كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

٤ ـ غاية المراد في أحكام الجهاد (١).

٥ ـ بغية الطالب في معرفة المفروض والواجب ، رسالة عمليّة ، اقتصر فيها على ذكر مجرّد الفتاوى ، مرتّب على مطلبين : أوّلهما في أصول العقائد وثانيهما في فروع الأحكام ، خرج منه من أوّل الطهارة إلى آخر الصلاة. (٢).

٦ ـ مشكاة المصابيح في شرح منثور الدرّة ، الموسوم بـ «مشكاة الهداية» (٣).

٧ ـ الرسالة الصوميّة ، على ظهرها خطّ السيّد جواد بن محمّد العاملي صاحب «مفتاح الكرامة» مصرّحاً بأنّها له مع ألقاب كثيرة منها قوله : الشيخ المعتبر والعقل الحادي عشر جناب شيخنا الشيخ جعفر لا زال له من التوفيق دوام. وكأنّها تتميم لبغية الطالب حيث إنّه انتهى إلى آخر الصلاة (٤).

٨ ـ سؤال وجواب (٥).

٩ ـ الحقّ المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة جهّال الأخباريّين ، ألّفه في أصفهان لولده الشيخ علي بن جعفر. بيّن فيه حقيقة مذهب الطرفين وأنّ عقائدهما في أُصول الدين متّحدة سواء وفي فروع الدين ، مرجعهما جميعاً إلى ما روي عن الأئمّة عليهم‌السلام. فالمجتهد إخباري والأخباري مجتهد ، فضلاء الطرفين ناجون ، والطاعنون هالكون. (٦).

١٠ مجموعة فقهيّة (٧).

١١ التحقيق والتنقير فيما يتعلّق بالمقادير (٨).

١٢ ـ كشف الغطاء عن معايب ميرزا محمّد عدوّ العلماء ، وهي رسالة لطيفة في الطعن على الميرزا محمّد بن عبد النبيّ النيسابوري الشهير بالأخباري أرسلها إلى فتح على شاه ، أبان فيها قبائح أفعال ذلك الرجل واعتقاداته الكفريّة ، وفي معارف الرجال والكرام البررة :

__________________

(١) الذريعة ١٦ : ١٦.

(٢) الذريعة ٣ : ١٣٣.

(٣) الذريعة ٢١ : ٦١.

(٤) الذريعة ١١ : ٢٠٥.

(٥) الذريعة ١٢ : ٢٤٤.

(٦) الذريعة ٧ : ٣٧.

(٧) الذريعة ٢٠ : ٩٢.

(٨) الذريعة ٣ : ٤٨٥.

٢١

كاشف الغطاء.

١٣ ـ رسالة مناسك الحجّ.

١٤ ـ العقائد الجعفريّة في أُصول الدين.

١٥ ـ شرح الهداية للعِمة الطباطبائي ، خرج منه كتاب الطهارة فقط.

١٦ ـ إثبات الفرقة الناجية.

١٧ ـ أحكام الأموات.

١٨ ـ رسالة في الدماء الثلاثة.

١٩ ـ القواعد الجعفريّة في شرح بعض أبواب المكاسب. وهو كما قال صاحب الروضات : كتاب كبير مشتمل على قواعد فقهيّة وفقاهة إعجازيّة ، لم ترَ مثلها عين الزمان. انتهى. وصل فيه إلى بيع الصرف.

٢٠ ـ كتاب الطهارة. قال في الروضات : وهو كتاب كبير في الطهارة ، كتبه في مبادئ أمره لجمع عبائر الأصحاب والأحاديث الواردة في ذلك الباب.

وقال في الأعيان : من أوّل الطهارة إلى خشبة الأقطع وهو شرح الشرائع.

٢١. منهج الرشاد لمن أراد السداد في ردّ الوهّابيّة (١).

سيرته الأخلاقيّة :

كان للشيخ كاشف الغطاء سيرة ومُثلُ أخلاقيّة بارزة ، نشير إلى بعضها :

أ ـ التهجّد والعبوديّة

وهو مع كثرة اهتماماته العلميّة والاجتماعيّة ، كان يقوم قسطاً من الليل بالصلاة والمناجاة والتضرّع.

ونقل عن الشهيد الثالث قوله : إنّي كنت في بلد قزوين ليلة ، في دار أخي الحاج ملّا محمّد صالح ، الواقعة في بستانه نائماً في ناحية من البستان ، فأيقظني الشيخ وناداني :

انهض وصلّ صلاة الليل. فلمّا انتبهت وجدت الشيخ في غاية التضرّع والبكاء

__________________

(١) نقلنا رقم ١٢ إلى ٢١ من مقدّمة منهج الرشاد. طبعة «المجمع العالمي لأهل البيت (ع)» من تحقيق السيّد مهدي الرجائي. واستفدنا منه كثيراً ، جزاه الله خير الجزاء.

٢٢

والنحيب ، مشغولاً بالمناجاة مع الله تعالى. (١).

فقد كان الشيخ يقوم في كلّ ليلة ويوقظ أهله لصلاة الليل أيضاً.

ب ـ عنايته بالتفقّه

وكان من دأبه أن يأمر بتهيئة الطعام ليجتمع أولاده في الأكل ثم يباحثون بعده في علم الفقه (٢).

ج ـ على منبر الوعظ والإرشاد

جاء في قصص العلماء ما معناه : مرّ الشيخ يوماً على مدينة رشت من مدن إيران فأراد الناس الاقتداء به في صلاة الجماعة ولم تكن المساجد تسع الحاضرين ، فاجتمعوا في بعض ساحات المدينة ، وبعد الصلاة طلبوا من الشيخ أن يعظهم فقال : إنّي لا أجيد الفارسيّة ، ولكنّ الناس أصرّوا عليه ، فرقي المنبر وتكلّم بكلمات مفادها :

أيّها الناس! الشيخ يموت وأنتم تموتون ، ففكّروا في آخرتكم. أيّها النّاس! إنّ مدينتكم رشت ، تشبه الجنّة ، فكما أنّ في الجنّة قصوراً عالية ، وبساتين وأنهاراً وحورَ عينٍ. فهكذا مدينتكم ، وكما أنّ جميع التكاليف من الصلاة والصوم وسائر العبادات مرفوعة عن أهل الجنّة ، فكذا بلدكم كأنّ الصلاة والصوم وجميع العبادات مرفوعة عنكم!! ثمّ قال للقارئ : انهض واذكر مصيبة الحسين (عليه‌السلام) ونزل من المنبر (٣).

د ـ حمايته للضعفاء والفقراء والمساكين ، ونذكر نبذة من ذلك كما في قصص العلماء ما معناه :

١ ـ كان من دأب الشيخ رحمه‌الله كلّما صلّى بالجماعة أن يأخذ طرف ردائه ويدور بين الصفوف ويجمع الدراهم والدنانير ويعطيها للفقراء والمساكين.

٢ ـ ربما كان يحضر مجلس الضيافة لبعض التجار فلا يأكل ولا يأذن لأحد في الأكل حتّى يقوّم ما فيها فيبيعها لصاحب المجلس ، ويأخذ ثمنها ثمّ يأمر بالأكل ويعطي الثمن للمستحقين. وإنّما كان يعمل ذلك ، لعلمه بوجود حقّ الفقراء في ذلك المال.

__________________

(١) قصص العلماء للتنكابني : ١٩٣.

(٢) بهجة الآمال ٢ : ٥٤٠.

(٣) قصص العلماء : ١٩٠.

٢٣

٣ ـ ونقل أنّ الشيخ ورد أصفهان فأقام فيها أيّاماً ، ثمّ أراد الخروج منها فركب ، فحينئذ حضر أحد من السادة وأخذ لجام فرس الشيخ وقال : أنا سيّد محتاج إلى مائة دينار ولا أخلّيك إلا أن تعطيها! وكان أمين الدولة في تلك الأيّام حاكماً في أصفهان فقال الشيخ للسيّد : اذهب إلى أمين الدولة وقل : الشيخ يأمرك أن تعطيني مائة دينار. فقال السيّد أخاف أن لا يعطيني.

قال الشيخ أنا واقف هنا حتّى يعطيك فذهب السيّد وبلّغ المقالة ، فقال أمين الدولة أين الشيخ؟ قالوا : راكب للترحّل. فقال للملازمين هاتوا مائة دينار. فأحضروا كيساً وأرادوا عدّها فقال : أعطوا الكيس له ، أخاف أن يطول ويصير تعباً للشيخ ، فأخذ السيّد ورجع إلى الشيخ وأمر بعدّه فوجدوا فيه مأتي دينار فأعطى للسيّد مائة وأنفق الباقي للفقراء ، ثمّ ارتحل.

٤ ـ وقالوا : إنّ الشيخ قسّم أموالاً بين فقراء أصفهان وبعد نفادها قام للصّلاة ، فطلب منه سيّد بين الصلاتين أن يساعده. فقال له الشيخ : جئت متأخّراً ولم يبق شي‌ء. فاغتاظ السيّد وأهانه بصق على لحيته! فقام الشيخ وأخذ طرف ردائه ودار بين الصفوف وهو يقول : من يحبّ لحية الشيخ فليساعد السيّد ، فاجتمع في ردائه كثير من المال فأعطاه للسيّد وأقام صلاة العصر.

٥ ـ وحكي أنّه نزل في مدينة قزوين على عالمها الكبير الحاج عبد الوهّاب. فاستدعى جمع من التجار أن يدخل الشيخ حجراتهم في خان الشاه ، وكلّ استدعى أن يرد حجرته أوّلاً فلمّا بلغت المنازعة إلى الشيخ جلس وقال : من أعطاني أكثر من المال نزلت حجرته أوّلاً ، فقدّم له بعضهم إناءً مملوءاً من النقود ، فدعا الشيخ الفقراء وقسّمها بينهم أوّلاً ثمّ دخل حجرة ذلك الشخص وزاره (١).

مكانته الاجتماعيّة :

كانت للشيخ كاشف الغطاء الكبير مكانة اجتماعيّة سامية ، تشهد لها قضايا مهمّة في طول حياته الاجتماعيّة ، نُشير إلى أهمّها :

منها : إذنه لفتح عليّ شاه القاجاري في أمر الدفاع عن حوزة الإسلام والمسلمين ، والذي اقتضاه أمور حدثت في عصره كثورة فرنسا الكبرى وهجوم نابليون ووقوع الحروب بين تزار

__________________

(١) راجع قصص العلماء : ١٨٣ ١٩٥.

٢٤

روسيا وإيران واستحلالها مناطق من بلاد القفقاز ، ومقاصدها التوسّعيّة ، استباق فرنسا والإنجليز إلى التسرّب في دولة إيران والتحرّكات الداخليّة تجاه الدولة المركزيّة ، من ناحية بقايا الحكومات الأفشاريّة والزنديّة وأبناء ملوك القاجار ، وتلف النفوس ، وهتك الأعراض في الحروب الداخليّة وغير ذلك (١).

ولأجل هذه الأُمور وغيرها أذِنَ الشيخ لفتح علي شاه وقوّى موضعه في أمر الدفاع ، رعايةً لمصلحة المسلمين العامّة ، وكتب له الإجازة الموجودة في كتاب الجهاد من كشف الغطاء.

وهاك عمدة مواضع :

١ ـ الإذن في إدارة الجيش وتدبيره وتقوية الحكومة من حيث العِدّة والعُدّة للدفاع عن أراضي المسلمين وأعراضهم.

٢ ـ وجوب إطاعة السلطان في ذلك ؛ حيث أنّه مأذون من قبل الحاكم الشرعي والفقيه الجامع للشرائط.

٣ ـ توصية السلطان وعمّال الحكومة برعاية التقوى والعدل والمساواة والشفقة ، وأن يكونوا للرعيّة كالأب الرؤوف والأخ العطوف.

٤ ـ لزوم حفظ الأسرار وعدم إذاعتها للأغيار.

٥ ـ توظيف المعلّمين لتعليم الصلاة ومسائل الحلال والحرام وأحكام العبادات ؛ ليجعلوا الجيش في زمرة حزب الله.

٦ ـ إقامة الشعائر الإسلاميّة ، وتعيين المؤذّنين ، وأئمّة الجماعات والمحافظة على الصلاة والصيام في جيش المسلمين.

٧ ـ نصب الوعّاظ العارفين باللغة الفارسيّة والتركيّة في صفوف الجيش ، للوعظ وترويج مفهوم الشهادة في سبيل الله تعالى.

٨ ـ وجوب قيام المجتهدين في مقام الجهاد الدفاعي عن حوزة الإسلام والمسلمين

__________________

(١) راجع الكتب المؤلّفة حول تاريخ إيران ، منها : «إيران در دوره سلطنت قاجار» صفحات ١٢١ إلى ١٥٣ ، تأليف دكتر على أصغر شميم.

٢٥

أو المأذون منهم. حيث قال المؤلّف : «ويجب تقديم الأفضل أو مأذونه في هذا المقام ، ولا يجوز التعرّض في ذلك لغيرهم. ويجب طاعة الناس لهم ، ومن خالفهم فقد خالف إمامهم.

فإن لم يكونوا ، أو كانوا ولا يمكن الأخذ عنهم ولا الرجوع إليهم. وجب على كلّ بصير صاحب رأي وتدبير ، عالم بطريق السياسة عارف بدقائق الرئاسة ، صاحب إدراك وفهم ، وثبات وجزم وحزم ، أن يقوم بأحمالها ، يتكلّف بحمل أثقالها ، وجوباً كفائيّاً مع مقدار القابلين ، فلو تركوا ذلك ، عوقبوا أجمعين. ومع تعيّن القابليّة ، وجب عليه عيناً مقاتلة الفرقة الشنيعة الأُروسيّة وغيرهم من الفرق العادية البغيّة.

وتجب على الناس إعانته ومساعدته إن احتاج إليهم (١) ونصرته. ومن خالفه فقد خالف العلماء الأعلام ، ومن خالف العلماء الأعلام فقد خالف والله الإمام. ومن خالف الإمام فقد خالف رسول الله سيّد الأنام ، ومن خالف سيّد الأنام فقد خالف الملك العلام».

ثمّ أجاز الشيخ سلطان زمانه فتح عليّ شاة ، في أخذ ما يتوقّف عليه تدبير العساكر والجنود وردّ أهل الكفر والطغيان والجحود ، بأخذ الخراج المقرّر في الإسلام والزكاة من الموارد التسعة ، فإن ضاقت عن الوفاء ولم يكن عنده ما يدفع به هؤلاء الأشقياء ، جاز له التعرّض لأهل الحدود ، بالأخذ من أموالهم ، إذا توقّف عليه الدفع عن أعراضهم ودمائهم ، فإن لم يفِ أخذ من البعيد بقدر ما يدفع به العدوّ المَريد.

ثمّ قال : «ويجب على من اتّصف بالإسلام وعزم على طاعة النبي والإمام عليهما‌السلام ، أن يمتثل أمر السلطان ، ولا

يخالفه في جهاد أعداء الرحمن فيتّبع أمر من نصبه عليهم وجعله دافعاً عمّا يصل من البلاء إليهم ، ومن خالفه في ذلك فقد خالف الله ، واستحقّ الغضب من الله.

والفرق بين وجوب طاعة النبي ووجوب طاعة السلطان الذابّ عن المسلمين والإسلام ، أنّ وجوب طاعة الخليفة الرسول والإمام عليهما‌السلام بمقتضى الذات ، لا باعتبار الأغراض والجهات وطاعة السلطان إنّما وجب بالعرض لتوقّف تحصيل الغرض فوجوب طاعة السلطان كوجوب تهيئة الأسلحة وجمع الأعوان من باب وجوب المقدّمات الموقوف عليها

__________________

(١) في المصدر احتاجهم.

٢٦

الإتيان بالواجبات.» انتهى (١).

ومنها : دفاعه عن النجف في الحوادث الدامية ، كحادثة الشمرت والزقرت المشهورة التي أخذت دوراً مهمّا وهي أعظم حادثة يحتفظ بها تاريخ النجف ودافع المترجم له عنها مع زمرة من أهل العلم الذين مرّنهم على حمل السلاح والرمي. وقد كانت داره الكبيرة الشهيرة ، مذخرا للأسلحة وثكنة للجنود الذين قرّر لهم الرواتب ودرّبهم على القتال. فكان الشيخ جعفر أبا النجف البار وقائدها الروحي يرجع إليه في الملمّات والحوادث ويستغاث به عند النوازل (٢).

ولم تكن النجف يومذاك يطيب بها مسكن ولا يألفها ساكن ، فهو بحزمة وعزمه وشدّة صولته ونفوذ أمره ، كان يذبّ عن الضعفاء ويحرس الفقراء فكان لهم حرزاً منيعاً وسوراً رفيعاً (٣).

وقد قام الشيخ رحمه‌الله على تمصير النجف ، فبنى لها سوراً ، وأسكن بها جملة صالحة من بيوت العرب والعجم ؛ لتَعَلّم العلوم الدينيّة فيها. وتولّى الزعامة الدينيّة ، وأصبحت له المرجعيّة العامّة في التقليد.

وبلغ من حرصه على تقدّم الثّقافة ونموّها أن استدعى جملة من المهرة في سائر العلوم للنّجف ، وتصدّى لصدّ هجمات الأعراب عليها ، والتزم بإعاشة الطلاب فيها ، حتّى اشترى لهم الدور والمساكن وبذل لهم حتّى مصارف الأعراس فضلاً عن اللوازم والضرورات (٤).

ومنها : مكانته عند سلاطين المسلمين في العراق وإيران. قال العلّامة الطهراني : وقضيّة واحدة تعطينا صورة واضحة عن تركّز المترجَم ومدى التقدير الذي حصل عليه. قال في روضة الصفا عند ذكر أحوال السلطان فتح عليّ شاه القاجاري ما ترجمته ، أنّه في جمادى الأُولى سنة ١٢٢١ ه‍. ق ولّى السلطان ولده الأكبر «محمَّد علي ميرزا» تمام محالّ كردستان من كرمانشاه إلى خانقين ، ومن خرّم‌آباد إلى حدود البصرة. وذلك حين تعدّى علي باشا والي بغداد على إيران وجنّد ثلاثين ألفاً

__________________

(١) راجع كتاب الجهاد ، من كشف الغطاء.

(٢) الكرام البررة ١ : ٢٥١.

(٣) ماضي النجف وحاضرها ٣ : ١٣٨.

(٤) راجع موسوعة النجف الأشرف ٦ : ١٥٠.

٢٧

بقيادة ابن أخيه سليمان باشا كهيا الكرجي الرومي ، فتجاوزوا من خانقين إلى شهرزور ، ومنها إلى بحيرة مريوان ، فتلاقوا هناك ، واشتعلت نيران الحرب بينهما ، حتّى انكسر عسكر الروم ، وانهزم إلى حدود الموصل وبغداد عن ثلاثة آلاف قتيل ، وأكثر منهم أسيراً وفيهم القائد كهيا المذكور.

فالتجأ عليّ باشا والي بغداد إلى شيخ الجعفريّة الشيخ جعفر النجفي ، فقبل الشيخ التماسه ، وذهب إلى محمَّد عليّ ميرزا ، شفيعاً للأسراء فقبل شفاعته ما عدا كهيا ، فأطلقهم جميعاً ، وبعث كهيا مقيّداً إلى السلطان فتح عليّ شاه ، فأمر بحفظه وفكّ قيده ، إلى أن تهيّأ الشيخ للسفر إلى طهران ، فوصل إلى السلطان مكرّماً مقبول الشفاعة فأخذه معه ورجع إلى بغداد.

وكان تشفّع في كهيا يوسف باشا والي أرزنة الروم ، وبعث معتمدة الفيضي محمود أفندي مع عريضة إلى عبّاس ميرزا ، فلم يقبل شفاعته ، وإنّما قبل شفاعة الشيخ تكريماً له (١).

ومنها : تصلّبه في النهي عن المنكر وردّ أهل البدع. ونكتفي في ذلك بذكر رسالة أرسلها إلى أهل خوي ، من مدن إيران ، لمّا توسّعت دعوة الصوفيّة فيهم ، وكان فيها توبيخ وتهديد وتحذير ، واستعطاف وهي :

«بسم الله والحمد لله والصلاة على محمّد وإله. من المعترف بذنبه المقصّر في طاعة ربّه ، أقلّ الأنام ، كثير الذنوب والاثام ، الأقلّ الأحقر عبد الله جعفر ، إلى الإخوان الكرام والأخلاء العظام ، أعاظم أهل خوي وأعيانها وأساطينها وأركانها.

أمّا بعد : فقد صحّ الكلام المأثور والمثل المشهور أنّه ما يثنّى إلا وقد يثلّث. فقد حصل ثالث الأديان في بلادكم ، المذهب الوهّابي وبيكجان ، فهنيئاً لكم على هذا الدين الجديد ، والمذهب السديد ، وظهور هؤلاء الأنبياء الذين يخاطبون بصفات جبّار السماء ، بل كانوا عين الله ، وكان الله عينهم ، ولا فرق بينه وبينهم!! فدقّوا الطبول ، وغنّوا بالمزامير ، وأظهروا العشق للّطيف الخبير ، وأكثروا النظر إلى الأمرد الحسان. فإنّه يتّحد بهم الرحيم الرحمن ، ودعوا الصلاة والصيام وجميع العبادات بالتمام ، فإنّكم نلتم درجة الوصول ، فلمن تعبدون؟! وأنتم مع الله متّحدون فلمن تسجدون؟ إنّما يعبد

__________________

(١) الكرام البررة ١ : ٢٥٠.

٢٨

من لم يبلغ الوصول إلى تلك الرتب ، كمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد العرب ، أمّا من لم يكن في جبّته غير الله فليس عليه صيام ولا صلاة.

فالحمد لله الذي أعطاكم أنبياء متعدّدين ، وأَبان غَلَطنا في أنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيّين ، والشكر لله الذي بعث إليكم رسلاً لا يعرفون أصلاً ولا فرعاً ، فلو سألت أكبرهم عن أفعال الشكّ لتحيّر ، أو عن أحكام السهو لما تدبّر ، أو عن بعض الفروع الفقهيّة لوجدتموه جاهلاً بالكلّية.

وعلى كلّ حال فلكم الهناء ، وقد بلغتم من معرفة الدين كلّ المنى ، ونحن لنا عليكم حقّ يجب عليكم فيه الأداء ، ولا يتمّ ذلك إلا بإرسال هؤلاء الأنبياء ، ليعلّمونا كما علّموكم ، ويفهّمونا كما فهّموكم ، لنصل إلى بعض ما وصلتم إليه ، ونقف على بعض ما وقفتم عليه. حلواى تنتنانى تا نخورى نداني (١).

فأقسمت عليكم بالله أن تطعمونا من هذه الحلواء التي ما ذاقها الأنبياء ، ولا الأوصياء ، ولا العلماء من المتأخّرين والقدماء ، ولا وصفت أجزاؤها في كتاب منزل ولا على لسان نبي مرسل.

فإمّا أن لا يكونوا علموها ولا وصلوا إليها ولا فهموها ، أو وجدوها حلواء ميشومة ، بأنواع السمّ مسمومة ، تقتل آكليها بحرارتها ، وتقطع أمعائهم لشدّة مرارتها.

والله إنّي أُخبرت واختبرت أهل هذه الأقاويل ، فوجدتهم بين من يسلك هذه الطريقة ليتيسّر له تحصيل ملاذّ الدنيا : من النظر إلى وجوه الأمرد الحسان ، والتوصّل إلى ضروب العصيان ، وبين من يريد جلالة الشأن وليس من أهل العلم حتّى ينال ذلك في كلّ مكان ، فيدلّس نفسه في اسم طاعة الرحمن ، وبين ناقص عقل قد امتلأ من الجهل.

وإلا فكيف يخفى على الطفل الصغير فضلاً عن الكبير السيرة النبويّة ، والطريقة المحمّديّة والجادّة الإماميّة ، حتّى يشتبه عليه التدليس ، وما عليه إبليس وجنود إبليس؟! اللهم إنّي أنذرت ، اللهمّ إنّي أخبرت ، اللهمّ إنّي وعظت ، اللهمّ إنّي نصحت ، فلا تؤاخذني بذنوب أهل خوي وأمثالهم يا أرحم الراحمين» (٢).

__________________

(١) من الأمثال الفارسيّة بمعنى : من لم يذق لم يدر.

(٢) مقدمة منهج الرشاد : ٣٤.

٢٩

تحريضه على الوهّابيّين

بعد ظهور بدعة محمَّد بن الوهّاب وانتشار مذهب الوهّابيّة في طائفة عنزة اعتنق هذا المذهب سعود بن عبد العزيز ، وبه عظمت شوكة الوهّابيّين وكانت له هجمات وحشيّة على العراق فضربوا في الهمجيّة والوحشيّة الرقم القياسي ، فإنّ وحشيّتهم تنفر منها آكلة لحوم البشر ، كلّ ذلك عداوة ونفوراً عن الحقّ ودليله.

وطالما عانت منهم العتبات المقدّسة في سفك الدماء ونهب الأموال ، فقد عاثوا في كلّ كربلاء المقدّسة ، إلا أنّهم لم يستطيعوا أن يفعلوا في النجف ما فعلوه في غيرها ببركة هذا الشيخ وأمثاله.

ففي سنة «١٢١٧ ه‍ ق» غار عبد العزيز الوهّابي على الحرمين الشريفين النجف وكربلاء وقتل جماعة من العلماء والمجاورين ، ومن جملة من قتلهم العالم الفاضل الكامل ملّا عبد الصمد الهمداني صاحب بحر المعارف.

ولمّا بلغ أهل النجف نبأ توجهه إلى البلدة ، وأنّه قاصد مهاجمتها على كلّ حال ، فأوّل ما فعلوه أنّهم نقلوا خزانة الأمير عليه‌السلام إلى بغداد خوفاً عليها من النهب كما نهبت خزانة الحرم النبوي ، ثمّ أخذوا بالاستعداد له والدفاع عن وطنهم وحياتهم.

وكان القائم بهذا العب‌ء ، والمتكفّل شؤون الدفاع هو العلّامة الزعيم الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء «رحمه‌الله» ، وساعده بعض العلماء ، فأخذ بجمع السلاح ، وبجلب ما يحتاج إليه في الدفاع ، فما كانت إلا أيّام حتّى ورد الوهّابي بجنوده ونازل النجف ليلاً ، فبات تلك الليلة ، وعزم على أن يهجم على البلدة نهاراً ، ويوسّع أهلها قتلاً ونهباً.

وكان الشيخ «رحمه‌الله» قد أغلق الأبواب ، وجعل خلفها الصخور والأحجار ، وكانت الأبواب يومئذٍ صغيرة ، وعيّن لكلّ باب عدّة من المقاتلة ، وأحاط باقي المقاتلين بالسور من داخل البلدة ، وكان السور يومئذٍ واهي الدعائم ، بين كلّ أربعين أو خمسين ذراعاً منه قولة أي حصار وكان قد وضع في كلّ قولة ثلّة من أهل العلم شاكين بالسلاح ، فكان جميع ما في البلدة من المقاتلة لا يزيدون على المأتين ؛ لأنّ أغلب الأهالي خرجوا هاربين حينما وقفوا على توجّه العدوّ ، واستجاروا بعشائر العراق ، فلم يبقَ مع الشيخ إلا ثلّة من مشاهير العلماء ،

٣٠

كالشيخ حسين نجف ، والشيخ خضر شلال ، والسيّد جواد صاحب مفتاح الكرامة ، والشيخ مهدي ملّا كتاب ، وغيرهم من المشايخ الأخيار.

ثمّ إنّ الشيخ وأصحابه وطّنوا أنفسهم على الموت لقلّتهم وكثرة عدوّهم ، فاستغاثوا بأميرالمؤمنين عليه‌السلام ، واستجاروا بحامي الجار ، فأجارهم وهزم المنافقين وشتّت شملهم ، وما أصبح الصباح إلا وهم قد انجلوا عن البلدة المشرفة وتفرّقوا (١).

وذكرها العلّامة السيّد جواد العاملي في آخر المجلّد الخامس من مفتاح الكرامة حيث قال : وفي سنة «١٢٢١ ه‍ ق» في الليلة التاسعة من شهر صفر قبل الصبح بساعة هجم علينا في النجف الأشرف ونحن في غفلة ، حتّى أنّ بعض أصحابه صعدوا السور وكادوا يأخذون البلد ، فظهرت لأمير المؤمنين عليه‌السلام المعجزات الظاهرة ، والكرامات الباهرة ، فقتل من جيشه كثيراً ورجع خائباً ، وله الحمد على كلّ حال (٢).

موقفه أمام الأخباريّين

ناهض المترجم له رحمه‌الله الأخباريّين ورأسهم في ذلك العصر ، الميرزا محمّد الأخباريّ أكبر خصوم علماء العراق الأصوليّين ، بعد أن تمكن من نشر دعوته ، واستلفت إليها أنظار الناس خصوصاً في إيران ، حيث انتظر تغلّب مذهب الأخباريّين. فخرج المتَرجم رحمه‌الله من أجل ذلك إلى الري وبلاد الجبال ، وألّف رسائله الشهيرة في الردّ عليهم ، وأهدى بعضها إلى فتح علي شاه القاجاري ، سنة ١٢٢٢ ه‍. ق.

وكان شيخ الأخباريّة المتقدّم قد اتّصل به وألّف له الرسائل ، فلم يزل المترجم له رحمه‌الله إلى أن قضى على هذه الحركة (٣).

وله كتاب «الحقّ المبين» في الردّ على الأخباريّين ، ورسالة لطيفة في الطعن على الميرزا محمّد عبد النبي النيسابوري ، الشهير بالأخباري ، سمّاها أيضاً بـ «كشف الغطاء» عن معايب ميرزا محمّد عدوّ العلماء. أرسلها إلى السلطان فتح علي شاه القاجار ، ودلّل فيها قبائح أفعال

__________________

(١) ماضي النجف وحاضرها ١ : ٣٢٦ وج ٣ : ١٣٧.

(٢) مفتاح الكرامة ٥ : ٥١٢.

(٣) أعيان الشيعة ٤ : ١٠١.

٣١

ذلك الرجل ومفاسد اعتقاداته الكفريّة ، بما لا مزيد عليه وذلك حين التجائه إلى حريم ذلك الملك ، خوفاً على نفسه الخبيثة وفراراً من أيدي علماء العراق.

وقد أرّخها مخاطِباً لأهل طهران : ميرزا محمّدكم لا مذهب له ، وفيها مخاطباً لذلك الرجل : اعلم والله إنّك نقصت اعتبارك ، وأذهبت وقارك وتحمّلت عارك ، وأجّجت نارك ، وعرفت بصفات خمس هي أخسّ الصفات وبها نالتك الفضيحة في الحياة وتنالك بعد الممات :

أوّلها : نقص العقل ، ثانيها : نقص الدين. ثالثها : عدم الوفاء ، رابعها : عدم الحياء ، خامسها : الحسد المتجاوز للحدّ. وعلى كلّ واحد منها شواهد ودلائل لا تخفى. إلى آخر الرسالة (١).

حجّه ورحلاته

تشرّف المترجم له رحمه‌الله بزيارة بيت الله الحرام مرّتين :

الأُولى : سنة (١١٨٦ ه‍. ق) وقد مدحه معاصره وأستاذه العلامة السيّد صادق الفحّام بقصيدة ، وأرّخ عام حجّه ، فقال من مطلعها :

للهِ دَرّكَ من عَميدٍ لم تَزَل

بالصالحاتِ مُتَيّماً معمُوداً

حقّ الركاب يَؤمّ بيتاً لم يزل

للناس من دون البيوت قصيداً

إلى أن قال مؤرخاً :

وبذلت أقصى الجهد في تاريخه

«نلت المنى بمنى وجئت حميداً»

والثانية : سنة (١١٩٩ ه‍. ق) ومعه الأعلام من السادة كالسيّد محسن الأعرجي صاحب المحصول ، والسيّد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة ، والشيخ محمّد عليّ الأعسم ، فقد مدحه الشعراء بحجّه هذا (٢).

وسافر إلى أكثر مدن إيران ، كزنجان وجيلان وقزوين ولاهيجان وطهران وأصفهان وله قضايا في هذه الأسفار مذكورة في محلّه نشير إلى قضية واحدة تعدّ من كراماته قدس‌سره :

__________________

(١) أعيان الشيعة ٤ : ١٠١.

(٢) ماضي النجف وحاضرها ٣ : ١٣٤.

٣٢

وهي : أن شخصاً ابتلي بوجع العين وعجز الأطباء والجراحون عن علاجه ، وكان الشيخ يومئذٍ في مدينة لاهيجان ، فحضر عنده ذلك الشخص ، فدعا له الشيخ وتفل في عينه ، فبرء (١).

أدبه ونبذة من إشعاره :

كان المترجَم له شاعراً أديباً ، وله أشعار ومطارحات مشهورة مع أُدباء عصره وعلمائه. ومن شعره مادحا أُستاذه السيّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي :

إليك إذا وجّهتُ مَدحِي وَجَدتُه

مَعيباً وإن كان السليمُ مِنَ العَيبِ

إذا المدحُ لا يَحلو إذا كان صادقاً

ومدحُكَ حاشاه مِنَ الكذبِ والريب

وقال أيضاً في مدحه :

لساني عن إحصاء فضلك قاصر

وفكري عن إدراك كنهك حاسر

جَمَعتَ من الأخلاق كلّ فضلية

فلا فضل إلا عن جَناحِك صادر

يكلفني صَحبي نَشيدَ مديحكم

لزعمهم أنّي على ذاك قادر

فقلتُ لهم هيهات لستُ بناعت

لشمس الضحى يا شمس ضوؤك ظاهر

وما كنت للبدر المنير بناعت

له أبداً بالنور والليل عاكر

ولا للسماء بشراك أنت رفيعة

ولا للنجوم الزهر هنّ زواهر

وقال مؤرخاً شفاءه السيد مهدي المذكور من مرض أصابه :

الحمد لله على عافية

كافية لخلقه شافيتك

قد ذاب قلب الوجد في تاريخها

شفاء داء الناس في عافيتك

وله قصيدة طويلة في رثاء أُستاذه السيّد مهدي الطباطبائي وإليك بعضها :

إنّ قلبي لا يستطيع اصطبارا

وقراري أبي الغداة قراراً

غشي الناس حادث فترى الناس

سكارى وما هُم بسكارى

غشيتهم من الهموم غواش

هشّمت أعظما وقدّت فقارا

لمصاب قد أورث الناس حزناً

وصغاراً وذلّة وانكساراً

__________________

(١) بهجة الآمال ٢ : ٥٤٠.

٣٣

وكسا رونق النهار ظَلاماً

بعد ما كانت الليالي نهاراً

ثَلُمَ الدين ثلمة مالها سدّ

وأولى العلوم جرحاً جباراً

لِمُصاب العلامة العلم المهدي

من [هو] بحر علمه لا يجارى

خلف الأنبياء زبدة كلّ

الأصفياء الذي سما أن يبارى (١)

ومن إشعاره :

أنا أشعرُ الفقهاء غَير مدافع

في الدهر بل أنا أفقه الشعراء

شعري إذا ما قلت دونه الوَرى

بالطبع لا بتكلّف الإلقاء

كالصوت في قلل الجبال إذا

علا للسمع هاج تجاوُب الأصداء

وإلى غير ذلك (٢).

مولده ووفاته ومدفنه

وُلِدَ المترجم قدس‌سره في النجف الأشرف سنة ١١٥٦ من الهجرة النبويّة. كما صرّح بذلك العلامة الطهراني في الطبقات.

وزاد في الهامش : وقيل (١١٤٦) وقيل (١١٥٤) والصحيح ما ذكرناه.

وقد صرّح به حفيده الشيخ عليّ بن محمّد رضا بن موسى بن جعفر في (الحصون المنيعة) ، وهو أعرف بولادة جدّه من غيره (٣).

وتوفّى يوم الأربعاء عند ارتفاع النهار في ٢٢ أو ٢٧ رجب سنة ١٢٢٨ ه‍. ق ، كما في مستدركات الوسائل. أو سنة ١٢٢٧ كما في روضات الجنات ، ويدلّ عليه ما قيل في تاريخ وفاته : العلم مات بيوم فقدك جعفر. ودفن في تربته المشهورة في محلّة العمارة بالنجف (٤).

وفي «ماضي النجف وحاضرها» توفّى يوم الأربعاء قبل الظهر ، في أواخر شهر رجب سنة ١٢٢٨ ، ودفن في مقبرة أعدّها لنفسه ، وهي قطعة من ساحة كبيرة أوقفها عليه أمان الله خان السنوي المتوفّى سنة ١٢٤١ ، وأجرى صيغة الوقف عليها في اليوم الثاني والعشرين من

__________________

(١) أعيان الشيعة ١ : ١٠٤.

(٢) العقبات العنبرية : ١٣٥.

(٣) الكرام البررة ١ : ٢٤٩. (٤) أعيان الشيعة ٤ : ٩٩.

٣٤

شهر ربيع الأوّل سنة ١٢٢٨ ه‍. ق ، وقد عمّر منها مقبرة ومسجداً محاذياً لها ، والمدرسة المعروفة بمدرسة المعتمد (١).

وفي الروضات : وكان قد توفّى في أرض الغري السري ، ودفن أيضاً بها من أولاده وعشيرته المنتجبين رضوان الله عليهم أجمعين وذلك في أواخر رجب المرجّب المبارك من شهور سنة سبع وعشرين ومأتين بعد الألف أعلى الله تعالى مقامه وأجزل برّه وإنعامه أمين ربّ العالمين (٢).

كشف الغطاء وكلمات الفقهاء فيه

وهنا ذكر نبذة من أقوال العلماء في كشف الغطاء :

١ ـ قال صاحب الروضات : ومن جملة مصنّفات صاحب العنوان ، كتابه المعروف المشهور المسمى بـ «كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء».

وقد خرج منه أبواب الأصولين أصول الدين وأُصولُ الفقه ومن الفقه ما تعلّق بالعبادات إلى أواخر أبواب الجهاد. ولم يكتب أحد مثله. ثمّ ألحق به كتاب الوقف وتوابعه ، ينيف ما خرج منه على أربعين ألف بيتٍ ، إلا أنّه فائق على كلّ من تقدّمه من كتب الفنّ. مع أنّه إنّما صنّفه في بعض الأسفار وهو في بيت السرير ، ولم يكن عنده من كتب الفقه غير القواعد للعِمة كما نقله الثّقات (٣).

٢ ـ وقال العلامة الطهراني : وآثارة غرّة ناصعة في جبين الدهر ، أشهرها وأهمّها : «كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء». وهو الذي اشتهر به ولقّبت بعده ذريّته وقد طبع في إيران على الحجر مراراً ، وهو أمر عظيم ألّفه في السفر ولم يكن معه غير القواعد للعِمة الحلّي (٤).

٣ ـ وقال المحدّث النوري : كان الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه‌الله يقول ما معناه : من

__________________

(١) ماضي النجف وحاضرها ٣ : ١٤٠.

(٢) روضات الجنّات ٢ : ٢٠٦. راجع العبقات العنبرية في الطبقات الجعفريّة : ١٨٠٣٠ تأليف العلامة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء ، تحقيق الدكتور جودت القزويني لمزيد الاطلاع على حياة المؤلّف.

(٣) روضات الجنّات ٢ : ٢٠٢.

(٤) الكرام البررة ١ : ٢٥١.

٣٥

أتقن القواعد الأُصوليّة التي أودعها الشيخ في كشفه فهو عندي مجتهد. انتهى.

ثمّ قال : وحدّثني الأُستاذ الشيخ عبد الحسين الطهراني رحمه‌الله قال قلت لشيخي صاحب جواهر الكلام : لم أعرضت عن شرح كشف الغطاء ، تؤدّي حقّ صاحبه وهو شيخك وأُستاذك ، وفي كتابه من المطالب العويصة والعبارات المشكلة ما لا يحصى؟ فقال : يا ولدي أنا عجزان من أووات الشيخ ، أي لا أقدر على استنباط مدارك الفروع المذكورة فيه : أو كذا أو كذا (١).

وموجز القول : أن الشيخ جعفر يبدو في هذا الكتاب ، وكأنّه محيط بالمسائل في عرض البعض ، وكأنّها حاضرة في ذهنه مع بعض ، فيجمع بين متشابهاتها المتناثرة ، ويستوفي شروط مشروطاتها ويكثر تقسيم منقسماتها ويفرّع كيف يحلو له ، لا يكترث بالترتيب السائد أو التقسيم المشهور.

وقد خاض في استنباط الأحكام على غير المتعارف ، واستدلّ كيف استدلّ ، لا يذكر أية ولا يذكر رواية ، بل معان كلية استلهمها من منابعها وصاغها بما يختصرها ويجمعها فهو استدلال لا مردود لمتانته ولا مقبول لغرابته.

فَقَهَ وَكَتَبَ وما نقل فانْتَقل ، فهو أُعجوبة دهره بثاقب فكره.

وتراه يختار ضيّق الطريق بوفد عريض ويكثر الاستدلال لما ليس إليه سبيل ، ولا عليه دليل ، وذكر فروعاً في الخنثى وذوي الرأسين لم يسبقه إليه مثيل ، وما لأحد فيه كثير ولا قليل.

وكلّما تعمّقت في هذا الكتاب لازددت عجباً واعتقدت أنّ العلم والفقه لا كما عقدا ، وأنّ الفقيه هو من يستلهم طريقاً صعدا ، ولا يتكأكأ ولا يكبو أبدا ، فلمثل هذا فليعمل العاملون.

وبالجملة فللكتاب ميزتان :

الأُولى : من حيث سبك التأليف ؛ لأنّه مشتمل على الأُصول الاعتقاديّة في الفنّ الأوّل منه مع الدلائل المتقنة والبراهين الساطعة في التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد ، بإيجاز واختصار. ولكن ذكر المؤلّف مبحث الولاية والإمامة بتفصيل.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣ : ٣٩٨.

٣٦

واستدلّ لها بالأدّلة العقليّة والنقليّة من الكتاب والسنّة القطعيّة ، وأشار إلى أكثر من عشرين أية نزلت في شأن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بعده عليهم‌السلام.

وكذا نقل أكثر من خمسين رواية متواترة نقلها الفريقان من العامّة والخاصّة في ذلك كحديث الثّقلين ، وحديث المنزلة وحديث الراية وحديث خاصف النعل وحديث الإخاء وحديث الطير المشويّ وغيرها.

وقال : «وقد روي من طريق أهل السنّة في هذا المعنى أمر الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام أكثر من ستّين حديثاً كلّها تشتمل على ذكر الاثني عشر وفي بعضها ذكر أسمائهم» (١).

الثانية : من جهة تحكيم المباني الأُصوليّة في استنباط الأحكام الشرعيّة ، حيث أنّ المسلك الأخباريّ صار ضعيفاً بالأدّلة القويمة التي أقامها أوّلاً الوحيد البهبهاني ، ثم استحكمها وقوّاها الشيخ جعفر كاشف الغطاء وهو من أجِلة تلامذة الوحيد ومن عاصره من الفقهاء العظام في ذلك العصر كالسيّد محمّد مهدي الطباطبائي بحر العلوم مؤلف «المصابيح» والسيّد محمّد جواد الحسيني العاملي صاحب «مفتاح الكرامة» والشيخ محمد حسن النجفي صاحب «جواهر الكلام» والسيّد عليّ الطباطبائي صاحب «رياض المسائل» وأبي القاسم بن محمّد حسن القمي صاحب «قوانين الأصول» و «غنائم الأيّام» ، وغيرهم من الفقهاء الأُصوليّين. جزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.

وذكر المؤلّف في الفنّ الثاني من الكتاب ستّاً وخمسين مبحثاً من المباحث الأصوليّة الدقيقة والقواعد المشتركة بين الفقه والأُصول التي قال فيها الشيخ الأعظم العلامة الأنصاري : من أتقن القواعد الأُصوليّة التي أودعها الشيخ جعفر في كشفه فهو عندي مجتهد. كما ذكرنا أنفاً.

مراحل تحقيق الكتاب :

الأُولى : وهي الحصول على النسخ المخطوطة له ، وقد حصلنا على نسخ معتبرة كتبت

__________________

(١) ص ٧٢ من هذا الكتاب.

٣٧

قريباً من حياة المؤلّف ، بالإضافة إلى النسخة الحجريّة المعروفة ، والنسخ هي :

ألف النسخة الخطّيّة من مكتبة المسجد الأعظم. بقم المقدّسة المرقّمة ١٥٨٥ وقد أشرنا إليها برمز «س».

ب النسخة الخطيّة من المكتبة الرضويّة في مشهد ، والمرقّمة ١٣٢ وقد أشرنا إليها برمز «م».

ج ونسخة خطيّة أُخرى من المكتبة الرضويّة ، المرقّمة ١٢٦٦١ التي أشرنا إليها برمز «ص» وتبتدأ من العبادات المالية.

الثانية : صفّ الحروف ومقابلة النسخ الخطيّة ، وتثبيت موارد الاختلاف.

الثالثة : استخراج الآيات القرآنيّة والأحاديث المرويّة عن النبيّ الكريم والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام والأقوال من مصادرها.

الرابعة : تقويم النصّ وهو أهمّ المراحل الذي يشمل تصحيح المتن عن الأخطاء العلميّة والمعنويّة والنحويّة والإملائيّة حيث وجدت ، وتزيينه بالفواصل المطلوبة ، وانتخاب النسخة الصحيحة ، والإشارة إلى سائر النسخ حيث لزم ، وتفسير بعض الكلمات الصعبة ، مع صياغة الهامش وتنظيمه.

الخامسة : المراجعة النهائيّة ، فقد تمّت مراجعة الكتاب مرّات عديدة لتجنّب الكبوة. وقد يتبقّى من الأخطاء ما يغتفر ، فإنّه من ملازمات طبع البشر. ويكون الكتاب حسب تجزئتنا في أربع مجلدات.

كلمة شكر وثناء :

وفي الختام نقدّم جزيل الشكر والثناء إلى كلّ المساعدين الذين ساهموا في تحقيق هذا السفر القيّم.

ونخصّ بالذكر منهم المحقّق المفضال حجّة الإسلام الشيخ عباس تبريزيان لمساعدته المستمرّة وإرشاداته في جميع مراحل العمل وإشرافه على عمل اللجان وكان على عاتقه تقويم النصّ والمراجعة النهائية في الجزأين الأخيرين من الكتاب.

كما ونخصّ بالشكر المحقّق الفاضل حجّة الإسلام الشيخ محمّد رضا طاهريان الذاكري

٣٨

الذي تابع عمل اللجان ونسّق بينها وراجع الكتاب نهائيّاً وقوّم نصّه ورتّب فهارسه في الجزأين الأوّلين وأعدّ مقدّمة التحقيق.

ونخصّ أيضاً الأخ المفضال حجّة الإسلام الشيخ عبد الحكيم ضياء لجهده البليغ في تقطيع النصّ وتخريج الآيات والروايات والأقوال.

وكذا الأخوة الأفاضل السيّد جواد الحسيني والشيخ عبد الحليم الحلّي وعادل البدري لمشاركتهم في مقابلة النسخ الخطيّة والنسخة الحجريّة للكتاب.

وكذا السيّد بلاسم الموسوي الحسيني الذي شارك في عمل التحقيق وكذا كان على عاتقه تنضيد الحروف وتصحيح الأخطاء وتنظيم الصفحات بكلّ دقّة وعناية.

والمرجوّ من المولى الكريم أن يتقبّله بقبول حسن. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

قسم إحياء التراث

مكتب الإعلام الإسلامي فرع خراسان

٣٩
٤٠