كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

عبادات أغنت فيها النيّة الضمنيّة عن المطابقية ، فالرياء في بعض أجزائها كالرياء في جملتها واجبة كانت أو مندوبة ، أو بعض ما دخل فيها واحتسب عرفاً منها حتّى يصدق فيه الرياء في العبادة مبطل لها ، خصوصاً في المنفصلة كنيّة الصوم.

أمّا ما لم يحتسب منها (١) كالرياء في إعطاء زكاة أو خمس أو صدقة مندوبة ونحوها فيها ؛ فلا تبعث على الفساد.

وحصول الرياء مفسد للزكاة والخمس ونحوهما من الأُمور المتعلّقة بالفقراء وغيرهم من المصارف العامّة ، إلا إذا كان الدافع مجتهداً وقد قبض من نفسه أو من غيره (عن المصرف كائناً ما كان ، فلا تلزم النية ؛ لأنّ دفعه دفع أمانة وقد تمت العبادة بقبضه) (٢) بحسب الولاية ، أو جبراً مع الامتناع ، وقد يقال بلزوم نيابته في النيّة حينئذٍ عن المصرف العامّ كائناً ما كان دون الوكالة عن الدافع.

والعُجب المقارن كالرياء المقارن ، والمتأخّران لا يفسدان.

وإدخال قصد فوائد الدنيا في الأثناء على وجه يفسدها لو كان في الابتداء أيسر من مسألة الرياء ؛ لأنّ إفسادها خاصّ بالفعل مع العمد بلزوم الزيادة بالإعادة دون (القول) (٣) إلا بما قضت بإدخاله في كلام الادميّين.

والاستمرار على نيّة القربة ليس بشرط في حقّ الساهي والغافل ، كما أنّ الاستمرار على الجزم في إتمام العمل ليس بلازم مع السهو وخلافه ، فلو عزم على القطع أو تردّد فيه ولم يخلّ بشي‌ء من الشرائط فلا بأس به على إشكال.

وأمّا إذا عزم على قطع الصوم بالسفر أو بشرب الدواء أو الاحتقان ذاكراً للصوم أولا ، أو عزم على قطع غسل أو وضوء أو صلاة ونحوها ؛ لتوهّم حصول المفسد فيها ، وانكشف الخلاف من حينه ، فلا ينبغي الشك في عدم الفساد ، كما يؤذن به قصد الخروج بالتسليم ثمّ ذكر النقصان ونحوه ، وقولهم : إنّ فعل التكبيرة الإحراميّة الزائدة

__________________

(١) في «ح» زيادة : وإن كانت عبادة.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من «ح».

(٣) بدل ما بين القوسين في «ح» : المقارنة ولا إفساد بالقول.

٢٨١

وسائر الأركان الزائدة والمفطرات عمداً مفسدة.

وربما يفرّق بين العزم على القطع لتوهّم الانقطاع ، وبين غيره ، أو يفرّق بين العزم على القطع المأذون به شرعاً وغيره ، وبين نيّة القطع والقاطع ، أو بين نيّة القطع من حينه بأن ينوي ترك الفعل كذلك وبين أن ينويه في زمان متأخّر ، وبين العمل الموصول كالصلاة ، والمفصول كالوضوء والغسل ، ويختلف الحال بأخذ ذلك في الابتداء أو في الأثناء ، وتختلف الأحكام باختلاف الأقسام.

والذي يظهر بعد إمعان النظر أنّ اللازم فيها إنّما هو اقترانها بالعمل ابتداء ، ولا ينافيها إلا ما ينافي معنى العبادة والعبودية ، والرياء ونحوه ممّا قام الدليل عليه.

وأنّ الباء في قوله : «إنّما الأعمال بالنيّات» (١) و «لا عمل إلا بنيّة» (٢) إلى غيرهما من الأخبار ، للمصاحبة دون التلبّس ، كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا صلاة إلا بطهور» (٣) ، و «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (٤).

ومنها : أنّها قد يدخل الشي‌ء من نوع في حكمٍ ما هو من نوع آخر بمجرّد قصده وإرادته في المقامات العرفيّة والعادية ، كما يحتسب المولى لعبده العاجز عن القيام أو العاجز عن الكلام جلوسه بقيامه ، وإشارته بكلامه ؛ مع علمه بقصده لهما ، وإنّما تركهما للعجز عنهما ، وإلا فهما عين مطلبه ومقصده في خدمته ومخاطبته ، فيعطيه أجر القائمين ، ويدنيه منه دنوّ المتكلّمين ويجري ذلك في الأحكام الشرعيّة.

فقد أقام الشارع وله الحمد إشارة الأخرس في أقواله في عباداته ، ومعاملاته ، وأحكامه ، ونذوره وعهوده وأقسامه ، بل مطلق العاجز عن الكلام ، مقام الكلام.

فالإشارة في بيعه ومعاطاته وإجارته ووقفه وهبته ، ونكاحه وطلاقه وقذفه وكذبه

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨٣ ح ٢١٨ ، وج ٤ : ١٨٦ ح ٥١٨ ، أمالي الطوسي : ٦١٨ ح ١٢٧٤ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥ ح ٦ ، ٧ ، ١٠.

(٢) الكافي ٢ : ٨٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥٢٠ ، أمالي الطوسي ٥٩٠ ح ١٢٢٣ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥ ح ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٣٥ ح ١٢٩ ، التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ ، وص ٢٠٩ ح ٦٠٥ ، وج ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٥.

(٤) الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٢ ، الوسائل ٤ : ٧٢٣ أبواب القراءة ب ١ ح ٦١.

٢٨٢

وغيبته وغنائه ، وهكذا على نحو واحد ، لا فارق بينها سوى القصد.

وأفعال العجز مقام أفعال القدرة ، فأقام الجلوس للعاجز عن القيام مقام القيام ، وقيام العاجز عن الجلوس مقام الجلوس مع صدق النيّة لهما كما عيّن مثلها من المشتركات بالنيّة ، فالمدار على النيّة إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ.

فمن قصد بإشارته التوحيد دخل في الموحّدين ، أو قصد كلمة الكفر كان من الكافرين الأصليين أو المرتدّين ، وكذا جميع الطاعات والآثام المتعلّقة بالكلام من الواجبات والمستحبّات ، من قراءة قران أو أذكار أو زيارات أو دعوات أو تعقيبات.

فلو أشار الأخرس في صلاته قاصداً لكلام الآدميين ، أو السلام متعمّداً بطلت صلاته ، وساهياً مرّة لزمه سجود واحد ، ومرّات سجودات ، ولو قصد الرياء في إشارته الاتي بها ، عوضاً عن الذكر الواجب عليه أو قراءته ، فلا تأمّل في فساد صلاته إلى غيرهما من الأحكام.

ولو قصد العاجز عن القيام في جلوسه للفريضة الجلوس بطلت صلاته ، ولو قصد القيام صحّت ، وله ثواب القائمين في نوافله مع قصده ، والجالسين مع عدمه ، فله احتساب الركعة بركعة بقصد القيام ، والركعتين بركعة (١) بقصد الجلوس. واحتساب ركعتي جلوسه بركعتي قيام في صلاة الاحتياط مع نيّته ، وبركعتي جلوس مع عدم نيّتهما ، وهكذا.

وفي حكم العاجز عن القيام في نذر القيام مثلاً ، والقراءة والذكر ، ونحوهما ممّا يتعلّق بالكلام في الوقت الخاصّ وجهان : الرجوع إلى البدل ، والانحلال ، والأقوى الأوّل.

والراكب والمضطجع إن ألحقناهما بالجالس والقائم أو ألحقناهما معاً بالجالس كان الحكم على نحو ما مرّ.

وإن بنينا على أنّهما قسم ثالث أشكل الأمر في إلحاقهما بالقائم ، فيكتفى بركعة

__________________

(١) في زيادة : ويضعف.

٢٨٣

منهما حيث تلزم الركعة القياميّة ، أو بالجالس فيجب الإتيان بالركعتين ، أو يفرّق بين الأمرين ، فيكتفى بالركعة في الركوب ، ويلتزم في الاضطجاع بالثنتين. والعمل بالاحتياطين.

وإعادة الصلاة من رأس لا يخلو من رجحان ، كما أنّ القول بالفساد غير بعيد عن السداد.

ومنها : أنّه على العامل النيّة في العبادة البدنيّة كما يظهر من الآيات القرآنيّة (١) ، والسنّة النبويّة (٢) ، وللأصل المقرّر بوجوه إذا كان من أهلها ، ولا يكتفي بنيّة المباشر النائب عنه في مباشرة بدنه مع عجزه عن العمل وإمكانها منه.

ولو تعدّد العاملون مباشرين أو نائبين في موضع تصحّ النيّة منهم ، كما في عبادة الأموال أو تغسيل الموتى أو إحجاج الطفل ، فإن ترتّبوا وتوزّع العمل عليهم ، يتولّى كلّ واحد منهم نيّة الجزء الذي فعله ؛ قاصداً لكونه مكمّلاً للعمل.

وإن أتوا به مجتمعين نوى كلّ واحد منهم العمل على وجه الشركة. وإذا ظهر فساد في نيّة أحدهم بعد العمل (٣) أُعيد الجزء الذي فعله ، وما ترتّب عليه في القسم الأوّل ، والجميع في القسم الثاني.

ولو نوى أحدهم تمام العمل ثمّ عرض له عارض أو انعزل صحّ ما عمل ، وأتمّ غيره العمل بنيّة جديدة يقصد بها إتمام العمل.

ومنها : أنّه لو ردّد النيّة بين نوعين من العمل بطل العمل ، وبين الفردين (لا مانع ؛ إذ الإبهام فيها لا يرتفع إلا بتمام العمل ، هذا) (٤) إن لم يكن للفرد مطلوبيّة لا مانع ، إذ ليس ترديد في عبادة ، بل العبادة على هذا معيّنة على إشكال.

__________________

(١) الإسراء : ٨٤ ومنها قوله تعالى (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ). والشاكلة في الآية مفسّرة بالنيّة في الروايات ، انظر الكافي ٢ : ٨٥ ح ٥ ، وتفسير نور الثقلين ٣ : ٢١٤ ح ٤١٧ ، وتفسير الدر المنثور ٥ : ٣٣٠.

(٢) الوسائل ١ : ٣٣ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥.

(٣) في «س» : أحدهم بعمد.

(٤) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٢٨٤

ومنها : أنّه لا تجوز نيّتان لعملين في عمل واحد لا ابتداء ولا استدامةً ، فإذا دخل في عمل بنيّة استمرّ عليه ، ولم يجز عدوله إلى عمل آخر إلا في بعض الأقسام كما سيجي‌ء بيانه.

ولا يجوز قيام العمل الواحد مقام عملين مع نيّتهما أو نيّة أحدهما ، إلا فيما قامت عليه الحجّة ؛ للأصل وظاهر الأدلّة ، كما لا يجوز جمع عملين مستقلّين أو مترتّبين بنيّة واحدة ، إلا فيما يقع فيه الإشاعة ، كدفع قدر من المال من هاشميّ إلى مثله ، على أن يكون نصف منه زكاة ، ونصف خمساً.

ومنها : أنّ نيّة الطاعة طاعة يثاب عليها ، وإن لم يترتّب عليها عمل لحصول مانع ، ونيّة المعصية قبيحة ومعصية. وربما دخل بعض أقسامها في الكبائر العظام ، كنيّة قتل نبيّ أو إمام.

لكنّ الذي يظهر من الأدلّة أنّه لا يعاقب الناوي إلا بعد فعل المعصية (١) وفي العقاب عليهما معاً أو على المعصية وحدها وجهان ، والظاهر أنّ العفو مختصّ بأهل الإيمان دون غيرهم.

المبحث الرابع : فيما تضمّن لزوم المحافظة (٢) عليها

وكفى بالعقل شاهداً عليه ، بعد حكمه بوجوب شكر المنعم ثمّ في كلّ ما ورد في الكتاب والسنّة من الأمر بالعبادة والعبوديّة والسمع والطاعة والامتثال والانقياد والتسليم والإخلاص ونحوها أبين شاهد على ذلك ؛ لتوقّفها عليها.

وكذا الأخبار البالغة حدّ التواتر المعنوي ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدّة أخبار : «لا قول إلا بعمل ، ولا عمل إلا بنيّة ، ولا قول ولا عمل إلا بإصابة السنّة» (٣)

__________________

(١) قرب الإسناد : ٩ ح ٢٨ ، التوحيد : ٤٠٨ ح ٧ ، الوسائل ١ : ٣٦ أبواب مقدّمة العبادات ب ٦.

(٢) في «ح» : المخالفة.

(٣) الكافي ٢ : ٨٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥٢٠ ، بصائر الدرجات ٣١٠ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٣٣ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥ ح ١ ٤.

٢٨٥

وقوله : «إنّما الأعمال بالنيّات» (١) وقوله : «إنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٢) ونحو ذلك.

وهذه الأخبار يمكن أن يراد بالنيّة فيها المعنى الأخصّ ، وهي المقرونة بقصد القربة ، وبالعمل العبادة بالمعنى الأخصّ أيضاً ، فيكون النفي على حاله ؛ وأن يُراد المعنى الأعمّ ، فتعمّ العبادات والمعاملات ، ويكون النفي نفي الصحّة ؛ لأنّه أقرب إلى حقيقة النفي من نفي الكمال.

ومن جملة ما دلّ على مزيّتها وشدّة العناية بها قوله عليه‌السلام : «نيّة المؤمن خير من عمله» (٣) ، وفي رواية : «أفضل من عمله» (٤) ، وفي أُخرى : «أبلغ من عمله» (٥).

وأورد بعضهم إشكالاً في المقام حاصله : أنّه كيف تكون النيّة أفضل من العمل ، مع أنّه المتضمّن للتعب والمشقّة ، وأفضل الأعمال أحمزها (٦) ، مضافاً إلى أنّه المقصود بالأصالة والنيّة من التوابع ، مع أنّ مدح العاملين والعابدين والمصلّين والراكعين والساجدين ونحوه مبنيّ على العمل (٧).

وفيه مع ما فيه من أنّ المراد بالأحمز المجانس وما استند إلى الذات ، وأنّه لا مانع من أفضليّة التابع على المتبوع من غير وجه التبعيّة ، وأن زيادة المدح لا تستلزم الأفضليّة ، مضافاً إلى أنّه ربّما كان بسبب النيّة أنّه يمكن توجيهه بوجوه عديدة.

أوّلها : أنّ المراد به أنّ نيّة المؤمن بلا عمل خير من عمله بلا نيّة.

ثانيها : أنّه عامّ مخصوص ، والمراد به أنّ نيّة الأعمال الكبار خير من الأعمال الصغار.

ثالثها : أنّ النيّة قد تتعلّق بالاستدامة على العمل ، فيُثاب عليها بذلك النحو ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٨ ، أمالي الطوسي : ٦١٨ ح ١٢٧٤.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٨ ، أمالي الطوسي : ٦١٨ ح ١٢٧٤.

(٣) الكافي ٢ : ٨٤ ح ٢ ، المحاسن : ٢٦٠ ح ٣١٥ ، الوسائل ١ : ٣٥ أبواب مقدّمة العبادات ح ٣.

(٤) الكافي ٢ : ١٦ ح ٤ ، وفيه : النيّة أفضل من العمل ، علل الشرائع : ٥٢٤ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٣٨ أبواب مقدّمة العبادات ب ٦ ح ١٧.

(٥) أمالي الطوسي : ٤٥٤ ح ١٠١٣ ، الوسائل ١ : ٤٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٦ ح ٢٢.

(٦) هذا مضمون ما روي عن النبيّ (ص) ، أورده ابن الأثير في النهاية ١ : ٤٤٠ ، والطريحي في مجمع البحرين ٤ : ١٦.

(٧) البحار ٦٧ : ١٨٩ كتاب الإيمان والكفر ب ٥٣.

٢٨٦

ويكون الجزاء في مقابلتها الخلود في الجنّة ، وقد ورد في بعض الأخبار تعليل الخلود في الجنّة به ، والخلود في النار بما يقابله (١).

رابعها : أنّ النيّة خيرها مستمر ، والعمل منقطع.

خامسها : أنّها لا يدخلها الرياء لخفائها ، دونه.

سادسها : أنّها لا تكون إلا على الحقيقة ، والعمل قد يكون صوريّاً لمثل التقيّة.

سابعها : أنّ «من» للبيان ، والمراد أنّها من جملة عمل الخير.

ثامنها : أنّها لا يتصوّر العجز عنها بخلافه ، فإنّه ربما امتنع لذاته.

تاسعها : أنّها من عمل السرّ ، وعمل السر في حدّ ذاته أفضل.

عاشرها : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حقّ مؤمن أراد أن يعمل بناء جسر ، فسبقه عليه كافر فعمله (٢).

حادي عشرها : إنّه نيّة المؤمن لعمله الفاسد خير من عمله.

ثاني عشرها : أنّ نيّة المؤمن لعمله الذي لم يعمل خير من ذلك العمل.

ثالث عشرها : أنّ نوع النيّة خير من شخص العمل.

رابع عشرها : أنّها تدلّ على صفاء الباطن وحسن الاعتقاد.

خامس عشرها : أنّ النيّة خير محض لا تعب فيها ، بخلاف العمل.

سادس عشرها : أنّ العمل ربما احتاج إلى الات وشرائط فيمتنع لامتناعها ، بخلافها.

سابع عشرها : أنّ «من» تعليليّة ، فيراد أن خيرها من جهة العمل.

ثامن عشرها : أنّ الثواب المقرّر على نيّة العمل أكثر ممّا قرّر عليه ؛ لأنّها أكثر أفراداً من العمل.

تاسع عشرها : أنّ النيّة تتعلّق بجميع الأفعال دفعة واحدة ، فيثاب على الجميع ، بخلاف العمل.

العشرون : أنّ نيّة المؤمن خير من العمل الذي يثاب عليه بلا نيّة ، كمكارم الأخلاق.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٨٥ ح ٥ ، المحاسن : ٣٣١ ح ١٩٤ ، الوسائل ١ : ٣٦ أبواب مقدّمة العبادات ب ٦ ح ٤.

(٢) مجمع البحرين ١ : ٤٢٣.

٢٨٧

الحادي والعشرون : أنّها لا يدخلها العجب.

الثاني والعشرون : أنّها لا تحتاج إلى مئونة التعلّم.

الثالث والعشرون : أنّ العمل لا يخلو من شروط ومنافيات ، بخلافها.

الرابع والعشرون : أنّ النيّة قد تجعل العمل الواحد عملين أو أعمالاً في باب التداخل دونه.

الخامس والعشرون : أنّ النيّة بلا عمل تستتبع الأسف على الفوات والتأذّي من جهته ، وهو أكثر ثواباً من العمل (١).

السادس والعشرون : أنّها علّة لوجود العمل وصحّته ، فهي أشرف من المعلول.

السابع والعشرون : جَعلها غير العبادة كالتجارة والنكاح ونحوهما عبادة ، والعبادة عبادة أُخرى ، والعمل لا يفعل ذلك.

الثامن والعشرون : أنّ النيّة عليها مدار العقود والإيقاعات وأكثر الأحكام ، بخلاف العمل.

التاسع والعشرون : أنّ النيّة قد تجعل العمل للغير ، كنيّة النائب في العمل.

الثلاثون : أنّ فساد العمل لا يبطل أثر النيّة ، بخلاف العكس.

الحادي والثلاثون : أنّ النيّة روح العبوديّة ، والعمل صورة ظاهريّة ؛ إلى غير ذلك من الوجوه المحتملة.

ويعلم من ذلك توجيه آخر للحديث ، وهو : أن نيّة الكافر شرّ من عمله.

ثمّ إنّ ما اشتمل عليه قولهم عليهم‌السلام : «إنّما لكلّ امرئ ما نوى» عامّ مخصوص ، أو يُراد على وجه الاستحقاق ؛ لانخرام القاعدة في عدّة مواضع :

كنيّة صوم شعبان في يوم الشك و (٢) احتسابه من رمضان إن بان ، وصلاة الاحتياط في انقلابها نفلاً في أحد الوجهين مع ظهور عدم الاحتياج ، والزيارات في انقلابها حجّات ، وتضاعف العبادات مع قصد الواحدة في الأوقات والأمكنة المشرّفات ،

__________________

(١) هذا الاحتمال بكامله غير موجود في «س» ، «م» ، ومنه اختلفت الأرقام التالية ؛ والمثبت هو المطابق لـ «ح».

(٢) في «ح» : وفي.

٢٨٨

واحتساب الاشتغال بتعداد الحبّات المصنوعة من التربة الحسينية تسبيحات إن بني على الظاهر فيهنّ.

ومكارم الأخلاق في احتسابها طاعات يؤجر عليها بغير نيّة ، فإنّ ما كان منها عن انقياد النفس وانجذاب القلب من دون تحريك قصد القربة إلى الله تعالى ، كالرحمة والكراهة والشجاعة ، والسخاوة ، والغضب ، والأدب ، والتواضع ، والبشاشة في وجوه الأخوان ونحوها من دون قصد القربة ، وإن رجع إليها بالأخرة أرجح ممّا تضمّنه منها.

ويلحق بذلك أجزاء العبادة إذا خلت عن القصد ، أو اقترنت بقصد الخلاف ، كأن يقصد بإحدى السجدتين أوّلهما فتنكشف الثانية ، أو بالعكس ، وبالتشّهد التشهّد الأخير وبالعكس فيظهر الخلاف ، أو سورة بعد الدخول غير ما دخل فيه.

ويجري مثله في المعاملة كما إذا وهب أو باع أو أجر أو فعل نحوها بقصد ، ثمّ قصد قصداً آخر قبل الفراغ.

وهذا في باب السهو والنسيان لا كلام فيه ، وفي التعمّد لا تخلو الصحّة من قوّة ما لم يستتبع تشريعاً في عبادة.

وذلك كلّه باعتبار تأثير النيّة السابقة ، وربما يدخل في قسم المنوي باعتبارها.

ومثل ذلك ما إذا نوى بسورة الفاتحة جزء الركعة الثانية ، فظهرت في إحدى ركعتي التسبيح ، وإن قرأ السورة بعدها كانت زيادة غير مضرّة.

ومن هذا القبيل الدعاء الملحون مع تعلّق القصد به ، يبدل عند الله بالفصيح.

والظاهر لحوق الأذكار المستحبّات والزيارات بذلك ، وفي الواجب بالعارض منها إشكال.

المقصد الثاني : في الإسلام

فلا تصحّ عبادة غير المسلم من جميع أصناف الكفّار ممّا يدخل في العبادة بالمعنى الأخصّ.

وأمّا ما وجب ممّا لا يشترط بالنيّة من كفن ودفن ووفاء دين وإنفاق ومكارم

٢٨٩

أخلاق وقسم ونحوها وما لزم من تروك محرّمات مثلاً فلا مانع منها بعد الامتثال.

وأمّا وقفهم وعتقهم ونحوها فيجري حكم الصحّة فيها تبعاً لمذهبهم ؛ لأنّ القربة المعتبرة في مثلها ليست كالمعتبرة في العبادات الخاصّة المعتبرة فيها القربة ، المترتّب عليها المنافع الأُخرويّة ؛ بل إنّما يلحظ فيها قصدها نفعت أو لم تنفع.

ويجب عليه فعل الواجبات ، وترك المحرّمات ، ويطلب منه فعل المندوبات وترك المكروهات مع الكفر.

والفرق بين تعلّق الحكم ما دام الوصف ، وتعلّقه بشرط الوصف واضح ، فيرجع إلى الأمر بالإسلام ثمّ العبادة.

وما يسقطه الإسلام تفضّلاً لا ينافي تعلّق الأمر به قبل حصوله ، فإسقاط القضاء ونحوه بالإسلام لكونه يجبّ ما قبله من عبادات مقضيّة ، وجنايات بدنيّة ، ومال مأخوذ في الخوف أو مطلقاً على وجه الغصبيّة ، وحدود وتعزيرات شرعيّة لا ينافي الأمر به قبله ، ولا يقبل منه عمل ، شُرط بالنيّة أو لا (١) ، على وجه استحقاق المثوبة إلا تفضّلاً.

وتخصيص الخطاب بالمؤمنين في كثير من الآيات لأنّهم المشافهون ، وأنّهم هم المنتفعون.

ولا واسطة بين الإسلام والكفر في المكلّفين إلا فيمن لم تبلغه الدعوة ، أو كان في مقام النظر ، مع احتمال دخولهم في ثاني القسمين ، وإن لم يكن عليهم مؤاخذة في البين.

ثمّ العقائد الأُصوليّة :

منها : ما يقتضي عدم العلم بها فضلاً عن العلم بعدمها ، مع الظنّ أو الشكّ أو الوهم التكفير ، كوجود الصانع ، ونفي الشريك عنه وقدرته ، وعلمه ، وحياته ونبوّة النبيّ ، ووحدته ، وثبوت المعاد وتجسيمه.

ومنها : ما يقتضي العلم بعدمها دون عدم العلم بها ذلك ، كنفي الجسميّة والعرضيّة ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : وما ورد ممّا ينافيه لا يبنى العمل به.

٢٩٠

والحلول والاتّحاد ، والمكان والزمان ، ونحوها مع العلم بلوازمها.

ومنها : ما لا يقتضي شي‌ء منهما ذلك ، كمعاد البهائم ، ووضع النار لأطفال الكفّار ، وكون الأعمال توزن بعد التجسيم أو العاملين ونحوها.

ثمّ الكفر ضروب كثيرة وأقسام عديدة :

كفر الإنكار بمجرّد النفي أو مع إثبات الغير ، وكفر الشكّ (في غير محل النظر أو ولو فيه ، ولو كان بعذر) (١) ، وكفر الجحود بخصوص اللسان ، وكفر النفاق بخصوص القلب ، وكفر العناد ، بأن يجتهد في هدم أصل من الأُصول مع اعتقاده له وإقراره به ؛ وهذه جارية في الربوبيّة والنبوّة والمعاد ، وكفر الشرك ، وهو جارٍ في الأوّلين دون الثالث إلا على وجه بعيد ، وكفر النعمة.

وكفر هتك الحرمة بقولٍ أو فعلٍ يتعلّق بالله ، أو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الزهراء عليها‌السلام ، أو الأئمّة عليهم‌السلام أو الإسلام ، أو الإيمان ، أو القرآن ، ونحو ذلك.

وكفر إنكار ضروريّ الدين ممّن كان بين أظهر المسلمين ، ولم تسبقه شبهة تمنعه عن اليقين ، وكفر النصب وكفر السبّ وإن أمكن دخولهما فيما سبق ، وكفر البراءة ، وكفر الادّعاء.

ثمّ إنّ الكفر بأقسامه مشترك في حكم التنجيس ، وحرمان الإرث من المسلم ، وعدم الولاية له عليه ، وعدم المناكحة دواماً ابتداء ، داخلاً ومدخولاً عليه.

ثمّ بعض أقسامه منحصر في نفسه وعرضه وماله كالمعتصمين ، وبعضهم حكمهم بعد ما مرّ القتل دون غيره من استباحة مال أو سبي كالمرتدين ، وقد يستباح المال فقط ، أو السبي فقط ، أو هما على اختلاف الشرط في الاعتصام.

والظاهر أنّ السبي لا يسوغ في حقّ كل متشبّث بالإسلام ، وإن قلنا بجواز القتل وأخذ المال في بعض الأحوال ، وسيجي‌ء تمام التحقيق في أحكام النجاسات إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٢٩١

المقصد الثالث : في الإيمان

ويتحقّق بإضافة اعتقاد العدل والإمامة مع الأُصول الثلاثة الإسلاميّة ، فلا تصحّ عبادة غير الإمامي من فِرَق المسلمين ، إن جعلنا الصحّة عبارة عن موافقة الأمر ، أو عمّا أسقط القضاء بنفسه.

وإن أطلقنا في الإسقاط صحّت عبادته على بعض الوجوه ، كما إذا أتى بها ثمّ أمن بعد خروج وقتها ، وكان أتياً بها على وفق مذهبه ، فإنّه لا يجب قضاؤها عليه.

وربما يقال بالصحّة من حين وقوعها من غير شرط كما تنبئ عنه الأخبار الدالّة على صحّة حجّتهم ومشغوليّة ذممهم بطواف النساء (١) ، وكذا في باب نيّة الإحرام من أنّهم يحلّون ويعقدون.

وربما يقال : بأنّ للإحرام والحجّ خصوصيّة. أو يقال : بإجزائهما مع الفساد ، أو الصحّة حين وقوعها كذلك ، والدوام على الخلاف يفسدها ، أو يقال : بصحّتها معلّقة على الإيمان اللاحق ، فإذا حصل صحّت ، أو انكشفت صحّتها ، والأوّل أولى.

والظاهر أنّ الحكم جارٍ في الفرائض والنوافل ، وفي العمل لنفسه والتحمّل عن غيره ، وفي الماليّات المتعلّقة بنفسه ، كما لو نذر أكلاً أو شرباً ، أو بالأعم من أهل الحقّ وغيرهم أو المتعلّقة بأهل الحقّ لكنّه جعلها في موضعها مع جواز ذلك في مذهبه.

والمرتدّ عن باطل إلى باطل يدخل في الحكم إن عمل على وفق مذهبه الثاني ، ولو لم يختر له مذهباً وعمل ، أو عمل على وفق أهل الحقّ معرضاً عن مذهبه ، فعليه القضاء ، ولو ترك ما هو ركن في مذهبنا (٢) غير ركن في مذهبه صحّ ، وبالعكس فسد.

ولو كانت العبادة دخيلة في المعاملات من وقف أو عتق ونحوهما حكمنا بصحّتها ، فمساجدهم كمساجدنا ، ومدارسهم وكتبهم الموقوفة ونحوها حالنا كحالهم فيها ، أو هي خاصّة بنا ؛ لأنّ الغرض من الوقف الأعمال الصحيحة ، ولا تقع إلا منّا ،

__________________

(١) الوسائل ١ : ٩٧ أبواب مقدّمة العبادات ب ٣١ ح ١ ، وج ٨ : ٤٢ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٣.

(٢) في «س» : مذهب.

٢٩٢

ولو شرط واقفهم ألا ينتفع أهل الحقّ بالوقف ؛ صحّ الوقف ، ولغا الشرط.

ومن أخذ من زكاتهم أو خمسهم أو نحوهما جاز لنا الشراء منهم وإن بقوا مطالبين ، ولنا أن نجريهم على مذهبهم في شراء ما زكّوه وإن كانوا بحكم التاركين.

وتغسيل الكتابي المسلمَ ، والكتابية المسلمةَ مع فقد المماثل ، ودفع الكتابي الخمس إذا اشترى أرضاً من مسلم صحّتها على خلاف القاعدة. والظاهر عدم اشتراطها بالنيّة ، ولو قيل بإلزامه بالنيّة الصوريّة ، أو بقيام الحاكم بها فيهما لم يكن بعيداً.

ولا يلحق أطفال الكفّار ممّن لم يدخلوا في ملك المسلمين أو دخلوا وكان معهم أحد الأبوين بأطفال المؤمنين في صحّة عبادتهم ، وقبول نيّتهم ؛ لأنّهم كفّار تبعاً.

ويقوى ذلك في أطفال المخالفين ، وإن حكم بإسلامهم. ولو كان أحد آبائهم أو أُمّهاتهم على الحقّ كانوا كأطفالنا. ولو كانوا أجداداً قريبين ، أو جدّات كذلك الحقوا بهم.

ومن ولد منهم من الزنا من الطرفين انتفى نسبه عنهم ، واحتمل جري أحكام المسلمين عليه ، بخلاف المولود من الحلال ، لقوله : «كلّ مولود يولد على الفطرة» (١) ، فيكون ولد الحلال منهم نجساً ، وولد الزنا طاهراً. ولعلّ الأقوى البناء على اسم النسب عرفاً لا شرعاً.

والمولود بين المخالف والكافر مخالف ، وبين الذمّي والحربيّ والمعاهد والمؤمن والمصالح وغيرهم من المعتصمين إن عمّ ما دلّ على العصمة أولادهم دخلوا في المعصومين ، فالمدار في الإلحاق بالإسلام وجود الإسلام من أحدهما آناً ما من حين الانعقاد إلى البلوغ ، ولا يشترط الاستمرار.

ولو حصل فساد العقيدة في أثناء العمل بطل إن اتّصل ، فلو كانت أجزاؤه مفصولة كالوضوء والغسل والتيمّم قوي القول بالبطلان أيضاً إن اعتبرنا الشرطيّة في الاستمرار ، والأقوى خلافه. أمّا الصلاة والصوم مثلاً فلا كلام في بطلانهما.

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٢ ح ٣ ، عوالي اللآلي ١ : ٣٥ ح ١٨ ، صحيح البخاري ٢ : ١٢٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٤٧ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٣ ، الموطأ ١ : ٢٤١ ح ٥٢.

٢٩٣

المقصد الرابع : في إباحة المكان

إباحة المكان بأيّ معنى كان من فراغ أو جسم محيط بالمكين بكلّه متصلاً أو منفصلاً ، أو بجلّه مع الاتصال أو ما يشبهه من الانفصال ، أو مسقط ثقله ، أو ما لابسه من أسفله شرط في العبادات ، مفسد عدمها.

ويختلف حكم الفساد إن علّقناه على صفة المكانيّة في الأفعاليّة والأقواليّة وغيرهما ، وإن علّقناه على التصرّف أو الانتفاع مقروناً بالقصد أو مطلقاً اختلف الحكم أشدّ اختلاف.

وليس شرطاً في المعاملات عقوداً وإيقاعات ولو شرطت بالقربة ، كالعتق والوقف ونحوهما إن لم تلحق الأقوال بالأفعال ، إلا فيما يتوقّف على الإقباض إذا اشترطنا فيه القربة.

ودون التكاليف التي لم تشترط بالقربة كغسل الخبث وتكفين الميّت ونحوهما ممّا يُراد أصل وجوده ، دون محض التقرّب به.

ودون العبادات التي لا ربط لها بالمكان ، كالتروك في الصيام والإحرام ؛ وما يتعلّق بالأقوال دون الأفعال من قراءة أو ذكر أو دعاء ونحوها على إشكال.

وأمّا المتعلّقة بها فشرطها إباحته بالملك مع تسلّط المالك لعدم الرهانة والحجر مثلاً ؛ وبالإذن من المالك ، ولو بالفحوى ، أو من الشارع ، فإنّ الإذن الشرعيّة أقوى من المالكيّة كما في الأمكنة المتسعة التي يترتّب على المنع من مثل هذه التصرّفات فيها حرج عظيم ، فتجوز لغير الغاصب ومعينه وتابعه وباعثه على الغصب ، والقادر على منعه.

فلو تطهّر طهارة مشروطة بالقربة رافعة أو لا ، واجبة أو مندوبة ، أو غسّل ميّتاً أو صلّى ولو على جنازة ، أو طاف أو سعى أو ذبح أو نحر أو حلق أو رمى أو أكل من الهدي أو شرب ماء زمزم وهكذا على مغصوب أو في مغصوب ؛ مختاراً عالماً بالغصبيّة بطل عمله ؛ لتعلّق النهي به ، أمّا المجبور والجاهل بالموضوع ومنه الناسي والغافل فلا ، والظاهر بطلان عبادة المميّز وإن لم يكن نهي.

٢٩٤

والعبادات الماليّة إذا وقعت في المكان المغصوب ، وقرنت نيّتها بالدفع بطلت ، وإن احتسبت بعد الوصول إلى المستحقّ أو احتسبت عن دين صحّت.

ويجري الحكم في كلّ ما تعلّق بالمكان من أرض أو سقف أو فضاءٍ أو جدار يدخل في التصرّف أو وِطاء (١) ، من غير فرق بين ما كان الغصب مقوّماً له كالصلاة أو مقارناً.

وأمّا المقدّمات التي لم تدخل في العبادات ، لعدم اشتراطها بالقربة فلا تبعث حرمتها على فساد غايتها ، فمن توصّل إلى الحجّ أو الزيارة أو العيادة أو تشييع الجنازة ونحوها بنفقة أو دابّة أو سرج أو وِطاء مغصوبة أو سفينة كذلك ونحو ذلك صحّ ما عمل إذا خلا عن ذلك وقت العمل.

ولو دخل غاصباً وخرج تائباً صلّى في خروجه ، ويحتمل إلحاقه بالمختار لاستناده إلى الاختيار.

ولا فرق بين الجاهل بالحكم ما لم يعذر والعالم به ، وليس على الجاهل بالموضوع مثلاً سوى الأُجرة ، وإن كان مجبوراً فعلى الجابر ، وإذا علم أو رجع إلى الاختيار في الأثناء خرج متشاغلاً إن لم يترتّب فساد من جهة أُخرى (٢).

ولو أذن المالك بالكون للعبادة دون غيرها ، أو لعبادة دون غيرها صحّ ما أذن به.

ولو قطع بالرضا ثمّ ظهر الخلاف صحّت ، ولزمت الأُجرة إن عمل ما فيه أُجرة.

ولو عمل متعمّداً للغصب عالماً بعدم الرضا فانكشف رضاه ، أو أجاز بعد العلم ، فلا تأثير لذلك في الصحّة.

نعم لو كانت النيّة ممّا تصحّ فيها النيابة والعمل ممّا تقع فيه الوكالة من زكاة أو خمس أو صدقة أو غيرها ، واجبة أو مندوبة ، أو كفّارات أو وقف أو عمل نيابة بإجارة ونحوها اجتزئ بالصورة ، ووقعت من الفضولي وصحّت مع الإجازة (٣).

والشاك في الإذن ، بل الظانّ من غير طريق شرعي ما لم يصل إلى حدّ الاطمئنان

__________________

(١) الوطاء : خلاف الغطاء الصحاح ١ : ٨١.

(٢) في «ح» زيادة : ويحتمل إلحاقه بالمختار لاستناده إلى الاختبار.

(٣) في «ح» زيادة : وبنى على الصحّة في العبادة معيّنة.

٢٩٥

من غير التسعة المستثنيات في القرآن مع فهم دخول تلك من الآية (١) بحكم الغاصب.

ولو وجد في المكان أو خارجه من يدّعي ملكيّته أو المأذونيّة في الإذن بالكون فيه ، ولا معارض له جاز الأخذ بقوله بالإذن فيه.

وكلّ عبادة وقعت في المشتركات من وقف أو طريق عامّ أو سوق أو مقبرة أو مورد ونحوها إن أخلّت بما وضعت له بطلت ، وإلا صحّت ، سواء كانت ممّا وضعت له أو لا.

ولا فرق في الأوقاف إذا كانت في سبيل الله بين أن تكون من أوقاف أهل الحقّ أو أهل الباطل حتّى لو شرطوا منع أهل الحقّ عنها بطل شرطهم ، وجاز الدخول إليها والعبادة فيها.

ومع التقيّة كخوف كون الامتناع يبعث على ظنّهم بأنّهم ليسوا من أهل دينهم يجب ، وأخبار الأئمّة عليهم‌السلام وسيرتهم وسيرة أصحابهم خلفاً بعد سلف أبين شاهد على ما ذكرناه (٢).

المقصد الخامس : في إباحة المباشرة بالآلات التي يباشر بها العمل

فلا تجوز مباشرة العبادة بالآلات المحرّمة ، فلو باشر المملوك بدن العابد العاجز مع رضاه بالنيابة عنه من دون إذن مالكه ، أو مطلق من وجبت عليه الطاعة بدون إذن المطاع ، أو من حرمت عليه المماسّة من أجنبيّ لأجنبيّة ، أو بالعكس ، أو من في يده شي‌ء محرّم من خشبة ونحوها فأجرى به الماء على يده بطلت العبادة.

وكذا لو دفع حقّا واجباً ممّا يدخل في العبادة ، كخمس أو زكاة أو كفّارات ونحوها بكفّ مغصوبة ككفّ نفسه مع مملوكيّة منفعته أو ككفّ المملوك ، أو إناء مغصوب ، أو متّخذ من ذهب أو فضّة أو جلد ميتة ذي نفس ، أو كيس مغصوب ، ونحو ذلك مع علم الدافع بالحال بطلت.

ولو عصى الدافع في دفعه أصليّاً كان أو واسطة أو علم بمعصية القابل في قبوله

__________________

(١) النور : ٦١.

(٢) انظر الوسائل ١ : ٨١ أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٥ ، وج ١١ : ٤٥٩ ، أبواب الأمر والنهي ب ٢٥.

٢٩٦

وأخذه مع تولّي النيّة بطلت. وأمّا مع عدم التولّي للنّية وعدم علم المالك بمعصيته أو معصية القابل فلا بأس ، ومعصية الأخذ مع عدم علم الدافع لا تقضي بالفساد ؛ لدخولها في حكم المعاملة.

وكذا لو توضّأ أو اغتسل أو تيمّم أو صلّى بما لا يجوز استعماله ، وكلّ إلهٍ تتقوّم بها العبادة وتتشيّد بها أركانها ، كالسلاح والخيل والدرع ونحوها في باب الجهاد وكانت ممنوعة الاستعمال ؛ لعدم إذن المالك أو المحجر عليها لرهانة أو حجر أو فلس ونحوها ، استعمالها يبعث على فساد العبادة.

ولو استعمل الآلات المحرّمة فيما لا تتوقّف صحّته على القربة ، كحفر القبر ودفن الميّت ، وتكفينه ، وتحنيطه ؛ صحّ على الأقوى.

والجاهل بحكم الحرمة مع إمكان توجّه الخطاب إليه والعالم سيّان في الحكم ، أمّا الجاهل بالموضوع والناسي ، والغافل والمجبور ، والجاهل المعذور ، فعملهم في حيّز القبول ، وإنّما تلزمهم الأُجرة ، وفي الجبر تلزم الجابر على الظاهر ؛ لضعف المباشر.

وما حرّم من الآلات بالتحريم يقتصر فيها على محلّه ، فإن عمّ عمّ الحكم ، وإن خصّ العبادات (عمّها وخصّها) (١) وإن خصّ واحدة اختصّ بها.

وإن طرأ المنع في الأثناء قطع فيما لا يحرم قطعه ، ولا يترتّب فيها ضرر ، وفسد السابق إن ارتبط ، وإلا صحّ. والرضا في الأثناء أو بعد الفراغ لا يصحّح الفائت.

ومن جُبر على العبادة مع استعمال المحرّم على المختار ؛ اقتصر فيها على مقدار الإجبار ، ثمّ إن أمكن الإتيان بالباقي من دون استلزام أمر زائد على ما يلزم من التخلّص أتمّ ، وإلا قطع ، فالمتحرّك في محلّ الغصب قاصداً للخروج والتخلّص يصلّي مبتدءاً مع ضيق الوقت ، ومع السعة للكلّ أو لركعة في وجه ، أو يتمّ مومئاً عوض الركوع والسجود بعينه أو برأسه إيماء خفيفاً ، والقول بتعيّن الإيماء بعينه غير بعيد.

وفي الفرق بين الداخل لعذر وغيره وجه قويّ ، والمنع مطلقاً غير خالٍ عن الوجه.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ح» : وعمّمها عمّها الحكم وخصّها ؛ أقول : أي عمّ الحكم جميع العبادات وخصّ بها.

٢٩٧

ولو توقّفت عبادته على مكان أو الات مملوكة للغير ، وأمكن إرضاؤه مجّاناً من غير ضرر بالاعتبار ، أو بأُجرة لا تضرّ بالحال ؛ وجب ذلك في الواجب ، وندب إليه في المندوب.

المقصد السادس : في العمل بموافقة التقيّة

التقيّة إذا وجبت فمتى أتى بالعبادة على خلافها بطلت ، وقد ورد فيها الحثّ العظيم ، وأنّها من دين آل محمّد (١) ، وأنّ من لا تقيّة له لا إيمان له (٢). وروى : النهي عن أن يعمل بالتقيّة في غير محلّها (٣) ؛ وإن ندبت فلا بطلان.

والكلام فيها في مقامين :

المقام الأوّل : في بيان حكمها ، وهي على ضربين : واجبة ومندوبة ، فالواجبة ما كانت لدفع الخوف على نفس أو عرض محترمين ، أو ضرر غير متحمّل عن نفسه أو غيره من المؤمنين.

وتستوي فيها العبادات والمعاملات والأحكام من الفتوى والقضاء والشهادة على خلاف الحقّ ، فيحرم لها الواجب ، ويجب لها الحرام ، وتتبدّل لها جميع الأحكام.

ولا يختلف فيها الحال بين ما يكون من كافر غير ذي ملّة ، أو ملّي حربي ، أو ذمّي ، أو مسلم مخالف ، أو موافق ؛ لأنّ مدارها على وجوب حفظ ما يلزم حفظه عقلاً أو شرعاً ، وصاحبها أدرى بها ، والجري‌ء المتهجّم وصاحب الواهمة يرجعان إلى مستقيم المزاج ، ويجب الاقتصار في ترك الواجب وفعل الحرام على ما يندفع به الضرر ، ولو دار الأمر بين ضررين وجب تجنّب ما هو أشدّ ضرراً منهما.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢١٩ ح ١٢ ، الوسائل ١١ : ٤٥٩ أبواب الأمر بالمعروف ب ٢٤ ح ٣ ، مستدرك الوسائل ١٢ : ٢٥٨ أبواب الأمر بالمعروف ب ٢٤ ح ٤٤ ، تفسير نور الثقلين ٤ : ٥١٩ ح ٤٣.

(٢) الكافي ٢ : ٢١٩ ح ١٢ ، تفسير العياشي ١ : ١٦٦ ، قرب الإسناد : ٣٥ ح ١١٤ ، الوسائل ١١ : ٤٦٨ أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ٣ ، وفي المصدر : لا إيمان لمن لا تقية له.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٤٤١ ، ولاحظ الوسائل ١١ : ٤٦٧ أبواب الأمر والنهي ب ٢٥.

٢٩٨

والمندوبة منها ما كانت لدفع ما يرجح دفعه من ضرر يسير يجوز تحمّله ممّا يتعلّق بنفسه أو بغيره ، أو لمجرّد دفع (١) عداوة أرباب المذاهب المخالفة ؛ لاحتمال ما يترتّب عليها من الفساد ضعيفاً.

المقام الثاني : فيما يصحّ بموافقتها (٢) وإن خالف الواقع ، أو يفسد كترك جزء أو شرط أو فعل شي‌ء مانع.

والأصل هنا بطلان ما خالف الواقع وإن كان العمل مأموراً به ؛ لأنّ الأمر في الحقيقة متعلّق بحفظ ما يلزم حفظه ، فالصحّة وهي موافقة الأمر لا يتّصف بها سوى الحفظ ، والفعل مطلوب لغيره لا لنفسه ، فصحّته بترتّب غرض الحفظ عليه ، وهو متحقّق.

ومثل هذا الكلام يجري في الجاهل والناسي والغافل في بعض الشروط ، ومن تأمّل في أوامر السادات لعبيدهم ، وكلّ مُطاعين لمطيعيهم ، اتّضح له الحال ، وانكشف لديه غياهب الإشكال. ثمّ هو على ضربين :

أحدهما : ما يفسد مع مخالفة الحقّ بقول مطلق كالتقيّة في العقود ، والإيقاعات ، والقضاء ، والإفتاء ، والشهادات ، ومن الحاكم الظالم لغير مذهب ، والكافر الملّي ، وغير الملّي ، والحربيّ ، والذمي ، وفرق أهل الإسلام (من أهل التشبّث ، كالخوارج ، والغلاة ، وأهل الإسلام) (٣) على الحقيقة من الناووسيّة ، والزيديّة ، والفطحيّة والإسماعيليّة والواقفيّة ، والفسّاق من أهل الحقّ ، وغيرهم ، لا يترتّب عليها صحّة.

الضرب الثاني : التقيّة من أهل الخلاف ، فإن كانت من جهة غير المذهب فهي كالتقيّة من غيرهم ، وإن كانت من جهة المذهب بأن يؤتى بالعمل موافقاً لمذهب الكلّ منهم أو أكثرهم أو أشدّهم بأساً مع المخالفة لمذهب أهل الحقّ ، وهو على أربعة أقسام :

الأوّل : ما يكون في الأحكام العامّة كغسل القدمين ، والمسح على الخفّين ،

__________________

(١) في «س» : رفع.

(٢) في «ح» زيادة : أو يصح بمخالفتها.

(٣) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٢٩٩

والنكس في غسل الوجه واليدين ، والصلاة في جلد الميتة ، وما لا يؤكل لحمه ، والتكفير في اليدين ، والتأمين في الصلاة ، والصلاة مع الإمامين ، والسجود على ما لا يصحّ السجود عليه ، ونحوها.

الثاني : ما يكون في الأحكام الخاصّة ، كما إذا أفتى فقيههم على مؤمن يعمل بمحضره بصحّة صلاة أو طهارة أو حجّ أو نحو ذلك.

الثالث : ما يكون في الموضوعات العامّة التي بنيت عليها الأحكام ، ككون المغرب عبارة عن سقوط القرص ، والكعبين عبارة عن الظنبوبين (١) ، والوجه عبارة عن جميع ما يواجه به ، ونحوها.

الرابع : ما يكون في الموضوعات الخاصّة ، كهلال ذي الحجّة ، وشوّال وشهر رمضان ، ونحوها.

والظاهر الصحّة في جميع الأقسام ، والأحوط الاقتصار على القسم الأوّل ، والبناء على الإعادة ، والقضاء فيما فيه قضاء فيما عداه ، ولا سيّما فيما يتعلّق بالأعيان الخاصّة ، كحكمهم بطهارة نجس ، أو نجاسة طاهر ، أو جواز الصلاة بما لا يجوز الصلاة به من اللباس حكماً ، فإنّه من القسم الجائز.

وعمل المقلّد بقول مجتهد أفتاه تقيّة وهو لا يعلم ، صحيح مطلقاً.

ولو تعارضت التقيّة عمل على وفق ما هو أشدّ خطراً ، وإذا اندفعت بالحيل كإظهار الإفطار بوضع الفنجان من غير شرب ، أو بشرب الدخان ، أو إدخال شي‌ء في الفم ، وإبقائه فيه ونحو ذلك وجب مراعاتها ، ولا يجب بذل المال ولا الانزواء في بعض المحالّ للتخلّص منها.

والظاهر أنّه يكفي فيها مجرّد اطّلاعهم من دون خوف منهم بالنسبة إلى مكان دولتهم وسلطنتهم ، دون من كانوا من أهل الممالك الأُخر مع أمن الضرر.

ولو وجد من لا يعرف مذهبه واتقى منه ، صحّ عمله ، وإن ظهر كونه من أهل الحقّ (٢).

__________________

(١) الظنبوب : العظم اليابس من قدم الساق الصحاح ١ : ١٧٥.

(٢) في هامش الحجرية : وإن ظهر الخلاف صحّت. كذا في الأصل.

٣٠٠