كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-880-5
الصفحات: ٤٠٨

ثمّ لم يعلم أنّهم اشتركوا جميعاً في نقل كلّ رواية على طريق التنزّل ، وإلا فقد علم عدم الاشتراك ، وعلى فرضه لا يحصل العلم من علمهم.

وأمّا على تقدير الاختصاص ، وعدم معرفة عدد المختص فلا علم بديهة.

ومن أمعن في كتبهم نظره ، وأجال في اختلافاتهم فكره ، فهو بين مجادلٍ ، وبين مظهر للدعوى ، وليس بها قائل ، وبين من إذا تحقّقتَ رأيه وجدته معنا (١) ، وليس بيننا وبينه خلاف في المعنى.

ثمّ لو كان النقد باعثاً على الاعتماد ، لا لاكتفى المتأخّر من المحمّدين بنقد من تقدّم منهم.

وأمّا الاستناد إلى الآيات والروايات الموجبة لاتّباع العلم ؛ فهو كإقامة البرهان على إثبات ما يتعلّق بالوجدان ، كأن تقام الحجّة في إثبات العطش ، والجوع ، والأمن ، والخوف ، والعلم ، والجهل ، وبالعكس على المتّصف بأضدادها ؛ فإنّ تلك الصفات لا تتبدّل بإقامة الأدلّة على خلافها ، والأمر بذلك تكليف بما لا يطاق.

فكلّ عاقل يدّعي حصول العلم غير متجوّز به ، ولا مريد للقطع بالحكم الظاهري ، ولا بانٍ على تجديد الاصطلاح في تغيير الاسم ، فهو إمّا مجادل في دعواه ، أو ناطق باللفظ غير قاصدٍ لمعناه.

نعم لو قال قائل «بأنّ نقد المحمّدِين الثلاثة مدخل للأخبار المرويّة في كتبهم في ضمن الأخبار الصحيحة في لسان القدماء» لم يكن مُغرباً ، وإن كان الحقّ خلافه.

البحث التاسع والأربعون

في أنّه لا بدّ من أخذ الأحكام إذا لم تكن من ضروريّات الدين والمذهب يتساوى فيها المجتهد والمقلّد ، وجوباً أو تحريماً أو ندباً أو كراهة أو إباحة أو وضعاً إن جعل سادساً من المدارك النظريّة.

فالمجتهد المطلق لا المتجزّي ؛ لأنّه كالعامي في المأخذ مأخذه العقل والسمع ،

__________________

(١) في «س» ، «م» : وجدته معيّناً معنى.

٢٢١

قطعيّاً أو ظنّيّاً (١) شرعيّاً ، من الكتاب والسنّة ، وما يتبعهما من الأحاديث القدسيّة ، أو باقي الكتب السماويّة على بعض الوجوه ، أو السنّة النبويّة أو الإماميّة ، أو ما يتبعها من أخبار الأنبياء السابقين أو أوصيائهم ، وسيرتهم ، وتقريرهم على بعض الوجوه ، أو الإجماع ، محصّلاً ومنقولاً ، وما يتبعه من السيرة القطعيّة ، أو القرائن العلميّة.

وليس الاجتهاد في المطالب الفقهيّة إلا كالاجتهاد في علم العربيّة : من اللغويّة ، والنحويّة ، والصرفيّة ، وفي العلوم العقليّة ، وكالاجتهاد في باقي الصناعات ، من كتابة أو صياغة أو نحوهما ، يعرف الإنسان اجتهاد نفسه فيها بعرض ما يقع منه من علم أو عمل على ما يقع من الماهرين العارفين المتبصّرين ، فإن توافقا كان منهم.

فالمتفقّه إن وافق الفقهاء في تحقيقات المسائل ، وكيفيّة الأخذ من الشواهد والدلائل وافق مذهبه مذهبهم أو خالفه عرف أنّه متّصف بصفة الاجتهاد ، ولا يجوز له الرجوع إلى غيره والانقياد ، إلا فيما تعارضت فيه الدلائل ، وكان فيه بمنزلة الجاهل ، وانسدّ عليه الباب ، حتّى طريق أصل البراءة مثلاً والاستصحاب.

وأمّا غيره فإن كانت له قابليّة وممارسة في الجملة بالمطالب الفقهيّة أمكنه معرفة المجتهد بنفسه ، من دون واسطة غيره بمناظرته ، والحضور في مدرسته ، والنظر في تصنيفه وكتابته ، وإلا رجع في معرفته إلى مسلّم الاجتهاد ولو كان واحداً ، أو إلى شاهدي عدل من المشتغلين والمحصّلين ، والأحوط الاقتصار على بلوغ اليقين ، وله الاكتفاء بالشياع ، وشهرة تملأ الأسماع.

وللاجتهاد مراتب متفاوتة ، ودرجات متباعدة ، لا يصل إلى تمييزها ، ولا يهتدي إلى معرفتها سوى البصير الماهر.

ويجب على المجتهدين استفراغ الوسع في طلب الدليل من المأخذ بمقدار ما يتيسّر لهم فيها ، والبحث في الدلالة ، وطلب المعارض ، والنظر في الأُصول ، والقواعد ، وآيات الأحكام ، وإذا حصل لهم الاطمئنان من غير طلب فلا يجب الطلب.

__________________

(١) في «م» ، «س» : أو سمعياً.

٢٢٢

وليتّقوا الله في ترك التهجّم على الأحكام قبل النظر التام ، وفي ترك الوسواس الباعث على لزوم الحرج على الناس.

ولا يلزمه معرفة آراء الأحياء من المجتهدين ، وأمّا الأموات فلا بدّ من الرجوع إلى أقوالهم بمقدار الحاجة ، لرجاء تحصيل الإجماع أو الشهرة ؛ محصّلين أو منقولين ، بسيطين أو مركّبين ، أو لتعرّف مواضع الإشكال ، أو للتأييد ببعض الأقوال.

ويجب على من لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق الرجوع إلى من بلغها ، مع عدالته وضبطه ، مشافهة أو بواسطة العدل الضابط ، متّحداً أو متعدّداً ، مفتياً أو راوياً.

ولو حصل التعارض في النقل أخذ بالترجيح ، أو كتابه الموضوع للفتوى السالم من الغلط ، مباشرة مع قابليّته لفهمه ، أو بالواسطة بشروطه السابقة.

ولو تعارض الشفاه والكتاب ، أو ناقلاهما ، قدّم الشفاه وناقله ، وفي تقديم الكتاب على راوي الشفاه بطريق المظنّة قوّة.

ولو اختلفت كتبه أو شفاهه أو حصل الاختلاف بينهما ، أخذ بالمؤخّر ، ومع جهل التاريخ يبطل التعويل عليهما (١) معاً ولو علم تاريخ أحدهما فقط.

وتكفي المظنّة في فهم الكتاب ، كما تكفي في فهم الخطاب.

وإن علم عدوله في بعض الأحكام المدلول عليها بخطابه ، أو المرسومة في كتابه بقي على تقليده السابق مع عدم الحصر.

وإن علم عدوله عن حكم مخصوص ثابت بطريق علميّ عدل عمّا كان عليه أوّلاً إلى ما صار إليه أخيراً. وإن كان ظنّيّاً (٢) كان الأقوى ذلك أيضاً ، وإن لم توجب هنا قضاء ما عمل أوّلاً ولا إعادته (٣).

ولو نسي المأخذ بقي هو ومقلّدوه على ما كان عليه ، ولو قلّد شخصاً ونسيه بقي على تقليده ، وجاز الإفتاء بفتواه مع إحراز قابليّته.

__________________

(١) في «م» ، «س» : عليها.

(٢) في «ح» زيادة : أو محتملاً.

(٣) في «م» ، «س» : ولا إعادة.

٢٢٣

ولو علم أنّ بعض المجتهدين الأحياء ذاهب إلى حكم ، ولم يعيّن المجتهد جاز الأخذ به ، ولا يلزمه البحث عن حال المجتهدين الآخرين ، ولا الأخذ بقول الأكثر ، ولا طلب الترجيح بينهم.

ولا يجوز التقليد لمن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد المطلق ، وإن ترجّح لجودة الفهم ، وقرب العهد ، وكثرة الموافق.

وإذا انسدّ الطريق لفقد المجتهد ، أو بُعده ، أو منع التقيّة ونحوها عن الوصول إليه ، وعدم الواسطة والكتاب أو تعسّر الوصول إليهما ، وكان للاحتياط طريق لا يستتبع حرجاً وجب الأخذ به ، وإلا اعتمد مع العلم بالتكليف وإجماله مع قابليّته في الجملة على ترجيحه من الأدلّة ، من كتاب أو سنّة أو إجماع ثمّ شهرة منقولين أو محصّلين.

وإن لم يكن من أهل ذلك رجع إلى الكتب المعتمدة المشتملة على فتاوى الأموات الأقرب إلى الضبط والاعتماد فالأقرب ، ككتب الشهيد الأوّل ، والمحقّق ، ونحوهما ، مباشرة أو بالواسطة.

فإن فَقَد القابليّة والواسطة رجع إلى بعض الثقات العارفين فيما يفهمونه من الأدلّة ، الأعرف فالأعرف ، والأعدل فالأعدل ، بالمشافهة أو بالواسطة.

وإن تعذّر ذلك رجع إلى الظنون الحدسيّة ، والاستقرائيّة ، وخبر الفاسق وغيرها ، إلا ما دخل في اسم القياس في وجه قويّ.

وإذا تعذّر الجميع وجبت الهجرة عن تلك الديار ، وربما قيل بالوجوب في جميع أقسام الاضطرار (١).

ومع تعدّد المرجع ، واتّفاق (٢) الفضيلة ، يتخيّر في الرجوع إلى من شاء.

ومع التفاوت ، وعدم العلم بالاختلاف يتخيّر بين الفاضل والمفضول ، والأحوط تعيّن الفاضل مع الإمكان ، ولا سيّما في البلد الواحد ، ومع العلم بالاختلاف في المسألة يتعيّن الأخذ بقول الفاضل.

__________________

(١) انظر المبسوط ٢ : ٤.

(٢) في «س» ، «م» : وإطباق.

٢٢٤

وإذا قلّد مجتهداً في مسألة تقليد عاملٍ لا مستخبرٍ ، عمل أو لا لم يجز له العدول إلى غيره في تلك المسألة ، وإن كان الثاني أفضل.

ولا بأس بأن يقلّد متعدّدين في مسائل متعدّدة ، في عبادة واحدة أو متعدّدة ، صلاة أو غيرها ، ما لم تقض (١) صحّة إحداهما بفساد الأُخرى ، فتلحق (٢) حينئذٍ بالمسألة الواحدة يتخيّر فيها مع عدم السبق ، وإلا تعيّن العمل على التقليد السابق.

ولو كان في يده كتاب يريد العمل به جملةً ، ولم يشخّص مسائله ، لم يكن مقلّداً إلا تلك المسائل التي عمل بها أو علمها للعمل.

ولو قلّد مجتهداً لم يجز له الفتوى بقول غيره ويجوز له بل للمجتهد نقل فتوى غيره.

وتقليد الميّت بعد الموت أبعد في الجواز من تقليد المجتهد المجنون أو العارض له الجهل بعد جهله وجنونه ، ولا يسمّى تقليداً ، ولو قلّد حيّاً أو عاقلاً ثمّ مات أو جُنّ بقي على تقليده.

ولو تعارضت فضيلة العلم والصلاح وقوّة الفهم والحفظ قدّم العلم والفهم مع العدالة.

ولا يجب الرجوع إلى المجتهد في خصوصيّات السنن ، مع العلم برجحانها على وجه العموم من أذكار ، أو دعوات ، أو قراءة مخصوصة ، أو زيارات ، أو صلاة ، أو صيام ، أو صدقاتٍ ، ونحوها من جهة خصوص زمان أو مكان أو جهة أو وضع أو نحوها.

بل يكفي في رجحانها المستند إلى الاحتياط في تحصيل أفضل الفردين أو الأفراد قول الفقيه الواحد ، حيّاً أو ميّتاً ، وحصول مظنّة في الجملة من أيّ جهة كانت ، عدا القياس في وجه قوي.

وأمّا ما لم يعلم رجحان أصله كصلاة الأعرابي فلا تؤخذ من غير طريق شرعيّ. والرواية الضعيفة هنا من الطرق الشرعيّة ، ما لم يعارضها دليل التحريم أو الكراهة وإن ضعفا. ولا يشترط في حجّيّة الرواية الضعيفة اشتمالها على مقادير الثواب ،

__________________

(١) وفي «ح» : ينقض.

(٢) في «ح» : فتلخّص.

٢٢٥

ومسألة الكراهة كمسألة الندب.

البحث الخمسون

في أنّ المرجع في أخذ الأحكام شرعيّاتها وعقليّاتها وعاديّاتها لا يكون إلا إلى طريق قاطع يكون مرأة كاشفة عن الواقع.

فالقطع بالحكم الشرعي بطريق عقلي أو سمعي يؤخذ من المعصوم مشافهة أو بواسطة لا يجوز عليها الخطأ ، أو من كتاب الله تعالى على وجه لا يكون في المقام احتمال الخلاف ، ولو ضعيفاً من جهة الواسطة ، أو احتمال خلاف المراد من مداليل الألفاظ.

فمتى دخل الظنّ لم يجز الحكم ؛ لأنّه لا يغني من الحقّ شيئاً ، لكن قامت البديهة ، والسيرة القاطعة ، والإجماع ، وضرورة التكليف على الاكتفاء بالظنّ الناشئ عن الدلالة في كتابٍ أو متواترٍ أو إجماع لفظيّين ، كما قامت على اعتبار القواعد الشرعيّة التي هي العمدة في إثبات الأحكام.

ودلّ الدليل على الاكتفاء بخبر العدل الواحد فضلاً عن العدلين والعدول في ثبوت الموضوعات ، والأحكام الشرعيّة ، حيث يكون مخبراً عن علم ويقين. ولو أخبر عن وهم ، أو شكّ ، أو ظنّ لم يكن من المخبرين.

فليس الرجوع إلى المجتهدين من القضاة والمفتين من جهة الرواية كما في الرواة والمحدّثين (في الفتوى) (١) والقضاء إلا من المناصب المفوّض أمرها إلى الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام دون من عداهم من الأُمّة ؛ لأنّ الرجوع إلى الظانّ في خبر أو حكم ممّا لم يقم عليه البرهان ، والأُصول والقواعد تقضي بخلافه ، حتّى يقوم الدليل على خلافه.

وما دلّ على الرجوع إلى العلماء في قضاء أو إفتاء لا يُفهم منه سوى الرجوع إلى الأحياء.

__________________

(١) في «ح» ، «م» : فالفتوى. ويحتمل كونه تصحيف : فما الفتوى.

٢٢٦

والتمسّك بالاستصحاب موقوف على حصول السؤال والجواب ، على أنّ ذلك من الممنوع ؛ لما فيه من تغيّر الموضوع ، وزعم إجراء الاستصحاب في حجيّة الكلام المنقول بعد الموت أو الرأي أو الكتابة من الأغلاط ؛ لأنّها ليست بحجج إلا مع تحقّق معنى الرجوع ، وقد فات ؛ لأنّ المقام من التعبّد ، لأمن الظنون الاجتهادية كالحاصل من كلام الراوي ، بل الإفتاء كالقضاء ، مع أنّ في ذلك اختلال النظام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

والرجوع إلى الميّت ، والمجنون ، والمغمى عليه ، والناسي ، والساهي ، والنائم قبل حصول الاتصاف رجوع إلى الحيّ ، والعاقل ، والصاحي ، والذاكر ، والمتفطّن ؛ لأنّ المدار في صدق تعلّق الأفعال بالموصوفات (١) على زمان الاتّصاف ، فيكون مشمولاً للأخبار ، ومتمشياً فيه دليل الاستصحاب ، وأصل العدم ، وما دلّ على أنّ أحكام محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستمرّة لا تنقض إلى الأبد ، مع أنّ فتواه تعلّقت بالاستمرار ، فردّها ردّ على الله تعالى ، ومتعلّقها من حلال محمّد (ص) أو حرامه فيستمرّ.

وأمّا بعد حصول الاتّصاف فلا يجري حكم الرجوع إلا في محلّ القطع من الرجوع إليه أو إلى كتابه ، أو واسطته وقت الاتّصاف ؛ لدخوله في معنى الرجوع ، فلا اعتماد على قول الميّت بعد موته ، ولا كتابه ، ولا واسطته ، وكلّ ذلك سائغ في الحيّ ؛ لأنّه من الرجوع ، بخلاف الأوّل.

وعلى القول بجوازه لا بدّ من تقليد الحيّ فيه ، ومنع الميّت تقليد الميّت لا يمنع تقليده مع تقليد الحيّ فيه.

ثمّ على تقدير الجواز كثير من كتب الفقهاء ليست من كتب الفتوى ، كما يظهر من التتبّع ، ومن بعض ما ذكر يعلم عدم جواز تقليد مجتهد في حكم خاصّ بعد تقليد آخر فيه.

ومجرّد العلم بالفتوى والاطّلاع على المذهب مشافهة أو عن واسطة أو كتاب

__________________

(١) في «ح» ، «م» : بالموضوعات.

٢٢٧

لا بقصد العمل ليس من التقليد.

وتمشّي الأحكام والفتاوى من العلماء السابقين والمجتهدين الماضين المستمرّة الآثار على مرور الأعصار أظهر من الشمس في رائعة النهار ؛ ولو لا ذلك لسلبت الزوجة من بعلها ، وأخليت الدار من أهلها ، بعد مضيّ دهور وأعوام ، وذلك منفيّ بالسيرة القاطعة من العلماء والعوام ، وهذا من تقليد الأحياء ، فلا تشمله أكثر عبارات العلماء.

وليس العمل بالروايات مع جبر الشهرة أو مع نقد النقدة (١) ، ولا بالتعديل والجرح ، ولا بما في المصابيح والمزارات ، وبيان معاني الألفاظ الشرعيّة كالمعاني اللغويّة ، ولا الرجوع إلى الإجماع ؛ من التقليد كما لا يخفى.

البحث الحادي والخمسون

لما ظهر أنّ الاجتهاد والتقليد من الأحكام التعبّديّة ، وأنّ الاجتهاد من المناصب الشرعيّة ، والمنكر لذلك جاحد بلسانه ، معترف بجنانه ، وقوله مخالف لعمله ، فلا بدّ من الاقتصار فيه على محلّ اليقين.

وقضيّة اتّحاد المظنّة أو قوّتها من قول غير المجتهد إنّما تؤثّر لو لم نقل بالتعبّد ، ودليل الرجوع إلى العلماء إن لم يكن ظاهراً في المطلق فلا أقلّ من الإجمال.

والاستناد إلى أنّ مقتضى الخطاب رجوع المخاطب إلى فهمه في تكليف نفسه ، ولا قائل بالفرق ؛ مردود بأنّا لا نشكّ بأنّه مشروط ، وإلا لعمّ ، والشرط مجمل على أنّ الخطاب تعلّقت أفراده بالأفراد ، فلا يجري في حكم الجملة ، فلا يتمشّى في خطاب غيره ، وأن الاحتياج إلى الاستعداد لا كلام فيه.

ثمّ إنّه لا يجوز تقليد متجزئ إلا عن إذن المطلق ، ولا مفضول إلا عن إذن الفاضل ، ولا ميّت مع تقليده قبل الموت أو بعده لو قلنا بجوازه إلا عن إذن الحيّ ، ولا الرجوع إلى كتاب الفاضل أو واسطته ما لم يبلغ حدّ القطع إلا عن إذنه أو إذن مجتهد آخر.

__________________

(١) في س» : فقد النقدة.

٢٢٨

والظاهر أنّ جواز تقليد المجتهدين المتعدّدين في مسائل متعدّدة مقطوع به من تتبّع السيرة ، فلا يحتاج إلى تقليد في عبادة واحدة أو متعددة صلاة واحدة أو غيرها مع عدم التنافي.

وأمّا العدول من تقليد مجتهد إلى آخر في مسألة خاصّة بعد صدق اسم التقليد عَمِلَ أو لم يَعمَل فغير جائز ، إلا إذا قلّد المجوّز ؛ لأنّ حكمه دائميّ مطلقاً لا مقيّد ، فالعدول عنه ردّ عليه ، وهو ردّ على الله تعالى ؛ ولأنّه دخل في حلال محمّد (ص) وحرامه ، وهذا يجري في تقليد الحيّ ، ثمّ يموت.

كما لا يجوز تقليد المفضول مع العلم بمذهب الفاضل ، ومع التساوي لا حاجة إلى التقليد في التخيير.

وإذا تعارض الخصمان قُدّم الأفضل ، فإن تساويا قدّم اختيار المدّعى بعد الحضور عند الحاكم وطلبه ، وقبله يجي‌ء حكم التداعي ، وفي التداعي يتخيّر ، وبعد التعارض يقترعان.

وإذا دار الأمر بين أمرين نظريّين بطل العمل من كلّ من العاملين إذا لم يأخذا عن تقليد ، كصلاة الظهر والجمعة ، والصلاة قصراً وتماماً لمن قصد الأربعة ذهاباً وإياباً ، وصلاة التمام والقصر في مواضع التخيير ، ونحو ذلك.

ويجوز للواسطة الإفتاء من غير استناد ؛ لأنّه أخذ عن دليل وحجّة ، فهو كالمفتي.

ويقوى إلحاق رواية المجتهد برواية الإمام ، في تعديل ، وتضعيف ، وتحسين ، وتوثيق ، وإرسال ، وإضمار ، وقطع ، ووقف ، وغير ذلك ؛ فما هو حجّة فهو حجّة ، وفي صورة تعارض النقلة بعض مع بعض ، وتعارضهم مع الكتاب يجري فيه نحو تعارض الأخبار.

ورجوع المجتهد إلى مجتهد آخر وإن كان أفضل على وجه التقليد غير جائز على وفق القاعدة ، ورجوعه لانسداد الطريق العلمي ، وحصول الظنّ بقوله ، وفي السنن ؛ للاكتفاء بمطلق الظنّ أو لعدّه راوياً ليس من التقليد.

٢٢٩

البحث الثاني والخمسون

في بيان تفاصيل السنن ، وهي أقسام :

أوّلها : ما علم فيه استحباب الأصل ، وشكّ في رجحان الخصوصيّة.

ثانيها : ما دار بين المباح والسنّة.

ثالثها : ما جهل حكمها بالمرّة.

رابعها : ما لم تثبت شرعيّته بالأصل ، ولا معارض له ، كوضوء الحائض والجنب.

خامسها : ما كان مخالفاً لقاعدة شرعيّة ، كصوم النافلة في السفر ، ونذر الإحرام قبل الميقات ، ونذر الصوم حضراً وسفراً ، وركعتي الوتيرة إن جعلت نافلة للعشاء ، والزيادة على الثنتين في النوافل.

سادسها : ما كان داخلاً تحت عموم أدلّة التحريم والكراهة الذاتيّين.

والظاهر في القسم الأوّل الاكتفاء بمجرّد المظنّة من قول فقيه ، أو من غيره ، فضلاً عن الرواية الضعيفة ، بل الاحتمال القويّ كافٍ ؛ لأنّ طريق الاحتياط في تحصيل رجحان الخصوصيّة حجّة شرعيّة ، كما هو كذلك فيما يحتمل الوجوب والحرمة.

والقسم الثاني ويقع في الاداب والرواجح الغير المشروطة بالنيّة ملحق بسابقه.

والقسم الثالث والرابع لا يثبتان إلا بحجّة ، ولو رواية (١) ضعيفة ؛ لدخولها في أدلّة السنن.

وأمّا القسم الخامس فيحتمل فيه ذلك ، نظراً إلى أنّ الرواية الضعيفة لمّا استفيد أنّها حجّة في السنن والاداب والمكروهات ، ارتفع احتمال التشريع بوجود الدليل. ويقوى إلحاقه بالقسم الاتي ؛ لأنّ الخبر الضعيف لا ينهض في تخصيص القاعدة المستفادة من الأدلّة. ورفع التشريع إنّما هو في الأقسام الأوّلة.

وأمّا السادس فلا ينبغي الشك في مساواته لسائر الأحكام ، ولا يعتمد فيه على ضعيف الأخبار.

__________________

(١) في «م» ، «س» : لرواية.

٢٣٠

البحث الثالث والخمسون

أنّه ممّا حكمت به بديهة العقل واتّفقت عليه العقلاء رجحان الاحتياط في جلب المنافع ودفع المفاسد ، دنياويّة أو أُخراويّة ؛ لمجرّد قيام الاحتمال بوجه يكون ملحوظاً عند العقلاء ، لا ما يبلغ بصاحبه حدّ الوسواس ، فلا رجحانيّة في اتّباع الأوهام الضعيفة التي يقبح اعتبارها عند العقلاء في جلب منفعة أو دفع مفسدة بحسب الدنيا والآخرة.

ويرعى الاحتمال ويرجح الإتيان بمتعلّقه إلا ما قام الدليل على منعه ، فيرجح الإتيان بكلّ ما قام فيه احتمال موافقة مكارم الأخلاق وجميع ما قام فيه احتمال الرجحان.

فإنّ العقلاء حاكمون حكماً قاطعاً برجحان الهرب من كلّ محلّ يحتمل فيه ترتّب الضرر (١) ، ورجحانيّة كلّ فعل مرجوّ النفع.

وأنّ العبد متى ظنّ حصول رضا المولى بفعلٍ فعله أو تركٍ تركه.

وأنّ جميع ما احتمل فيه الرجحان شرعاً من هيئة قيام أو جلوس أو آداب ، أو أخلاق ، أو لباس ، أو مطلق طريق معاش حكم برجحانه.

وكذا محتمل الرجحان من خصوصيّة عبادة ، باعتبار خصوص مكان ، أو زمان ، أو وضع ونحوها ، مع العلم برجحان أصل الطبيعة.

فمحتمل الرجحان إن لم يكن عبادة بالمعنى الأخصّ يرجح فعله بمجرّد الاحتمال المعقول عند العقلاء ، وإن كان عبادة بالمعنى الأخصّ فكذلك مع العلم باستحباب أصل الحقيقة ، سواء جاء الاحتمال من حجّة ضعيفة ، أو فتوى فقهاء ، أو فقيه واحد ، أو غير ذلك ممّا لم يدخل في القياس في وجه.

ودليل الاستحباب تكفي فيه الأوامر العامّة بالقيام بحقّ العبوديّة ، وزيادة العناية بالمطالب الشرعيّة ، ومن حاول فعل ما يحتمل طلبه أدخل في طاعة الله ممّن فعل ما علم

__________________

(١) في «س» ، «م» : قرب الضرر.

٢٣١

بالدليل ندبه ، فما دلّ من عقل أو نقل على رجحان ما كان من العبادات يقتضي اتصافه بالندب والاستحباب ، وما كان من صفة كمال أو آداب يدخله في قسم الكمالات والآداب.

ومن علم سيرة العبيد مع الموالي وكلّ أمر مع مأموره ، وطريقة أهل التقوى والورع من أهل الشرع ، لم يجد بدّاً من الميل إلى ما مِلنا إليه ، ولا التعويل إلا على ما عوّلنا عليه.

البحث الرابع والخمسون

في أنّ الاحتياط في الجواز والحرمة والطهارة والنجاسة ، لا يجري في الأُمور العامّة ؛ لترتّب الحرج على الخطاب بها ، وإن كان ندبيّاً.

ويرشد إلى ذلك في القسم الأوّل النظر إلى حال الحبوب من حنطة وشعير وذرّة وأرز ونحوها ، وإلى حال الملبوس والمفروش من القطن والكتّان والحرير ، وحال الصوف والوَبَر والشعر ، واللحوم ، والشحوم والأدهان من الحيوانات الأهليّة ؛ فإنّ إباحتها موقوفة على سلامة سلسلة الأُصول من يوم ابتداء الخلق إلى زمان الانتفاع ، من دخول غصب أو حرمان إرث ، أو تعلّق زكاة ، أو خمس ، ونحو ذلك. وفي الحيوانات بسلامة الأُمّهات كذلك.

وممّا يرشد إلى ذلك : استمرار سيرة الأجلاء والأولياء من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام وجميع علماء أهل الإسلام على استعمال الدراهم المسكوكة بسكّة حكّام الجور من خاصّة أموالهم ، وعلى أخذ أموال الأعراب ، وركوب إبلهم خصوصاً في طريق الحجاز ، والتصرّف في أدهانهم وألبانهم.

فمن يطلب الحلال الواقعي بأخذ البذر من بلاد الكفّار الحربيّين ، وأراد حصول العلم فقد ضيّق على نفسه ، وتعرّض للإتيان بما لم يسبق به من نبيّ ، أو وصيّ ، أو عالم ، أو ورع تقي.

ثمّ إنّه قد طلب محالاً ؛ لأنّه كيف يعلم أنّه في تضاعيف الطبقات من مبدأ خلق الأُصول لم يدخل غصب من مال معصوم ، مع أنّ أموال المسلمين لم تزل نهباً في

٢٣٢

أيدي الكفّار.

ولو أنّ مثل هذه الأُمور يكون لها رجحان ووجه مقبول ، ما خلت عنه الأخبار ، ولظهر منه أثر في الآثار ، ولم يغفل عنه العلماء الأبرار من قديم الأعصار.

وفي القسم الثاني : عدم تحاشي المسلمين ، من أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الطاهرين إلى يومنا هذا من استعمال السكّر والعقاقير والأقمشة المجتلبة من الهند ، ومن المظنون بحيث يقارب القطع أنّها ممّا تعملها الكفّار.

وعدم التحاشي عمّا يُصنع من الأدهان المتّخذة من السمسِم ونحوه ودبس التمر والعنب في مقامٍ واحدٍ بُرهة من الدهر ، ومن البعيد جدّاً أن لا تصيب محلّه نجاسة في حين من الأحيان خصوصاً ما يكون من السمسم ، فإنّه لا يخلو عن فضلة الفأر ، ونحو ذلك.

فمن تعاطى غسل الأقمشة الهنديّة إذا أراد لبسها ، وهجر استعمال البرغال والجلد المسمّى عند العجم بالصاغريّ والأدهان الطيّبة المجتلبة من بلاد الهند إلى غير ذلك طلباً للاحتياط كان أتياً بالمرجوح دون الراجح.

البحث الخامس والخمسون

في أنّ متعلّق الأحكام في العبادات ، والمعاملات ، والأحكام قسمان لا ثالث لهما في نوع الإنسان ذكر وأُنثى ، كما يظهر من ظاهر الكتاب والأخبار وكلام الأصحاب.

فما تعلّق من الأحكام بمطلق الإنسان لا يختلف فيه الحال ، وكذا ما تعلّق بالذكر أو الأُنثى مع العلم بأنّه من النساء أو الرجال.

وقد يحصل اشتباه في الحكم لاشتباه الموضوع فيهما ، وذلك في قسمين :

أحدهما : الخنثى الجامعة بين الفرجين مع تساوي البولين فيهما ابتداء وانقطاعاً ، فتكون مشكلاً لا يعرف أنّها ذكر أو أُنثى ، ولو اختلفا فلا إشكال ؛ فإنّ المدار على السابق ، ولو تأخّر الأخر في الانقطاع ، ولو تساويا ابتداء فالمدار على المتأخّر في الانقطاع ، ولو اضطرب الأمر فالمدار على الأكثر ، ولو تساويا دخل في المشكل ، كما إذا ذهل عن الاختبار ، ولم يتحقّق عنده الحال.

٢٣٣

ولو قيل بارتفاع الإشكال بعدّ (١) الأضلاع فإن كانت ثمانية عشر في كلّ جانب تسعة فهي أُنثى ، وإن كانت سبعة عشر في الأيمن تسعة وفي الأيسر ثمانية فهو ذكر ؛ لخلق حوّاء من ضلع آدم الأيسر ، أو قيل بالعمل بالقرائن المفيدة للظّن ، كاللحية والشارب ، وانتفاخ الثديين ، والحبل ، والإحبال من دون بلوغ حدّ القطع كان قريباً ، ولو بلغ حدّه فلا بحث في البناء عليه. والاقتصار على المذكور في الروايات وكلام الأصحاب أولى.

ثانيهما : الممسوح الخارج بوله من ثقب في موضع الفرج أو في غيره ، أو من لحمة رابية ، أو من دبره ، أو من فمه يتقيّأ منه ما في بطنه ، فلا تعلم ذكورته من أُنوثته.

وحكمه ظاهر (٢) فيما قام عليه الدليل من توريث الخنثى على احتسابها نصف ذكر ونصف أُنثى. وبناء الممسوح على القرعة بكتابة الصنفين والعمل على الخارج منهما.

أمّا ما لم يمكن إثباته بالاستدلال فهو مشكل غاية الإشكال ، ومقتضى الأصل والقاعدة فيهما البناء في الحكم ، على ما يوافق أصل البراءة في مقام اعتباره من شغله بواجب أو ندب ، وهو ما إذا اختصّ التكليف بأحد الصنفين دون الأخر في غير مقام شغل الذمّة فينتفي بالأصل ، كالذكورة في صلاة الجمعة والعيدين ، ولباس الحرير والذهب في غير الصلاة ، والجهاد والختان والأذان للرجال ، والإقامة والإمامة لهم ، وباقي التكاليف المشروطة بالذكورة.

والأُنوثة في بلوغ العدد ، والعقل (٣) ، والتستّر ، وحرمة سماع الصوت ، وباقي الأحكام المتعلّقة بالنساء.

أو على ما يوافق أصل بقاء شغل الذمّة ، فيقضي بثبوته كالذكورة في لبس الحرير والذهب حال الصلاة ، والتقدّم في الصلاة بجماعة ، والاجتماع مع الأُنثى (٤) حال

__________________

(١) في «م» ، «س» : بعدد.

(٢) في «ح» زيادة : واحتمال عدّ الأضلاع على القول به في الخنثى بعيد.

(٣) ليست في «م».

(٤) في «س» : الخنثى بدل الأنثى.

٢٣٤

الصلاة مع عدم الشرط ، وتخفيف حكم المربّي.

والأُنوثة في عدم الاكتفاء بالصبّ في بول الطفل ، واحتسابه أحد الأربعة في تراوح البئر ، إلى غير ذلك.

أو على ما يوافق أصل العدم ، كالأُنوثة في الشهادة على ما يخفى على الرجال ، وملكيّة المحارم ، وثبوت ربع الوصيّة لو منعنا ثبوت شي‌ء بشهادة الرجل الواحد ، وما قيّد بالنساء من نذر ونحوه ، أو ثبت لهنّ خاصّة كالحضانة ونحوها.

والذكورة فيما علّق بالنذر ونحوه بها ، وفي استحقاق السهم الزائد في (١) الميراث ، والولايات الثابتة للذكور في الأموال ، وتجهيز الأموات ، واحتسابه أحد الشاهدين ، والنصب للقضاء (٢) وفي وجوب الحدّ زائداً لها ، وفي ثبوت الارتداد الفطري ، ومطلوبيّة تمام فصول الأذان والإقامة ، وشدّة (٣) ندب غسل الجمعة في السفر ، ونحوها.

ومع اختلاف الحكمين ، وإمكان العمل بهما معاً يجب العمل ، فلا ينكح ، ولا يُنكح ، ولا ينظر ، ولا يُنظر ، ولا يختلي في بيت أو تحت غطاء مع الرجال أو النساء ، ويجمع بين صلاتين مع الاضطرار إلى لبس الثياب (٤) لبرد أو نحوه إحداهما بلباس من غير مأكول اللحم أو المتنجّس ، ساتراً لما يجب ستره في الصلاة على النساء مع حضور الرجال الأجانب ، والأُخرى بمقدار ستر العورتين إن حصل به الاكتفاء.

ومع التعارض ، و (٥) عدم إمكان العمل بهما يعمل على الراجح كستر الرأس في الإحرام للصلاة ولو كانت مندوبة على الأقوى ، والتعرّي أو لبس النجس للصلاة دون الحرير والذهب.

ويتخيّر عند تعذّر الجمع كالبدأة بظاهر الذراع في أوّل غسلة من الوضوء ، والختم

__________________

(١) في «م» ، «س» : وبدل في.

(٢) في «ح» زيادة : ونحوها.

(٣) في «ح» : ومثله في ندب.

(٤) في «ح» زيادة : بمقدار ما يستر العورة.

(٥) في «س» ، «م» : أو.

٢٣٥

بالباطن فيها ، أو الأوّل في الأُولى والثاني في الغسلة الثانية.

واحتمال نيّة الراجحة في المتعدّد (١) غير خال عن الوجه ، وآداب الصلاة ، ويجري الاحتمال الثاني فيها في وجه أبعد منه فيه.

والأقوى سقوط النيّة (٢) فيه على الوجه الأوّل (٣) ، ويحتمل حصول الثواب إذا تقرّب باحتمال إصابة السنّة.

والقول بالقرعة في غير محلّ النصّ غير خال عن الوجه ، لولا ما يظهر من الإجماع على خلافه.

وادّعى بعضهم لزوم التكليف بالأخص (٤) دائماً ، فيحكم بثبوت ما ثبت على أحد الصنفين (٥) ؛ لتحصيل العلم بالفراغ بعد يقين الشغل بالتكليف في الجملة. وفيه نظر ؛ لأنّ تمشية ذلك في غير المحصور ينفي اعتبار أصل البراءة ، فإن ثبت الإجماع وجب الاتّباع.

البحث السادس والخمسون

في أنّ الإنسان بين صفتين لا ثالث لهما : الحرّيّة ، والرقّيّة فإذا تعلّق الحكم بصفة الإنسانيّة ، أو صفتي الحرّيّة ، والرقيّة وكانت إحداهما منفردة عن الأُخرى ، فلا كلام.

وإذا اجتمعتا في المحلّ الواحد كالمبعّض ، واختصّ الحكم بإحداهما دون الأُخرى ، ولم يكن قابلاً للتبعيض حكمنا بنفيه ، رجوعاً إلى الأصل.

ففي صلاة الجمعة ، والعيدين ، والحجّ ، والعمرة ، وصحّة الأيمان ، والنذور والعهود ، وفعل المندوبات من دون إذن ، والمأموريّة بالقضاء والإمامة ، والشهادة على المولى أو له أو مطلقاً ، ونحوها ، مملوك.

__________________

(١) في «م» : المتعددة.

(٢) في «س» : السنة.

(٣) في «س» : الأوجه.

(٤) في «م» ، «ح» : بالأخس.

(٥) في «س» : الصفتين.

٢٣٦

وفي كشف الرأس في الصلاة ، وستر تمام البدن فيها ، وتحليل البُضع للمولى بالملك ، أو اللمس والنظر ممّا لا يحلّ لغير المالك ونحوها حرّة.

وإن كان قابلاً للتبعيض والتوزيع بنى على ذلك عملاً بمقتضى الصفتين ، كالميراث ، والهبات ، والنذور ، والخدمة ، والصدقات ، والأوقاف ، والحيازة ، والالتقاط ، وجميع التملّكات ، والحقوق ، ونحوها ممّا يقبل التوزيع.

وإن تعدّد الحكم واختلف الحكمان كما في الحدود والتعزيرات مثلاً تبعّض الحكمان ، وإن حصل التعارض ولم يمكن الجمع وأمكن الخلوّ منهما كالنكاح والانكاح وجب ترك الحكمين معاً ، ومثلهما (١) حكم وطء المالك ؛ لأنّه لا يمكن بالنكاح أو الملك منفردين ولا مجتمعين ؛ إذ لا يتبعّض البضع.

وتشبه (٢) هذه المسألة في بعض الأحكام الحكم المتعلّق بالطلق أو بالوقف ، أو بالوقف العامّ أو الخاصّ ، فمع الانفراد يظهر الحكم ، ومع التبعيض يتوجّه التفصيل.

وتشبه هذه أيضاً المرهون ، والمحجور ، والمطلق عند الاجتماع ، ونحوها ممّا يترتّب عليه أحكام مختلفة بسبب الشركة.

خاتمة

في أنّ مقتضى القاعدة أنّ لكلّ مكلّف في عبادة ، أو معاملة ، أو حكم حكم نفسه وبدنه مستقلا من دون ربط بغيره.

وقد يحصل (٣) الربط في البين ، للاشتراك في جزء من البدنين ، كما إذا خلق الله تعالى على حقو واحد شخصين ، ويعرف اتّحادهما وتعدّدهما بالإيقاظ من النوم مكرّراً لتحصيل الاطمئنان ؛ فإن اتّفقا في اليقظة كانا واحداً ؛ وإلا كانا اثنين ، ويتفرّع على تعدّدهما أحكام كثيرة ليست بمحصورة.

__________________

(١) في «ح» زيادة : ترك.

(٢) في «م» ، «س» : ويشبه.

(٣) في «س» : يجعل.

٢٣٧

منها : مسألة الحدث الأصغر مع السبب المختصّ بأحدهما ممّا يتعلّق بالأعالي من نوم ونحوه ، فيتعلّق الأمر بالطهارة به وحده ، دون صاحبه على الأقوى.

فإذا حاول الوضوء وأراد الحركة إلى الماء وأبى عليه الأخر ، فهل له إجباره بنفسه ، أو مع الرجوع إلى الحاكم ، أو لا ، بل ينتقل فرضه إلى التيمّم مع حصول ما يتيمّم به؟

فإن احتاج إلى الحركة لطلبه فأبى عليه أيضاً احتمل فيه الإجبار المارّ ، وسقوط الصلاة لفقد الطهورين.

ولو أراد المسح على القدمين المشتركين فأبى عليه الأخر احتمل الإجبار ، والاكتفاء بالأعالي كالمقطوع ، والرجوع إلى التيمّم لاختصاصه بالعوالي.

ثمّ إذا كان الأوّل متطهراً فهل تنتقض طهارته بحدث صاحبه المتفرّع على العوالي ، حيث إنّ الحدث تعلّق بتمام البدن ، ومن جملته بعض أعضاء الوضوء من الأخر ، والوضوء لا يتبعّض ، أو تبقى طهارته ويختصّ الحدث بالعوالي ، فيجوز لكلّ منهما مماسّة الكتاب بالأسافل ، أو يختلف الحكم باختلافهما ، فيحرم المسّ من جهة المحدث دون المتطهّر.

وكذا الحكم فيما إذا التزم أحدهما بالوضوء لبعض الأسباب دون الأخر.

ومنها : ما إذا اشترك الحدث الأصغر بينهما ، فإن وجب الوضوء على أحدهما دون صاحبه لفراغه من صلاته جاء الحكم السابق ، وإن اشتركا في الوجوب كان القول بالإجبار فيه بأحد الوجهين السابقين أقوى من السابق.

ومنها : ما إذا اختصّ الحدث الأكبر بأحدهما لتعلّقه بالعوالي ، كمسّ الميّت بها من واحدٍ دون الأخر ، ففي مسألة التشريك في الأسافل والإجبار وعدمه نظير ما سبق فيما سبق.

ومنها : أنّه لو كان أحدهما صائماً ، فهل له منع المفطر عن الجماع مطلقاً ، أو لا مطلقاً ، أو في خصوص الواجب المعيّن لو قلنا بجوازه؟

ومنها : ما إذا اشترك الأكبر بينهما ، كما إذا أحدث من الأسافل أو اشتركا في العوالي ، ويجري الحكم في الإجبار وعدمه وإمكان طهارة أحدهما دون الأخر على

٢٣٨

نحو ما مرّ.

ومنها : أن يكون من أحدهما الأكبر ، ومن الأخر الأصغر ، وحكمه ظاهر ممّا سبق.

ومنها : لزوم إزالة النجاسة المتعلّقة بالمحلّ المشترك في محلّ الاستنجاء أو غيره ، أو بالخاصّ وأراد الذهاب لإزالتها ، والحكم يعلم بالمقايسة في المقامين.

ومنها : أنّه تسقط الجمعة عنه ، وصلاة الجماعة ، أو الانفراد في المسجد مع كفر الأخر ، بل يحرم الدخول إليه مطلقاً ولا سيّما مع جنابة الكافر.

ومنها : أنّه لو كان أحدهما فقط كافراً ، فهل ينجس محلّ الاشتراك ، فلا يطهر تغليباً للكفر ، أو يطهر تغليباً للإسلام؟

وعلى الأوّل ؛ هل يسقط التكليف بالطهارة لبطلان التبعيض ، أو ينزّل منزلة المقطوع ، أو يلزم التيمّم؟

وعلى القول بتغليب الطهارة يتعيّن الارتماس بالمعصوم ؛ لعدم إمكان التحفّظ من تنجيس الماء ، أو يلحق بالسابق.

ومنها : أنّه لو كان أحدهما كافراً حربيّا جاز لصاحبه استرقاقه إن تمكّن من قهره ، ولو قهره آخر ملكه.

وتقسم الأُجرة الحاصلة على وفق العمل ، فإذا عمل أحدهما بيديه ورجليه ، أو بيد ورجل ، كان له ثلاثة أرباع ، وللآخر الربع. أو بيدين ورجل كان له خمسة أسداس ، وللآخر السدس.

وإن عمل بإحدى يديه وكلتا رجليه كان له ثلثان ، وللاخر الثلث. كلّ ذلك مع تساوي اليد والرجل في العمل (١).

ولو كان الاسترقاق لأكثر من واحد قسموا معه ، واقتسموا بينهم ، ولمن استرقّه بيعه وإيجاره ونحو ذلك.

ومنها : أنّهما لو كانا مجتهدين ، أو مقلّدين ، أو مختلفين ، واختلف حكمهما مع

__________________

(١) في «ح» زيادة : ولو كان المسترقّان أجنبيين كان حكمهما نحو ما سبق.

٢٣٩

التدافع (١) اقترعا. و (٢) في ترجيح الأفضل في باب التقليد منهما أو الاختلاف وجه.

ومنها : أنّه لو مات أحدهما فقط ، فهل يُدعى ميّتاً تجري عليه الأحكام ، أو حيّاً لحياة بعضه فلا تجري عليه الأحكام مطلقاً ، أو لا تجري إلا بعد الفصل أو الانفصال؟.

وعلى الأوّل يجب قطعه مع عدم خوف السراية ، ومع الخوف يكفّن (٣) ويترك ما يتعلّق بالأسافل ، ويبعد احتمال تبعيّته.

ويصلّي عليه صاحبه إن شاء لو ساواه أو تقدّم الميّت عليه ، وإلا فغيره ، وفي إدخال الأسافل في النيّة وجه.

ولو قُطِعَ ممّا تحت الحقو عظم اشتركا في تجهيزه ، ولو أمكن قطعه مع عدم خوف السراية قطع. ويجب للتخلّص من النجاسة ، وللتجهيز إن كان مسلماً.

ومنها : أنّهما لو زنيا أو لاطا فهل عليهما حدّ واحد أو حدّان ، ولو جبر أحدهما صاحبه على الفعل أو كان نائماً أو غافلاً لم يكن عليه شي‌ء من الإثم ، ولا من مهر المثل للوطء المحرّم ، أو وطء الشبهة على إشكال.

ولو كان الجبر والشبهة منهما معاً كان على كلّ واحد نصف مهر المثل ، وكذا لو كان أحدهما جابراً والآخر مشتبهاً ، ويستقرّ الضمان على الجابر. واحتمال المهرين بعيد.

ويُلحق الولد بالمشتبه منهما. وفي الموطوء يُلحق الحامل المشتبه. ولو كان الحمل من غير المشتبه لم يلحق بواحد منهما. كلّ ذلك على اعتبار محلّ الحمل دون محلّ الولادة ، وإلا اختلف الحكم في بعض الصور.

وكذا لو فعل ما يوجب التعزير. وعلى كلّ حال لا بدّ من اجتناب الأسافل.

ومنها : درء الحدود والقصاص مع خوف السراية ، سواء كانت الجناية من أحدهما على صاحبه أو من خارج ، ويستوفى منه ما لا تخشى سرايته أو مقدار ذلك ، ولا يستوفى تماماً.

__________________

(١) في «ح» : الترافع.

(٢) الواو ليست في «س» ، «م».

(٣) في «ح» زيادة : ويترك المئزر ويخيّط ، أقول : يحتمل كونه تصحيف يحنّط.

٢٤٠