كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

وللحاجّ والمعتمر بل المصلّي والمتطهّر ، أن يتّبع فاعلاً في فعله وقائلاً في قوله ، كما أنّ القاصد لمؤاكلة قوم أو مجالستهم له أن يقدم عليه بعض العارفين ثمّ يكون له من التابعين.

السادس : التعيين والتعيّن (١)

للعاقد والمعقود معه ، والمنوب عنه في عبادة أو معاملة أو إيقاع ، فلا تجوز العبادة ولا المعاملة عن شخص مبهم ، أو متردّد بين متعدّد. ولا معه ، فلا يجوز العقد مع شخص مبهم على الإطلاق ، أو مردّد (٢) بين متعدّد.

القسم الثاني : فيما يتعلّق بالأفعال

وهي أُمور :

منها : التعيين الرافع للإبهام ، لأنّ المبهم لا وجود له ، ولا يغني التعيين (٣) في الأنواع ولا الأول إليه ، بل لا بدّ معه من التعيين أيضاً.

فلا يجوز أن يملك على نحو تمليك زيد عمراً أمس ، ولم يعرف نوعه من بيع أو صلح أو هبة معوّضة ، أو تمليكه لزيد وقد نسي نوعه.

أو تزوّج نفسها على نحو تزويج عمرو أُختها ولم تعلم أنّه من الدائم أو المتعة ، أو يطلّق على نحو طلاق زيد زوجته ، ولم يعلم أنّه طلاق رجعي أو بينونة.

أو يدفع كدفع بكر ولم يعلم أنّه زكاة أو خمس مثلاً ، أو يصوم ولم يعيّن رمضان أو غيره ، أو يحجّ ولم يعيّن إفراداً أو غيره ، بل يقول كصوم فلان أو حجّه. وفعل عليّ عليه‌السلام قضيّة في واقعة.

والفرائض اليوميّة والنوافل المختلفة بمنزلة الأنواع ، فلو صلّى ما يجب عليه ، ولم يعيّن نوع الصلاة لم يكن ناوياً.

__________________

(١) في «ح» : التعيين.

(٢) في «س» ، «م» : مردّداً.

(٣) في «ح» زيادة : عنه.

٢٦١

وأمّا الأفراد والخصوصيّات فلا يلزم فيها تعيين ، كما إذا كان عليه ظهر متعدّد ، أو عصر متعدّد ، أو زكاة من إبل وغيرها من النعم ، أو عوض الغلّة أو الزبيب ؛ لأنّ الخصوصيّة ليست بملحوظة ، إمّا إغناء التعيّن عن التعيين فيتمشّى في الخصوصيّات دون الأنواع ، وفي الأنواع مع تعذّر التعيين (١).

والإبهام على وجه الترديد يخلّ في الأنواع والأفراد سوى ما الغرض منها الحقيقة دونها ، فلا عبادة ولا عقد ولا إيقاع ولا حكم جعلي في أمر غير متعيّن ، أو متعيّن يراد تحقّق وصفه العنواني ، ولا يتقوّم إلا بالتعيين.

والمشكوك في تقوّمه بتعيّنه لا بدّ من تعيينه ؛ لرجوعه إلى الشكّ في الشطور (ومع التعدّد ينوي ما في الواقع ؛ لأنّ الإتيان) (٢) بالمتعدّد لتحصيل الفرد ليس أقرب إلى القاعدة من الإتيان بالواحد بقصد ما في الواقع ؛ لأنّه عن البطلان أبعد من نيّة الترديد في المتعدّد.

والحاصل أنّ الذي تقتضيه القاعدة المستفادة من عمومات : «لأعمل إلا بنيّة» (٣) و «إنّما الأعمال بالنيّات» (٤) و «إنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٥) ، وجوب النيّة ، وحيث إنّه يحتمل دخول التعيين في معناها ، وهي كالمجملة بالنسبة إليه وجب ؛ إذ لا يقين بترتّب الأثر إلا معه.

ويلزم التعيين في العبادات والأعمال والأقوال والمتعلّقات ، وأحوالها مختلفة ، وهي أقسام :

الأوّل : ما يلزم فيه التعيين التام حين العقد ، كالمبيع والثمن والأُجرة ، فإنّه يلزم فيها المعرفة التامّة من كيلٍ أو وزنٍ في المكيل والموزون ، ولا يكفي مجرّد الرؤية.

__________________

(١) في «ح» : تعدّد التعيّن ، وفي سائر النسخ تعذّر التعيّن.

(٢) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : والإتيان.

(٣) الكافي ٢ : ٨٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥٢٠ ، عوالي اللآلي ٢ : ١٩٠ ح ٨٠ ، الوسائل ٧ : ٧ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ١٣.

(٤) الكافي ٢ : ٨٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، أمالي الطوسي : ٦١٨ ح ١٢٧٤ ، الوسائل ١ : ٣٥ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥ ح ٦ ، ٧.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، الوسائل ٧ : ٧ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ١٢.

٢٦٢

الثاني : ما يلزم فيه المعرفة في الجملة ، فتكفي فيه الرؤية ، ولا يحتاج إلى المداقّة.

بكيلٍ أو وزنٍ كالمهر ، وعوض الخلع ، ومتعلّق المعاطاة في البيوع والإجارات ، فضلاً عن غيرها.

الثالث : ما يكفي فيه الأول إلى العلم ، ولا حاجة فيه إلى العلم المقارن ، كمال الصلح ، وعمل الجعالة ، ومتعلّق الهبة والعارية والصدقات.

ومنها : الوقوف والتحبيسات ، وشروط النذر والعهد واليمين وغاياتها ، ومطلق الشروط ونحوها ، ويختلف حاله باشتراط إحراز الوجود وعدمه.

ومنها : ما لا يتوقّف على علم ، لا أوّلاً ولا آخراً ، كالمتضمّن للإسقاط من صلح وإبراء ، ولا يشترط فيه إحراز الوجود ظاهراً ، بل يكفي الاحتمال ، ويقوى إلحاق الفسخ والإقالة به.

ومنها : قصد الأسباب والأفعال المترتّبة عليها الأغراض من عبادات قوليّة أو فعليّة ، أو أقوال في عقود أو إيقاعات ، أو أحكام تشبههما ، ففي عبادات الأقوال المؤثّرة ومعاملاتها قصد القول ، ومعناه ، وتأثيره إجمالاً ، وأثره.

فعبادات الأقوال ومعاملاتها تصحّ من العجمي والهندي ونحوهما ، وإن لم يعرفا حقيقة المعنى. ولا بدّ في أفعالهما من قصدها ، وقصد تأثيرها وأثرها (١) فلو أوجد عبادة أو معاملة من غير قصد وقعت لغواً.

وأمّا العبادات القولية الخالية عن التأثير فيعتبر فيها قصد اللفظ وقصد المعنى مجملاً في وجه ، والتعيين مع الاشتراك ، فلو قصد شيئاً ، وأوقع غيره في المشتركات لم تقع صحيحة ، كما إذا عيّن البسملة أو أية مشتركة أُخرى بسورة ، فأتى بغيرها لم تحتسب جزءاً من الأخيرة ، ولو أطلق صحّ احتسابها ، كما في غيره من المطلقات ، من الأقوال والأفعال والكتابات والصناعات.

وتعيين الأجزاء في العبادات المركّبة لغير ما هي عليه (٢) لا تخل بعد قصد الجملة ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : هذا فيما يتعلّق بالخطاب أمّا ما يتعلّق بالتلاوة فلا بدّ من قصد المتلو.

(٢) في «ح» زيادة : مع عدم منافاة القربة

٢٦٣

فالقيام والسجود والتشهّد (١) ، لو أتى بها بقصد ركعة فظهرت من غيرها صحّت.

كما أنّ الأجزاء المشتركة القولية إذا أتى بها بعد نيّة الجملة كاية في أثناء سورة لا يضرّ فيها قصد غيرها مع عدم منافاة القربة القوليّة ، ولو قرأ الفاتحة مجتمعة مع السورة أو منفردة بخيال الركعة الثانية ، فظهرت ثالثة لم يحتج إلى إعادتها ، ولو قصد في أثناء عبادة غيرها ، ثمّ ذكر صحّ ما عيّن ، ولا يبعد ذلك في أمر المعاملات إذا طالت الشروط والقيود.

ومنها : قصد الأغراض المترتّبة على تلك الأسباب ، فإن كان المقصد منها أمراً دنياوياً كالتسلّط بوجه الملكيّة أو فسخها ، أو على البضع أو فسخه ، إلى غير ذلك ، أو كان الغرض الآخرة بطاعة الله والتقرّب إليه لزم قصده ، وإذا فعل بغير قصد كان سفيهاً عابثاً ، وكان العمل فاسداً.

وإذا امتنع عن ذلك في محلّ الوجوب أُجبر عليه ، وقام الحاكم أو نائبه مقامه ، وأغنى قصدهما عن قصده. فيكتفى فيه بإيقاع صورة العبادة ، أو المعاملة ، وإظهار القصد.

وقصد الوليّ قائم مقام قصد المولّى عليه ، وقصد الوكيل المطلق على فعل العبادة وإن لم يصرّح له بالوكالة على النية مغنٍ عن قصد الموكّل ، وقصد الموكّل مغنٍ عن قصد الوكيل في هذا القسم لا في أصل القصد للعقد مع مقارنته لفعله ، فيكون وكيلاً على دفع الزكاة أو الخمس أو الصدقات.

والنية من الموكّل بشرط أن تقع منه مقارنة للدفع ، كما إذا فعل ما وكّل عليه في مجلسه ، وكذا لو وكّله على مجرّد إيقاع العقد أو الإيقاع ، وكان الموكّل حاضراً قاصداً على إشكال ، والأقوى الاكتفاء بها.

وبهذا القصد تتغاير العبادة والمعاملة القوليّان ؛ لاشتراكهما في لزوم التعيين والتعيّن ، والقصد للفظ ومدلوله وتأثيره وأثره ، وافتراقهما بافتراق الغاية المقصودة.

__________________

(١) جاء في هامش الحجريّة : ومثل ذلك ، والفاتحة ولو مجتمعاً مع السورة بخيال الركعة الثانية فظهرت ثالثة وكلّما نوى به يقصد ركعة ، كذا في الأصل.

٢٦٤

القسم الثالث : فيما يتعلّق بصفات الأفعال والأقوال

وهي أُمور :

الأوّل : ترتّب النفع في الجملة عليها أو دفع الضرر ، وكذلك ممّا يُعدّ فائدة عرفاً ، فكلّ عبادة لا يترتّب عليها غرض أُخروي تقع فاسدة ، كما أنّ كلّ معاملة لا يترتّب عليها غرض دنياوي كذلك.

فما قصد به التوصّل من العبادات إلى عبادات أُخر يكون فعلها لا لأجل ذلك لغواً وعبثاً ، وكذلك البيع والإجارة وغيرهما من المعاملات إذا وقعت على ما لا ينتفع به لقلّته أو لذاته يقع لغواً (١).

ولا فرق بين الغرض (٢) الغالب والنادر ، والأصلي والتابع ، والعائد إليه وإلى غيره ، فلو اشترى الشي‌ء لا لينتفع به ، بل ليقال : هو غنيّ ، فيتردد إليه أهل المعاملات ، أو تزوّج امرأة ، ليحلّ له النظر إليها أو إلى أُمّها ، أو عقد لابنه عليها ليحلّ له النظر إليها ، دواماً أو متعة ، قلّت المدّة أو كثرت ، فلا بأس.

والظاهر أنّ الغرض الذي جعل له النكاح حصول علقة بسبب تشبه علقة النسب ، وهو بالعبادات أنسب.

وطول المدة بحيث لا يفي عمره بها لا مانع منه في إجارة أو عقد نكاح أو غيرهما ؛ لأنّ عقد البيع والنكاح الدائم مثلاً يقضيان بالدوام ، وتعيين المدّة وإن طالت من قبيل التخصيص ، ولا منافاة بين الملك والانتقال بالموت.

الثاني : أن يكون موجوداً وقت المعاملة في المعاملات على الأعيان في غير ما نذر (٣) كالمنذور والموقوف ونحوهما ، ويعتبر ذلك في المتعاملين في غير مثل الموقوف عليه ونحوه.

__________________

(١) في «ح» زيادة : وفيما قلّ إذا تكرّر العقد على أمثاله انتفع به كالحبّ المتعدّد بعقود متعدّدة فيقوى الصحة فيه.

(٢) في «س» ، «م» : العوض.

(٣) كذا ، والأنسب : ندر.

٢٦٥

وممكن الوجود حين النيّة في العبادات والمعاملات على المنافع ، فلا يجوز تعلّق المعاملات بالمعدومات (١) من غير فرق بين انفرادها ودخولها في ضمن الموجودات.

وما ورد من الشرع جوازه كالسلَم والنسيئة والصلح على المعدوم وبعض أقسام بيع الثمار (٢) ، خارج عن القاعدة ، كما خرج عن قاعدة منع بيع الغرر ، وينزّل على التسبيب والتعليق والإعداد ، ولذلك وجب الاقتصار عليه ، وعدم التجاوز عنه إلى غيره ، وكذا لا تصحّ العبادة بنيّتها غير مقارنة لوجودها عرفاً ، فمتى انفصلت بطلت.

الثالث : أن يكون متعيّناً في الواقع متميّزاً ، لأنّ كلّ موجود متعيّن ، والمبهم لا وجود له ، ففي العبادات يشترط بعد معرفة الحقيقة الأول إلى التعيين (٣) ، لأنّ الفعل لا يتميّز إلا بعد وقوعه ، وكذا بالنسبة إلى ما يتعلّق بالأعمال من المعاملات ، وأمّا ما يتعلّق بالأعيان ، فلا بدّ من تعيّن متعلّقها حين العقد والإيقاع بمقتضى ظاهر الإنشاء.

وما يظهر من الشرع في بعض المقامات الخاصّة ، كالنذور ونحوها من جواز تعلّقها بالمبهم ، خارج عن القاعدة ، ومقتضى ظاهر اللفظ.

المطلب الثاني

في أنّ الشكّ إذا تعلّق بصحّة عبادة أو معاملة ، وكذا جميع المؤثّرات من إحياء موات ، أو حيازة ، أو سبق إلى مشترك كوقف عام ، وغيرها ، حكم بالفساد ؛

لأنّ الأصل عدم فراغ الذمّة ، وعدم الاستحقاق ، وعدم الآثار ، إلا أن يقوم دليل على صحّتها ، وأمّا بعد ثبوت الأصل وحصول الشكّ في غيره فعلى أقسام :

أوّلها : الشكّ في بعضيّة الأبعاض ، كالشكّ في أنّ السورة ، أو التسبيحة الثانية أو الثالثة عوض القراءة ، وفي الركوع والسجود أجزاء مقوّمة أو لا ، وأنّ القبول جزء من الإقالة والوصيّة ، أو اللفظ جزء من البيع ، وباقي العقود المتعلّقة بالمال أو لا ، مثلاً.

__________________

(١) في «ح» زيادة : لأنّها تجب ارتباطها بمتعلّقها ؛ لأنّها مؤثرات ولا يمكن ربط الموجود بالمعدومات.

(٢) انظر الكافي ٥ : ١٨٤ ، ٢٠٧ ، ١٧٤ ، والتهذيب ٧ : ٢٧.

(٣) في «ح» : التعيّن.

٢٦٦

والحكم في الجميع بطلان العبادة والمعاملة ، مع عدم الإتيان بذلك المحتمل ؛ لأنّ الأصل عدم تحقّق الحقيقة ، فالشكّ فيه شكّ فيها ، والشكّ فيها شكّ في شمول دليلها لها ، فيرجع إلى القسم الأوّل ، وهو الشكّ في الأصل.

والحاصل أنّه إذا تعلّق الشكّ في أجزاء الأقوال ، كما إذا تعلّق باسم شخص ، أو نوع ، أو اسم عقد أنّه مركّب من كلمتين فما زاد ، أو غير مركّب ، فلا معنى لتمشية الأصل فيه ؛ لأصالة عدم الدخول في الاسم ، ولأنّ اللغة إنّما تثبت بطرق مخصوصة ، وليس أصل العدم منها.

ومتى كان الشي‌ء يحتمل أنّه جزء المعنى ، أو خارج عنه ، قضي بجهل تحقّق الحقيقة ، والأصل عدمها.

ثانيها : الشكّ في شرطيّة الشروط ومانعيّة الموانع في المعاملات المبنيّة ونحوها ممّا لا يدخل في العبادات بالمعنى الأخصّ.

ومقتضى القاعدة نفيها بالأصل ؛ لأنّ الشروط والموانع فيها خارجة بنفسها وتقييدها عن تقويم حقيقتها ؛ لأنّ أسماءها موضوعة للأعمّ من صحيحها وفاسدها ؛ إذ ليس لأكثرها أوضاع جديدة ، بل هي باقية على حكم وضع اللغة ، وليس فيه تخصيص بالصحيح ، ولو ثبت في بعضها الوضع الجديد فالظاهر منه عدم التقييد.

ولو فرض في بعضها وضع جديد دخل فيه التقييد ، ساوت العبادة في تمشية الأصل.

ثالثها : الشكّ في شروط العبادة بالمعنى الأخصّ من بدنيّة ، أو ماليّة ، أو جامعة للصّفتين (١) ، والذي يظهر من تتبّع محالّها وقضاء الحكمة فيها والفهم عند إطلاقها ، وصحّة سلبها ، وثبوت دورانها (٢) ، أنّها موضوعة للصحيح منها ، فإنّا نرى صدق

__________________

(١) في «م» ، «س» : للصنفين.

(٢) في «ح» زيادة : وأنّه يلزم على القول بالوضع للأعمّ أنّ ما تعلّق بمدلول لفظ ظاهر العبادات ممّا لم تقم فيه قرينة إرادة الصحيح كالأوامر المتعلّقة بالإيجادات من النواهي ، وما اشتمل على الأحكام الوضعيات ، كالفصل بين صلاتي الرجل والمرأة ، والوصل بين الصفوف ، أو بينها وبين إمام الجماعة ، والتقدّم لصفّ الرجال على النساء والصبيان ، والملتزم بنذر وشبهه معلّقاً بما صدق عليه الاسم شرعاً ، الى غير ذلك ، يعمّ القسمين ، ولا أظنّ أحداً يقول به ، والقول بتنزيل المطلق على الصحيح للأظهرية والأشهرية ملغٍ لثمرة البحث بالكلّية ، إذ لا يبقى وجه في الاستناد إلى نفي شطر أو شرط أو جواز مانع بعموم أو إطلاق كما لا يخفى.

٢٦٧

الاسم دائراً مدار الصحّة (١).

فلو أتى بالأجزاء تماماً مع الإخلال بشرط ، أو الإتيان بمانع ، لم يدخل تحت المصداق ، وترتّب عليه حكم التارك.

ولو خلت عن الأجزاء والأركان ، كلا أو جُلا ، مع الصحّة بقي صدق الاسم (٢) ، ومفسد العمل يصحّ (٣) الإطلاق مع وجوده في الجهل ، وهكذا.

وإذا كانت الصحّة قيداً في صدق الاسم كان التقييد داخلاً ، فإذا حصل الشكّ في القيد جاء الشكّ في التقييد ، ويرجع إلى حكم الشكّ في الجزء الراجع إلى حكم الشكّ في الأصل.

والظاهر أنّه لا اعتبار لمطلق الشكّ ، فليس مجرّد احتمال الشرطيّة أو الشطريّة قاضياً بالثبوت ، وإلا لزم عدم إمكان معرفة حقائق العبادات والمعاملات.

فيخصّ هذا الأصل بالإجماع بشكّ جاء من اختلاف الأدلّة ، أو اختلاف كلمات الفقهاء ، بحيث يحصل شكّ معتبر ؛ وبذلك يحصل الجمع بين كلماتهم في قبول هذا الأصل مرّة ، وإنكاره مرّة.

ثمّ وجوب الإتيان بالمحتمل موقوف على الاطمئنان بعدم ترتّب الفساد بالإتيان بالزيادة ، وإلا عارض الأصل مثله ، وتساقطا ، ورجع إلى أصل الفساد.

والعبادات وأجزاؤها الموضوعة وضع المعاملات حكمها في إجراء الأصل حكمها ، كما في الأذكار ، والدعوات ، والتعقيبات ، والزيارات ، والتسبيحات في الركوع والسجود ، والغسل والمسح ونحوها.

وإذا دار العمل بين العبادات وغيرها ، رجع إلى الشكّ في الجزء ، فيحكم بكونه

__________________

(١) في «ح» زيادة : فليس صدق اسم الصلاة والصيام والحجّ وغيرها إلا دائر مدار الصحّة.

(٢) في «ح» زيادة : ومفسد العمل يصحّ معه الإطلاق مع وجوده في السهو.

(٣) في «س» ، و «م» : يصحح ، وفي «ح» يصحّح معه.

٢٦٨

عبادة ، كالشكّ بين المعاملات والأحكام ، وبين العقود والإيقاعات ، وبين الإيقاعات والأحكام ، فإنّ الأوّلة مقدّمة على الأخيرة ؛ لرجوع ذلك إلى الشكّ في الأجزاء.

وما شكّ في ركنيّته ركن في العمد والسهو ؛ وما قام الدليل على عدم ركنيّته في السهو يحكم بركنيّته في العمد ، هذا كلّه إذا تعلّق الشكّ بأجزاء المركّب.

أمّا الشكّ في الجزئيّات من القليل والكثير ، فالأصل نفي الزائد فيها ، إلا في مثل ما يترتّب نفي الزائد فيه على وقوع الفعل سابقاً كالمقضيّات ، فإنّ الأصل فيها يقتضي البناء على الكثير ، ما لم يدخل في قاعدة الشكّ بعد خروج الوقت.

ولو لا قيام الدليل على هذا التقدير بالاجتزاء بحصول المظنّة في البراءة لقلنا بلزوم التكرار حتّى يحصل اليقين.

المطلب الثالث

في أنّه لا يجوز الإتيان بعبادة ، ولا معاملة ، ولا بغيرهما ، ممّا يرجع إلى الشرع في تكليفه أو تعريفه من غير مأخذ شرعي ، فمن عمل بدون ذلك شيئاً من ذلك ، بقصد أن يكون له اتّباع ، أو للحكم بقاء ، في أصل أو فرع ، عبادة أو معاملة ، أو حكم غير مستند إلى الشرع ، فهو مخترع ، وإن أسند فهو مبدع ، وقد تختصّ البدعة بالعبادات في مقابلة السنّة ، فقد تعمّ القسم الأوّل.

ومن عمل شيئاً من ذلك مدخلاً له في الشريعة من غير قصد السراية كان مشرّعاً في الدين ، سواء كان عن علم بالمخالفة ، أو جهل بسيط أو مركّب لا يُعذَرُ فيه.

ويجري حكم (١) التشريع عليه ، وافق الواقع أو خالفه ، وإن كان في الثاني أظهر ، فمن أخذ الأحكام من الأدلّة مع عدم أهليّته فلا نشكّ في فسقه ومعصيته ، ولا فرق بين ما أخذ من كتب أهل الحقّ أو كتب أهل الباطل ، وكذا المقلّد لغير القابل ، والأخذ بقول الأموات من غير عذر.

__________________

(١) في «ح» زيادة : مؤاخذة.

٢٦٩

فصلاة الضحى والتراويح ونحوهما من البدعة ، وبيع الحصاة ، والملامسة ، والمنابذة إن جعل عبارة عن الفعل ، أو عن القول بشرط الفعل ، وكذا المغارسة وجميع العقود المخترعة ؛ من التشريع ، ومن هذا القبيل طلاق الكنايات ، والثلاث دفعة أو من غير رجعة ، والعول والتعصيب ونحوها.

وأمّا بعض الأعمال الخاصّة الراجعة إلى الشرع ، ولا دليل عليها بالخصوص ، فلا تخلو بين أن تدخل في عموم ، ويقصد بالإتيان بها الموافقة من جهته ، لا من جهة الخصوصيّة كقول : «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» لا بقصد الجزئيّة ، ولا بقصد الخصوصيّة ؛ لأنّهما معاً تشريع ، بل بقصد الرجحان الذاتي ، أو الرجحان العارضي ؛ لما ورد من استحباب ذكر اسم عليّ عليه‌السلام متى ذكر اسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وكقراءة الفاتحة بعد أكل الطّعام ، لقصد استجابة الدعاء ؛ لما ورد فيه أنّه من وظائفه أن يكون بعد قراءة سبع آيات ، وأفضلها السبع المثاني.

وكما يصنع للموتى من فاتحة أو ترحيم على الطور المعلوم ، أو إخراج صدقة عند إخراجهم من منازلهم ، ومناجاة ووعظ عند حملهم ونحوها ، وكما يصنع في مقام تعزية الحسين عليه‌السلام من دقّ طبل أعلام ، أو ضرب نحاس وتشابيه صور ، ولطم على الخدود والصدور ليكثر البكاء والعويل.

وإن كان في تشبيه الحسين عليه‌السلام أو رأسه أو الزهراء عليها‌السلام أو عليّ بن الحسين عليهما‌السلام مطلقاً ، أو باقي النساء في محافل الرجال ، وتشبيه بعض المؤمنين بيزيد أو الشمر ، ودقّ الطّبل وبعض الات اللهو وإن لم يكن الغرض ذلك ، وكذا مطلق التشبيه ، شبهة ، والترك أولى.

وجميع ما ذكر وما يشابهه إن قصد به الخصوصيّة كان تشريعاً ، وإن لوحظ فيه الرجحانيّة من جهة العموم فلا بأس به.

ومن قبيل الاستخارات ، فإنّها تجوز بالحصى والخشب والأزرار والشعر والحجر

__________________

(١) انظر احتجاج الطبرسي ١ : ١٥٨ ، البحار ٨١ : ١١٢.

٢٧٠

والمدر والدراهم ، والتفؤّل بما يرى في خروجه ، وبالحوادث التي تحدث له ، أو لغيره من تثاؤب ، أو عطاس ، أو بخروج شي‌ء من أسماء الله تعالى أو غيرها في فتح كتاب كائناً ما كان ، وبمساحة (١) وغير ذلك إذا أتى به بعد الدعاء واللجأ إلى الله تعالى في أن يجعل الخير أو الشرّ مقروناً بشي‌ء منها ، فيكون العمل مستنداً إلى مظنّة استجابة الدعاء ، لا لأجل الخصوصيّة.

وأمّا قصد الخصوصيّة في أمثال ما مرّ ، فموقوف على ورود النص ، والظاهر استفادة الإذن في جميع ضروب الاستخارة من النصوص (٢) وعدم اعتبار الخصوص.

المقام الثاني : فيما يتعلّق بجملة العبادات بالمعنى الأخصّ

وقد يدخل فيها بعض ما يدخل في الأعم وفيه مقاصد :

المقصد الأوّل : في النيّة

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : في بيان حقيقتها

وهي في اللّغة القصد (٣) ، وقد يؤخذ فيها قيد المقارنة للمقصود كما أُخذت في معناها أو صحّتها شرعاً (٤) ، فتكون أخصّ من القصد مطلقاً ، ومن العزم والإرادة والطلب من هذه الجهة.

وقد يعتبر في العزم سبق التردّد دونها ، وفي الإرادة والطلب ميل القلب كالمحبّة

__________________

(١) يحتمل كونه تصحيف بمسبحة.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٠٤ أبواب صلاة الاستخارة ب ١.

(٣) انظر المصباح المنير : ٦٣١.

(٤) في «س» ، «م» : في معناها شرعاً أو صحتها.

٢٧١

دونها ، فتكون أعمّ من هذه الجهة ، ويكون بينها وبينها عموم من وجه ، كما بين العزم والإرادة.

وفي الشرع تختصّ بالعبادة في ظاهر كلام الأكثر (١) ، والحقّ تعميمها للعبادة والمعاملة ، ففي العبادات القوليّة التابعة للمعاملات ، كالعتق والوقف ونحوهما ، وفي المعاملات الصرفة يُعتبر فيها مع التعيين أو ما يغني عنه من التعيّن قصد اللفظ ومدلوله وتأثيره وأثره.

وفي العبادات القوليّة المقصود منها مجرّد القول ، كقراءة القرآن والذكر والدعاء في الصلاة ، أو في غيرها ، والزيارات ، ونحوها لا يعتبر فيها سوى قصد اللفظ.

ويقوى لزوم اعتبار قصد الدلالة والمدلول في الجملة كائناً ما كان ، فليس على العجمي ونحوه غيرها.

وفي أفعال العبادات والمعاملات كالصلاة والصيام ونحوهما ، والمعاطاة الفعليّة ، والحيازة والالتقاط ، وإحياء الموات ، والتذكية وما يشبهها ، الظاهر لزوم قصد الفعل والأثر.

وتفترق العبادة عن المعاملة في القصد الأخير ، فإن كان الغرض التوصّل إلى أمر الدنيا من دون واسطة القربة فهي المعاملة ، وإن كان الغرض القربة لذاتها ، أو التوصّل بها إلى غرض دنيوي و (٢) أُخروي ، فهي العبادة.

فالعبادة شرطها بعد التعيين لغير المتعيّن ، أو المتعيّن المتوقّف صدق اسم العبادة المطلوبة على تعيينه ، وبعد القصود السابقة قصد الارتباط بالعبادة مع الحضرة القدسيّة ، وكونه الباعث عليها ، إمّا لأهليّته ، أو مالكيّته ، أو الحياء منه ، أو محبّته ، أو شكر نعمته أو طلباً لرضاه ، أو خوفاً من سخطه ، أو لتعظيمه ، أو مهابته ، أو طلب عفوه ، أو حبّه ، أو مغفرته ، أو موافقة إرادته ، أو لطاعته ، أو طلباً لمثوبته ، أو خوفاً من عقوبته في دنياه وآخرته ، أو لأهليّة العابد لخدمته ، أو مملوكيّته ، أو انحطاط رتبته ، أو طلباً لعلوّ رتبته ،

__________________

(١) انظر السرائر ١ : ٩٨ ، الدروس ١ : ١٦٦ ، جامع المقاصد ١ : ١٩٦ ، ومفتاح الكرامة ٢ : ٢١٩.

(٢) في «ح» : أو.

٢٧٢

أو لقربه ، أو لخوف تسافل منزلته ، أو ما تركّب من الاثنين أو الثلاثة ، وهكذا إلى غير ذلك.

ولو أدخل المخلوق متعدّداً أو لا ، أصليّاً أو لا ؛ قاصداً لأحد الوجوه المذكورة بطل العمل ، ويعرف الحال بمقايسة حال العبيد مع مواليهم.

وهي روح العمل ، وبها تختلف مراتب الأولياء والمقرّبين ، وبها تكون العبادة عبادة ، والطاعة طاعة ، والعابد عابداً ومطيعاً وممتثلاً ومؤتمراً ومنقاداً ، فإنّ العبد لو أتى بما أمره به مولاه قاصداً به امتثال أمر غيره ، أو بغير قصد ، عُدّ عاصياً ، واستحقّ المؤاخذة.

ويشترط فيما لوحظ فيه جلب الفوائد أو دفع المفاسد ، دنياوية أو أُخرويّة ؛ ألا تختصّ إحداهما بالقصد بالأصالة دون القربة.

ولو كان كلّ منهما ومن القربة سبباً تامّاً فلا بأس ، بخلاف ما إذا كان كلّ واحدٍ جزء سبب ، ولا سببيّة له إذا استقلّ ، أو كان السبب الأصليّ غير القربة وهي ضميمة تابعة ، فتكون بمنزلة المعاوضة (١) ، فإنّه لا صحّة للعبادة حينئذٍ ، سواء قصد جلب الثواب ودفع العقاب الدنياويّين (أو الأُخرويين الواقعين بواسطة المخلوق وبدونه) (٢).

نعم لو جعل التقرّب ونحوه وسيلة فلا مانع ، ولا منافاة فيه للإخلاص والعبودية ، فإنّ العبد إنّما يطلب الجزاء بالقرب إلى مولاه.

والأولى عدم إدخال المقصد الدنياوي في غير المنصوص كصلاة الاستسقاء ، والاستطعام ، والحاجة ، والاستخارة وجلب النعم ودفع النقم ، ونحوها.

ولا بأس بضمّ الرواجح كالتقيّة ، وانتظار الجماعة ، وتخصيص الأرحام والأصدقاء ، وإعلاء الصوت بالذكر أو القراءة أو الدعاء ؛ لسماع المنادي أو زجر العاصي ، أو إيقاظ النائم ، وتنبيه الغافل على العبادة ، أو بعض الأُمور الراجحة كما إذا قصد بالانغماس بالماء البارد أو الحارّ دفع بعض المضارّ (٣).

__________________

(١) في «ح» : المعارضة.

(٢) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : والأُخرويين.

(٣) هذا مثال للمقصد الدنياوي الغير المنصوص.

٢٧٣

ولا حاجة وراء ذلك إلى اعتبار الوجه المفسّر باللّطف عند أكثر العدليّة (١) ، وترك المفسدة اللازمة من الترك عند بعض المعتزلة ، والشكر كما عليه الكعبي ، ومجرّد الأمر كما عليه الأشعريّة.

ولا الوجوب والندب كما عليه أكثر الفقهاء (٢) ، لعدم الذكر في السنّة والكتاب ، وعدم تعرّض قدماء الأصحاب ، وترك الذكر في الروايات المشتملة على التعليم أو تعريف العبادات (٣).

ولو لم تكن غنيّة عن البيان لأنها ملزومة لفعل العقلاء بأن كانت عبارة عن الداعي ، للزم ورودها في النقل المتواتر في الأخبار ، واشتملت على ذكرها مواعظ الخطباء على مرور الأعصار.

فليست طاعة العبد لله إلا على نحو طاعة المملوك لمولاه ، فلا حاجة إلى قصد الوجوب والندب لا على وجه القيديّة ، ولا على وجه الغائيّة ، إذ ليس لهما في تقويم العبادة مدخليّة ، وَحالهما كحال الأُمور الخارجيّة ؛ إذ لا يعتبر في تحقيق معنى العبادة سوى قصد العبوديّة.

وحالهما كحال الأدائيّة والقضائيّة والقصريّة والإتماميّة والأصاليّة والتحمليّة ، والزمانيّة والمكانيّة ، ونحوها من المقارنات الاتفاقيّة الّتي لا يخلّ ترك نيّتها ، أو نيّة خلاف الواقع من أضدادها ، مع عدم لزوم التشريع بالنيّة.

كما أنّ شدّة الوجوب والندب وضعفهما لا اعتبار بهما فيها ، على أنّ باعثيّة الوجوب ربّما كانت متعذّرة بالنسبة إلى الأولياء.

نعم لو كان في العبادة إبهام ، لكون المأمور به ذا أقسام ؛ وجب ذكر القيد ، أو القيود لدفع الإبهام ، فلا مانع من نيّة وجوب في موضع الندب ، وقضاء في موضع الأداء ، وقصر في موضع التمام وهكذا ، وبالعكس فيها ما لم يستتبع تشريعاً ، كما لا مانع من

__________________

(١) انظر الذخيرة للسيّد المرتضى : ١٨٩ ، والمنقذ من التقليد ١ : ٢٦٦ ، وكشف اللثام ١ : ٥٠٨ ، ومفتاح الكرامة ١ : ٢٢١.

(٢) انظر الروضة البهيّة ١ : ١٩٥ ، ٣٢١.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٢٧٤

نيّة المسجد في البيت ، والبيت في السطح ، والدار في الحمّام ، وهكذا (١).

ويغني التعيّن عن التعيين في نيّة الآحاد مع اتّحاد الصنف دون الأنواع ، فإنّ تحقّق العمل المأمور به وصدق اسمه موقوف على بيان النوع على الأقوى ، فيجب فيه البيان مع الإمكان.

ففي الحجّ والعمرة ، والصلاة والصيام ونحوها لا بدّ من ذكر النوع ؛ لتوقّف يقين البراءة عليه ، وما روي عن عليّ عليه‌السلام (٢) في إهلاله مقصور على محلّه ، أو مبيّن على علمه.

ومع تعذّر التعيين يقوى الاكتفاء بالتعيّن ، والأحوط معه التكرار.

ولا يلزم الخطور في الجنان ، أو الجري على اللسان ، وليسا بمحظورين ما لم يبعثا على التشريع.

نعم لا يجوز الإجراء على اللسان بعد الدخول في عبادة يقطعها الكلام ، ولو قصد تأكيد العبوديّة ، أو إظهارها مع عدم المانع ، فلا يبعد الرجحان ، إلا فيما يكره فيه الكلام ، كما بعد قول : قد قامت الصلاة.

ومن قال بالإخطار التزم بذلك في جميع الطاعات ، فيلزم مخالفة علمه عمله ؛ إذ يلزمه ما لا يلتزم به من الإخطار ، للصحّة أو لتحصيل الأجر في عيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، وقضاء حاجة المؤمن ، وزيارته ، وإطعامه ، وسقيه ، وإدخال السرور عليه ، والسلام عليه وجوابه ، وصلة الرحم ، والدعوات والتعقيبات ، والأذكار معدّداً له بمقدار تعدّدها ولو دخل في اسم واحد ، لأنّها بحكم الجزئيات التي هي بمنزلة عبادات مكرّرات ، فيلزم في تسبيح الزهراء عليها‌السلام واستغفار الوتر ، والعفو فيه والتكبير أمام الزيارات والذكر الواجب ، ونحوها تعددها بعدادها.

وبناءً على اشتراط موافقة الواقع في نيّة الوجه كما يظهر من أكثرهم يلزم

__________________

(١) في «ح» زيادة : ودعوى الإجمال كدعوى الإجماع في محلّ المنع.

(٢) انظر الكافي ٤ : ٢٤٥ ح ٤ ، والفقيه ٢ : ١٥٣ ح ٦٦٥ ، وعلل الشرائع : ٤١٣ ب ١٥٣ ح ١ ، والوسائل ٨ : ١٥٧ أبواب الحج ب ٢ ح ١٤ ، وص ١٦٤ ب ٢ ح ٢٥.

٢٧٥

بطلان حجّ من حجّ ، وتصدّق من تصدّق ، وعمل من عمل لوفاء نذر أو عهد ، ونيابة مَن نابَ عن رحم ، ونحوهم بقصد الوجوب ، فظهر بطلان السبب ، وهو بخلاف المقطوع به.

وعلى ما ذكرناه كلّ من أخطر في النيّة ، أو ذكرها بقصد التعبّد كان مشرّعاً.

المبحث الثاني : في بيان ما يتوقّف عليها :

الأصل في كلّ عملٍ مأمورٍ به أن يكون عبادة مشروطة بها ؛ لرجوع المقام إلى الجهل بالجزئيّة ، لكونها جزءاً في نفسها ، أو تقييدها ، لاعتبار القيديّة ؛ ولعموم ما في الكتاب المبين من قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (١). (٢) وقولهم عليهم‌السلام : «لا عمل إلا بنيّة» (٣) ، ونحوه كثير في أخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام (٤).

ثمّ الأصل في كلّ فعل كلّ (٥) أو جزء الاحتياج إلى نيّة مستقلّة ، استناداً إلى عموم الأدلّة ومقتضى القاعدة ، إلا ما قام الدليل فيه على الاكتفاء بالنيّة الضمنيّة ، وإغناء نيّة الجملة عن النيّة التفصيليّة ، كالأجزاء (٦) المتضامّة بعضها إلى بعض ، الداخلة في مركّبٍ لا يشبه الأعمال المتعدّدة ، كأجزاء الوضوء ، وأغسال الأحياء ، والغسل الواحد من أغسال الميّت ، والتيمّم ، والصلاة ، والصيام ، ونحوها.

أمّا ذو الأجزاء المتفرّقة الشبيهة بالأعمال المستقلّة ، كأغسال الميّت الثلاثة الداخلة تحت اسم غسل الميّت ، وأجزاء الحجّ والعمرة ونحوها ؛ فعلى القاعدة لا بدّ فيها من تكرير النيّة ، وإن كانت صحّة بعضها موقوفة على صحّة البعض الأخر.

__________________

(١) البيّنة : ٥.

(٢) في «ح» زيادة : في أظهر الوجوه.

(٣) الكافي ٢ : ٨٤ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥٢٠.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٣٣ أبواب مقدّمات العبادات ب ٥.

(٥) في «س» ، «م» : لكلّ.

(٦) كذا ، والأنسب : في الأجزاء.

٢٧٦

وأمّا ما دخل تحت اسم واحد ، لكن حكمه مستقلّ ، لا يفسد بفساد الجزء الأخر ، كأيّام رجب وشعبان وشهر رمضان ، وكلّ ركعتين من صلاة جعفر ، أو الرواتب ، وإن دخلت في اسم الزوال والعصر مثلاً ونحوها ، فلا كلام في لزوم تكرّر النيّة فيه.

وما كان من الأجزاء الضمنيّة الصرفة لا حاجة فيه إلى النيّة ، ونيّة الجملة مغنية عن نيّته ، فلو أتى بالأجزاء ساهياً أو ناسياً أو ناوياً فيها خلاف الواقع غفلة لم يكن بأس ، فإذا تجرّد العمل للواجب ، أو الندب ، والأجزاء متوافقة ، فالدخول في الضمن لا بحث فيه ، ومع الاختلاف كالصلاة فيها الواجب والندب ، فله أن يقيّدهما في المبدأ ، فيقول : أفعل الواجب لوجوبه ، والندب لندبه.

ولا يخلّ الفصل (١) ، لحصول معنى الوصل أو ينوي الوجوب ابتداء ، وينوي المندوب عند فعله ، أو ينوي مطلق القربة ، ولعلّ الأخير على المختار أولى.

ونيّة الوجوب في الجميع على معنى حرمة تركه ، والندب في المجموع على معنى جواز تركه ، غير خالٍ عن الوجه.

ولزوم إتمام العمل لحرمة قطعه لا يقتضي وجوب (٢) الأجزاء ، ولا كلام في نيّة الأجزاء ضمناً ، أو جميعها مفصّلة لإفادتها نيّة الجملة وزيادة.

وأمّا نيّة الجزء بشرط الانضمام فهو راجع إلى ما تقدّم ، ونيّته بشرط لا فاسدة ، ولا بشرط ؛ يحتمل فيها الصحّة ، نظراً (٣) إلى أنّ نيّة القربة قضت بالتعيين ، لأنّ القربة لا تتحقّق فيه إلا مع انضمامه ، وذلك مغنٍ ، وهو حقّ فيما لم يكن ذكر العنوان معتبراً في تحقّق العمل فيه ، أو موافقة الأمر.

ولا حاجة إلى معرفة حقيقة العبادة وأجزائها تفصيلاً ، ولا معرفة الواجب من المندوب ، ولا الداخل والخارج فيها وفي أبعاضها ، كما لا يجب بين الأشدّ والأضعف في الواجبات والسنن ؛ وإلا لم تصحّ عبادة أكثر المكلّفين ، لخفاء الحقائق ، وجهل كثير

__________________

(١) في «س» ، «م» : الفعل.

(٢) في «م» زيادة : نية.

(٣) في «س» ، «م» : فنظر.

٢٧٧

من الأجزاء ، وتعسّر الفرق (١) بين الواجب والندب ، وبين الواجب الداخل والخارج ، كمتابعة الإمام ، والمندوب الداخل والخارج.

وحيث كان الحقّ أنّه لا تلزم الموافقة مع الواقع في نيّة الوجوب والندب ، فلا يلزم تغيير (٢) النيّة للوجوب إذا طرأ طارئ الندب ، كما إذا دخل جماعة في صلاة الجنازة منفردين ، أو في جماعتين ، وأتمّ البعض قبل البعض ، وكذا ما يشابهها من الواجبات الكفائيّة ، وكما إذا نذر أو حلف أو عاهد على عبادة معلّقاً على شرط فزعم تحقّق الشرط ونوى الوجوب ، فانكشف الخلاف.

ولا تغيير نيّة الندب إلى الوجوب ، كما لو طرأ الوجوب في الأثناء كما في ثالث الاعتكاف ، وكما في النذر وشبهه بصورة الدعاء ، أو بنحو أن ينذر إتمام عبادة ودخل فيها (٣) والبلوغ إذا حصل في الأثناء.

ثمّ بناءً على أنّ الأصل كون العمل عبادة ، البناء عليها حتّى يعلم الخلاف ، فغسل الميّت منها ، وكذا التسمية في الوضوء وغسل الكفّين ، والمضمضة والاستنشاق فيه وفي الغسل بمقتضى القاعدة ، فلو أتى بها بغير نيّة أُعيدت.

وأمّا غسل الكفّين للأكل والوضوء وغسلهما مع المضمضة والاستنشاق ، فحالها كحال غسل الأخباث ، لا تدخل في العبادات.

وشروط العبادات قد تكون من العبادات ، كفعل الطهارات من الأحداث ، فيلزم قصدها ونيّتها ، ومنها غير عبادات ، كأثر طهارة الحدث (٤) (وقابليّة اللباس) (٥) والمكان والوقت والقبلة ، وهذه لا يشترط استحضارها مع الغفلة عنها ، فإذا أتى بالعبادة المشروطة بها ذاهلاً عن تلك الشرائط فلا بأس ، نعم لو كان متفطّناً لها لم يمكن قصد

__________________

(١) في «س» ، «م» : وتعسّره والفرق.

(٢) في «ح» : تعيين.

(٣) في «ح» : إتمام عبادة دخل فيها إن حدث كذا.

(٤) في «م» : الخبث.

(٥) في «م» ، «س» : واللباس.

٢٧٨

القربة منه إلا بعد إحرازها.

ولو كانت العبادة ذات جزئيّات ، إذا انفردت استقلّت ، وإذا اجتمعت انضمّت كأبعاض الزكاة والخمس والكفّارات ونحوها فإذا اجتمعت أغنت نيّة الجملة ، وكلّ منفرد يحتاج إلى نيّة مستقلّة.

ويجب الاقتران بين النية والمنوي اقتراناً عرفيّاً لا حكميّاً ، وتظهر الثمرة على القول بالإخطار ؛ وعلى القول بأنّها انبعاث النفس على الفعل لله تعالى يلزم الاقتران إلا نادراً.

والمقدّمات القريبة كالبسملة في الوضوء ، وغسل الكفّين ، والمضمضة والاستنشاق فيه وفي الغسل اقتران النية بها كاقترانها بالأجزاء.

والظاهر من السيرة القاطعة أنّ الحكم لا يجري في مقدّمات الصلاة من أذان أو إقامة أو دعوات بعدها ، أو التكبيرات الستّ ، وأنّه لا بدّ من اقتران النيّة بتكبيرة الإحرام.

وقد تكون نيّة القربة من جهة الخصوصيّة مفسدة ، كمن نذر جمعة أو ظهراً ، أو قصراً أو تماماً ، أو ذِكراً أو قراءة أو سورة ، أو نحو ذلك في مقام التخيير ، فجاء بخلافه ، فإنّه إن قصد التقرّب بوفاء النذر بطل عمله ، وإن قصد المعصية صحّ.

ولا يجوز القِران في النيّة بين العبادتين المترتّبتين كوضوء وغسل ، أو بينهما وبين الصلاة ، أو بين الصلاة والحجّ أو العمرة وهكذا ؛ لأنّ لكلّ عمل نيّة كما يظهر من الأخبار.

المبحث الثالث : في أحكامها ،

وهي عديدة :

منها : أنّها شرط في الصلاة وغيرها من العبادات لا شطر ، وتظهر الثمرة في أنّها لا تفسد مع الإتيان بها خلواً من بعض شرائط تلك العبادة التي هي شرط فيها ، فإنّها لم تفسد لأنّها ليست منها.

فنيّة الصلاة مثلاً بناءً على أنّها الإخطار إذ لو كانت هي القصد الباعث انتفت

٢٧٩

الثمرة أو ضعفت لو صادفت عدم شرطٍ ، من طهارة حدث أو خبث أو لباس أو قابليّة زمان أو مكان ، وقد حصلت منطبقة على آخر جزء منها ، أو قارنت وجود مانع من كلام أو ضحك أو أكل أو شرب وهكذا ، بأن قارنت حال ارتفاعه بحيث لم تَفُت المقارنة فيها وقعت صحيحة ، كما في المقدّمات الخارجة من التكبيرات الستّ ونحوها.

وفي توزيع الأُجرة لو عجز عن الإتمام ، وفي تقييد الوقت في أسباب الالتزام ، وفي احتسابها للنائب و (١) المنوب عنه وفي حرمة قطع العمل (٢) ، وفي الدخول تحت أصلي الخطاب ، وتحت استحقاق الثواب والعقاب (٣) (وفي الالتزام بعدد من أجزاء العبادات مبيناً ، أو الالتزام بشي‌ء من أجزاء العبادات) (٤). وقد يبنى عليه (٥) مسألة الفصل والوصل والزيادة للركن ونحوها.

ولا يبعد القول بأنّ شرائط الصلاة جارية فيها ؛ لظاهر التأسّي ، والأقوى ما تقدّم.

وما يتخيّل من أنّه من الشكّ في شرط العبادة ؛ لأنّ شرط الشرط شرط ، مردود ، بأنّ النيّة ليست من العبادات ، فتحكّم فيها العمومات وتصحّ ، كما في غسل الوجه ونحوه من الشرائط. نعم الأقوى شرطيّة القيام فيها ، لوضوح التأسّي فيها ، ودلالة السيرة عليها ، فيكون فيها بمنزلتها في الركنيّة.

ومنها : أنّه يلزم استمرارها (٦) حكماً إلى تمام العبادة (٧) بمعنى أن لا ينقضها بما ينافي القربة حتّى تتمّ الأجزاء ، سوى آنات الإحرام ، ويمكن إلحاق القيام (٨) به ، لأنّها

__________________

(١) في «ح» : أو.

(٢) في «ح» : وفي حرمة القطع في وجه.

(٣) في «ح» زيادة : وكيفيّة الإيجاب.

(٤) بدل ما بين القوسين في «ح» : وفي الالتزام بعدد من أجزاء العبادات أو الالتزام بشي‌ء إن نسي جزءاً من العبادة من أجزاء العبادات مبيّناً.

(٥) في «ح» : عليه.

(٦) في «ح» زيادة : فعلاً في الصلاة إلى منتهى تكبيرة الإحرام في وجه قوي و.

(٧) في «ح» زيادة : مطلقاً خصوصاً في المنفصلة كنيّة الصوم.

(٨) في «ح» : الصيام.

٢٨٠