كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

وحيث لزم العلم بشفاعة خاتم الأنبياء ، لا يلزم معرفة مقدار تأثيرها في حقّ الأشقياء.

وحيث تلزمه معرفة الحوض لا يجب عليه توصيفه ولا تحديده وتعريفه.

ولا تلزمه معرفة ضروب العذاب وكيفيّة ما يلقاه العصاة من أنواع النكال والعقاب.

نعم ينبغي لمن صبغ بصبغة الإسلام ، وتجنّب عن متابعة الهوى والشيطان ، أن يشغل فكره فيما يصلح أمره ، ويرفع عند الله قدره ، ويستعين على نفسه بالتفكّر فيما يصيبه إذا حلّ في رمسه ، وما يلقى من الشدائد العظام بعد الحضور بين يدي الملك العلام ، ويكثر النظر في المرغّبات المحرّكة للنّفس إلى طاعة ربّ السماوات ، كالتفكّر في تلك الجنان وما فيها من الحور والولدان ، والتأمّل في تلك الأشجار الحاوية لما تشتهيه الأنفس من الثمار.

فينبغي للعاقل أن يفرض الجنّة كأنّها بين يديه ، ويتخيّل النار كأنّها مشرفة عليه ، هذه تسوقه وتلك تقوده ، فليخشَ من لحوق السائق ، وليحكم الجانب ، حذراً من انقطاع الزمام بيد القائد.

وهذه المعارف الثلاث أُصول الإسلام ، فمن أنكر منها واحداً عرف بالكفر بين الأنام.

ولا فرق بين إنكارها من أصلها ، وبين عدم معرفتها وجهلها.

نعم يحصل الاختلاف في بعض شعوبها وأقسامها وضروبها.

فإنّ منها : ما يكون عدم العلم به مكفّراً ، من دون فرق بين الإنكار والشكّ والذهول تساهلاً.

ومنها : ما يكون كذلك بشرط الإنكار والجحود.

ومنها : ما يكون فيه ذلك مع الإنكار والشكّ فقط.

وبعضها يلزم منها العصيان دون الكفر ، وهو منقسم إلى تلك الأقسام.

فمن أراد تمام المعرفة ، فليرجع إلى بعض العارفين ؛ ليقف على حقيقة ذلك ، والله وليّ التوفيق.

٦١

المبحث الرابع :

في العدل

بمعنى أنّه لا يجور في قضائه ، ولا يتجاوز في حكمه وبلائه ؛ يثيب المطيعين ، وينتقم بمقدار الذنب من العاصين.

ويكلّف الخلق بمقدورهم ، ويعاقبهم على تقصيرهم ، دون قصورهم.

ولا يجوز عليه أن يقابل مستحقّ الأجر والثواب بأليم العذاب والعقاب.

لا يأمر عباده إلا بما فيه صلاحهم ، ولا يكلّفهم إلا بما فيه فوزهم ونجاحهم. الخير منشؤه منه ، والشرّ صادر عنهم ، لا عنه.

ويكفي في البرهان عليه : غناه عن الظلم ، وعدم حاجته إليه ، وأنّه تعالى منزّه عن فعل القبيح ، كما يشهد بذلك العقل الصحيح ، مع أنّه أمر بالعدل والإحسان ، وذمّ الظلم وأهله في صريح القرآن ، وأحال الظلم على ذاته ، كما دلّ عليه صريح آياته ، وكرّر اللعن على الظالمين في محكم كتابه المبين ، وأخرجهم عن قابليّة الدخول في جملة الأوصياء والمرسلين ، بقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) (١).

وقد جرى مثل ما ذكرناه وحرّرناه وسطرناه على لسان أنبيائه وخاصّة أصفيائه وأوليائه ، الذين دلّت على صدقهم المعجزات ، وقامت عليه البراهين والآيات.

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

٦٢

وقد شهد بثبوت العدل متواتر الأخبار ، وقامت عليه ضرورة مذهب الصفوة الأبرار.

ثُمّ أوّل درجات اللطف العدل ، وبعدها مراتب الرحمة والفضل ، وعليه يُبنى العفو عن المذنبين ، والتجاوز عن الخاطئين والمقصّرين ، فلا ييأس المذنب من عفوه ؛ طمعاً في فضله ، ولا يقطع على نجاة نفسه ، حذراً من أن يُعامله بعدله.

فقد وصف نفسه بشدّة العقاب ، وفتح للتوبة أوسع باب ، وأَمرَ بكثرة الرجاء عصاة الناس ، ونهاهم عن القنوط من رحمته والإياس ، وحذّرهم من سطواته ، ودلّهم على سبيل طاعاته ، وقوّى أمل المسرفين ، وحقّق رجاء المقترفين ، بقوله تعالى (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (١). وقال تبارك وتعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٢).

وسمّى نفسه : بالتوّاب ، والرؤوف ، والرحمن ، والرحيم ، والعطوف.

ويكفي في معرفة العدل ذلك المقدار ، ولا يجب على الناس إدراك ما يفهمه أهل الأفكار والأنظار ، من معرفة مقادير جزاء الطاعات ، وما يستحقّه العصاة من العقاب على التبعات ، والله وليّ التوفيق.

__________________

(١) الزمر : ٥٣.

(٢) النساء : ١١٦.

٦٣

المبحث الخامس :

في الإمامة

فإنّ من الواجب على كافة البشر معرفة من عاصرهم أو تقدّمهم من الأئمّة الاثني عشر ؛ لشهادة العقل بوجوب وجود المبيّن للأحكام ، كما حكم بلزوم وجود المؤسّس للحلال والحرام ؛ لمساواة الجهتين ، وحصول الجهالة عند فقد كلّ من الأمرين.

ولكثرة المجملات في القرآن وفي الأخبار الواردة عن سيّد ولد عدنان ، ولورود كثير من المتشابهات في كثير من الآيات ؛ مع عموم الخطابات للمكلّفين على مرّ الأوقات.

ولأنّ انقطاع معاذير العباد فيما يرتكبونه من أنواع الضلال والفساد موقوف على وجود من يؤمَن من الخطأ بالنسبة إليه ، ولا يجوّز العقل النسيان والعصيان عليه.

وقيام الحجّة بالوجود من غير بيان ثابت (١) ، حيث كان الباعث لغيبته ما يخشاه على نفسه من أهل الجور والطغيان.

وكفى في إثبات وجوب وجود الإمام مدى الدهر ، ما اتّفق لهشام في بعض الأيّام مع عمرو ، حيث سأله ألك اذن؟ ألك لسان؟ حتّى أتى على تمام حواس الإنسان ، ثمّ قال : ألك قلب؟ فأنعم في الجواب ، فقال : وما تصنع به؟ فقال : ليميّز خطأ تلك الحواسّ من الصواب ، فقال : أتظنّ بمن يتكفّل بنصب ميزان لتلك الحواس ، لا ينصب إماماً يميّز

__________________

(١) في «ح» : ثاقب.

٦٤

الحقّ لكافّة الناس؟ فانقطع عمرو من الكلام ، ولم يزد على أن قال له : إنّك أنت هشام (١).

على أنّه متى وجب وجود الإمام في وقتٍ لزم استمراره مدى الأيّام ؛ لأنّ علّة وجوبه في الابتداء مستمرّة على الدوام.

ويكفي في إثبات الأبديّة ما تواتر من الجانبين من السنّة المحمّديّة أنّ : «من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهليّة» (٢).

وما تواتر نقله من الطرفين على كون كتاب الله وعترة نبيّه مقترنَين ، حتّى يردا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصلا إليه ، ويشهدا على تمام الأُمّة بين يديه (٣).

وحيث تبيّن عدم جواز خلوّ الأرض من حجّة على الدوام ، وامتنع حدوث الأنبياء بعد نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تعيّن الإمام.

ويمكن بعد إمعان النظر فيما ذكرناه إثبات الأئمّة الاثني عشر ، لأنّ كلّ من قال ببقاء الإمام ، قال بذلك ، سوى طوائف لا عبرة بها بين أهل الإسلام.

وممّا ينبغي التمسّك به في هذا المقام ، ما اشتهر بين علماء الإسلام ، من أنّهم بين قولين لا ثالث لهما ، ومفترقون على مذهبين لا يخرجون عنهما.

أحدهما : أنّ الإمامة بالرأي والاختيار.

ثانيهما : أنّها بتعيينٍ من العزيز الجبّار.

وبطلان الأوّل واضح ليس فيه خفاء ، ولا يرتضيه أحد من آحاد العقلاء ؛ لأنّه

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٩ باب الاضطرار إلى الحجّة ح ٣ ، علل الشرائع ١ : ١٩٣ ح ٢.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٨٣ ، المسند للطيالسي : ٢٥٩ ، حلية الأولياء ٣ : ٢٢٤ ، مجمع الزوائد ٥ : ٢٢٤ ، تفسير ابن كثير ١ : ٥٣٠ شرح المقاصد ٥ : ٢٣٩ ، كنز العمال ٦ : ٦٥ ح ١٤٨٦٣ ، ينابيع المودّة ١ : ٣٥١ ، و ٣ : ٣٧٢ و ٤٥٦ ، سنن البيهقي ٨ : ١٥٦ ، الكافي ٢ : ٢٠ باب دعائم الإسلام ح ٦ و ٩ ، ثواب الأعمال : ٢٤٥ ، دعائم الإسلام ١ : ٢٥ ، تلخيص الشافي ٤ : ١٣٢.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ ، مسند أحمد ٤ : ٣٦٧ وج ٥ : ١٨٢ و ١٨٩ ، مصابيح السنّة ٢ : ٢٠٢ ، السيرة الحلبيّة ٣ : ٢٧٤ ، فيض القدير ٣ : ١٤ ، شرح الشفاء ٢ : ٨٢ ، مرقاة المفاتيح ٥ : ٦٠٠ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٣ ، المناقب لابن المغازلي : ١٨ ، ٢٣٤ ، المناقب للخوارزمي : ١٥٤ ح ١٨٢ ، ينابيع المودّة ١ : ١٠٣ و ١٠٤ و ١٠٥ ، الصواعق المحرقة : ٨٩ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٩ ، كنز العمال ١ : ١٧٢ ح ٨٨٠ ، ٨٨٣ ، وص ١٨٥ ١٨٩ ح ٩٤٣ ٩٥٨.

٦٥

يستحيل على الحكيم أن يحيل إلى خلقه هذا الأمر العظيم ، الذي عليه مدار الأحكام ، وامتياز الحلال من الحرام ، وكشف حقائق الأشياء ، وتمييز تكاليف ربّ السماء ، مع أنّه لم يُحل إليهم شيئاً أمَرَ به من الواجبات ، بل ولا أقلّ شي‌ء من المسنونات والمندوبات.

مع أنّ في تلك الإحالة بعثاً على إثارة البغضاء ، وإقامة المنازعة الشديدة والشحناء ، كما يظهر من تتبع أحوال المهاجرين والأنصار حين فقدوا النبي المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكلّ يدّعي أنّه بالإمامة أولى ، وأنّ قَدْرَهُ من قدر غيره أعلى ، حتّى حصلت الفضيحة الكبرى ، وظهر حرص القوم على الدنيا وإعراضهم عن الأُخرى.

على أنّه كيف يرضى (١) العقل لسيّد الكونين ، وخيرة ربّ العالمين ، المبعوث رحمةً للناس ، أن يوصي ببعض الأثاث والعروض واللباس ، ويبيّن موضع الدفن وكيفيّة الكفن ، ولا يوصي بما لو أُطيع به لارتفعت الفتن ، ويدع الخلق في هرج ومرج ، ولا يقيم لهم ما يصلح به العوج! وحيث بطل طريق الاختيار تعيّنت إمامة الأئمّة الأطهار ، وعُلم أنّ الأئمّة هم اثنا عشر ؛ بانقراض أو شبه انقراض الطوائف الأُخر.

وكذا يمكن إثبات ذلك بأوضح المسالك ، وذلك بما أوضحناه من وجوب العصمة في الإمام ، وذلك لا يُعرف لغيرنا من أهل الإسلام.

على أنّ التأمّل في الوقائع السالفة ، والأحوال العارضة في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرب الممات : كالتفكّر في سرّ إبعادهم مع أُسامة وإبقاء عليّ عليه‌السلام ، مع أنّه يخبر بقرب الأجل.

والتشديد على إنفاذ الجيش (٢) ، وسرّ العزل عن الصلاة (٣) ، وسرّ الغوغاء في الرقعة والدواة ، وشدّة الامتناع عنها (٤) ، وشدّة العناية في يوم الغدير مع شدّة

__________________

(١) في «س» : يرى.

(٢) الطبقات الكبرى ١ : ٥٢١ ، الاستغاثة : ٥٣ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٣ ، سيرة المصطفى : ٧٠٥.

(٣) المسترشد في الإمامة : ١١٣ ، ١١٦ ، وفيه : صلّى بالناس وأخّر أبا بكر ، حقّ اليقين للشبر ١ : ٢١٤.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٣٤٦ ، الطرائف : ٤٣١.

٦٦

الرمضاء ، واستعجال القوم في طلب الأمر قبل تجهيز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعدم تقديم أمير المؤمنين عليه‌السلام المقدّم في زمان سيّد المرسلين في (١) شي‌ء من الأُمور ، وغير ذلك.

وفي النظر في سيرة الفريقين ، وفي التأمّل في أحوال ذات البين من العلماء والعُبّاد والنسّاك والزهّاد ، ما يغني مَن نَظَرَ ، ويكفي من تبصّر واعتبر.

ويكفي لمن استعمل جادّة الإنصاف ، وتجنّب سبيل التعنّت والاعتساف ، النظر في أحوال القوم وسيرتهم وسنّتهم وطريقتهم من إظهار الغلظة والجفاء على عترة خاتم الأنبياء ، حتّى ورثها صاغرهم عن كابرهم ، وسنّها أوّلهم لآخرهم.

وكانت كامنة في الصدور وإن لاحت أماراتها ، ولكن ظهرت كلّ الظهور بوقعة الجمل وصفّين ، والإعلان بسبّ المعادي لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وما جرى في كربلاء على بضعة فؤاد خاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما جرت عليه سنّة العبّاسيين والأُمويّين من استباحة دماء العلويين ، وتغريب أجِلة الفاطميّين ، بحيث لو تأمّلت لوجدت خبراً مسلسلاً ، تناوله العبّاسي عن الأُموي عن الفراعنة الأُولى!!

وحيث إنّ هذا المقام من مزالّ الأقدام بين طوائف الإسلام ، التزمنا بإطناب الكلام ، والإشارة إلى ما استفاضت رواية المخالف له عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي على أقسام :

منها : ما دلّ على حصر الأئمّة الاثني عشر ، وهي عدّة أخبار مرويّة في كتبهم المعتبرة أي اعتبار ، كما روي في الجمع بين الصحيحين (٢) ، عن سيّد الكونين ، بسند

__________________

(١) في «ح» زيادة : كل.

(٢) الجمع بين الصحيحين لمحمّد بن أبي نصر فتوح الحميدي الأُندلسي المتوفّى سنة ٤٨٨ ه‍ ، رَتّب الأحاديث على حسب فضل الصحابي ، وقال ابن الأثير في جامع الأُصول : واعتمدت في النقل من الصحيحين على ما جمعه الحميدي في كتابه فإنّه أحسن في ذكر طرقه واستقصى في إيراد رواياته ، وإليه المنتهي في جمع هذين الكتابين كشف الظنون ١ : ٥٩٩.

٦٧

ينتهي إلى جابر بن سمُرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «يكون من بعدي اثنا عشر خليفة» ثمّ تكلّم بكلمة خفيّة ، ثّم قال : «كلّهم من قريش» (١).

وروى البخاري في صحيحه بطريقين :

أوّلهما إلى جابر بن سُمرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «يكون بعدي اثنا عشر أميراً» ، ثم قال كلمة لم أسمعها ، ثمّ قال : «كلّهم من قريش» (٢).

وثانيهما إلى ابن عيينة قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً» ثمّ تكلّم بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال ، قال : «كلّهم من قريش» (٣).

وقد روى مسلم أيضاً الحديث الأوّل بثمان طرق ، ألفاظ متونها لا تختلف (٤).

ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين بستّ طرق (٥). ورواه الثعلبي في تفسيره بثلاث طرق (٦). ورواه أيضاً في الجمع بين الصحاح الستّ بثلاث طرق (٧). وروى مسلم أيضاً الحديث الثاني بلفظه (٨).

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٠٠ كتاب الإمارة باب ١ ح ١٨٢١ ، سنن الترمذي ٤ : ٥٠١ ح ٢٢٢٣ ، مسند أحمد ٥ : ٨٨ ، ٩٨ ، ٩٩ ، مسند أبي عوانة ٤ : ٣٩٦ ، حلية الأولياء ٤ : ٣٣٣ ، جامع الأُصول ٤ : ٤٥ ح ٢٠٢٢ ، مصابيح السنّة ٢ : ١٩٢ ، البداية والنهاية ٦ : ٢٤٨ ، ينابيع المودّة ٣ : ٢٨٩ ، العمدة لابن البطريق : ٤١٧.

(٢) صحيح البخاري ٩ : ١٠١ كتاب الأحكام باب الاستخلاف ، سنن الترمذي ٤ : ٥٠١ ح ٢٢٢٣ ، مسند أبي عوانة ٤ : ٣٩٨ ، مستدرك الحاكم ٣ : ٦١٧ بتفاوت ، ينابيع المودّة ٣ : ٢٨٩.

(٣) انظر صحيح مسلم ٤ : ١٠٠ كتاب الإمارة ح ١٨٢١ ، ومسند أحمد ٥ : ٩٧ ، ٩٨ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ٦١٨ بتفاوت ، وحكاه عنه ابن البطريق في العمدة : ٤١٦ ح ٨٥٧.

(٤) ولا يخفى أنّ ألفاظ الأحاديث في صحيح مسلم مختلفة ولكنّها متّفقة في لفظ الاثني عشر وكلّهم من قريش. صحيح مسلم ٤ : ١٠٠ كتاب الإمارة ح ١٨٢١ ، وانظر تيسير الوصول إلى جامع الأُصول ٢ : ٣٣.

(٥) أُنظر جامع الأُصول ٤ : ٤٥ ح ٢٠٢٢ ، ومسند أحمد ٥ : ٩٩ ، وينابيع المودة ٣ : ٢٨٩.

(٦) لاحظ مستدرك الحاكم ٣ : ٦١٧ ، وتيسير الوصول ٢ : ٤٢ ح ٥ ، وكفاية الأثر : ٤٩ ٥٠ ، وإثبات الهداة ١ : ٥٤٥ ح ٣٦٢ و ٣٦٣ ، وإعلام الورى : ٣٨١ ٣٨٤.

(٧) انظر سنن الترمذي ٤ : ٥٠١ ح ٢٢٢٣ ، وجامع الأُصول ٤ : ٤٥ ح ٢٠٢٢ ، وفرائد السمطين ٢ : ١٤٧ ، وينابيع المودّة ٣ : ٢٨٩.

(٨) صحيح مسلم ٤ : ١٠٠ كتاب الإمارة ، ح ١٨٢١ ، وأُنظر فرائد السمطين ٢ : ١٤٧ ح ٤٤٢ ٤٤٥.

٦٨

وفي صحيح مسلم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش» (١).

وفي الجمع بين الصحاح الستّ في موضعين أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش» (٢). وكذا في صحيح أبي داود (٣) والجمع بين الصحيحين (٤).

وذكر السدي في تفسيره وهو من علماء الجمهور وثقاتهم قال : لمّا كرهت سارة مكان هاجر ، أوحى الله تعالى إلى إبراهيم أن انطلق بإسماعيل وامّه ، حتّى تنزله بيت النبي التهاميّ ، فإنّي ناشر ذريّتك وجاعلهم ثقلاً على من كفر ، وجاعل من ذريته اثنى عشر عظيماً (٥). وفيه ضرب من التغليب.

وعن ابن عبّاس قال : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته الوفاة ، وقلت : إذا كان ما نعوذ بالله تعالى منه فإلى من؟ فأشار بيده إلى عليّ ، وقال : «إلى هذا ، فإنّه مع الحقّ والحقّ معه ، ثمّ يكون من بعده أحد عشر إماماً» (٦).

وفي المرفوع عن عائشة أنها سُئلت : كم خليفة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقالت : أَخبَرني أنّه يكون من بعده اثنا عشر خليفة ، قال ، فقلت : من هم؟ فقالت : أسماؤهم مكتوبة عندي بإملاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت لها : فاعرضيه ، فأَبت (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٠١ كتاب الإمارة ح ١٨٢٢ ، وأورده في مسند أحمد ٥ : ٩٨ وجامع الأُصول ٤ : ٤٧ ح ٢٠٢٢ بتفاوت ، ومسند أبي عوانة ٤ : ٣٩٥.

(٢) راجع صحيح مسلم ٤ : ١٠٠ كتاب الإمارة ح ١٨٢١ ، وجامع الأُصول ٤ : ٤٦ ح ٢٠٢٢ ، ومسند أبي عوانة ٤ : ٣٩٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٥٠٨ ح ٤٢٧٩ و ٤٢٨٠.

(٤) راجع مسند أحمد ٥ : ١٠١ ، ومصابيح السنّة ٢ : ١٩٢.

(٥) البداية والنهاية ٦ : ٢٥٠ وفيه بعض الحديث ، ونقله عنه العلامة في نهج الحقّ : ٢٣٠ ، وابن طاوس في الطرائف : ١٧٢ ح ٢٦٩ والمجلسي في البحار ٣٦ : ٢١٤ ح ١٦ ، وصاحب إحقاق الحقّ ٧ : ٤٧٨.

(٦) إعلام الورى : ٣٦٥ ، كفاية الأثر : ٢٠ «بتفاوت» بحار الأنوار ٣٦ : ٣٠٠ ح ١٣٦.

(٧) إعلام الورى : ٣٦٥ ، كفاية الأثر ١٩٠ ، بحار الأنوار ٣٦ : ٣٠٠ ح ١٣٧.

٦٩

وروى صدر الأئمّة أخطب خوارزم ، بإسناده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : سمعتُ رسول الله يقول : ليلة اسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ جلاله : أمن الرسول بما أُنزل إليه من ربّه. فقلت : والمؤمنون ، فقال لي : صدقت ، من خلّفت في أُمّتك؟ قلت : خيرها ، قال : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاعة اخترتك منها ، فشققت لك اسماً من أسمائي ، فلا اذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّد ، ثمّ اطّلعت ثانية واخترت منها عليّاً عليه‌السلام واشتققت له اسماً من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليّ.

يا محمّد إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم‌السلام من ولده من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان من الكافرين.

يا محمّد لو أنّ عبداً من عبادي عَبَدَني ، حتّى يصير كالشنّ البالي ، ثمّ أتاني جاحداً لِولايتكم ما غفرت له ، حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد تحبّ أن تراهم؟ قلت : نعم. فقال لي : التفت إلى يمين العرش ، فالتفتّ فإذا بعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعليّ بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعليّ بن موسى ، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ ابن محمّد ، والحسن بن عليّ ، والمهدي ، في ضحضاح من نور قيام يصلّون ، وهو في وسطهم يعني المهدي كأنّه كوكب درّي. وقال لي : يا محمّد ، هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك ، وعزّتي وجلالي ، إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي (١).

__________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ٩٦ ، وأُنظر فرائد السمطين ٢ : ٣١٩ ح ٥٧١ ، ومائة منقبة لابن شاذان : ٦٤ ، وإحقاق الحق ٥ : ٤٥ ، وينابيع المودّة ٣ : ٣٨٠ ، وكفاية الأثر : ٧٤ بتفاوت ، وكمال الدين ١ : ٢٤٠ ب ٢٣ ح ٢ ، وعيون أخبار الرضا ٢ : ٦٠ ب ٦ ح ٢٧ ، وبحار الأنوار ٣٦ : ٣٠٢ ح ١٤٠ بتفاوت.

٧٠

وقد روي من طرق أهل السنّة في هذا المعنى أكثر من ستّين حديثاً ، كلّها تشتمل على ذكر الاثني عشر (١) ، وفي بعضها ذكر أسمائهم (٢) ، وكتبهم مملوءة من ذلك.

وعن أبي طالب أنّه قال له : يا عمّ ، يخرج من ولدك اثنا عشر خليفة ، منهم يخرج المهدي من ولدك ، به تصلح الأرض ، ويملؤها الله قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً (٣). إلى غير ذلك من الأخبار المنقولة في كتبهم على هذا النحو (٤).

ولا يراد بالخلفاء أرباب السلطنة والدولة ؛ لزيادة عددهم من قريش أضعافاً مضاعفة ؛ لأنّه يظهر من بعضها أنّ آخرهم متّصل بآخر الزمان ، وفي بعضها الأخر المهدي.

ثمّ اعتنائه ببيان الطاغين والظالمين من العبّاسيّين بعيد.

وثبوت الخلافة لا يتوقّف على بسط اليد ، كما أنّ النبوّة والرسالة كذلك. وعلى تقدير التوقّف ، فحملها على الرجعة موافق لرأينا فإنّ طائفة منّا حكموا بثبوت الرجعة للجميع في نهاية الاستقلال.

ومنها : ما يدلّ على ثبوت إمامة الاثني عشر بعد أدنى تأمّل ، كما نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «عدد أوصيائي من بعدي عدد أوصياء موسى وحواريّي

__________________

(١) أُنظر سنن أبي داود ٢ : ٥٠٨ ح ٤٢٧٩ ، ٤٢٨٠ ، ومسند أحمد ١ : ٣٩٨ وج ٥ : ٨٧ ١٠٨ ، وفرائد السمطين ٢ : ١٤٧ ، ح ٤٤٢ ٤٤٥ ، وتاريخ بغداد ١٤ : ٣٥٣ ح ٧٦٧٣ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ٦١٨ ، والخصائص الكبرى ٢ : ٤١٥ ، ومصابيح السنّة ٢ : ١٩٢ ، وتيسير الوصول إلى جامع الأُصول ٢ : ٣٣ ، وينابيع المودّة ٣ : ٢٨٩ ٢٩٢ ، والعمدة لابن البطريق : ٤١٦ ٤٢٣.

(٢) انظر فرائد السمطين ٢ : ٣١٩ ح ٥٧١ ، وص ٣٢١ ح ٥٧٢ ، وص ١٣٦ ح ٤٣٢ ٤٣٥ ، وينابيع المودّة ٣ : ٢٨٢ ٢٨٤ ، والغيبة للطوسي : ١٤٩ ح ١١٠ ، وص ١٥٠ ح ١١١ ، ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ١ : ٢٨٠ ، ٢٨٢ ، وكفاية الأثر : ١٧ ، ٤٠ ، ٥٤ ، ٥٨ ، ٦٢ ، ١٦٧ ، ١٧٧ ، وبحار الأنوار ٣٦ : ٢٦٠ ح ٨١ وص ٣٠٥ ح ١٤٤ ، وإثبات الهداة ٣ : ٩٤ ح ٨١٠ ، ٨١١.

(٣) فرائد السمطين ٢ : ٣٢٩ ح ٥٧٩ ، إعلام الورى : ٣٨٦ بتفاوت ، إحقاق الحق ١٣ : ٧٤ ، مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٩٣ ، بحار الأنوار ٣٦ : ٣٠١ ح ١٣٨.

(٤) انظر سنن الترمذي ٤ : ٥٠٥ ح ٢٢٣٠ ، وسنن أبي داود ٢ : ٥٠٨ ، ٥١١ كتاب المهدي ح ٤٢٧٩ ٤٢٩٠ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٣٦٦ ١٣٦٧ ح ٤٠٨٢ ٤٠٨٥ ، ومسند أحمد ٥ : ٩٧ ١٠١ ، وفرائد السمطين ٢ : ٣١٢ ح ٥٦٢ ، ٥٦٤ ، وينابيع المودّة ٣ : ٢٩١ ، ٢٩٦ ، ومجمع الزوائد ٧ : ٣١٧ ، وإحقاق الحق ١٣ : ١ ٧٤.

٧١

عيسى ، وكانوا اثنى عشر» (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطريق مسرُوق ، عن ابن مسعود : «إنّ عدد أوصيائي من بعدي عدد نقباء بني إسرائيل ، وكانوا اثنى عشر» (٢).

وروى الزمخشري بإسناده أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «فاطمة ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمّة من وُلدها أُمناء ربّي ، وحبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم بهم نجى ، ومن تخلّف عنهم هوى» (٣).

وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ، بأسانيد عديدة بهم (٤).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (٥).

ورووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الأخر : كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (٦). ومثله ما في الجمع بين الصحيحين ،

__________________

(١) أُنظر مسند أحمد ١ : ٣٩٨ ، والجامع الصغير ١ : ٣٥٠ ح ٢٢٩٧ ، ومستدرك الحاكم ٤ : ٥٠١ ، وينابيع المودّة ٢ : ٣١٥ ، وكفاية الأثر : ١٧ ، وإحقاق الحقّ ٤ : ٨٠ ، ٨٣.

(٢) مسند أحمد ١ : ٣٩٨ ، ٤٠٦ ، مجمع الزوائد ٥ : ١٩٠ بتفاوت ، مستدرك الحاكم ٤ : ٥٠١ ، ينابيع المودّة ٢ : ٣١٥ ، كفاية الأثر : ٢٥.

(٣) في المناقب للزمخشري (مخطوط) ، وأورده في مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ٥٩ ، وفرائد السمطين ٢ : ٦٦ ح ٣٩٠ ، وينابيع المودّة ١ : ٢٤٣ ، ومائة منقبة : ١٠٤ ونهج الحقّ : ٢٢٧.

(٤) يعني : تفسير حبل الله بالأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام ، انظر شواهد التنزيل ١ : ١٣٠ ح ١٧٨ ، والصواعق المحرقة : ٩٠ ، وينابيع المودّة ١ : ٣٥٦ ، وروح المعاني ٤ : ١٨ ، والدرّ المنثور ٢ : ٢٨٥ ، وو التفسير الكبير للرازي ٨ : ١٧٣. ذيل الآية ١٠٣ من آل عمران.

(٥) سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ ح ٣٧٨٦ وح ٣٧٨٨ ، التاج الجامع للأصول ٣ : ٣٤٨ ، كنز العمّال ١ : ١٨٨ ح ٩٥٧ و ٩٥٨ ، المعجم الصغير للطبراني ١ : ١٣٥ ، ينابيع المودّة ١ : ١١٣ ١٢٦ ، الإفصاح : ٢٢٣ والحديث متواتر بين علماء الأمة الإسلاميّة.

(٦) صحيح مسلم ٥ : ٢٥ باب فضائل الصحابة ح ٢٤٠٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ ح ٣٧٨٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٣٢ بتفاوت ، مسند أحمد ٣ : ١٧ ، وج ٤ : ٣٦٧ ، السنن الكبرى ٢ : ١٤٨ ، النهاية لابن الأثير ١ : ٢١٦ ، السيرة الحلبيّة ٣ : ٢٧٤ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٢ ، كنز العمّال ١ : ١٨٨ ح ٩٥٧ ، فرائد السمطين ٢ : ١٤٢ ، ١٤٤ ح ٤٣٦ و ٤٣٨ ، العمدة لابن البطريق : ٦٨ ، ينابيع المودّة ١ : ١٠٢ ، ١٠٣.

٧٢

وكذا صحيح مسلم في موضعين (١) ، وروى مثله أبو سعيد الخدري (٢).

ولا ريب في أنّه لا رجوع إلى العترة إلا من الشيعة ، وقد فسّرت العترة في كتبهم المعتبرة بالذريّة (٣).

وروي في طرقهم المعتبرة أنّه : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» (٤) ، وفيه أبين دلالة على بقاء الأئمّة إلى انقضاء التكليف.

فإنّ هذه الأحاديث وأمثالها تدلّ على أفضليّة أهل البيت على غيرهم ، كما اعترف به التفتازاني في شرح المقاصد (٥). وتدلّ على وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت الطاهرين في كلّ زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة ، حتّى يتوجّه الحث المذكور على التمسّك بهم ، كما أنّ الكتاب كذلك.

ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.

قال الفاضل أحمد بن السوسي الشافعي وقال ابن حجر : إنّ القطب لا يكون إلا من أهل البيت (٦). وروي أنّ هذا الحديث صار سبباً لتشيّع بعض المخالفين من علمائهم ،

__________________

(١) صحيح مسلم ٥ : ٢٧ ح ٢٤٠٨ باب فضائل عليّ بن أبي طالب (ع) ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٩ ، الصواعق المحرقة : ٨٩ ، تيسير الوصول ٣ : ٢٦٠ ح ٦ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٥٠ بتفاوت ، كنز العمال ١ : ١٧٢ ح ٨٧٠ ٨٧٢ ، وص ١٨٦ ح ٩٤٧.

(٢) مسند أحمد ٣ : ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٢ ح ٣٧٨٦ و ٣٧٨٨ ، مصابيح السنّة ٢ : ٢٠٢ ، رياض الصالحين للنووي : ١٢٧ ، شرح الشفاء ٢ : ٨٢ ، مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي : ٢٣٥ ح ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ينابيع المودّة ١ : ٩٩ ، مناقب الإمام أمير المؤمنين لابن سليمان الكوفي ٢ : ٩٨ ح ٥٨٤ ، وص ١٠٥ ح ٥٩٣ ، ص ١١٢ ح ٦٠٤.

(٣) العين للخليل بن أحمد الفراهيدي ٢ : ٦٦ ، فيض القدير ٣ : ١٤ ، الصواعق المحرقة : ٩٠ ، النهاية لابن الأثير ٣ : ١٧٧ ، المصباح المنير للفيّومي : ٣٩١ نقلاً عن ابن الأعرابي ، القاموس المحيط ٢ : ٨٧.

(٤) مسند أحمد ٤ : ٩٦ ، شرح المقاصد ٥ : ٢٣٩ ، ينابيع المودّة ١ : ٣٥١ ، وج ٣ : ٣٧٢ ، ٤٥٦ ، حلية الأولياء ٣ : ٢٢٤ ، وفيه : من مات بغير إمام ، الإفصاح : ٢٨ ، الإيضاح : ٧٥ ، مجمع الزوائد ٥ : ٢٢١.

(٥) شرح المقاصد ٥ : ٣٠٢ ، ٣٠٣.

(٦) راجع الصواعق المحرقة : ٩١ ، وفيض القدير ٥ : ٥١٧.

٧٣

معلّلاً بأنّ ميتة الجاهليّة إنّما تكون بفوات المعارف التي هي من أُصول الدين ؛ وذلك لا ينطبق إلا على رأي الشيعة.

وممّا يفيد بقاءهم إلى انقضاء التكليف ، ما في مسند ابن حنبل أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» (١) وقد فسّر أهل البيت بهم (٢).

وروى الزمخشري في ربيع الأبرار : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لمّا أسرى بي جبرائيل إلى السماء أخذ بيدي وأقعدني على درنوك من درانيك الجنة ، ثمّ ناولني سفرجلة ، فبينما أنا أُقلّبها انفلقت وخرجت منها جارية لم أرَ أحسن منها ، فسلّمتْ علي ، فقلت : من أنت؟.

فقالت : أنا الراضية المرضيّة ، خلقني الجبّار من ثلاثة أصناف : أعلائي من عنبر ، ووسطي من كافور ، وأسفلي من مسك ، ثمّ عجنني بماء الحياة وقال لي : كوني ، فكنت ، خلقني لأخيك وابن عمّك عليّ بن أبي طالب

(٣). والدُّرنُوك ضرب من البُسط (٤).

وروى أبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب عن بلال بن خمامة (٥) ، قال : طلع علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم متبسّماً ضاحكاً ، ووجهه مشرق

__________________

(١) نقله عنه في الصواعق المحرقة : ٩١ ، وعن أحمد في مرقاة المفاتيح ٥ : ٦١٠ ، وأُنظر المطالب العالية ٤ : ٧٤ ح ٤٠٠٢ ، وكنز العمال ١٢ : ٩٦ ح ٣٤١٥٥ ، وص ١٠١ ح ٣٤١٨٨ وص ١٠٢ ح ٣٤١٩٠ ، وينابيع المودّة ١ : ٧٢ وج ٢ : ١١٤ ، ومناقب الإمام أمير المؤمنين لابن سليمان الكوفي ٢ : ١٤٢ ، وفرائد السمطين ٢ : ٢٥٣ ح ٥٢٢ ، وذخائر العقبى : ١٧ ، وتذكرة الخواص : ٢١٩.

(٢) انظر صحيح البخاري بشرح الكرماني ١٥ : ٥ ، وصحيح مسلم ٥ : ٣٧ باب فضائل أهل بيت النبي (ص) ح ٢٤٢٤ ، وسنن الترمذي ٥ : ٦٦٣ ح ٣٧٨٧ ، وترجمة الإمام الحسن (ع) لابن عساكر : ٧٢ ، الإتقان للسيوطي ٤ : ١٠٥ ، فيض القدير ٣ : ١٤ تيسير الوصول ٣ : ٢٦٠ ح ٦ ، الصواعق المحرقة : ٨٦ ، ٨٧ ، غاية المأمول في هامش التاج الجامع للأُصول ٤ : ٢٠٧.

(٣) ربيع الأبرار ١ : ٢٨٦ ، وأُنظر المناقب للخوارزمي : ٢٩٥ ح ٢٨٨ ، وينابيع المودّة ١ : ٤١٠ وج ٢ : ١٧٩ ، وذخائر العقبى : ٩٠.

(٤) البِسط والبُسط : الناقة المخلاة على أولادها المتروكة معها لا تمنع منها. لسان اللسان ١ : ٨٦.

(٥) في المصدر : بلال بن كمامة.

٧٤

كدائرة القمر ، فسألته عن ذلك ، فقال : بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي ، فإنّ الله تبارك وتعالى زوّج عليّاً عليه‌السلام من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان بهزّ (١) شجرة طوبى ، فحملت رقاقاً يعني صكاكاً بعدد محبّي أهل البيت عليهم‌السلام ، وأنشأ ملائكة من نور ، ورفع إلى كلّ ملك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها ، نادت الملائكة في الخلائق ، فلا يبقى محبّ لأهل البيت إلا دفعت إليه صكّاً في فكاكه من النار (٢) ؛ والأحاديث هنا كثيرة.

ومن حديث رفعه الخوارزمي إلى ابن عبّاس ، قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو اجتمع الناس على حبّ عليّ بن أبي طالب ما خلق الله النار (٣). وفي الشفاء للقاضي عياض ، بلا إسناد ، من أنّه قال معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحبّ آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب (٤). ويؤيّد ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أنّ رجلاً صَفَن أي جمع قدميه قائماً بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثمّ لقي الله مبغضاً لآل محمّد دخل النار

(٥). وجاء في قوله تعالى (وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٦) ، إلى ولاية أهل البيت عليهم‌السلام (٧).

__________________

(١) في «م» ، «س» : يهزّ ، وفي المصدر : فهزّ.

(٢) المناقب للخوارزمي : ٣٤٠ ح ٣٦٠ ، وأُنظر ينابيع المودّة ٢ : ٦٦ ، ومائة منقبة لابن شاذان : ١٥٣.

(٣) المناقب للخوارزمي : ٦٧ ح ٣٩ ، وراجع ينابيع المودّة ٢ : ٢٩٠ ، الفردوس بمأثور الخطاب ٣ : ٣٧٣ ح ٥١٣٤ ، ومائة منقبة : ٧١.

(٤) شرح الشفاء للفاضل علي القاري ٢ : ٨٢ ، ونقله عن الشفاء وعن نوادر الأُصول للحكيم الترمذي مسنداً في ينابيع المودة ١ : ٧٨ ، وج ٢ : ٢٥٤ ، ٣٣٢ ، وج ٣ : ١٤١ ، فرائد السمطين ٢ : ٢٥٧ ح ٥٢٥ ، إحقاق الحق ٩ : ٤٩٤.

(٥) مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٩ ، الخصائص الكبرى ٢ : ٢٥٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٧١ ، ذخائر العقبى : ١٨ ، ينابيع المودة ٢ : ١١٥ ، ٣٧٦ ، ٤٦٢ ، الصواعق المحرقة : ١٠٤.

(٦) طه : ٨٢.

(٧) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١١ : ٢٣١ ، الصواعق المحرقة : ٩١ ، شواهد التنزيل ١ : ٤٩١ ح ٥١٨ ، روح المعاني ١٦ : ٢٤١ ، مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) لابن سليمان الكوفي ٢ : ١٠٣.

٧٥

وعن الزهري أنّ محبّة العبد لله ورسوله وأهل بيته طاعة لهما واتّباع لأمرهما (١).

وروى أبو الحسن الأندلسي في الجمع بين الصحاح الستّ موطّإ مالك ، وصحيحي مسلم والبخاري وسنن أبي داود وصحيح الترمذي وصحيح السلمي عن أُمّ سلمة زوجة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) (٢) نزل في بيتها وهي جالسة على الباب.

فقالت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّكِ على خير ، إنّكِ من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قالت : وفي البيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

فقالت : فجلّلهم بكساء وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً (٣). ورواه صدر الأئمّة موفق بن أحمد المكّي (٤).

وربّما يستفاد من قوله تبارك وتعالى (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٥) فإنّ المراد بالهادي ظاهراً الهادي إلى واقعيّ الشرع ، كما أنّ إنذاره على ذلك النحو ، ويؤيّد إرادة

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٤ : ٦٠ ، تفسير أبي السعود ٢ : ٢٤ بتفاوت ، تفسير البغوي ١ : ٢٩٣.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٣٥١ ح ٣٢٠٥ وص ٦٦٣ خ ٣٧٨٧ وص ٦٩٩ ح ٣٨٧١ ، مسند أحمد ٦ : ٢٩٢ ، ترجمة الإمام الحسن (ع) من تاريخ دمشق لابن عساكر : ٦٣ ٧١ ، مصابيح السنّة ٢ : ٢٠١ ، صحيح مسلم ٥ : ٣٧ باب فضائل أهل بيت النبيّ (ص) ح ٢٤٢٤ ، أسباب النزول : ٢٠٣ ، شرح الشفاء ٢ : ٨٢ ، الإتقان للسيوطي ٤ : ٢٧٧ ، المحرّر الوجيز ١٣ : ٧٢ ، ٧٣ ، ينابيع المودّة ٢ : ٢٢٤ ، ذخائر العقبى : ٢٣.

(٤) المناقب للخوارزمي : ٦١ ح ٣٠ بتفاوت ، وأُنظر مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٦ ١٤٨ ، والعقد الفريد ٤ : ٣١١ ، والتاج الجامع للأُصول ٤ : ٢٠٧ ، وتيسير الوصول للشيباني ٣ : ٢٥٩ ح ٣ ، والمعجم الصغير ١ : ١٣٥ ، وسنن البيهقي ٧ : ٦٢ بتفاوت ، وخصائص النسائي ٦١ ٦٣.

(٥) الرعد : ٧.

٧٦

هذا ما ورد في تفسير الباطن : أنّه عليّ عليه‌السلام (١). ولو أريد مطلق الهادي لم يكن لعليّ مزيّة.

ومن مستطرفات الأخبار ، أنّ بعض الأُمراء والوزراء عثر على الأخبار الدالّة على أنّ الأئمّة اثنا عشر ، فجمع العلماء وسألهم عن معنى ذلك ، مورداً عليهم : أنّه إن عنى مطلق قريش فعدد سلاطينهم فوق ذلك أضعافاً مضاعفة ، وإن أراد غير ذلك فبيّنوه ، فاستمهلوه عشرة أيّام فأمهلهم.

فلمّا حلّ الوعد تقاضاهم الجواب ، فجاؤا ؛ فتقدّم رجل مُبرّز منهم وطلب الأمان ، فأعطاه الوزير الأمان ، فقال : هذه الأخبار لا تنطبق إلا على مذهب الشيعة الاثني عشريّة ، لكنّها أخبار آحاد لا توجب العمل ، فرضي بقوله وأنعم عليه (٢).

ولعمري ، إنّ هذه الأخبار إن لم تكن من المتواترة على كثرتها وكثرة رواتها وكثرة الكتب التي نقلت فيها (٣) ، لم يكن متواتر أصلاً.

ثمّ إن لم تكن متواترة ، فهي من المحفوفة بالقرائن ، وإنّما حُفظت بلطف الله ، وكان مقتضى الحال إخفاءها ، لإخلالها بدينهم المؤسّس بالسقيفة المودع في ضمن تلك الصحيفة ومخالفتها لهوى الأمراء ، فظهورها مع أنّ المقام يقتضي إخفاءها قرينة على أنّ الجاحد لا يمكنه إنكارها ، كما أنكر كثيراً من أضرابها.

ومنها : ما يدلّ على أنّ الناجين من فرق الإسلام ليسوا سوى الشيعة.

وروى الحافظ وهو من علمائهم بسند يتّصل بعلي عليه‌السلام أنّه قال تفترق الأُمّة

__________________

(١) تفسير الطبري ١٣ : ٧٢ ، روح البيان ٤ : ٣٤٦ ، المحرّر الوجيز ١٠ : ١٥ ، ترجمة الإمام عليّ (ع) لابن عساكر ٢ : ٤١٧٤١٥ ، مائة منقبة : ٤٦.

(٢) أورد الاستدلال بهذا النحو في ينابيع المودّة ٣ : ٢٩٢ نقلاً عن بعض المحقّقين ولم يورد القصّة.

(٣) انظر صحيح البخاري ٩ : ١٠١ كتاب الأحكام باب الاستخلاف ، وصحيح مسلم ٤ : ١٠٠ كتاب الإمارة ح ١٨٢١ ، ١٨٢٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ٥٠٨ ، وسنن الترمذي ٤ : ٥٠١ ح ٢٢٢٣ ، ومسند أبي عوانة ٤ : ٣٩٨ ، ومسند أحمد ٥ : ٨٨ ، ٨٩ ، وجامع الأُصول ٤ : ٤٧ ح ٢٠٢٢ ، ومصابيح السنة ٢ : ١٩٢ ، وينابيع المودّة ٣ : ٢٨٩ وتيسير الوصول إلى جامع الأُصول ٢ : ٣٣ ، والخصاص الكبرى ٢ : ٤١٥ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ٦١٨ ، فرائد السمطين ٢ : ٣٢١ إلى غير ذلك من الكتب المعتبرة.

٧٧

ثلاثة وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنّة ، وهم الذين قال الله تبارك وتعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١) وهم أنا وشيعتي (٢). وفي الصواعق المحرقة لابن حجر المتأخّر ، ونقله صاحب كشف الغمّة عن الحافظ ابن مردويه ، في تفسير (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٣) هم أنت وشيعتك يا علي ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين ، وتأتي أعداؤك مقمحين (٤). ولفظ الشيعة إن لم يكن صريحاً كما يقتضيه ظاهر الإطلاق في الصنف المخصوص ، فالقرينة من جهة الإضافة واضحة ؛ لأنّ غير هذا الصنف شيعة الخلفاء ، وإسنادهم إلى الخليفة السابق أولى من وجوه شتّى ، كما لا يخفى.

وممّا يقرب من ذلك : ما دلّ من الكتاب على وجوب طاعتهم على الاجتماع أو الانفراد قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) (٥) والمراد بهم : محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، كما رواه الحافظ محمّد بن موسى الشيرازيّ من علمائهم ، واستخرجه من التفاسير الاثنتي عشرة عن ابن عبّاس (٦).

وقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ) (٧) فإنّهم فسّروا اولي الأمر بعلي عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) الأعراف : ١٨١.

(٢) المناقب للخوارزمي : ٣٣١ ح ٣٥١ ، وأُنظر ينابيع المودّة ١ : ٣٢٧ ، والدرّ المنثور ٣ : ٦١٧ بتفاوت.

(٣) البيّنة : ٧.

(٤) الصواعق المحرقة : ٩٦ ، كشف الغمّة ١ : ٣٢١ ، وأُنظر المناقب للخوارزمي : ٢٦٥ ح ٢٤٧ بتفاوت ، والدرّ المنثور ٨ : ٥٨٩ ، وفتح القدير ٥ : ٤٧٧ ، وتفسير الطبري ٣٠ : ١٧١ ، وشواهد التنزيل ٢ : ٣٥٧ ح ١١٢٦ ، وص ٤٥٩ ٤٧٣ ، وينابيع المودّة ٢ : ٣٥٧.

(٥) النحل : ٤٣.

(٦) انظر تفسير الطبري ١٤ : ٧٥ وج ١٧ : ٥ ، تفسير القرآن لابن كثير ٢ : ٥٩١ ، شواهد التنزيل ١ : ٣٣٤ ٣٣٧ ح ٤٦٦٤٥٩ ، روح المعاني ١٤ : ١٤٧ ، ينابيع المودّة ١ : ٣٥٧ ، نهج الحق : ٢١٠ ، نفحات اللاهوت : ٧٤.

(٧) النساء : ٥٩.

(٨) شواهد التنزيل ١ : ١٨٩ ١٩١ ، التفسير الكبير للرازي ١٠ : ١٤٤ ، البحر المحيط ٣ : ٢٧٨ ، المفردات للراغب : ٢٥ ، ينابيع المودّة ١ : ٣٤١ ، تفسير فرات الكوفي ١ : ١٠٨ و ١٠٩ ، منتهى المرام : ١٨٠ ، تفسير العياشي ١ : ٢٥٠ ٢٥٣ ، نور الثقلين ١ : ٣٣٠ ، ٤٩٩ ، وأُنظر الكافي ١ : ٢٤٩ ح ٦ ، وفرائد السمطين ١ : ٣١٤ ذ. ح : ٢٥٠.

٧٨

وقوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١) أجمعوا على نزولها في علي عليه‌السلام (٢) ، مع أنّه مذكور في الصحاح الست (٣).

وظاهر الولاية ولاية التصرّف في الأمر والنهي ، ولا سيّما بعد أن أُسندت إلى الله ورسوله ؛ وصيغة «إنّما» قضت بقصرها عليه مع وجوده.

وقوله تعالى (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) (٤) روى الجمهور عن ابن مسعود أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتهت الدعوة إليّ وإلى علي (٥). وقوله تعالى (وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ) (٦) روى الجمهور أنّها نزلت في علي عليه‌السلام (٧). إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على وجوب طاعتهم والانقياد لهم (٨).

مع أنّه قد عُلِمَ بالضرورة تظلّم أمير المؤمنين عليه‌السلام من القوم وتفرّده عنهم ، وكفى في ذلك التطلّع في خطبه وكلماته المنقولة عنه عليه‌السلام في كتبهم : كالخطبة

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) المحرّر الوجيز ٥ : ١٣٦ ، أسباب النزول : ١١٣ ، الكشّاف ١ : ٦٤٩ ، التفسير الكبير للرازي ١٢ : ٢٦ ، تفسير أبي السعود ٣ : ٥٢ ، جامع الأُصول ٨ : ٦٦٤ ح ٦٥١٥ ، المناقب لابن المغازلي : ٣١١ ٣١٣.

(٣) جامع الأُصول ٨ : ٦٦٤ ، ح ٦٥١٥ ، تفسير البغوي ٢ : ٤٧ ، تفسير الطبري ٦ : ١٨٦ ، المناقب للخوارزمي : ٢٦٤ ح ٢٤٦ ، الكشاف ١ : ٦٤٩ ، ترجمة الإمام عليّ (ع) لابن عساكر ٢ : ٤٠٩ ، ٤١٠ ، تذكرة الخواص : ١٥ ، شواهد التنزيل ١ : ٢٠٩ ٢٣٩ ، مجمع الزوائد ٧ : ١٧ ، ذخائر العقبى : ٨٨ ١٠٢ ، العمدة لابن البطريق : ١١٩ ، التفسير الكبير للرازي ١٢ : ٢٦.

(٤) البقرة : ١٢٤.

(٥) المناقب لابن المغازلي : ٢٧٧ ، الجواهر السنية : ٢٠٣ ، الأمالي للطوسي : ٣٧٩ ح ٨١١ ، نور الثقلين ٢ : ٥٤٧ ح ٩٨ ، البرهان في تفسير القرآن ٢ : ٣١٨ ح ٧ ، نهج الحقّ : ١٨٠ ، بحار الأنوار ٣٨ : ١٤٣.

(٦) التوبة : ١١٩.

(٧) الدرّ المنثور ٤ : ٣١٦ ، المناقب للخوارزمي : ٢٨٠ ح ٢٧٣ ، تذكرة الخواص : ١٦ ، روح المعاني ١١ : ٤٥ ، فتح القدير ٢ : ٤١٤ ، ينابيع المودّة ١ : ٣٥٨ ، فرائد السمطين ١ : ٣٧٠ ح ٢٩٩ و ٣٠٠.

(٨) آل عمران : ١٠٣ ، النساء : ٩٥ ، التوبة : ١١٩ ، النحل : ٤٣.

٧٩

الشقشقيّة (١) ونحوها ، وكيف يقع التظلّم منه صلوات الله عليه ولو صورة وهو مقتضٍ لعدم الوثوق بالخلفاء؟! وممّا رواه جماعة أهل الآثار : أنّ قوماً من الناس قالوا : ما بال علي عليه‌السلام لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان ، كما حارب طلحة والزبير؟! فبلغ الخبر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأمر أن ينادى بالصلاة جامعةً.

فلمّا اجتمع الناس قام فيهم أمير المؤمنين عليه‌السلام خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى عليه ، فقال : معاشر الناس ، بلغني أنّ قوماً قالوا : ما بال علي عليه‌السلام لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة والزبير ، ألا وإنّ لي في سبعة من أنبياء الله أُسوة :

أوّلهم : النبي نوح عليه‌السلام ؛ إذ قال الله تعالى مخبراً عنه (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (٢) ، فإن قلتم ما كان مغلوباً كفرتم وكذّبتم القرآن ، وإن كان نوح مغلوباً ، فعلي أعذر منه.

الثاني : إبراهيم عليه‌السلام ؛ حيث يقول (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (٣) ، فإن قلتم : إنّه اعتزلهم من غير مكروه كفرتم ، وإن قلتم : أنّه رأى المكروه منهم فاعتزلهم ، فأنا أعذر.

الثالث : لوط عليه‌السلام ؛ إذ قال لقومه (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (٤) ، فإن قلتم : إنّه كان له قوّة ، فقد كفرتم وكذّبتم القرآن ، وإن قلتم : إنّه لم يكن له بهم قوّة ، فأنا أعذر منه.

الرابع : يوسف عليه‌السلام ؛ إذ قال (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (٥) ،

__________________

(١) تذكرة الخواص : ١٢٤ ، النهاية لابن الأثير ١ : ٢٥٠ ، وج ٢ : ٤٤ ، ٤٩٠ ، لسان العرب ١٠ : ١٨٥ ، القاموس المحيط ٣ : ٢٥٩ ، شرح نهج البلاغة : ١ : ١٥١.

(٢) القمر : ١٠.

(٣) مريم : ٤٨.

(٤) هود : ٨٠.

(٥) يوسف : ٣٣.

٨٠