كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

ومن كان من أهل الحقّ مخالطاً لهم (وليس من أصحاب السرّ) (١) اتُّقي منه ، ولكن الأقوى وجوب الإعادة حينئذٍ.

وتجب مع مظنّة الخطر ، وتستحبّ لمجرّد اطّلاع من لا يعتدّ به ، ويحكم بالصحّة في مقامها في المقامين.

وتجب في محلّ الوجوب في جميع الأشياء (٢) سوى الدماء المكافئة. فيجوز للتقيّة على النفس المؤمنة بل على العرض والمال الضارّ قتل المعتصم من الكفّار ، بل قتل من دخل في الإسلام وخرج عن الإيمان. والفاسق والعدل من أهل الحقّ سيّان.

ويجوز لها إظهار البراءة والسبّ مع التورية ، ومع عدم معرفتها مطلقاً.

ويقوى القول بأنّه لا مكافئة بين عدول المؤمنين ، فضلاً عن فسّاقهم ، وبين أنبيائهم وأئمّتهم.

والظاهر أنّ الحضور في مساجدهم والصلاة معهم مع إظهار الاقتداء بأئمّتهم ، وتشييع جنائزهم ، وعيادة مرضاهم ، والإمامة بهم ، والأذان والإقامة لهم ، والسلام عليهم ، والتودّد إليهم ، ونشر مدائحهم ، والترحّم لأسلافهم ومدحهم ، وإنشاد الشعر في مدحهم ، والتصدّق عليهم ، وإرسال الهدايا لهم ، أو غير ذلك بقصد استجلاب قلوبهم ، لدفع أذيّتهم عن المؤمنين ، مع إضمار البغض والعداوة لهم ، أفضل من (صنع ذلك مع أهل الإيمان) (٣).

المقصد السابع

إنّ كلّ عبادة ترك منها جزء أو شرط ، أو اعتراها مناف ، عمداً أو سهواً ، علماً أو جهلاً بالموضوع أو بالحكم ، اختياراً أو اضطراراً ؛ بُني فيها على ركنيّة الجزء مع الإطلاق فيها ، عملاً بالظاهر فيها (٤) وفي الجزء ، وعموميّة الشرط والمانع مع الإطلاق فيهما ،

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : ومن أصحاب السمر.

(٢) في «ح» : الأشباه.

(٣) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : ضيع ذلك.

(٤) في «ح» : فيهما.

٣٠١

عملاً بالظاهر. وفي الجزء (١) مع ذلك ، لفوات المجموع بفواته.

والمسامحات فيما ضعف من الأجزاء في الخطابات العرفيّة ، إمّا مبنيّة على المجازات ، لكون حصول معظم الغرض قرينة (عدم إرادة النادر) (٢) منه ، أو الاقتصار على بعض المدلول في التأدية وليس من الاستعمال ، إلا ما قام الدليل على إخراجه من القاعدة ، كأكثر أفعال الصلاة بالنسبة إلى ما عدا العمد ، وأكثر أفعال الحجّ والعمرة بالنسبة إلى العمد أيضاً ، وغيرها.

والإتمام في محلّ القصر ، والجهر في موضع الإخفات ، وبالعكس للجاهل ، وطهارة الخبث بالنسبة إلى غير العالم والناسي ، واستقبال ما بين المشرق والمغرب لغير العامد ، واستقبالهما ، واستدبار القبلة لمن علم بعد خروج الوقت ، ونحو ذلك.

وأجزاء الوضوء والغسل والتيمّم سواء وجبت لوجوب غاياتها ، أو استحبّت ؛ أركان. فمقتضى القاعدة أنّ الشروط والموانع وجوديّة لا علميّة.

ودعوى انتقاض القاعدة بأخبار رفع القلم (٣) ممّا لا ينبغي أن يكتب بقلم ، فإنّ ظاهرها التنزيه ، وهو لا ينطبق إلا على رفع المؤاخذة ، وكذا القول بأنّ ما كان بلفظ الأمر والنهي خاص ، وما كان بلفظ الوضع عامّ ؛ لأنّ الظاهر منهما في مقام عموم الخطاب الوضع.

نعم لو علمنا أنّ سبب الفساد تعلّق الخطاب ، كما في اشتراط إباحة اللباس والمكان والماء والإناء ، كان خاصّاً بغير المعذور.

والفاسد من العبادة بمنزلة المتروك منها ، متى بقي من وقتها ما يفي بتمامها لو أُعيدت ؛ أُعيدت.

وإذا قصر الوقت عن جزء يسير منها فلا إعادة ، إلا إذا كانت صلاة فرضاً أو نفلاً ، وقد بقي من وقتها بعد إحراز الشروط ما يفي بركعة تتمّ بالأخذ بالرفع من السجود

__________________

(١) في «س» ، «م» : وبالجزء.

(٢) بدل ما بين القوسين في «س» : مع عدم إرادة القادر ، وفي «م» : مع إرادة القادر.

(٣) الكافي ٢ : ٤٦٢ ح ١ و ٢ ، الوسائل ٥ : ٣٤٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢ ، وج ١١ : ٢٩٥ أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١ ـ ٣.

٣٠٢

الأخير (١). وإذا ذهب الوقت في الموقّت والفوري من حيث الفوريّة من غير الموقّت فلا قضاء ، إلا مع قيام الدليل ، لأنّه فرض مستأنف.

وتمشية الاستصحاب في هذا المكان (٢) ، وزعم أنّ الخطاب في الحقيقة خطابان ، فسادهما غنيّ عن البيان.

فما كان من الفرائض اليوميّة ونوافلها ، ونوافل الليل ، وصيام رمضان وأيّام الشهر ، والنذور ، ونحوها ، ممّا قام عليه دليل القضاء وجرى حكمه فيه ، وغيره كصلاة الجمعة ، والعيدين ، وزكاة الفطرة على أقوى الوجهين ، والأُضحيّة ، ونافلة الجمعة حيث لا نعدّها راتبة ، وصلاة الغفيلة حيث لا تحتسب من الأربع ، والوصيّة ، وصلاة أوّل الشهر ، ووظائف الأيّام والشهور ، من صلاة وصيام وصدقات مختصّة بتلك الأيّام ونحوها ، على القاعدة لا قضاء فيها.

ولفظ القضاء يشبه ألفاظ المعاملات ، ولا يجري في إطلاقه حكم المجملات كالمعروف من ألفاظ العبادات ؛ فكلّ شرط أو مانع علم تعلّقه بحقيقتها من غير فرق بين أقسام مقضيتها وأدائيتها يعمّهما (٣) حكمه. وما لم يعلم حكمه وتعلّق بالأداء مع احتمال ملحوظيّة الصفة ، فلا يتمشّى في القضاء.

وما تعلّق ببعض أقسام القضاء كقضاء الأحياء ، كالترتيب مثلاً ، لا يتمشّى إلى القضاء عن الأموات تبرّعاً أو تحمّلاً شرعيّاً أو بعوض ، فقد يختلف الحكم باختلاف الصفات ؛ لأنّها من الموضوعات ، وقد يختلف باختلاف المكلّفين بالعبادات ، فما يحتمل تعلّقه مطلقاً ومشروطاً يحكم فيه بالقسم الأوّل.

وإطلاق النيابات عن الأموات ، وتعذّر أو تعسّر معرفة الترتيب في أكثر الأوقات يفيد ؛ (٤) ذلك. مع أنّا لو قلنا بشرطيّته لقلنا بعلميّته ، ولا يمكن استعلام الحال في عبادة

__________________

(١) في «ح» زيادة : إلا ما أخرجه الدليل.

(٢) في «س» ، «م» : وتمشية الاستحباب في هذه المكارم.

(٣) في «س» ، «م» : يعمّه ، وأقول : يعمهما : يعني القضاء والأداء.

(٤) في «ح» : يقيّد.

٣٠٣

من مات.

والأقوى أنّ صفة الأصالة والنيابة كصفة الذكورة والأُنوثة تتبدّل الأحكام بتبدّلها ، والترتيب ليس من الكيفيّات الداخلة في تقويم الذات ، فيشكّ في اندراجها في عموم القضاء كما فات (١) ، ولو لا ذلك امتنع قضاء ما نقص عن يوم مع التعدّد ، والجهل. وجهل النائب كجهل المنوب عنه يسقط لزوم الترتيب عنه ، والغالب فيه ذلك.

فالبناء على ترتيب عبادة التحمّل مقتضٍ للزوم التأخّر والتمهّل ، وبقاء الميّت في العذاب ، وهو خلاف الاحتياط عند ذوي الألباب ، والله أعلم بالصواب.

وفي مسألة الشكّ في الأجزاء تستوي العبادات والمعاملات.

المقصد الثامن : في أنّه لا يجوز التداخل في العبادات

فلا يؤتى بعمل واحد بقصد الاكتفاء به عن أعمال متعدّدة مماثلة له في الهيئة ، لا بنيّة واحدة والمنوي واحد وتكون البواقي تابعة ، ولا بواحدة والمنويّ متعدّد ، ولا بمتعدد والمنوي متعدد.

فلا يداخل نوع نوعاً ، كزكاة وخمس وكفّارة وحج وعمرة ونحوها ، ولا صنف صنفاً ، كظهر وعصر ، وقضاء وأداء ، وأصالة وتحمّل ، وزكاة مال وفطرة ، وحقّ الإمام وباقي السهام من الخمس ، وصلاة الزيارة وصلاة التحيّة وغيرها من الصلوات ، ولا صيام شهر رمضان أو غيره عن غيرهما من أقسام الصيام ، ونحوها.

بل متى تعدّدت الأسباب تعدّدت مسبّباتها ؛ لأنّ التعدّد (٢) هو المفهوم من تعدّدها ، من غير فرق بين تداخل واجب بواجب أو بندب ، أو ندب بواجب أو بندب ؛ مع تعلّق القصد بالأصالة بالجميع ، أو بالبعض والباقي ضميمة ؛ إلا ما قام الدليل على جوازه ، كتداخل الأغسال المختلفة النوع بعض ببعض ، مع الاتّفاق بالوجه والاختلاف فيه ، ودخول الجنابة وعدمه ، وصلاة الإحرام بصلاة الفريضة ، وصلاة الحبوة بصلاة

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٩ ب ٦ من أبواب قضاء الصلوات ح ١ وفيه : يقضي ما فاته كما فاته.

(٢) في «ح» : المتعدد.

٣٠٤

نافلة الليل.

وقد تتداخل الكفّارات بإعطاء شي‌ء من الطعام عن جميع ما لعلّه وقع في الإحرام ، ونحو ذلك. ويحتمل كون الاكتفاء بالفريضة للإحرام من باب الإسقاط.

ولا بدّ أن يُدخل في النية ما أراد دخوله ، عملاً بما تضمّن جواز التداخل في هذا القسم من العبادات ، وما دلّ على أنّ الأعمال لا تكون إلا بالنيّات ، فإنّ التداخل على خلاف الأصل ، تحصيلاً للبراءة اليقينيّة.

وفي جواز الاقتصار على نيّة غسل الجنابة مجتزئاً به وجه لا نقول به.

ولو داخل في الابتداء وفرّق في الأثناء ، أو فرّق في الابتداء وداخل في الأثناء ، أو جمع بين الأحوال المختلفة مع العود على الفائت إن أمكن ، أو الاجتزاء بما فات فيما جاز فيه التداخل من العبادات ، فالظاهر عدم جواز التداخل.

ولو كان التداخل بين مختلفي الوجه ، ولم نقل بوجوب نيّة الوجه كما هو الوجه نوى القربة العامّة. ولو أراد نيّة الوجه كرّر النيّة بعدد الوجوه المختلفة. والتداخل رخصة ، والتفريق لا مانع منه ، بل هو أفضل النوعين.

وليس من التداخل الاكتفاء عن الحدث الأصغر مع تعدّد أفراده بل تعدّد أنواعه بوضوء واحد لوحدة السبب ، وهو طبيعة الحدث الأصغر ، فلا تفاوت فيه تكرّر أو لم يتكرّر ، وكذا الاكتفاء عن أفراد نوع من أنواع الغسل بغسل واحد ، لأنّ النوع حدث واحد ، والتكرار وعدمه سيّان ، وكذا النذور وشبهها إذا تعلّقت بواحد على طريق التأكيد. وكذا ما دخل في حكم الإسقاط ، فإنّه ليس من التداخل ، ولا حاجة إلى اعتبار النيّة فيه ، كقراءة الإمام عنه وعن المأموم ، والاجتزاء بأذان الجماعة وإقامتها قبل تفرّقها ، والأذان المسموع عن السامع ، وغسل دخول الحرم عن دخول المسجد والكعبة ، وردّ السلام عنه وعمّن معه ، وأنواع الصيام عن صوم الاعتكاف ، والهدي عن الأُضحيّة المندوبة ، وصلاة العيد عن صلاة الجمعة في حقّ النائي ، والاطلاء قبل الإحرام بخمسة عشر يوماً أو أقلّ منه حين الإحرام ونحوها.

وأمّا الزيارة عن نفسه وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام

٣٠٥

والمؤمنين ، وعنهم فقط ، وغيرها من الطاعات ، فمن باب التشريك. ولمسألة التداخل تعلّق بأحكام المعاملات أيضاً ، ولقلّة ثمرتها فيها خصّصناها بالعبادات.

المقصد التاسع

في أنّه لا يجوز العدول من عبادة إلى أُخرى في الأثناء مع احتساب ما مضى من المنوي ثانياً ، ولا بعد الانتهاء.

فإن قصد العدول بالنحو الأوّل وأتى بالباقي أو ببعضه بطل العمل إن كان ممّا اتّصل ، ولا يجوز فصل أجزائه كالصلاة ونحوها. وأمّا منفصل الأجزاء فيحتمل فيه ذلك ، وصحّة ما مضى ، وإعادة ما فعل بالنية الجديدة.

وإن عدل بعد الفراغ بقي العمل الماضي على صحّته موافقاً لنيّته ، ووقعت نية العدول لاغية ، فلا يعدل عن فرض إلى نفل ، ولا عن نفل إلى فرض ، ولا عن أداء إلى قضاء ، ولا عن قضاء إلى أداء ، ولا عن قضاء متحمّل إلى قضاء أصليّ ، ولا عن متحمّل عن شخص إلى متحمّل عن غيره ، ولا من حجّ إلى عمرة ، ولا من عمرة إلى حجّ ، ولا من حجّ قران إلى غيره ، ولا عن غيره إليه ، سوى ما قام الدليل عليه ، كالعدول من الحجّ إلى العمرة ، ومن العمرة إلى الحجّ ، ومن الإفراد إلى التمتّع ، ومن التمتّع إليه في بعض الأحوال.

ومن الصلاة الحقة إلى السابقة مع تساوي الوجه والكيفيّة ، وقبل الخروج عن محلّ الإمكان مؤدّاتين أو مقضيتين أو مختلفتين ، ومن الفريضة إلى النافلة لناسي سورة الجمعة في الجمعة أو ظهرها ، ولناسي الأذان والإقامة ، أو الإقامة وحدها ، أو بعض منهما أو منها فقط ، ولطالب صلاة جماعة وقد انعقدت بعد دخوله ، وللداخل في ملتزَم بها لنذر مشروط أو غيره ؛ فظهر له كذب زعمه بحصول الشرط.

ويجوز العدول في الأثناء مع نسخ الأوّل مع عدم حرمة القطع في الواجبات المخيّرة والموسّعة والكفائيّة مع قيام الغير ، كالعدول عن إحدى خصال الكفّارة بعد الدخول فيها إلى غيرها ، وعن التسبيحات الكبريات إلى الصغريات في الركوع

٣٠٦

والسجود ، وعن الفاتحة إلى التسبيح وبالعكس في آخرتي الرباعيّة مثلاً ، وعن سورة إلى غيرها ممّا عدا سورة الجحد والإخلاص قبل بلوغ الثلثين أو النصف احتياطاً ، أو أحد شخصي الموسّع إلى غيره ؛ ما لم يحصل موجب الإتمام فيها.

ويجوز الترامي (١) فيها بعدول ثمّ عدول عن عدول وهكذا ، حتّى قبل التسليم مثلاً ، ما لم يؤدّ إلى الخروج عن صورة العبادة ، والأحوط الاقتصار على مرتبة واحدة.

ولو دخل في صلاة حاجة ؛ فظهر في الأثناء فواتها أو قضاؤها ، أو صلاة استخارة لأمر ، فظهر بعد التمام أو في الأثناء امتناعه ، أو صلاة استسقاء أو استطعام ، فحصل المراد في أثناء الصلاة ، أو صلاة احتياط لصلاة ، فظهر في الأثناء أو بعد التمام تمامها ، أو للدخول بالزوجة أو لخطبتها ؛ فاتّفق في الأثناء موتها أو العلم بعدتها أو إحصانها أو محرميّتها ونحو ذلك ؛ عدل في الأثناء إلى غيرها مع بقاء وقت العدول ، وبعد التمام مع موافقة صورتها لصورة النافلة المنتقل إليها.

ويقوى القول بجواز العدول فيما يراد منه الحقيقة دون الخصوصيّة من قضاء يوم من شهر رمضان أو رجب أو شعبان إلى مثله من شهره ، أو من زكاة حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب خاصّة أو مطلقة ، أو خمس غوص أو تجارة ونحوها إلى غيرها من نوعها.

وما أُريد به المطلق من المشترك كالبسملة ونحوها من قراءة أو كتابة أو شعر أو نثر أو عمل صناعة يجوز العدول منه إلى إرادة الخاص ، لاتّحاده به.

ولهذه المسألة دخل في مسائل المعاملات وتفصيلات كثيرة ، وإنّما خصّصناها بالعبادة لقلّة الفائدة في غيرها.

المقصد العاشر

في أنّه لو شكّ في فعل عبادة أو جزئها أو شرطها أو مانعها ، وقد دخل في أُخرى مرتّبة عليها ؛ أو في جزء وقد دخل في شي‌ء يترتّب عليه ، كأن يشكّ في نفس الوضوء

__________________

(١) وفي «س» ، «م» قد تقرأ : التي إلى. ويحتمل كونها تصحيف التوالي ، وترامي الشي‌ء : تتابع المنجد : ٢٨١.

٣٠٧

أو الغسل أو التيمّم أو جزئها ، أو رفع الخبث استنجاء أو غيره وقد دخل فيما يتوقّف عليه ، أو في صلاة الظهر أو المغرب بعد الدخول في صلاة العصر أو العشاء ، أو عمرة التمتّع وقد دخل في حجّه ، أو صوم الاعتكاف وقد دخل فيه ، فكلّ من شكّ في جزء ، من عبادة وقد دخل في شي‌ء يترتّب عليه ، أو مطلقاً أيّ عبادة كانت فلا اعتبار بشكّه ، سوى الوضوء ، فإنّ جزأه ككلّه إنّما يلغى اعتباره بالخروج عن الوضوء مع الدخول في غيره من الأعمال أو طول الفصل. وبهذا ظهر الفرق ما بين الوضوء وغيره من الغسل وغيره.

ولا فرق في حكم التجاوز بين الدخول في واجب أو مستحبّ ، جزء أو غير جزء ، مقصود بالأصالة أو بالتبع ، كالهُويّ إلى الركوع والسجود ، والأخذ بالقيام منهما.

وخروج وقت العمل مغنٍ في إلغاء الشكّ عن الدخول في عمل آخر ؛ وأولى منه بعدم الاعتبار ما كان بعد الفراغ من العمل الثاني.

والأُمور العاديّة تجري على نحو الشرعيّة ، فمن كان من عادته الاستنجاء أو الاستبراء مثلاً كان شكّه فيهما كالشكّ في العبادة في وجه قويّ.

وكثير الشكّ عرفاً ويعرف بعرض الحال على عادة الناس لا اعتبار بشكّه ، وكذا من خرج عن العادة في قطعه وظنّه ، فإنّه يلغو اعتبارهما في حقّه. ومن اختصّت كثرة شكّه في محلّ اختصّ حكم كثرة شكّه به.

ولا فرق بين العبادات البدنيّة والماليّة ، فمن شكّ في صحّة زكاة أو خمس أو غيرهما بعد فعلهما مع الفصل أو التشاغل بالفعل ؛ لم يُعتد بشكّه.

ولا اعتبار بالشكّ في المقدّمات بعد الدخول في الغايات ، من شرائط الصحّة كانت أو المكمّلات ، كالشكّ في غسل الزيارة أو الإحرام أو الطواف أو الحرم أو الكعبة بعد الدخول فيها.

وكلّ من الظنّ ما لم يصل إلى الاطمئنان فيجري عليه حكم العلم والشكّ والوهم بحكم واحد ، سوى الظنّ في ركعات الصلاة ، بل مطلق أفعالها في وجه قويّ ، فإنّه يجري مجرى العلم.

٣٠٨

والشكّ في علميّة العلم أو ظنيّة الظنّ أو شكّيّة الشكّ أو وهميّة الوهم كما يقع كثيراً من غير مستقيمي المزاج شكّ فيما تعلّق به ، وأمّا متعلّق متعلّقه فباقٍ على حاله ، (والشكّ في الكون في كثير الشكّ موجب للتقليد. والشكّ مع الكثرة عرفاً لا اعتبار به.

ولا يجب فيما تعلّق بالمنافيات أو بالأجزاء أو الشرائط وضع المعلم ونصب العلائم ، ويلزم في الغايات.

وكثرة الشكّ تجري في النائب مع عدم استحضار النيّة من المنوب عنه دونه ، وبالعكس بالعكس. ويجري في عبادات المال والبدن وأجزائها وأجزاء المعاملات وشروطها وأجزائها دون غاياتها ، إلا بعد الدخول فيما يترتّب عليها.

ويدخل في النذر ونحوه ، ويتعلّق باسم العاملين والمعاملين ؛ لقيام الشرع مقام الواقع) (١).

ولو شكّ في الشي‌ء بعد العلم بكونه كان عالماً به لخفاء طريقة أو اختلاف طريقته بنى على علمه السابق. ولو شكّ في الدخول في العمل ، وقد كان على هيئة الداخل مشغولاً ببعض الوظائف ، بنى على الدخول.

وتجري نحو هذه الأحكام في المعاملات ونحوها ، ولكن معظم الانتفاع بها في العبادات فخصّصناها بإدخالها في مباحثها.

المقصد الحادي عشر

في الوسواس الذي أمر بالاستعاذة منه ربّ الناس في سورة الناس.

وهو عبارة عن حالة في الإنسان تمنعه عن الثبات والاطمئنان ، وهو كالجنون له فنون ، ومنشأه غلبة الوهم ، واضطراب الفكر ، فقد يرى نفسه بأشدّ المرض وهو في كمال الصحّة ، أو بأشدّ الخوف وهو في غاية الأمن ، ويرى عمله فاسداً وهو صحيح ، وغير فاعل لشي‌ء عند الفراغ من فعله ، ويرى الطاهر نجساً ، والحلال حراماً وبالعكس فيهما.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٠٩

ويقع في المعاملات ، وإن كان معظم بلائه في العبادات ، وقد يقع في العقائد الأُصوليّة فلا يطمئنّ إليها ، وفي الدلائل الشرعيّة فلا يعتمد عليها ، وأقوى البواعث على حصوله غالباً في العبادات الرياء.

ثمّ يقوى ويتحكّم فيتسلّط عليه الشيطان ، ويرفع عنه الاطمئنان ، وهو مرض عظيم قد ينتهي بصاحبه إلى الجنون.

إن وقع في العقائد أفسد الاعتقاد ، أو في المعاملات أو في العبادات أورث فيها الفساد ، فيكرّر القول أو الفعل فيهما ، ولا يعيّن القصد بواحد منهما.

وإن تعلّق بالبدن تمارض طول الزمن ، أو تعلّق بسوء الظنّ أقام بين الخلق نائرة الفتن ؛ فيجب تصفيته منه ، وإبعاد الشيطان برفعه عنه.

وهو من ذميم الصفات المعدودة عند العقل والشرع من المحظورات ، وفيه مع قبحه في ذاته مفاسد عظيمة :

منها : أنّه حيث كانت عقيدته تصويب فعله وتخطئة فعل غيره ربما آل أمره إلى إنكار ضروريّ المذهب أو الدين ؛ فإنّ من الأمور الضروريّة عدم وجوب ما أوجبته الوسواسيّة.

ومنها : القدح في أعمال سيّد الأُمّة وجميع أفعال الأئمّة. وهذان الوجهان قاضيان بالخروج عن الإيمان.

ومنها : أنّه يلزمه بالبناء على الحكم بوجوب فعله أو ندبه مثلاً التشريع في الدين ، والدخول في زمرة العاصين.

ومنها : أنّه يتضمّن غالباً سوء الظنّ بالمسلمين ، حتّى ينجرّ إلى العلماء العاملين ، فيحكم بنجاستهم وبطلان عبادتهم.

ومنها : أنّه لا يستقرّ له عزم ونيّة على عمل خاصّ ؛ لأنّ تكريره لعبادته أو معاملته باعث على عدم صحّة عزمه ونيّته.

ومنها : أنّه قد يكرّر العمل في الصلاة ، فيدخل في الفعل الكثير أو القول الماحي لصورة الصلاة ، أو الداخل في كلام الادميّين وإن كان من القرآن أو الذكر ، لتوجّه

٣١٠

النهي عنه ، لكونه وسواساً.

ومنها : أنّه كثيراً ما يصدر منه حركات تمحو صورة العبادة.

ومنها : أنّه كثيراً ما يدعو صاحبه إلى التجرّي على المعاصي بتأخير الفرائض عن أوقاتها ؛ لطول الاشتغال بمقدّماتها أو الشكّ في أو قاتها ، أو إلى ترك كثير من الواجبات بطول الاشتغال ببعضها ، أو إلى كثرة التصرّف بالماء حتّى يؤول إلى الإسراف ، أو حتّى لا يرضى صاحب الحمّام مثلاً ، أو إلى تمريض البدن بكثرة مباشرة الماء ونحوه.

ومنها : أنّه قد عبد الشيطان ، أو شرّكه في عبادة الرحمن.

ومنها : أنّه قد شغل بوسواسه عن الإخلاص في العبوديّة وتدبّر المعاني القرآنيّة وغير القرآنيّة.

المقصد الثاني عشر

في أنّه إذا أوجب الشارع شيئاً أو ندب إليه ، وبيّن حقيقته في محلّ الإيجاب أغنى عن بيانه في مقام الندب ، وإذا بيّنه في مقام الندب أغنى عن بيانه في مقام الإيجاب ، وكذا مقام الأداء والقضاء ، والأصالة والتحمّل ، ونحوها.

وإذا بيّن فرداً من نوع بانت جميع أفراده ، كما أنّه إذا بيّن حقيقة فرد في مقام أغنى عن بيانه في مقامات أُخر لأنّ الحقيقة إذا بانت لم تختلف باختلاف القيود الخارجة ، فإذا بانت حقيقة الصلاة في مقام تساوت فيها جميع المقامات.

وكذا الخمس مع الأخماس ، والزكاة مع الزكوات ، فتشارك السنّة الفريضة في جميع الشطور والشروط والموانع (١) ، إلا ما دل الدليل على خلافه.

وأمّا ما لا يدخل تحت الاسم ، ونسبته إلى الحقيقة كنسبة الماء المضاف إلى الماء المطلق ، كصلاة الجنازة ، فلا يلحقها الحكم (٢).

والأصل فيه أنّ مدار الأحكام على الحقائق دون الخصوصيّات ، ويعلم من تتبّع

__________________

(١) في «س» ، «م» : كما أنّه إذا بيّن حقيقة فرد في مقام أغنى عن بيانه في مقامات أُخر.

(٢) وفي «ح» زيادة : ويجري الحكم في الشروط والمنافيات.

٣١١

الأخبار (عنهم ، فإنّهم لم يزالوا يحتجّون) (١) على المطالب العامّة للجزئيّات بفعل جزئي منها أو بيانه كذلك. ونحو ذلك يجري في المعاملات ، وإنّما قصرنا ذكره على العبادات لمثل ما سبق في تلك المقامات.

المقصد الثالث عشر

في أنّ أصحاب الأعذار ممّن تعلّق الحكم بوصفهم ، لا من قضى الوصف بسقوط حكمهم لهم البدار ، ولا يلزمهم الانتظار مع القطع بالزوال ، فضلاً عن مجرّد الاحتمال ، من تقيّة أو عجز أو اضطرار إلى ركوب ونحوه ، أو سفينة (٢) أو جبائر ونحوها ؛ لأنّ تكليفهم قد انقلب بسبب العذر ، وظاهر الخطاب متوجّه إليهم في أوّل الوقت ، فلا فرق بعد إتمام العمل بين بقاء العذر إلى أن يخرج الوقت ، وبين ارتفاعه قبل خروجه.

ولو ارتفع بعد الدخول قبل الإتمام ، ولم يكن ما بقي من الوقت يسع الإعادة ، بنى على ما مضى ، وأتمّ ، ولو وسعها ففي جواز البناء على ما مضى والإتمام ، ولزوم الإعادة من رأس وجهان ، مبنيّان :

على أنّ الإتيان بالأجزاء الماضية إنّما كان عن طلب ضمنيّ يتبع الأمر بالجملة ، فإذا انكشف انقلاب الجزء الأخير عن الحكم الأوّل انكشف بطلان الأوّل.

وعلى أنّ الخطاب بالنسبة إلى الكلّ قاضٍ بالخطاب بالأجزاء ، فيصحّ الجزء الموافق للعذر ، ويكمّل ممّا يوافق الواقع مع ارتفاعه ، وهذا هو الأقوى.

فعلى ما تقرّر : من كان فرضه التقيّة ، أو وضوء الجبائر ، أو غسلها أو التيمّم ، أو العاجز عن القيام في الصلاة أو المباشرة ، والملتجئ إلى الاستنابة ونحوهم ، يجوز لهم المبادرة إلى العمل في أوّل الوقت ، فإذا عملوا شيئاً بنوا عليه جزءاً كان أو كلا ، خرج الوقت أولا ، وسع الإعادة أو لا ؛ إلا مع قيام الدليل ، كما قام في التيمّم على التفصيل الاتي في محلّه.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : فافهم ، ثمّ من الزائد تمرين.

(٢) كذا ، ويحتمل التصحيف.

٣١٢

وأمّا من عمل بزعم العذر فبان خلافه فالأقوى بطلان عمله ؛ لأنّ بناء الشرائط والموانع على الواقع دون العلم هذا في البدنيّة الصرفة أو البدنيّة الماليّة كالحجّ والعمرة.

وأمّا الماليّة كالزكاة والخمس ونحوهما فلا تصحّ من أصحاب الأعذار إذا وصلت إلى غير أهلها على الأقوى ؛ لأنّها بحكم الأمانات ، وهي لا تصحّ مع عدم الوصول إلى أهلها لكنّ العذر يرفع الضمان.

ولو عمل بنفسه ما يقتضي العذر ، كأن أراق الماء أو جرح أو كسر بعض الأعضاء ، فعمل عمل العذر ، فإن كان عمله قبل دخول الوقت فلا إثم ولا فساد ، وإن كان بعده ترتّب الإثم من جهة العمل ولا فساد.

وفي لزوم معالجة دفع ما به من الأمراض ونحوها بالدواء والرجوع إلى الأطبّاء وعدمهما وجهان ، أقواهما الثاني. والقول بالتفصيل بين المستدعي للطول أو كثرة العمل وغيره ، فلا يجب في الأوّل ويجب في الثاني ؛ لا يخلو من قوّة.

وأصحاب الأعذار في المعاملات والإيقاعات كالنكاح والطلاق بالفارسيّة أو بالإشارة فيها أو في غيرها مع انعقاد اللسان إذا ارتفع العذر بعد الإتيان بها لا تعاد ، ولو عرض الارتفاع في الأثناء للموجب القابل مثلاً يجري فيه ما مرّ سابقاً.

ولو ارتفع العذر في الهبة والصرف ونحوهما قبل القبض فالأقوى الاكتفاء بالماضي وعدم الإعادة ، وارتفاع العذر في المقدّمات أقرب إلى إيجاب الإعادة منه في الغايات ، وربما يدّعى الإجماع على قطعها ووجوب الإعادة فيها.

ووجدان الماء في أثناء التيمّم مفسد له من غير ريب. وتقوى الصحّة مع انقطاع الحدث في المسلوس والمبطون.

المقصد الرابع عشر

في أنّ حقيقة التحريم والكراهة والإباحة منافية للعبادة ، لاشتراكها في اقتضاء عدم رجحان الفعل ، وهو منافٍ لحقيقتها ، فتبقى دائرة بين الوجوب والندب ، فإن فقد الوصفان فسدت وحرمت ؛ لدخولها في التشريع المنهيّ عنه.

٣١٣

فمتى وصفت أو حكم عليها بمطلق الجواز حتّى يعمّ الأحكام الأربعة ، أو بحكم منها وجوب أو ندب أو كراهة أو إباحة فهمت صحّتها ، مع تنزيل الكراهة على أقلّيّة أحد فرديها ثواباً ، والإباحة على تساويهما فيه.

ولا فرق في تعلّق الكراهة والإباحة في عدم منافاة الصحّة بين تعلّقها بنفس العبادة أو بجزئها وشرطها ولازمها ومفارقها.

وأمّا التحريم فتعلّقه بها على وجه الحقيقة أو بجزئها أو بما يتوقّف عليه وجودها أو بما يلازمها في الوجود مفسد لها عقلاً وشرعاً ، بناءً على أنّ الصحّة موافقة الأمر.

وعلى القول بأنّها إسقاط القضاء فلا ملازمة. وربما بُني عليه صحّة عبادة الجاهل بالجهر والإخفات ، والقصر والإتمام ، مع احتمال التعلّق بوصف العصيان بمعنى أنه مأمور بعده واحتمال المعذوريّة في خصوص هذا المكان ، وأمّا تعلّقه بالمقارنات داخلاً وخارجاً فلا يقتضي ذلك.

وأمّا تعلّق الصيغة المفيدة للتحريم فلا يخلو من أحوال ، منها : التعلّق بنفس العبادة ، أو شرطها ، أو ما كان تحريمه مقيّداً بها ؛ وفي هذه الأقسام يقضي ظاهر الخطاب بالفساد.

وإن تعلّق بمقارن جاء تحريمه من خارج فلا مقتضي للفساد حينئذٍ.

ولا اقتضاء عقليّ في المعاملات مطلقاً ، ولا لفظيّ إلا فيما تعلّق بنفس المعاملة ، أومأ يكون الغرض منه ترتّب صحّتها عليه. وقد تقدّم ما يغني عن الإطالة.

المقصد الخامس عشر

في أنّ جاهل الحكم بشي‌ء منها ، إن تركها أو ترك شيئاً من شطورها أو شروطها لعدم الخطور ، أو للبعد عن الحضور في بلاد الإسلام ، أو مع الخطور وحصول العلم له بأنّ ما جرى على لسان أبويه أو معلّمه أو غيرهم هو المأمور به شرعاً لا يتصوّر خلافه ، فلا مؤاخذة عليه.

وبعد معرفة أنّ الرجوع إلى العلماء لازم يجب عليه السؤال عمّا صدر منه من

٣١٤

الأعمال ، فما أفتوه بموافقته للواقع بنى على صحّته ، وما أفتوه بمخالفته له أعاد ، وقضى ما فيه القضاء ، وإذا جهل ما كان عليه بنى على وقوعه صحيحاً ، وعلى التقديرين ليس عليه كفّارة فيما تختصّ كفّارته بالعصاة.

ولو علم بوجوب الرجوع إلى العلماء وقصّر في الرجوع إليهم عصى وفسد عمله ، وقضى ما يقضى ، وكفّر عمّا يكفّر عنه العامد ؛ إلا فيما ورد فيه التخصيص بالعالم ، كالقصر والإتمام لمن لم يبلغه حكم التقصير ، والجهر والإخفات لمن لم يبلغه حكمهما.

ومن أخذ الأحكام من غير محلّها ، أو رجع في التقليد بها إلى غير أهلها ممّن لم يكن مجتهداً مطلقاً وإن كان متجزّئاً باصطلاحهم ، أو كان ميّتاً ، أو مجنونا ، أو رجع جاهلاً بعد الإفتاء وعدم سبق التقليد قبل حدوث الحادث بطل عمله.

وأمّا لو سبق تقليده بالأخذ عنه للعمل عمل أو لم يعمل قبل حدوث الحادث بقي على حكمه.

المقصد السادس عشر

في أنّ العبادات إذا تعدّد المأمور به منها ، وامتنع جمعها في الإيجاد تماماً ، أو قدر ركعة على اختلاف الوجهين ؛ فلا تخلو إمّا أن تكون بتمامها موسّعة ، فله حينئذٍ أن يبدأ بما شاء منها ؛ لأنّ الحكم لا يتعلّق بالجزئيّات ، فلا مضادّة إذا لم تكن موضوعة على الترتيب كالحجّ على عمرة التمتّع في حجّة الإسلام للنائي ، والعمرة على الحجّ لغيره ، وأداء كلّ من الظهرين أو العشاءين ، وقضاء الفرائض اليوميّة من الحيّ ، وصوم التطوّع لمن عليه قضاء شهر رمضان أمّا ما لم يكن كذلك فلا ترتيب فيها ، واجبات فقط ، أو مندوبات كذلك ، أو مختلفات متجانسات أو متخالفات. غير أنّ الأفضل أن يقدّم الأهمّ فالأهمّ ، كالواجبات على المندوبات ، والأهمّ من الواجبات والمندوبات على غيره ، فتقدّم الفرائض اليوميّة على صلاة الآيات ، والملتزمات والرواتب على باقي التطوّعات.

وإمّا أن تكون مضيّقة بالعارض ، فيجب تقديم ما هو أشدّ وجوباً ، كما إذا أهمل

٣١٥

الفريضة حتّى ضاق وقتها فعارضت صلاة آيات ، أو بعض الملتزمات المضيّقة بالعارض ، أو وفاء دينٍ مطالبٍ به ، ونحو ذلك ، فإن عكس صحّ عمله على الأقوى ، وكان مأثوماً ، وإن تساوت جرى عليهما حكم الواجب المخيّر.

وإمّا أن يكون بعضها موسّعاً والأخر مضيّقاً بالعارض ، فيجب تقديم المضيّقة على الموسعة ، وإن خالف أثم وصحّ العمل.

وإمّا أن تكون موسّعة كذلك والأُخرى مضيّقة بالأصل ، فالحكم فيها كسابقتها في حصول الإثم ، بل هنا أولى (والقول بالفساد هنا لا يخلو من قوّة) (١).

وإمّا أن تكون مضيّقة بالعارض والأُخرى مضيّقة بالأصل ، ومقتضى القاعدة ترجيح الأصليّة على العارضيّة ، إلا لبعض المرجّحات الخارجيّة ، كترجيح اليوميّة المضيّقة بالعارض على غيرها من المضيّقات الأصليّة ، من صلاة آيات ، أو بعض الملتزمات. وإن خالف أثم.

والصحّة والفساد في هذا القسم وفيما سبق عليه لو قدّم ما حقّه أن يؤخّر (مبنيّان على التوقيت ، وقصر الوقت على الأصليّ منهما فلا يشاركه ما عارضه بوقته كشهر رمضان بالنسبة إلى الصوم بأقسامه ولو كان مضيّقاً بسبب من الأسباب ، وكصلاة الفريضة إذا ضاق وقتها بالنسبة إلى باقي الصلوات ولو تضيّقت لبعض الأسباب وعدمه فإن كان الأوّل جاء الفساد) (٢) وإلا صحّ وترتّب الإثم كما فيما سبق.

وتعارض الواجبين المضيّقين الأصليين غير ممكن.

وعلى ما تقدّم لا مانع من النيابة تبرّعاً أو عن استيجار (ولا من قبول الإجارة ممّن كان عليه قضاء لنفسه ، أو لغيره تبرّعاً ، أو استئجاراً) (٣) ما لم يفض إلى الإهمال.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) بدل ما بين القوسين في «ح» : مبنيّان على التوقيت وقصر الوقت على الأصليّ منهما ، وعدمه فإن كان الأوّل فلا يشاركه ما عارضه بوقته كشهر رمضان بالنسبة إلى الصوم بأقسامه ، ولو كان مضيّقاً بسبب من الأسباب ، كصلاة الفريضة إذا ضاق وقتها بالنسبة إلى باقي الصلوات ولو كانت تضيّقت لبعض الأسباب جاء الفساد.

(٣) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : ولا من وقوع الإجارة مع من كان عليه قضاء لنفسه أو لغيره تبرّعاً أو استئجاراً أن يعمل تبرّعاً أو يؤجر نفسه لغيره.

٣١٦

ولو شرط عليه البدار كانت منافعه مملوكة لغيره ، فما وقع منه يرجع إلى المستأجر ، ومتى تعذّر لغا.

وينبغي المحافظة على المعادلة (١) والتأمّل في جهات الترجيح فإنّ المقام من مزالّ الأقدام.

المقصد السابع عشر في أنّ الواجب الكفائي مع وجود من يقوم به والمخيّر مع إمكان إفراده والموسّع مع بقاء وقته ، لا يتعيّن على العامل دون غيره ، ولا بالعمل المعيّن دون ما سواه ، ولا بخصوص زمان من أزمنة التوسعة بمجرّد الدخول في العمل ، فله القطع فيما يجوز قطعه ، وله العدول عن العمل إلى مخالفه ، وعنه عن ذلك الزمن إلى مجانسه.

والإبطال في الأعمال كالإبطال في الصدقات إنّما يتعلّق بما يتمّ من الأعمال ، فلا يدخل فيه القطع ، على أنّ النهي لو بقي على عمومه (٢) أو أُخرج منه أوّل (٣) الأفراد لزم من ذلك حرج عظيم على العباد ، فلا تتعيّن فاتحة ، ولا تسبيح يقوم مقامها ، ولا تسبيح ركوع أو سجود ، ولا سورة من السور بمجرّد الدخول.

فلو أراد قطعها والدخول في غيرها في غير ما نصّ (٤) على منعه ، كالعدول من التوحيد أو الجحد إلى غيرهما ، أو من إحداهما إلى الأُخرى أيضاً في وجه قويّ أو من سورة كائنة ما كانت بعد تجاوز الثلثين أو النصف على اختلاف الرأيين إلى غيرها ، أو اقتضى الإخلال بالهيئة فلا بأس.

ولا يرتفع وجوب تغسيل الميّت أو الصلاة عليه عن المكلّفين بمجرّد دخول أحدهم

__________________

(١) في «م» : المعاملة.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) ، سورة محمّد : ٣٣.

(٣) في «ح» : أقل ، بدل أوّل.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٦ ، قرب الإسناد : ٢٠٦ ح ٨٠٢ ، الوسائل ٤ : ٧٧٥ أبواب القراءة ب ٣٥ ح ١ و ٢.

٣١٧

في أحدهما ، بل حتّى ينتهي العمل ويأتي على غسل تمام أجزاء البدن ، وبراء «أكبر» في الخامسة مثلاً ، فيقصد من صلاها جماعة تقدّم أو تأخّر في الدخول مع الإمام الوجوب.

ولو أتمّ بعضهم دون بعض أتمّ الباقي ما بقي بعنوان الندب من غير احتياج إلى نيّة جديدة على الأقوى.

وقطع الواجب الموسّع مع بقاء وقت سعته كالصوم عدا صوم قضاء رمضان بعد الزوال في ما لم ينصّ على منعه لا مانع منه.

المقصد الثامن عشر

في أنّه يستحبّ التظاهر في العبادات الواجبات والمندوبات لمن كان قدوة للناس يقتدون به ؛ لرئاسة في الدين أو الدنيا ، ليكون باعثاً على عملهم ، فإنّ الداعي إلى الخير قولاً أو فعلاً كفاعله.

ولمن أراد أن يجبّ الغيبة عن نفسه فلا يُرمى بالتهاون والتكاسل في العبادة ، وربّما وجب لذلك ، ولمن أراد ترغيب الناس إلى الطاعات ، وإيقاعهم في الغيرة ليرغبوا في العبادات ، ولمن أراد تنبيه الغافلين ، وإيقاظ النائمين.

ويُستحبّ الإسرار في المندوبات ؛ لظاهر الروايات (١) ، إلا ما ورد فيه استحباب الجهر. ولو لا دلالة الأخبار لقلنا بإطلاق أفضليّة الإجهار ؛ لأنّ إظهار العبوديّة عبوديّة ثانويّة.

ويتأكّد الإسرار في حقّ من خاف على نفسه من الرياء ، إلا أن يخشى من مداخلة الشيطان له في جميع عباداته ، فيدخل الشكّ عليه في جميع طاعاته ، ويكون باعثاً على تركها ، وهو عين مطلوبه.

فمن شمّ رائحة الرياء من نفسه فليدم على عمله مستعدّاً للجهاد مع الشيطان

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٥٦ أبواب مقدّمة العبادات ب ١٧ ، وج ٤ : ١١١٣ أبواب الدعاء ب ٢٢.

٣١٨

والنفس الأمّارة ، ووردت في ذلك زيادة التأكيد ، ونهاية الحثّ الشديد (١).

وبهذا يتّضح معنى «الرياء شرك ، وتركه كفر» تنزيلاً له على الاستخدام ، ويراد أنّه يلزم ترك جميع الأعمال متّبعاً للشيطان في جميع الأفعال ، وهو أعظم أسباب الكفر.

ويغني ذلك عن توجيهه : بأن المراد تركه على حاله والدوام عليه ، فيكون من باب قوله :

وأمّا عن هوى ليلى وتركي

زيارتها فإنّي لا أتوب

وعن تنزيله : على أنّ المراد بترك الرياء في العمل تجريده عن ضمّ القربة ، وتخصيصه بغير الله تعالى ، أو تخصيصه منفيّاً عن الله تعالى ، أو تعميمه للرياء من الله ، أو تسمية الخطور رياءً ، وهو لا ينفكّ عن الأعمال ، فيكون نوعا آخر من الاستخدام.

المقصد التاسع عشر

في أنّه إذا علم اشتغال ذمّته بشي‌ء من الأعمال ولم يشخّصه ، كما إذا نذر شيئاً من الأعمال أو الأموال ولم يميّزه ، أو علم أنّه قد شغلت ذمّته بعبادة ابتداء ولم يميّزها ، ولم يكن لها جامع ؛ فإن دار بين محصور يمكن الإحاطة به من غير عسر ، لزم الإتيان بالجميع ؛ وإن تعذّرت أو تعسّرت ارتفع الوجوب ، وانحلّ نذره وشبهه ، وينكشف عدم انحلاله بظهور حاله. هذا إذا كان من مختلف الجنس.

وأمّا في متحده بين قليله وكثيره ، فيجري الاقتصار على المتيقّن في غير المنصوص على خلافه ، واستصحاب الجنس لا وجه له ، والفرق بين الجزء والجزئي واضح ، والأحوط فيه مراعاة يقين الفراغ بعد يقين الشغل.

ولو تعدّدت العبادات واختلفت هيئاتها بقصر وإتمام ، أو اجتماع عبادات مختلفة الذوات والهيئات ، كالفرائض اليوميّة والآيات ؛ أتى من الأمرين بما يحصل به الاطمئنان.

ثمّ إذا حاول الاحتياط استحباباً لتحصيل الاطمئنان في الإتيان بالواجب ، وأراد

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٢ : ٢٩٥ ح ٢٠ وص ٣٠٣ ح ٤٨.

٣١٩

المحافظة على نيّة الوجه نوى الواجب (١) قربة إلى الله تعالى ، واختلاف نيّة الوجه في الغاية والتقييد لا مانع منه.

المقصد العشرون

في أنّه لا ينبغي ترجيح العبادات الراجحة بحسب الذات ، لا من جهة الصفات مع وحدة الذات على المرجوحة دائماً ، فيقتصر على الراجح ، لأنّ السيّد إذا أمر عبده بأوامر أراد منه الامتثال لجميعها ، فلا معنى لأن يأمره بالماء فيأتيه بالعسل ، أو بالذهاب إلى عيادة فلان أو زيارته فيذهب إلى عيادة أو زيارة من هو أفضل منه ، متعلّلاً بالأفضليّة.

فتمام العبوديّة والانقياد بأن يأتي بجميع أوامره الموجبة والنادبة والراجحة والمرجوحة ، وإلا لانحصرت الزيارة بزيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والطاعات المرغوبة بالصلاة ، والذكر بقول «لا إله إلا الله» وهكذا ، فيقتصر في كلّ جنس على أفضله ، بل يلزم منه الاقتصار على نوع واحد ، ومثل ذلك يجري في جميع المطالب والملاذّ في المأكولات والمشروبات والملبوسات ، فالتفنّن في كلّ شي‌ء من مطالب العقلاء.

فلا معنى لترك السنن لطلب الأفضل منها ، ولا للاشتغال بالواجبات الكفائيّة مع قيام الغير بها عوضاً عنها ، كما جرت عليه سيرة كثير من العلماء والصلحاء من ترك قراءة القرآن ، وعيادة المرضى ، وتشييع الجنائز ، وزيارة الإخوان ، وزيارة المعصومين (٢) وترك النوافل الرواتب التي يشبه تركها ترك الواجب ، متعلّلين بأنّ طلب العلم أفضل ، وأنّ ترجيح المفضول على الفاضل لا يُعقل.

وهذا مخالف لطريقة أهل الأديان من زمان أبينا آدم عليه‌السلام إلى الان ، وقد علم من طريقة هذه الأُمة وسيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام أنّهم لم يزالوا يجمعون بين العبادات المقبولة ، الفاضلة منها والمفضولة.

__________________

(١) في «ح» زيادة : ندباً.

(٢) في «ح» زيادة : من تسلّط الشيطان.

٣٢٠