إِلَى التَّهْلُكَةِ) (١) ، خاصَّة غير عامَّة ، فإنَّ خصوصها وعمومها إنَّما هو ناشئ مِن المُخاطب فيها في قوله : (وَلاَ تُلْقُواْ) ، والمُخاطب فيها غير مُحدَّد.
وأوضح المصاديق الأُخرى مِن القرآن الكريم لذلك قوله تعالى : (وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً) (٢) ؛ فإنَّ المُخاطب فيها غير مُحدَّد ، وإذا لم يكن مُحدَّداً لم يكن عمومها أكيداً ، كما يَفهم سائر الناس.
وقد يُستشكل : أنَّ الظاهر هو العموم ، وأنَّ الضمير يعود إلى سائر المسلمين. بما فيهم الأئمَّة عليهمالسلام.
وجوابه : أنَّ هذا صحيح لو خُلِّي وطبعه ، إلاَّ أنَّه توجد في الآية التي نتحدَّث عنها قرائن صارفة عن كون الخطاب للمعصومين (سلام الله عليهم).
فإنَّه تعالى يقول : (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٣) ، ومِن الواضح أنَّ الأمرين الأوَّل والأخير : (وَأَنفِقُواْ) و (أَحْسِنُوَاْ) خاصٌّ بغير الأئمَّة عليهمالسلام بلْ بغير المعصومين وغير الراسخين في العلم عموماً ؛ لأنَّ أمثال هذه المُستويات العُليا مِن الإدراك لا تحتاجه ، وإنَّما يُعتبَر بالنسبة إليهم مِن توضيح الواضحات ، بلْ يكون الخطاب هذه الأُمور قبيحاً ، وحاشا لله وكلامه مِن القبح. إذاً ؛ فالمُخاطب غيرهم (سلام الله عليهم).
إذاً ؛ فقد وقع النهي عن التهلُكة في سياق الخطاب لغيرهم عليهمالسلام فنعرف مِن وحدة السياق ـ وهي قرينة عُرفيَّة مبحوثة في علم الأُصول ـ : أنَّ النهي عن التهلُكة ، غير شامل لهم أيضاً. ومعه لا يُمكن القول : بأنَّ القرآن الكريم نصَّ عليهم بعدم إلقاء النفس في التهلُكة ـ كما يُريد
__________________
(١) سورة البقرة. آية ١٩٥
(٢) سورة مريم. آية ٧١.
(٣) سورة البقرة. آية ١٩٥.