كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

ومنها : أنّه يجوز لكل منهما لمس العورة للاستنجاء وغيره اختياراً واضطراراً ، على إشكال في القسم الأوّل.

ومنها : أنّه لو ارتدّا معاً عن فطرة جرى عليهما تمام الأحكام ، ولو ارتدّ أحدهما وكان رجلاً جرى عليه في أمر أمواله وديونه إلى غير ذلك حكم الرجل وإن بقي حيّاً خوف السراية.

وإن كانت امرأة لم تحبس ، وضيّق عليها في المأكل والمشرب والملبس ونحوها إن لم يترتّب من ذلك ضعف وضرر على الأسافل.

ومنها : أنّهما يحتسبان باثنين ، ولكلٍّ حكمه في الفسق والعدالة في الشهادة ، والجمعة ، والجماعة ، والعيدين ، والجناية ، والعاقلة ، والحجب ، والنفقة ، وسهام الزكاة ، والخمس ، والنذور ، والقسمة (١) ، ونحوها.

وفي الخنثى برجل وامرأة في الميراث ، وفي غيره يتبع حكم الأصل والقاعدة ، وتقوم فيه احتمالات عديدة.

ومنها : تعيّن الدّية في محلّ القصاص الذي تخشى سرايته.

ومنها : أنّه يسقط غسل المسّ مع عدم إمكان التجنّب ، ولو بمقدار صلاة واحدة ، وكذا بدله من التيمّم ، فيكون كفاقد الطهورين دائماً.

والأقوى أنّه يلزم الإتيان به (٢) ويكتفي به ، ولا أثر للحدث الحادث ، كمستدام الحدث.

ومنها : أنّه لا يجوز لهما النكاح ، ولا الوطء بالملك ، ولا التحليل (٣) ، لمملوكتهما (٤) أو مملوكة أحدهما ، ولا وطء مالك واحدٍ لهما على الأقوى ، ولا عقد واحدٍ عليهما. ولو قلنا بجوازه ففي لزوم القسم ، وكيفيّته ، والوطء (٥) في أربعة أشهر إشكال ،

__________________

(١) في «ح» : والنذر والغنيمة.

(٢) في «س» : الاكتفاء به.

(٣) في «ح» زيادة : للشك في الدخول.

(٤) في بعض النسخ : لمملوكتها.

(٥) في «ح» : وكيفيّة الوطء.

٢٤١

ولا تحليلُ النظر من مالكهما إلى الأسافل ، ولا بأس بالأعالي.

ومنها : أنّهما لو وَطَئا عن شبهة الجواز فأولدا كانا أبوين وعمين. ولو وطِئا فولدت إحداهما كانت الأُخرى خاله ، بناءً على أنّ المدار على الحمل ، ويحتمل كونهما أُمّين بناءً على أنّه بالولادة.

ويختصّ حكم النفاس بالحامل ويحتمل التشريك ، وقد مرّ البحث في مثله.

ويكون لكلّ واحدٍ منهما نصف السدس مع الأولاد ، وفي الطعمة ، ويمكن ثبوت السدس كاملاً فيلزم سدسان ، وهو بعيد.

ومنها : أنّه إذا أجنب أحدهما أو حاضت إحداهما ، فهل يحكم عليهما نظراً إلى المخرج ، أو يختصّ نظراً إلى المصدر؟ وعلى الشركة يجي‌ء ما مرّ في أوّل المسألة.

ومنها : أنّه يجب على كلّ منهما النفقة على صاحبه مع عجزه ، أو قدرته وامتناعه وتعذّر إجباره بنفسه أو بالحاكم ، حفظاً لنفسه من سراية ضرره.

وفي ثبوت الإجبار مع خوف الإضرار ولو لم يخش على النفس إشكال. ويحتمل عدم الإجبار مطلقاً.

ومنها : أنّهما في خيار المجلس ، والصرف ، والسلم بمنزلة الواحد الموجب القابل ، فتجي‌ء فيه تلك الاحتمالات ، وفي حصول افتراق المجلس بمجرّد الموت أو بعد القطع أو النقل ليفترق (١) عن صاحبه ، وجوه :

ومنها : أنّ لكلّ منهما منع صاحبه عن التصرّف بالأسافل ، إلا إذا لزم ضرر من تركه ، أو لزم الإخلال بواجب ونحوه ، وفي لزوم إعطاء الأُجرة في مقابلة الحصّة وجه قويّ.

ومنها : أنّه يمكن إلحاق نجاسة أحدهما بالكفر ، أو بدنه ، أو ثيابه وحمله لها ، ولبسه الحرير والذهب ، وجلد غير المأكول ، وهكذا بالمحمول.

ومنها : أنّه إذا أراد أحدهما مع كونهما ذكرين لبس حرير أو ذهب مثلاً ، أو امرأتين فيما يحرم عليهما ، وجب عليه منعه إن عمّ الأسافل ؛ لدخوله في اللبس ، ومن

__________________

(١) في «م» ، «س» : ليفرق.

٢٤٢

باب النهي عن المنكر في الأعالي ، وعلى الحاكم مساعدته.

ومنها : أنّه لو أراد أحدهما الختان دون صاحبه ، فإن كانا ذكرين بالغين وجبت متابعة الأخر ، وإلا فلا تجب.

ولو عُلم بلوغ أحدهما دون الأخر بظهور أمارات في العوالي أفاد مجموعها القطع ، كنبات شعر شارب أو صدر أو إبط أو

لحية وبحّة صوت ، ونتن عَرَق وكبر ثدي ، ونحو ذلك جبر الأخر عليه على إشكال.

ومنها : أنّه يجوز أن يكون أحدهما إماماً لصاحبه مع تقدّمه عليه ، أو مساواته ولغيره.

ولو انفرد أحدهما عن صاحبه وافترقا (١) في الصلاة وسبق أحدهما في السجود انتظر الأخر فيه حتّى يقوما معاً ، وللاختلاف بينهما أحوال يتبع فيها غير المكلّف المكلّف إذا كان الحكم وجوباً.

ومنها : أنّه لو ذكر أحدهما منسيّاً من ركن أو غيره بعد الدخول في غيره ، امتنع العود عليه إلا مع الاشتراك ، وتتبعه فروع كثيرة.

ومنها : أنّ خروج الأحداث مع الاشتباه من مخارجها ، إن بُني فيها على المصدر لم يثبت الحدث على واحد منهما. وإن بُني على المخرج تعلّق الحدث بكلّ منهما.

ومنها : أنّه يلزمهما معاً شراء ما يستر العورة عن النُّظّار ، وشراء لباس للصلاة مجز (٢) لهما على حسب حالهما ، من ذكرين أو غيرهما ، ويجبر أحدهما الأخر كما لو خافا من حَرّ أو بَردٍ ، ومع العجز يجبره الحاكم ، ويحتمل عدم جواز الإجبار.

ومنها : أنّه إذا كان أحدهما مجتهداً عدلاً قلّده صاحبه ، وليس له جبره على الخروج معه إلى آخر (٣) ، ويحتمل القول بجواز الإجبار مطلقاً ، أو إلى الأفضل.

__________________

(١) في «ح» : واقترنا.

(٢) في «س» : مخير.

(٣) في «س» : الآخر.

٢٤٣

ومنها (١) : أنّه لو أقرّ بما يوجب القصاص في الأعالي أو قامت عليه البيّنة بذلك ؛ اقتصّ منه ما لم يستلزم السراية ، دون الأسافل ؛ فإنّه تلزم الدّية فيها ، كما مرّت الإشارة إليه.

ومنها : أنّه لا ينعقد من أحدهما إحرام ولا صوم ونحوهما ممّا يتوقّف على منع طعام أو شراب أو نحوهما مع عدم اللزوم.

ومنها : أنّ نجاسة الكفر لا تفسد مشروطاً بالطهارة مع لزوم الإصابة ، والغسل عن الحدث ساقط مع لزوم فقد شرطه من جهتها ، فيرجع إلى التيمّم.

ومنها : أنّه إذا أوجب أحدهما جماعاً على نفسه في يوم خاص والأخر صوماً فيه ، أو غيره ممّا ينافيه بنذر أو غيره ، أو ضائق شهر رمضان رمضاناً آخر بالنسبة إليه قامت احتمالات :

أحدها : ارتفاع وجوب الصوم.

ثانيها : حرمة الجماع.

ثالثها : جوازه وعدم الفساد في حقّ الأخر لاختلاف المكلّف.

رابعها : الاقتراع.

خامسها : غلبة القويّ الضعيف.

ومنها : أنّه لو كان محلّ القدمين أسفل من محلّ جبهة أحدهما بالمقدار الذي لا يغتفر خصّ بفساد الصلاة.

ومنها : أنّه لو حكمت إحداهما بالطهر من الحدث حيض أو غيره دون الأُخرى عملت كلّ واحدة على رأيها ، وتبعت من لم تحكم الحاكمة ، ويحتمل العكس ، والقرعة.

ومنها : أنّه إذا سبق أحدهما إلى الوقف بالأعلى اختصّ به ، ومع السبق بالأسفل يشتركان وإن تقدّم الأعلى الأعلى.

ومنها : أنّ احتسابهما في التراوح باثنين فيه تأمّل ، لحصول النقص في الحقوين

__________________

(١) هذا الفرع وما بعده إلى خمسة عشر فرعاً أثبتناه من الطبعة الحجريّة وأكثرها مكرّر قد سبق ذكره.

٢٤٤

والرجلين ، وفي دوران المفقود وطلب الغلوة يُبنى على الوحدة.

ومنها : أنّه لو جنى أحدهما على الأسافل عمداً فلا قصاص وإن لم تُخشَ السراية لبُعد التنصيف ، ويغرم لصاحبه نصف الدّية ، وخطأً لم يغرم شيئاً ، والديّة على العاقلة.

ومنها : أنّهما لو تنازعا في شي‌ء موضوع على الأسافل فاليد لهما ، وفي الموضوع على الأعلى اليد لصاحبه.

ومنها : أنّه لو قذف صاحبه بأنّه ولد عن زنا كان إقراراً منه على نفسه ، وانتفى من النسب.

ومنها : أنّ القبض في الأسافل في صرف ونحوه يتبع القصد والاختيار ، وكذا في الإتلاف في وجه قويّ.

ومنها : أنّهما إذا وجدا دماً وعلماه من الأعالي من غير تمييز ، أو منياً ونحوه ممّا يخرج من الأسافل واعتبرنا المصدر ، فلا حكم عليهما.

ومنها : أنّهما إذا ارتمسا وبقي من أعلى أحدهما شي‌ء بقيت جنابته ، وطَهُرَ الأخر ، وإن بقي الأسفل بقيا عليها معاً.

ومنها : أنّه لو نذر شخص مثلاً أن يحمل بدني رجلين أو يخضبهما بالحناء لم يمتثل بفعله فيهما ، ولو قال رجلين امتثل في المقامين ، وفي مثل العتق القول بالإجزاء أقوى الاحتمالين.

ومنها : أنّه لو تقدّم الأسفل في الولادة كانا في العمر متساويين ، وإن خرجا بحسب الأعلى مرّتبين (١).

ومنها : أنّه إذا أراد أحدهما الخروج للاكتساب جبر الأخر ، ويحتمل العدم ، والتفصيل بين المضطر وغيره ، ولو تعارضت جهتا اكتسابهما رجعا إلى حكم القرعة.

ومنها : أنّه لو كانت يداهما على شي‌ء فهل تغلب يد المسلم فيحكم بتذكيته وطهارته مثلاً ، أو لا؟ والظاهر نعم.

__________________

(١) انتهى ما أثبتناه من الطبعة الحجريّة.

٢٤٥

ومنها : أنّه لو وجبت الجمعة مثلاً عليهما فامتنع أحدهما جبره صاحبه على الأقوى ، وإن وجبت على أحدهما كما إذا كان الأخر مريضاً أو مملوكاً للغير لم يجبر على إشكال.

ومنها : أنّه إذا كان أحدهما مقارب التلف من العدم ؛ فوجب عليه الإنفاق عليه لحفظ نفسه أو نفسه ؛ أعطاه من الزكاة ، ولا يدخل في واجب النفقة ، ولو أعطاه لإصلاح مرض في الأسافل أعطاه منها قدر الحصّة.

ومنها : أنّه لو كان الماء لا يكفي سوى أحدهما بُني على الترجيح.

ومنها : أنّهما لو كانا في مواضع التخيير كان لكلّ حكمه.

ومنها : أنّه لو كان الغصب في الهواء ممّا يتعلّق بالأعالي كان لكلّ حكمه ، ومن جانب الأسفل يتساويان.

ومنها : إنّ الفاصلة بين المصلّي والمصلّية تستوي فيهما ، ويحتمل الاختلاف.

ومنها : أنّهما إذا مرضا معاً وكان دواؤهما الاحتقان جبر الأخر وقام بنصف الدواء ، وإذا اختصّ أحدهما بالمرض جبر الأخر ، وعلى المريض الدواء.

ومنها : أنّه لو كان سبب نجاة أحدهما سبب هلاك الأخر وتكافئا اقترعا.

ومنها : أنّه لو فعل أحدهما فعلاً مخلًّا (١) بالصلاة فيما يتعلّق بالعوالي اختصّ بالحكم ، وبالأسافل يحتمل وجوهاً ثالثها البطلان مع القدرة على المنع.

ومنها : أنّهما إذا ركبا دابّة اشتركا في إعطاء الأُجرة على التساوي من جهة الأسافل ، والتفاوت من جهة الأعالي إن كان بينهما تفاوت.

ومنها : أنّ الجناية إن حصلت من الأسافل مع الإجبار اختصّ القصاص مع عدم السراية أو الدية بالجابر ، وإن حصلت منهما وقتلهما أو قتل واحداً وسرى الموت إلى الأخر ضمن نصف ديتهما (٢).

ومنها : أنّه إذا وجب على أحدهما عمل ، ولم يجب على الأخر وجب إرضاؤه

__________________

(١) في «س» ، «م» : مخللاً.

(٢) في «م» ، «س» : ديتها.

٢٤٦

بأجرة لا تضر بالحال ، فإن أبى قهره.

ومنها : أنّه لو قطع عضو من الأسافل فهل يحسب بعضو أو عضوين؟

ومنها : أنّها لو كانت خنثى أخذت ميراث ذكر وأُنثى.

ومنها : أنّه ينبغي تخصيص كلّ واحد من جهة الأعلى بدثار عند النوم ، حتّى لا يدخلا في كراهة النوم تحت دثار واحد ، إن أجريناه في المحارم.

ومنها : أنّه لو كان منهما ما يستدعي عملاً من تغيير قطنةٍ ، وتطهير فرجٍ ونحوهما ، لحيضٍ أو نفاسٍ أو استحاضةٍ أو سلسٍ أو بطنٍ ، فهل يجب كفاية ، أو يتهايئان (١) ، أو يقترعان؟

ومنها : أنّه لا يصحّ نذرهما وعهدهما ونحوهما على قطع طريق لحجّ أو عمرة أو زيارة أو عيادة مريض أو تشييع جنازة أو نحوها إلا برضا الأخر ، وكذا ما يقتضي ضعفاً في صاحبه ، كالصوم ونحوه.

ومنها : أنّه لا يثبت الاستطاعة لأحدهما إلا بوجدان ما يكفيه مع البذل للاخر ، ويحتمل السقوط ووجوب الاستنابة كالعاجز.

ومنها : أنّهما لو مرّا على ثمرة وكان أحدهما قاصداً أو حاملاً حرمت عليه ، وحلّت للاخر ؛ بناءً على جواز أكل المارّة.

ومنها : أنّه لو أنّ أحدهما قام في صلاة النافلة على رجليه ، من دون إذن صاحبه كان كمن قام في أرض مغصوبة.

ومنها : أنّه إذا اختصّ الاحتلام بأحدهما وجب الغسل عليهما بناءً على اعتبار المخرج ، كمطلق الحدث. وإذا نسي المحتلم ولم يُعلم صاحبه إلا بعد أيّام قضيا (٢) الصلاة ، وليس قضاء الصوم إلا على المحتلم.

ومنها : أنّهما لو ماتا وكان ماء يجزي لأحدهما مع الأسافل دون الأخر ؛ احتمل

__________________

(١) يتهايئان : يتناوبان ، وجعلا لكلّ واحد نوبة المصباح المنير ٢ : ٦٤٥.

(٢) في «ح» : قضى.

٢٤٧

اختصاصه وسقوط الغسل. ولو دار بين تغسيلهما معاً غسلاً واحداً ، أو تغسيل أحدهما الثلاثة قدّم الثاني ، ويحتمل الأوّل.

ومنها : أنّهما إذا سافرا وقصد أحدهما مسافة دون الأخر أفطر ، ويمنعه صاحبه (١) من استعمال المفطرات الناشئة من الأسافل.

ومنها : أنّه إذا نوى أحدهما إقامة دون الأخر أو عصى بسفره أو أتى بغيرهما من موجبات التمام فعل كلّ ما يوافق حكمه.

ومنها : أنّه إذا أحدث المبطون والمسلوس منهما في صلاته وكان حكمه أن يتطهّر ويبني على ما صلّى ذهب كلّ منهما وعمل عملهما دائماً ، وعليهما مراعاة ما تتوقّف عليه عبادتهما.

ومنها : إنّما يتعلّق بالعورة ونحوها من حلق أو قصّ أظفار أو إطلاء يقوم به من شاء منهما ، أو يشتركان فيما يمكن فيه الاشتراك ، أو يتهايئان ، أو يقترعان ، وليس لأحدهما منع الأخر في وجه ، والمئونة عليهما مع اشتراكهما.

ومنها : أنّهما إذا كانتا حرّتين ، أو حرّة وأمة ، أو أمتين ولو لمالك واحد ؛ حرم وطؤهما كما مرّ على الأقوى.

ومنها : أنّه لو أولد ذو الحقو (٢) مثلهما كان لهما أبوان وعمّان.

ومنها : أنّه إذا اختلف وجهاهما إلى القبلة وعكسها ترتّبا في الصلاة ، إلا مع ضيق الوقت فيقترعان ، وإذا ماتا معاً كان للنّاس الخيار في توجيه من شاءوا إلى القبلة ، ويحتمل الاقتراع بين الأولياء.

ومنها : أنّهما لو ماتا فلا بدّ من عمامتين ، ولفافتي ثديين. ويقوى في القميص واللفّافة ذلك ، وفي المئزر إشكال ، والأحوط مئزران.

ومنها : أنّهما إذا اغتسلا ترتيباً فهل يجب غسل الأسافل مرّتين؟ الظاهر نعم. وهل يجب عليهما الاتّفاق فيه ترتيباً وارتماساً أو لا؟ الظاهر لا.

__________________

(١) في «س» : ويمنع صاحبها.

(٢) في «ح» : ذو الحقوين.

٢٤٨

ومنها : أنّه لو كان أحدهما مجنباً دون الأخر في المسجدين الحرمين (١) يتيمّم ، ويتبعه الأخر في الخروج.

ومنها : أنّهما لو كانا نائمين وتيقّظ أحدهما لم يكن له المبادرة إلى صلاة النفل أو الفريضة قبل ضيق الوقت ، مع استلزام يقظة الأخر وعدم رضاه.

ومنها : أنّه لو جنى أحدهما على الأخر في الأعالي أخذ تمام الدية ، وفي الأسافل نصفها ، ويحتمل التمام.

ومنها : أنّه لو أقرّ أحدهما بما يوجب القصاص في الأعالي ممّا لا يوجب السراية مضى إقراره ، دون الأسافل ؛ فإنّ عليه الدية.

ومنها : أنّه لا ينعقد إحرام أحدهما وصومه مع عدم اللزوم ؛ للزوم منعه من الطعام والشراب والنساء ، ومع الوجوب يكون مشغول الذمّة متبوعاً. إلى غير ذلك من الفروع الكثيرة ، وهي غير محصورة.

__________________

(١) في «س» : الحرميين.

٢٤٩
٢٥٠

المقصد الثاني

في القواعد المشتركة بين المطالب الفقهيّة

وفيه مقامات

المقام الأوّل : فيما يتعلّق بالأُمور العامّة الجارية في أقسام الفقه بتمامها.

وفيه مطالب

المطلب الأوّل : في الشرائط

وهي ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : فيما يتعلّق بالفاعلين

وهي أُمور :

الأوّل : البلوغ :

وهو الوصول إلى قابليّة أن يطأ (١) أو يوطأ وطئاً قابلاً لأن تنبعث عنه الشهوة ، ويترتّب عليه مع وجود محلّ الوطء وقابليّته الغسل ، حتّى لو خلق ابتداء على هذه الحالة كخلق آدم عليه‌السلام كان بالغاً.

__________________

(١) في «ح» زيادة : مع وجود محلّ الوطء وقابليّه.

٢٥١

وهو أوّل مراتب صدق الفحولة والرجولة في الذكر ، وأوّل مراتب صدق المرأة في الأُنثى ، وهو بمنزلة الجذع والجذعة في الضأن ، وما ماثله من الأسماء في باقي البهائم ، وهو أوّل مراتب كمال العقل بحسب اختلاف العقلاء.

فيكون المدار على وجود المني المستعدّ للخروج في الأصلاب والترائب ، وقد يجعل المدار على تحرّكه عن محلّه ، وإن بقي محبوساً في مجراه ، أو على خروجه ، ولعلّ الأوّل أولى.

وعلى الأوّل يكون الأخيران كاشفين عن السبق.

وعلى الأخر تثبت الملازمة بينه وبين وجوب الغسل ، وعلى الوسط يبنى دليل الحمل في غير الرجل ، إلا أن يجعل أصلاً.

وعلامة المني أصليّة تجري مع العلم بعدم علامة أُخرى ، كما تجري مع احتمالها ، وعليه مدار التكليف وجوباً وتحريماً ، وقابليّة استحقاق المؤاخذة والعذاب في الآخرة.

وأمّا في الدنيا فقد يؤاخذ الصبي قبله لبعض المصالح ، أو دفع المفاسد الراجعة إليه أو إلى غيره.

وتتوقّف عليه قابليّة الاعتماد عليه ممّا يتوقّف على العدالة ، إذ لا يمكن اتّصافه بها ، لأنّ معناها لا يتحقّق بدونه ، من قضاء ، أو إفتاء ، أو شهادة ، أو خبر ، أو إمامة ، أو ولاية شرعيّة ونحوها.

ولا على ما يتعلّق بالأموال بنفسه أو بالغير ، من عقود أو إيقاعات ، أو أحكام محتاجة إلى الصيغ ، أو عبادات كصلاة جنازة ، وتغسيل ميّت ، وزكاة ، وخمس ، وقربات : من عتق ، أو وقف ، أو صدقة ، أو شبهها من إيصاء (١) منه أو إليه مع الرجوع في ذلك الوقت إليه.

وأمّا العبادات الراجعة إلى نفسه المتعلّقة ببدنه مع تمييزه لأنّ غير المميّز بمنزلة البهيمة وكان الغرض منها الآخرة ، كالصلاة ، والصوم ، والحجّ ، والعمرة ، والزيارات ،

__________________

(١) في «ح» زيادة : أو وصيّة.

٢٥٢

والدعوات ، والأذكار ، ونحوها مع إذن الوليّ ؛ فالأقوى صحّتها وترتّب الثواب عليها.

وربّما نقول بعدم اشتراط الإذن في مثل الدعوات والأذكار ، وإنّما الشرط عدم المنع ، لأمن جهة أنّ الأمر بالأمر أمر فيفيد الصحّة والإجزاء ، وإن قلنا به بنحو ما ذكر في محلّه ، إذ لا حاجة لنا به ، بل من جهة تتبّع الأخبار والكلمات المتفرّقة في المواعظ والخطب والحِكَم ، حتّى أنّه بعد التتبّع يعلم أنّه من المتواتر معنى.

فإن وقع جامعاً للشرائط أجزأ بموافقة التأديب (١) من الأمر وإسقاط القضاء المندوب ، وإلا كان فاسداً مخالفاً للأمر غير مسقط للقضاء.

ولا ينبغي التأمّل في استحقاق الأجر والثواب بالعلم بالعقائد الأُصوليّة ، والخوف من الله تعالى ومن عذابه ، والرغبة في ثوابه ، وحبّه تعالى وحبّ أنبيائه وأوصيائه ، وأوليائه ، والخضوع ، والخشوع ، ومكارم الأخلاق والبكاء خوفاً من جبّار السماء.

ولمّا كان الأصل عدم حصول الحالة التي تُدعى بلوغاً ؛ لأنّها صفة زائدة ، كان الأصل عدم البلوغ فيما يكون دفعة أو تدريجاً ، وفي التدريجي كما هو المبحوث عنه ينفى بالاستصحاب أيضاً فلا يعلم حصوله في مقام الاشتباه إلا بعلامات تفيد العلم بحصوله أو الظنّ المعتبر ، وهي أقسام :

منها : خروج المني ، وهو الماء الأكبر المستعدّ بنوعه لانعقاده ولداً ، دون المذي الخارج كالماء سائلاً عند الملاعبة وشبهها ؛ والودي بالدال المهملة الماء الغليظ الخارج بعد البول ؛ والوذي بالذال المعجمة الخارج بعد خروج المني.

وعلامة المني : الخروج عن شهوة ، ومع شهوة قويّة ينحدر في المجرى انحدار السيل من علوّ إن خرج من صحيح المزاج ، وإلا لوحظت فيه الشهوة قوّة وضعفاً على حسب مزاجه.

والمدار على الخروج ، نوماً أو يقظة ، قليلاً أو كثيراً ، من ذكر أو أُنثى ، منفرداً أو منضمّاً مع بول أو غيره ، من المخرج المعتاد أو غيره ، فيفترق عن الحدث ويساوي الخبث

__________________

(١) في «ح» : التأدّب.

٢٥٣

مع حصول الشهوة بذلك الوصف ، بل ربّما أغنت في الإثبات حركته عن محلّه (١) مع حصولها عن الخروج مع حصول تلك الشهوة.

ومنها : نبات الشعر الخشن على العانة بنفسه : بمقتضى الطبيعة ، من دون علاج ، فلا عبرة بالخفيف ، ولا بالشعرات (٢) القليلة التي لا تدخل تحت الاسم.

وهاتان العلامتان مشتركتان بين الرجال والنساء ، والأُولى أقوى من الثانية ، وهما علامتان لتحقّق البلوغ ، إمّا مقترنتان معه أو منفصلتان عنه ، وبناءً على اعتبار الاستعداد ، وكشف الخروج مثلاً يكون الخروج منفصلاً.

ومنها : إحبال المرأة من مائه بالوطء أو بغيره وهذه علامة منفصلة ؛ لأنّه مسبوق بخروج المني ، ودخوله في الرحم ، وانعقاده.

ومنها : بلوغ خمس عشرة سنة على الأقوى فتوى ودليلاً هلاليّة الشهور ، إن كان مبدأ خروج بعضه أو كلّه وهو الأقوى في مبدأ الشهر وأربع عشرة سنة هلالية وأحدعشر شهراً كذلك وشهراً عدديّاً إن كان المنكسر يوماً أو بعض يوم أو أيّاماً ، ويحتمل فيه مطلقاً أو (٣) إن كان بعض يوم تكميل ما فات منه ، فتكون الجميع هلاليّة.

واحتمال الهلاليّة في المنكسر مطلقاً ، والعدديّة ، والتلفيق جار في الجميع. وطريق الاحتياط غير خفيّ ، وهذه قد تقارن ، وقد تتأخّر ، وهاتان من خواصّ الذكور.

ومنها : الحيض وهو كالمني فيما ذكر فيه ، وفي أنّه يقارن وينفصل. وبناءً على عدم اعتبار الخروج ، وأنّ المدار على الاستعداد لا يلزم الانفصال ، ويحكم بالحيض في الدم بمجرّد الاحتمال.

ومنها : الحبل ويتحقّق هنا بمجرّد انعقاد النطفة والنفاس. وهما منفصلتان مسبوقتان بخروج المني والانعقاد إن قلنا بأنّ المساحقة لا تقوم مقام الوطء من الطرفين فيقع من الصغيرة ، ولا ينبغي التأمّل فيه.

__________________

(١) في «س» ، «م» : حركة عن قلعه.

(٢) في «س» : بالشعيرات.

(٣) في «ح» : و.

٢٥٤

ومنها : بلوغ تسع سنين

من حين الولادة على أحد النحوين السابقين ، هلاليّة الشهور أولا ، على التفصيل المذكور في الخمس عشرة ، وهذه من خواصّ النساء.

وله أمارات قد يحصل العلم من ضمّ بعضها إلى بعض ، كنبات اللحية ، واختطاط الشارب ، ونبات الشعر الخشن على الصدر أو الأُنثيين أو في الأنف أو عليه ، أو في الأذنين أو عليهما ، أو حول الدبر أو تحت الإبطين ، أو على الفخذين ، بل سائر البدن عدا الرأس ، وانتفاخ الثدي ، وحصول مثل الحمّصة فيه ، وحدوث الرائحة الكريهة في المغابن ، وبحّة الصوت ، وقوّة الانتصاب ، وسرعة القيام عند قرب المرام ، والعظم في أحد الفرجين أو الأُنثيين ، وشدّة الميل إلى اللّمس أو النظر أو استماع الصوت ، وهيجان الشهوة عند سماع الغناء أو الأسماء ، وشدّة ميل النفس إلى الجماع ، وعلوّ القامة ، وانفصال عرنين (١) الأنف ، وخروج دم الاستحاضة ، إلى غير ذلك.

فإن حصل من أحدها فقط علم ويقرب ذلك في اللحية والشارب وبعض ما عداهما أو من اجتماع البعض أو الكلّ ؛ وجب العمل عليه ، وإلا فلا.

والممسوح يجري عليه (٢) حكم الذكر هنا ، فلا يثبت بلوغه مع عدم خروج المني منه ؛ إلا بنبات الشعر أو بلوغ العدد في الذكر.

وأمّا الخنثى المشكل ، فلا يحكم ببلوغها ، إلا إذا حصل سبب يقتضي بلوغها على التقديرين ، كمني خارج من الفرجين ؛ لأنّ البناء على المخرج دون المصدر ، وعدم الاكتفاء بالمني والحيض من أحدهما مبني على جري حكم الحدث فيه أو شعر محيط بهما معاً ، أو مني من واحد وشعر محيط بالآخر ، أو مني من الذكر وحيض من الفرج ، أو شعر محيط بالذكر وحيض من الفرج.

ولا يثبت بلوغه حتّى يجري عليه حكم البالغين إلا بالاطّلاع ، أو ببيّنة شرعيّة. ولا يعمل بقوله إلا في خروج المني. وفي إلحاق الحيض به وجه.

فلا يصحّ منه عقد بالأصالة أو الوكالة إلا بعد الثبوت. نعم تثبت الإباحة في معاملة

__________________

(١) عرنين الأنف : أوّله ، وهو ما تحت مُجتمع الحاجبين ، وهو موضع الشمم ، المصباح المنير : ٤٠٦.

(٢) في «م» : على.

٢٥٥

المميّزين إذا جلسوا في مقام أوليائهم ، أو تظاهروا على رؤس الأشهاد ، حتّى يظنّ أنّ ذلك عن إذن من الأولياء ، خصوصاً في المحقّرات.

ولو (١) قيل بتملّك الأخذ منهم لدلالة مأذونيته في جميع التصرّفات فيكون موجباً قابلاً ، لم يكن بعيداً.

الثاني : العقل

فلا عبرة بعبادة المجنون ، ولا معاملاته ، وأقواله وأفعاله ، ولا ثواب ولا عقاب أخرويّين على فعله ، وأمّا الدنيويّان فقد يترتّبان في بعض الأحيان ، وما هو إلا بمنزلة البهيمة بالنسبة إلى ما صدر منه حال الجنون.

فحكمه مستمر بالنسبة إلى الإطباقي ، وفي الأدواريّ بالنسبة إلى حال دون حال ، ولو لم تسع أدواره العمل فكالمطبق إلا إذا كان ممّا يصحّ إذا انفصل. واستواء التكاليف في الأول أظهر من الثاني.

ولو شكّ في مقارنة حال الصدور للصفة ففي الحكم بالفساد مطلقاً ، أو مع اختصاص جهل التاريخ بها ، أو الصحّة مطلقاً ، أو مع اختصاص جهل التاريخ بغيرها وجوه ، مبناها على أنّ الصحّة أصل في العامل ، أو في العمل ، ويقوى القول بالبناء على الصحّة بالنسبة إلى كلّ من سبقت له صفتان القابليّة وعدمها ، من صغر أو جنون أو إغماء أو غيرها.

وفي المقام أبحاث كثيرة تستدعي زيادة التعمّق في البصيرة ، ومن تجدّد له الجنون بعد بلوغه بقيت عليه المؤاخذة المتعلّقة به حين عقله.

ولو تجدّد له الجنون في أثناء عمل مركّب يشترط في صحّة أوّله الإتيان بآخره فسد ، وإلا صحّ.

ولو عمل بنفسه باختياره ما يقتضي جنونه عصى في ترك ما دخل وقته دون غيره ، وكان عاصياً في أصل العمل أيضاً ؛ لأنّ حفظ العقل أهمّ من حفظ النفس.

__________________

(١) في «ح» : أو.

٢٥٦

الثالث : القدرة

فلا يتعلّق خطاب تكليف بعبادة وما يشبهها (١) ممّا يعتبر فيه القربة أولا ، ولا خطاب وضع من عقدٍ أو إيقاعٍ ونحوهما بغير القادر ؛ لأنّ خطاب العاجز بالقسمين قبيح ؛ لخلوّ الخطاب عن الغرض ، لامتناع صدور الأثر منه ، والوضع لا ينصرف إليه ، ولأنّ المقصود من الخطاب تحصيله ، فهو في باب العبادات من طلب المحال.

وليس منه خطاب الكافر بالقضاء المتوقّف على الإسلام المسقط له ، ولا خطاب غير المؤمن المخبر عنه بعدم الإيمان ممّن (٢) يحال عليه الكذب بالإيمان ؛ لأنّ السقوط بالفعل لا ينافي التكليف من قبل ، وكذا الامتناع ظاهراً لأنّه لا يكون لا ينافيه ، بخلاف ما كان لا يكون للامتناع ، فالصادر من الأقوال من الهذيان ، ومن الأفعال (٣) كالواقع من الحيوان ، فإن عجّز نفسه بفعل شي‌ء يقتضي رفع قدرته ، فإن كان تعلّق الأمر قبل التعجيز عصى ، ولا معصية فيما تعلّق بعده.

والعجز عن بعض الواجب ، إن كان عن جزئيّات يصحّ فعلها من دون فعل الباقي وجب الإتيان بالمقدور.

وإن كان عن بعض مركّب يبطله الانفصال كالصلاة والوضوء في بعض الأحوال فعجز وانفصل بطل ، وإلا يكن كذلك كبعض أغسال الميّت ، أو بعض أعضائه ، وبعض أعضاء غسل الجنابة ، وغيرها من الأغسال صحّ ، بمعنى عدم لزوم إعادته لو تمكّن.

ويقوى أنّه مع العجز عن الإتيان بالجميع ، يجب الإتيان بالبعض في الجميع ، إلا ما دلّ الدليل على خلافه ؛ للخبر المشهور من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يسقط الميسور بالمعسور» (٤) ، ولما اشتهر من مضامين الأخبار نقله من قوله : «ما لا يدرك كلّه

__________________

(١) في «ح» زيادة : مطلقاً ولا صحّة

(٢) في «ح» : المجبر عنه بعدم الإيمان فمن.

(٣) في «ح» زيادة : هو.

(٤) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

٢٥٧

لا يترك كلّه» (١) ، و «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (٢) ، ونحو ذلك. وإن كان للبحث فيه مجال ، وقد سبق ما فيه بيان الحال.

ومتى تعلّق به حقّ لمخلوق ، وعجز عن تسليمه بنفسه لمانع وجبت عليه الاستنابة في التأدية ، فإن لم تمكن قام الحاكم مقامه ، فإن لم يكن فعدول المسلمين ، وفي الواحد كفاية ، فإن تعذّر كان لغيرهم القيام حسبة (٣).

وكذا الحال في الاستنابة فيما تصحّ فيه النيابة من التكاليف الشرعيّة ، فإن استناب مختاراً فيها وإلا جبره الحاكم أو من قام مقامه على الفعل ويغني ذلك عن النيّة.

والقول بلزوم إيقاع الصورة منه ، ويكتفى بها ، أو مع الحقيقة من الحاكم ، أو من قام مقامه ، غير بعيد الوجه.

الرابع : الاختيار

فلا تصحّ عبادة ، ولا عقد ، ولا إيقاع ، ولا ما يشبهها من الأحكام مع الإجبار ، إلا أن يجب عليه شي‌ء منها ، ويمتنع عن فعله باختياره ، فيجبره الحاكم على مباشرته ، ويقوم جبره مقام اختياره وقصده ونيّته ، فيجبر على العبادات الواجبات ، وعلى بذل النفقة لمن تجب نفقته بقرابة ، أو زوجيّة ، أو ملكيّة ، فإن امتنع أُخذ من ماله وأُنفق على عياله.

فإن تعذّر إجباره على الأمرين ، وكان طريق تخلّص في البين بإجارة ونحوها قدّم ، وإلا جبر على بيع العبد والحيوان وطلاق الزوجة بائناً ، بأن يرجع في المجلس مرّتين ويطلّق الثالثة ؛ إن لم يحصل باذل للنفقة ، أو مقرض لمن تجب عليه.

وإذا امتنع عن المباشرة تولّى الحاكم أو نائبه تلك الأعمال ، ويقتصر على بيع البعض فالبعض إن أمكن ، ولو أمكنه اشتراط الخيار فيما يصحّ فيه جمعاً بين الحقّين وجب.

والاضطرار لفقر مدقع ، أو جوع تام ، أو عطش ، أو دفع غرق ، أو حرق ونحوها

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٧ ، سنن النسائي ٥ : ١١٠ باب وجوب الحجّ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣ ح ٢.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٦.

(٣) حسبة يقال لمن لا يرجو ثواب الدنيا المصباح المنير : ١٣٥.

٢٥٨

ليس من الإجبار ، وكذا لو جبر على تصرّف بشي‌ء فتصرّف بغيره ، إلا أن يخيّره (١) الجابر بين أُمور محصورة ، فإنّه من الجبر.

وليس البيع للخوف من الظالم ، أو لدفع الخلود في الحبس ، أو لدفع الضرر عن قريبه (٢) بغير جبر على الخصوصيّة من الجبر.

ولو جبره على البيع فاجر ، أو الإجارة فباع ، أو على عقد (٣) الدوام فتمتّع أو بالعكس لم يكن مجبوراً. وخروجه عن الإجبار في القسم الأوّل أظهر.

وكذا لو جبره على نوع من أنواع التمليك فاختار غيره ، كالصلح فباع ، أو الجائز فأتى باللازم ، أو بالعكس على إشكال.

ولو جبره الجابر على فعل ، أو عقد ، أو إيقاع مشروطين بالقربة أو لا ، وتعقّبت الإجازة في غير المجمع على عدم تأثيرها فيه كالطلاق ونحوه من غير مسبوقيّة بالردّ صحّ ، وانكشف حصول الأثر من حين وقوع القول (٤) أو العمل.

وإذا تكرّرت مرتبة في مال المجبَر فأجاز على السلسلة صحّ الجميع ، ولو أجاز الأسفل اختصّت به الصحّة ، ولو أجاز الأوسط صحّ الأسفل دون الأعلى. وإن كان في غير ماله انجرّ حكم الأسفل إلى الأعلى دون العكس ، فكلّ مالٍ لشخصٍ تكرّر مرّة أو مرّات أوّلاً أو وسطاً أو آخراً أو في جميع الأحوال بجهة متّحدة أو مختلفة في الصور السبع ، إجازة الأعلى منه تقضي بصحته وصحّة الأسفل ، وصحّة الأسفل لا تقضي بصحّة الأعلى ، وإن كان المكرّر في غير ماله انعكس الحكم.

ولو أجاز الفضولي عمل الفضولي فأجاز المالك العمل أو الإجازة صحّ ، ولا يختلف الحكم فيهما على القول بالكشف ، وإنّما يختلف الحال على القول بالنقل.

ولو تعدّدت الإجازات مستقلّة فأجاز المالك أحدها كان الباقي منها لغواً ، ولو أجاز

__________________

(١) في «ح» : يجبره.

(٢) في «ح» : قرينه.

(٣) في «س» ، «م» : دفع ، وقد تُقرأ «رفع» بدل عقد.

(٤) في «س» : العقود.

٢٥٩

جميعها اتّحد الأثر ، وتعدّد المؤثّر.

ولو ترامت الإجازات فالتعلّق (١) بالأسفل يسري إلى الأعلى ، وإن تعلّقت بالأعلى كان ما سفل منها لاغياً.

وكلّ من له ولاية شرعيّة لا يعدّ جابراً ؛ لأنّ الاختيار للواحد القهّار ، وجميع ما في أيدي الملّاك عند التحقيق بحكم المستعار.

الخامس : المعرفة

بأن يكون عارفاً بنوع ما أراد من عبادة أو عقد أو إيقاع أو حكم يشبههما ؛ لأنّ ذلك هو الموافق للحكمة الدافع للسّفه ، فإنّه لا يرضى العقل والعقلاء أنّ شخصاً عاقلاً يطلب أمراً في برّ أو بحر أو يحاول فعلاً بين الأفعال أو يوجّه نفسه إلى قول من الأقوال من دون معرفة بالحال ولو بالإجمال.

فيكفي في الصلاة ، والزكاة ، والخمس ، والصيام معرفة أنّها عبادات متغايرة وحقائق مختلفة ، ولا حاجة إلى معرفة الحقائق على الحقيقة ، وإلا لم يصحّ أكثر عبادات العوام ، بل الفحول من العلماء الأعلام.

فإنّهم إلى الان في حيرة من معرفة أنّ العبادات موضوعة للصحيح أو الأعمّ ، وأنّ الصلاة عبارة عن الأركان فقط ، أو جميع الواجبات كذلك ، أو مع المندوبات ، ثمّ المندوبات مختلفات ؛ منها داخليّات ، ومنها خارجيّات.

وأنّ الحجّ عبارة عن القصد بشرط الأفعال ، أو الأفعال بشرط القصد أو المجموع ، وأنّ الصيام والإحرام عبارة عن التروك المنويّة ، أو الكفّ عن المحرّمات ، أو توطين النفس على تركها ، إلى غير ذلك.

فليس على الأعجمي في العقود والإيقاعات من معاملة أو نكاح أو طلاق أو غيرهما سوى المعرفة الإجماليّة ، فله أن يوجب بالعربيّة ويقبل من غير معرفة بحقيقة اللفظ ،

__________________

(١) في «س» ، «م» : فاستعلق ، ويحتمل كونها تصحيف فالمتعلّق.

٢٦٠