نافذة على الفلسفة

صادق الساعدي

نافذة على الفلسفة

المؤلف:

صادق الساعدي


الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧١

آراء وأفكار

تعددت الآراء والأفكار المتعلقة بالحركة الجوهرية ، فقد اختمرت الحركة الجوهرية في الفلسفة الإسلامية ، بعد أن بنى ركائزها وثبَّت قواعدها الملاّ صدرا ، وحلّ بفضلها العديد من المشكلات الفلسفية العويصة. (١) في الوقت الذي رفض فيه الفلاسفة الأقدمون ومن جملتهم ديموقريطيس (٢) ـ من فلاسفة اليونان القديمة ـ وجود أي حركة في صَميم وجوهر الأشياء ، نعم كان هريقليطيس (٣) مؤمنا بشمول التغيُّر والحركة لكل شيء ظاهري وجوهري ، فلا يوجد موجود واحد على حال واحد في لحظتين ، وقد أُثر عنه قوله : «لا يمكن أن تضع رجليك مرتين في نهر واحد» (٤) ؛ فلا الشخص الذي وضع رجليه في المرة الأولى هو نفس الشخص الذي وضع رجليه في المرة الثانية ، ولا النهر في المرة الأولى هو ذات النهر في المرة الثانية. بحكم التغير الشامل للأعراض والجواهر في كل لحظة ووقت.

__________________

١ ـ كمشكلة علاقة النفس بالبدن ، وصلة القديم بالحادث ، ومشكلة الزمان.

٢ ـ ديموقريطيس Demokritos «القرن الخامس ق. م» ، فيلسوف يوناني ، قال : إن كل كائن مركب من ذرات لا تحصى وإن السعادة تقوم بضبط أهواء النفس. يعتبر مؤسساً للفلسفة المادية.

٣ ـ هريقليطيس Herakleitos «ـ ٤٨٠ ـ ٥٤٠ ق. م» ، فيلسوف يوناني ولد في افسس؛ قال : إن العالم واحد ومتعدد وإن مادته الأولى هي النار.

٤ ـ الشهيد مرتضى مطهري ، آشنائي با علوم إسلام ، منطق وفلسفة ، ص ١٨٠.

١٢١

ومن الغريب أن بعض فلاسفة اليونان الأقدمين من أمثال «پارمنيدس» ، (١) و «زينون الايلي» (٢) لم يكتفوا بإنكار الحركة الجوهرية للأشياء فحسب ، بل تعدوا في إنكارهم إلى ما هو ظاهر من الحركات حتى الانتقالية منها ، وذهبوا إلى أن حركة شخصٍ من نقطةٍ إلى نقطة أخرى ليست إلا سكونات متعددة لأشخاص متعددين!

الحركة ولوازمها

ومما تقدم يظهر أن الحركة عبارة عن التغيُّر التدريجي وخروج الشيء من القوة إلى الفعل؛ فالإنسان حينما يخرج من منزله إلى محل عمله ، والنبتة حينما تكون شجرة ، والشجرة حينما تعطي ثمرة ، والثمرة حينما يكون لها لون في ظهورها ثم تتغير إلى لون آخر ، ثم تستقر على لون وحالة أخيرة ، والماء حينما ترتفع درجة حرارته بالنار من الصفر إلى درجة مائة مئوية ، ففي كل ما تقدم تظهر تغيرات وتحولات وحركات ، ويلازم تلك التغيرات والحركات عناصر ستة ، إليك ذكرها مجملة :

١ ـ المبدأ : وهو نقطة الانطلاق في الحركة ، وهو ـ في المثال الأول ـ المنزل الذي بدأ الشخص حركته منه ، متجها صوب مقصده وهدفه.

__________________

١ ـ پارمنيدس Parmenides «ـ ٤٥٠ ـ ٥٤٠ ق. م» ، فيلسوف يوناني له قصيدة «في الطبيعة» قال فيها بالتوحيد المطلق وعدم التغير وأزلية كل شيء.

٢ ـ زينون الايلي «Zenon Aelee» «أواخر القرن الخامس ق. م» ، فيلسوف يوناني تعلم على پارمنيديس ، صاحب البراهين على عدم وجود الحركة.

١٢٢

٢ ـ المنتهى : وهو المقصد الذي استهدف الشخص الوصول إليه ، وهو محل العمل في المثال.

٣ ـ المسافة : وهي المقولة التي جرى فيها التغيّر ، وهي الأين في مثال الشخص المتحرك من منزله إلى محل عمله ، والكيف في مثال تغير درجة حرارة الماء ولون الثمرة ، والكم في مثال النبتة ونموها إلى شجرة.

٤ ـ الموضوع : والمراد من الموضوع هنا الشيء المتحرك ، فبدن الشخص الذي خرج من منزله ، والنبتة والشجرة والثمرة والماء على الترتيب في الأمثلة المتقدمة ، فإنها جميعا متحركة أي إنها موضوع للحركة.

٥ ـ الفاعل (المُحَرِّك) : وهو واهب الحركة ومانحها للموضوع المتحرك ، فواهب الحركة للنبتة والشجرة والثمرة هو الله‏ ، كما أن واهب الحركة لبدن الشخص المتحرك هو الله‏ أيضاً ، وإن كانت علة حركته المباشرة هي الروح إلا أن مآل كل ما في الكون من فاعلين إليه جل وعلا ، لأنه علة العلل ومنتهى كل سبب : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (١)

٦ ـ الزمان : وهو الوقت الذي يستغرقه الموجود في تغيره وحركته. كما هو الحال بالنسبة إلى الوقت الذي يستغرقه الشخص في خروجه من منزله حتى وصوله إلى محل عمله ، وكما بالنسبة إلى النبتة فيما تمضيه من وقت حتى تكون شجرة ....

__________________

١ ـ الصافات : ٩٦.

١٢٣

حقيقة الزمان

ومما تقدم يُعلم أن الزمان إنما يمكن فرضه في الموجودات المادية دون المجردة ، وذلك لأن الموجودات المادية في حركة دائمة في عوارضها وجواهرها بحكم القوى والاستعدادات المودعة فيها ، بينما لا توجد هذه القوى والاستعدادات في الموجودات المجردة حتى يترتب على أثرها تغيُّر من القوة إلى الفعل ومن ثم حركة ، وبالتالي زمان ، لأن الزمان كما عرَّفناه توّاً هو الوقت الذي يستغرفه الموجود في تغيُّره وحركته بفعل مسيره من القوة إلى الفعل.

١٢٤

فكِّر وأجب :

١ ـ اذكر مجمل الآراء الوارد ذكرها في هذا الدرس فيما يتعلق بالحركة الجوهرية.

٢ ـ اشرح العبارة التالية :

وقال هريقليطيس : «لا يمكن أن تضع رجليك مرتين في نهر واحد».

٣ ـ عرِّف الحركة وعدد لوازمها.

٤ ـ اشرح لوازم الحركة بصورة مجملة مستيعناً بمثال توضيحي.

٥ ـ ما هي حقيقة الزمان؟ وأين يمكن فرضه؟ ولماذا؟

١٢٥
١٢٦

الدرس السادس عشر

السبق واللحوق

(التقدم والتأخر)

* الحادث والقديم

* فكِّر وأجب

١٢٧
١٢٨

السبق واللحوق (التقدم والتأخر)

السبق واللحوق نسبة قائمة بين شيئين بسبب اختلاف نسبتهما إلى شيء ثالث زيادة في أحدهما ونقيصة في الآخر ، فيسمى الأول متقدما أو سابقا ، ويسمى الثاني متأخراً أو لاحقاً ، وتسمى النسبة بالسبق واللحوق ، أو التقدم والتأخر ، كما في الاثنين والثلاثة قياساً إلى الواحد ، فإنّ الاثنين تسمى متقدما أو سابقا ، لأنّها متقدمة على الثلاثة بالقياس إلى الواحد ، وتسمى الثلاثة متأخراً أو لاحقا ، لأنها متأخرة عن الاثنين قياساً إلى الواحد.

وأما لو تساوت نسبة شيئين إلى شيء ثالث فتسمى النسبة حينها بالمعية أو السوية ويسمّى كل من الشيئين بالمعان ، كما لو وقعت حادثتان في زمن واحدٍ. (١)

وما يهمّنا من بحث السبق واللحوق اعتباره مقدمة لدراسة القديم والحادث باعتبار أن أحدهما سابق والآخر لاحق ، فهلمّ نلقي نظرة سريعة إليهما.

__________________

١ ـ وقد قسَّم الفلاسفة السبق واللحوق أقساما عثروا عليها بالاستقراء نذكرها مجملة ، ونوكل تفصيلها إلى دراسات متقدمة من بحوث الفلسفة :

١ ـ السبق واللحوق الزماني. ٢ ـ السبق واللحوق بالطبع. ٣ ـ السبق واللحوق بالعلية. ٤ ـ السبق واللحوق بالماهية. ٥ ـ السبق واللحوق بالحقيقة. ٦ ـ السبق واللحوق الدهري. ٧ ـ السبق واللحوق بالرتبة. ٩ ـ السبق واللحوق بالشرف.

١٢٩

الحادث والقديم :

الحادث لغة يعني الجديد ويقابله القديم ، وهما مفهومان نسبيان إضافيان ، بمعنى أن كلاً منهما يصدق على شيءٍ بالقياس إلى غيره ، فكتاب «الأسفار» للملاّ صدرا قديم قياساً إلى كتاب «المنظومة» للملاّ هادي السبزواري ، لأن الكتاب الأول قد كتب قبل أربعة قرون بينما كُتب الثاني قبل قرنين من الزمان ، فالأول قديم بالقياس إلى الثاني ، والثاني حادث بالقياس إلى الأول ، بينما يعتبر الكتاب الثاني ـ كتاب المنظومة ـ قديما بالقياس إلى كتابي «البداية» و «النهاية» للعلامة الطباطبائي (١) حيث تمّ تأليفهما بعد قرنين من تأريخ تأليف كتاب المنظومة.

وهذا المعنى للقدم والحدوث متداول عند العُرف العام للناس. وأما في الاصطلاح الفلسفي فإنَّ الحادث يعني؛ المسبوق في وجوده بعدم سواء كان السبق سبقا زمانيا أو غيره كالإنسان مثلاً في ذاته وماهيته خلو من كل وجود ، شأنه شأن بقية الماهيات التي يفاض عليها الوجود بعد ذلك ، فهي في ذاتها مفتقرة إلى الوجود ، وعلى خلافه القديم ، أي إنه في وجوده غير مسبوق بعدم كوجود الله‏ جَلّ وَعلا.

وقد وقع خلاف شديد بين الفلاسفة والمتكلّمين فيما يتعلق بتحديد الحادث

__________________

١ ـ العلامة الطباطبائي «١٣٢١ ـ ١٤٠٢ ه ق» هو محمد بن حسين بن محمد المعروف بالعلامة الطباطبائي ، ولد في مدينة تبريز إحدى مدن إيران وفي أسرة عريقة بالعلم والثقافة ، وقد تمتع بذهنية وقادة ومنفتحة على أكثر العلوم فارتشف من معينها ونبغ فيها؛ فهو في مجال التفسير مفسر بارع ، وفي مجال الفلسفة فيلسوف إسلامي كبير ، كما إنه بلغ مرتبة الاجتهاد. ومن أشهر كتبه تفسيره الكبير «الميزان» وكتابا «البداية» و «النهاية». انتقل العلامة الطباطبائي إلى ربّه بعد أن عاش ثمانين سنة وثمانية عشر يوماً ووري جثمانه الطاهر في حرم السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام في قم المقدّسة.

١٣٠

من الموجودات ، بعد تسليم الجميع بقدم الله‏ سبحانه ، فذهب المتكلمون إلى أن كلَّ ما سوى الله‏ حادث ، تجنباً من محذور تعدد القدماء المنافي لأدلة توحيد الله‏ تعالى. بينما خالفهم الفلاسفة في ذلك وذهبوا إلى القول بأن مقتضى كونه تعالى علة للكون منذ الأزل هو قدمية الكون وأزليته أيضاً ، باعتبار أنه تعالى فيّاض على الإطلاق ، وقديم الإحسان والكون نفحة من نفحات فيضه وإحسانه. والتعدد في القدماء إنما يكون محذوراً إذا كان كل قديم غنيّا بذاته ـ واجب الوجود ـ والحال إنه لا ملازمة بين القول بتعدد القدماء وبين واجبية وجودهم وغناهم ، بل إن صفة الفقر والإمكان يجب أن تكون ملازمة لوجود القدماء على الرغم من قدمهم وأزليتهم ، باعتبارهم معلولين لعلّة وهي الله‏ تبارك اسمه ، وقد اتضح في بحث العلّية أن المعلول يمثل عين الارتباط بعلّته ، فلا وجود استقلالي له من دون علته المفيضة عليه بالوجود والتحقق ، وعلى هذا فلا معنى لاعتبار المعلول غنياً وواجباً حتى ولو كان قديماً وأزلياً في وجوده. فالشعاع المنبثق عن الشمس يبقى بحاجة إلى الشمس حتى لو فرضنا جدلاً قدم الشمس وبالتبع قدم الشعاع المنبثق عنها واقترانهما معاً.

إن استيعاب الكلام فيما يرتبط بهذا الموضوع مفصّل وإنما أردنا أن نطل عليه إطلالة محدودة عبر لمحة فلسفية خاطفة.

١٣١

فكِّر وأجب :

١ ـ ماذا يعني السبق واللحوق؟ عزز جوابك بمثال.

٢ ـ عرِّف كلاً من الحادث والقديم لغة ، مبيّناً تعريفك بمثال توضيحي.

٣ ـ ماذا يُقصد من الحادث والقديم اصطلاحاً؟ اذكر مثالاً لكل منهما.

٤ ـ ما هو الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة فيما يرتبط بالموجودات الحادثة؟ ثمّ بيِّن ما استدل كلٌ منهما على مدّعاه.

١٣٢

الدرس السابع عشر

المعقولات الأولى والثانية

* المعقولات الأولى والثانية

* المعقولات‏ الأولى أو المفاهيم ‏الماهوية

* المعقولات الثانية ‏الفلسفية

* المعقولات الثانية ‏المنطقية

* فكِّر وأجب

١٣٣
١٣٤

المعقولات الأولى والثانية

ثمّ إن المفاهيم الكلية على أنحاءٍ ثلاثة :

١. المعقولات الأولى أو المفاهيم الماهوية

وهي : «المفاهيم الكلية التي عروضها واتصافها معاً في الخارج».

توضيح ذلك :

إنّ أحدنا حينما ينظر إلى الخارج ويرى كتباً ، فإن بمقدوره استنتاج مفهوم كلي عام ، وهو مفهوم الكتاب ، وهذا المفهوم صالح للانطباق على جميع مصاديق الكتاب الموجودة في الخارج ، وهذا يعني أنّ مفهوم الكتاب موجود بوجود أفراده الخارجية ، ومأخوذ منها؛ وبالنتيجة فإن هذا المفهوم الكلي يُعَدُّ وصفاً لمصاديقه الخارجية.

فعروض ـ أي وجود ـ أمثال هذِهِ المفاهيم في الخارج ، واتصافها ـ أيّ إنها صفة لمصاديقها الخارجية ـ في الخارج أيضاً.

٢. المعقولات الثانية الفلسفية

وهي : «المفاهيم الكلّية التي عروضها في الذهن واتصافها في الخارج».

١٣٥

التوضيح :

إنك حينما تصف شخصا ما بوصف الجهل مثلاً ، لا تجد في الواقع الخارجي إلا شيئاً واحداً وهو مصداق ذلك الشخص الموصوف ، وأمّا صفة الجهل فإنها وإن كانت وصفا لشيء خارجي ، إلا أنها أمرٌ عدميٌّ حيث إنها عدم العلم فيمن من شأنه أن يكون عالماً ، فليس لها ما بإزاء خارجي.

٣. المعقولات الثانية المنطقية

وهي : «المفاهيم الكلّية التي عروضها واتصافها ذهنيان».

التوضيح :

إن من أمثلة هذِهِ المفاهيم مفهوم الكلي ، فإنه من المفاهيم التي يستحيل تحققها في الخارج ، إذ إنَّ كل ما هو موجود في الخارج متشخص جزئي ، والكلي ليس كذلك ، وهل يمكن أن يكون هذا الكلي وصفاً لأشياء خارجية ، كما كان ذلك للمفاهيم الأولى الماهوية والثانية الفلسفية؟ والجواب هو النفي ، لأن كل ما هو موجود في الخارج جزئي لا يصلح في انطباقه الأعلى نفسه فكيف يمكن وصفه بأنه كلي ، فنقول : الإنسان كلي ، والمقصود من الإنسان هنا الإنسان الذهني ، لا الإنسان الخارجي ، وإلاّ لما صَحَّ وصفه بأنه كليّ كما تقدم توّاً ، وبذلك يتّضح تعريف هذِهِ المفاهيم بأنّ عروضها (وجودها) واتصافها (وصفها للأشياء) كلاهما ذهني.

١٣٦

فكِّر وأجب :

١ ـ عَرِّف ما يلي :

أ ـ المعقولات الأولى أو المفاهيم الماهوية.

ب ـ المعقولات الثانية الفلسفية.

ج ـ المعقولات الثانية المنطقية.

٢ ـ مثّل لكل ما تقدّم من المعقولات الثلاثة آنفة الذكر مثالاً ، موضّحا تعريفه الخاصّ به.

٣ ـ ما هو الفرق بين المعقولات الكلية المتقدمة ، بعضها مع البعض الآخر.

١٣٧
١٣٨

الدرس الثامن عشر

العلم الحضوري والحصولي

* العلم الحضوري والحصولي

* التصور والتصديق

* الكلي والجزئي

* المشكك والمتواطئ

* المشترك اللفظي والمعنوي

* فكّر وأجب

١٣٩
١٤٠