كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

فإنّهم لم يزالوا يتركون أفضل الأشياء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمواعظ والنصائح وهي أفضل الأعمال لصلاة نافلةٍ راتبة ، أو غير راتبة ولعيادة مريض ، وتشييع جنازة ، وزيارة مؤمن ، ومشايعته ، واستقباله.

فمن أمعن في طريقة الشرع نظره ، وأجال في تضاعيف الأخبار فكره ؛ علم بوجه اليقين أنّ الجمع بين الراجح والمرجوح من السنن ، سيرة سيّد المرسلين والأئمّة الطاهرين ، وجميع العلماء العاملين خلفاً بعد سلف.

(وقد يعرض الرجحان بسبب تعدّد المكان ، ويجري في جميع العبادات ، لمقتضى التعليل في الصلاة من شهادة الأمكنة) (١).

المقصد الحادي والعشرون

في أنّ الراجح من العبادات قد يعارضه ما هو أرجح منه ، بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، وهو ضربان :

منه : ما ينسخ رجحان المرجوح منها فلا يبقى صحيحاً ، كالنذر ونحوه ، والصوم بدون إذن المولى والوالد والزوج ، أو بشرط منع الأخيرين على اختلاف الرأيين لأنّ التوقّف على أمرهم وتقديم استئذانهم أهمّ في نظر الشارع من الدخول فيها من دون ذلك ، فحكم بفسادها لذلك ، وفي باقي المندوبات يتّحد الحال في العبد في كلّ ما له تصرّف بالبدن.

وفي غير المملوك ، أو فيه فيما لا يدعى تصرّفاً من حركة أو سكون أو مقال أو بعض جزئيّات الأفعال إنّما يحرم بالمنع.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٢١

وغير المملوك لا يحتاج إلى الاستئذان في شي‌ء منها ، مع عدم تفويت شي‌ء من الحقوق ، كطلب العلم من دون تعيّن والصلوات ، والدعوات ، والأذكار ، والسفر إلى الزيارات ، والخروج إلى بعض الطاعات أو إلى التجارات ، فإنّها إنّما تمنع بالمنع.

ويستوي حكم الوالدين بل الأجداد القريبة ههنا ، ولا تجب طاعتهم فيما فيه ضرر دنيوي من ترك الاكتساب ، أو أُخروي يخشى منه استحقاق العقاب.

ومنه : ما لا ينسخ الرجحانيّة ، بل يترتّب على المرجوح ما قرّر له من الثواب ، ولو أتى بالراجح كان له ما قرّر له منه.

وفقه المسألة (١) أنّ التكاليف إن صدرت من تابع ومتبوع فلا معارضة ، وإن صدرت من مستقلّين أصليّين تعارضت وتجي‌ء فيها مسألة التعارض.

وإن كانت من مستقلّ مستند إلى أمر آخر كالتعارض بين طاعة الله وطاعة من أُمر بطاعته إمّا بين واجبين ، أو محرّمين ، أو مختلفين فنحكّم طاعة الله ، ونخصّ دليل طاعة المخلوق عقلاً ونقلاً بنحو ما في نهج البلاغة من أنّه : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (٢). وكذا بين المتماثلين من الحكمين الآخرين.

ولو كان الحتم في طرف وخلافه في آخر قدّم الحتم ، والظاهر تمشية أصل البراءة وأصل الإباحة (فيما لا يتعلّق به الأمر لغير المملوك) (٣).

المقصد الثاني والعشرون

في أنّ كلّ ما اعتبر فيه القربة لا بدّ أن يقصد به وجه الله تعالى ، وكلّما كان مخصوصاً باسم الله لا يجوز لغير الله ، فمن نذر لنبيّ أو إمام أو وليّ قائلاً : لله عليّ كذا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو للإمام عليه‌السلام على معنى الصرف في ثوابه انعقد نذره. وإن لم يذكر الاسم فلا انعقاد ، والأحوط العمل ، موافقة لصورة النذر.

وأمّا السجود على وجه العبادة والامتثال لأمر المعبود ، فلا يكون لغير الله ، وأمّا بقصد التبرك بتمريغ الجبهة ، أو التشرّف بإصابة المكان الشريف ، أو المحبّة ، أو بقصد

__________________

(١) في «ح» زيادة : أنّ التعارض بين طاعة الله وطاعة ما أمر بطاعته ثمّ.

(٢) نهج البلاغة : ٥٠٠ الحكمة ١٦٥. وأُنظر الفقيه ٤ : ٢٧٣ ح ٨ ، والوسائل ١١ : ٤٢٢ أبواب الأمر بالمعروف ب ١١.

(٣) في «م» ، «س» : فيما لا يتعلّق الأمر غير المملوك.

٣٢٢

الشكر لله على أنّه وفّقه للوصول إلى أشرف البقاع ؛ أو لاستحضار عظمة الله عند النظر إلى قبر العظيم من أوليائه فلا بأس. وعلى بعض هذه الوجوه يُنزّل سجود الملائكة لآدم ، وسجود أبوي يوسف ليوسف.

وكذا الركوع ، إن كان على وجه العبادة ؛ فلا يجوز لغير الله ، وأمّا بقصد التعظيم ، أو استجلاب المحبّة ، أو طلب الحاجة ، أو مع استحضار عظمة الله فلا بأس به. فالركوع للأعاظم من السلاطين والخوانين ليس بمحظور.

إلا أنّ التواضع للجبابرة والمتكبّرين ، فيه إعلاء لشأنهم وزيادة في تعظيمهم ، وهو في أشدّ الكراهة ، إلا أن يقصد به جلب نفع أو دفع ضرر لا مجرّد ميل النفس الأمّارة.

والحاصل أنّ التواضع بالقيام وسماع أمر كلّ أمر وقضاء حاجة كلّ طالب وغيرها ، متى كانت بقصد العبوديّة ، قضت بكفر الفاعل ، فالأعمال تتبع المقاصد والنيات ، ويختلف حكمها باختلاف العبادات.

خاتمة

في أنّه ينبغي للعابد أن يستقلّ عبادته ، ويرى نفسه كأنّه لم يصنع شيئاً ؛ لأنّ جميع ما تقوّم العمل به لله ومن الله ، وليس للعامل حقيقة عمل. فالنفس منه ، والعقل منه ، والقوّة منه ، والحركة منه ، والسكون منه ، والتوفيق منه ، والشرائط منه ، وما يتوقّف عليه منه ، فلا ماء ولا لباس ولا بناء ولا قبلة ولا مكان ولا غيرها إلا منه ، وله في عمل غيره نظر آخر فلا يستحقره.

كما أنّه يلزم على العاصي استكبار المعصية وإن صغرت في نظره ، بالتأمّل في أنّ المعصية إنّما كانت بما هو له من قوى وجوارح وقوّة ونحوها ، وأنّها أُعيرت له لينتفع بها في جهة خاصّة ، والتجاوز عنها خيانة للأمانة ، وبالتأمّل في نعمته ، وفي حقارته في مبدئه وغايته ، وأنّه بمنزلة الخلاء أو أدنى منه ، لاشتماله على قذارات فوق قذاراته ، وبالنظر فيمن عصى ، وعلى من تجرّى ، فيجد أصغر الصغائر أكبر الكبائر.

ثمّ من تمام صفات الملك والملكوت والكبرياء والجبروت والعظمة والسلطان و

٣٢٣

الرضا والغضب والثواب والعقاب واللطف والرحمة.

وإنّما تكون المؤاخذة بعد ظهور الاستحقاق ، وإنّما يكون ذلك بعد الاختبار بالتكليف ، لئلا يكون للناس على الله حجّة.

ولولاه لنقصت صفات الكمال ؛ لأنّ ظهور (١) كلّ صفة صفة كمال ثانية ، وهو لطف ، وخلافه خلاف اللطف على المكلّفين ، إذ لولاه لفات شرف العبوديّة والخدمة ، والإتيان بصورة العوض لدفع عار عدم الاستحقاق ، ولفاتت لذّة السلامة والنجاة ، وعلوّ الدرجة ، والاختصاص بمن أخلص لله والتكليف إنّما يكون تكليفاً حيث يخالف الهوى والإرادة.

ولما كان المكلّفون على أقسام منهم ذو كسل يشقّ عليه العمل ، ومنهم من غلب عليه حبّ المال ، ومنهم من غلب عليه حبّ الملاذ من الطعام والشراب والنساء ، ومنهم من غلب عليه حب الأهل والوطن وعدم الخروج عن المسكن ، ومنهم من غلب عليه حبّ الحياة ، فاختُبِروا بالصلاة والزكاة وما يشبههما ممّا يتعلّق بالمال أو البدن ، وبالصيام المانع عن الملاذّ ، وبالحجّ المفرّق عن الأهل والوطن ، وبالجهاد الباعث على ذهاب النفوس. وإذا تأمّلت في جميع التكاليف واجباتها ومحظوراتها وجدتها راجعة إلى مثل ما ذكرنا.

ثمّ إنّ هذه العبادات صور ، ولها حقائق تشير إليها ، وأسباب هي الباعثة عليها ، فالأمر بالطهارة الصوريّة يشير إلى الطهارة المعنويّة ، والركوع والسجود وجميع أجزاء الصلاة تشير بخشوعها وتذللها الظاهري إلى طلب الحقيقة المعنويّة ، والصيام إلى الإمساك عن المعاصي ، وهكذا.

ومرجع الجميع إلى حبّ الله تعالى ؛ فإنّ المحبّ الحقيقي يبذل نفسه وبدنه وشهوة نفسه وأهله ووطنه في رضا محبوبه ، وكذا المملوك إذا اشتدّ خوفه من مولاه بذل جميع ذلك.

__________________

(١) في «ح» زيادة : كمال

٣٢٤

المقام الثالث : في مشتركات العبادات البدنيّة

وهي أُمور :

منها : أنّه كما يُؤمر المكلّف بفعل الواجبات من الصوم والصلاة والطهارة وغيرها وتُرك المعاصي ، وتُراد منه ، كذلك يُراد منه أن يحمل عياله وأهل بيته على فعلها وتركها بخطابٍ ليّن ، ثمّ خشن في غير الوالدين ، ثمّ هجر وإعراض بوجهه كذلك ، ثمّ في المنام لطالبه ، ثمّ ضربٍ من دون استئذان من حاكم الشرع ، من غير فرق بين عبده وزوجته وغيرهما.

وكلّ من كان عاصياً مهملاً قريباً أو بعيداً مع العلم وظنّ التأثر ، وعدم ترتّب الفساد أو الازدياد منه أو من غيره ؛ مع احتمال المعاودة (١) إلا أن تسبق منه التوبة ، وتثبت عند الأمر والناهي يجب حمله على ذلك ، ويجري الحكم في جميع الواجبات والمحظورات ، ويستحبّ ذلك في المستحبّات والمكروهات على وجه الإيجاب أو الندب.

وقد ابتُلي الناس بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتّى أنّ كثيراً من العلماء والصلحاء وقع عليهم أعظم البلاء ، يرون أنّ الله يعصى بالعيان ، ولا ينصرونه باليد ولا باللسان ، فلا يردّون أحداً عن معصية الملك العلام ، ولو كان من الأزواج أو الأولاد أو الخدّام. وربما كان إثمهم أعظم من إثم الفاعل ؛ لأنّ العامل تحمله اللذة وحبّ الراحة على المعصية ، والمغضي إنّما حمله قلّة الاكتراث والاعتناء بنصرة خالق الأرض والسماء.

هذا إذا كان التارك للواجب أو الفاعل للحرام مقصّراً ؛ لعدم معذوريّته.

أمّا لو كان معذوراً لجهل محضٍ في الحكم يعذر به ، أو بالموضوع ، أو سهو ، أو نسيان ، أو نوم ، أو دهشة ، أو فرح ، أو همّ غالبة عليه ، فيختلف الحال باختلاف الأحوال ؛ لأنّ ذلك إن كان في أمر الأعراض كهتك النساء وسبيهنّ ؛ لتوهّم الكفر المسوّغ لذلك ، ويتبعه الاغتياب والهجو مع معذوريّة الفاعل لنسبته إلى فسق قد اشتبه بنسبته إليه ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : وعدمها.

٣٢٥

أو في الدماء والجروح ، كما إذا كان مشتبهاً بأنّه كافر ويستحق القصاص عليه. أو في المحال التي أمر الله تعالى بتعظيمها لشرافتها ، كما إذا اشتبه بمسجد أو روضة محترمة ؛ فأراد التخلّي فيها ، وكذا جميع ما علم من تتبّع الشرع عدم اختصاص التكليف بالفاعل المباشر ، بل يشاركه المطّلع فيها فيجب التنبيه.

وإذا كان في المال ، كإتلاف مال المسلم مع اشتباهه بماله ، أو زعم المأذونيّة فيه ، أو مال فيه الخمس والزكاة ، فلا يبعد إلحاقه بما سبق.

(والحمل على المنكر أشدّ إثماً من ترك النهي عنه ؛ وليس منه حمل الغير على المعصية بتسليم ماله إليه لا من جهة عمل حرام استند إليه ، بل من جهة حرمة الأخذ عليه ، كالدفع إلى السارق والعشّار مع الاختيار لتسلّط ربّ المال على ماله ، ولما علم من تتّبع الأخبار (١) ، والسيرة الظاهرة ظهور الشمس في رائعة النهار.

ولا المعاملة على تحصيل حقّ يصالح مع مبطل ، وإن علم إبطاله وحرمة الصلح من جانبه.

وكذا طلب اليمين من المدّعى أو المنكر مع العلم وجحوده وحرمة اليمين عليه ، وحمله على البراءة ، ولعن نفسه ، وقضيّة اللعان ، والمباهلة ، والحمل على كشف العورة لمعرفة البلوغ.

وكذا المصالحة على يمين المنكر بإسقاط حقّ المدّعى مع علم المدّعى بعلم المنكر بثبوت حقّه ، من حاكم عدل أو جور أو نحوهما ، ولا اعتبار لحضور المجتهد ، لأنّها معاملة لا مرافعة.

وكذا مصالحة المدّعى على اليمين المردودة لإثبات حقّه على المنكر ، وسببيّة الإلزام تكون بطريق الحلال والحرام.

وليس من النهي عن المنكر ما يرجع إلى النفس ؛ لأنّه مقام عفو ، ويحتمل ضعيفاً استثناء المجتهد ؛ لنيابته ، وفيما عُلِم من سيرة الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ما ينفيه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٣ ح ١ ، ٢ ، ٤ ، ٥ ، الوسائل ٦ : ١٧٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٠ ح ٣١ ، وج ١١ : ٩٣ أبواب جهاد العدو ب ٤٦ ح ١٠.

٣٢٦

والجبر على المعصية معصية ، وإن لم تكن معصية في حقّ المجبور ، لقوّة السبب وضعف المباشر) (١).

وأمّا ما تعلّق بالعبادات كالطهارات ونحوها ، فإن كان فيما يصحّ مع الجهل كالطهارة من الخبث فيما لا تتوقّف الطهارة من الحدث على زواله ، والجهر والإخفات والقصر والإتمام في محلّ العذر ، والاستقبال بين المشرق والمغرب ، وانكشاف العورة في الصلاة فلا يلزم التنبيه عليه ، بل لا يستحبّ فيما عدا الأخير ؛ لأنّها من الشرائط العلميّة دون الوجوديّة.

وأمّا ما كان من الشرائط الوجوديّة أو التكاليف الأصليّة كالطهارة من الحدث ، ولبس غير الخزّ من غير المأكول والحرير والذهب للرجال ، أو العبادات الأصليّة كالصلاة والصيام ونحوهما مع الوجوب أو الندب ، أو المحرّمات الشرعيّة كأكل النجس ولحم الميّت وشرب الفقّاع ونحوها فلا يجب تنبيه النائم والغافل ونحوهما عليها.

والظاهر أنّه يستحبّ ذلك ؛ لأنّ ذلك حال المماليك في حقّ مالكهم ، ولأنّه يدخل في باب شكر النعمة ، ولأنّه يرجح في نظر العقل تنبيه النائم والغافل خوفاً من فوات بعض الملاذّ الجزئيّة الدنيويّة عليه من مأكول ونحوه ، فكيف لا يرجح ذلك لخوف فوات النفع الأبدي؟! والذي يظهر من طريقة السلف ، ووضع الأذان ، والجهر بنافلة الليل معلّلاً بتنبيه الغافل وإيقاظ النائم (وحديث فعل عليّ عليه‌السلام ليلة الجرح (٢) ، وحديث : «إذا أيقظ الرجل امرأته من اللّيل ، فصلّيا حُسبا من الذاكرين» (٣) وظاهر النافلة فضلاً عن الفريضة ، وفي حديث الديك : أنّه نهي عن سبّه لأنّه يوقظ للصلاة (٤)) (٥) العمل على الاستحباب.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) قرب الإسناد : ١٤٣ ح ٥١٥ ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب لابن عساكر ٣ : ٣٦٣ ح ١٤٢٢ ، مروج الذهب ٢ : ٤٢٤ ، الوسائل ٥ : ٣٧٠ أبواب قضاء الصلاة ب ١٣ ح ١ ، البحار ٤٢ : ٢٠٦ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٤ : ١٢٥٧ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ١٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٢٣ ب ١٧٥ كتاب إقامة الصلاة.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٨٤ ب ٣٩ ح ٣ ، مسند أحمد ٥ : ١٩٣.

(٥) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٢٧

وإنّما أوردنا البحث في هذا المقام وهو جارٍ في كلّ واجب وحرام ؛ لزيادة الاهتمام.

ومنها : لزوم المباشرة وعدم إجزاء النيابة فيها ؛ للأصل ؛ ولاقتضاء ظاهر الأمر بالفعل مباشرته لا مجرّد وجوده ، إلا مع القرينة ، ولأنّ الغرض منها غالباً ليس مجرّد وجود الفعل ، بل حسن الخدمة المشتملة على الخشوع والخضوع والتذلّل ، ولا تتمّ إلا بالمباشرة.

فالذي يقتضيه الأصل من اشتراطها ، وظاهر الخطاب ، وحكمة التكليف أنّ العمل لا يصحّ بدونها من صلاة أو صيام أو أذكار أو دعوات أو تعقيبات أو تلاوة قران ، عينيّة أو كفائيّة ، فرضيّة أو نفليّة إلا ما علم أنّ غرض الشارع منه نفس الإيجاد من المكلّف بمباشرته أو بالواسطة ؛ وأنّ النيابة فيه كافية عن الأموات مطلقاً ، والعاجزين من الأحياء في بعض الأشياء ، وعن القسمين معاً في الحجّ والعمرة وذبحهما ونحرهما ، والزيارات وما يتبعهما من الصلوات إلى غير ذلك من المنصوص في الروايات ، والجواز فيها ضمنيّةً لا يستلزم الجواز فيها أصليّةً.

وينعكس الحال بالنسبة إلى الأفعال ، بل الأقوال على احتمال في المعاملات ، فإنّها وإن اقتضى ظاهر الطلب مباشرتها ، لكنّ الظاهر من حال المعاملين طلب وجودها بعد شغل الذمّة بها من أيّ موجدٍ كان ، فشغل ذمّة الأُجَراء مثلاً بالأعمال كشغل ذمّة المدينين بالمال إنّما غرضهم وصول المال ، فإذا أجر الأجير نفسه على عمل عبادة أو غيرها عن حيّ أو ميّت فقد شغل ذمّته به ، ووجب عليه السعي في إيجاده من أيّ موجد كان ، إلا إذا شُرطت عليه المباشرة ، أو علمت إرادة الخصوصيّة من خارج ، ولو من زيادة الأُجرة ، فيتعيّن عليه حينئذٍ.

كما أنّه قد يتعيّن عليه خلاف المباشرة بقرينة عدم قابليّته ولياقته وأهليّته.

وقد يقال بالفرق بين أن يقول الأجير : أجرتك نفسي على أن أفعل كذا ، وأن يقول : عليّ فعل كذا ، وبين قول طالب المنفعة : صالحتك بكذا ، وجعلت لك كذا على عمل كذا ، وقوله : على أن تعمل كذا ، فتلزم المباشرة في الأوّل من الأوّل ، والثاني من الثاني.

وفي مواضع صحّة الاستنابة في الواجبات يجب مع العجز تحصيل النائب مجّاناً

٣٢٨

أو بعوض لا يضرّ بالحال ، ويقتصر فيما تختصّ النيابة فيه بالعاجز على مقدار ما عجز عنه ، فمتى عرضت له القدرة باشر الأجزاء الباقية ، ومثله ما إذا انتقل فيما ليس فيه نيابة من حال تطلب من القادر إلى ما لا يصحّ إلا من العاجز ، فإنّه متى عادت إليه القدرة أتى بعمل القادر إن كان العمل قابلاً للتبعيض والاشتراك. هذا كلّه في العبادات البدنيّة.

وأمّا الماليّة من زكاة أو خمس أو صدقات مندوبات أو كفّارات فلا شكّ في جواز النيابة فيها ، ومن وجبت عليه المباشرة وأمكنه التوصّل إليها ببعض الوجوه وجب عليه ذلك.

ويشترط في النائب في الأعمال المتولّي للنيّة : البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، والإيمان ؛ بل العدالة في وجه قويّ ؛ لعدم إمكان العلم بالنيّة. وتمشية أصل الصحّة في فراغ ذمّة الغير بعد شغل ذمّته محلّ منع.

والذي يراد منه الصورة الاطمئنان بحصولها من أيّ سبب كان ، سوى ما يمنع من نيّة القربة كحرمة المباشرة ؛ لاستلزامها المسّ الحرام ، ونحوه. ومع عدم البصر أو النظر لا بدّ من العدالة والاعتماد على الأقوى.

ولا ينافي المباشرة حصول الأثر على البدن (١) بمساعدة جماد ، ولا بمساعدة بهيمة ؛ على إشكال في الأخير.

وتتحقّق المباشرة باستقلال العامل ، ومع انضياف غيره إليه مع صحّة إسناد الفعل إليه ، أو إلى كلّ واحد منهما ، ولو صحّ إسناده إلى المجموع دون الواحد أو إلى الخارج دون العامل انتفت المباشرة. والترتّب على فعل فاعل من غير قصده ، كالترتّب على وضع [بدنه] (٢) تحت مائه المتقاطر من غسله ، لا ينافي المباشرة على إشكال.

ولو دار الأمر بين الأجزاء قدّم مباشرة الأشدّ وجوباً على غيره ، ولو عكس عصى ، وفسد عمله ويحتمل ترجيح المقدم.

ومنها : أنّ النائب في العبادات يلزمه في عمله الإتيان به على وفق ما يُراد من المنوب عنه

__________________

(١) في «ح» زيادة : لقضاء المؤثّر في نفسه ، ولا.

(٢) «بدنه» ليس في النسخ ولكن وضعناه لاستقامة العبارة.

٣٢٩

من جهة العمل ، لا خصوص العامل من شطور وشروط ووظائف وارتفاع موانع ، عملاً بمقتضى ظاهر النيابة.

أمّا ما كان لخصوص العامل كصفة القدرة والعجز في الشروط أو المنافيات ، أو الأجزاء دون الجزئيات كضروب الكفّارات وأنواع الحجّ وكجواز الإخفات في محلّ الجهر ، ولبس الذهب والحرير وكشف الرأس للأمة والصبيّة وبعض آداب الصلاة ، كوضع اليدين على الثديين ، والكفّين أعلى من الركبتين في الركوع ، والتقارب (١) بين القدمين ، وإلصاق البدن بما تحته حال السجود ، والهويّ مع الانسلال ، والأخذ بالقيام مع الاعتدال ، ونحوها ممّا يتعلّق بالنساء (٢) ، ووجوب الجهر في موضع الجهر ، ووضع الكفّين على الركبتين في الركوع ، والتجافي في السجود ونحوها للرجال فلا يتحد فيها الحكمان ، بل كل يعمل على مقتضى حال نفسه.

(وأمّا ما كان من صفات الفعل اللاحق لذاته فيتبع فيه النائب المنوب عنه) (٣) ، ومن هذا القبيل القضاء عن الميّت بالنسبة إلى الترتيب ، فإن لزومه على الظاهر من جهة حياة العامل دون أصل العمل.

فكلّ من الرجال والنساء إذا ناب بعضهم عن بعض في صلاة أو حجّ أو عمرة أو طهارة يأتي بحكم نفسه لو كان أصيلاً ، وكذا العاجز عن القادر ، والقادر عن العاجز ، ومؤوف اللسان بخرس أو لثغة عن صحيحه ، وصحيحه عنه.

وما لا يتبدل من العمل بتبدل وصف المنوب كصلاة سفره قضاءً في حضره

__________________

(١) في «ح» : التقارن.

(٢) روى ذلك زرارة قال : «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرّج بينهما ، وتضمّ يديها إلى إلى صدرها لمكان ثدييها ، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتها ، فإذا جلست فعلى إليتيها ليس كما يقعد الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثمّ تسجد لاطئة بالأرض ، فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض ، فإذا نهضت انسلّت انسلالاً لا ترفع عجيزتها أولاً» الوسائل ٤ : ٦٧٦ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٤.

(٣) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : ويجري في صفات الأصل وفي صفات العذر مطلقاً ابتداء واستدامة ، على إشكال في الأول من الأخير ، وفي الأنواع كما في الكفّارات والحجّ مثلاً استدامة.

٣٣٠

وبالعكس لا يتبدّل بتبدل وصف النائب ، ولا باختلاف الوصفين فيهما ، بل يتبع حكم المنوب عنه ، ويلزمه حيث يكون أجيراً ما هو المتعارف بين النوّاب مع الإطلاق واجباً أو مندوباً ، كما يلزم ذلك في غير العبادات ، بخلاف عمل نفسه وعمل التبرّع والتحمّل الشرعي كالتحمل عن القريب فإنّ له في ذلك الاقتصار على الواجب.

وفي الفور والتراخي أيضاً يبنى على المتعارف ، ولا يحرم التأخير مع عدم القرينة حتّى يدخل تحت الإهمال وقلّة الاعتناء.

وللمستأجر أن يستنيب غيره إذا لم يفهم اشتراط المباشرة ، ولو عزم أن يأخذ بزائد ، ويعطي بناقص وعلم بأنّ المستنيب لو علم بذلك لم يستأجره ، كان من الخدع الحرام ؛ ومع عدم العلم بذلك لا ينبغي للورِع تعاطي ذلك.

ولو كان عليه قضاء لنفسه وقلنا بالتوسعة كما هو الحقّ جاز أن يوجر نفسه ، ويعمل للمستأجر أو يعمل متبرّعاً.

وعلى القول بالفور في قضاء نفسه تبطل الإجارة مع تقيدها به ، ويصحّ العمل. وكذا ما كان عن إجارة سابقة على القول بعدم النهي عن الضدّ وكذا عمل التبرّع.

ولو أخذ عليه الفور بطل القضاء عن نفسه على القول بتوسعته ، بناءً على الفرق بين الخطابات الشرعيّة البدنيّة ، وبين الحقوق المخلوقيّة.

وتجوز النيابة عن الأموات في جميع عبادات الأحياء مع فواتها عليهم وعدمها ، من صلاة يومية واجبة أو نافلة ، وعبادة ماليّة من زكاة أو خمس أو صدقات مندوبات كائنة ما كانت.

والنائب المتولّي للنيّة يلحقه حكم الشكّ وكثرته ، والفراغ وعدمه ، والسهو ، وباقي الأحكام وغير المتولّي لها في جري الحكم عليه ، أو على المنوب عنه ، أو عليهما ، أو الفرق بين ذي الاطّلاع وغيره ؛ وجوه.

ومنها : إباحة الآلات التي يباشر بها العبادة ، كالات الجهاد في الجهاد ، من السيف والرمح والدرع وفرس الركوب وسرجها وما يلحقها من عنان ونعل ووطاء ونحوها ، وكذا ما يوضع فيه أو عليه الطهور من الحدث من ماءٍ أو تراب من ظرف مغصوب ،

٣٣١

أو إنيةٍ من أحد النقدين ، وإن وجد المباح قريباً منه ، قصد التفريغ (١) أو لا ، إلا مع الانطباق عليه ، والمقارنة معه اتّفاقاً.

وأعضاء النائب في مقام النيابة ، وآلات العاجز عن القيام مثلاً ممّا يعتمد عليه من عصاً ، أو حيوان مملوك ، أو إنسان كذلك ، أو حرّ من غير إذن منه أو من المالك ، مع علمه بذلك وعدم الفحوى.

والشاك في الرخصة كالعالم بالحرمة ما لم يدخل تحت الآية (٢) ، ولا تؤثّر إجازة المالك (٣) في صحّة العمل.

ولو تعلّق بجزء مشاع وإن قلّ كجزء من ألف جزء جرى عليه حكم الغصب في الكلّ.

ولو أذن المغصوب منه في العبادة مطلقاً أو في عبادة خاصّة صحّت ، ولو أذن في غير العبادة دونها بطلت.

وما دخلت فيه القربة ، ولم تكن شرطاً فيه كحفر القبر ، وتقطيع الكفن ، والتكفين ، والدفن فحرمة الآلات المستعملة فيها لا تنافي الصحّة.

وآلات الدفع ممّا تتحقّق به العبادة غالباً لا بدّ من إباحتها فيها ، وأمّا ما يحصل قبضه بالتخلية مثلاً وقد يقارن الآلات فلا.

ومنها : أن تكون منافع البدن مملوكة له ، وله عليها سلطان ؛ فلا يجوز للعبد مطلقاً ولا الأجير مع المضادّة لما استؤجر له أن يعملا سنة ، فلا يجوز للعبد مطلقاً العمل من غير استئذان سوى عبادة الفكر ، ويقوى مثله في عبادة الذكر ، لكنّ السيّد إذا صرّح له بالمنع امتنع.

وأمّا الواجب فلا يطاع مخلوق في تركه كما لا يطاع في الإثم بفعله ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

__________________

(١) في «م» ، «س» : التفريع.

(٢) آية ٦١ من سورة النور.

(٣) في «س» : العامل

٣٣٢

وإذا كان المملوك مبعّضاً فله التسلّط في أيّام نوبته بعد المهاياة ، ولو تعدّد الشركاء اعتبر رضا الجميع.

وفي إدخال الكفّين أو القدمين المقطوعة من الغير المأخوذة قهراً من المقطوعة منه ، الموصولة بمقطوع من آخر تحت الغصب مع عدم إعراض الأوّل وجه قوي. وتترتّب عليه فروع كثيرة.

ويقوى في النظر إجراء حكم المندوب في تأخير الموسّع ، مع عدم بلوغ حدّ التهاون ، وفعل الواجب الكفائي مع قيام الغير به.

والذي يعلم من السيرة المأنوسة ، والطريقة المعروفة من تتبّع أحوال الشرع ؛ أنّه لا يلحق بدن العبد في تصرّفه به في العبادات الجزئيّة فعليّة أو قوليّة (١) بأموال الناس حيث لا يجوز التصرّف فيها إلا مع العلم بالإذن. بل يكفي هنا مجرّد المظنّة ، بل الشكّ في ذلك.

وكذا حال الولد مع الوالد ، بل هذا أيسر من السابق إلا في مسألة النذر ونحوه فإنّ صحّته من الولد أو العبد أو الزوجة موقوفة على سبق الإذن ، أو إجازته بعد ، في وجه قويّ ، وقد علم الحال ممّا تقدّم.

ومنها : أن لا يبلغ في عبادته حدّ الطاقة ولزوم الحرج ، فمتى تجاوز حدّ الوسع فسدت عبادته.

وإذا حصل لها مانع من ضرر معتبر في بدنه أو تقيّة فعمل معرضاً عنه بطل عمله ، وإن زال بعد تمامه (لأنّ التكليف به من الحرج) (٢).

والمدار في التقيّة على معرفته مع استقامة مزاجه ، فالجري‌ء والجبان الخارجان عن العادة لا اعتبار برأيهما ، وفيما يسمّى خوفاً مع الظنّ أو الشكّ أو الوهم القويّ ؛ لأنّ المدار على ما يدخل في اسم الخوف ، فإن لم يكن له قوّة مميّزة تفرّق بين الضارّ وغيره ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : مع عدم منافاة حقوقه عملاً بعموم نفي الحرج ، وبقائه على ظاهره ، وكونه عاما مخصوصاً ، أو يراد به أن الأمر بالشي‌ء كاشف عن عدم الحرج ؛ بعيد ، والحرج على النوع يجري حكمه في الأفراد.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٣٣٣

أو كان جباناً أو جريئاً غلب جُبنه أو جُرأته عليه قلّد.

ومنها : أنّه لا تجوز المعاوضة عليها بعقد جائز أو لازم من إجارة أو صلح أو جُعالة أو غيرها إذا كانت ممّا لا تصحّ النيابة فيها ، فعلاً كانت أو قولاً ، فرضاً كانت أو نفلاً ، تعيينيّة كانت أو كفائيّة ، معيّنة أو مخيّرة ، موسّعة أو مضيّقة ، مرتّبة أو غير مرتبة.

وأمّا ما تقع فيه النيابة ويعود نفعه إلى باذل العوض ، فإن كان ممّا يلحق بالمعاملات كخدمة المساجد والروضات ، بكنسها ووضع القناديل والسرُج فيها ، وخدمة العلماء والصلحاء ، وتعمير المساجد والأوقاف والقرآن والكتب المحترمة وتعليمها ، ونحو ذلك ، فلا بأس بأخذ العوض عليها ما لم تجب على فاعلها ، كإزالة النجاسة من المساجد ويقوى لحوق الروضات بها والتعليم الواجب للواجبات ، والسنن الشرعيّة التي يجب تعليمها كفاية ، وكذا الأعمال الواجبة الكفائيّة.

(فأخذ العوض على الواجبات عيناً أو كفاية لا يجوز كالواجبات العقليّة والعاديّة ؛ لسبق الملكيّة من الخالق أو المخلوق) (١) ، إلا فيما دخل في باب المعاملات من الواجبات الكفائيّة ، وإن تعيّنت بالعارض للانحصار ، كأعمال الصنائع (لأنّ وجوبها مقيّد بأخذ العوض) (٢).

وأمّا ما دخل في المقاصد الأُخرويّة فالواجب بقسميه منها لا تصحّ المعاوضة عليه ، وأمّا المندوب فإن كان مطلوباً على التعيين ولا يعود نفع منها بسبب النيابة إلى المنوب عنه كصلاة الأحياء من الرواتب وغيرها ؛ فلا تجوز المعاوضة عليه.

وإن كان من المستحبّات الكفائيّة ويعود نفعه إلى الغير كالمسنون من أجزاء غسل الميّت ، وحفر الزائد على الواجب من القبر ، والتكفين بالقطع المستحبّة ، ونحو ذلك فيجوز أخذ العوض عليه.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ح» : فأخذ العوض على الواجبات الشرعيّة عيناً أو كفاية لا يجوز على فعل الواجبات العقليّة أو العاديّة ؛ لسبق اللّزوم والإلزام من الخالق أو المخلوق.

(٢) بدل ما بين القوسين في «س» : لأن دخولها مقيد بالعوض. وفي «م» : فلا يعود نفع منها بسبب النّيابة.

٣٣٤

وأخذ العوض على الأذان والإقامة وصلاة الجماعة دلّ الشرع على حرمته (١).

والحاصل أنّ المقيّد بالعوض لا يفرّق بين ندبه وواجبه عينيّة وكفائيّة في جواز المعاوضة. وكذا ما لا يختصّ نفعه بالعامل من الندب ، وأمّا المطلق غير المختصّ فيفرّق فيه بين الندب وغيره ؛ لأنّه لم يملك على العامل ، ولم يتعيّن عليه.

وفي أخذ العوض على حفظ المحترم كإنقاذ الغريق والحريق وإطعام الجائع وسقي الظمآن المشرفين على التلف ، وإخراج المحترم من مال الغير كالقران وغيره من المحترمات (من محل الإهانة) (٢) إشكال ، كما في ارتجاع عوض المبذول على ذلك.

والأقوى عدمه إذا لم يكن عن طلب ، بل بأمر الشارع ؛ لأنّ أُجرة الأعمال على الأمر إلا أن يعلم أنّ أمر الله من جهة الولاية.

ولا منافاة بين بذل العوض في مقابلة العبادة التي تصحّ فيها النيابة وبين نيّة القربة ، فإنّ عقد المعاوضة يؤكّد مطلوبيّتها شرعاً ، وينقلها من الاستحباب إلى الوجوب غالباً ، كما في الملتزمات بالنذر والعهد ونحوهما ، وجواز ذلك في الحجّ والعمرة وصلاتهما مع القطع به أبين شاهد على جوازه ؛ إذ لا معنى للاقتصار عليها وجوازها بدون نيّة ، وفي عموم أدلّة الإجارة (٣) بعد إحراز جواز النيابة كفاية ، نعم لو كان المحرّك على العمل حبّ العوض لا حبّ الله كان العمل باطلاً. لخلوّه عن القربة.

ويلحقها حكم المعاملات فتجوز فيها المعاطاة ، وتجري فيها مسألة الفضولي ، وتعتبر فيها الشروط ، وتجب فيها السنن إذا دخلت في المتعارف.

ولا يجري حكم التطوّع وقت الفريضة وصيام التطوّع لمن عليه قضاء.

والفوريّة فيها والتوقيت يتبع الشرط ، ولهذه المسألة دخل في باب المعاملات ، لكن قصرنا ذكرها على الأهمّ.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٦٦٦ ب ٣٨ من أبواب الأذان والإقامة ح ١ و ٢ ، وراجع السرائر ٢ : ٢١٧.

(٢) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : من غير طلب.

(٣) انظر الفقيه ٣ : ١٠٦ ح ٤٤٢ ، الوسائل ١٢ : ١٧٥ أبواب ما يكتسب به ب ٦٦ ح ٢٨ ، وج ١٣ : ٢٤٤ كتاب الإجارة ب ٢ ح ٣.

٣٣٥

المقام الرابع : في مشتركات الطهارة بالمعنى المجازي العامّ لرافع الحدث والمبيح والرافع للخبث وغيرها من الوضوءات والأغسال الموظّفة المسنونة

وهي أُمور :

منها : طهارة ما يتطهّر به عند الاتّصال مع القابليّة للاتّصاف بها لا كتطيهر الشمس والاستحالة ونحوهما ، فإنّهما لا قابليّة لهما للاتّصاف بها كالأجسام المطهّرة بمباشرتها من ماء أو إله استنجاء أو تراب ولوغ ، أو ما يتيمّم به من أرض أو تراب أو غيرهما ، أو أرض تطهّر أسفل النعل وأسفل القدم ، فلا يجوز التطهير بشي‌ء منها مع سبق نجاسته على اتّصاله.

أمّا لو تنجّس به بعد اتّصاله فلا مانع من أن يجرّ عرض النجاسة إلى نفسه ، ويطهّره بانفصاله. ولا فرق في المنع بين التطهير بالنجس أو المتنجّس بين ما تسري نجاسته لرطوبته (١) أو لا.

والظاهر أنّ انفصال الجزء عن المحلّ بعد تلوّثه متجاوزاً عن المحلّ أو لا لا يمنع عن التطهير به مع بقاء الأجزاء الأُخر متّصلة.

فكلّ نجس أو متنجّس لا يطهّر شيئاً من جهة ذاته ، وإن طهّره من القذر بإزالته في بعض المواضع كما في الحيوان أو بإحالته أو قلب حقيقته.

ولا فرق بين الطهارة الحقيقيّة والصوريّة ، كوضوء الجنب والحائض.

وتوابع الطهارة يجري فيها حكم متبوعاتها ، كغسل الكفّين والمضمضة والاستنشاق قبل الوضوء والغسل ، بل إلى ما يتعلّق بالآداب كغسل اليدين قبل الطعام لو اضطرّ إلى أكل النجس ، وأجرينا السنّة فيه ، أو قلنا باستحبابه له ، ولو لم يباشره بيده.

وتغسيل الكافرة المسلمة ، والكافر المسلم لو قلنا بصحّته وإن استلزم إصابة الماء بدنهما كان خارجاً بالنص (٢).

__________________

(١) في «م» ، «س» : برطوبته.

(٢) انظر التهذيب ١ : ٣٤٠ ح ٩٩٧ ، والفقيه ١ : ٩٥ ح ٤٣٦ ، ٤٣٧.

٣٣٦

كما أنّ تأثير الماء المتنجّس في الاستعداد للطهارة في غير الغسلة الأخيرة فيما يجب فيه تعدّد الغسلات ، وفي غير الماء الأخير ممّا يعدّ لطهارة بدن الميّت كذلك خارج به (١).

وغير المحكوم بنجاسته شرعاً بطريق شرعي من استصحاب أو غيره من الظنون الشرعيّة محكوم بطهارته شرعاً وتطهيره.

وليس وراء اشتراط الطهارة والقلع للنجاسة شرط ؛ فلا فرق بين المستعمل سابقاً في الماء وغيره إلا فيما يستنجى به ممّا عدا الماء ، فإنّه يشترط فيه البكارة ، ولا يكفي مجرّد الطهارة.

ومنها : إطلاقه بحيث لو أُطلق لفظه دخل في مصاديقه من دون قرينة تقيّده (٢).

فلا تجوز الطهارة بأقسامها بالمضاف ، وهو ما لا يحسن إطلاق اللفظ عليه مع القرب إليه إلا بقيد.

فلا يصحّ وضوء ، ولا غسل ، ولا غسل خبث بماء مضاف ، كماء الورد والهندباء ، والصفصاف ، وماء العنب ، ونحوها ، ولا تيمّم ولا تطهير نجاسة عن النعل والقدم مثلاً ، ولا تطهير ولوغ بتراب مضاف ، كتراب الذهب أو الفضّة أو الحديد أو اللؤلؤ ونحوها. ولا بأرض مضافة كأرض الملح والثلج والقير ، ونحوها.

ولا ينافي الإطلاق التقييد للتمييز والتخصيص ، لا لأنّه لا يدخل في الإطلاق بدونها ، كماء البحر والبئر والعين والثمد ونحوها وأرض الرمل والحجر والحصى والنورة والجصّ ونحوها ؛ وتراب السبخ وتراب الحنطة والشعير والوادي والنهر والبئر ونحوها.

ولو مزج شي‌ء منها مزجاً يخرجه عن الإطلاق دخل في حكم المضاف ، أو في اسمه ، والمشكوك فيه إن تردّد بين الاسمين ، أو بين المضاف والخالي عن الاسم ، فبحكم المضاف.

ولو دار بين المطلق والخالي عن الاسم فبحكم المطلق ، فلا يتعارض فيه الأصل ؛

__________________

(١) انظر الكافي ٣ : ١٣٨ ح ٤١ ، الوسائل ٢ : ١٠٠١ أبواب النجاسات ب ١ ح ١ ٤ ، وص ١٠٧٦ ب ٥ ، وص ٦٨١ أبواب غسل الميّت ب ٢ ح ٣ ، ٤.

(٢) في «ح» زيادة : وغيرها.

٣٣٧

لعدم المضادّة.

ولو قصر المطلق عن الوفاء بالتطهير أُضيفَ إليه ما لا يخرجه عن إطلاقه من ماء مضاف أو تراب مضاف وهكذا. وإذا انحصر به وجبت الإضافة ، ويجب التخليص إن أمكن.

وما شكّ في استحالته عن الإطلاق إلى الإضافة كالماء المتقاطر من أبخرة الماء المقارنة لصدق الاسم ، والجصّ والنورة والخزف المشوية بالنار ونحوها محكوم ببقاء إطلاقه ، والأحوط الاجتناب مع الإمكان.

ومنها : أنّه ليس شي‌ء منها واجباً لنفسه من جهة ذاته ، من غير فرق بين الرافع للخبث المتعلّق به وإن كان بدنه محترماً فلا يجب عليه ولا على غيره على إشكال في الأخير (١) والرافع للحدث والمبيح ، وإنّما يجب لوجوب غايته التي تتوقّف عليه.

وأمّا قبل وجوبها لعدم دخول وقتها ، أو لفقد السبب الموجب لها فلا وجوب له إلا ما توقّف عليه التوصل إلى الواجب ، فكان كالسعي إلى الجمعة أو الحجّ قبل وقتهما ، وغسل الجنابة في ليالي شهر رمضان ونحوها ، على التوسعة مع الاتّساع ، والضيق مع الضيق.

والطهارة من الحدث مستحبّة لذاتها ، والظاهر ذلك في طهارة الخبث ، والمبيح من الطهارة المائيّة دون الترابيّة ، ومن اشتغلت ذمّته بواجب يتوقّف عليها فعله على وجه الوجوب ، مع قصد فعل الغاية وعدمه.

ولو قصد الاستحباب النفسي والوجوب الغيري أُثيب عليهما ، كما أنّه لو قصد الاستحباب الغيري والنفسي معاً أثيب عليهما.

وكذا لو تعدّدت جهات الاستحباب الغيري أو تعدّدت جهات الوجوب الغيري ولاحظ الجميع أُثيب عليها.

ومنها : توقّف حصولها على وجه يتحقّق (٢) الإتيان بها على إدخال الحدود في المحدود ؛ من طهارة حدث ، أو خبث أو تيمّم ؛ لتوقّف يقين الحصول الرافع ليقين

__________________

(١) بدل ما بين الحاصرتين في «س» ، «م» : وإن كان محترماً فلا يجب عليه ولا من غيره على إشكال في الأخير.

(٢) في «س» : يتوقّف بدل يتحقّق. والمراد : أنّ اليقين وتحقق حصول الطّهارة يتوقّف على إدخال الحدّ في المحدود.

٣٣٨

العدم عليه ، فمن غسل نجاسة اختصّت ببعض ثوبه أو بعض بدنه لزم عليه إدخال الحدود في الغسل. وهكذا كلّما يتوقّف عليه العلم بأنّه من المقدّمة العلميّة وهي واجبة من غير خطاب.

بخلاف العقليّة والشرعيّة (فإنّ وجوبهما خطابيّ دون ما يحدّده الغسل) (١) كما إذا أراد تطهير بعض المتنجّس فإنّه لا بأس به ، إذ لا مانع منه ، لبطلان السراية ، ولا عبرة للحدود فيه.

ويلزم في وجه الوضوء وجبهة التيمّم إدخال شي‌ء من الحدود من جميع الجوانب ، وفي غسل اليدين والكفّين إدخال شي‌ء من الأعلى مع شي‌ء ممّا (٢) تحت الأظفار ، وفي مسح ظاهر الكفّين في التيمّم إدخالها من كلّ جانب ، وفي الأغسال ؛ في غسل الرأس من حدود البدن ، وفي غسل البدن من حدود الرأس ، وفي غسل الجانبين من حدود كلّ واحد منهما للاخر.

وكذا في تطهير ظاهر الأواني إذا اختصّ بالنجاسة ظاهرها أو باطنها أو بعضهما أو باطن القدم أو النعل أو بعضهما ؛ فإنّه يلزم إدخال شي‌ء من الحدود الطاهرة (٣) في التطهير.

ومنها : أنّه يجب في الواجب ، ويستحبّ في المستحبّ تحصيل ما يتوقّف عليه من ماء يرفع الحدث أو الخبث ، أو أجسام يستنجى بها ، أو أرض تطهّر قدميه ونعليه ، أو تراب أو بدله من المنصوص في التيمّم ؛ بالتماس لا يخلّ باعتباره ، أو ثمن لا يضرّ بحاله ، أو مزج بالمضاف مع الماء أو الأرض أو التراب بحيث لا ينافي الإطلاق ، وإذابة ملح أو ثلج ، أو حفر بئر ، أو عصر ثوب.

ولا يجب قلب الحقيقة بعمل أو دعاء ، ولا تفريق العناصر ، وإفراز الماء.

والأحوط السعي في تحصيله إن لم يتضمّن ضرراً في مال أو غيره (٤).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» : وما يحدّده الغسل ، وفي «م» : ولا يحدّده الغسل.

(٢) في «ح» زيادة : على المرفقين ومن أسفل الزندين ومن سطح الأنامل وممّا.

(٣) في «ح» : الظاهرة.

(٤) في «ح» : ماله أو مال غيره.

٣٣٩

المقام الخامس : في الطهارة الداخلة في العبادات مائيّة أو لا

ويشترط فيها مع ما مرّ أُمور :

منها : إباحة الطهور من ماء أو تراب أو ما قام مقامه من وَحلٍ أو طين مثلاً.

فلو تطهّر بشي‌ء غير مملوك من ماءٍ أو ترابٍ أو أرضٍ مثلاً ؛ ولا مأذونيّة فيه من صاحبه ، أو صاحب سلطانه صريحاً أو بالفحوى ولا من الشرع ؛ بطل عمله (١).

والمشكوك في المأذونيّة به كالمقطوع بعدمها فيه ، إلا أن يدخل في التسعة المستثنيات (٢) أولويّة أو تنقيحاً.

ولا فرق بين الوليّ وغيره ، وبين الوليّ الإجباري وغيره ما لم يقوّمه على نفسه ، أو يحتسبه عن عمله الذي يستحقّ في مقابلته أُجرة ، مع عدم ترتّب الفساد في الإجباري ، وتشترط المصلحة في غيره.

ولا تثمر إجازة المالك بعد العمل ، ولو فعل ذلك عالماً بالحكم وجاهلاً لا يعذر بجهالته بطل.

ولو جهل الموضوع ، أو كان ناسياً لأنّ النسيان عذر على الأقوى ، أو مجبوراً ، أو في مقام تقيّة ؛ صحّ.

ولو ارتفع العذر في الأثناء قطع وضمن المثل أو القيمة بعد الإعواز إن كان ممّا يضمن ، أو الأُجرة إن كانت له أُجرة ثمّ أتمّ إن وجد المتيمّم (٣) من دون ترتّب خلل ، وإلا بطل.

ولو كان مغصوباً وأذن المالك للغاصب فضلاً عن غيره صحّ ، ولو كان المغصوب ماء جارياً أو مستنقعاً كثيراً ، والتراب والأرض من المتّسعة ممّا يلزم في المنع من مثلها الحرج صحّ ، ولو مع الإخراج عن محلّه لغير الغاصب وباعثه على الغصب وتابعة لحصول الإذن من المالك الأصلي.

__________________

(١) في «ح» زيادة : ورجوعه إلى عدم التموّل ابتداء وانتهاءاً لا ينافي العصيان ، وإنّما ينافي الضمان.

(٢) انظر الآية ٦١ من سورة النور.

(٣) الظاهر أنّ الصحيح : المتمّم.

٣٤٠