن أحسابهم كل مجرم

على ما أتى من بغيكم وضلالكم

وعصيانكم في كل أمر ومظلم (٢)

بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى

وأمر أتى من عند ذي العرش مبرم (٣)

فلا تحسبونا مسلميه ومثله

إذا كان في قوم فليس بمسلم (٤)

أفلا ترى الخصوم إلى هذا الجد من أبي طالب رضي الله عنه في نصرة نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتصريح بنبوته ، والاقرار بما جاء من عند الله عز وجل ، والشهادة بحقه ، فيتدبرون ذلك أم على قلوب أقفالها؟!

__________________

(١) في «أ» : تعرفوا ، وفي شرح النهج : تفلقوا.

(٢) في الديوان :

على ما مضى من بغيكم وعقوقكم

وغشيانكم في أمرنا كل مأثم

(٣) في الديوان وشرح النهج : قيم.

(٤) ديوان أبي طالب : ٢٩ ـ ٣١. شرح نهج البلاغة ١٤ : ٧١.

٣٠

ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :

تطاول ليلي بهم نصب

ودمع كسح السقاء السرب (١)

للعب قصي بأحلامها

وهل يرجع الحلم بعد اللعب (٢)

إلى قوله رضي الله عنه :

وقالوا لأحمد أنت امرؤ

خلوف الحديث ضعيف النسب

ألا إن أحمد قد جاءهم

بحق ، ولم يأتهم بالكذب (٣)

وفي هذا البيت صرح بالإيمان برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :

__________________

(١) سح : سال «الصحاح ـ سحح ـ ١ : ٣٧٣».

السرب : الذي يسيل منه الماء «الصحاح ـ سرب ـ ١ : ١٤٧».

(٢) ورد هذا البيت مصحفا في (أ) هكذا :

بلغت قصي بأكلابها

وهل يرجع الحكم بعد اللعب؟!

(٣) ديوان أبي طالب : ٢٥. مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٦٦ ، الحجة على الذاهب : ٢٤٥ ، شرح نهج البلاغة ١٤ : ٦١.

٣١

أخلتم بأنا مسلمون محمدا

ولما نقاذف دونه بالمراجم (١)

أمينا حبيبا في البلاد مسوما

بخاتم رب قاهر للخواتم (٢)

يرى الناس برهانا عليه وهيبة

وما جاهل في فضله مثل عالم (٣)

نبيا أتاه الوحي من عند ربه

فمن قال لا يقرع بها سن نادم (٤)

تطيف به جر ثومة (٥) هاشمية

تذبب عنه كل باغ وظالم (٦)

ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :

__________________

(١) المراجم : قبيح الكلام ، ولعل المراد هنا التقاذف بها يرجم به من السلاح «لسان العرب ـ رجم ـ ١٢ : ٢٢٨» وفي شرح النهج : ونزاحم. ولم يرد هذا البيت في الديوان.

(٢) في «أ» : للجراثم.

(٣) في الديوان : وما جاهل أمرا كآخر عالم.

وفي شرح النهج : وما جاهل في قومه مثل عالم.

(٤) قرع فلان أسنانه ندما أي حك بعضها على بعض حتى يسمع لها صوت غيظا وحنقا وندما «أنظر لسان العرب ـ قرع ـ ٨ : ٢٦٤ و ـ حرق ـ ١٠ : ٤٤».

(٥) جرثومة كل شئ : أصله ومجتمعه «لسان العرب ـ جرثم ـ ١٢ : ٩٥».

(٦) ديوان أبي طالب : ٣٢ ، شرح نهج البلاغة ١٤ : ٧٣

٣٢

ألا أبلغا عني على ذات بينها

لؤيا وخصا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا

نبيا كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبة

ولا شك فيمن خصه الله بالحب (١)

وفي هذا الشعر والذي قبله محض الإقرار برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالنبوة ، وصريحه بلا ارتياب.

ومن ذلك قوله رضي الله عنه :

ألا من لهم آخر الليل منصب

وشعب العصا من قومك المشعب

إلى قوله :

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة

متى ما تخبر غائب القوم يعجب (٢)

محا الله منها كفرهم وعيوبهم

وما نقموا من باطل الحق مقرب (٣)

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٦٣ ، سيرة ابن هشام ١ : ٣٧٧ ، شرح النهج ١٤ : ٧٢ ، البداية والنهاية ٣ : ٨٤ ، خزانة الأدب ١ : ٢٦١.

(٢) في الديوان : أتاك بها من غائب متعصب.

(٣) في الديوان :

...................... وعقوقهم

وما نقموا من صادق القول منجب.

٣٣

فكذب (١) ما قالوا من الأمر باطلا

ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب

وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا

على سخط من قومنا غير معتب

فلا تحسبونا مسلمين محمدا

لذي غربة منا ولا متغرب

ستمنعه منا يد هاشمية

مركبها في الناس غير (٢) مركب (٣)

وقال أيضا رضي الله عنه يحض حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه على اتباع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصبر على طاعته ، والثبات على دينه :

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهرا للدين وفقت صابرا

نبي أتى بالدين من عند ربه

بصدق وحق لا تكن حمز كافرا

فقد سرني إذ قلت : لبيك ، مؤمنا

فكن لرسول الله في الدين ناصرا

__________________

(١) في الديوان : وأصبح.

(٢) في الديوان والمناقب : خير.

(٣) ديوان أبي طالب : ١٦ ، مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٦٤.

٣٤

وناد قريشا بالذي قد أتيته

جهارا ، وقل : ما كان أحمد ساحرا (١)

ومن ذلك قوله رضي الله تعالى عنه :

إذا قيل من خير هذا الورى

قبيلا ، وأكرمهم أسره؟

أناف بعبد مناف أبي

أبو نضلة هاشم الغره (٢)

وقد حل مجد بني هاشم

مكان النعائم والزهره (٣)

وخير بني هاشم أحمد

رسول المليك على فتره (٤)

وهذا مطابق لقوله تعالى : (قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل) (٥).

فإن لم يكن في ذلك شهادة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوة ، فليس في

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٦٢ ، شرح نهج البلاغة ١٤ : ٧٦ ، الغدير ٧ : ٣٥٧.

(٢) أناف : ارتفع وأشرف ، «لسان العرب ـ نوف ـ ٩ : ٣٤٢».

أبو نضلة : كنية هاشم بن عبد مناف «الصحاح ـ نضل ـ ٥ : ١٨٣١».

(٣) النعائم : منزل من منازل القمر «لسان العرب ـ نعم ـ ١٢ : ٥٨٦».

الزهرة : كوكب معروف «لسان العرب ـ زهر ـ ٤ : ٣٣٢».

(٤) شرح نهج البلاغة ١٤ : ٧٨.

(٥) سورة المائدة ٥ : ١٩.

٣٥

ظاهر الآية شهادة ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل ، له معرفة بأدنى معرفة أهل اللسان.

ومنه قوله في ذكر الآيات للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودلائله ، وقول بحيراء الراهب فيه ، وذلك أن أبا طالب رضي الله عنه لما أراد الخروج إلى الشام ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إشفاقا عليه ، ولم يعمل على استصحابه ، فلما ركب أبو طالب رضي الله تعالى عنه بلغه ذلك ، فتعلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناقة وبكى ، وناشده الله في إخراجه معه ، فرق له أبو طالب وأجابه إلى استصحابه.

فلما خرج معه أظلته الغمامة ، ولقيه بحيراء الراهب فأخبره بنبوته ، وذكر لهم (٢١ البشارة في الكتب الأولى ، فقال أبو طالب رضي الله تعالى عنه :

[إن الأمين محمدا في قومه

عندي يفوق منازل الأولاد (٢)

لما تعلق بالزمام ضممته (٣)

والعيس قد قلصن بالأزواد (٤)

__________________

(١) في «ط» : له.

(٢) في السيرة وتاريخ ابن عساكر :

إن ابن آمنة النبي محمدا

عندي بمثل منازل الأولاد

(٣) في السيرة وتاريخ ابن عساكر : رحمته.

(٤) العيس : الإبل البيض. يخالط بياضها شئ من الشقرة ويقال : هي كرائم الإبل. «الصحاح ـ عيس ـ ٣ : ٩٥٤».

وقلصن : ارتفعن وذهبن ، والتشديد للمبالغة «أنظر لسان العرب ـ قلص ـ ٧ : ٨٠».

٣٦

حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا

لاقوا على شرف (١) من المرصاد

حبرا فأخبرهم حديثا صادقا

عنه ورد معاشر الحساد (٢)

وقال رضي الله عنه (٣) وقد حضرته الوفاة في وصيته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أوصي بنصر النبي الخير مشهده

عليا ابني وشيخ القوم عباسا

وحمزة الأسد الحامي حقيقته

وجعفرا ليذودوا دونه الباسا (٤)

ومن ذلك قوله رحمه الله تعالى :

أبيت بحمد الله ترك محمد

بمكة أسلمه لشر القبائل

وقال لي الأعداء : قاتل عصابة

أطاعوه ، وابغهم جميع الغوائل

__________________

(١) في السيرة وتاريخ ابن عساكر : شرك.

(٢) ديوان أبي طالب : ٣٣ ، سيرة ابن إسحاق : ٧٦ ، تهذيب تاريخ ابن عساكر ١ : ٢٧٢. الغدير ٧ : ٣٤٣.

(٣) متشابه القرآن ٢ : ٦٥ ، مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٣٩ و ٦١.

٣٧

إلى قوله :

أقيم على نصر النبي محمد

أقاتل عنه بالقنا والذوابل (١)

ومنه أيضا قوله يحض النجاشي على نصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

تعلم مليك الحبش أن محمدا

نبي كموسى والمسيح بن مريم

أتى بهدى مثل الذي أتيا به

فكل بأمر الله يهدي ويعصم (٢)

وإنكم تتلونه في كتابكم

بصدق حديث لا حديث المبرجم (٣)

وإنك ما تأتيك منا عصابة

بفضلك إلا عاودوا بالتكرم

__________________

(١) أي الرماح الذوابل ، سميت بذلك ليبسها ولصوق ليطها ، يعني قشرها «المخصص. السفر السادس : ٣١».

(٢) في هذا البيت إقواء ظاهر ، إذ أن حركة حرف الروي الكسر وجاءت هنا مضمومة إقواء.

(٣) من البرجمة وهي : غلظ الكلام «النهاية ـ برجم ـ ١ : ١١٣

ولعلها «الترجم» من الرجم. وهو القول بالظن والحدس «لسان العرب ـ رجم ـ ١٢ : ٢٢٧».

٣٨

فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا

فإن طريق الحق ليس بمظلم (١)

وفي هذا الشعر من التوحيد والاسلام ما لا يمكن دفعه مسلما.

ومن ذلك قوله رضي الله تعالى عنه لجعفر ابنه وقد أمر بالصلاة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : صل ، يا بني ، جناح ابن عمك. فعل ، فلما رأى إجابته له أنشأ يقول :

إن عليا وجعفرا ثقتي

عند ملم الخطوب والكرب

والله لا أخذل النبي ولا

يخذله من بني ذو حسب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من دونهم وأبي (٢)

فهذا القول في خاتمة أمره وفاقا لما سلف منه في مضي (٣) زمانه وحياته ، وهو محض التصديق حقيقة الإيمان ، وصريح الاسلام ، وإيمانه بالله تعالى.

__________________

(١) متشابه القرآن ٢ : ٦٥ ، مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٦٢. مستدرك الحاكم ٢ : ٦٢٣.

(٢) ديوان أبي طالب : ٣٦ ، الأوائل لأبي هلال العسكري : ٧٥ ، كنز الفوائد ١ : ٢٧١ ، الحجة على الذاهب : ٢٤٩ و ٢٥٠ ، شرح نهج البلاغة ١٤ : ٧٦. روضة الواعظين : ٨٦.

(٣) في «ط» : وقتي.

٣٩

وله من بعد هذا أبيات في المعنى المتقدم يطول بها التقصاص ، منها قوله في قصيدة ميمية له وقد عدد آيات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

فذلك من أعلامه وبيانه

وليس نهار واضح كظلام (١).

وقوله في قصيدته الدالية :

فما يرجوا حتى رووا من محمد

أحاديث تجلو غم كل فؤاد (٢)

فأما دليل توحيده لله عز وجل فمن كلامه المشهور ومقاله المعروف أكثر من أن يحصى ، وقد تقدم منه مما كتبناه ، ما سنلحقه بأمثاله له في معناه ، على سبيل الاختصار إن شاء الله.

فمن ذلك قوله في قصيدة طويلة :

مليك الناس ليس له شريك

هو الوهاب والمبدي المعيد

ومن فوق السماء له ملاك (٣)

ومن تحت السماء له عبيد (٤)

فأقر لله تعالى بالتوحيد ، وخلع الأنداد من دونه ، وأنه يعيد بعد الابداء (٥) ، وينشئ خلقه نشأة أخرى ، وبهذا المعنى فارق المسلمون أهل الجاهلية وباينهم فيما كانوا عليه من خلاف التوحيد والملة.

__________________

(١) ديوان أبي طالب : ٣٥ ، سيرة ابن إسحاق : ٧٧ ، تهذيب تاريخ ابن عساكر ١ : ٢٧٣ ، الغدير ٧ : ٣٤٥.

(٢) تقدمت أربعة أبيات من هذه القصيدة الدالية مع تخريجاتها ، ويضاف لها : الخصائص الكبرى ١ : ١٤٤.

(٣) في «أ» : له لحق. وفي متشابه القرآن : له نجوم.

(٤) متشابه القرآن ٢ : ٦٦.

(٥) في «أ» : الانذار ، تصحيف ، وما في المتن هو الأنسب لقوله «المبدئ المعيد».

٤٠