أضواء على ثورة الحسين عليه السلام

السيد محمّد الصدر

أضواء على ثورة الحسين عليه السلام

المؤلف:

السيد محمّد الصدر


المحقق: الشيخ كاظم العبادي الناصري
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٣

مستقلاً عن غيرها. وهذا ما سيتّضح أكثر من المستويات التالية بعونه سبحانه.

المستوى الثاني : إنّني أعتقدُ أنّ الله سبحانه جَعل بإزاء تضحية الحسين عليه‌السلام نوعين مهمّين من الثواب لا نوعاً واحداً ، أحدهما : الثواب الأخروي ، وهو المشار إليه بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرواية : «إنّ لك في الجنّة لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة» (١).

وثانيهما : الثواب الدنيوي : وهي عدّة أمور يسّرها الله سبحانه وتعالى خلال الأعوام والأجيال المتأخّرة عن مقتله (سلام الله عليه) ، وأعتقدُ أنّه جلّ جلاله إنّما يسّرها لمصلحة الأجيال ، وإلاّ فإنّ الحسين عليه‌السلام أجَلّ مِن أن تنالهُ الفائدة منها بقليلٍ ولا بكثير ، وإن كنّا نقول : إنّها تصلح أن تكون جزاءً له على التضحية لمدى أهميّتها البالغة كما سنعرف ، إلاّ أنّها دنيويّة أي حاصلة في الدنيا ، والحسين عليه‌السلام لم يقصد في تضحيته أيّ شيء من أمور الدنيا ممّا قلّ أو كثُر يقيناً ، وإنّما حَصلت لأجل مصلحة هداية الآخرين لا أكثر ، ونستطيع أن نعدّ منها الأمور التالية :

الأمرُ الأوّل : إنّ الإمامة في ذريّته لا في ذريّة الحسن أخيه عليه‌السلام.

الأمرُ الثاني : حُسن الظنّ به خلال الأجيال ابتداء من قاتليه أنفسهم إلى الأجيال المتأخّرة عنه إلى يوم القيامة ، حتّى في ضمائر الأعداء وغير المسلمين ، ولذا نسمع قاتلهُ يقول للحاكم الأموي بعد انتهاء الواقعة على ما ورد :

املأ ركابي فضّةً أو ذَهباً

إنّي قتلتُ السيّد المحجّبا

قتلتُ خيرَ الناس أُمّاً وأباً (٢)

__________________

(١) أمالي الصدوق : مجلس ٣٠ ، ص ١٣٥ ، الخوارزمي : ج ١ ، ص ١٨٥ ، البحار : ج ٤٤ ، ص ٣٢٨.

(٢) العقد الفريد : ج ٤ ، ص ٣٨١ ، تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٦١ ، الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٩٦ ، كشف الغمّة للإربلي : ج ٢ ، ص ٢٦٣ ، مقتل الخوارزمي : ج ٢ ، ص ٤٠ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٦.

١٠١

__________________

وقد اختلف المؤرِّخون في قائل الأبيات وبالتالي في قاتل الحسين عليه‌السلام ، ومَن الذين ذَكرهم المؤرّخون في قتل الحسين عليه‌السلام (كما أحصاهم باقر شريف القرشي في حياة الإمام الحسين ج ٣) هم :

أوّلاً : سنان بن أنس ، الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٩٥ ، مقاتل الطالبيين ، اللهوف لابن طاووس ، البداية والنهاية : ج ٨ ، ص ٨٨ وفيه يقول الشاعر :

وأيّ رزيّةٍ عَدلت حسيناً غداة يُثيره كفّ سِناني

الاستيعاب : ج ١ ، ص ٣٧٩.

ثانياً : شِمر بن ذي الجوشن ، الخوارزمي : ج ٢ ، ص ٣٦ ، البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٥٦.

ثالثاً : عُمر بن سعد ، خُطط المقريزي : ج ٢ ، ص ٢٦٨ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٥ ، ص ١١٩.

رابعاً : خولي بن يزيد الأصبحي ، دُرر الإبكار في وصف الصفوة الأخيار : ص ٣٨ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٩ ، الفتوح لابن أعثم : ج ٥ ص ٢١٨.

خامساً : شبل بن يزيد الأصبحي ، تاريخ الخميس : ج ٢ ، ص ٣٣٣ ، الأخبار الطوال للدينوري : ص ٢٣١ ، حيث قيل إنّ خولي بن يزيد الأصبحي نزلَ عن فرسه ليحتزّ رأس الإمام عليه‌السلام ، فارتَعدت يداه فنزل إليه أخوه شبل ، فاحتزّ رأسه ودفعهُ لأخيه.

سادساً : الحُصين بن نمير ، المعجم الكبير للطبراني ، الإفادة في تاريخ الأئمّة السادة.

سابعاً : رجل من مُذحج ، تهذيب التهديب : لابن حجر ج ٢ ، ص ٣٥٣ (وقد انفرد بنقله).

ثامناً : المهاجر بن أوس ، نصّ على ذلك السبط بن الجوزي ولم يذكرهُ غيره (مرآة الزمان في تاريخ الأعيان).

أقول : والراجح في هذه الأقوال كلّها أنّ قاتل الحسين عليه‌السلام هو : الشِمر بن ذي الجوشن (لعنهُ الله) ؛ وذلك لعدّة مرجّحات منها : إنّ الزيارةالقائميّة صريحة به ، وهي زيارة الناحية والواردة عن الإمام الحجّة (عجّل الله فرجهُ) والتي يقول فيها : «فلمّا رأت النساء جَوادكَ مخزيّاً نظرنَ سَرجك عليه ملويّا .... وإلى مصرعكَ مبادرات ، والشمرُ جالسٌ على صدرك واضعاً سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنّده ..... إلخ» (مفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّي : ص ٤٥٦).

وهكذا جملة من الروايات المعتبرة ، ومع ذلك لا شكّ في أنّ خولي بن يزيد الأصبحي وسنان بن أنس (لعنهما الله) ، ممّن لهُ مدخليّة في قتل الحسين عليه‌السلام ، لذلك قال بعض العلماء : إنّ القاتل كان ثلاثتهم حيث ذَكر البعض أنّ هؤلاء الثلاثة عندما قَدِموا إلى عمر بن سعد ومعهم رأس الحسين عليه‌السلام قال خولي : أنا ضربتهُ بسهم فأرديته عن جواده إلى الأرض ، وسنان يقول : أنا ضربتهُ بالسيف ففلقتُ هامتهُ ، والشمر يقول : أنا أبنتُ رأسه عن بدنه (أسرار الشهادة للدربندي : ص ٤٢٧).

١٠٢

الأمرُ الثالث : تأثير تضحيتهُ الجسيمة في هداية الناس وتكاملهم إيماناً ، كلّ حسب استحقاقه ، في أيّ مكانٍ وزمان وجِد الفرد إلى يوم القيامة ، ومهما كانت نقطة بدايته ، حتّى لو كان كافراً ، بل حتّى لو كان معانداً أحياناً.

الأمرُ الرابع : هذه الحرارة التي في قلوب المؤمنين من محبّيه ، والتي أشرنا إليها فيما سبق ، والتي أوجَبت تزايد ذكراه وتزايد اللوعة على ما أدّاه من تضحيات وما عاناه من بلاء.

الأمرُ الخامس : إنّ ذِكر أيّ معصوم غير الحَسن عليه‌السلام بما فيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام ، في أيّ مجلسٍ من مجالس محبّيه ، وفي أيّ مناسبة للحديث سواء كانت مأتماً ، أو خطبة ، أو موعظة أو غيرها ؛ فإنّها لا تكاد تكون تامّة ولا مُرضية للقلوب ما لم تقترن بذكر الحسين عليه‌السلام ، والتألّم لمصابه.

الأمرُ السادس : البكاء عليه لدى محبّيه جيلاً بعد جيل وإقامته المآتم والشعائر عليه (سلام الله عليه) ، وهذا هو الذي ذَكرهُ بعض الناس كهدفٍ مستقل كما ذكرنا ، وهو إنّما يصحّ كنتيجة طبيعيّة وفّقَ الله سبحانه وتعالى محبّيه إليها لأجل مصلحتهم وهدايتهم ، وسنتكلّم عنها في المستوى الآتي من الحديث بعونه سبحانه لنفهمها بشكلٍ واضح.

المستوى الثالث : الحديث عن البكاء عليه وإقامة المآتم لذكرى مُصابه ، وهنا ينبغي لنا أن نقول : إنّ في قضيّة الحسين عليه‌السلام جانبَين مهمّين لا يكاد أحدهما أن يكون أقلّ أهميّة من الآخر :

الجانبُ الأوّل : جانب النعمة والرحمة ، بهذا التوفيق الإلهي العظيم للحسين عليه‌السلام وأصحابه وأهل بيته ، بهذه المقامات وهذا الثواب الجزيل والعطاء الهني ، وهذا الجانب يقتضي الفرح والاستبشار لا الحُزن والتألّم ، بل كلّما كان البلاء الدُنيوي أكثر ، كان الثواب الأخروي والتقرّب الإلهي أكثر ، فيكون

١٠٣

الاستبشار أكثر.

وهذا ما وردَ عن أصحابه المقاتلينَ معهُ أنّه قال أحدهم : عمّا قليل سنُعانق الحور العين (١). وقال آخر : ليس بيننا وبين الجنّة إلاّ أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم (٢) ، وهم يَعلمون أنّهم سيُعانون الجَرح والقتل والبلاء الصارم ، ومن ذلك قول الشاعر يصف العبّاس عليه‌السلام أخا الحسين (ع) ، وقد حاربَ معه وأبلى بلاءً حسناً وعظيماً قال الشاعر :

عَبَست وجوهُ القوم خوفَ الموت

والعبّاسُ فيهم ضاحكٌ يتبسّم (٣)

ومنه قول عليّ بن الحسين الأكبر فيما وردَ عنه : لا نُبالي أوَقَعنا على الموت أم وقَعَ الموت علينا (٤) ، يعني : ما دُمنا على الحقّ كما ورد في أوّل الرواية ، وعدم المُبالاة يعني عدم الحُزن والتألّم لهذا البلاء النازل ، وإنّما هو الصبر بإيمانٍ والجلد بيقين ، بل الاستبشار برحمة الله ورضوانه.

وإذا كان غير المعصومين يحسّ بذلك ، فكيف بالمعصومين ومنهم الحسين نفسه ، وإذا كان أصحابه وذووه ممّن هو تحت ذلك البلاء العظيم نفسه ، لا يشعرون بالحُزن والألم النفسي بل بالاستبشار ، فكيف ينبغي أن يكون حال مَن سواهم من الناس من مُحبّين وأولياء.

الجانبُ الثاني : جانبُ الحُزن والألم لِمَا أصاب الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه ونسائه من : بلاءٍ ، وقتلٍ ، وتشريد ، وسبي ، وإذلال ، وهي حادثة بمجموعها تُعتبر أعظم ما وقعَ من البلاء الدُنيوي على أيّ مجموعة أخرى من

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٤١ ، أسرار الشهادة للدربندي : ص ٢٤٩.

(٢) نفس المصدر بتصرّف.

(٣) للسيّد جعفر الحلّي ، المتوفّى فجأةً في شعبان لسبع بقينَ منه سنة ١٣١٥ هـ (أدبُ الطف : ج ٨ (ص ٩٩ ـ ١١٥).

(٤) الطبري : ج ٦ ، ص ٢٣١ ، الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٨٢ ، اللهوف : ص ٣٠.

١٠٤

البشر خلال التاريخ البشري الطويل ، ومن هنا كان ردّ فعلها المأساوي أعظم وأجلّ من كلّ حادثةٍ أخرى في العالَم مُماثلة أو غير مُماثلة ، ومن هنا قال الشاعر عنها :

وفجائعُ الأيّام تبقى فنزة وتزول

وهي إلى القيامة باقية (١)

وكلا هذين الجانبين المشار إليهما ناجزان فعلاً في حادثة الحسين عليه‌السلام ، ويحتوي كلّ منهما على نقطة قوّة ونقطة ضُعف ، ينبغي أن نلاحظهما لكي نعرف القيمة الحقيقيّة لكلّ منهما أوّلاً ، ولماذا اختيرَ الجانب الثاني المأساوي في هذا الصدد؟

ولكلٍّ نقطةٍ قوّة في أحدهما يُقابله نقطة ضعف في الجانب الآخر. فنقطةُ القوّة في الجانب الأوّل : هي كونه جانباً أُخرويّاً محضاً ، تُقابلهُ النقطة في الجانب الآخر ، وهو كونه جانباً دنيويّاً ؛ لوضوح أنّ البلاء الذي عاناه الحسين عليه‌السلام ومَن معه ، بلاءٌ دنيوي خالص لا يشوبه بلاء أخروي إطلاقاً ، بل لهُ في الآخرة أعلى المقامات وأرفع الدرجات. ونقطةُ القوّة في الجانب الثاني : كونهُ سبباً لتربية المجتمع تربية صالحة ومؤكّدة أكثر من الجانب الأوّل بكثير ، ذلك المجتمع المُتربّي في حالته الاعتياديّة على العواطف الشخصيّة والأُسريّة والدنيويّة عموماً ، إذاً فمن المصلحة توجيه هذه العواطف إلى وجهة صالحة ومربّية ، فكما يبكي المؤمن على وَلده أو والديه ، فليبكِ على الحسين عليه‌السلام وأصحابه ؛ لينال في الآخرة ثواباً ويُقيم للدين شعاراً. ومن هنا يكون توجيه البكاء والحزن للمؤمنين

__________________

(١) للشيخ عبد الحسين الأعسم بن الشيخ محمّد علي بن الحسين ، بن محمّد الأعسم الزبيدي النجفي ، ولِدَ في حدود سنة ١١٧٧ هـ ، وتوفي ١٢٤٧ هـ بالطاعون العام في النجف الأشرف عن عُمرٍ يُناهز السبعين ، ودُفن مع أبيه في مقبرة آل الأعسم ، وهذا البيت من قصيدة طويلة مطلعها :

قد أوهَنَت جلدي الديار الخالية

من أهلها ما للديار وماليه

(أدبُ الطف : ج ٦ ، ص ٢٨٧ ـ ٢٩٤).

١٠٥

نحو الدين ونتائجه الطيّبة ، أكثر بكثير ممّا يوجبهُ الفرح والاستبشار المشار إليه في الجانب الأوّل.

مضافاً إلى أنّ الفهم العام لأيّ شيء بما فيها واقعة الحسين عليه‌السلام ، إنّما هو ظاهرها الدُنيوي وليس واقعها الأخروي ، فكان من الأفضل توجيه الناس إلى ما يفهمون والاستفادة لهم بمقدار ما يدركون.

ومن هنا وردَ عن الشريعة المقدّسة وقادتها الأوائل بشكلٍ متواتر لا يقبل الشك ، الحثّ على البكاء على الحسين وحادثته المروِّعة (١) ، وكان الطعنُ في ذلك ومناقشته بقصدٍ مُخلص أو مُغرض ناشئ من خطأ فاحش لا يُغتفر.

فمن أمثلة ما ورد : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على الحسين عليه‌السلام عند ولادته (٢) ، وأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ذَكر واقعة الطف ، وأنّه نظرَ إلى كفّي ولدهُ العبّاس عليه‌السلام ، وتنبّأ بأنّهما يُقطعان في تلك الواقعة (٣) ، وأنّ الإمام الحسن عليه‌السلام حين كان على فراش الموت مسموماً سمعَ أخاه الحسين يبكي عليه ، فقال له : «أتبكي عليّ أم أنا أبكي عليك ، لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، فإنّ لك يوماً

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ١٢٥ ، مجلس ٢٩ ، الدمعة الساكبة : م ١ ، ص ٣٠٠ ، البحار للمجلسي : ج ٤٤ ، ص ٢٨١.

ومن هذه الأخبار : ما وردَ في البحار ج ٤٤ ، أوّل باب ثواب البكاء ص ٢٧٨ ، بسنده عن عليّ بن الحسين بن فضّال عن أبيه قال : قال الرضا عليه‌السلام : «مَن تذكّر مصابنا وبكى لمَا ارتُكبَ منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومَن ذَكر فبكى وأبكى ، لم تبكِ عينهُ يوم تبكي العيون ، ومَن جلسَ مجلساً يُحيى فيه أمرنا ، لم يمُت قلبه يوم تموت القلوب». وفي أمالي الصدوق بسنده عن أبي محمود قال ، قال الرضا عليه‌السلام : «المُحرّم شهرٌ كان أهل الجاهليّة يُحرِّمون فيه القتال فاستُحلّت فيه دماؤنا وهُتكت في حُرمتنا وسُبيَ فيه ذرارينا ونساؤنا ـ إلى أن قال ـ فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون ، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام».

(٢) الخصائص الكبرى للسيويطي : ج ٢ ، ص ١٢٥ ، البحار للمجلسي : ج ٤٤ ، ص ٢٥١.

(٣) أسرارُ الشهادة للدربندي : ص ٢٦٣.

(٤) مُثير الأحزان لابن نما : ص ٣١ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٣٨ ، البحار : ج ٥ ، ص ١٥٤.

١٠٦

أعظم من هذا اليوم» (٤).

وأمّا الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، فقد أصبحَ أحد الخمسة البكّائين من البشر ، وهم : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، والزهراء ، وهو ، سلام الله عليهم أجمعين ؛ وذلك لكثرة بكائه على أبيه سلام الله عليه ، في زمنٍ صعب كان يعيشه من حال المطاردة والتقية ، فكان لا يمكنه الدعوة إلى حقّ أبيه وإعلان الاهتمام به إلاّ بالبكاء ، ومن هنا كان من البكّائين ، حتّى كان يخلط طعامه وشرابه بالدموع (١).

وأمّا قصيدة دعبل (رحمة الله عليه) التي قرأها على الإمام الرضا عليه‌السلام ، فبكى لها ، وجَمَع العَلَويات خلف الستر ؛ لكي يسمعنَ ويبكينَ (٢) فهي رواية أشهر من أن تُذكر ، وفيها يقول دعبل :

أفاطمُ لو خِلتِ الحُسين مُجدّلاً (٣)

وقد ماتَ عطشاناً بشطِّ فُرات

إذن لَلَطمتِ الخدّ فاطم عندهُ

وأجريتِ دَمع العين في الوَجَناتِ (٤)

__________________

(١) مناقبُ ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٣٠٣ ط النجف ، أمالي الصدوق : مجلس ٢٩ ، ص ١٢٤.

ويتجلّى هذا الأمر فيما نَقلهُ ابن شهرآشوب عن الإمام الصادق (ع) حيث قال : «بكى عليّ بن الحسين عشرين سنة ، وما وضِع بين يديه طعام إلاّ بكى ، حتّى قال مولىً لهُ : جُعلتُ فداكَ يا بنَ رسول الله ، إنّي أخافُ أن تكون من الهالكين ، فقال الإمام : إنّما أشكو بثّي وحُزني إلى الله ، وأعلمُ من الله ما لا تعلمون ، إنّي لم أذكُر مصرع بني فاطمة إلاّ وخَنَقتني العبرة».

وفي رواية ٍأخرى قال مولىً له : أمَا آنَ لحزنكَ أن ينقضي؟ فقال له : «ويحكَ ، إنّ يعقوب النبيّ كان له اثنا عشر ابناً فغيّب الله واحداً منهم فابيضّت عيناهُ من كثرة بكائه عليه ، واحدودبَ ظهرهُ من الغمِّ وكان ابنه حياً في الدنيا ، وأنا نظرتُ إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حُزني» ابن شهرآشوب : ج ٣٢ ، ص ٣٠٣.

(٢) مقتل الخوارزي : ج ٢ ، ص ١٣٠ ، الدمعة الساكبة : ص ٧٧ (نقلاً عن الإربلي في كشف الغمّة).

(٣) مُجّدلاً : بمعنى مرمي مُلقى على الأرض قتيلاً (مجمعُ البحرين : ج ٥ ، ص ٣٣٦).

(٤) للشاعر دعبل الخزاعي (١٤٨ هـ ـ ٢٤٦ هـ) وهذان البيتان من قصيدته التائيّة المشهورة التي مطلعها :

١٠٧

وحَسبُ فهمي أنّه لمدى تأثير البكاء في النفوس أوّلاً ، وفي الإعلام ثانياً ، وفي التربية ثالثاً ، حَصَلت هناك من المعصومين (سلام الله عليهم) عدّة أمور ممّا اقتضى التركيز عليها :

منها : أنّه بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موت أولاده ، كما وردَ عنه أنّه قال : «يَحزن القلب ، وتدمعُ العين ، ولا نقول ما يُسخِط الربّ» (١).

ومنها : أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام كما وردَ ، أوصى بمالٍ يُصرف من ثُلثه في نوادب يندُبنَهُ في عرفة عند الحج ، عشر سنوات (٢).

ومنها : أنّ نساء الحسين عليه‌السلام من قريبات وبعيدات ، بقينَ على حالة الحزن والبكاء المتواصل وترك الراحة والهدوء عدّة سنوات ، حتّى حَصَلت حركة

__________________

تجاوبنَ بالأرنان والزَفرات

نوائح عُجم اللفظ والنُطقات

وقد أنشدَها على الإمام الرضا عليه‌السلام ، فلمّا وصلَ إلى قوله :

وقبرٌ ببغداد لنفس زكيّةٍ

تَضمّنها الرحمان في الغُرفاتِ

قال الرضا عليه‌السلام : «أفلا أُلحِق لك بيتين بهذا الموضع بها تمام قصيدتك؟» فقال : بلى ، يابن رسول الله ، فقال الإمام الرضا عليه‌السلام :

وقبرٌ بطوسٍ يا لها من مصيبةٍ

ألَحّت على الأحشاءِ بالزَفرات

إلى الحشر حتّى يبعث الله قائماً

يُفرِّجُ عنّا الغمِّ والكُربات

فقال دعبل : هذا القبر الذي بطوس قبرُ مَن؟ قال الرضا عليه‌السلام : هو قبري) أدبُ الطف : ج ١ ، ص ٢٩٥ ـ ٣٠٩.

(١) الخصائص الحسينيّة للتستري : ص ٤٠ ، ط النجف ، تُحف العقول للحسن بن علي البحراني : ص ٣٢.

(٢) وسائل الشيعة للعاملي : ج ٣ ، ص ٢٣٩ ، ونَقلهُ المرحوم المقرّم في مقتله عن التهذيب للطوسي : ج ٢ ، ص ١٠٨ ، وكتاب المكاسب ، والمنتهى للعلاّمة الحلّي : ج ٢ ، ص ١١٢ ، والذكرى للشهيد الأوّل المبحث الرابع من أحكام الأموات ، وفي مَن لا يحضرهُ الفقيه : ص ٣٦ أنّه عليه‌السلام أوصى بثمانمائة درهم لمأتمهِ ، وأن يُندب في المواسم عشر سنين.

وادّعى بعضهم أنّ هذا العمل غير جائز ، باعتبار أنّ صوت المرأة عورة ويَحرم على الأجانب سماعه ، وقد ردّ هذا القول السيّد المقرّم في مقتله : ص ١٠٥ بأفضل جواب ، بحيث لم يبقَ شكّ في بطلان هذا القول وصحّة فعل الإمام عليه‌السلام ، فراجع.

١٠٨

المختار الثقفي (١) الذي حاولَ قتل المعتدين من قَتَلة الحسين عليه‌السلام وأصحابه في الطف (٢).

ومنها : أنّ الدعاء الموسوم بالندبة (٣) ، إنّما هو إشعار للنفس بالحزن العميق لغيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ، فلماذا الحُزن إن كان في غيبته حكمة إلهيّة وتسبّب لانتصاره يوم ظهوره؟ وما ذلك إلاّ لأنّ البكاء شكل من أشكال التربية ، وشكل من أشكال الإعلام.

ولنسمع فيما يلي فَقرات من دعاء الندبة هذا ؛ لنجد التركيز فيه على الحُزن العميق : «ليتَ شِعري أين استقرّت بكَ النوى؟ (٤) بل أيّ أرضٍ تَقلّك أو ثرى؟ أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى؟ (٥) ، عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى ، ولا أسمعُ لك حسيساً ولا نجوى ، عزيزٌ عليّ أن تُحيط بكَ دونيَ البلوى

__________________

(١) هو المختار بن أبي عبيد بن عمرو بن عمير ، بن عوف بن عقدة بن غبرة بن عوف بن ثقيف الثقفي ، أبو إسحاق ، كان أبوه من جُلّة الصحابة ، وولِدَ المختار عام الهجرة وليست له صُحبة ولا رواية. وقد خرجَ يطلب بثأر الحسين بن علي عليه‌السلام ، واجتمعَ عليه كثير من الشيعة بالكوفة فغلبَ عليها وطلبَ قَتَلة الحسين عليه‌السلام ، فَقَتلهم ومنهم : شمر بن ذي الجوشن الضبابي ، وخولي بن يزيد الأصبحي ، وعمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وهو أمير الجيش الذي قاتلَ الحسين ، وقتلَ ابنهُ حَفصاً ، وقتلَ عُبيد الله بن زياد ، حيث كان ابن زياد بالشام ، فأقبلَ في جيش إلى العراق ، فسيّر إليه المختار إبراهيم بن الأشتر في جيش فلقيه في أعمال الموصل ، فقتلَ ابن زياد وغيره ، ولذلك أحبّه كثيرٌ من المسلمين وأبلى في ذلك بلاءً حسناً.

وكان يُرسل المال إلى : ابن عمر ، وابن عبّاس ، وابن الحنفيّة وغيرهم فيقبلونهُ منه ، وكان ابن عمر زوج أخت المختار وهي : صفيّة بنت أبي عُبيد ، ثُمّ سار إليه مصعب بن الزبير من البصرة في جمعٍ كثير من أهل الكوفة وأهل البصرة ، فَقَتلَ المختار بالكوفة سنة ٦٧ هـ ، وكانت إمارتهُ على الكوفة سنة ونصف ، وكان عمرهُ سبعاً وستّين سنة (أُسد الغابة : ج ٤ ، ص ٣٣٦).

(٢) تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٣٨ ، ط مصر.

(٣) انظر في مفاتيح الجنان : ص ٥٣٢.

(٤) النوى : البُعد والوجه الذي يذهب فيه وينويه المسافر من قربٍ أو بُعد (أقربُ الموارد : ج ٢ ، ص ١٣٦٣).

(٥) ذي طوى : موضع قُرب مكّة (أقربُ الموارد : ج ١ ، ص ٧٢٤).

١٠٩

ولا ينالُك منّي ضجيجٌ ولا شكوى ...... هل من معُين فأُطيل معهُ العويل والبكاء؟ هل من جزوعٍ فأُساعدُ جَزعهُ إذا خلا؟ .... هل قَذيت عينٌ فساعَدتها عيني على القذى؟ هل إليك يا بن أحمدٍ سبيل فتلقى؟ هل يتّصل يومنا منك بغدهِ فنحظى ......... إلخ (١) هذا ، وسيأتي مزيد إيضاح وتفصيل حول هذه الفكرة بعون الله تعالى.

__________________

(١) مفاتيحُ الجنان للشيخ عبّاس القمّي : (دُعاء الندبة).

١١٠

أسئلةٌ حول شَخص الحُسين عليه‌السلام

نُثير فيما يلي عدداً من الأسئلة عن بعض الجوانب العامّة من واقعة كربلاء ، ممّا يرتبط بشخص الحسين عليه‌السلام جهد الإمكان ، بصفتهِ الشخص الرئيسي والأهمّ هناك ، وكذلك بصفتهِ الشخص الوحيد المعصوم المطلّع على الواقعيّات فيهم ، نُثير هذه الأسئلة لكي نستفيد من أجوبتها تاريخيّاً ومعنويّاً :

السؤالُ الأوّل : لا شكّ أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام ، قد حصلَ تاريخيّاً أنّه بعد أن قُتلَ أصحابه وأهل بيته بقى وحيداً فريداً بين الأعداء ، لا يجد له ناصراً ولا مُعيناً (١) ، فهل شعرَ بذلك من الناحية المعنويّة؟

جوابهُ : النفي بطبيعة الحال ؛ لأنّه يشعُر أنّهُ مع الله جلّ جلاله ومَن كان مع الله كان الله معهُ ، وقال تعالى : (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (٢) ، وقال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) (٣) ، وما دامَ الحسين عليه‌السلام مع الله سبحانه ، إذاً لا يهمّهُ أن يكون أحد من الخلق معهُ على الإطلاق.

وقد يخطر في البال : إنّ هذا الذي قلناه ينافي ما ورد عنهُ عليه‌السلام أنّه قال في ذلك الحال : «هل من ناصرٍ ينصُرنا؟ هل من مُعينٍ يُعيننا؟ هل من ذابٍّ يذبّ عن حُرَم رسول الله» (٤) ، وهذا يدلّ على أنّه طلبَ النُصرة من الآخرين على أيّ حالٍ ،

__________________

(١) الدمعةُ الساكبة : م ١ ، ص ٣٤٠ ، أسرار الشهادة للدربندي : ص ٣٦٩.

(٢) سورة محمّد : آية ٧.

(٣) سورة البقرة : آية ١٥٢.

(٤) اللهوف : ص ٤٣ ، المنتخب للطريحي : ص ٣١٢ ، الدمعةُ الساكبة : ص ٣٤٠.

١١١

وهذا هو الفهم العام بكلّ تأكيد لهذه العبارة ، من كلّ مَن جَعلَ الدنيا مبلغ علمهُ وأقصى همّه وغاية تفكيره.

وهو لا شكّ يحتوي على سوء فهمٍ فضيع لهذه العبارة ، فإنّ الحسين عليه‌السلام إنّما قالها لا لأجل نفسه ، وحاشاهُ أن ينظر إلى غير الله عزّ وجل ، وهو الذي قيل إنّه استشهدَ ببعض الأبيات ممّا سمعناهُ فيما سبق :

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

وأيتمتُ العيال لكي أراكا

ولو قطّعتَنني في الحُبّ إرباً

لمَا مالَ الفؤاد إلى سواكا

والمهمّ أنّ هذا الأمر شَعرَ به عددٌ لا يُستهان به من الناس طول التاريخ ، ممّن لا يتّصف بالعصمة فكيف حال المعصوم نفسه ، وإنّما نتخيّلُ نحنُ غير ذلك ؛ لأنّنا لا نفهم مستوى المعصوم ، ولا يخطر في بالنا ما يمكن أن يكون عليه تجاه الله عزّ وجل ، وإنّما طَلبُ الناصر من قِبَله عليه‌السلام كان لفائدة الآخرين بلا شكّ ، ولكنّه اتخذ تلك الحالة سبيلاً للنطق بتلك التعبيرات ، حتّى لا يضع كلّ موعظة في غير محلّها ولكي يتكلّم مع الناس على قدر عقولهم.

وما يمكن أن يُتصوّر من فوائد لهذه الجملة ، عدّة أمور :

الأمرُ الأوّل : طلبُ الناصر ممّن يولَد ويوجد خلال الأجيال ، ليكون مُحبّاً للحسين عليه‌السلام ، سائراً في طريقه ، مُضحيّاً في سبيل دينه بمقدار ما يقتضيه حاله ، وكلّ مَن كان كذلك في أيّ زمانٍ ومكان فقد أجاب الحسين عليه‌السلام للنُصرة.

الأمرُ الثاني : طلبُ الناصر من البشر الموجودين في ذلك العصر ، وتذكيرهم بمسؤوليّتهم الكبرى المباشرة في الذبّ عن إمامهم المعصوم عليه‌السلام أمام الله عزّ وجل ، وذلك يكون موازياً لمضمون ما وردَ من أنّ : «مَن

١١٢

سَمعَ واعيتنا ولم ينصُرنا أكبّه الله على مَنخرَيه في النار» (١).

الأمر الثالث : طَلبُ الناصر من الجيش المعادي الواقف أمامه في ذلك الحين ؛ وذلك لنتيجتين : لأنّهم كلّهم حين يسمعون ذلك فإمّا أن يستجيب منهم أحد أولا ، فإن لم يستجب كان هذا النداء حُجّة عليه وقهراً له في الآخرة ، وتركيزاً لأهميّة عقابه ، وإن استجاب بعضهم كان ذلك النداء رحمةً له وسبباً لتوبته وهدايته ، كما تابَ الحرّ الرياحي رضوان الله عليه ساعتئذ ، وأثّر هذا النداء في نفسه تأثيره الصحيح (٢).

ويكفينا أن نتصوّر : لو أنّ عدداً مهمّاً من الجيش المُعادي قد التحقَ بالحسين عليه‌السلام ، أو التحقَ الجيش كلّه ، كيف سيكون حال التاريخ الإسلامي عندئذٍ؟ ولكنّهم على أيّ حال لم يكونوا يستحقّون التوبة ولا الرجوع عن الحوبة (قبّحهم الله).

ولا ينبغي أن يخطر على البال : أنّه من خطل القول طلبُ النصرة من الأعداء مباشرة ، ولم يحصل مثل ذلك خلال التاريخ البشري.

وجوابهُ : إنّ ذلك مُنطلِق من عدّة أُسس ، ولا يمكن أن تكون موجودة في غير الحسين عليه‌السلام :

الأساسُ الأوّل : إنّهم جميعاً يعلمونَ شأنهُ العظيم وقُربه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفاطمة الزهراء ، وإنّه سيّد شباب أهل الجنّة وغير ذلك ممّا لا يخفاهم أجمعين.

الأساسُ الثاني : إنّ التعاليم العسكريّة في ذلك الحين لم تكن مُتزمّتة وصارمة ودقيقة مثلَ ما عليه هذا اليوم ، بل كان كلّ فردٍ من الجيش لهُ رأيهُ

__________________

(١) أسرار الشهادة : ص ٢٣٣ ، البحار : ج ٤٤ ، ص ٣١٥ ، الخوارزمي : ج ١ ، ص ٢٢٧.

(٢) الطبري : ج ٦ ، ص ٢٤٤ ، اللهوف : ص ٤٤ ، ابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٨٨.

١١٣

وتفكيره وتصرّفه كشخصٍ اعتيادي تماماً. ومن هنا أمكنَ للحسين عليه‌السلام أن يتكلّم معهم كأفرادٍ أو كبشرٍ بغضّ النظر عن موقفهم العسكري.

الأساسُ الثالث : إنّ عامّة هؤلاء الموجودين ضدّه ليسوا أعداءً له بأشخاصهم ، بل العدوّ الحقيقي ليس إلاّ الحاكم الأموي ، ثُمّ المأمورون الأساسيّون في الجيش : كعُبيد الله بن زياد الذي كان حاكم الكوفة يومئذ ، وعُمر بن سعد الذي كان القائد العام للجيش المعادي للحسين عليه‌السلام وأضرابهم.

أمّا الباقون ، فهم مجلوبون بأسبابٍ عديدة : أهمّها الخوف والطمع وليسوا أعداءً حقيقيين ، ولذا قال قائلهم : قلوبُنا معك وسيوفنا عليك (١) ، ولذا صحّ للإمام الحسين عليه‌السلام طلب النُصرة منهم لأجل مصلحتهم لعلّهم يتوبون أو يذّكرون.

السؤالُ الثاني : هل كان الإمام الحسين عليه‌السلام يُدافع عن عصبيّة أو عنصريّة من : عشيرة ، أو جنس ، أو لغة ، أو غير ذلك ، أو كان يختصّ دفاعه إلى جانب الدين الحنيف؟

ولعلّ هناك من محبّيه وأعدائه على السواء ، مَن يعتقد أنّه كان يدافع عن عنصريّة أو قَبليّة ، وحاشاه ، ومن هنا جاء أمثال قول الشاعر :

قوّضي (٢) يا خيام عَليا نزار

فلقد قوّض العماد الرفيع

واملئي العين يا أُميّة نوماً

فحسينٌ على الصعيد صَريع (٣)

وهو واضحٌ بأنّ الحرب كان بين (نزار) المتمثّل بالحسين عليه‌السلام ، و (أُميّة)

__________________

(١) العقد الفريد : ج ٤ ، ص ٣٨٢ ، الإرشاد : المفيد ، ص ٢١٨ ، الخوارزمي : ج ١ ، ص ٢٢٠.

(٢) قوّض : نَزَع الأعواد والأطناب (أقربُ الموارد : ج ٢ ، ص ١٠٥٢).

(٣) للسيّد حيدر الحلّي (١٢٤٦ هـ ـ ١٣٠٤ هـ) وهذا البيت من قصيدة طويلة مطلعها :

قد عهدنا الربوع وهي ربيع

أين لا أين أُنسها المجموع

(أدب الطف : ج ١٨ ـ ٣٣).

١١٤

المتمثّل بيزيد بن معاوية. إذاً ، فالحربُ قبليّة وعنصريّة وليست دينيّة. ونلاحظ مع شديد الأسف : أنّ هذا الشاعر يشعر أنّه مُحبّ للحسين ، وأنّه مُدافع عن قضيّته ، وأنّه ممّن يُثير الأسى من أجله ، هكذا بالباطل تماماً مع شديد الأسف ، فالبكاء ينبغي أن يكون على اعتقاد هذا الشاعر قبل أن يكون على مقتل الحسين عليه‌السلام.

مع أنّه لا يوجد على الإطلاق في التصريحات التي قالها الحسين عليه‌السلام وأصحابه قبل الواقعة أو فيها ، ما يدلّ على ذلك أو ما يُشمّ منهُ ذلك من قريبٍ أو بعيد ، يكفينا الآن أنّنا نتحدّى أيّ واحدٍ من البشر أن يأتينا بنقلٍ موثوق واحد عنهم رضوان الله عليهم ، دالٌ على ثبوت هذه العصبيّة في نفوسهم ، فإذا لم يأتنا أحد بذلك كفى ذلك حُجّة على ما نقول.

وأمّا في هذه العُجالة ، فينبغي أن نستدلّ ببعض النصوص الدالّة على أنّ الدفاع كان عن الدين وعن شريعة سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله.

مضافاً إلى وضوح هذه الفكرة ، وهي : أنّهم لو كانوا يدافعون عن عصبيّة أو قَبليّة ، لمَا كانت لهم جنّة ، ولذَهبوا إلى النار جميعاً ، ولمَا أيّدهم وبكى من أجلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين ، وفاطمة الزهراء ، وزين العابدين ، والإمام الرضا وغيرهم من أولياء الله ، فتأييدهم لهم دليلٌ قطعي على صحّة هدفهم وقصدهم في شهادتهم تلك ، مضافاً إلى ما ننقل الآن من بعض تصريحاتهم :

أنشدَ الحسين عليه‌السلام خلال بعض حَملاته :

أنا الحُسينُ بن علي

آليتُ أن لا أنثَني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي (١)

وحمايتهُ للعيال على القاعدة ؛ لأنّه مسؤول عن حمايتهم من الأعداء ما دام

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣٢ ، ص ٢٨٥ ، ط نجف ، البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٤٩.

١١٥

حيّاً ، وهم : نساء ، وأطفال عُزّل ، وليس هذا من باب التعصّب.

وأنشدَ عليّ بن الحسين الأكبر في بعض حَملاته ضدّ الأعداء :

أنا عليّ بن الحسين بن علي

نحنُ وبيت الله أولى بالنبي

واللهُ لا يحكمُ فينا ابنُ الدَعي

أطعنُكم بالرُمح حتّى ينثني

أضربُكم بالسيف أحمي عن أبي

ضربَ غُلامٍ هاشميٍّ عَلوي (١)

وكونهُ هاشميّاً لا يعني كونها قضيّة يجب الدفاع عنها ؛ وإنّما الهاشميّون متّصفون بصفات خاصّة محجوبة عن غيرهم ، كالعزّة الاجتماعيّة والشجاعة والخبرة في فنون الحرب.

كما أنشدَ العبّاس بن عليّ عدّة مرّات في حَملاته ضدّ الأعداء منها قوله :

لا أرهبُ الموت إذا الموت زَقا (٢)

حتّى أواري في المصاليت (٣) لقى

نفسي لنفس المصطفى الطُهر وِقا

إنّي أنا العبّاس أغدو بالسِقا

وأخافُ الموت يوم الملتقى (٤)

وقولهُ بعد قَطع يمينه :

والله إن قَطعتموا يميني

إنّي أُحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادق اليقين

نجل النبيّ الطاهر الأمين (٥)

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٦٥ ، إعلام الورى للطبرسي : ص ٢٤٦ ، مُثير الأحزان لابن نما : ص ٥١.

وتمامُ الأبيات في روايةٍ في الإرشاد للشيخ المفيد : ص ٢٣٨ ، وفي مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٧.

(٢) زقا : بمعنى صاح (أقربُ الموارد : ج ١ ، ص ٤٦٨).

(٣) مصاليت : (الاصليت ، والاصاتي ، والاصلات ، والمصلات ، والمصلت ، والمنصليت) الرجل الشجاع والماضي في الحوائج المشمِّر لها كقوله : (وأنا المصاليت يوم الوغى ، وهو مصاليت الرجال) (أقربُ الموارد : ج ١ ، ص ٦٥٦).

(٤) مناقبُ ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٦٥ ، ط النجف.

(٥) نفس المصدر.

١١٦

وقولهُ بعد قطع يده اليسرى :

يا نفسُ لا تَخشي من الكُفّار

وابشري برحمةِ الجبّارِ

مع النبيّ المصطفى المُختار

قد قَطعوا ببَغيهم يَساري

فاصلِهم يا ربّ حرّ النار (١)

وقولهُ (سلام الله عليه) عند إعراضه عن شُرب الماء :

يا نفسُ من بعد الحسين هوني

وبعدهُ لا كنتِ أن تكوني

هذا حسينٌ واردَ المنون (٢)

وتشربينَ باردَ المعينِ

تالله ما هذا فعالُ ديني (٣)

وخَطب زُهير بن القَين (رضوان الله عليه) (٤) ، وهو أحد مُبرزي أصحاب الحسين عليه‌السلام ، وقال في خطبته : إنّ الله ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا نَدعوكم إلى نصرهم وخُذلان الطاغية يزيد وعُبيد الله بن زياد (٥). وخَطب بُرير بن خضير (رضوان الله عليه) (٦) أيضاً فقال : يا معشر الناس ، إنّ الله بعثَ محمّداً بشيراً ونذيراً وداعياً

__________________

(١) نفس المصدر ، البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٤١.

(٢) المَنون : أي الموت يقال : (ذَهَبت بهم المنون) أي المنيّة (أقرب الموارد : ج ٢ ، ص ١٢٤٥) بتصرّف.

(٣) البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٤١ ، رياض المصائب : ص ٣١٣.

(٤) هو زهير بن القين بن قيس بن مالك بن دينار بن ثعلبة بن عمرو اليشكري البجلي ، وبجيله هم : بنو أنمار بن أراش بن كهلان من القحطانيّة ، كان شريفاً في قومه نازلاً فيهم بالكوفة ، شُجاعاً مُطرقاً ، لهُ في الحروب مواقف مشهورة وكان عُثماني العقيدة ، فاهتدى على يد الحسين حينما التقى به في الطريق وهو راجع من الحجّ في سنة ٦٠ هـ ، والحسين وارد إلى العراق ، وانصمّ مع الحسين حتّى وردَ كربلاء فقُتل بين يديه ، ولهُ يوم عاشوراء مواقف حاسمة وخُطب ومواعظ سجّلها التاريخ لهُ بأحرفٍ من نور (واقعة الطف لبحر العلوم ، نقلاً عن أبصار العين للسماوي) ص ٤٨٨.

(٥) تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٤٣ ، الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٨٨ ، ط مصر.

(٦) بُرير بن خضير الهمداني ، ذَكرهُ عامّة المؤرّخين والرجاليين بالتجلّة والتعظيم والإطراء ، قال المامقاني في رجاله : وكان شيخاً تابعيّاً ناسكاً قارئاً للقرآن ، ومن شيوخ الفقراء في جامع الكوفة ، ولهُ في

١١٧

إلى الله وسراجاً منيراً ، وهذا ماءُ الفرات تقع به خنازير السواد وكلابه ، وقد حيلَ بينهُ وبين ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفجزاءُ محمّد هذا؟ (١)

وخَطبَ الحُرّ الرياحي بعد توبتهِ مخاطباً الجيش المعادي ، وقال فيما قال : يا أهل الكوفة ، لأمِّكم الهَبل والعَبْر (٢) ، إذ دعوتُم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزَعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثُمّ عَدوتُم عليه لتقتلوه ......... إلخ (٣).

وأنشدَ وهب بن عبد الله بن خُباب الكلبي (٤) خلال حَملته بأبياتٍ يقول فيها :

__________________

الهمداني شَرَف وقدر وهو من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان من أشراف أهل الكوفة ولهُ كتاب القضاء والأحكام يرويه عن أمير المؤمنين وعن الحسن عليه‌السلام ، وكتابهُ من الأصول المعتبرة عند الأصحاب ، ولمّا بلغهُ خبر الحسين عليه‌السلام خَرجَ من الكوفة متوجّهاً إلى مكّة في طلبهِ فلحقَ به ولازَمه حتّى استشهدَ بين يديه (واقعة الطف لبحر العلوم : ص ٥٠١).

(١) مقتلُ الخوارزمي : ج ١ ، ص ٢٥ ، البحار : ج ٤٥ ، ص ٥ ، أمالي الصدوق : ص ٩٦ ، مجلس ٣٠.

(٢) الهَبَل : بالتحريك قولك هَبَلته أُمّه أي : ثَكلتهُ (مجمع البحرين : ج ٥ ، ص ٤٩٧).

العَبْر : بالفتح فالسكون ، هو جريان الدمع أو تردّد البكاء في الصدر (مجمع البحرين : ج ٣ ، ص ٣٩٤ ، ط نجف).

(٣) الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٨٨ ، تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٤٤٥ ، الإرشاد للمفيد : ص ٢٣٥.

(٤) وهب الكلبي : ذَكرهُ ابن شهرآشوب في المناقب : ج ٤ ، ص ١٠١ ، ط قم بعنوان (وهب بن عبد الله الكلبي) ، وذَكر لهُ الرجل المعروف لأبيه (إن تنكروني فأنا ابن الكلبي) ، وذَكرهُ الخوارزمي في مقتله : ج ٢ ص ١٣ بعنوان (وهب بن عبد الله بن خباب الكلبي) ، ومثلهُ في البحار : ج ٤٥ ، ص ٦٦ وكلاهما يذكران موت أمّه (أُم وهب) عنده ، لا عند زوجها عبد الله. وفي بعض المصادر ومنها البحار أيضاً : ج ٤٤ ، ص ٣٢٠ أنّ اسمهُ وهب بن وهب ، ويَذكر الخوارزمي في مقتلهِ : أنّ وَهب هذا كان نصرانيّاً فأسلمَ هو وأُمّه على يد الحسين وأنّه قَتلَ ٢٤ رجلاً و ١٢ فارساً ، ثُمّ أُخِذ أسيراً إلى ابن سعد ، فضُربت عُنقه ورُمي برأسه إلى عسكر الحسين ، فأخَذت أمّه الرأس فقبّلتهُ ثُمّ شدّت بعمود الفسطاط فَقَتلت به رجلين ، فقال لها الحسين (ع) : «ارجِعي يا أُمّ وهب ؛ فإنّ الجهاد مرفوعٌ عن النساء». فَرَجعت وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي ، فقال لها الحسين : «لا يقطع الله رجاكِ يا أُمّ وهب» (واقعة الطف لبحر العلوم : ص ٥٢٨).

١١٨

إنّي زعيمٌ لكِ أمّ وهب

بالطعنِ فيهم تارةً والضَرب

ضربَ غلامٍ موقنٍ بالربّ

حتّى يَذوق القوم مرّ الحرب (١)

وأنشدَ حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه في مثل ذلك ، وهو من مُبرزي أصحاب الحسين عليه‌السلام :

إنّي حبيب وأبي مظاهر

فارس هيجاء (٢) وحرب تسعر

أنتُم أعدُّ عدّة وأكثر

ونحنُ أوفى منكم وأصبر

ونحنُ أعلى حدّة وأظهر

حقّاً وأتقى منكم وأعذر (٣)

وأنشدَ نافع بن هلال الجَملي (٤) في مثل ذلك ، وهو أيضاً من مُبرزيهم :

إنّ الغلام اليمني الجَملي

ديني على دين حسين وعلي

أن أُقتل اليوم فهذا أملي

وذاك رأيي وأُلاقي عملي (٥)

وأنشدَ جون (٦) مولى أبي ذر الغفاري وهو عبد أسود :

__________________

(١) الخوارزمي : ج ٢ ، ص ١٢ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٠ ، ط نجف. وفي بعض المصادر زاد على البيتين السابقين بيتين آخرين هما :

إنّي امرؤ ذو مرّة وغضب

ولستُ بالخوار عند النكب

حسبي بنفسي من عليمٍ حسبي

إذا انتميتُ في تُراب العرب

(٢) الهيجاء : أي الحرب (أقربُ الموارد : ج ٢ ، ص ١٤١٤).

(٣) مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٢ ، الخوارزمي : ج ٢ ، ص ١٨ ، أسرار الشهادة : ص ٢٧٤.

(٤) هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج ، كان سيّداً في قومه شريفاً سرباً شجاعاً مطرقاً ، وكان قارئا كاتباً ومن حَمَلة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، حَضرَ حروبهُ الثلاث في العراق ، وخرجَ إلى الحسين عليه‌السلام قبل مقتل مسلم بن عقيل ، فلقيهُ في الطريق واصطحبه إلى النهاية ، ولهُ مواقف معروفة يوم عاشوراء تدلّ على شدّة تمسّكه بمبدئه وولاته ، ذَكرتهُ عامّة المصادر التاريخيّة بالتمجيد والإطراء : كالطبري في تاريخه ، والشيخ في رجاله ، وابن شهرآشوب في مناقبه ، وله ذِكرٌ في الزيارتين الناحية والرجبيّة (واقع الطف لبحر العلوم : ص ٥٤٦).

(٥) الخوارزمي : ج ٢ ، ص ٢١ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٢ ، أسرار الشهادة : ص ٢٧٥.

(٦) جون : كان جون منضمّاً إلى أهل البيت بعد أبي ذر ، فكان مع الحسين وبعده مع الحسين ، وصَحَبه في سفره إلى العراق ، وكان دائماً في خدمته ، وردَ ذكره في الزيارة كما في البحار : ج ٤٥ ، ص ٧١ ،

١١٩

كيف يرى الكفّار ضرب الأسود

بالسيف ضرباً عن بني محمّد

أذبُّ عنهم باللسان واليد

أرجو به الجنّة يوم المَورد (١)

وأنشدَ عمرو بن جنادة (٢) في مثل ذلك :

أميري حُسينٌ ونِعمَ الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

عليٌّ وفاطمة والداه

فهل تعلمونَ لهُ من نظير

لهُ طلعةٌ مثل شمس الضُحى

لهُ غُرّة (٣) مثل بدر منير (٤)

وأنشدَ الحجّاج بن مسروق الجعفي (٥) :

أقدِم حسين هادياً مهديّاً

اليوم ألقى جدّك النبيّا

ثُمّ أباكَ ذا الندى (٦) عليّا

ذاكَ الذي نعرفهُ الوصيّا (٧)

__________________

باسم جون بن حوي ، ووردَ اسمهُ في أنساب البلادري : ج ٣ ، ص ١٩٦ ، ط بيروت بعنوان حوي مولى أبي ذر (واقعة الطف لبحر العلوم : ص ٥٥٠).

(١) الخوارزمي : ج ٢ ، ص ١٩ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٢ ، أسرار الشهادة : ص ٢٧٥.

(٢) عمرو بن جنادة : قالوا وكان جنادة بن كعب الأنصاري الخزرجي من الشيعة المخلصين في الولاء ، وقد خَرجَ مع الحسين من مكّة ومعهُ زوجته أُم عمرو وولدهُ عمرو ، وهو غلام لم يراهق وقيل : ابن إحدى وعشرين ، أو ابن تسع سنين ، وقد قُتل أبوه جنادة في الحملة الأولى التي قُتل فيها من أصحاب الحسين زَهاء خمسين رجلاً ، فأقبلَت زوجتهُ إلى وَلدها عمرو فألبَستهُ لامَة الحرب وقالت لهُ : يا بُني ، اخرُج وقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فخرج َالغلام واستأذنَ الحسين عليه‌السلام في القتال ، فأبى الحسين أن يأذن لهُ وقال : «هذا غلامٌ قُتل أبوهُ في المعركة ، ولعلّ أُمّه تكره خروجهُ». فقال الغلام : إنّ أُمي هي التي أمَرَتني بذلك ، فأذِن لهُ ، وقاتلَ حتّى قُتِل (واقعة الطف لبحر العلوم : ص ٥٥٣).

(٣) الغُرّة بالضم : بياض في جبهة الفرس قدر الدرهم (أقربُ الموارد : ج ٢ ، ص ٨٦٧) ، والغُرّة في الجبهة : بياض فوق الدرهم ورجل أغرّ أي : صبيح (مجمع البحرين : ج ٣ ، ص ٤٢٢).

(٤) البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٢٧ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٣.

(٥) هو الحجّاج بن مسروق بن مالك بن ثقيف بن سعد العشيرة المذحجي الجُعفي ، كان من الشيعة المخلِصين ، صَحبَ أمير المؤمنين عليه‌السلام في الكوفة ، ولمّا سمعَ بخروج الحسين عليه‌السلام من المدينة إلى مكّة ، خَرجَ من الكوفة إلى مكّة ، فالتحقَ بركاب الحسين عليه‌السلام وظلّ معهُ يؤذِّن له في أوقات الصلوات إلى حين استشهاده في كربلاء (واقعةُ الطف لبحر العلوم : ص ٥٥٥).

١٢٠